ج3. علم نفس النمو ج3.علم نفس النمو تحليل ناقد لنظريات النمو مدخل -تحليل ناقد لنظريات النمو
مدخل تحليل ناقد لنظريات النمو:
مقدمة:
إذا نظرنا إلى النظريات المفسّرة للنمو التي عرضناها، والتي صنَّفناها طبقًا لمظاهر النمو:
- فإننا قد تناولنا ظاهرة النمو العضوي النفسي من زاوية النضج في إطار نظرية جيزل، والنمو الجسمي والتعلّم الاجتماعي في إطار نظرية سيرز، والنمو الجنسي النفسي في ضوء نظرية فرويد.
- وفي إطار دراسة النمو النفسي الاجتماعي: فقد تناولنا نظريتي إريكسون ومارشيا.
- وفي إطار دراسة النمو المعرفي: فقد تناولنا توجهات: فارنر، وبرونر، وبياجيه.
- وفي إطار دراسة النمو اللغوي: تناولنا التوجهات السلوكية في ضوء نظرية التعلُّم والتشريط، والتوجه الفطري العقلي الذي تمثله نظرية تشومسكي، والتوجّه المعرفي في نظرية بياجيه وفيجوتسكي.
- وفي إطار النمو الخلقي: فقد تناولنا توجّهات التحليل النفسي، والتعلُّم الاجتماعي، والتوجه المعرفي في رأي بياجيه، وبك, وهافيجهرست، وكولبرج.
ومن الواضح من خلال هذا العرض أن هناك أربعة مداخل فرضت نفسها على النظريات التي تناولت مظاهر النمو المختلفة, هي: المدخل العضوي البيولوجي النفسي, والمدخل الدينامي، والمدخل السلوكي، والمدخل المعرفي، وقد ظهر مدخل خامس يستند إلى دراسة اللغويات في نظرية تشومسكي، وكما هي العادة, فعلى الرغم مما قد يظهر بين هذه النظريات من خلافٍ, فإن إمكانات التكامل بينها أكبر بكثير من مظاهر التعارض، ذلك أن علماء النفس يستخدمون المداخل الأربعة في كل ظاهرة نمائية، فكل مدخل يتناول مجموعة محددة من الافتراضات والبيانات والمصطلحات التي تختلف عن تلك التي يتناولها المدخل الآخر، لذا: فقد درج الباحثون اليوم على اتخاذ ذلك الموقف المتكامل بالنسبة للمداخل المختلفة، وهو أنهم ينتقون المدخل المناسب لتطبيقه في تفسير المظاهر النمائية التي يصلح أكثر من غيره في تفسيرها، فإلى الحد الذي يجدون فيه مدخلًا ما مفيدًا في تفسير بعض الحقائق النمائية, فإنهم يستخدمون ذلك المدخل في التفسير ما دام لا يتعارض مع المنهج العلمي بشكل عام. "محمد عماد الدين إسماعيل: 1989".
وفيما يلي نتناول النظريات التي عرضناها بنظرة نقدية فاحصة؛ لنتعرف على نواحي الاختلاف والاتفاق، وصولًا إلى إيجاد نظرية موحَّدة متكاملة لتفسر النمو الإنساني، وتوضيح مدى الاستفادة من هذه النظريات في التطبيق والممارسة التربوية.
(1/491)
أوجه الاختلاف بين النظريات:
1- تركيب النظريات وإطارها المرجعي:
إذا نظرنا إلى النظريات التي تَمَّ اختيارها في هذا الكتاب, والتي انتهينا من عرضها, نجد أن واضعي هذه النظريات ينتمون إلى توجيهات متباينة: دينامية، وسلوكية، ومعرفية، باستثناء نظرية تشومسكي في النمو اللغوي, فإنها تنتمي إلى مجال اللغويات؛ حيث كان صاحبها أحد العلماء اللغويين.
وإذا كانت الخمسينات من ق20 قد شهدت التشيع للتحليل النفسي والمنهج الدينامي في دراسة التشخصية ونموها، فإن هذا المنهج قد بدأ يفقد عرشه في الستينيات لتتربَّع عليه النظرية السلوكية. ومحل جاذبية هذه النظرية "السلوكية" أنها محمَّلة بالمصطلحات العلمية، وتدَّعي أنها مبنية على نظرية التعلُّم وعلى التجارب المعملية "ولو أنَّ طرق التعلم عبارة عن استنتاجات من تجارب أجريت على الحيوانات"، كما أنَّ أنصار السلوكية كانوا مسرفين ومبالغين في التشيع لآرائهم المتعلقة بالنمو وتشكيل السلوك, حتى أن "واطسون" قد نادى في مقولة له: "أعطوني اثني عشر طفلًا سويًّا وأنا أتولى تربيتهم وأخلق منهم أيّ شخصية تشاء: طبيبًا أو مهندسًا أو متسولًا أو لصًّا إن شئت بصرف النظر عن جنس آبائه وأجداده. ومثل ذلك نادى به "سكنر" حيث قال: "أعطى الخصائص أو المواصفات المطلوبة وسوف أعطيك الإنسان", وفي بداية السبعينات بدأ موت علم النفس السلوكي في صورته
(1/492)
الكلاسيكية, وإعادة ولادة علم النفس المعرفي الذي كان في هذه الحقبة يلفُّه ظلام كثيف، ولكن الأعمال المكثَّفة التي أجراها جان بياجيه وزملاؤه، وجيروم برونر, أعاد ولادة علم النفس المعرفي كأحد التطورات الهامة، وانتشر التأكيد على المعرفة في مجالات متنوعة من مظاهر السلوك الإنساني؛ كالنمو اللغوي، والنمو الأخلاقي، والسلوك الاجتماعي، حتى الدوافع أصبحت ذات توجّه معرفي، والتغذية الرجعية أصبحت تنطوي على عوامل معرفية. ومن هنا بدأت السلوكية تندمج في الإطار المعرفي فيما يُعْرَفُ بالاتجاه المعرفي السلوكي. "بتروسون: 1990". حتى الاتجاه الدينامي أصبح يفقد كثيرًا من طابعه التحليلي الكلاسيكي في ضوء تأثير العوامل الاجتماعية على فاعلية السلوك وبنية الشخصية، ومن ثَمَّ كانت نظرية إيرك إريكسون في النمو النفسي الاجتماعي بمثابة إعادة صياغة لنظرية التحليل النفسي في ضوء المتغيرات الحديثة، حتى إنه صرَّح بأنه: "فرويد لو كان حيًّا اليوم لأضاف لأعماله مستخدمًا المعارف والمتغيرات المعاصرة في إعادة تشكيل نظريته عن البيدو". فنجد أن إريكسون يلتزم بتحديات ومشاكل عصره، والظروف المتغيرة في عصر التغير السريع والحركات الاجتماعية ذات الطابع المتحول. "ماير: 1981، 21", وجاء جيمس مارشيا ليؤكّد المعنى السابق في تركيزه على خصائص النمو النفسي الاجتماعي, وتشكيل الهوية في مرحلة المراهقة.
2- المصطلحات:
من الوهلة الأولى نجد أن المصطلحات التي استخدمها أصحاب النظريات المختلفة تزيد من توضيح الفروق والاختلافات الأساسية بينها. كما أنَّ الالتزام المتشدد لكل صاحب نظرية بلغته الفنية الخاصة يضع عراقيل شديدة أمام مَنْ يرغب في استخدام مصطلحات إحدى النظريات استعمالًا مباشرًا مع النظرية الأخرى:
- فالمصطلحات الفريدة التي استخدمها نظرية التحليل النفسي لفرويد: كمسميات مراحل النمو: الفمية، الاستية، القضيبية، التناسلية، وسيادة مصطلحات خاصة: كالبيدو، والهو، والأنا، والأنا العليا، والأوديبية، والخصاء.. إلخ. مما لا يوجد
(1/493)
له مثيل في النظريات الأخرى, ويصعب استخدامه للتعبير عن مفاهيمها.
- وفي نظرية بياجيه: احتلَّت مصطلحات: التكيف، والتمثل "الاستيعاب", والمواءمة، والأبنية العقلية، والمخططات العقلية، والمراحل الحس حركية بمراحلها من ردود الفعل الدورية، وما قبل العمليات، والتفكير الحدسي.. إلخ.
- واستخدام سيرز مصطلحات يغلب عليها المفاهيم السلوكية ونظرية التعلُّم في الإطار الاجتماعي: كالأنظمة الدافعية الأولية والثانوية، والتعلُّم المتمركز في الأسرة وخارج نطاق الأسرة ... إلخ.
- أما جيزل فقد استمدَّ مصطلحاته من أسس النضج في المجالات المختلفة المرتبطة بقوائم أو سلالم نمائية متدرجة.
- ونجد أن برونر استخدام مصطلحات التوضيح النشط، والتوضيح التصويري والأيقوني، ... إلخ.
- في حين أن كولبرج فقد استخدام مصطلحات اجتماعية في تناوله للنمو الأخلاقي.
- أما النظريات الخاصة بالنمو اللغوي وخاصَّة نظرية تشومسكي فقد استخدمت مصطلحات الكفاءة، الأداء، العالميان اللغوية، البنية السطحية والعميقة.. إلخ.
وهكذا: فإنَّ كل نظرية لها مصطلحاتها وافتراضاتها في تفسير النمو الإنساني تختلف عن مصطلحات غيرها من النظريات.
3- مراحل النمو:
بعض النظريات خاصَّة النظريات السلوكية، والعقلية "خاصة نظرية فيجوتسكي"، ونظرية جيزل لم تحدد مراحل محددة متمايزة للنمو أو التغيُّر الذي يعتري سلوك الفرد، ذلك أنها لم تأخذ في الاعتبار الطفل ككل، كما لم تأخذ في الاعتبار كذلك ديناميات التفاعل بين الطفل والظروف البيئية, لقد جعلت هذه النظريات من الطفل كائنًا سلبيًّا يتقبَّل فقط ما يقع عليه من آثار، وتشكل البيئة سلوكه كما يشكل المثال قطعة الصلصال، كما نظرت إلى التغير في السلوك على أنه مجرد زيادة كمية, وليس عملية تنظيمية.
(1/494)
والواقع أن كلًّا من المدخلين الدينامي والمعرفي قد استكملا هذا العجز في نظريات التعلُّم السلوكية فاهتمَّت بالطفل باعتباره كائنًا ديناميًّا يتفاعل ككل مع الظروف البيئية، وأظهرت أن التغيُّر الذي يعتري سلوكه بناءً على ذلك إنما يتمّ على أساس مرحلي ذي نظام معين, تعتمد فيه كل مرحلة على ما قبلها, وتؤثر فيما بعدها. "محمد عماد الدين إسماعيل: 1989، 127".
ورغم أن المدخلين الدينامي والمعرفي قد وضعا مراحل محددة للنمو, فإن النظريات المنبثقة عن كلا المدخلين لا تتفق فيما بينها حول هذه المراحل:
ففي نظرية فرويد توجد خمس مراحل نمائية، وتفترض اكتمال نمو الشخصية فعليًّا عند المرحلة الخامسة، وتُعَدُّ المرحلة التناسلية التي تبدأ في المراهقة، ولا يصل إليها إلّا قلة من أفراد المجتمع, هي ذروة النمو. في حين شرح سيرز ثلاث مراحل نمائية آخرها التعلُّم المتركِّز خارج الأسرة, والتي تقابل العمر المدرسي. وعند برونر كانت مراحل النمو المعرفي ثلاث مراحل، وعند بياجيه كانت مراحل النمو الرئيسية أربعة مراحل آخرها مرحلة العمليات, أو الإجراءات الشكلية التي تبدأ في المراهقة. وفي نظرية كولبرج للنمو الخلقي تنقسم مراحل النمو إلى ثلاثة مستويات, ينبثق منها ست مراحل, آخرها مرحلة التمسك بمبدأ أخلاقي عام "وعلى الرغم من أن كولبرج لم يحدد سنوات لبداية ونهاية كل مرحلة, إلّا أنه من المعلوم أن هذه المرحلة تبدأ في المراهقة، ولا يصل إليها إلّا قلة من أفراد المجتمع". وكذلك فإنَّ بك وهافيجهرست قد وضعا أربع مراحل للنمو الخلقي تبدأ من المهد إلى المراهقة التي هي فترة الغيرية العقلانية، ولا نجد من بين نظريات النمو النفسي من امتدت تقسيماتها لمراحل النمو أبعد من ذلك, سوى نظرية إريكسون التي شرح فيه ثمانية مراحل نمائية متعاقبة, تمتد من المهد إلى الشيخوخة، وقصرت نظرية ماشيا تناولها للنمو على مرحلة المراهقة بصفة عامّة, والمراهقة المتأخرة بصفة خاصة.
وعلى الرغم من أن بعض أفكار النظريات المختلفة حول مراحل النمو قد قبلت بشكل عام، إلّا أنه لا توجد مجموعة واحدة من المراحل ينظر إليها على أنها
(1/495)
صحيحة تمامًا، غير أنَّ أغلب النظريات قصرت مراحل النمو على الطفولة والمراهقة، والقليل منها ما تناولت الرشد والشيخوخة.
وبذلك فإنَّ معظم النظريات النمائية قد أجمعت على أهمية السنوات المبكِّرة من عمر الطفل, خاصة مرحلتي المهد والطفولة المبكرة, وذلك بالنسبة لتكوين الشخصية, فإن مرحلتي الرشد والشيخوخة لم يهتمّ بهما سوى إريكسون, وبشيء من الاختصار, حتى أصبحت معلوماتنا عن هاتين المرحلتين يشوبها الكثير من القصور, رغم ما يحدث فيهما من تغيُّر في النواحي المعرفية والانفعالية والاجتماعية، ورغم ما تمثله من عطاء وإنتاج توجب الاهتمام بها؛ حيث يمثل أربابها الحكمة والتوجيه والخبرة التي يسير الصغار في ضوئها، أضف إلى ذلك أنَّ أفراد هاتين المرحلتين يمثلون نسبة كبيرة من سكان العالم. إننا في حاجة إلى دراسة كيف ينتهي النمو الإنساني مثلما نهتم بدراسة كيف يبدأ هذا النمو. "محمد السيد عبد الرحمن: 1998".
4- تأثير الخبرات السابقة على النمو:
فيما يختص بتأثير الخبرة السابقة على خبرات الفرد الحالية أو اللاحقة, يفترض فرويد تأثير السنوات الخمس الأولى على تشكيل الشخصية الإنسانية في سوائها واضطراباتها. ويفترض "إريكسون" خيطًا متصلًا من أحداث الحياة يبدأ مع بداية تاريخ حياة كل فرد, ويقنع "بياجيه" بأنَّ خبرات الحياة المبكرة تكون الأنماط الأساسية في مواجهة أحداث الحياة اللاحقة. ويرى "سيرز" أن الخبرات المبكرة المؤدية إلى الإشباع الذاتي تضر بالخبرات اللاحقة, إلى أن يؤدي تجمعها إلى البدء في إيجاد تأثير توجيهي على الفرد.
ومن ناحية أخرى, فإن كولبرج قد رأى أن الطفل يعايش صراعًا وتناقضًا يترتَّب عليه اختلال في التوازن فيما لديه من تركيبات أخلاقية قائمة, فيصبح غير قادر على أن يستوعب الخبرات الجديدة, وبالتالي يتلمَّس الطريقة التي يصل بها إلى تركيب آخر يقترب مما لديه، وعندما يتيقَّن أن هذا التركيب في صورته الجديدة يتفق أو يتلاءم مع ما يعيشه من مواقف وخبرات, يعمد إلى التوافق بين التركيب الجديد والقديم.
(1/496)
5- الفروق بين الجنسين:
فيما يختص بالفروق والاختلافات الجنسية يرى إريكسون أن الوليد يكون متميزًا جنسيًّا، فجنس الطفل يحدد تراثه السلالي ونمطه الاجتماعي والثقافي المحدد. وقد ذكر فرويد وجود فروق في النمو النفسي لكلا الجنسين، فالبناء النفسي المميز للمرحلة القضيبية على وجه الخصوص, وهي ما أطلق عليها المرحلة الأوديبية, يظهر فروقًا واسعة بين الجنسين؛ حيث تتكوَّن في هذه المرحلة العقد النفسية, ومنها عقدتي أوديب وإلكترا عندكلا الجنسين. ويعترف سيرز بالاختلافات الجنسية فقط إلى الحد الذي تؤثر فيه هذه الاختلافات على بيئة الطفل؛ حيث إنَّ هذه البيئة سوف تؤثِّر بدورها على الطفل. أمَّا أصحاب نظرية التعلُّم، والنظرية المعرفية, وعلى رأسهم بياجيه, فإنهم يعترفون بأنَّه لا توجد اختلافات جنسية أساسية في دراستهم للنمو بصفة عامة، وأصحاب هذه النظريات يعلموننا أن الذَّكَرَ والأنثى يستخدمان إجراءات عقلية متساوية، ولكن من الناحية النفسية فإن لهما ملكات مختلفة، ومن الناحية الاجتماعية فهما متساويان بقدر ما تسمح به العوامل الثقافية.
6- الخبرات الشعورية واللاشعورية:
يتحدَّى أصحاب نظرية التعلُّم والنظرية المعرفية الفكرة التحليلية لدى فرويد وأريكسون بأن الخبرات اللاشعورية كامنة في المراحل الأولى من النمو النفسي، بقدر ما هي كامنة في المراحل اللاحقة. ونجد أن بياجيه يتشكَّك ولكنه لا ينكر كليّة هذا المفهول التحليلي. وفي نظرية "بياجيه" لا يتملك الرضيع بعد الطاقة العقلية لإدراك وتذكُّر الأشياء عندما يكون متصلًا بها اتصالًا مباشرًا, ويرى "بياجيه" أن ذاكرة الخبرة وتصورها الذهني من المتطلبات السابقة على الذاكرة اللاشعورية، وظاهرة التحول "الانتقال". وهكذا فإن التذكُّر -شعوريًّا- لا يمكن أن يحدث الواقع حتى تتوافر لدى الطفل القدرة على الرميز "التعبير بالرموز", والحفظ وتذكر الخبرات السابقة، وهي قدرة لا تتحقق عادة إلّا عندما يبلغ الطفل العام الأول تقريبًا من عمره, وحتى في هذه السن تظل ذكرى الأشياء متصلة بذكرى تتابع الخبرة بأكملها, ولا يميل "سيرز" للموافقة على هذا الرأي. أمَّا
(1/497)
"إريكسون" فيقول: إنَّ الإجراءات اللاشعورية كحالات انفعالية يمكن أن تتكرَّر الخبرة بها مع قليل من تكوين الفكر العقلي أو بدونه, والنَّظر إلى هذه الاختلافات يرجع إلى تأثيرها على ترجمة النظرية إلى تطبيق, ففي التطبيق الفعلي للنظرية لا يتعامل الأخصائي مباشرة بالصورة الطفولية للوليد -كما يراها الطفل- حقيقة أو مستوحاة، شعورية أو لا شعورية, إلّا بقدر انطباقها على ردود فعل الطفل نحو أشخاص في خبرات حياته الجارية المستمرة باستمرار. وتشير النظريات إلى أنَّ الأفراد الذين في الوسط الاجتماعي المحيط بالطفل يتعاملون معه كما لو كان يعرف ويتذكّر خبراته السابقة، وبالتالي فسواء كان باستطاعة الطفل التعرّف علي أو تذكر شعوريًّا أو لا شعوريًّا فترة طفولته، فإنه يتفاعل مع فكرة توقعات الكبار، إنه يحاول أن يسلك وكأنه يعرف.
وهنا صراع كامن في تفسيرات النظريات للإجراءات اللاشعورية, فكلٌّ من فرويد وإريكسون يريان أن الإجراءات اللاشعورية حقيقة واقعية، "أما بياجيه" فإنه علاوة على الأسئلة حول الحفظ اللاشعوري للطفل، يرى أن الإجراءات اللاشعورية احتمال، ولكن باحثين غيره قد أوضحوها بما فيه الكفاية، ويضعها "بياجيه" خارج نطاق اهتماماته ومجالات بحثه، "وسيرز" مثله في ذلك كمثل "إريكسون" يقبلها كحقيقة واضحة -حقيقة لا يمكن قياسها, وذلك أن دراساته تركِّز على نتائج الدوافع الإنسانية، سواء كانت شعورية أو اللاشعورية. أمَّا السلوكيين فعلى العكس تمامًا يولون الجانب الشعوري الأهمية العظمى في تشكيل السلوك الإنساني متجاهلين اللاشعور تجاهلًا تامًّا.
7- الإدراك:
وتعالج النظريات كلها عملية الإدراك بطرق مختلفة دون تضارب, فيرى "بياجيه" أنَّ الإدراك تجربة "خبرة" عصيبة ليس لها تثير نفسي حتى يستطيع الفرد أن يضمِّن عقليًّا خبرته الإدراكية. وباختصار فإنه عندما يتعرَّف الفرد على مدركاته الحسية، فعنذئذ يصبح لها معنى لديه، مهما كان شعوره واقعيًّا أو منحرفًا, غير أن فرويد و"إريكسون" يتعرَّفان على الإدراك الحسي، كجزء من
(1/498)
خبرة الشخص منذ ولادته, ويصف "سيرز" الإجراءات الإدراكية من حيث إثاراتها فقط.
أما كولبرج: فقد أَوْلَى عملية الإدراك أهمية كبرى في تحديد المستوى الأخلاقي الذي يصل إليه الفرد؛ إذ أن المستوى الخلقي يرتبط بالمستوى المعرفي، وكلما كان الفرد أكثر قدرة على الإدراك وتحصيل المعرفة فإن ذلك يزيد خبراته إزاء المؤسسات الاجتماعية التي يتعامل معها, ويتفهم أدوار الأسرة والقانون والعقيدة والأمور السياسية, وبذلك يتفق أصحاب النظريات على أنَّ الإدراك الانتقائي يعتبر صفة إنسانية جوهرية تستند إلى الجمع بين الخبرات النمائية المتفاضلة والاستعداد. وكل واحد يبرهن على رأيه من جهة نظره الخاصة, وكلٌّ منهم يصل منظوره بظواهر نمو الشخصية التي يهتم هو بها. ولذلك يمكننا أن نفترض أن الاختلافات النظرية تتوقَّف على الاختلافات المنظورة فقط: إن الإدراك الحسي والفهم شيء، في حين أن إعادة النظر في الإدراك الحسي من حيث علاقته بالمثير المصاحب له يجعلنا نتجه إلى مجموعة ثالثة من التغيرات التي تعرض نفسها على الإدراك الحسي للفرد.
وبذلك نستطيع أن نستنتج أن كل بعد يضيف إلى مجمل النوعية ومدى إدراك كل شخص لخبرته دائمة التغيُّر.
8- تكون العادات:
وثمة تعارض حول وجهات النظر الخاصَّة بتكون العادات ومحاذاة سلوك الآخرين.
وكِلَا العاملين يظهران جليًّا في الإطار الإسنادي لنظرية "سيزر", ولكنهما لا يلقيان إلّا سوى اهتمامًا قليلًا في التطبيق الأخير وتحليل النتائج التي توصِّل إليها. ويشير كولبرج وبياجيه وكذلك واطسون وسكينر إلى أن تكوّن العادات يحدث بصفة خاصة في خلال الاثنى عشر شهر الأولى من عمر الطفل, ويرون أن تكوّن العادات يولد تقليد الذات، أي: المداومة على الأنماط السلوكية. إن الطاقة المطردة المتزايدة التي لدى الطفل في إدراك وتقليد النماذج الخارجية تقضي تلقائيًّا على ميله
(1/499)
للحياة طبقًا للعادات. وهو يمتثل باطِّراد متزايد للأنماط السلوكية للآخرين بطريقة مناسبة, ولا يعير فرويد وإريكسون أي اهتمام للأنماط السلوكية بهذا الوصف, فيظل اهتمامها منصبًّا على الموضوع العاطفي الأصلي للفرد. ومرة أخرى، فإن تحليل تعاليم النظريات المختلفة يقودنا إلى غضِّ النظر عن الاختلافات في تفاصيلها المحددة، والتعرُّف على أوجه الشبه في مداخلها العامة.
ويستبعد "بياجه" إمكانية المداومة على العادات، وهو يرى أن كل مستوى سن يصل إليه الطفل يولد فيه أشكالًا جديدة من التفكير، والأنماط السلوكية المصاحبة. ويوجه "إريكسون، سيرز" اهتمامهما إلى الظروف التي تؤدي لتثبيت العادات, مركِّزين على درجة الانفعالية التي تعزز العادات أو تبطلها. وعلى ذلك، فمعظم أصحاب النظريات يتَّفقون على التركيز على السياق الذي تحدث فيها العادات أكثر مما يركزون على العادات نفسها كواقع قائم بذاته.
9- التمركُز حول الذات:
يقدِّم "بياجيه"، "إريكسون" تفسيرات مختلفة للتركيز حول الذات في باكورة حياة الطفل:
"فبياجيه" لا يحتاج لتفسير, فالطفل في رأيه لا يعرف بديلًًا1, ومن وجهة نظر "إريكسون" فإنَّ تمركز الطفل حول الذات، يكون مجهود الطفل المبكّر لتكوين مجاله الخاص، ولتحديد وضع نفسه ككائن حي مستقل بين الكائنات الأخرى, ويميل "سيرز" للموافقة مع "إريكسون"، أي: إنه يعرِّف تمركز الطفل حول ذاته بأنه تعبيرٌ عن الصراع المركزي بين الإشباع الذاتي وتقبُّل الضغوط الاجتماعية. وهذه الاختلافات النظرية ذات صلة مباشرة بالممارسة اليومية, وهي تشير إلى ضرورة التفرقة بوضوح بين الإدراك الذاتي العقلي والانفعالي, وهي تدل على الفصل
__________
1 في سرد حديث لأبحاث بياجيه يشدد من أن من التمركز حول الذات في الكلام يبدأ في التلاشي حوالي منتصف المرحلة الثانية "سن 3 سنوات تقريبًا", وهو يذكرنا أيضًا بأن المشاعر بين الأشخاص لا يمكن في الواقع أن توجد إلى أن يتمكَّن الطفل من إدراك الآخرين بأنهم آخرون، وعندئذ فقط يستطيع أن يكون ألفة أو نفورًا.
(1/500)
المستمر بين حالات الشعور، ومعرفة استقلال الذات والتعرف عليها, غير أنَّها تعمل في الواقع كواحدة في الخبرة اليومية.
وقد ذكر بك وهافيجهرست في تناولهما للنمو الأخلاقي بأنَّ الطفل في المرحلة الأولى يرى الناس كوسائل لإشباع الذات, ويكون الطفل متمركزًا تمامًا حول ذاته لا يعرف المبادئ الأخلاقية ولا الضمير, إنما صورة رضيع لم يبدأ في التطبيع بعد، وينتهي بك وهافيجهرست بآخر مراحل النمو الخلقي إلى الغيرية العقلانية في المراهقة.
10- التعلُّم:
يعترف "بياجيه" و"إريكسون" و"كولبرج" ومن قبل هؤلاء جميعًا جيزل، يعترفون بالتجربة والخطأ كعامل هام في النموِّ في فترة الطفولة المبكرة، وهم في ذلك يختلفون عن سيرز وعلماء السلوكية من أنهم أقصوا هذه العملية التعليمية إلى مكانة أقل في كل مراحل نموّ الطفل اللاحقة, وبالنسبة للجميع فإن "إريكسون" هو الأكثر استعدادًا للاعتراف بوجود قوة داخل الوليد تستخدم بمعرفة, ويفضل "سيرز" استبعاد القوة الموجهة لمعظم سلوك الوليد إلى المثير خارج الوليد، أمَّا "بياجيه" فيعارض أولًا فكرة "إريسكون" بأنَّ خبرات المراحل الأولى من الحياة تصبح ذات صفة عامَّة لها تأثيراتها على كل الخبرات التالية، ولكنه بعد ذلك يقدِّم ملاحظة مشابهة، وإن كانت باستدلال منطقي مختلف؛ إذ يذكر أن الوليد يبني على خبراته الخاصة السابقة؛ لأنه لا يعرف بديلًا لذلك.
وفي النظريات السلوكيِّة ذات التعلُّم الاجتماعي نجد أن العمليات المؤدية إلى التعرف على الذات هي العمليات النمائية المركزية. إن سلوك المحاكاة والتقليد والنمذجة والتجربة والخطأ والتعزيز، ليس إلّا عملية صغرى وإضافة تستخدم لتحقيق الذاتية، ينظرون إلى الطفل كفرد ينتقي كائنات أخرى كنموذج له. وهم يقترحون عملية من قسمين:
1- انتقاء الآخرين كنموذج.
2- التعايش مع سلوك وأفكار وقيم يفترض أن الأشخاص المنتقين قد سيطروا عليها.
والانتقاء والتشكيل يكونان جزءًا من إدراك الذات, ويرى "بياجيه" أنَّ تحقيق الذات هو عملية اختيار النماذج طبقًا للأنماط الموجودة من فهم الطفل, ويقدّم "سيرز" عملية تقتضي مطابقة النماذج "المتيسرة" على الإشباع المصاحب لها على أساس خبرات مشابهة سبق الاقتناع بها, ويصور "إريكسون انتقاء النماذج كعملية مرضية، تتطلّب فيها كل مرحلة نموّ تطوير صفات مختلفة، ومجموعة مختلفة من المناذج. حتى تفسير التحليل النفسي للنمو الخلقي قد ارتكز على هذا المبدأ, وهو التوحيد مع النموذج.
(1/501)
تكامل النظريات
فيما يتعلق بمراحل النمو
...
تكامل النظريات:
مما لا شَكَّ فيه أنَّ الشخصية الإنسانية وحدة متكاملة, أو كيان كلي واحد يتكوَّن من جوانب أو مظاهر تخضع كلها للنمو، وهي في نموها ترتبط ببعضها بطريقة أو بأخرى؛ بحيث لا يمكن فصل أيّ مظهر من مظاهر النمو عن غيره إلّا لغرض البحث والدراسة، ومن المفترض أنّ أي مظهر من المظاهر يؤثِّر في غيره ويؤثر فيه؛ بحيث يمكن أن نقول: بأن هناك تكاملًا بين مظاهر النمو داخل الكيان البشري، ومن ثَمَّ فلا بُدَّ للنظريات المفسّرة لمظاهر أو جوانب النمو المختلفة أن تتكامل مع بعضها لتوضيح شمولية وتكاملية الكيان البشري النامي, وفيما يلي نعرض أوجه الاتفاق وإمكانية التكامل بين النظريات التي عرضناها:
1- فيما يتعلّق بمراحل النمو:
النمو في سن ما قبل المدرسة:
تناولت جميع نظريات النمو مرحلة ما قبل المدرسة بإسهاب شديد كأساس للنمو اللاحق: جيزل، فرويد, بك, وهافيجهرست، وبرونر، بياجيه، وإريكسون. أمَّا سيرز فيقتصر أساسًا على الطفل في سن ما قبل المدرسة في معظم تفاصيل نظريته9, ويتخذ كل من بياجيه وإريكسون موقفين مختلفين اختلافًا واضحًا فيما يختص بالحياة الخيالية للطفل الصغير, ويرى بياجيه أن الخيال يظل مستمرًّا لمرحلة التمركز حول الذات في حياة الطفل, وهو يصفها بأنَّها استمرارية ذات تقاسيم لحياة الطفل الصغير ذات البعد الواحد التي يكون الطفل في مركزها، بعيدًا عن كل حدود التصارع.
(1/502)
وبالمقارنة نجد أن "إريكسون" يعزو إلى الطفل وعيه بخيالاته وكذلك صراعًا حول هذا الوعي, غير أن كلًّا منهما تشدَّد على أن القائم بالرعاية يعامل الطفل كما يرى هو "عالم الطفل", كما يريد أن يراه الشخص الأكبر من الطفل يعامله مستقلًّا عن خيال الطفل على أيّ مستوى قد يحدث فيه", ويضيف "إريكسون" أنَّ الوالد هو الآخر يتعامل لا شعوريًّا مع خيال الطفل, وهو الخيال الذي وصل إلى الوالد وأحسَّ هو به لا شعوريًّا، والوالد يميل لمعاملة هذه الخيالات لأنه جزئيًّا يبعث طفولته هو لا شعوريًّا, ويحاول جاهدًا التعجيل بتحريك مشاعر ظلَّت طويلًا في طي النسيان.
النموّ في سنوات المدرسة الابتدائية:
يرى "سيرز" و"جيزل" و"بياجيه" و"إريكسون" أنَّ الطفل في سن المدرسة يندفع إلى الإمام باستمرار, خالقًا لنفسه آفاقًا جديدة من المهارات والمعرفة والنضج العاطفي، وكلّ منهم يعترف بأن الطفل نفسه هو القوة الدافعة, والكبار في بيئته, وخاصة الذين يرعونه يستطيعون أن يساعدوه في تقدمه أو يعاكسوه, ولكن في هذا السن لم يعد باستطاعتهم "ثني الغصن" ذلك لأن الطفل يكون قد كوَّن لنفسه مجالات يستطيع أن يعمل فيه دون تحدٍّ يذكر. وبعبارة أخرى: فكلٌّ من "سيرز" "بياجيه" و"إريكسون" يعترفون بالتركيز الشديد الذي يبذله الطفل لتحسين فهمه ووسائل معيشته, الأمر الذي يؤدي إلى تحول تدريجي في اعتماده على المنزل، إلى الاعتماد على الأقران ونفوذ جديد لكبار, وكلاهما يرى تغيرًا في أسلوب المعيشة لا يؤدي إلى تغيُّر كبير في التكوين الأساسي لشخصية الطفل.
النمو في مرحلة المراهقة:
تناولت معظم النظريات مرحلة المراهقة كمرحلة دينامية في تشكيل الشخصية الراشدة, وإذا كان "جيزل" قد تناول النضج في بدايات المراهقة, فإن "فرويد" اعتبر المراهقة هي المرحلة التناسلية التي يتحوّل فيها المراهق من كائن لا جنسي إلى كائن جنسي قادر على المحافظة على استمرار سلالته, أمَّا بياجيه وكولبرج في إطار النظرية المعرفية، وإريكسون ومارشيا حول نمو الهوية في
(1/503)
إطار نظرية النمو النفسي الاجتماعي, فإنهم قد فصلوا الحديث حول هذه المرحلة.
أمَّا تناول بياجيه لموضوع نمو المراهقين كعملية معرفية محدَّدة هي بلوغ النهاية بالنسبة لكل نمو سابق, فإنه يتعارض مع الفكرة المركزية "لإريكسون" و"مارشيا" بأنَّ هذه الفترة تكون من الفترة التشكيلية الثانية في حياة الطفل وسنوات الشباب والدخول في مرحلة الرشد، والأوضاع المتباينة تتركّز حول نقطتين رئيسيتين:
1- يحدد "بياجيه" المراهقة بفترة يجد فيها الشاب الوحدة مع العالم, وهي فترة يتخذ فيها العالم الاجتماعي الخارجي مكانه الأساسي, ويمكن تفهمه كلية بتقسيم أدواره، وقوانينه المترابطة، وتخلل الوحدة فيه. وبالمقارنة نجد أن "إريكسون" يعرِّف المراهقة بأنها فترة يجري فيها البحث عن مركز اجتماعي مناسب مع التضامن الاجتماعي الكامل لهذا المركز الذي يتوقع تحقيقه في سنوات الرشد التالية، وهذا ما فصَّله مارشيا في بحث المراهق عن هويته في المجال المهني الأيدولوجي والاجتماعي والجنسي.
2- ويتناول "بياجيه" لموضع المراهقة باعتباره فترة تربط الأطراف السائبة، وكفترة استكمال, وهذا ما يعارضه إريكسون بتشديده على تعريف المراهقة بأنها فترة تأخير معقول في النمو، وبأنها فترة ابتداء، وهذان الوضعان المتعارضان ظاهريًّا يمكن التوفيق بينهما جزئيًّا, بواقع أن "بياجيه" و"إريكسون" إنما يتعاملان مع عناصر مختلفة من عناصر الشخصية: العناصر المعرفية, والعناصر الانفعالية, غير أن كليهما يريان المراهقة كفترة نموّ يجد فيها الشاب مكانه الاجتماعي. وبالنسبة "لبياجيه" فهي خطة حياة، وبالنسبة "لإريكسون" و"مارشيا" هي إحساس بالذاتية وتشكيل الهوية.
علاوة على ذلك فإن هذه الاختلافات يمكن التقريب بينها بالنتائج التي توصّل إليها "بياجيه", وهي أن الفهم يسبق دائمًا القدرة على تفسير ما هو مفهوم "أي: إن الفهم يسبق تعلم اللغة", ومنطقيًّا فإن المعرفة وتعزيز هذه المعرفة يسبقان تحقيق القدرة على ترجمة مثل هذا المفهوم إلى فعل.
(1/504)
ويقترح كل من "بياجيه" و"إريكسون" و"مارشيا" أن التقدّم النمائي يتضمَّن معايير السن كنقطة إسناد فقط, وتشدد رسموها البيانية الخاصة بالنمو على تتابعه نمو, والذي يحدث بعد تحقيق أهداف النمو السابقة، وكل منهم يشدّد على أنَّ أي مرحلة نمو متقدمة مثل مرحلة المراهقة يمكن أن تحدث في أي وقت في حياة الفرد، في تلك اللحظة التي يقبل فيها الفرد في المجتمع كفرد راشد، وذلك بالنسبة لفترات عمره، ولذلك فإن الاختلافات الظاهرة ليست متعارضة بالضرورة, إنها فقط تنصبُّ على مظهرين مختلفين من مظاهر الشخصية, وفي حالة عدم وجود بحث أساسي في العلاقة المشتركة بين هذه المظاهر فإن النظامين يمكن أن يكونا متوازيين طالما ركَّزنا على تطابق مراحل النمو.
غير أنه يبقى بعد ذلك فرق له أهميته، طالما تقرّر نظرية بياجيه وإريكسون أنَّ النمو الكامل للشخصية هو عملية تستمرّ طوال الحياة، في حين تقرر النظرية الأخرى أنَّ النمو المعرفي محدد ونهائي، أشبه بالنضج الجسماني، وهذه التعقيدات متروك أمرها مبدئيًّا إلى التوقعات المطلوبة من الفرد الآخذ في النمو. وتشير إحدى النظريتين إلى أنَّ مدى الفهم الناضج لشخص ما يجب أن يكون قريبًا من التمام, وفي أعلى مستويات عندما يصبح الشاب الصبي راشدًا شابًّا، وتقرر النظرية الأخرى أن النمو العاطفي والنمو الاجتماعي لا يتمان في أي مرحلة محددة من مراحل العمر. والواقع أن إريكسون يشدِّد على أنَّ أي نمو لا يمكن أن يستكمل تمامًا في حدود مرحلة سن واحدة، يمكن أن ينمو بعد ذلك مستقلًّا عن مظاهر النمو الأخرى التي تحدث في مراحل تالية.
(1/505)
2- التكامل حول مظاهر النمو:
أ- النمو اللغوي:
تعترف معظم أصحاب النظريات بأن اللغة المنطوقة هي وسيلة نقل المعنى، كما يرمز إليه بالكلمات والجمل ونقل الرسائل, كما تتضمنه الكلمات والجمل, علاوة على ذلك فإن "بياجيه" و"فيجوتسكي" يعزيان للغة وظيفة أساسية ثانية، وهي أنها عملية مساعدة لعملية التفكير. ومع تعلُّم الطفل استخدام اللغة نجد أن "سيرز" و"بياجيه" كليهما ينظران فجأة إلى الطفل، كشخص جديد ومختلف، كتركيب عضوي شخصية فريدة. ويرى فرويد و"إريكسون" أن اللغة ليست سوى مصدر إضافي كانت ذات دلالة قوية لنقل المشاعر والأفكار والأفعال، وكذلك لتمويهها. ويرى "بياجيه وسيرز" أن اللغة المنطوقة تكون الطريق الرئيسي للبحث فيما يختص بكل التساؤلات الهامَّة التي يقودها الطفل، أمَّا "فرويد" و"إريكسون" فإنهما يواصلان ويعزيان أهمية مساوية للاتصالات غير الشفوية حتى عندما يلجأ الطفل إلى الاتصالات الشفوية.
وإذ يولي "فريد" و"إريكسون" اهتمامًا متساويًا للغة الشفوية، واللغة غير الشفوية، لذا فقد اهتمَّا بالتماسك الداخلي، أو التباعد بين هذين الشكلين من الاتصال, "وطبيعي" أنهما كدراسين للسلوك المرضي يريدان أن يعرفا متى تكون أنظمة الاتصال لدى الشخص متصلة، أو يفتقر للتماسك. ويرى "سيرز" أن اللغة تعكس السلوك التعلُّمي الرمزي في حين يراها "بياجيه" مفتاحًا لحل حاسم للسلوك. ويراها "فرويد" و"أريكسون" إلهامًا يجب تحليله مع الفعل, ويعتبر "كولبرج" أن استخدام لغة الاتصال مصحوبة بالتعرُّف التفاضلي على أكثر من نموذج للتفكير الخلقي، ولو أنَّ "إريكسون" هو وحده الذي يكشف عن آليات عمليات الأنا العليا دون الانفصال عن مفاهيم بياجيه وسيرز. وفي الواقع يرى "تشارلز أوديير" charles odier أن نظرية "بياجيه" والتفكير التحليلي يتقاربان في مجال نمو الأنا العليا أكثر مما في أي مظهر آخر من نظرية كلٍّ منهما, غير أن أصحاب النظريات يتفقون على أن شعور الوالد يصلح وعيًا للطفل إلى أن يتمكَّن الطفل من التوصُّل إلى شعور الوالد، ويضمَّه إليه كشعوره, وهو كما يشدد "بياجيه" وأصحاب نظريات التعلُّم الاجتماعي على أهمية مجموعة الرفاق "الأقران" كأنا عليا تبادلية تصبح بالنسبة له إجرائية في مستوى نمو سابق أكثر مما يرى الأقران. وبالمثل فكلٌّ منهم يعترف بظهور شعور الطفل الخاص به في موضع مختلف إلى حدٍّ ما مرحلة النمو، ولكن ليس أكثر من ذلك من سنة كفارق بين استمرارية النمو في نظرية كل منهم.
ب- النمو الخلقي:
يرى فرويد أن الإحساس بالذنب أحد العقد المرتبطة بالعقد النفسية نتيجة للمنع الوالدي، ويرى "بياجيه" أنَّ المشاعر المتضاربة لا يمكن تسميتها بالذنب إلى أن يبلغ الطفل المقدرة العقلية لتقدير مكانة وسلطة الكبار, وهكذا لا يجد "بياجيه"
(1/506)
موضعًا للإحساس بالذنب أو الرغبة في العقاب، في أيّ مستوى سابق للإدراك الواعي للطفل لمصدر السلطة، ومن جهة أخرى فإن "سيرز وإريكسون" يعرِّفان الذنب بأنه محصّلة الخبرة الشعورية أو اللاشعورية في أي مستوى سن، حتى قبل الإدراك الواعي بالمحظورات، وهنا نجد أن "بياجيه" و"سيرز" يقدمان ثانية تقسيمًا ثنائيًّا، ونجد كولبرج ينظر إلى المكوّن الخلقي في إطار اجتماعي. إن الشعور المعرفي لا يتواجد حتى يعرف الشخص أنه موجود، وأن الشعور الانفعالي، أو الأنا العليا، يظهر قبل أن يحس الفرد بسنوات وهو يتأثر شعوريًّا بآثاره.
ج- النمو المعرفي والأخلاقي:
توجد كثير من نقاط الالتقاء بين النظريات المعرفية في مجال النمو المعرفي من ناحية, والنمو الخلقي من ناحية أخرى. ومن أوجه التشابه بين كولبرج وبياجيه نجد:
- إن بياجيه وكولبرج يؤكّدان على أهمية الأبنية المعرفية كأساس للنمو المعرفي والخلقي.
- استخدم كولبرج نفس المستويين اللذين استخدامهما بياجيه في وصف النمو الخلقي.
- واستخدم كلٌّ منهما النظام التتابعي في دراستهما لمراحل النمو الخلقي.
= واعتبر كولبرج المفهوم الأساسي للنمو الأخلاقي هو العدل, وهو نفس الاعتبار الذي دارت حوله تحليلات بياجيه.
- ويعتبر كلٌّ من بياجيه وكولبرج أن الطريقة الإكلينيكية هي أنسب الطرق لتقييم النمو.
- ويتَّفق كلٌّ منهما حول التفاعل بين الأقران وأهمية المفاهيم الأخلاقية الي تحتضنها كل الثقافات.
وبذلك فإن مراحل النمو المعرفي والنمو الخلقي هي سلسلة من المعارف التي تزدد تلاؤمًا, والتي تتعلق بالعالم الاجتماعي الثابت نسبيًّا. "عادل عبد الله: 1991".
ز- العلاقة بين النمو اللغوي والنمو المعرفي:
ترتبط اللغة بالنمو العقلي والمعرفي ارتباطًا وثيقًا, وقد سبق أن أوضحنا وجهة نظر بياجيه وفيجوتسكي حول العلاقة بين اللغة والتفكير. فالنموّ المعرفي شرط أساسي لنمو اللغة, ولقد اعتقد فيجوتسكي أن الأفعال تسبق الكلمات, فالكلمات ليست هي البداية؛ حيث يبدأ الفعل أولًا، أما إنجاز الفعل على نحو ناجح فيعتبر غاية النمو في هذه المرحلة. ويرى أن مرحلة تضمّن الحديث قبل الفكري كالثرثرة مثلًا، والتفكير قبل اللغوي، أي: الأنماط السلوكية للذكاء العلمي والتي يتمّ التحكم فيها إداركيًّا، وحينما يتحدان معًا في نهاية مرحلة المهد يصبح التفكير شفهيًّا والحديث منطقيًّا. "تيرنر: 1992".
(1/507)
3- تكامل أزمات النمو:
أ- كمون النمو النفسي والصراع الأوديبي:
واستطرادًا في دراسة نمو الطفل، يعتبر "بياجيه" وجود فترات انتقالية بين المراحل كفرص نمائية للتقدم إلى مستويات جديدة, ويجاري "إريكسون وسيرز" "بياجيه" في تفاؤله، ولكنهما في الوقت نفسه يشيران إلى أخطار عدم التأكد للاضطراب والارتباك الكامنين في هذه الفترات الانتقالية, وهنا يبدو من المستحسن أن نتأمَّل في مفهوم هو من أكثر المفاهيم إرباكًا وإثارة للجدل، تلك هو الصراع الأوديبي الذي ظهر لأوّل مرة في نظرية فرويد.
إن الصراع الأوديبي ظاهرة نفسية حاسمة في التحليل النفسي، كما أوردها فرويد، لم تلق إشارة لها في نظريات "جيزيل، بياجيه، سيرز، كولبرج", ولكن نظرية "إريكسون" في التحليل النفسي عرضته كمرحلة, وكذلك كظواهر ولائية ومتصارعة في مختلف الارتباطات مع الكبار الرئيسيين من الجنس الآخر. ويلاحظ أصحاب نظرية التعلُّم وكذلك من: "بياجيه" "سيرز" فيما توصَّلوا إليه من نتائج أنه توجد تحولات مشابهة وتخطيطها متصارعة بالنسبة للتعلّم الخاص بالتقليد والتوحد بالنموذج، ولإيجاد نموذج مفرد كمصدر للتعرف الأولى على الذات, وهم يلاحظون أيضًا زيادة في شعور الطفل بانتهاج سلوك مشابة لسلوك
(1/508)
الوالد النموذج من نفس الجنس وفي الاهتمام بهذا السلوك، وفي نفس الوقت يحاول الطفل أن يحتفظ برباط وثيق بالنموذج من الجنس الآخر ويؤكده, ومن المهم أنَّ نلاحظ أن "بياجيه" يصف عفويًّا صراعًا عقليًّا في التعرُّف الجنسي الظاهر للطفل في فترة سنوات الروضة، ويرى "بياجيه" أنَّ الأكثر من اختلاط الأدوار والصراع يتوازى مع الظواهر الولائية المتصارعة في الموقف الأوديبي. ويشدد "سيرز" على أن الوالد من نفس جنس الطفل في هذه الفترة من العمر يمكن أن يكون هو المحفِّز على عدوانية أكبر، والمستقبل أيضًا لهذه العدوانية، في حين أن الوالد الآخر يميل إلى أن يكون أكثر تساهلًا، وبالتالي يسهل الاقتراب منه, ويلخص "إريكسون" هذه الملاحظات كبعد إضافي للموقف الأوديبي، والواقع أن كتابات إريكسون السابقة اشتملت على فرض نظري عندما حاول تفسير الموقف الأوديبي كفترة يحاول فيها الطفل بصفة خاصة أن يتعلّق عن كئب بالوالد من الجنس الآخر، وفي كتاب أكثر حداثة اقترح أنَّ الموقف الأوديبي يشتمل على مجاهدات تصارعية أكثر تنوعًا عن مجرَّد الارتباط الجنس بالوالد من الجنس الآخر.
وتوحي النتائج التي توصَّل إليها كل من "بياجيه، سيرز" أنه في الفترة الأوديبية يحاول الطفل جاهدًا الاقتراب سلوكيًّا من الوالد من نفس الجنس، وهذه المحاولات بدورها تؤدي بالطفل إلى ارتباط أكثر إلحاحًا بالوالد من الجنس الآخر مع معتقدات جديدة، والصراع الأساسي لا يتواجد إلًا قليلًا ما دام النظر إلى الموقف الأوديبي يعتبره مشكلة محيِّرة في انتقال الروابط الشخصة، وتفاعل علاقات تفاضلية جديدة.
ويرى "إريكسون" أن الموقف الأوديبي في فترة البلوغ أزمة نمائية وصراعًا يبين اكتساب إحساس بالهوية والترك مع إحساس بتشتت الدور, ويشير "بياجيه" إلى تعقيدات مشابهة عندما يحاول المراهق في عقله تحديد علاقات اجتماعية في إطار اجتماعي جديد وأكثر اتساعًا, أمَّا "سيرز" فإن كتاباته لا تمتد إلى هذه الفترة من العمر بدرجة تكفي لتحديد تفكيره في اتجاه أو آخر، ويرى "بياجيه" أن هنا معرفة أكثر تقدمًا لأنماط العلاقات يعتبرها حلًّا لهذه الفترة من التوتر. ويعزو "إريكسون" التكامل الناجح لهذه الفترة إلى تفوق الإجراءات الانفعالية المتصارعة.
(1/509)
وكلاهما يعترف بهذه الفترة من البلبلة والتصارع كعنصر أساسي في النمو، ويعود "إريكسون" لاقتراح أن عمليات النمو تختلف باختلاف الجنس. أمَّا "بياجيه" فلا يبدو أنَّه يعتبر اختلافات الجنس ذات دلالة. هذا ولا يزال التركيب الأخير لمفهوم "إريكسون" للصراع الأوديبي الثاني في فترة المراهقة، وإشارة "بياجيه" إلى التشتت في العلاقة الرمزية, لا يزالان معروضين لبحث في المستقبل.
ب- أزمات النموّ النفسي الاجتماعي:
إذا استرجعنا فكرة الأزمات التي تحدَّث عنها إريكسون, والتي تمثل محاور مرحلية للنمو النفسي الاجتماعي للطفل, نجد أنَّ من الممكن اعتبارها في هذه الإطار حالات خاصة, أو هي تطبيق للفترات الحرجة التي ذكرها جيزل؛ ففي المرحلة الأولى تكون هذه المرحلة العمرية فترة حرجة لإشاعة الثقة المتبادلة بين الطفل والأم, وفي المرحلة الثانية تكون لدى الطفل إحساس بالحاجة الحرجة لتنمية الاستقلالية، والمرحلة الثالثة فترة حرجة لتنمية حاسَّة المبادأة, والرابعة لتنمية الإحساس بالإنجاز ... إلخ. وبالتالي تلتقي كلتا النظرتين حول مبدأ واحد تندرج تحته المحاور المرحلية.
وبذلك تعتبر مناهج إريكسون حول الأزمات النمائية النفسية الاجتماعية فترات حسَّاسة مرحلية في هذا التفاعل، تكتسب معانيها وأهميتها من الثقافة التي يعيش فيها الفرد. والنظريات التي تعتبر السلوك المعرفي سلوكًا توافقيًّا، والنظريات التي تعتبر محددات التعلُّم "التعزيز، التعلُّم الاجتماعي، القدوة، المحاكاة، والنمذجة" مفاهيم أساسية في تفسير تغير السلوك ونموه, تلتقي حول مفهوم الأزمات النمائية؛ حيث يتم اكتساب الطفل سلوكيات معينة في فترة حرجة من سياق حياته النمائي.
(1/510)
التطبيقات التبربوية لنظريات النمو
مراحل النمو
...
التطبيقات التربوية لنظريات النمو:
بعد العرض السابق نتَّجِهُ من النظرية إلى التطبيق، ومن النظر إلى نمو الطفل إلى عملية المساعدة النفسية من ناحية، والتطبيق في المجال التربوي من ناحية أخرى.
1- مراحل النمو:
إذا كانت معظم النظريات التي قدمناها تستخدم مراحل نموّ استخدم بعضها معايير عمرية محددة ولم تستخدم النظريات السلوكية أية مراحل للإشارة للنمو، فيجب الإشارة إلى أنه من الممارسة الفعلية في مجال الطفولة والمراهقة, فإن الأعمال الزمنية قد تكفي للإرشاد العام، ويجب ألّا تستخدم كمعايير قطعية للحكم على التقدُّم النمائي للطفل، وعندما لا يسير النموّ كما هو متوقَّع منه طبيعيًّا، فإن الخطأ قد يكون كامنًا في مشكلة حقيقية تتعلّق بالنمو أو في توقعات غير واقعية لسلوك الطفل تقوم على ما يظن أنه مناسب لعمره. ولتوضيح ذلك: فإن طفل الحادية عشرة يكون عادة قادر على التوافق مع الانفصال المؤقَّت عن والديه, دون أن يكون لديه تأثير على سلوكه. أمَّا إذا كان غير قادر على التوافق مع الانفصال فإنه يكون غير ثابت, أو يتأخَّر عاطفيًّا ويكون غير طبيعي بشكل خطير.
إن إجراء الأبحاث بالنسبة لمراحل النمو العامة يتيح للأخصائي النفسي أن يراجع سلوك الطفل بطريقة أكثر واقعية على أساس أنماط النمو السابقة والمظاهر الحالية والتفرعات المستقبلة. علاوةً على ذلك، فإن مساعدة الطفل مثلًا، يجب أن تواجه خبراته الماضية والحاضرة والمستقبلة، كما ينظر إليها الطفل نفسه. إن أيّ فرد يتذكّر الأحداث الماضية مختلفة بعض الشيء عن الشكل الذي حدثت به فعلًا، ويميل تذكره للماضي أن يلوّن خبرات الحاضر، وبالمثل فإن مستقبله -إلى الحد الذي يستطيع أن يشعر به- يفهم بمعيار الماضي والحاضر، وهكذا, فبينما يحدث التدخُّل البنَّاء داخل الحاضر الحي للفرد، فإنه يجب أيضًا أن يغيّر مشاعر الطفل وتصوراته نحو الماضي والمستقبل.
وتقترح معظم النظريات كذلك أنه في استمرارية النمو، كل ما يفعله الفرد، أو يفكر فيه أو يشعر به، في أي نطاق من حياته, وفي أي لحظة, يرتبط ارتباطًا داخليًّا بصورة الشخص لنفسه ولأسرته وأقرانه المقربين وجماعات إسناده الرئيسية. إنَّ كل فرد يتعامل داخليًّا مع خبراته الداخلية الخاصة، وبيئته الأولية وبيئته الثانوية، وهو لا يستطيع أن يوجد علاقة إلّا بهذه المجالات الثلاثة بالطريقة التي تتكامل بها بمعرفته، وبصرف النظر عن الصورة التي يراها الآخرون فيه، وبالتالي فإن الطفل أو المراهق لا يمكن مساعدته للتوصُّل إلى السلوك التكيُّفي المطلوب إلّا إذا كانت مدركاته ومشاعره وتوقعاته السلوكية حول هذه المجالات تتغيِّر بطريقة واقعية.
(1/511)
2- التشخيص:
إن القيمة والفائدة التي تقدمها نظريات النمو تساعد الأخصائي النفسي في عملية التشخيص؛ حيث تمكنه من أن يقيم بوضوح ما يريد أن يعرفه من أي ملاحظة مبدئية. فأي ملاحظة لا يمكن أن تكون إلّا دعوة إلى مزيد من الدراسة والتقييم، علاوة على ذلك: فإن كل جانب من جوانب الوظيفة الإنسانية: الجسمية أو المعرفية أو العاطفية أو السلوكية أو الأخلاقية تحتاج إلى تقيم منفصل، وكلّ منها يجب أن يقيم بالنسبة للمظاهر النمائية الأخرى, وعلى ذلك: فإن تقييم مركز الفرد النمائي واستعداده يتطلَّب تقييمًا للجوانب التالية:
1- النمو الجسمي والعضوي وتأثيراتها على المظاهر النمائية الأخرى.
2- قدرة الفرد الفردية على الإدراك الحسي.
3- الوعي بالخبرات الحسية المعرفية.
4- فهم النمو النفسي الاجتماعي وأزمات النمو.
5- الوعي بالهوية ومدى تحققها أو إعاقاتها أو تشتتها.
6- فهم الإطار البيئي ومدى انعكاسه على نمو الطفل.
7- فهم الطفل لخبرات حياته.
8- جوانب النمو اللغوي والاضطرابات اللغوية.
9- مستوى النمو الأخلاقي, وما إلى ذلك.
وهكذا: فإن التقيمات التشخيصية يجب أن تفرق بين فهم الفرد نفسه للموقف، وقبوله لأنماط جديدة للتعامل معه، وقدرته على تضمين هذا الفهم في سلوكه.
إن تشخيص أي إعوجاج في مستوى النمو بمثابة رسالة للوالدين والمعلمين والأخصائيين النفسيين للتعرُّف على أسباب اضطراب أيّ مظهر من مظاهر النمائية, والتعرف على انعكاساتها على جوانب النمو الأخرى.
(1/512)
3- التنشئة الاجتماعية:
إن دراسة النمو في الطفولة المبكرة بأكثر من طريقة، هو بحث في التنشئة الاجتماعية في شأن العلاقة بين الأم - الطفل. إن تشكيل الأمومة، أي: استعداد الأم لضمِّ طفلها من خلال وضع الجسم وحركاته في أثناء الإمساك به، وفي أفكارها وحياتها الاجتماعية وأعمالها اليومية, بينما هي تقوم على رعايته، هذا التشكيل يوفر دلالات مفيدة عن إمكانية تقدُّم نموه في المرحلة الأولى.
كما ن "تشكيل" الطفل نفسه ينطوي على دلالات تتعلّق بإنجازاته في النمو أو تأخره فيه, والمادة التي قدَّمها إريكسون عن منوالية تشكيل الطفل في الاشتراك مع كل مرحلة من مراحل النمو تشير إلى أن سلوكه في اللعب واقترابه العام من جسمه ومن المجال to space والزمن، قد تكشف للملاحظ عن اهتمامه الداخلي بالنمو. إن انتقال الطفل من نمط كامل الانضمام إلى نمط اندماج حيازي، مثلًا، يمكن أن يصلح كدليل على النمو. علاوة على ذلك فإن بياجيه، كما سبق الشرح بالكامل في فصل سابق عند عرض المراحل الثانوية الست من مرحلة نمو الطفل الأولى، يضيف بعدًا آخرًا ممكنًا لدراسة واختيار النمو في مرحلة الطفولة المبكرة.
كما أن درجة الاعتمادية الأولية التي تعززت في الأشهر الأولى من حياة الطفل، أو الدرجة التي يتم بها تعويض الحرمان المبكر فيما بعد، هذه تعتبر اعتبارات أساسية يمكن تقييمها بدراسة أعراض الاعتمادية الأولية, ويمكن الاستدلال على مستوى اعتمادية الطفل من السلوك التفاعلي بين الأم والطفل، ومن مدى اتساع القبول التسامحي للأم بالنسبة لاعتمادية الطفل, ومن الجهود التي تبذلها لتجنب الخبرات الإحباطية الشديدة بالنسبة للطفل. وثَمَّة دلالة أخرى على درجة اعتمادية يمكن ملاحظتها في استجابات الأم والطفل في مواقف الانفصال.
(1/513)
إن مدى السلوك المعمَّم بالمقارنة بالاستجابات المحددة يعتبر دليلًا آخر على مستوى نمو الطفل، إن الاستجابات السلوكية الإجمالية والانفعالية والعقلية لمواقف معينة يمكن أن تشير إلى أن الطفل لم يستكمل المرحلة الأولى للنمو بنجاح، ذلك لأنه بينما يكوِّن الطفل إحساسًا بالثقة في خبراته الأولية يبدأ بتوسيع مجالات انتباهه على شكل اهتمام أكثر تحديدًا في مظاهر بيئته المنفصلة, ويمكن للمسائل التشخيصية أن تتركَّز على تحديد وتنوع الحدود التي تعلُّم الطفل أن يتعرَّف عليها ويضمِّنها في سلوكه.
ويعتبر موقف اللعب وسيطًا قيمًا لتقييم قدرات الطفل المكتسبة، وفيه يكشف الطفل "ليس فقط" عن مظاهر النمو التي تشغله في هذه اللحظة، ولكن أيضًا عن صراعاته الباقية بدون حلّ, ذلك أنَّ الطفل في لعبه إنما يستعيد الحياة لعبًا. إنه "هو" ما يلعبه في الخيال وفي الحياة. والملاحظ المتخصص يمكنه أيضًا أن يكتسب كثيرًا مما يتركه الطفل من لعبه، وكذلك مما يضيفه إليه.
مثال ذلك إذا أظهر الطفل من الخيال أكثر من الاستقلال الذاتي الواثق، فعندئذ يمكن الافتراض بأن ثَمَّةَ مظاهر للمرحلة النمائية الثانية على الأقل لم يتم التوافق أو حلها في داخلية الطفل, ويمكن لما أسهم به إريكسون بشأن القبض والترك أن يكون ذا فائدة في هذا الصدد، ذلك، لأنَّّ الميل للإخفاء أو الإمساك أو الاحتفاظ يمكن أيضًا أن يكشف عن محاولات للتحكُّم تميز بها المرحلة الثانية. إن القدرة على الإمساك والترك تدل على درجة من النمو في ضبط النفس.
إن كل العوامل السابق ذكرها لازمة مسبقًا للتنشئة الاجتماعية الناجحة، ويمكن أن نضيف أن درجة ما من التنافس بين الأشقَّاء أو الأقرباء، هي جزء من النمو "الطبييعي", وبالمقارنة، فإن التملُّك التنافسي قد يدل على أن بعض المظاهر الهامة من المرحلتين الأوليتين، "وربما تركميًّا"، قد تركت بدون حل.
(1/514)
4- الممارسة التربوية بالمدرسة:
في الممارسة التربوية المدرسية فإن نظريات النمو تتيح للتربويين الإحاطة بعمل ترتيبات لتهيئة المثيرات التي تنهض بنمو الطفل, ويختارون ما له معنى ومغزى بالنسبة للمرحلة العمرية حتى يقودوا الأطفال على نحو منظم للتتابع النمائي أو السياق التالي.
ولكن أيّ النظريات يستخدمها المعلِّم في عمله:
- من الممكن أن يكون الترتيب الهرمي المنطقي المنسق للنمو المعرفي الذي قدَّمه بياجيه أساس ينطلق منه المعلم في اختيار برنامجه, ويهيئ المثيرات المرتبطة بالنمو.
- ومن الممكن أن يبرهن المعلم على صحة دعوى برونر بأنَّ في الإمكان أن ندرس أي شيء له معنى؛ لأن طفل في أي مرحلة من مراحل نموه, ولكن مع ذلك يجب أن ندخل في الحسبان جميع العوامل الأخرى التي لها تأثير في الدراسة.
- وإذا اقتنع المعلِّم بفكرة سيرز القائلة بأن السنوات المبكرة من عمر الطفل بالغة الأهمية, وأن الطفل الذي لا يتعلّم في هذه المرحلة لا يمكن تعويض ما أصابه من قصور، من ثَمَّ ينبغي على التربويين أن يخصصوا ميزانية كبيرة للتعليم في الصفوف الأولى, أو أن تركز على تطوير المناهج الخاصة بهذه المرحلة.
- وإذا اقتنع المعلم بفكرة جيزل بأن التعلّم المدرسي يجب أن يتأخَّر حتى يزداد استعداد الطفل حتى يكون التعلّم أفضل, ويكون الأطفال أكثر نضجًا, وهذا ما أكدته بعض الدراسات من أنَّ التعلُّم يكون أكثر فاعلية حين يوجّه لطفل أكبر سنًّا عنه مما إذا وجّه لطفل أصغر. "جابر عبد الحميد: 1977".
إن نظريات النمو بهذه الشاكلة توجّه عمل المربي في داخل المدرسة, وهذا أفضل تطبيق لنظريات النمو.
(1/515)
( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
علم نفس النمو
المراجع:
1- إبراهيم زكي قشقوش "1988": محاضرات في علم النفس النمائي، "غير منشورة"، القاهرة: كلية التربية، جامعة عين شمس.
2- أحمد زكي صالح "1974": علم النفس التربوي، ط10، القاهرة, مكتبة النهضة المصرية.
3- أرنولد جيزل وآخرون "1975": الطفل من الخامسة إلى العاشرة، ج2, ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد، مراجعة: أحمد عبد السلام الكرداني، سلسلة الألف كتاب, رقم "54", القاهرة, لجنة التأليف والترجمة والنشر، وزارة التربية والتعليم.
4- إسحق رمزي "1981": علم النفس الفردي، القاهرة, دار المعارف.
5- أمال صادق، فؤاد أبو حطب "1988": نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين، القاهرة, مركز التنمية البشرية والمعلومات.
6- جابر عبد الحميد جابر "1979": علم النفس التربوي، القاهرة, دار النهضة العربية.
7- جابر عبد الحميد جابر "1986": نظريات الشخصية، القاهرة, دار النهضة العربية.
8- جان بياجيه "1954": اللغة والفكرة، ترجمة: أحمد عزت راجح، القاهرة, المكتبة المصرية.
9- جان بياجيه"1986": التطور العقلي لدى الطفل، ترجمة: سمير علي، ط1، بغداد, مطبعة العاني.
10- ج. تيرنر "1992": النمو المعرفي بين النظرية والتطبيق، ترجمة: عادل عبد الله محمد، القاهرة, الدار الشرقية.
11- جمعة سيد يوسف "1990": سيكولوجية اللغة والمرض العقلي، سلسلة عالم المعرفة "145"، الكويت, المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
12- جون كونجر، بول موش، جيروم كيحان "1987": سيكولوجية الطفولة والشخصية، ترجمة: أحمد عبد العزيز سلامة، جابر عبد الحميد جابر، القاهرة, دار النهضة العربية.
(1/519)
13- حامد عبد السلام زهران "1977": علم نفس النمو, ط4، القاهرة, عالم الكتب.
14- حامد عبد العزيز الفقي "1977": دراسات في سيكولوجية النمو, الكويت, دار العلم.
15- حسن مصطفى عبد المعطي "1991": علاقة النمو النفسي الاجتماعي بنمو التفكير الخلقي لدى المراهقين والراشدين، مجلة كلية التربية. جامعة طنطا، العدد 14، 312-368.
16- حسن مصطفى عبد المعطي "1991": قياس هوية الأنا: معايير تقدير مراتب الهوية وفقًا لمقابلة مارشيا. أم درمان, دار جامعة أم درمان الإسلامية للطباعة والنشر.
17- حسن مصطفى عبد المعطي "1991": التنشئة الأسرية وأثرها على تشكيل الهوية لدى الشباب الجامعي. مجلة كلية التربية, جامعة طنطا، العدد 14، 233-277.
18- حسن مصطفى عبد المعطي "1993": دراسة لبعض المتغيرات الأكاديمية المرتبطة بتشكيل الهوية لدى الشباب الجامعي. مجلة علم النفس، العدد 25، القاهرة, الهيئة المصرية العامة للكتاب 6-27.
19- ديوبولد فان دالين "1985": مناهج البحث في التربية وعلم النفس، ط2، ترجمة: محمد نبيل نوفل وآخرون، القاهرة, مكتبة الأنجلو المصرية.
20- رشاد عبد العزيز موسى "1990": دارسة أثر بعض المحددات السلوكية على الدافعين للإنجاز، مجلة علم النفس، العدد 15، القاهرة, الهيئة المصرية العامة للكتاب.
21- روبرت ودورث "1985": مدارس علم النفس المتعاصرة، ترجمة: كمال دسوقي، الزقازيق, مطابع جامعة الزقازيق.
22- ريتشارد م. سوين "1979": علم الأمراض النفسية والعقلية، ترجمة: أحمد عبد العزيز سلامة، القاهرة, دار النهضة العربية.
(1/520)
23- سليمان الخضري الشيخ "1983": البحوث النفسية في التفكير الخلقي، الندوة الدولية عن التربية والمستقبل، القاهرة, كلية التربية، جامعة عين شمس "20-22/ 3/ 1983".
24- سليمان الخضري الشيخ "1983": دراسة في التفكير الخلقي للمراهقين والراشدين، القاهرة. دار الثقافة للطباعة والنشر.
25- سهير محمد سلامة شاش "1998": أثر اللعب الجماعي الموجّه في تحسين الأداء اللغوي لدى الأطفال المتخلفين عقليًّا. رسالة ماجستير "غير منشورة"، كلية التربية, جامعة الزقازيق.
26- سول شيدلنجر "1970": التحليل النفسي والسلوك الجماعي، ترجمة: سامي محمد علي، القاهرة، دار المعارف.
27- سيجموند فرويد "1980": الموجز في التحليل النفسي، ترجمة: سامي محمود علي، عبد السلام القفاش، مراجعة: مصطفى زيور، القاهرة. دار المعارف.
28- سيجموند فرويد "1980": ما فوق مبدأ اللذة. ترجمة: اسحق رمزي، القاهرة, دار المعارف.
29- سيجموند فرويد "1980": ثلاثة مقالات في نظرية الجنسية. ترجمة: سامي محمود علي، مراجعة: مصطفى زيور. القاهرة, دار المعارف.
30- سيجموند فرويد "1981": حياتي والتحليل النفسي. ترجمة: مصطفى زيور، عبد المنعم المليجي. القاهرة, دار العارف.
31- طلعت حسن عبد الرحيم "1990": الأسس النفسية للنمو الإنساني، ط3، الكويت, دار القلم.
32- طلعت منصور، حليم بشاي "1982": دراسات ميدانية في النضج الخلقي عند الناشئة في الكويت, منشورات مجلة العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت.
34- طلعت منصور، فيولا البيلاوي "1986": مذكرات في علم نفس النمو، "غير منشورة"، القاهرة. كلية التربية, جامعة عين شمس.
(1/521)
35- عادل عبد الله محمد "1985": علاقة النمو المعرفي بنمو التفكير الخلقي لدى تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي، رسالة ماجستير "غير منشورة", كلية التربية, جامعة الزقازيق.
36- عادل عبد الله محمد "1990": النمو العقلي للطفل، القاهرة, الدار الشرقية.
37- عادل عبد الله "1991": اتجاهات نظرية في سيكولوجية نمو الطفل والمراهق. القاهرة, مكتبة الأنجلو المصرية.
38- عادل عز الدين الأشول "1982": علم النفس النمو، القاهرة, مكتبة الأنجلو المصري.
39- عبد الباسط خضر "1983": دراسة العلاقة بين المستوى الثقافي للأسرة والمستوى اللغوي للأطفال. رسالة ماجستير "غير منشورة"، كلية التربية, جامعة عين شمس.
40- عبد الحميد محمد الهاشمي "1980": علم النفس التكويني: أسسه وتطبيقاته من الولادة إلى الشيخوخة، جدة, دار المجمع العلمي.
41- عبد الرحمن سيد سليمان "1997": نمو الإنسان في الطفولة والمراهقة، القاهرة, دار زهراء الشرق.
42- عبد المنعم المليجي "1987": النمو النفسي. القاهرة, مكتبة مصر.
43- عبد الرحمن عيسوي "1981": دراسات سيكلوجية. القاهرة. دار المعارف.
44- عزت حجازي "1985" الشباب العربي ومشكلاته. ط2، سلسلة علام المعرفة، الكويت. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
45- علاء الدين كفافي "1990": الصحة النفسية، ط3، القاهرة, دار هجر للطباعة والنشر والإعلان.
46- علاء الدين كفافي "1997": علم النفس الارتقائي. سيكولوجية الطفولة والمراهقة، القاهرة, مؤسة الأصالة.
47- غسان يعقوب "1980": تطور الطفل عند بياجيه، بيروت, دار الكتاب اللبناني.
(1/522)
48- فاروق العدلي"1981": الأنثروبولوجيا التربوية، القاهرة, دار الكتاب الجامعي.
49- فاروق صادق "1978": سيكولوجية التخلّف العقلي، الرياض, مطبوعات جامعة الرياض.
50- فؤاد أبو حطب "1973": التحليل العلمي للسلوك الخلقي. الكتاب السنوي في التربية وعلم النفس، القاهرة, عالم الكتاب.
51- فؤاد البهي السيد "1975": الأسس النفسية للنمو من الطفولة إلى الشيخوخة، القاهرة, دار الفكر العربي.
52- كمال دسوقي "1976": علم النَّفس ودراسة التوافق. بيروت, دار النهضة العربية.
53- كمال دسوقي "1979": النمو التربوي للطفل والمراهق، ط1، بيروت, دار النهضة العربية.
54- كمال إبراهيم مرسي "1979": مرجع في التخلف العقلي. الكويت, دار القلم.
55- ك. س. فيجوتسكي "1976": التفكير واللغة. ترجمة: طلعت منصور. القاهرة, مكتبة الأنجلو المصرية.
56- محمد السيد عبد الرحمن "1998": نظريات الشخصية، القاهرة, دار قباء للطباعة والنشر.
57- محمد السيد عبد الرحمن "1999": نظريات النمو. دروس في علم نفس النمو المتقدم، "غير منشور". كلية التربية, جامعة الزقازيق.
58- محمد محروس الشناوي "1997": التخلف العقلي. الأسباب، التشخيص، البرامج. القاهرة, دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع.
59- محمد محروس الشناوي "1996": العملية الإرشادية والعلاجية. القاهرة, دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع.
60- محمد رفقي محمد فتحي "1981": جان بياجيه بين النظرية والتطبيق. القاهرة, دار المعارف.
(1/523)
61- محمد رفقي محمد فتحي "1983": في النمو الأخلاقي: النظرية. الكويت, دار القلم.
62- محمد رفقي محمد فتحي "1987": سيكولوجية اللغة والتنمية الغوية لطفل الرياض. الكويت, دار القلم.
63- محمد علي الربيع "1986": الوراثة والإنسان؛ أساسيات الوراثة الطبية والبشرية. سلسلة عالم المعرفة "100"، الكويت, المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
64- محمد عماد الدين إسماعيل "1989": الطفل من الحمل إلى الرشد، ج1 "السنوات الست الأولى"، الكويت, دار القلم.
65- محمود أبو النيل "1987": الذكاء والفقر. مجلة علم النفس، العدد "2"، القاهرة, الهيئة المصرية العامة للكتاب.
66- محمود عطا حسين عقل "1992": النمو الإنساني الطفولة والمراهقة.
الرياض, دار الخريجي للنشر والتوزيع.
67- مصطفى فهمي "1979": التوافق الشخصي والاجتماعي، القاهرة, مكتبة الخانجي.
68- ميشال زكريا "1983": الألسنية: علم اللغة الحديث - المبادئ والأعلام. ط2، بيروت, المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
69- ميشال زكريا "1985": مباحث في النظرية الألسنية وتعليم اللغة. ط2، بيروت, المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
70- هادي نعمان الهيتي "1988": ثقافة الأطفال. سلسلة عالم المعرفة "123"، الكويت, المجلس القومي للثقافة والفنون والآداب.
71- هانز ساكس "1985": فرويد أستاذي وصديقي. ترجمة: سعد توفيق، مراجعة: عبد الفتاح الديدي، القاهرة, الهيئة المصري العامة للكتاب.
72- هدى برادة، فاروق صادق "1986": علم نفس النمو، القاهرة, وزارة التربية والتعليم.
(1/524)
73- هدى محمد قناوي "1984": الطفل تنشئته وحاجاته. القاهرة. مكتبة الأنجلو المصرية.
74- هنري و. ماير "1981": ثلاث نظريات في نمو الطفل. ترجمة: هدى محمد قناوي، القاهرة, مكتبة الأنجلو المصرية.
75- هوك ك. لنذري ج. "1975": نظريات الشخصية. ترجمة: فرج أحمد فرج وآخرون، القاهرة, الهيئة المصرية العامة للكتاب.
76- American Psychological Association, Committee on Ethical Standards in Psychological Research. "1972": Ethical Standards for research with human subjects. American Psychological Association Monitor.
77- Aronfreed, J. "1968": Conduct and Conscience: The Socialization of internalized control over behavior. New York: Academic Press.
78- Atkinson, R. C. Bower, G. H. & Crothers, E. J. "1965": Introduction to mathematical leaning, theory. New York: Wiley.
79- Azmitia, M. & Hesser, J. "1993": Why Siblings are important agents of Conitive development: A Comparison of sibilings and Peers. Child Development, 64, 430- 444.
80- Bandura, A. & Mac Donald, F. J. "1963": Influence of Social reinforcement and the behavior judgments. J. of Abnormal and social psychology, 67, 247- 28.
81- Bandura, A. "1969": Social learning theory of identificatory Processes. "In" D. Goslin "Ed,", Handbook of Socialization theory and research. Chicago: Rand Mc Nally.
82- Beilin, H. "1976": Constructing Cognitive operations linguistically. "In." H. W Reese "Eds."; Advances New York: Academic Press.
83- Bell, R. Q. "1968": A reinterpretation of the direction of effects in studies of Socialization. Psychological Review, 75, 84- 88.
(1/525)
84- Bijou, S. W. & Baer, D. M. "1961": Child development I: A Systematic and empirical theory. New York: Appleton- Century-Crofts.
85- Borke, H. "1973": The development of empathy in Chinese and American Children between three and six years of age: A Cross-Culture study. Developmental Psychology, 9, 102- 108.
86- Brain, M. D. S. "1963": On learning grammatical order of words. Psychological Review, 70. 328- 348.
87- Bronfenbrenner, U: "1960": Freudian theories of identification and their derivatives. Child Development, 31,15- 40.
88- Bronfenbrenner, U. "1977": Toword an experimental ecology of human development. American Psychologist, 32, 513- 531.
89- Brown, A. L. "1975": The development of memory: Knowing, Knowing about Knowing, and Knowing how to know. "In" H. W. Reese "Ed.", Advances in child Development and behavior. Vol. 10. New York: Academia Press.
90- Burchanan, J. P. & Thompson, S. K. "1973": A quantitative methodology to examine the development of moral judgment. Child Development, 44, 186- 189.
91- Bruner, J. S. "1956": On cognitive growth. "In."; J. S. Bruner, R. R. Olver & P. M. Greenfield, "Eds."; Studies in cognitive growth. New York: Wiley.
92- Bruner, J. S., Olver, R. R. & Greenfield, P. "1966": Studies in Cognitive growth. New York: Wiley.
93- Burton, R. V. "1976": Honesty and dishonesty. "In." T. Lickona "Ed.", Moral development and behavior: Theory, research, and social issues. New York: Holt, Rinehart and Winston.
94- Cattle, R. B. "1960": The multiple abstract variance analysis equations and solutions: for nature- nurture research on continouous variables. Psychological Review, 67, 353- 372.
(1/526)
84- Bijou, S. W. & Baer, D. M. "1961": Child development I: A Systematic and empirical theory. New York: Appleton- Century-Crofts.
85- Borke, H. "1973": The development of empathy in Chinese and American Children between three and six years of age: A Cross-Culture study. Developmental Psychology, 9, 102- 108.
86- Brain, M. D. S. "1963": On learning grammatical order of words. Psychological Review, 70. 328- 348.
87- Bronfenbrenner, U: "1960": Freudian theories of identification and their derivatives. Child Development, 31,15- 40.
88- Bronfenbrenner, U. "1977": Toword an experimental ecology of human development. American Psychologist, 32, 513- 531.
89- Brown, A. L. "1975": The development of memory: Knowing, Knowing about Knowing, and Knowing how to know. "In" H. W. Reese "Ed.", Advances in child Development and behavior. Vol. 10. New York: Academia Press.
90- Burchanan, J. P. & Thompson, S. K. "1973": A quantitative methodology to examine the development of moral judgment. Child Development, 44, 186- 189.
91- Bruner, J. S. "1956": On cognitive growth. "In."; J. S. Bruner, R. R. Olver & P. M. Greenfield, "Eds."; Studies in cognitive growth. New York: Wiley.
92- Bruner, J. S., Olver, R. R. & Greenfield, P. "1966": Studies in Cognitive growth. New York: Wiley.
93- Burton, R. V. "1976": Honesty and dishonesty. "In." T. Lickona "Ed.", Moral development and behavior: Theory, research, and social issues. New York: Holt, Rinehart and Winston.
94- Cattle, R. B. "1960": The multiple abstract variance analysis equations and solutions: for nature- nurture research on continouous variables. Psychological Review, 67, 353- 372.
(1/527)
106- Eldkind, D. "1969"; Development Studies of figurative Perception. "In."L. P. Lipsitt and H. W. Reese "Eds.", Advances in child development and behavior. Vol. 4, New York: Academic Press.
107- Erlemeyer- Kimling, L. & Jarvik, L. F. "1963": Genetics and intelligence: A review. Science, 51, 593- 902.
108- Erikson, E. H. "1959": Identity and the life cycle. Psychological Issues, Monograph No. 1.
109- Erikson, E. H. "1963": Childhood and society. New York. Norton.
110- Erikson, E. H. "1966": The concept of identity in race relations: Notes and Queries, Daedalus, 45, "1", 145- 171.
111- Erikson, E. H. "1968": Yorth and Crises. New York: Norton.
112- Eysenck, H. J. "1976": The biology of morality. "In" T. Lickona "Ed."; Moral development and behavior: Theory, research, and social issues. New York: Holt, Rinehart. and Winston.
113- Flavell, J. H. "1963": The developmental Psychology of Jean Piaget. New York: Van Nostrand.
114- Flavell, J. H. "1972": An analysis of cognitive developmental sequences. Genetic Psychology Monograph, 86, 279- 350.
115- Flavell, J. H. "1977"; Cognitive development. Englewood Cliffs. N. J. Prentice- Hall.
116- Field, T. "1990"; Infancy. Cambridge, MA: Harfard university Press.
117- Flaver, J. H. "1992"; Cognitive development: Past, Present, and future Developmental Psychology, 28, 998- 1005.
118- Freedman. D. G. "1964": Smiling in blind infants and the issue of innate vs. acquired. J. of Child Psychology and Psychiatry, 5, 171- 184.
(1/528)
119- Freedman, D. G. "1960": The infant's fear of strangers and the flight response. J. of Child Psychology and Psychiatry, 4, 242-248.
120- Freud, S. "1950": The ego and th id. London: Hogarth. Press.
121- Freud, S. "1959": Collected Papers. Vol. I, II, III. IV. New York; Books.
122- Fry, P. S. "1977"; Success, Failme, and resistance to temptation. Developmental Psychology, 13,519- 520.
123- Furth, H. C "1970"; On language and Knowing in Piaget's developmental theory. Human Development, 13, 241- 257.
124- Gall, S., Beins, B.. & Feldman, A. J. "1996"; The Gale encyclopedia of Psychology. New York; Robyn v. young, coordinating Editor.
125- Gelman, R. "1969": Conservation acquisition: A Probem of learning to attend to relevant attributes. J. of Experimental child Psychology, 7, 167- 187.
126- Gelman, R. & Au, Tk. "1996"; Perceptual and cognitive development, 2nd ed., San Diego: Academic Press.
127- Gewirtz, J. L. "1969"; Mechanisms of social leaning: some roles of stimulation and behavior in early human development. "In" D. Goslin "Ed.", Handbook of Socialization theory and research. Chicago. Rand Mc Nally.
128- Goldstein, D. "1972": Cognitive Performance and competence characteristics of lower- and middle- class preschool children. J. of Genetic Psychology, 132, 177- 183.
129- Goodnow, J. J. "1969"; Problems in research in culture and thought. "In", D. Elkind & J. Flavell "Eds."; Studies in cognitive development: Essays in honor an Jean Piaget. New York: Oxford university Press, 1969.
130- Gorman, A. "1980"; Developmental Psychology. New York: D. Van Nostard Co.
(1/529)
131- Gormly, A. V."1997"; Life- Span human development. 6 th ed., New York: Harcout. Brace college Publisher.
132- Hagen, J. W. "1976"; The effects of distraction on selective attention. Child Development, 38, 685- 694.
133- Handrick, J. "1992"; The Whole Child: Developmental education for the early years. 5th ed. New York: Macmillan, Publishing Co.
134- Herriot, P. "1970"; An introduction to the Psychology of language. London: Methuen & Co. Ltd.
135- Hess. E. H. "1972": Ethology and developmental Psychology. "In" P. H. Mussen "Ed.", Carmichail's manual of child Psychology. New York: Wiley.
136- Hirsch, J. "1963"; Behavior genetics and individuality understood. Science, 142, 1436- 1442.
137- Hoffman, M. L. "1970"; Moral development. "In". P. H. Mussen "Ed."; Carmichael's manual of child Psychology. New York: Wiley.
138- Hogan, R. "1973"; Moral Conduct and moral Character: A Psychological Perspective. Psychological Bulletin, 79, 217- 232.
139- Honzik, M. p. "1957": Developmental Studies of Parent- Child resemblances in intelligence. Child Development, 28, 215- 228.
140- Honzik, M. P. "1963"; A sex difference in the age of onset of the parent- child resemblance in intelligence. J. of Educational Psychology, 53, 231-237.
141- Honzik, M. P., Macfarlane, J. W. & Allen, L. "1984": The Stability of mental test Performance between two and eighteen years. J. of experimental Education, 17. 309- 324.
142- Jensen, L. "1985"; Adolescence: Theories, research, applications. New York: West Publishing Co.
143- Jones, H. E.Conrad, H. S. & Jones, M. C."1973"; Physical maturation among boys as related to behavior. J. of Educational Psychology, 41, 129- 148.
(1/530)
144- Kagan, J. & Moss, H. A. "1962": Birth to maturity: A study in Psychological development, New York: Wiley.
145- Kagan, J., Rosman, B. L., Day, D., Albert. J. & Phillips, W. "1964"; Information Processing in the child: Significance of analytic and reflective attitudes. Psychological Monogrophs, Whole No. 578.
146- Kagitcibasl, C. "1996"; Human development across cultures. Hiilsdale, N. J: Erlbaum.
147- Kessen, W. "1965": The child. New York: Wiley.
148- Kessen, W. "1962": Stage and structure in the study of children. Monographs of Society for Research in child Development, 27 "2, serial No. 83", 65- 82.
149- Keasy, C. B. "1971"; Social Participation as a factor in the moral development of Preadolescents. Developmental Psychology, 5, 216- 220.
150- Kohlberg, L. "1963"; The development of children's orientations toward a moral order: I. sequence in the development of moral thought. Vita Humanities, 6, 11- 33.
151- Kohlberg, L. C. "1969"; Stage and Sequence: The Cognitive-developmental approach to socialization. "In". D. A. Goslin "Ed."; Handbook of Socialization theory and Research. New York: Rand Mc Nally.
152- Kohlberg, L. & Gilligan, C. "1971"; The adolescent as a Philosopher; The discovery of the self in the post conventional world. J. of the American Academy of Arts and Science, 3, 1068- 1069.
153- Kohlberg, L. "1973"; Continuities in childhood and adult moral development revisited. "In" P. B. Baltes & K. W. Schaie "Eds.", Life- Span developmental Psychology: Personality and Socialization. New York: Acadimic Press.
(1/531)
154- Kohlberg, L. & Krammer, R. "1980"; Continuities and discontinuities in childhood and adult moral development. Human Development, 12, 93- 120.
155- Kuo, Z. Y. "1972": Ontogeny of embryonic behavior in Aves: IV. The influence of embryonic movements upon the behavior after hatching. J. of Comparative Psychology, 14, 109- 122.
156- Langer, J."1969": Theories of development. New York: Hotl, Rinehart. And Winston.
157- Langer, J. "1970": Werner's Comparative- Organismic theory. "In."; Carmichael's manual of child Psychology. New York: Wiley.
158- Le Furgy, W. G. & Woloshin, G. W. "1969"; Immediate and long- term effects of experimentally induced social influence in the modification of adolescent's moral judgements. J. Of Abnormal social Psychology, 12, 104- 110.
159- Lerner, M. & Spanier, B. "1980"; Adolescent development; A life- span Perspective. New York: Mc Graw Hill book Co.
160- Lickona, T. "1967"; Moral development and behavior: Theory, research and social issues. New York: Holt, Rineharc and Winston.
161- Lockman, J. J. & Thelen, E. "1993"; Developmental biodynamics: Brain, body, behavior connectinons. Child Development, 64, 953- 959.
162- Lorenz, K. "1965": Evolution and modification of behavior. Chicago: university of Chicago Press.
163- Lourenco, o. & Machado, A. "1996"; In defence of Piaget's theory: A reply to 10 common criticisms. Psychological Review, 103, 143- 164.
164- Luria, A. R. "1966": Higher Cortical functions in man. New York: Basic Books.
(1/532)
165- Maccoby, E. E. "1968"; The development of moral values and behavior in childhood. "In" J. A. Clauson "Ed.", Socialzation and Society. Boston: Little, Brown.
166- Mackworth, N. H. & Bruner, J. S. "1970"; How adults and children search and recognize Pictures. Human Development, 13, 149-177.
167- Marcia, J. E. "1966": Ego identity status interview: late adolescent form. Simon Fraster university Press. Burnaby, Canada.
168- Marcia, J. E. "1966": Development and validation of ego identity status. J. of Personality and social Psychology, 3 "5", 551- 558.
169- Marcia, J. E. "1980": Identity in adolescence. "In": J. Adelson "Ed"; Handbook of Adolescent Psychology. New York: Wiley & Sons.
170- Marcia, J. E. "1976": Identity six years after: A follow- up\study. J. of youth and Adolescence, 5, 145- 160.
171- Marcia, J. E. "1980": Adolescent identity formation: conceptual and methodological issues. Comment from discussion sessons held at the meeting of the society for Research in child Development. Boston.
172- Mandler, J. M. "1990"; A new Prespective on cognitive development in infancy. American. Scientist, 78, 236- 243.
173- Mc Call, R. B. "1977": Challenges to a Science of developmental Psychology. Child Development, 48, 333- 344.
174- Mc Candless, B. R. "1970": Adolescents: Behavior and development. Hinsdale, III: The Dryden Press. Inc.
175- Meyer, W. J. "1972": The development of representational Competence. "In" F. J. Monks; W. W. Hartup& J. de- wit "Eds.", Determinants of behavioral development. New York: Academic Press, PP. 527- 530.
(1/533)
176- Meyer, W. J. & Dusek, J. B. "1979": Child Psychology: A development Perspective. Massachusetts: ction of D. S. Heath and Company.
177- Meyer, W. J. & Offenbach, S. I. "1962"; Effectiveness of reward and Punishment as a Function of task Complexity. J. of comparative and Physiological Psychology, 55, 532- 534.
178- Meryer, W. J. & Offenbach, S. I. "1962"; Effectiveness of reward and Punishment as a Function of task Complexity. J. of Comparative and Physiology, 55, 532- 534.
179- Moir, D. J. "1974"; Egocentrism and the emergence of conventional morality, in Preadolescent girls. Child Development, 45, 229- 304.
180- Moss, H. A. "1967": Sex, age, and state as determinants of mother- infant interaction. Merrill- Palmer Quarterly, 13, 19-36.
181- Nelson, K. E. & Reger, Z. "1995"; Children's Languge. Vol 8, Hillsdale, N. J. Erlbaum.
182- Newman, H. F., Freeman, F. W. & Holzinger, K. J. "1937": Twins: A Study of heredity and environment. Chicago: university of Chicago Press.
183- Overton, W. F. & Reese, H. W. "1973": Models of development: Methodological implications. "In" J. R. Nesselroade & H. W. Rees "Eds."; Life- Span developmental Psychology: Methodological issues New York; Academic Press.
184- Parke, R. D. & Walters, R. H. "1967"; Some Factors influencing the efficacy of Punishment training for inducing response inhibition. Monographs of the Society for Research in Child Development, 32 "1, serial No. 109".
185- Pasamanic, B. & Knoblock, H. "1966": Retrospective Studies of the epidemiology of reproductive casualty: old and new. Merrill-Palmer Quarterly, 12, 7- 26.
186- Piaget, J. "1972": Intellectual evaluation from adolescence to adulthood. Human Development, 15, 1- 12.
(1/534)
187- Piaget, J. "1977"; The moral judgment of the child. New York: Penguin books.
188- Plomin, R. De Fries, J. C. Mc Clearn, G. E. & Rutter, M. "1997"; Behavioral genetics. 3rd. ed., New York: W. H. Freeman.
189- Reese, H. W. & Overton, W. F. "1970": Models of development and theories of development. "In": L. R. Goulet & P. B. Baltes "Eds.": Life- Span developmental Psychology: Research and theory. New York: Academic Press.
190- Rest, J. R. "1976"; New approaches in the assessment of moral judgment. "In" T. Lickona "Ed." Moral development and behavior: Theory, research, and social issues. New York: Holt, Rinehart, and Winston.
191- Rothman, G. R. "1976"; The influence of moral resoning on behavioral choices. Child Development, 47, 397- 406.
192- Sadorow, L. W. "1995": Psychology. 3rd ed., New York: Brown & Benchmark.
193- Santrock, J. W. "1998"; Child development. 8th. ed. New York:
Mc "tew Hill.
194- Scarr, S. "1966": Genet: c Factors in activity motivation. Child Development, 37, 663- 673.
195- Scarr, S. & Weinberg, R. A. "1976": IQ test Performance of black children adopted by white families American Psychologyist, 31, 726- 739.
196- Scarr, S. "1996"; Best of human genetics. Contemporary Psychology, 41, 149- 150.
197- Schaie, K. W. "1965": A general model for the study of developmental Problems. Psychological Bulletin, 64, 92- 107.
198- Sears, R. R. "1960": Reporting research to Parents J. Nursery Edusation, 16, 25- 32.
(1/535)
199- Sears, R. R. "1961": Mark twain's dependency and despair. Conference of American Psychological Association. New York; September.
200- Sears, R. R. "1961": Dependency. Palo Alto, Calif., Stanford university.
201- Sears, R. R. "1961": Relationship of early social experiences to aggression in middle childhood. J. of Abnormal Psychology, 63, 3,466- 492.
202- Sears, R. R. "1963": Dependency motivation. "In" M. R. Jones "Ed."; Nebraska Symposium on Motivation, Lincoln: university of Nebraska Press, PP. 25- 64.
203- Sears, R. R. "1965": Development of gender role. "In" F. A. Beach "Ed.", Sex and behavior, New York; Wiley, PP. 133- 163.
204- Selman, R. L. A. "1973"; A Structural analysis of the ability to take another's social Perspective: stages in the development of role taking ability. Paper Presented at the meeting of the society for Research in child Development, Philadelphia.
205- Sears, R. R. "1975": Your ancients revisited: A history of child development. "In" E. M. Metherington "Ed.", Review of child development research. Vol. 5, Chicago: University of Chicago Press.
206- Shantz, C. U. "1975"; The development of social cognition. "In" E. M. Hetherington "Ed.", Review of child development research. Chicago: university of Chicago Press.
207- Siegelman, E. "1969"; Reflective and impulsive observing behavior. Development, 40, 1213- 1222.
208- Skinner, B. F. "1969"; Contingencies of reinforcement: A theoretical analysis. New York: Appleton- Century. Crofts.
209- Skodak, M. & Skeels, H. M. "1949": A Final follow up study of one hundred adopted children. J. of Genetic Psychology, 75, 85-125.
(1/536)
210- Slaby, R. G. & Parke, R. D. "1971"; Effect of resistance to deviation of observing a model's affective reaction to respons consequences. Developmental Psychology, 5,40- 47.
211- Sherry, R. W. "1,975v Ifi&p- tam, \m. ^ Review, PP. 30- 33.
212- Stevenson, H. W. "1968": Developmental Psychology. "In" D. L. Sills "Ed.", International encyclopedia of the Social Sciences. New York: Macmillan, ??, 136- HO,
213- Sugarman, B. "1973"; The School and moral development. London: Groon Helm LTD.
214- Tomlinson- Keasey. C. and Keasy, C. B. "1974"; The mediating
rail 9f ggngmtivg development in moral Judgment: Child
Development, 45, 291- 298.
215- Tinbergen, N. "1951": The Study of instinct. London: Oxford university Press.
216- Turiel, E. "1969"; Development Processes in child's moral thinking. "In" P. H. Hussen, J. Langer & M. Covington "Ed."; Traends and issues in development Psychology, New York: Holt, Rinehart and Winston.
217- Turiel, E. & Rothman, R. "1972"; The influence of resoning on behavioral choices at different stages of moral development. Child Development, 43, 741- 756.
218- Vernon, P. E. "1960": The structure of human abilities. London: Methuen.
219- Wheeler, R. J. & Dusek, J. B. "1973"; The effects of attention and cognitive factor on children's incidental learning. Child
. Development, 44, 253- 258.
220- White, s. "1965"; Evedence for a hierarchical arrallgement for learning processes. "In" L. P. Lipsitt & C. C. Spliker "Eds.", Advances in child behavior and development. Vol. 2. New York. Academic Press.
(1/537)
221- White, S. H. "1970": The learning theory tradition and child Psychology. "In" P. H. Mussen "Ed" Carmichael.htm's manual of child Psychology. New York: Wiley.
222- Wohlwill, J. F. "1973"; The study of behavior development. New York: Academic Press.
223- Zeaman, D. & House, B. J. "1963"; The role of attention in retardate discrimination Learning. "In" N. R. Ellis "Ed.", Handbook of mental deficiency. New York: Mc Graw- Hill.
224- Zigler, E. "1963": Met theoretical issues in developmental Psychology. "In" M. H. Marx "Ed."; Theories in contemporary Psychology. New York: Macmillan.
(1/538)
فهرس
7 تقديم
الفصل الأول
طبيعة النمو الإنساني
15 مقدمة
16 نبذة تاريخية عن نمو الطفل
28 موضوع علم نفس النمو
29 معنى النمو
32 أنماط التغير في النمو
36 مظاهر النمو
38 قوانين ومبادئ النمو
55 مطالب النمو
58 أهمية دراسة النمو
الفصل الثاني:
النمو بين الوراثة والبيئة
67 مقدمة
67 نشأة السلوك ونموه
69 الآليات الوراثية الإنسانية
83 مبادئ التطور وعلاقتها بالنمو
94 تكوين السلوك الإنساني
95 أولًا: توارث السلوك الإنساني
95 طرق تحديد الوراثية
96 1- توزيع السكان
(1/539)
98 2- تحليل السلالات
99 3- طريقة التوائم
102 4- الشبه بين الطفل والوالدين
103 توارث الصفات الشخصية
103 1- توارث الذكاء
110 2- توارث الشخصية والطباع
114 البيئة والنمو الإنساني
114 أولًا: البيئة قبل الولادية:
125 ثانيًا: البئة بعد الولادية:
125 1- البيئة الطبيعية "الجغرافية"
126 2- البيئة التاريخية "الزمانية"
126 3- البيئة الثقافية
133 4- البيئة الاجتماعية
134 أ- الأسرة "البيئة الأسرية"
146 ب- البيئة المدرسية
151 التفاعل بين الوراثة والبيئة في تشكيل النمو
الفصل الثالث: مناهج وطرق البحث في علم نفس النمو
157 البحث في علم نفس النمو
158 أخلاقيات البحث في علم نفس النمو
160 أبعاد البحث في علم نفس النمو
167 طرق البحث في علم نفس النمو
167 1- الطريقة المستعرضة لفئات مختلفة
169 2- الدراسة الطولية
172 3- الطريقة المستعرضة التتبعية
(1/540)
174 4- دراسة الحالة
179 تقييم نتائج البحث
183 خلاصة
الفصل الرابع: الاتجاهات النظرية في تفسير النمو
187 مقدمة
189 النظرية في علم نفس النمو
191 الأنماط النظرية في النمو
191 1- نمط نظرية التعلم
199 2- النمط المعرفي النمائي
208 دور النظرية في تفسير نمو الطفل
الفصل الخامس: نظرية النضج والنمو العضوي النفسي
215 أولًا: نظرية ميكانيزمات النضج العضوي "أرنولد جيزل"
243 ثانيًا: نظرية النمو الجسمي والتعلم الاجتماعي "روبرت سيرز"
255 ثالثًا: نظرية النمو الجنسي/ النفسي "سيجموند فرويد"
الفصل السادس: نظريات النمو النفسي الاجتماعي
273 مقدمة
274 أولًا: نظرية النمو النفسي الاجتماعي "إريك هـ. إريكسون"
298 ثانيًا: نظرية تشكيل الهوية "جيمس مارشيا"
(1/541)
الفصل السابع: نظريات النمو المعرفي
333 النظريات المفسرة للنمو المعرفي
334 1- نظرية هانز وارنر
336 2- نظرية جيرو برونر
340 3- نظرية جان بياجيه
372 تقييم نظرية بياجيه
379 تكوين المفاهيم
396 الفروق الفردية في النمو المعرفي
399 خلاصة
الفصل الثامن: نظريات النمو اللغوي
403 مقدمة
403 1- نظرية التعلم والتشريط
412 2- النظرية العقلية أو الفطرية
422 3- النظرية المعرفية
425 نظرة تكاملية لتفسير اكتساب ونمو اللغة
الفصل التاسع: نظريات النمو الخلقي
429 مقدمة
430 أولًا: نظرية التحليل النفسي
432 ثانيًا: نظرية التعلم الاجتماعي
438 ثالثًا: المدخل التطوري المعرفي
(1/542)
440 أ- نظرية بياجيه في النمو الخلقي
457 ب- نظرية بك وهافيجهرست عن الأخلاقية
459 ج- نظرية كولبرج
486 خلاصة
الفصل العاشر: تحليل ناقد لنظريات النمو
491 مقدمة
492 أوجه الاختلاف بين النظريات
502 تكامل النظريات
510 التطبيقات التربوية لنظريات النمو
517 المراجع
539 الفهرس
(1/543)
( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
علم نفس النمو
المجلد الثاني
مقدمة
...
مقدمة:
يسعدنا أن نقدم للقارئ العربي الجزء الثاني من كتاب علم نفس النمو الذي يتناول: مظاهر النمو وتطبيقاته، بعد أن تناول الجزء الأول أسس ونظريات النمو.
ويأتي صدور هذا الكتاب ونحن على أعتاب ألفية جديدة من التاريخ الإنساني الذي يشهد ثورة علمية وتكنولوجية وإعلامية لم يسبق لها مثيل على مر التاريخ.. وإذا كان التقدم العلمي والحضاري يستند في المقام الأول على القدارت الخلاقة للإنسان الذي يستطيع توجيه الجوانب المادية واستثمارها، لذا: فإن الإهتمام بالسلوك الإنساني وجونب النمو عبر مراحل العمر المتتابعة أصبح الشغل الشاغل للعلماء والباحثين في علم النفس على وجه الخصوص بغية الإسراع بالنمو في مظاهره المختلفة.
.. ومع التزامنا بالهدف الذي نسعى إليه في تقديم عرض عام لنمو الطفل فقد اخترنا لعرض النمو شكلًا موضوعيًا وليس شكلًا مرحليًا، حيث أن الشكل المرحلي ربما لا يؤدي إلى فهم استمرارية مظاهر النمو، فهو يجزيء مراحل عمر الإنسان ويحجب الطبيعة المنبثقة لمظاهر النمو مراحل العمر، بالإضافة لذلك: فإن العرض المرحلي قد يعمل على تجزئة عملية التعلم والاكتساب الذي يبدأ مع الإنسان من المهد إلى اللحد.. وفي اعتقادنا أن الشكل الموضوعي لعرض مظاهر النمو يؤدي إلى تجنب مشاكل المعالجات التبادلية ويوفر رؤية متماسكة للنمو داخل كل مظهر من مظاهره، وإحساسًا بالنمو عبر مختلف المظاهر.
ولقد جاء الفصل الأول ليعرض النمو الجسمي والفسيولوجي باعتباره أكثر مظاهر النمو وضوحًا، يليه النمو الحركي، ثم تناولنا نمو الإدراك الحسي كمظهر للنمو العقلي المعرفي، بالإضافة لذلك تناولنا النمو اللغوي، والنمو الانفعالي وتطور بعض الانفعالات في الطفولة، وفي تناول النمو الاجتماعي ثم التركيز على جانبين من جوانبه وهما التفاعل بين الوالدين والطفل، والعلاقة بالأقران.. وأخيرًا اختتم الكتاب بالنمو الخلقي الذي هو ثمرة التنشئة وغاية النمو والنضج.
ومع تأكيدنا على المعالجة المنفصلة لمظاهر النمو فإننا لم نهمل الكم الهائل من المعلومات التي استقيناها من أبحاث نظرية التعلم في علاقته بالنمو، حيث
(2/7)
ناقشنا الموضوعات المتعلقة بالتعلم خلال عرض مظاهر النمو المختلفة وإن لم نفرد فصلًا مستقلًا تحت عنوان التعلم -ولذلك: فإن مفاهيمنا عن التعلم التقليدي، والتعلم الشرطي، أو الإجرائي والتعلم بالنمذجة.. إلخ كل هذه المفاهيم تمت مناقشتها في فصول الكتاب المختلفة في سياق تقييم القدرات الحسية، وعمليات التكيف والتوافق الاجتماعي والنمو الانفعالي والأخلاقي.. إلخ وذلك لإيماننا بأن التعلم لا ينفصل عن النمو، حيث أن التعلم هو توظيف لمظاهر النمو.
ولقد حاولنا في كل فصل من الفصول المحافظة على وجود توازن بين المعالجة العلمية لدراسة الطفل، والاهتمام بالتطبيقات العملية، وقد عرضنا المعالجة العلمية من خلال مناقشة دراسات وتجارب شرحناها بتفصيل كاف لتمكين الدارس من الحصول على درجة من المعرفة بشأن طريقة وإجراءات الدراسة والغرض منها، مما يؤدي في النهاية إلى فهم النمو والأوضاع النظرية والتطبيقة الممكنة.
ولذلك: فإن الدارسين الذين يهمهم الاستمرار في دراسة نمو الطفل أو المجالات المتصلة به مثل: علم النفس العلاجي، أو علم النفس المدرسي، أو التعلم، أو الإرشاد النفسي، أو الخدمة الاجتماعية ... وغيرها سيجدون في ذلك خلفية علمية وطيدة، بالإضافة لذلك: فإن القارئ الذي يهتم بالجوانب التطبيقية العملية لنمو الطفل سيجد أننا قد ربطنا بين النتائج العملية ومختلف المشاكل التطبيقية التي يواجهها الآباء والمعلمون وغيرهم ممن تقتضي أعمالهم الاتصال اليومي بالأطفال والمراهقين.. كما أن المادة التي قدمناها تقترح استراتيجيات يمكن استخدامها في تربية الطفل، وهي تمد الباحثين بأساس للمعرفة لتقييم هذه الاستراتيجيات.
وإنا لنأمل أن ينجح إنجازنا في إيصال إيماننا بأن الدراسة العلمية للنمو تلقي الضوء على المظاهر اليومية لسلوك الأطفال ... وإذا نجحنا في ذلك فإن القارئ يستطيع أن يشاركنا اهتمامنا البالغ بالأطفال وبدراسة نموهم.
والله نسأل أن نكون قد وفقنا في عرض وتقديم مادة علمية يستفيد منها كل من يعمل مع الأطفال من دارسين، وباحثين وآباء، وعاملين في هذا المجال.
والله ولي التوفيق
المؤلفان،،
(2/8)
الفصل الأول: النمو الجسمي
أولا: مرحلة ما قبل الميلاد
الفترة الجنينية
...
الفصل الأول: النمو الجسمي
رغم أننا لا نستطيع أن نصف مظهر النمو الجسمي وصفًا كاملًا، إلا أن هدفنا هو أن نقدم من المعلومات ما يكفي لكي ندرك مدى التعقيد في العلاقات التبادلية بين مختلف أجهزة الجسم. كما أننا سنوضح أنه منذ بداية الحمل يكون النمو الجسمي عملية مستمرة من التفاضل الخلوي، مع عملية مصاحبة من التفاضل والتكامل بين الأجهزة، وأخيرًا فإن مظاهر النمو الجسمي يجب أن ينظر إليها على اعتبار أنها مرتبطة أساسًا بالمظاهر الأخرى من النمو.
وسوف نتناول النمو الجسمي من خلال نمو الطول والوزن، ونمو العمليات الفسيولوجية، والنمو الحاسي منذ مرحلة ما قبل الميلاد وحتى مرحلة الرشد.
أولًا: مرحلة ما قبل الميلاد
ما بين لحظة الحمل ولحظة الميلاد، تصبح كل الآليات البيولوجية اللازمة لتواجد حياة مستقلة في حالة عمل. فعندما تتحد البويضة بالخلية المنوية في قناة فالوب "عندما تكون البويضة في طريقها إلى الرحم"، تبدأ على الفور عملية الانقسام الفتيلي، ويستعد الرحم بإمداد إضافي من الدم لاستقبال البويضة المخصبة. وتتلقى البويضة الخصبة "الزيجوت" الغذاء من المخ في أثناء رحلتها إلى الرحم، ولكن يحدث بعد ذلك مباشرة أن تنمو تكوينات خارجية -الحبل السري، والمشيمة، وكيس السائل الأمنيوتي- وتقدم لها الحماية والغذاء.
الفترة الجنينية:
يسمى التركيب العضوي الآخذ في النمو "الجنين". وإذا نجح الزيجوت في الالتصاق بجدار الرحم، فإن النمو يبدأ رحلته الجنينية وهي تستمر نحو ثمانية أسابيع، وسرعان ما تتفاضل خلايا الجنين، وفي نهاية المرحلة الجنينية تتخذ سمات التركيب العضوي مظهرًا إنسانيًا واضحًا. والشكل "1" يبين هذه التغيرات، إذ يبين إنه في نهاية المرحلة الجنينية، يبلع طول التركيب العضوي 41مم في المتوسط.
إن عملية التفاضل الخلوي المسئولة عن وظائف التكوينات البشرية وهي وظائف بالغة التخصص، عملية شديدة التعقيد "Fuller & thompson 1960"
(2/11)
لننظر مثلًا إلى النمو العصبي: كيف تستطيع الألياف العصبية للجنين، ولكل منها وظيفة على درجة ما من التحديد، أن تجد طريقها إلى مستقبلاتها من غدد وعضلات وأجزاء أخرى من الجهاز العصبي المركزي؟، لقد جاء وقت افترض فيه أنه لما كانت كل خلية في الجسم تشتمل على نفس العدد من الجينات، فليست كل الجينات في الخلية تكون نشطة "فعالة"، ثم افترض أن مجموعات صغيرة من الجينات في كل خلية تكون نشطة، أي أن عملية التفاضل الخلوي تتطلب أعدادًا من الجينات النشطة في كل خلية، وهذه الأعداد تتناقض باطراد. غير أنه لم يكن من الممكن تجريبيًا تحديد أي الجينات هي النشطة وأيها غير النشطة. وتوقعًا منه لأبحاث جديدة اعتقد سبري Sperry "1951" أن حل هذه المسألة يوجد في "نظام إرشاد بيوكيمائي معقد"، وكان ذلك مقدمة لفكرة "نظام تبويب الجينات "الذي يتضمن كلا من د. ن. أز، ر. ن. أ. وقد افترض سبري Sperry أن كثيرًا من الألياف العصبية تجري برمجتها مسبقًا للقيام بوظائف معينة "الأبصار، السمع، اللغة"، وتتصل الألياف العصبية بعدد قليل من بين التفرعات العديدة للخلية العصبية، وأن عملية الانتقاء التي تحدد أي الألياف هي التي تتصل بخلايا معينة تتوقف على التوافق البيوكيماوي للخلايا الفردية. وهكذا فإن خلايا المخ تكون وظائف متخصصة وكذلك الأجهزة العصبية التي تسيطر على وظائف الجسم.
نمو الجنين الإنساني من اليوم السادس عشر حتى الأسبوع الثامن. إلى اليسار جنين عمره 16 يومًا تقريبًا، مكبرا × 23.5، وفي الوسط في حوالي الأسبوع الخامس مكبرا × 6.5؛ وإلى اليمين في حوالي الأسبوع الثامن × 0.2.
(2/12)
وعند نهاية الشهر الثاني، أي نهاية المرحلة الجنينية، يكون التفاضل بين تكوينات الجسم قد تم بنسبة 95%. فالأطراف الأربعة تصبح واضحة تمامًا "انظر الرسم الأيمن شكل "1"، ويمكن التعرف على بدء تكون العينين والأذنين والهيكل العظمي والعضلات، علاوة على ذلك يتواجد جهاز عصبي بدائي.
(2/13)
الفترة الحميلية:
وتسمى السبعة شهور الباقية من الحياة قبل الولادة بالفترة الحميلية. ولما كانت 95% من تكوينات الجسم موجودة في نهاية الشهر الثاني، فإن باقي فترة الحمل تمضي في النمو العام وتتحسن أجهزته. ويعتبر نمو المخ مثلًا جيدًا على ذلك، فكل تكويناته الرئيسية تتم في نهاية الشهر الثالث من الفترة الحميلية. وابتداء من هذه النقطة تصبح الألياف العصبية أكثر كثافة، الأمر الذي يؤدي إلى تكون التلافيف في حوالي الشهر السابع الحميلي. غير أن سرعة المخ في النمو لا تضارع سرعة نمو باقي التركيبات العضوية. والنمو الأسرع في منطقة الدماغ يسمى "النمو الرأسي ذنبي" "Cephalocaudal trend"، والجهاز الهرمي "ألياف عصبية تبدأ من لحاء الدماغ وتمتد على طول العمود الفقري".. وألياف العمود الفقري لا تبدأ في النمو السريع إلا فيما بعد، ولذلك فإن الحركة الإرادية لا تتيسر في مبدأ الأمر. وعندما تبدأ الأجهزة التي تسيطر عليه السلوك الإرادي الحركي في التكامل، تكون باقي مناطق المخ هي الأخرى آخذة في التكامل.
وهناك عملية أخرى داخل الجهاز العصبي المركزي تبدأ في فترة ما قبل الولادة وتعرف باسم "تكون النخاع" Myelin، وهي مادة دهنية بيضاء تغطي الألياف العصبية، والمعتقد أنها مسئولة عن سرعة التوصيل العصبي، أي أنها تجعل وقت رد الفعل والوظيفية الحسية أكثر كفاءة.
(2/13)
الجنين إلى اليسار بعد 8 أسابيع من الحمل، وإلى اليمين بعد 12 أسبوع إن القليل من الأبحاث هي التي نشرت عن جهاز الدورة الدموية في القلب وجهاز الغدد الصماء في الجنين. فنبضات قلب الجنين مثلا تبدأ بعد الحمل بثلاثة شهور تقريبًا، ولكن آليات حركة النبض نفسها غير مفهومة. علاوة على ذلك فهناك ما يدل على أنه في داخل الجهاز الدوري يقوم الدم الخارج من المشيمة بافتتاح أجهزة تؤدي إلى سريان دم الأم خلال كبد الجنين ورجوعه إلى القلب؛ ويجري تصريف الفضلات المتجمعة خلال غشاء المشيمة. وللجنين جهازه الدوري الخاص، ولكنه يتبادل الدم في كلا الاتجاهين "من الجنين إلى الأم ومن الأم إلى الجنين" بواسطة أغشية مسامية كيميائيًا، توجد بصفة خاصة في المشيمة. ولذلك فإن العقاقير، مثل الثاليدوميد، التي تتناولها الأم تعبر غشاء المشيمة، وقد يكون لها تأثير ضار على نمو الجنين. ومن جهة أخرى، فإن الجنين ينقل الإفرازات الغدية إلى الأم. وبعض إفرازات الجنين مثلا تؤدي إلى تراجع حالات التهاب المفاصل، وإن كانت هذه الحالات تعود للظهور بعد ولادة الطفل.
(2/14)
وقد تركزت الأبحاث حول النمو الغدي بصفة خاصة على الأطفال حديثي الولادة ومن هم أكبر منهم. أن الغدد الرئيسية تنمو أثناء فترة ما قبل الميلاد، ولكن تأثيرها على السلوك أو النمو لا يبدو ملحوظًا.
وينمو الجنين في الطول من 1.5 بوصة إلى ما يقرب من 20 بوصة عند الميلاد. ويتغير الوزن من 8/ 1 رطل تقريبًا إلى 7 أرطال. وعندما يبلغ الجنين الشهر السابع وإلى الشهر السابع والنصف، تكون آلياته الجسمية قد بلغت حدًا من النمو يسمح لها بالحياة خارج الرحم، وإن كان ذلك بمساعدة أجهزة صناعية. كما أن الأجنة تظهر انعكاسات بدائية مثل الانعكاس الكفي "انعكاس قبض استجابة لملامسة راحة اليد"، والانعكاس الأخمصي "انثناء أصابع القدم استجابة لملامسة باطن القدم".
(2/15)
ثانيا: مرحلة ما بعد الميلاد
نمو الطول والوزن
...
ثانيًا: مرحلة ما بعد الميلاد
أ- نمو الطول والوزن:
عندما وصفنا النمو قبل الميلاد، لاحظنا أن منطقة الدماغ تنمو أسرع من نمو التكوينات التي تقع أسفلها. وعند الولادة تكون الدماغ نحو 22% من طول الوليد، ولكن هذه النسبة تتغير "انظر الشكل2" تغيرًا ملحوظًا مع التقدم في السن. ويختلف الأطفال عند الميلاد في الطول وفقًا للعوامل الوراثية، ولعوامل الجنس: فالذكور عند الميلاد يكونون في الغالب أطول من الإناث قليلًا، ويكون النمو في الطول سريعًا ما بين الميلاد إلى نهاية السنة الثانية إذ يبلغ طول الطفل الوليد حوالي 50 سم ويزيد طول الطفل بمعدل 2.6 سم كل شهر خلال الأشهر الأربعة الأولى، ويصل طوله في الشهر الرابع حوالي 60 سم، وفي نهاية السنة الأولى يصل طوله إلى حوالي 70 سم وفي نهاية السنة الثانية يصل إلى حوالي 87 سم تقريبًا.
أما بالنسبة للوزن: فإن وزن الطفل يتضاعف عما كان عليه عند الولادة بعد مضي خمسة أشهر، وبعد عام يصل إلى ثلاثة أضعاف هذا الوزن. فمن المعايير المعروفة أن الطفل حديث الولادة يصل وزنه إلى حوالي سبعة أرطال أي
(2/15)
ثلاثة كيلو جرامات. وعلى الرغم من أن الوليد يقل وزنه في الأيام الأولى بعد الميلاد بسبب توافقات الطفل مع بيئته الجديدة، وحتى تعمل أجهزة الهضم وتقوم بدورها، فإن الطفل يعود إلى استعادة ما فقده وتكون الزيادة في الوزن زيادة مطردة إذ يزيد بمعدل 4/ 3 كيلو جرام شهريًا خلال الشهور الأربعة الأولى فيصل وزنه إلى ما يقرب من 4/ 51 كجم، ويصل في نهاية السنة الأولى إلى حوالي 9 كجم، ويلغ في سن سنتين ما يقرب من 12.5 كجم ... وعلى الرغم من وجود فروق بين الذكور والإناث في ذلك إلا أن الوزن يتأثر بصفة عامة بالحالة الصحية للطفل، وبنظام تغذيته، وبالوعي الغذائي للأم.
ومن واجب الآباء والمربين: أن يقوموا بعرض الطفل على الطبيب المختص إذا لم تحدث زيادة في وزن الطفل في الأسابيع الأولى، أو إذا لم تحدث زيادة في طوله إلى الشهر السادس.
أما في الطفولة المبكرة "3-5" سنوات: فإن معدل الطول والوزن ينمو نموًا مطردًا وسريعًا.. حيث يصل طول الطفل في سن الثالثة إلى 90 سم في المتوسط، ويستمر في الزيادة فيصل في سن الخامسة إلى 107 سم، وفي بداية العام السادس إلى حوالي 110 سم.
أما الوزن في سن الثالثة فيبلغ 14 كجم في المتوسط.. واعتبارًا من السنة الثالثة يزداد بمعدل كيلو جرام سنويًا، فيصل الوزن في الخامسة إلى حوالي 18 كجم وفي السادسة إلى حوالي 19 كجم.
وتلاحظ فروق فردية طفيفة بين الجنسين، فنجد البنين أطول والبنات أكثر وزنا، ونجد أن البنين أكثر حظًا في النسيج العضلي على حين تكون البنات أكثر حظًا في الأنسجة الشحمية.
وبالإضافة إلى الفروق الفردية بين الجنسين في الطول والوزن، نجد فروقًا فردية بين أبناء العمر الواحد، وهي ترجع إلى طبيعة الطفل الخاصة ووراثته، والظروف البيئية التي تعيش فيها ومدى العناية التي ينالها في التغذية، ومدى سلامة بنيته وصحته العامة.
(2/16)
هذا ويلاحظ أن 75% من زيادة الوزن خلال السنة الخامسة ترجع إلى تطور نمو العضلات، وإن كان السبق لا يزال للعضلات الكبرى فهي أكثر تطورًا من العضلات الصغرى، الأمر الذي يفسر تأخر المهارات التي تتضمن تآزرات دقيقة لدى الطفل وتفوقه في الأنشطة التي تتطلب الحركات الكبيرة.
شكل "3": متوسط نمو طول القامة للأولاد والبنات
وفي سنوات المدرسة الابتدائية يبدأ النمو الجمسي في التباطؤ بعد أن كان يتقدم بخطوات سريعة في المراحل السابقة. ونلاحظ زيادة في الطول سنويًا تقدر بحوالي 2-5 سم أي بمعدل يصل إلى 5-6% سنويًا. ويصل معدل الزيادة في الوزن حوالي 10% من الوزن الكلي للطفل أي بمعدل 3-5 أرطال.. وهكذا يبلغ طول الطفل حوالي 117.5 سم في سن السابعة. ويصل وزنه إلى حوالي 21.6 كجم، ويقل طول ووزن الفتيات قليلًا عن الذكور في هذه السن، ويصل الطول إلى حوالي 152 سم في نهاية المرحلة، ويصل الوزن إلى حوالي 45 كجم. وحتى سن العاشرة يكون البنون "الأولاد" أطول قليلا من البنات إلا أنه بعد العاشرة تحدث طفرة النمو لدى البنات حيث يتفوقن على البنين في الطول والوزن، ولعل مرد ذلك إلى إنهن يسبقن البنين في الدخول إلى مرحلة البلوغ بكل ما تحمله من طفرة نمائية.
(2/17)
شكل "4" متوسطات نمو الوزن عند الذكور والإناث
هذا وتوجد فروق فردية في الأطفال في الطول والوزن فقد نجد أطفالًا في سن السادسة يفوقن في الطول أطفالًا في سن العاشرة، ويعتمد ذلك بالطبع على الاستعداد الوراثي للطفل ونوعية الرعاية التي تقدم له من غذاء ورعاية من الأمراض وترويح ولعب وترفيه.
بالإضافة لذلك فإنه في المرحلة الابتدائية تتحول بعض الغضاريف في الهيكل العظمي إلى عظام صلبة.
وفي مرحلة المراهقة: فقد دلت الدراسات المسحية التي أجريت على المراهقين أن مظاهر الجسم تنالها طفرة قوية في الفترة بين العاشرة والسادسة عشرة وإن كانت هذه الطفرة تحدث مبكرة عند البنات ومتأخرة قليلًا عند البنين: إذ
(2/18)
تبدأ عند البنات في حوالي التاسعة وتنتهي في الرابعة أو الخامسة عشرة، وتبدأ عند البنين في حوالي سن الثانية عشرة وتنتهي في حوالي سن الخامسة عشرة، وتبلغ أقصى سرعة للنمو عند البنين في حوالي سن الرابعة عشرة، بينما تبلغ أقصاها في سن الثانية عشرة عند البنات ... وبينما يصل البنين للطول النهائي في سن العشرين، فإن البنات يصلن للطول النهائي في سن السابعة عشرة.
ومثل معدلات نمو الطول فإن طفرة نمو وزن الجسم يكون أكبر في سرعته ودرجته عند الإناث من سن 11-15 منه عند البنين، وبعد هذه السن يزيد وزن البنين حتى تصل هذه الزيادة في سن العشرين إلى 20% من متوسط سرعة النمو العامة. انظر شكل "5".
شكل "5" متوسط الزيادة في الطول والوزن خلال سنوات العمر
(2/19)
ومن المعلوم أن الوزن يزداد في المراهقة زيادة سريعة نظرًا لنمو العضلات والعظام. وبينما نلاحظ اتساع الكتفين عند الفتى فإن عظام الحوض تنمو عند الفتاة بشكل أوضح لوظيفة الحمل والولادة ويكون البنون أقوى جسميًا من البنات في نمو العضلات بينما عند البنات يتراكم الدهن في أماكن معينة من الجسم.
والخلاصة: إنه فيما يتعلق بالفروق بين الجنسين من منحنيات النمو للطول والوزن أن منحنى الطول ومنحنى الوزن يأخذان نفس الاتجاهات العامة عند كل جنس على حده أي أن البنات قبل البلوغ أقل طولًا ووزنًا من البنين، أما أثناء البلوغ فعادة ما تكون البنات أكثر طولًا ووزنًا من البنين، بينما يصبح البنون أكثر طولًا ووزنًا في نهاية مرحلة المراهقة ويظلون كذلك طيلة حياتهم.
(2/20)
ب- نمو الوظائف العضوية:
1- التسنين:
يولد الطفل ومنابت أسنانه خافية تحت اللثة، ويبدأ ظهور الأسنان في الشهر السادس أو السابع من الميلاد، ويعتبر ظهور أول أسنان الطفل حدثًا تنتظره الأسرة وتتحدث عنه بعد حدوثه فإذا تأخر ظهور الأسنان وسمعت الأم أن طفلًا آخر يقارب طفلها في عمره وظهرت أسنانه فإنها تبدأ في الإحساس بالقلق ... والحقيقة التي يجب أن يعرفها المربون هي أن الظهور المبكر للأسنان ليس علامة صحة، وأن تأخرها ليس دليلًا على وجود مرض ما دامت الصحة العامة للطفل عادية ونموه الجسمي طبيعي، وأن الأطفال الأصحاء، قد يتأخر بدء تسنينهم إلى الشهر الثامن، وأن تبكير التسنين عند الطفل -كما يحدث أحيانا في الشهر الرابع أو الخامس- ليس في صالح صحة الطفل لأن التسنين عملية عنيفة، ولا يكون الطفل حينئذ في حالة جسمية تسمح له بمقاومة هذه العملية فترتفع درجة حرارته أو يصيبه إسهال، أو فقدان الشهية.. وما إلى ذلك.
وأول ما يظهر في فم الطفل هو القاطعان السفليان الأوسطان فيما بين الشهر السادس والسابع، ثم يظهر في الشهر الثامن القاطعان الأوسطان العلويان، ثم يتوالى ظهور الأسنان فتظهر القواطع الجانبية أو الخارجية، ثم يظهر الضرس الأمامي من كل جانب، ثم يظهر ناب بين كل قاطع جانبي وضرس، ثم يظهر
(2/20)
الضرس الخلفي بكل ناحية. ولذلك فإنه مع نهاية السنة الأولى تكون مجموع أسنان الطفل سننا "أربع منها في الفك العلوي واثنتان في الفك الأسفل"، وفي سن 18 شهرًا يكون للطفل 21 سنًا.. وفي نهاية السنة الثانية يكون له ست وعشرون من الأسنان وفيما يلي جدولًا لعمر ظهور الأسنان وإن كانت هناك فروق فردية بين الأطفال في هذه الأعمار.
ويجب ملاحظة أنه: يجب على الأم ألا تنزعج إذا لم تظهر الأسنان بهذا الترتيب -فكثيرًا ما تظهر الأسنان بترتيب زمني آخر- وليس في ذلك أية دلالة مرضية، ولكن إذا تأخر موعد منها عن شهرين فمن الأفضل استشارة الطبيب ... وقد تنبثق الأسنان وهي غير متناسقة في مواضعها، كما قد تؤدي عدم العناية بتنظيفها إلى إصابتها؛ لذا يجدر بالأم أن تعني باستشارة الطبيب أن لاحظت بعض التشوهات في منابت الأسنان، كما أن عليها أن تعني بنظافة الأسنان وتخليصها من فضلات الطعام..
ولا شك أنه بظهور الأسنان عند الطفل يحدث تغير في استجابات الطفل الانفعالية إذ قد يمعن في القضم والعض، وتبدأ خبرات الطفل تزداد، فهو فضلًا عن استخدامها في تناول طعامه وقضمه فهو يستخدمها كوسيلة للاستطلاع والكشف، ويستخدمها كوسيلة للعدوان والانتقام، على أنه ليس كل عض عند الطفل غرضه العدوان، بل قد يشتق لذة من العض مثل اشتقاقه اللذة في المص ولذلك: يجب أن يعطى الطفل ما يتيح له إشباع ميله إلى القضم كأن يقضم "لقمة" من الخبز أو قطعة من العظم ... وما إلى ذلك.
(2/21)
وخلال الطفولة المبكرة تكتمل الأسنان اللبنية فيما بين الثانية والثالثة من العمر بحيث يصبح الطفل أكثر قدرة على تناول طعام الراشدين. ويواجه الأطفال عادة في منتصف الثالثة بعض الاضطرابات الناشئة عن انبثاق بقية الصفين الأماميين من الأسنان، علاوة على زوجين من الضروس خلال اللثة.. ويتعرض كثير من الأطفال فيما بين منتصف الثالثة والعام الخامس لتسوس الأسنان. ولذا وجب العناية بأسنان الأطفال في هذه العمر ونظافتها وتطهيرها بعد كل وجبة. ويتم في سن السادسة من العمر تغيير الأسنان اللبنة، إذ يبدأ سقوط الأسنان اللبنة ليحل محلها بالتدريج الأسنان الدائمة، ففي السنة السادسة يتم تغيير أربعة أسنان، وفي السابعة والثامنة يتم تغيير ثمان قواطع، وما بين العاشرة والثانية عشرة يتم تغيير ثمان أضراس أمامية وتحل الأنياب الدائمة محل الأنياب اللبنية.. ويبدأ نمو تلك الأسنان في الفك السفلى أولًا، وعادة ما تسبق البنات البنين في تكوين هذه الأسنان المستديمة.. هذا مع وجود الفروق الفردية بين أفراد كلا الجنسين. ويصاحب تغيير الأسنان بعض الصعوبات من حيث انتظام الأسنان وجودتها، كذلك تحدث اضطرابات في اللثة وتفتحها إذا لم تبذل العناية المستنيرة للمحافظة على صحة الأسنان وسلامتها وذلك من خلال الرقابة عن طريق جودة التغذية التي تسهم في بناء الأسنان، وكذلك عمليات التنظيف والتطهير المستمر بعد الوجبات الغذائية حتى لا تتخمر بقايا فضلات الطعام الموجودة.
(2/22)
2- علاقة صحة الطفل بنموه الجسمي:
يصاب الطفل في هذه السن ببعض الأمراض العادية مثل نزلات البرد، والنزلات الشعبية، والنزلات المعوية، والتهاب اللوز الجيبي وهي كلها أمراض إذا عولجت في بدايتها تفقد خطورتها على حياة الطفل، بينما إذا أهمل علاجها تتسبب في بعض المضاعفات التي تؤثر على النمو الجسمي للطفل، لذلك لا بد من المبادرة إلى علاج أي مرض يظهر على الطفل.
وحتى لا يصاب الطفل بالأمراض المعدية يصبح من الضروري تحصينه ضدها.. وقد تهمل الأم هذا الإجراء البسيط، ولكن ذلك قد يؤدي إلى مرض الطفل بأحد هذه الأمراض التي تمثل له ولأسرته عذاب العمر كله.. فالتحصينات خطوات سهلة وبسيطة ومن الضروري الحرص عليها..
ويتم تحصين الطفل في السنوات الأولى من العمر حسب جدول قد يختلف من بلد لآخر، ولكن المحصلة النهائية هي تطعيم الطفل في العام الأول ثلاث مرات ضد شلل الأطفال والدفتيريا والسعال الديكي، ومرة ضد الحصبة ويجوز إضافة تطعيم ضد الحصبة الألمانية والغدة النكفية.
وخلال العام الثاني: تعطى جرعات منشطة ضد شلل الأطفال وضد الدفتريا والسعال الديكي والتيتانوس..
وهناك تطعيمات أخرى: ففي العام الثالث أو الرابع يعطى الطفل جرعة منشطة ضد شلل الأطفال، وفي العام الخامس تعطى جرعة منشطة ضد شلل الأطفال وضد الدفتريا والتيتانوس، وبعض الأطباء يفضل إعطاء جرعة شلل الأطفال كل عام منذ العام الثاني حتى سن ست سنوات ولا ضرر في ذلك ... وفيما يلى جدول تطعيم الطفل والأعراض المصاحبة لكل جرعة.
(2/23)
جدول "2" بيان تطعيمات الطفل من الميلاد إلى سن المدرسة
صورة سكانر
(2/24)
النمو
...
3- النوم:
يميل الطفل حديث الولادة إلى النوم ميلًا شديدًا، فهو يجب أن ينام لأنه ينمو أثناء نومه.. والواقع أن هناك أمورًا جديرة بالتسجيل بالنسبة لنوم الطفل في هذه المرحلة:
(2/24)
- أن مدة النوم لدى الطفل حديث الولادة تكون طويلة، وأن متوسط مدة النوم تقل كلما تقدم الطفل في العمر.. وفيما يلي متوسط فترة نوم الطفل بين الشهر الرابع ونهاية السنة الثانية مع التسليم بوجود فروق فردية بين الأطفال في مدة النوم.
- ويلاحظ في الطفولة المبكرة أن ساعات نوم الطفل تقل بالقياس إلى ساعات يقظته فتصل إلى حوالي عشر ساعات يوميًا. وبذلك تقترب من ساعات نوم الراشد، كما تتجه إلى التركيز ليلًا أكثر من النوم نهارًا.
- أن مدة النوم تتغير من يوم لآخر: فالطفل قد ينام في يوم مدة أكثر أو أقل من اليوم التالي أو السابق.
- أن نوم الطفل يكون متقطعًا: فنجد الطفل يستيقط كل 3 أو 4 ساعات لطلب الطعام وخاصة في الشهور الأولى من عمره.
- يجب أن يحاط الطفل أثناء النوم بالهدوء، وعدم الإزعاج: فمرض الطفل والضوضاء والضوء الشديد يسبب للطفل النوم القلق.
(2/25)
جـ- نمو العمليات الفسيولوجية:
1- الجهاز الدوري:
عندما ناقشنا النمو في مرحلة ما قبل الولادة، ذكرنا أن القلب يبدأ في النبض بعد ابتداء الحمل بحوالي 3 أسابيع، غير أننا لم نذكر إنه في تلك الفترة يعتبر القلب من أكبر أعضاء الجسم حجمًا، والواقع أنه في ذلك الوقت يكون أكبر منه في أي وقت آخر بالنسبة للجسم. وبعد الولادة يزداد حجم القلب بسرعة، وفي السنة السادسة يبلغ 6 أضعاف حجمه عند الولادة. وجنبًا إلى جنب مع ازدياد حجم القلب.
- وإن لم يكن من الضروري أن يكون ذلك نتيجة له يحدث تغيير هائل في
(2/25)
ضغط الدم، الذي يكون منخفضًا إلى حد ما عند الولادة "يكون الضغط الانقباضي حوالي 40 مم زئبق". ويزداد الضغط الانقباضي إلى حوالي 80 مم زئبق في نهاية الشهر الأول، ثم يرتفع بعد ذلك تدريجيًا ويعتبر ضغط دم الشخص البالغ 120 مم زئبق في العادة، وليس هناك دليل قاطع على خط سير السن بالنسبة لضغط الدم الانقباضي، ولكن الصورة قد لا تكون كاملة أمامنا. ونستطيع بسهولة أن نفهم السبب في الزيادة الكبيرة في ضغط الدم الانقباضي إذا ما علمنا أن المقياس الانقباضي يدل على مقدار الضغط الذي يجب أن يؤديه القلب لدفع الدم خلال الشرايين الرئيسية. ولما كانت الشرايين واسعة بالنسبة لحجم القلب، وحيث أن الجسم صغير نسبيًا، أمكننا أن ندرك أن الطفل لا يحتاج لنفس مقدار الضغط اللازم لدفع الدم كما يحتاج إليه الشخص البالغ. وقد ثبتت هذه الحقيقة ثبوتًا قاطعًا من واقع إنه بعد سن الخمسين يميل ضغط الدم للارتفاع نتيجة لتغيرات تكوينية في القلب وفي الشرايين والأوردة؛ وغالبًا يكون ذلك من الانسداد نتيجة تراكم الكولسترول.
(2/26)
2- نمو الغدد الصماء:
يتكون الجهاز الغدي من عدد كبير من التكوينات. ونحن لا نعرف إلا القليل عن الدلالة الوظيفية في مرحلة الطفولة للغدد الصنوبرية والكظرية والتيموسية أو في الواقع في مرحلة النضج أو كبر السن. إن الغدة الدرقية التي تحكم النشاط الأيضي العام ومستوى الطاقة، يبدأ نموها مبكرا في فترة ما قبل الولادة، وتنمو بسرعة خلال الأربعة شهور الأولى، وتصل إلى كامل كيانها البالغ في حوالي سن العشرين وفي هذا الوقت يبلغ حجم الغدة الدرقية ضعف حجمها عند الولادة.
والغدة الدرقية: تفرز هرمون الثيروكسين، وإذا قل إفرازه فإن الفرد يفقد حيوية ويقظة وتعرف هذه الحالة بالمكسدريما Myxedena وفيها يصبح الفرد غبيًا لا يستطيع التذكر أو التركيز أو التفكير ... أما إذا كانت إصابة الغدة الدرقية منذ الميلاد أو في مرحلة الطفولة المبكرة، فإن النمو الجسمي يصاب بالاضطراب وعدم التناسب بين أعضاء الجسم ولا ينمو الذكاء وتسمى هذه الحالة بالقصاع Cretinism وفيها يبقى الفرد قزمًا وفي حالة تعسة.. ولقد تمكن العلماء من علاج المكسديما بإعطاء المريض جرعات هرمون الثيروكسين لإعادته إلى حالته
(2/26)
الطبيعية.. وعلى عكس ذلك: إذا زاد إفراز الثيروكسين زاد النشاط الكيميائي في الجسم مما يؤدي إلى زيادة الأيض فيصاب الفرد بعدم الاستقرار الانفعالي والقلق ويصبح متوترًا سريع التهيج العصبي.
أما الغدتان الكظريتان -القشرة الكظرية والنخاع الكظري- فيكونان جزءًا من الجهاز العصبي السمبتاوي، والمعتقد بصفة عامة أنهما ترتبطان بردود الفعل الانفعالية. ولذلك فعندما يفرز الادرينالين في مجرى الدم، يقوم التركيب العضوي بالاستعداد إما للهرب أو لنشاط عدواني. وفي نفس الوقت يحدث ازدياد في سرعة نبضات القلب وفي ضغط الدم، وزيادة في إفراز السكر وإرسال كميات أكبر من الأكسجين إلى الرئتين، وتحويل كميات من الدم إلى العضلات الكاسية للهيكل العظمي. وحجم الغدتين الكظريتين يكون كبيرًا عند الولادة، ويتضاءل حجمًا تدريجيا بعد ذلك. وليس من الواضح تمامًا ما تدل عليه هذه الأنماط النمائية في السلوك، غير أن الملاحظ أن القشرة الكظرية إذا ما عجزت عن إفراز الهرمونات، تحدث الوفاة. ولسوء الحظ لن تظهر بعد أي معطيات عن كيفية تحكم إفرازات القشرة الكظرية في تمثيل الملح أو الماء أو الكربوهيدرات.
والغدة النخامية تتكون من فصين، أمامي وخلفي. والمعروف عن الفص الخلفي قليل، ولكن الفص الأمامي يفرز هرمونات تؤثر على نمو الجسم والطول والوزن وتمثيل الكربوهيدرات والبروتينات. علاوة على ذلك فإن الفص الأمامي يفرز أيضًا مجموعة من الهرمونات "تسمى بالهرمونات المدارية وهي تؤثر على أنشطة معظم غدد الجسم الأخرى. ولذلك فإن الغدة النخامية من أهم أجزاء جهاز الغدد الصماء في الجسم. فالهرمونات المدارية، مثلًا، تؤثر على الهرمونات التناسلية التي تؤثر على النمو النهائي للغدد الجنسية الذكرية والأنثوية، وهذه بدورها تؤثر على الصفات الجنسية الثانوية. ويمكن ملاحظة الغدة النخامية في نهاية الشهر الرابع من الحمل وهي تنمو بمعدل بطيء نسبيًا في الفترة السابقة للبلوغ وتصل إلى أقصى حجم ووزن لها في حوالي سن 35 سنة. ومن أهم إفرازات الفص الأمامي للغدة النخامية هرمون يعرف باسم فيون "هرمون النمو" وهو جوهري في عملية النمو في فترتي الطفولة والبلوغ. وزيادة إفراز هذا
(2/27)
الهرمون عن المعدل في سنوات النمو يؤدي إلى العملاقية أو العملقة Gigantism في حين أن نقصه في تلك الفترة يؤدي إلى القزمية Dwarfism.
وآخر مناطق نمو الغدد الصماء التي سنناقشها يختص بنمو الغدد الجنسية وما تفرزه من هرمونات. ففي الذكر تتكون الغدد التناسلية من الخصيتين، أما الأنثى فإن غددها التناسلية هي المبيضان. وفي الفترة المبكرة قبل الولادة، فإنه من المتعزر معرفة جنس التركيب العضوي حتى باستخدام المجهر. وفي حوالي بداية الأسبوع الثامن تظهر من التفاضلات ما يسمح بالتعرف على جنس الجنين. وقد أصبح الأسبوع الثامن تظهر من التفاضلات ما يسمح بالتعرف على جنس الجنين وقد أصبح بالإمكان الآن إجراء التحليل الكروموسومي للسائل الأمينيوتي، الأمر الذي يسمح بتحديد جنس الجنين تحديدًا دقيقًا. ولعله من أهم مظاهر نمو الغدد الجنسية مقدار الناتج من الهرمونات الجنسية في السنوات السابقة للبلوغ. ففي تلك الفترة يفرز كل من الذكور والإناث الاندروجين، وهو الهرمون الجنسي للذكر، أكثر من الاستروجين، وهو الهرمون الجنسي للأنثى. والذكور قبل البلوغ لا يكاد يوجد فرق بين إفرازهم من كل من هرموني الاندروجين والاستروجين، ومع ابتداء البلوغ، وبحافز من هرمون الفص الأمامي للغدة النخامية، يزداد الفرق في إفراز الاندروجين والاستروجين بين الذكور والإناث، وإن كان هذا الفرق يكون أكبر عدد الإناث. والدلالة الوظيفية الفعلية لهذا الفرق غير مفهومه تمامًا غير أنه من المعلوم أن هرمونات الجنس تأخذ في الكف تدريجيًا بالمقارنة بإفراز الفيون، وبذلك يوضع حد للنمو الجسمي. وأخيرًا فإن هرمونات الفص الأمامي تولد صفات جنسية ثانوية تتميز بها مرحلة البلوغ.
وفي المراهقة يلون الجنس معظم سلوكيات المراهق، ويكون الفرد قد اكتشف الفروق الجنسية التشريحية بين الجنسين وعرف المعلومات عن وظيفة أعضاء التناسل والتكاثر والسلوك الجنسي.
وفي أوائل هذه المرحلة يشعر المراهق بالدافع الجنسي الذي يبدأ في التحول نحو الجنس الآخر وتحدث طفرة البلوغ عند البنات في الحادية عشرة أو الثانية عشرة. وأول علامة لبلوغ الفتاة ظهور الثديين على مراحل متعددة، وظهور شعر العانة، وتحت الإبط وكبر حجم الرحم، والمهبل، ويتغير الصوت، وتظهر الملامح
(2/28)
الجسمية الأنوثية حيث تبقى الأكتاف أرفع من الجذع ومفاصل الفخذين أعرض وأكثر استداره ويتسع الحوض مما يميز جسم الفتاة عن الفتى.. غير أهم علامة لبلوغ الفتاة هي الحيض أي البدء في إنتاج البويضات من المبيض خلال قناة فالوب إلى الرحم.. ومن المعروف أن الحيض الشهري قد تصاحبه بعض الاضطرابات النفسية مثل القلق والتوتر والضيق أو الانطواء.
أما عند البنين فتتأخر طفرة النمو الجنسي عن البنات إلى ما بين 12-14 سنة فتنشط الغدد الذكرية، وتؤثر إنزيمات التستوستيرون الذكرية وتنشط الخصيتان وتفرزان الحيوانات المنوية والهرمونات الجنسية الأخرى في صورة السائل المنوي الذي تفرزه البروستاتا ويتراوح بين 200-300 مليون حيوان منوي في كل عملية قذف "هدى برادة، فاروق صادق: 1986، 274-175".
وفي هذا العرض العام للنمو الجسمي بالتأكيد حقيقة واضحة هي أن الوليد عنده كل التكوينات اللازمة لتأدية وظائفه مستقلا عن الأم، ومن الناحية النفسية فالدلالة قوية على أنه يبدأ عملية طويلة وشاقة للتعلم من بيئته. ولا شك في أنه طبقًا لما تدل عليه المعطيات من الولادة حتى النضح، فإن النمو الجسمي عملية مستمرة، الأمر الذي لا يجعلنا نندهش من اقتدارات التركيب العضوي أيضًا تتحسن. غير أن هذا التحسن يصبح وظيفة تفاعلية لمستوى النمو والمثيرات البيئية.
(2/29)
3- نمو المخ:
جزء كبير من القليل المعلوم لنا حول نمو المخ قدمه كونيل Conel ووضعه تانر Tanner "1970". ومعظم مادته ووصفه. ودلالته الأساسية هي في علاقته الوظيفية بالسلوك والبيئة. مثال ذلك، أن الطفل حيث الولادة قادر على أداء الكثير من الأفعال الحركية، ولكنه أقل قدرة على الأداء الحسي "المتعلق بالسلوك الحركي"، وهو قادر على تكوين ارتباطات بسيطة، بين المثيرات. ويدل فحص مناطق المخ على تماثل تقريبي بين منطقتي النمو والسلوك. إن منطقة الحركة في القشرة الدماغية مثلا أكثر نموًا من المناطق الأخرى. ولذلك فإن القدرة الوظيفية تتناسب تقريبًا مع التكوينات القشرية. وإذا كان هذا الافتراض صحيحًا بدرجة
(2/29)
معقولة، فإننا نستيطع عندئذ أن نستخلص بعض الدلالات عن نمو المخ من واقع السلوك. وبالنسبة لضرورة معرفة علم وظائف الأعضاء لفهم نمو المخ، وبالنسبة لأن اهتمامنا أساسًا هو بالسلوك، فإننا لن نناقش تفاصيل نمو المخ. ويبدو أن لهذا العمل دلالات على مختلف مظاهر السلوك والنمو الإنسانيين، مثل استخدام اليدين، واللغة، والقدرة على التمييز بين اليمين واليسار، أي على توجيه الجسم في القضاء ... إلخ.
إن نضج بعض الأنماط السلوكية يقدم العديد من القرائن حول نمو قشرة المخ. وتفيد معظم المراجع في هذا الصدد أن النضج يتوقف عن إيجاد أي علاقة هامة بالنمو الحركي بعد سن السادسة، ومع ذلك فمن الخطأ أن نستنتج أن أي عمليات إضافية خاصة بالنضج لم تعد لها أهمية، وكل ما في الأمر أن اكتشافها أكثر صعوبة. وطبقًا لما قاله تانر "1970ص 123" Tanner:
"من الواضح أنه لا يوجد سبب للافتراض بأن الصلة بين النضج التكويني وحدوث الوظيفة تتوقف في سن السادسة أو العاشرة أو الثالثة عشرة.. بل بالعكس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن القدرات العقلية الأكثر تقدمًا لا تظهر هي الأخرى إلا عندما يتم نضج بعض التكوينات، وتنتشر مجموعات خلايا في أنحاء قشرة المخ. إن تفرعات الخلية العصبية، بل الملايين منها، تشغل حيزا قليلا، ويمكن حدوث زيادة كبيرة في الاتصال في حدود إجمالي زيادة في الوزن لا تتعدى عددًا قليلًا في المائة. أم مراحل الوظيفة العقلية كما وصفها بياجيه وغيره، بها الكثير من سمات المخ الآخذ في النمو أو التكوينات الجسمية، وظهور مرحلة بعد الأخرى من المحتمل أن يتوقف على "أي يحدده" النضج المتواصل وتنظيم قشرة المخ".
نصفا كرة المخ The Brain Hemispheres:
يبدو أن لكل من هذين المخيين قدرات مستقلة "1975، Sperry"، الأمر الذي يثير كثيرًا من التساؤلات حول وظائف كل نصف كرة وكيف تتكامل هذه الوظائف. والمسألة معقدة وذلك بسبب عدم تجانس مخ الإنسان، أي أن كل نصف من نصفيه له سيطرة أساسية على بعض مظاهر السلوك.
(2/30)
إن السيطرة الرئيسية لكل مخ على وظيفة معينة تسمى التسلط Dominance. وبالنسبة للوظائف الحركية، كاستخدام اليدين والقدمين، فإن نصف كرة المخ المتسلط يكون عادة في الجانب المقابل لليد أو للقدم المختارة. وثمة مفهوم مواز يسمى الجانبية Laterality. وطبقًا لتانر Tanner "1972، ص747" فإن الجانبية هي: "اسم الظاهرة التي بموجبها في تركيب عضوي ذي قدرات زوجية "يدان، قدمان، عينان، أذنان"، فإن أداء واجبات معينة، في اتجاه نحو المركز العصبي أو منه، يكون أفضل في جانب من الجسم منه في الجانب الآخر. والجانبية نصف وظيفة "لا تناظرية". والجانبية لا تشير إلى سيطرة المخ ولكنها تعني مجرد سمات أدائية لا تناظرية. إن الأداء يتوقف على أي الجانبين من الجسم هو المشترك في النشاط المعين، ونصفا كرة المخ هما أيضًا لا تناظريان في التكوين.
اللا تناظرية الثنائية Bilateral asymmetry:
تنفرد الكائنات البشرية بأن لها لا تناظرية ثنائية "1968, Bensam & Feschirnn, 1970, Zangwill, 1972, Tanner, 1970, Gorballis & Beak" وقد قام كوربليس وبيك Corballis & Beak "1967" بتدريب حمام على تمييز مثير ما تعكسه مرآة. وفي الواجب الخاص بالتجربة كان الحمام يكافأ على النقر عند خط 135 درجة وليس على النط عند خط 45 درجة "صورة المرآة". وبعد عدد كبير من المحاولات استطاع الحمام أن ينقد على خط 135 درجة. ولكن هل تعني هذه النتائج أن الحمام لديه المقدرة على تمييز صورة المرأة. يبدو أن الجواب على ذلك هو بالنفي؛ ذلك لأن التحليل الذي أجري بعد ذلك لسلوك الحمام دل على أن التمييز كان حادثًا بتأثر ما يسميه الباحثون "تحول المنقار Break shift"، فالحمام كان يميل برأسه بحيث أصبح أحد الخطين رأسيًا والآخر أفقيًا. وبعبارة أخرى، فبدلًا من تمييز صورة المرأة، قام الحمام بتحويل المسألة تكيفيا إلى محاولة للتمييز بين خط رأسي وآخر أفقي.
وأهمية هذه الدراسة تظهر في دراستين أخريتين لخصهما كوربليس وبيك Corballis & Beak "1971". قام بالدراسة الأولى بافلوف Pavlov "1927" الذي ذكر أنه يكاد يكون من المستحيل إحداث استجابة شرطية لإفراز اللعاب في
(2/31)
الكلاب تجعلها تميز جانبي الجسم الذي لمس. وبالتحديد فإن الحيوانات كان عليها أن تفرز اللعاب إذا لمست في جانب معين، ولا تفرز اللعاب إذا لمست في نفس الموضع المقابل من الجانب الآخر. غير أنه عند قطع الشريط الرابط بين نصفي كرة المخ. وبالتالي قطع الاتصال بين المخ الأيمن والمخ الأيسر، تعلمت الحيوانات التمييز المشروط لصورة المرآة بسرعة ظاهرة. وقد فسرت معطيات بافلوف Pavlov بأنها تبين أن كل نصف كرة "مخ" صورة مرآتية للأخرى، مع قيام الألياف التي تصل بين نصفي الكرة بوصل نقط صورة المرآة. وإذا كان هذا التفكير صحيحًا فإن الاتصال بين نصفي الكرة قد يتدخل في التمييز بين اليمين واليسار وبالعكس.
وهناك دراسات عديدة تؤيد الاستنتاج الرامي إلى أن الأطفال عادة دون الثامنة -وقطعًا دون السادسة- يجدون صعوبة في التفرقة بين اليمين واليسار أو في مواجهة المشاكل التي تنجم عن صورة المرأة. وقد نقل كوربليس وبيك Corbalbis & Beak "1970" عن جاذانيجا Gazzaniga "1968" أن الشريط الرابط بين نصفي كرة المخ يبلغ أقصى نموه في وقت متأخر نسبيًا "7-8 سنوات". ويصبح الكلام محصورًا في نصف الكرة الأيسر في حوالي الخامسة من العمر، ولذلك فإن وجود تخصص لنصف الكرة أمر قائم، ويفترض أن الاتصال بين نصفي الكرة متاحة قبل السنة السابعة. غير أن النمو غير الكامل للشريط الرابط بين نصفي المخ قد يفسر السبب في أن الأطفال الصغار كثيرًا ما يظهرون القدرة على تمييز الكتابة والصور المرآتية.
ويبقى سؤالان هامان: ما هو السبب في حدوث اللاتناظر، أي ما هو السبب في أن تكوينات ووظائف نصفي كرة المخ يختلفان؟ علاوة على ذلك ما هي العمليات التي تتضمنها الاتصالات بين نصفي الكرة؟
هناك افتراضان أن تبادليان قدما لتفسير السبب في اللاتناظر، وهما يستندان إلى التكوينات الوراثية، وإلى البيئة. وطبقًا لرأي سبرى Sperry "1975" فإن تسلط نصف الكرة واستخدام يد يتم تحديده بوساطة جينتين لكل منهما إليلتان.
(2/32)
والجينتان والإليلات التابعة لهما تصنع 9 تكوينات ممكنة لتسلط نصف كرة المخ واستخدام اليد. وبناء على ذلك فإن بعض الناس يشتد عندهم تسلط نصف الكرة الأيسر فيستخدمون يدهم اليمنى، في حين أن آخرين يكونون أكثر تعرضًا للمتطلبات البيئية، كما أن هناك آخرون أيضًا يتغلب لديهم تسلط نصف الكرة الأيمن فيستخدمون يدهم اليسرى.
والرأي المتعلق بالبيئة يعتبر في الواقع أقرب ما يكون لنظرية تطورية وتنص النظرية أساسًا على أن استخدام الإنسان للأدوات قد يكون هو السبب في حدوث اللاتناظرية في المخ. فعندما يستخدم إنسان أداة "آله"، فإن إحدى يديه تمسك بالآلة وتستخدمها في حين تعمل اليد الأخرى على تثبيت الشيء الجاري معالجته بالأداة، ولكن لماذا هذا التفوق الساحق في عدد الذين يستخدمون يدهم اليمنى؟، الواقع أنه لا أحد يعلم السبب في ذلك، وأن كان هناك رأي بأن التسلط الجانبي الوراثي كان في زمن من الأزمنة موزعًا بالتساوي أي أن عدد الذين يسخدمون يدهم اليمنى كان مساويًا لعدد الذين يستخدمون يدهم اليسرى. ثم حدث الانتقاء نتيجة أعمال القنص والقتال مع استخدام الدرع، وكان الناس يميلون لإحداث الجروح في الجانب "الأيسر، حيث يوجد القلب"، أي إلى الجانب البارز أو الأكثر نشاطًا في الجسم. فالذين كان المخ المتسلط لديهم هو الأيمن "يستخدمون اليد اليسرى"، كانوا أكثر احتمالًا لتلقي الجروح في الجانب الأيسر، حيث يوجد القلب، أي إنهم كانوا أكثر احتمالا لتلقي جروحًا مميتة. ولذلك فإن هؤلاء الناس قتلوا مبكرًا، وأنجبوا أقل، وبالتالي زادت نسبة السكان الذين يستخدمون اليد اليمنى "مخ أيسر". وواضح أن هذا التفسير حدسي أو تخميني وأن كان من الممكن أن يكون معقولًا.
كيف يتصل نصفا كرة المخ الواحد بالآخر، وما تأثير ذلك على السلوك؟
لقد سبق أن أوضحنا أن الاتصال بين نصفي الكرة يتم من خلال الشريط الرابط بينهما المعروف بالجسم الجاسي. كما أوضحنا أن كل نصف كرة يبدو
(2/33)
وكأنه نسخة طبق الأصل من النصف الآخر، وإن كان هذا التطابق غير كامل. ولذلك فإن الاتصال يبدو وكأنه يولد صورًا مرآتية، ويجعل في الواقع التعلم التالي أكثر صعوبة "الطفل لا يستطيع أن يحدد أي المعلومات هي الصحيحة". وقبل أن ينمو الشريط الرابط فإن كلا من نصفي الكرة يشتمل على انطباعات "تكوينات" للغة ولكل أنواع الإدراك. وهكذا فإن لكل نصف كرة القدرة على أداء أفعال قبل أن يصبح أحد النصفين متسلطًا. وبظهور التسلط، تقوم العمليات الكابحة بإخماد القدرة على المعرفة واتخاذ القرارات لنصف الكرة غير المتسلط "1970، Gazzaninga". وبهذا الإخماد، فإن الوارد من نقط التماثل في نصف الكرة غير المتسلط، "السبب الظاهري للصور المرآتية" لا يستطيع بعد ذلك أن يتدخل ليعوق الوارد إلى نصف الكرة المتسلط، فلم يعد هناك أنظمة إعلامية ذات كفاءة.
استخدام اليدين:
يعتبر استخدام اليدين من الأدلة الافتراضية على تسلط المخ. أن تسلط نصف الكرة كما رأينا يكون عادة في الجانب المقابل لليد أو القدم المختارة "والواقع أننا نتكلم عن استخدام اليدين، ولكن هناك أيضًا استخدام القدمين والعينين وغير ذلك من الوظائف التفضيلية". أن أغلبية الناس "93%" يستخدمون اليد اليمنى أو يظهرون تسلطًا مختلطًا "العين اليمنى، اليد اليسرى، القدم اليسرى"، في حين أن 7% فقط يستخدمون اليد اليسرى " zangwill, 1968, Benson, Geschwind, 1968". وحيث أن استخدام إحدى اليدين دون الأخرى يرتبط بالتسلط المخي، فلا يجب أن ندهش إذا وجدنا أن التفسيرات تشمل عوامل بيئية ووراثية. ومع أننا لا نختلف مع التفسير الوراثي البحت، إلا أن ما يراه سبري Sperry من أن بعض الناس أكثر قدرة من الناحية الوراثية على تكيف استخدام يديهم مع الضغوط الخارجية، مما يثر الاهتمام. أن نظريته تتماشى مع معطيات زاننجويل Zangwill "1960" جينسون وجيسويند Genson & Geschwind "1968"، الذين استنتجوا أن استخدام اليدين ليس شرطًا في الصيغة "إما-أو"، ولكنه يتمثل على درجات مختلفة داخل الشعب الواحد. ولذلك فإن التسلط القوي في أي الجانبين لن يتأثر بسهولة. إذا تأثر على الإطلاق بالضغوط الخارجية. أن درجة أقل تحديدًا من التسلط الوراثي ستكون أكثر تأثرًا بالبيئة.
(2/34)
وفي مجموعة من الدراسات نقلتها هيلدرث Hildreth "1949" نجد كيف أن البيئة يمكن أن تكون مؤثرة. لقد أظهرت أن الوالدين يستخدمان أنواعًا من المكافآت وبعض وسائل الترهيب لتشجيع الطفل على استخدام اليد اليمنى. كما أن هيلدرث وجدت أيضًا أن عدد الإناث اللاتي يستخدمن اليد اليمنى أكبر من عدد الذكور، وهو ما عزته إلى زيادة درجة خضوع الإناث للضغوط البيئية "ولو أن الإناث قد يكن أكثر استعدادًا من الناحية الوراثية لتسلط نصف كرة المخ الأيسر". وقد عرض كل من بنسبون وجيسويند وسويير أنا & Benson, Geschwind Subirana "1969" تفسيرًا بيئيًا آخر: لقد وجد هؤلاء الباحثون أن استخدام اليد اليسرى أكثر انتشارًا بين الأطفال إذا كانت الأم، وليس الأب، تستخدم اليد اليسرى، مما لو كان الأب، وليس الأم، يستخدم اليد اليسرى. وفي رأي الباحثين فإن هذه النتائج تشير إلى أن الأمهات لهن تأثير أكبر على نمو الأطفال. وبدرجة تأثير البيئة على استخدام إحدى اليدين، يصبح ذلك تنبؤًا أقل دقة بالتسلط المخي. ويتفق ذلك ومعطيات هيلدرث Hildrth من أن من 20-40% من السكان لديهم تسلط مختلط. واستخدام العين أو القدم قد يعطي دلالة أفضل على التسلط، ذلك لأن هذه الوظائف أقل تأثرًا بالضغوط الاجتماعية.
متى يتحدد تفضيل استخدام إحدى اليدين:
قام جيزل وأمس Gesell & Ames "1947" بجمع المعطيات المعيارية الموضحة بالجدول "4"، وطبقًا لهذه المعايير يستغرق الأمر حوالي سنتين قبل أن تظهر استجابة من جانب واحد. غير أن معطياتهما تدل على أن هذا الظهور المبكر لتفضيل استخدام إحدى اليدين أمر انتقالي، وأن الاستقرار على استخدام إحدى اليدين لا يتم إلا بعد حوالي 8 سنوات. وبالمصادفة نلاحظ أن جازانيجا Gazzaniga يعتقد أن الشريط الرابط بين نصفي كرة المخ لا يبلغ تمام نضجه إلا في سن الثامنة، وفي هذه السن يستقر تسلط أحد نصفي الكرة استقراره النهائي.
كما أن علماء نفس الأعضاء وعلماء نفس النمو، يهتمون أيضًا بمسألة تفضيل استخدام إحدى اليدين، ذلك لأنها تقدم معلومات عن تسلط المخ. وكما ذكرنا فإن هناك ما يدعونا للشك في دقة هذه المعطيات، ولكن الاختبار المكثف عادة يوفر
(2/35)
معلومات على درجة معقولة من الصحة، وتستخدم هذه المعلومات للتعرف على الأشخاص الذين لديهم تسلط نصفي، أيمن وأيسر، ويستخدم الباحثون هذه المعلومات لوصف أهم وظائف كل نصف كرة.
نصف الكرة الأيسر:
سبق أن رأينا أن الأنشطة الحركية التي تقتضي تفضيل استخدام إحدى اليدين "أو إحدى العينين أو القدمين" تكون محكومة بنصفي كرة المخ على الجانبين Contralateral hemispheres. ومعنى هذا أن الألياف تمر من نصف كرة إلى
(2/36)
النصف الآخر. وكلا النصفين يسيطران على الأنشطة الحركية، ولكن يبدو أنهما ينظمان وظائف مختلفة، فمثلا، وجد انجرام Ingram "1975" أن الأطفال في سن الثالثة والرابعة والخامسة يلوحون دائمًا باليد اليمنى في أثناء الكلام. كما أن اليد اليمنى كان أداؤها أفضل في اختبارات القوة والنقر بالأصابع. أما اليد اليسرى فكانت متفوقة في واجبات التباعد بين الأصابع وأوضاع اليد. أن اليد المفضلة لا تمتلك مهارات مطردة التفوق بالمقارنة باليد غير المفضلة. أن الأداء المتفوق لليد اليسرى في الواجبين قد يكون راجعًا إلى المكونات البصرية -الفضائية "البصرية - المكانية" Visual - Spatial - وهي قدرة يظن أنها من دالات نصف الكرة الأيمن.
ولعل أهم وظائف نصف الكرة الأيسر وأكثرها موضوعًا للدارسة هي السيطرة على اللغة. إن السمات المعقدة للغة "تركيب الكلام، الكلمات المجردة والمفاهيم" تتمثل في نصف الكرة الأيسر بالنسبة لكل الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليمنى ولمعظم الذين يستخدمون يدهم اليسرى. ولكن يجب ألا نفترض أن كل وظائف اللغة تقع في نصف الكرة الأيسر، فإن بعض الوظائف اللغوية البسيطة يبدو أنها محكومة من نصف الكرة الأيمن، مثال ذلك، تعلم أسماء الأشياء. والرسم في الشكل "6" يبين الوظائف المقارنة لنصفي الكرة "Calder, 1970".
وكثير من الأبحاث عن موضع اللغة في المخ استخدمت أشخاصًا يعانون من إصابات في المخ. وتدل هذه الدراسات بصفة عامة على أن إصابات نصف الكرة الأيسر تؤثر على بعض مظاهر اللغة، في حين أن التلف الذي يصيب نصف الكرة الأيمن يبدو أن أثاره الضارة أقل. وهذا البحث في الواقع مثارًا للشك وذلك بسبب صعوبة إجراء دقيق لأي التكوينات أو أي الأجهزة العصبية في المخ هي المصابة. وبالتالي فإننا سوف نؤسس تعميماتنا على الدراسات التي استخدمت أشخاصًا طبيعيين.
وقد أسهمت كيمورا Kimura "1967، 1969، 1973" اسهامًا عظيمًا في معرفتنا عن كل من نصفي كرة المخ الأيسر والأيمن. كان الأسلوب الأساسي
(2/37)
للبحث الذي قامت به هو الاستماع المزدوج، وفيه يعرض مثيران مختلفان لكل إذن في وقت واحد. والمثير قد يكون أنواعًا مختلفة من الكلمات "أسماء، أفعال.. الخ" أو أرقام أو أصوات. وفي حالة استخدام الأرقام، يعرض رقم للأذن اليسرى ورقم آخر للأذن اليمنى، وتعرض ثلاثة أزواج من هذا القبيل في تتابع سريع، وبعد أن يتم الاستماع للرقم السادس، يطلب من المفحوص أن يتذكر أكبر عدد ممكن من الأرقام. وفي عدة دراسات مع أفراد بالغين ذكرت "كيمورا" نسبة أكبر من تذكر الأرقام التي عرضت على الأذن اليمنى.
(2/38)
لقد استخدمت كيمورا واجب الاستماع المزدوج مع الأطفال، وحجتها في ذلك أنه قبل نمو التسلط المخي، تكون الموضوعات المقدمة لكل أذن متساوية، ثم في الثامنة عندما يظهر التفوق يجب أن يحدث التسلط المخي. ولقد كان الأطفال المشتركون في هذه الدراسة ذوي معاملات ذكاء متوسطة وكانت أعمارهم لا تقل عن 5 سنوات، ثم بعد ذلك أطفال في الرابعة. وقد كررت كيمورا نفس التجربة مع أشخاص آخرين. وفي مجموعة من أطفال الطبقة المتوسطة الأدنى، ظهر تفوق الأذن اليمنى متأخرًا بعض الوقت، كما كان هناك فرق تبعًا للجنس. فقد أظهرت البنات تفوق الأذن اليمنى مبكرات عن الصبيان "أنظر الجدول "5" للمعطيات عن هذه الدراسة" ولقد كان فارق الجنس متماشيًا مع النمو السابق للغة عند البنات، وفارق السن بين المجموعات الاجتماعية الاقتصادية كان متماشيًا مع الفروق المعروفة في أنماط النمو الأخرى.
(2/39)
وقد ظهر أن اللاتناظرية الوظيفية لنصفي كرة المخ في أفراد طبيعيين يستخدمون اليد اليمنى توجد في النماذج السمعية والبصرية واليدوية. وقد حولت نقط "درجات" الاختبار للجانبين الأيسر والأيمن إلى نسب للمقارنة. ونسبة تسلط نصف كرة المخ الأيسر بالنسبة لإدراك الكلمات المنطوقة هي 1.88: 1 في حين أن النسبة لتسلط نصف كرة المخ الأيمن هي 1,19: 1. وهاتان النسبتان ليستا قيمة ثابتة إذ أنهما يتغيران تبعًا لنوع المثير ونوع الاستجابة المطلوبة وصعوبة الواجب.
(2/40)
إن تفوق الأذن اليمنى للمثيرات السمعية ليس مطلقًا. والرسم البياني في الشكل "6" يبين أن الأنماط النغمية والأصوات البشرية غير الكلامية يتم تذكرها بالأذن اليسرى أفضل "وظيفة نصف الكرة الأيمن". كما أن الشكل يتضمن معطيات عن الواجبات البصرية واليدوية. لاحظ المثيرات اللغوية والتي ترتبط باللغة "حروف مطبوعة" تخضع لتسلط نصف الكرة الأيسر. والواجبات التي تطلب مقدرة بصرية فضائية تبدو أقرب لتسلط نصف الكرة الأيمن.
كما قام كنوكس وكيمورا Knoz & Kimura بإجراء دراسة عن عمل المخ بالنسبة للأصوات غير اللفظية. وقد استخدم واجب الاستماع المزدوج مع الصبيان والبنات في سن من 5-8 سنوات، واستمعوا إلى ازدواجات متزامنة لأصوات بيئية مختلفة "نباح كلب - غسيل أطباق - إدارة قرص التليفون - دقات الساعة أطفال يلعبون - تشغيل سيارة وهكذا". وكان عضوًا الازدواج قد رتبا بحيث يمكن مقارنتها في حالة التعرف والحدة والرتابة. وقد وجد القائمون على التجربة أن أفراد التجربة قد ميزوا تمييزًا صحيحًا أصواتًا بيئية غير لفظية عن طريق الأذن اليسرى أكثر مما ميزوها به عن طريق الأذن. وفي إعادة لواجب الأرقام مع هذه العينة ظهر تفوق الأذن اليمنى بالنسبة لأصوات الكلام.
لقد تواجدت صلة بين واجب الاستماع المزدوج وغيره من وظائف الجانبية. كما درس بريدن Bryden "1970" الجانبية في الاستماع المزدوج وعلاقاتها باستخدام اليدين والقدرة على القراءة لدى الأطفال. فأعطى الأطفال الذين أجريت عليهم الدراسة -من تلاميذ الصفوف الثاني والرابع والسادس- الواجب القياسي للاستماع المزدوج بالأرقام، وقيمت أفضلية استخدام إحدى اليدين بعدة اختبارات ومقابلة مع المدرس، كما قيست القدرة على القراءة والذكاء. وقد أظهرت النتائج أن تفوق الأذن اليمنى يزداد مع تقدم السن في الأطفال الذين يستخدمون اليد اليمنى ويقل مع السن أيضًا في الأطفال الذين يستخدمون اليد اليسرى "كان 40% من أطفال الدراسة يبدو أن لديهم تسلط مختلطًا". وكان الصبيان الضعاف في القراءة أكثر ميلًا لإظهار تسلط عكسي بالنسبة للأذن واليد من الصبيان الذين أحسنوا القراءة، ولم يظهر هذا الأثر في البنات إلا في مستوى المرتبة الثانية.
(2/41)
وفي محاولة لتفحص آليات عقلية أخرى من حيث علاقتها بالمهارات اللغوية، قام بفرى Buffry "1971" بمقارنة المؤثرات التي يسهل التلفظ بها في نمطين الأبصار والسمع. لقد جمع بين طريقة عرض بالمبصار Tachistoscopic لنصف مجال بصري ثنائي العينية وبين طريقة الاستماع المزدوج، وقدم مثيرًا بصريًا أولا لنصف كرة المخ للمقارنة مع مثير سمعي قدم أولا لنفس نصف الكرة أو للنصف المقابل. وتفاصيل الطريقة كما تصفها كيمورا Kimura "1973 ص72" على النحو التالي:
"مع أن النظام البصري متقاطع، إلا أن اتصالاته تختلف عن اتصالات النظام السمعي. إن الاتصالات ليست من كل عين إلى النصف المضاد من المخ. ولكن من كل نصف من المجال البصري إلى القشرة البصرية في الجانب المقابل. والرؤية إلى يسار نقطة التثبيت يستقبلها النصف الأيمن من كل شبكية وتتجه الممرات العصبية من الجانب الأيمن للشبكيتين إلى القشرة البصرية في نصف كرة المخ الأيمن. ومن الواضح أن الألياف من النصف الأيمن لشبكية العين اليسرى يجب أن يعبر خط الوسط في المخ ليصل إلى نصف كرة المخ الأيمن، ولكن الألياف من النصف الأيمن للشبكية اليمنى لا تعبره".
ولقد كانت أعمار أطفال التجربة 5، 6، 7 سنوات، وكلهم يستخدمون اليد اليمنى. وقد وجد بفرى Buffry أنهم قارنوا كلمة مطبوعة بكلمة منطوقة، وبالعكس بدقة أكبر عندما عرضت عليهم المثيرات بالتتابع على نصف كرة المخ الأيسر. ولقد كانت المقارنة المتزامنة أكثر صعوبة ولكنها بدت أسهل عندما عرضت الكلمة المطبوعة على نصف الكرة الأيمن والكلمة المنطوقة على نصف الكرة الأيسر.
وفي دراسة ثانية قارن بفري Buffry أطفالا يستخدمون اليد اليمنى تترواح أعمارهم من 3-4 و5-6 و7-8 و9-10 سنوات في اختبار رسم متعارض كان المطلوب من الأطفال في هذا الاختبار أن يرسموا في وقت واحد مربعًا بإحدى اليدين ودائرة باليد الأخرى. وقد أظهرت معظم البنات في كل مجموعات السن تفوقًا باليد اليسرى في رسم المربع، أما الصبيان فلم يظهروا هذا التفوق إلا في سن السابعة. كما أظهرت الفتيان تفضيلًا لاستخدام اليد اليمنى أكثر
(2/42)
من الصبيان من سن 3 سنوات إلى 6 سنوات و 11شهرًا؛ وكانت درجة التفوق في استخدام اليد اليسرى في الرسم المتعارض تزداد مع زيادة السن ومع درجة تفضيل استخدام اليد اليمنى للبنات والصبيان. وتتفق هذه النتائج مع المعطيات العامة بأن البنات ينضجن أسرع من الصبيان. ومع أن الآليات ليست مفهومة تمامًا، فإن المعطيات يمكن أيضًا أن تفسر السبب في أن البنات يقرأن مبكرات عن الصبيان وفي أن بعض الأطفال، بصرف النظر عن اختلاف الجنس، يواجهون مشاكل في القراءة.
والخلاصة أنه يبدو واضحًا أن نصف كرة المخ اليسرى تختص أساسًا بالمجردات، وخاصة في اللغة. فضلًا عن ذلك فإن تسلط المخ كما يعكسه سلوك اللغة، يتوطد في سن الرابعة وينمو بسرعة أكبر لدى الإناث منه لدى الذكور.
نصف الكرة الأيمن:
يمكن تشبيه نصف الكرة الأيمن "باليتيم"، ذلك لأن الباحثين لم يولوه العناية الكافية. والواقع -كما أوضحنا- أن نصف الكرة الأيمن يلعب دورًا هامًا في السلوك الإنساني، وخاصة في القدرات البصرية الفضائية ويضيف اسبري Sperry "1975" أن نصف الكرة الأيمن يرتبط بمسار المعلومات ذات الطابع الآلي، وهو يتناول المواد اللفظية ذات الطابع الراسخ أو الآلي ولكنه لا يتناول المواد اللفظية الأكثر تجريدًا.
وقد ذكرنا في بداية مناقشتنا لنصفي كرة المخ أن النصف الأيمن يلعب دورًا أكثر أهمية في المرحلة المبكرة من الحياة ولكن أهميته تتناقص مع بداية الأيسر في التسلط. ولقد قام ويعمل كينسبورن Kinsbourne "1970" وغيره بإجراء دراسة عن كيفية تفاعل نصفي كرة المخ وكيف يعملان في فترة النضج، ومن الافتراضات التي بحثها أن العملية السمعية في نصف كرة المخ الأيسر، وهي التي تؤثر على اللغة، تزداد سهولة مع زيادة قدرة النصف الأيسر على التكامل الزمني، وهي عملية لازمة لفهم اللغة. إن المادة البصرية قد تحتاج أو قد لا تحتاج للتكامل الزمني والترتيب المتوالي. أما الإبصار فهو عادة يتطلب التكامل الفضائي، وهو من وظائف نصف الكرة الأيمن. ولا شك في أن توافر الوسائل المتقدمة توفر إجابات عن كثير من التساؤلات المتعلقة بنمو وظائف المخ.
(2/43)
العوامل المؤثرة في النمو الجسمي:
يتأثر النمو الجسمي والفسيولوجي بعوامل كثيرة أهمها الوراثة والغذاء الكامل، والتوازن بين النشاط والحركة والراحة، والنوم، والهدوء النفسي، ويعطل نمو الطفل الحالة الصحية السيئة وإصابته بالأمراض، إلى جانب نقص الغذاء أو عدم التوازن الغذائي.
1- فمن ناحية الوراثة:
يظهر تأثير العامل الوراثي على النمو الجسمي في مرحلة ما قبل الميلاد وبعده.. إذ تدل المعطيات على أنه خلال المراحل الأخيرة من النمو قبل الميلاد تبطئ سرعة النمو، وقد يكون السبب في ذلك عدم الاتساع الكافي في الرحم. وبينما ينكمش الحيز المتاح للنمو فيبطئ معدل النمو الجسمي خاصة عندما تكون الأم ضئيلة الجسم، والأب ضخم الجسم ... وإذا كان وزن الطفل وطوله يعكس مستوى متوسط الوالدين، وبالتالي يكون الطفل أكبر حجمًا بالنسبة لرحم الأم فقد يحتاج الأمر معه للتدخل الطبي وربما قبل استكمال فترة الحمل. ولكن سرعة النمو تعود للتزايد بعد الولادة وتستمر، حيث توحي الدلائل بأن سرعة نمو هؤلاء الأطفال تكون أكبر في الشهور التالية للولادة، كما أن الترابط بين طول الكبار ووزنهم في مراحل العمر المختلفة ابتداء من الولادة تعطى دلائل معينة حول هذا التأثير.
2- الجنس:
وهناك تأثير واضح للفروق بين الجنسين في النمو الجسمي خاصة الطول والوزن. إذ تظهر البنات بداية النمو السريع مبكرًا ولكنه لا يبلغ نفس سرعة النمو لدى البنين، وتبدو الفروق بصورة أوضح في طفرة المراهقة التي تظهر بصورة مبكرة وواضحة عند البنات عنها لدى البنين، ثم يعود الذكور لاستعادة التفوق في نمو الطول وإن كان إتجاه الوزن يختلف تبعًا لاختلاف العامل الوراثي والصحة العامة ونظام التغذية.
(2/44)
3- الغذاء:
للغذاء دور هام ورئيسي، ليس فقط في النمو الجسمي، وإنما أيضًا في النمو العقلي المعرفي والانفعالي والاجتماعي. فسوء التغذية يعوق القدرة على التحصيل بالكفاءة المطلوبة نظرًا لأنه يعوق تجدد الخلايا، وإمداد الفرد بالطاقة اللازمة للعمل.. ومن الوجهة الانفعالية: نجد أن قيام الأم بتغذية الطفل عن طريق الرضاعة يقدم له زادًا عاطفيًا من الحنان بالإضافة إلى الزاد المادي المتمثل في اللبن، الأمر الذي يكفل نموًا جسميًا وانفعاليًا مستقرًا. وعلاوة على ذلك: تعتبر طريقة تناول الغذاء مسألة ثقافية تصبغ شخصية الفرد بطابع خاص يتجلى فيه المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي لأسرته والطابع القومي لوطنه.
ومن هنا: يعتبر الغذاء أحد العوامل التي تتفاعل فيها قدرات الفرد الجسمية مع ظروف المجتمع بدءًا بأسرته وانتهاء بالدولة التي ينتمي إليها وأحوالها الاقتصادية والاجتماعية.. هذا: وللغذاء ثلاث وظائف رئيسية هي:
- تزويد الفرد بالطاقة: وذلك عن طريق المواد الكربوهيدراتية والسكريات والنشويات والدهون.
- تجديد بناء الخلايا التي تتلف: وتقوم الأملاح المعدنية بهذه المهمة، فالكالسيوم يسهم في تكوين المادة الملونة الحمراء في كرات الدم، والبروتينات والزلاليات تسهم في بناء الأنسجة.
- وقاية الجسم من الأمراض: ويقوم بها الفيتامينات الموجودة في الخضروات والفواكه الطازجة، واللحوم والبيض.
ولكي يؤدي الغذاء دورة يتعين أن يكون متوازيا شاملًا العناصر الثلاثة السابقة وأن يكون كافيًا من حيث الكم، مناسبًا في تكوينه للمرحلة النمائية للفرد وطبيعة المهام المنوطة به سواء كانت عملًا عضليًا أم ذهنيًا. "هدى برادة، فاروق صادق، 1985، 380".
4- الصحة والمرض:
تتأثر منحنيات النمو بالصحة العامة للتركيب العضوي فالمرض الشديد مثلًا يؤدي إلى إبطاء سرعة النمو، بل وقد يعدل المستوى النهائي للنمو إذ تؤثر
(2/45)
بعض الأمراض البدنية التي يصاب بها الفرد على النمو الجسمي بل الانفعالي والاجتماعي أيضًا.
- فالطفل المصاب بالهيموفيليا: إذا نزف دمه فإنه لا يتجلط، بل يظل يسيل حتى يشرف على الهلاك، ولذلك فهو يخشى دائمًا على حياته ويعيش قلقًا مضطربًا، ويبعد دائمًا عن رفاقة حتى لا يصاب بأي جرح وهو يلعب معهم وبذلك تضيق دائرة تفاعلاته الاجتماعية ويتأخر نضجه.
- والطفل الذي يصاب بأي حادث يؤثر ذلك على نموه العضوي.
- والطفل الذي يصاب بإعاقة ذهنية "كالتخلف العقلي"، أو حاسية "كالصم وكف البصر"، أو "جسمية كالشلل أو الصرع" كل ذلك يؤثر على نموه السوي مقارنة بأقرانه العاديين. ويشير تانر Tanner "1970" إلى أن الأمراض غير المزمنة -في معظم الحالات- إذا لم يستمر سبب المرض طويلًا فإن التركيب العضوي "الفرد" يستأنف نموه بسرعته الأصلية، بل إنه عند شفاء الفرد تزيد سرعة نموه عن المعدل العادي إلى أن يتم الوصول إلى النمو الطبيعي للطول والوزن.. ومتى تم الوصول إلى الطول المرتقب تعود السرعة إلى معدلها الطبيعي.. ويسمى وادينجتون Weddington "1967" هذه الظاهرة باسم توجيه النمو canalization or homeorhesis ويقدم تانر Tanner "1970" أيضًا معطيات مستقاة من دراساته تبين آثار فقدان الشهية للطعام حيث يقلل الطفل من كمية ما يتناوله من غذاء لأسباب نفسية حيث يتأخر النمو العضوي في كل فترة من فترات فقدان الشهية، ثم يستعيد سرعته في مرحلة اللحاق "عند زوال فقدان الشهية"، وأن السرعة في كل فترة من فترات اللحاق كانت أكثر من متوسط السرعة بالنسبة للعمر الزمني، وقد بلغت ما يقرب من ضعف السرعة في سن تكون الهيكل العظمي الذي يتأخر تبعًا للتأخر في الطول، ثم يلحق بالمعدل العام للنمو عندما يبلغ الطول معدله الطبيعي.
(2/46)
5- الولادة المبسترة:
يولد بعض الأطفال ولادة مبتسرة، أي أنهم يولدون قبل أن تكتمل المدة الطبيعية للحمل، ولهذا تتأثر حياتهم وصحتهم وسرعة نموهم بمدة حملهم. ولقد دلت أبحاث ستنير ويونرامت Stneer & Ynramit، على أن نسبة الوفيات بين الأطفال الرضع تتناسب تناسبًا عكسيًا ومدة الحمل.. فكلما نقصت هذه المدة زادت نسبة الوفيات، وكلما زادت هذه المدة نقصت نسبة الوفيات.. هذا: وتتأثر الحواس عامة بهذه الولادة المبتسرة خاصة حاسة البصر.
6- السلالة:
تختلف سرعة النمو تبعًا لاختلاف نوع سلالة الطفل: فنمو الطفل المصري يختلف إلى حد ما عن نمو الطفل الصيني. ويختلف أيضًا عن نمو الطفل الأوربي: وهكذا يتفاوت النمو باختلاف السلالة الإنسانية التي ينتمي إليها الطفل.. وتدل الأبحاث العلمية الحديثة على أن سرعة نمو أطفال شعوب البحر الأبيض المتوسط تفوق سرعة نمو أطفال شعوب شمال أوربا.
7- الهواء النقي وأشعة الشمس: يتأثر النمو بدرجة نقاء الهواء الذي يتنفسه الطفل.. فأطفال الريف والسواحل ينمون أسرع من أطفال المدن المزدحمة بالسكان، ولأشعة الشمس أثرها الفعال في سرعة النمو وخاصة الأشعة فوق البنفسجية.
(2/47)
دور المربيين لتحقيق النمو الجسمي السليم:
يقع العبء الأكبر في المراحل المبكرة من عمر الطفل على الأم وعلى مربيات رياض الأطفال، لما يضطلعن به من مسئولية إزاء النمو الجسمي للطفل. وذلك من خلال:
1- الاهتمام بتقديم الغذاء الكامل والكافي للطفل بما يساعد على نمو جسمه ووقايته من الأمراض خاصة: الأغذية الخاصة بالطاقة والبناء والوقاية.
2- الرعاية الصحية حتى يشب الطفل صحيح الجسم سليم البنية.
(2/47)
3- وقاية الطفل من الأمراض المعدية، ونزلات البرد، والنزلات المعوية وغيرها.
4- الاهتمام باستكمال التطعيمات ضد الأمراض التي تظهر في الطفولة كشلل الأطفال والحصبة والأمراض الأخرى كالدفتريا والتيفود والكوليرا.
5- رعاية الطفل إزاء أي مظاهر شاذة في النمو مثل: الهزال "النحافة الزائدة، أو السمنة "فرط الوزن".
6- توفير البيئة المناسبة التي تتيح للطفل النمو الحركي والهواء الطلق الذي يساعد على نمو العضلات وامداده بالأكسجين الكافي والنقي.
7- توفير المناخ النفسي السليم في الأسرة بما يحقق للطفل جوانب نمو سيكولوجي صحيح، حيث أن النمو الجسمي يتأثر بدرجة كبيرة بالنمو النفسي للطفل.
8- يجب في مرحلة المراهقة أن يلم المراهق بالعادات الصحية وأن يمارسها في غذائه ونومه وعمله حتى لا تعوق نموه، وعليه أن يتجنب التخمة والأنيميا، وأن ينام ما يقرب من تسع ساعات حتى يوفر لجسمه الطاقة الضرورية له.
9- ويجب على الأباء والمربين نحو أبنائهم المراهقين إزاء النمو والجنس أن يهيئوهم لمرحلة النمو الجديدة، وأن يزودوهم بالمعلومات الصحيحة عن التغيرات النمائية في هذه المرحلة دون حرج، ويبينوا لهم أن الأمر لا يعدو أن يكون ظاهرة من ظواهر النمو المتصل خاصة أن كثيرًا من الفتيات يصبن بالهلع والارتياع لأول حيض، وكثير من الفتيان في أول مرة يحدث لهم فيها الاحتلام يشعرون بالإثم والخطيئة.
10- يجب على المربين تنمية طائفة متنوعة من الاهتمامات الفنية والمسرحية والأدبية والعلمية والرياضية في نفوس المراهقين إلى جانب توجيه المراهق إلى التهذيب النفسي والجنسي.
(2/48)
( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
علم نفس النمو
الفصل الثاني: النمو الحركي
مدخل
...
الفصل الثاني: النمو الحركي
مقدمة:
يعد نمو المهارات الحركية من أهم إنجازات الكائنات البشرية، وهذه المهارات الحركية ضرورية للتحرك والتفاعل المكثف مع البيئة والعديد من أشكال الاتصال وأنماط السلوك الترفيهية الإرادية ولبقاء الإنسان بصفة عامة.
وإذا نظرنا إلى الطفل حديث الولادة نجد أنه عاجز عن التحرك أو الانتقال في المكان بمفرده، كما أنه لا يستطيع القبض على الأشياء وبعبارة أخرى: هو عبارة عن مجموعة قوى كامنة لم تتحرر بعد، غير أننا نلاحظ أن هذه القوى تبدأ في الانطلاق عن عقالها في سن المهد وتتطور بعد ذلك تطورًا واضح المعالم، مما يكسب الطفل الاستقلال والاعتماد على النفس واكتشاف العالم الخارجي وممارسة المهارات الحركية المختلفة.
هذا: وتركز معظم الدراسات المرتبطة بالنمو الحركي على النمو المبكر للمهارات الحركية بما في ذلك انعكاسات الطفولة، ومهارات الجلوس، وضبط الوضع، والمشي، والمهارات اليدوية.
ومن أوائل من تناولوا النمو الحركي المبكر أرنولد جيزل Arnold Gesell "1954" الذي استخدم طريقة التصوير فحصل على مادة فيلمية تتضمن ملاحظات مكثفة عن كثير من الأطفال، مما ساعده في تقديم أساس تجريبي مناسب للصياغات النظرية.
وثمة طريقة ثانية استخدامها جيزل Gisell لدراسة النضج، تلك هي طريقة التوائم المتطابقة The co-twin control method.
لقد سبق أن رأينا كيف أن التوائم المتطابقة تستخدم لدراسة الوراثة. وطريقة جيزل Gesell هي اقتباس لهذه العملية. وحيث أن التوائم المتطابقة متماثلة في التكوين الوراثي، فإن الفروق في نموهم يمكن أن تعزى إلى الاختلاف في الخبرات البيئية. وفي الدراسات عن الوراثة لاحظنا أن الفصل بين التوأمين المتطابقين لم يضمن اختلافًا وظيفيًا بينهما. وقد أدخل جيزل Gesell تغيرات منهجية في حياة
(2/51)
التوأمين المتطابقين بأن أمد أحدهما: التوأم المدرب "Twin T" بتعليمات خاصة تهدف إلى تطوير مختلف أنماط السلوك الحركي. أما التوأم المراقب "الضابط": "Twin C" فقد اختبر روتينيًا لتحديد ما إذا كان السلوك موجودًا من عدمه. فإذا أظهر التوأم المدرب سلوكًا نتيجة للتدريب: كالمشي مبكرًا مثلًا، عن التوأم المراقب "الذي لم يدرب على المشي"، ففي هذه الحالة يمكن أن نستنتج أن التدريب كانت له آثار إيجابية. أما إذا لم يظهر التوأمان أي فروق، فإننا عندئذ نستنتج أن التدريب لم تكن له آثار وأن السلوك نتج أساسًا عن عمليات تتعلق بالنضج. ولم يترك جيزل مجالًا للشك في اعتقاده بأن هذه العمليات النضجية كانت محددة وراثيًا، ولها طابع تطوري وتكيفي، وأنها ليست قابلة للمؤثرات البيئية.
(2/52)
أولًا: النمو الحركي المبكر
الخصائص العامة للنمو الحركي:
هناك عدة خصائص تميز النمو الحركي المبكر تتلخص فيما يلي:
1- الاتجاه من الرأس إلى القدم:
فالنمو الحركي للطفل يتبع اتجاهًا رئيسيًا ثابتًا يسير من الرأس إلى القدم "الرأسي/ الذئبي"، بمعنى: أن القدرة الحركية لدى الطفل تبدو في سلسلة متصلة الحلقات يسير فيها من حلقة إلى أخرى فالطفل يتحكم أول ما يتحكم في رأسه ورقبته، ثم الصدر والظهر، فالجزء السفلي في الجذع، وأخيرًا الرجلين.
2- الاتجاه من العام إلى الخاص:
تنتقل حركات الطفل من العشوائية إلى الحركات الدقيقة التي تتسم بالدقة والمهارة والإتقان: فبعد أن كان الطفل يحرك جميع أجزاء جسمه دون هدف، نجد أنه يحرك أعضاء خاصة نحو تحقيق هدف معين.. فإذا ما رأى الطفل كرة عن بعد وأراد أن يتناولها فهو يتحرك نحوها فيحبو، إذا كان لم يتعلم المشي حيث يصل للكرة فيقبض عليها بكلتا يديه أو يرمي نفسه عليها، وعندما يتم التوافق الحركي ينتهي الأمر بالطفل إلى إتقان مهارة الإمساك بالكرة بيد واحدة "شكل: 8".
(2/52)
3- نمو العضلات الكبرى قبل العضلات الصغرى:
إذ تختلف المهارات الحركية عن بعضها: فبعض المهارات بسيطة غير مركبة لا تحتاج إلى مستوى عالٍ من التوافق الحركي، وتستخدم فيها العضلات الكبيرة مثل الحبو والمشي، في حين أن المهارات اليدوية كالقبض على الأشياء تحتاج إلى نمو العضلات الدقيقة "الصغرى" التي تتطلب نضج أكثر وتوافق وانتظام حركات عديدة.
(2/53)
مظاهر النمو الحركي المبكر:
يمر النمو الحركي المبكر بعدة مراحل تبدأ من السلوك الحركي الانعكاسي وصولًا إلى السلوك النفسي الحركي. وذلك على النحو التالي:
1- السلوك الحركي الانعكاسي:
إذ يولد الطفل مزودًا باستجابات لأفعال منعكسة دون أن يتعلمها ومعظمها حيوي بالنسبة لحياته وأهمها المص والبلع: فيمكن للوليد أن يرضع ثدي أمه بعد ميلاده بفترة وجيزة ويجد في ذلك متعة لإشباع الحاجة للغذاء وإشباع العطف والحنان، ومنها أيضًا: انعكاسات العطس وقفل العينين عند لمسها أو تعرضها لضوء ساطع، وتظهر استجابة القبض على الأشياء عند وضعها في الكف ...
إن سلوك الطفل حديث الولادة يتكون من حركات عديدة، هي في معظمها غير متناسقة وتبدو انعكاسية. وبعض الحركات الانعكاسية في الأطفال حديثي الولادة فريدة في كونها تبدو فطرية تمامًا، تختفي بعد فترة قصيرة نسبيًا. مثال ذلك، الانعكاس الكفي The Palmar reflex ويمكن أحداثه بإثارة سطح كف يد الوليد، وعندها تقفل الأصابع فوق سطح الكف، وتظل اليد مغلقة إلى أن يحل بها التعب فتنفرج القبضة. وعملية القبضة لا تتضمن الإبهام كما يحدث في الرئيسيات البالغة. وبعد حوالي 4-6 أشهر تتوقف إثارة سطح الكف عن توليد استجابة انعكاسية، وبعد 9 أشهر تظهر عملية القبض بالإبهام والسبابة "انظر الشكل 8".
وثمة انعكاس ثانٍ يظهر في نفس التاريخ العام ويعرف باسم الانعكاس الاخمصي، The Plantar refiex الذي ينشط بإثارة سطح باطن القدم بواسطة شعره صلبة. ويكون رد فعل الوليد بأن يباعد بين أصابع قدمه. وفي الاستجابة الأخمصية الناضجة، تنثني أصابع القدم إلى أسفل. وهذه الاستجابة تختفي هي الأخرى لتحل محلها استجابة كاملة النضج في حوالي السنة الثانية. والانعكاس الاخمصي غير الناضج يعرف باسم انعكاس بابينسكي Babinski وهو اسم طبيب أعصاب كان قد لاحظ في أثناء الحرب العالمية الأولى أن الجنود المصابين بجروح معينة في الرأس كانوا يظهرون قدرًا أكبر من الانعكاسات غير الناضجة. وما تزال هذه الظاهرة تستخدم في تشخيص إصابات المخ، ولو أن بعض البالغين الطبيعيين تمامًا يظهرون استجابة ثني أصابع القدم، غير الناضجة، ولذلك فإن هذه الطريقة في التشخيص غير سليمة تمامًا. ويشار عادة إلى انعكاس مورو Moro بإنه "نمط
(2/54)
المباغتة" The startle pattern وهو أيضًا له مستويان للنمو. ففي الاستجابة غير الناضجة، يمتد الذراعان بعيدًا عن الجسم ثم يكونان تقوسًا مع اليدين وهما تقتربان الواحدة من الأخرى. علاوة على ذلك فإن الجزء الأسفل من الجسم يصبح ممتدًا ومتصلبًا بعض الشيء. وفي مرحلة نضج الاستجابة، يكون تتابعها أكثر سرعة، وتصبح أقرب ما يكون لانتفاضة جسمانية أكثر مما هي تتابع منتظم من الاستجابات. وهناك انعكاس آخر هام هو انعكاس السباحة The suimming reflrx الذي وصفته ماكجرو Mc. Graw "1934" وصفًا كاملًا. فإذا وضعت وليدًا على بطنه، فإنه يقوم بأداء حركة سباحة مميزة. وهذه الحركات تكون قوية بدرجة كافية لتدفع الوليد "يدفع بجسمه خلال الماء"، وهذا الانعكاس يختفي هو الآخر بعد فترة. ووجه الأهمية في هذا الانعكاس هو وجود تحول واضح من السباحة الانعكاسية إلى السباحة الإرادية حتى أن الوليد في هذه الفترة الانتقالية، قد يظهر هذا الانعكاس وقد لا يظهره "شكل: 9".
والوليد يظهر أيضًا "انعكاس الخطو Stepping reflex عندما يحاول المشي إذا توافرت له السنادة الكافية. ويختفي هذا الانعكاس بعد حوالي 8 أسابيع. وتعتبر هذه المرحلة الانتقالية سمة مشتركة بين كل الانعكاسات التي عددناها، والواقع أن الأطفال عندما ينتقلون من الاستجابات اللاإرادية إلى الاستجابات اللاإرادية. يمرون بفترات من التسارع المباغتة" The startle pattern وهو أيضًا له مستويان للنمو. ففي الاستجابة غير الناضجة، يمتد الذراعان بعيدًا عن الجسم ثم يكونان تقوسًا مع اليدين وهما تقتربان الواحدة من الأخرى. علاوة على ذلك فإن الجزء الأسفل من الجسم يصبح ممتدًا ومتصلبًا بعض الشيء. وفي مرحلة نضج الاستجابة، يكون تتابعها أكثر سرعة، وتصبح أقرب ما يكون لانتفاضة جسمانية أكثر مما هي تتابع منتظم من الاستجابات. وهناك انعكاس آخر هام هو انعكاس السباحة The suimming reflrx الذي وصفته ماكجرو Mc. Graw "1934" وصفًا كاملًا. فإذا وضعت وليدًا على بطنه، فإنه يقوم بأداء حركة سباحة مميزة. وهذه الحركات تكون قوية بدرجة كافية لتدفع الوليد "يدفع بجسمه خلال الماء"، وهذا الانعكاس يختفي هو الآخر بعد فترة. ووجه الأهمية في هذا الانعكاس هو وجود تحول واضح من السباحة الانعكاسية إلى السباحة الإرادية حتى أن الوليد في هذه الفترة الانتقالية، قد يظهر هذا الانعكاس وقد لا يظهره "شكل: 9".
والوليد يظهر أيضًا "انعكاس الخطو Stepping reflex عندما يحاول المشي إذا توافرت له السنادة الكافية. ويختفي هذا الانعكاس بعد حوالي 8 أسابيع. وتعتبر هذه المرحلة الانتقالية سمة مشتركة بين كل الانعكاسات التي عددناها، والواقع أن الأطفال عندما ينتقلون من الاستجابات اللاإرادية إلى الاستجابات اللاإرادية. يمرون بفترات من التسارع والارتداد.
(2/55)
وهناك انعكاس استخدمه جيزل Gesill أساسًا لكثير من أبحاثه النظرية وإليه يعزو أهمية كبيرة، ذلك هو "انعكاس تقوية الرقبة" Tonic neek reflex "TNR". وهذا الانعكاس نمط سلوكي له سمة العمومية في فترة ما بعد الولادة. وأهم سماته هي أنه بينما يكون: Face leg & Face arm في حالة امتداد، فإن الأطراف المضادة للجانبية تكون في حالة ارتخاء. وفي أثناء هذه المرحلة، يمكن أن يتبع الوليد مثيرًا، ولكنه لا يفعل ذلك إلا عندما يصل المثير إلى خط الوسط، وبعد أن يتعدى المثير هذا الخط يعجز الوليد عن الاستمرار في الاستجابة التالية. وبعبارة أخرى، يبدو أن عدم التناظر يتضمن سلوكًا متناظرًا كامنًا. وطبقًا لمعطيات جيزل، فإن الـ TNR ينحسر عادة في سن 20 أسبوع. ويناقش جيزل "1954، ص353" هذا الانعكاس على النحو التالي:
"إن عملية التحول من t.n.r إلى أوضاع متناظر عملية بالغة التعقيد. إنها ليست مجرد عملية استعواض، ولكنها عملية تشابك مطرد بحيث أن التناظرية أو اللاتناظرية يمكن أن تكتسب سيطرة دائمة أو تامة. إن إضافة الوليد لأوضاع TNR علامة وشرط على نمو سلوكه، إن انعكاس Tnr في الطفولة يمثل مرحلة تشكيل جسماني تتم فيها تناسقات عصبية أساسية لتكوين الهيكل العام لتفاعلات وضعية ويدوية وحركية نفسية في المستقبل. والواقع أن أنعكاس Tnr جزء من مخطط إجمالي للتركيب العضوي مرتبط ارتباطًا شاملًا بجهازه الوحدوي للفعل الإجمالي".
(2/56)
والواقع أن جيزل Gesill في مناقشة لانعكاس TNR يقترح أن له دلالة تكيفية في مرحلة ما قبل الولادة وبعدها مباشرة. ففي مرحلة ما قبل الولادة يساعد انعكاس TNE الجنين على التلاؤم مع شكل الرحم، أما بعد الولادة فهو يلتزم بالمتطلبات الوضعية للرضاعة. وهو يقترح علاوة على ذلك أن انعكاس TNR له أهمية أكبر من نمو التناسق بين العين واليد والقبض، وأخيرًا استخدم اليد. وكما سنرى فيما بعد فإن كثيرًا من الأطفال قبل سن المدرسة وفي الصفوف الابتدائية يواجهون مشاكل في معالجة واجبات تتطلب هذه القدرات، وقد تكون بوادر هذه المشاكل ظاهرة في فترة ما بعد الولادة مباشرة أو -وهو الأكثر احتمالًا- أن انعكاس TNR قد تأخر.
وكما سبق أن ذكرنا فإن انعكاس الوليد يختفي بعد وقت قصير نسبيًا. فما هي إذن آثار هذه الظاهرة على نمو الجسم؟. "قد يكون سبب الانعكاسات البدائية هو أن القشرة "غلاف المخ" لا دخل لها بالسلوك. إن ممرات الجهاز العصبي المركزي والمخ قد لا تكون قد حصلت على القدر الكافي من الميلين "النخاع العصبي" وهو المادة الدهنية العازلة التي تغطي النسيج العصبي، لتحقيق التكامل في الأفعال التي تتطلبها الاستجابات الأكثر نضجًا. وقد ذكرت ماكجرو McGraw "1943" أن الانعكاسات البدائية تحكمها تكوينات في الجهاز العصبي المركزي أدنى من المخ: وقد أطلقت على هذه التكوينات اسم الأنوية تحت القشرية Subcortical nuclei التي يعتقد أنها تتضمن جزءًا من المخ أكثر بدائية، وبالتالي فهي مستعدة للتحكم في السلوك في سن مبكر عن القشرة. وبينما ينضج الجهاز العصبي المركزي تتكون ألياف مكسوة بالميلين وتبدأ القشرة في السيطرة على السلوك بكبح تأثيرات التكوينات تحت القشرية.
ويستند الدليل المباشر على هذه الافتراضات بدرجة كبيرة على تحليل التكوينات القشرية وعلى أنماط السلوك في الأطفال الشواذ. وهناك أيضًا دراسات عن الحيوانات، أزيلت فيها القشرة. وهذه الدراسات تقدم سندًا إلى درجة من القوة لتعزيز تفسيرات جيزل Gesill وماكجرو Mc Graw، كما أن الدراسات على الأطفال الشواذ تؤيد تفسيراتهما، ولكن لما كانت طبيعة الحالة الشاذة ليست دائمًا واضحة فإن المعطيات ليست بنفس الدرجة من الحسم.
(2/57)
2- الحركات العشوائية:
وهي تستمر حتى الأسبوع الثاني عشر: وفيها نجد الطفل وهو ملقي على ظهره يظل كذلك في نومه أو يقظته.. وهو وأن كان لا يستطيع أداء أي حركة في هذه الفترة فإنه يقوم بحركات عشوائية بجميع أجزاء جسمه لا تحقق أهدافًا خاصة: فقد يضرب برجليه بقوة ونشاط، وقد يحرك رأسه تبعًا لذلك، وقد يحرك ذراعيه أو يلعق شفتيه، أو يغير وضع النوم من الاستلقاء على الظهر إلى النوم على جانبيه فكل هذه الحركات عشوائية متنوعة غير منتظمة وغير متمايزة.
3- السلوك الحسي، حركي:
يتكون السلوك الحسي، حركي من أنماط السلوك الموجه نحو مصادر الإثارة للحواس الخمس، ويتمثل في القيام بالمهارات الحركية، واللعب والعبث بالأشياء التي تقع عليها الحواس والتعامل معها، كما يؤدي إلى القيام بالأفعال وإنتاج الأحداث.. وقد يكون هذا السلوك ظاهرًا: كرفع الأشياء ونقلها وتحريكها، وقد يكون غير ظاهر كما في الإصغاء في الأصوات وإمعان النظر إلى الأشياء والانتباه إليها دون صدور أية حركة نحوها.. وتبدأ بوادر هذا السلوك الحسي، حركى في التأزر العضلي الذي يظهر عند الطفل منذ الأسبوع الثالث في حياة الوليد: فيتابع تحركات وجه الأم على وجه الخصوص.. وفي الأسبوع الرابع تختفي نظرات الطفل غير الهادفة، ويبدأ في تحريك رأسه لمتابعة المرئيات كما يبدأ في الابتسام ردًا على المداعبات، ويبكي الطفل عندما يبتل فراشه أو ملابسه، وقد يبكي عندما تبتعد الأم عن فراشه، ويهدأ عند اقتراب الأم.
4- السلوك النفسي، حركي:
وهو يتكون من أنماط السلوك الحركي المعقد الذي يتطلب درجة من التناسق والتفاعل بين أجهزة الجسم المختلفة كالجهاز العصبي والجهاز العضلي وأجهزة الحس.. ويدخل في ذلك ضبط الوضع والحبو والمشي ونمو المهارات اليدوية.
(2/58)
إن المراحل التي يتم فيها اكتساب القدرة على المشي وصفها كل من أمس Ames، وجيزل وآمس Gesill & Ames وماكجرو MCGraw وصفًا شاملًا. ومما تجدر ملاحظته أن هؤلاء الباحثين مثقفون بصفة عامة حول مراحل النمو التي يتضمنها المشي، ذلك لأنهم استخدموا موضوعات بحث وإجراءات ملاحظة وخططًا تحليلية مختلفة. ويبين الشكل "10" يبين مراجل أمس Ames الأربع عشرة لنمو حركات المشي. ومن المراحل المتميزة مرحلة الزحف Crawling، وهو يتضمن الدفع باستخدام الذراعين في حين تزحف الساقان. ومرحلة الحبو
(2/59)
Creeping وهي مرحلة متقدمة على الزحف وتتضمن التحرك على أربع، وبالتالي فهو يتضمن استخدام الساقين ومد الذراعين، وهذا يتفق أيضًا مع الاتجاه الرأسي الذنبي وبفحص تفاصيل مراحل أمس Ames يتضح لنا زيادة الفردية في أجزاء الجسم "الذراعين، الجذع، الساقين، وهكذا"، وهذه العمليات النمائية تتضمن أيضًا انعكاسات واضحة، بمعنى أن الطفل يتحرك من مستوى أدائي إلى آخر، يبدو السلوك وكأنه في مستوى نضج أقل. كما أن الارتداد إلى سلوك أكثر بدائية يحدث في نمو العمليات المعرفية. وفي أثناء تقدم الطفل نحو المشي الناضج تحدث دورات معينة. وحتى مع التقدم الثابت بصفة عامة، فإن هذه الدورات تبين انعكاسات دورية، ولكن كل دورة فيها تنتهي دائمًا عند مستوى أعلى. وهذا الرأي يشبه كثيرًا مفاهيم وارنر Werner للتنظيم الهرمي، وتبدأ اللولبية في التكوينات الوراثية. وعلى ذلك يبدو أن الانتكاسات جزء طبيعي من النمو ولعلها تمثل فترة تدخل فيها وظائف وأشكال جديدة في أنماط الفعل السائدة.
(2/60)
النضج والتدريب على المهارات الحركية المبكرة:
يشير لفظ النضج إلى عملية تحدث فيها تغيرات في الشكل وتستتبعها تغيرات في السلوك، ويحدث ذلك أساسًا بسبب نمو تكوين وراثي محدد وليس مجرد تعلم أو تدريب. أن الانتقالات من الانعكاسات البدائية إلى أنماط الفعل الناضج لا تنتج عن التعلم ولكن عن النضج، كما هو الحال في مراحل النمو التي تلاحظ في اكتساب القدرة على المشي. والتعلم، من جهة أخرى يشير إلى تغيرات سلوكية تنتج عن تدريب أو مشاركات متعلمة أساسًا.
ولإيضاح صحة مفهوم النضج، عاد جيزل Gesell فاستخدم طريقة التوأمين المتطابقين للمراقبة "الملاحظة"، فاستخدام التوأمين T & C. كان يلاحظهما خمسة أيام في الأسبوع. أعطى التوأم T تدريبًا يوميًا على الزحف والحبو والمشي والتسلق والقبض بالإبهام والسبابة. وكل هذه الأنماط السلوكية يبديها الأطفال الطبيعيون، وهي أجزاء من تتابعات لمكتسبات مهارية محددة، ويبدو أنها تتأثر بقوة بعوامل التكوينات الوراثية. ورغم التدريب اليومي الذي تلقاه التوأم T، فإن التوأمين لن تظهر عليهما فروق ذات دلالة في السن التي ظهرت فيها هذه الأنماط
(2/60)
السلوكية. ولذلك فقد استنتج جيزل Gesill أن التغيرات البيئية لا تؤثر على هذه الأنماط السلوكية، وهي بذلك تعتبر أنماط فعل فطرية محددة تبرز مع النضج.
وقد قامت ماكجرو Mc Graw التي استخدمت أيضًا طريقة التوأمين المتطابقين للمراقبة "الضبط"، بإعادة الدراسة التي قام جيزل Gesell وتوسعت فيها. إن وسائل تمييز التوأمين المتطابقين لم تكن قد بلغت بعد درجة الكمال، وقد تبين أن التوأمين اللذين استخدمتهما ماكجرو Mc Graw بعكس اللذين استخدمهما جيزل Gesill، توأمان متأخيان وليسا متابقين. وفي دراسة ماكجرو Mc Graw كان "جوني" هو التوأم التجريبي و"جيمي" هو توأم المراقبة "الضبط". وقد ميزت ماجكرو MC Graw نوعين من السلوك: سلوك فطري Ontogenetic، وسلوك مكتسب phulogenetic. إن كل أفراد جنس ما يظهرون أنماطًا سلوكية فطرية لأنهم أعضاء في ذلك الجنس. علاوة على ذلك، فالأمر هنا لا يتطلب تعلمًا خاصًا، لأن السلوك محدد فطريًا. أما السلوك المكتسب فقد يكتسب أو لا يكتسب بين أفراد الجنس الواحد. وقد درست ماكجرو Mc Graw نفس الأنماط السلوكية التي درسها جيزل Gesill، كما درست القفز والسباحة "الواقع أن السباحة سلوك فطري ومكتسب في وقت واحد". وكمثال للسلوك المكتسب التزحلق بالقبضات ذي العجل الذي درسته ماكجرو Mc Graw دراسة مكثفة. كما أنها عملت مع التوأمين في مجال السباحة كسلوك مكتسب.
وفيما يختص بالسلوك الفطري، كررت ماكجرو Mc Graw نتائج جيزل Gesill وقد أظهر "جوني" وجيمي" أنماط السلوك الفطري في نفس الوقت تقريبًا، أما أنماط السلوك المكتسب فقد أظهرت صورة مختلفة تمامًا. فعندما كان الطفل يظهر "علامات الاستعداد" لنشاط مكتسب معين، كانت تبدأ في التدريب على هذا النشاط مثال ذلك: أن الاستعداد للتزحلق بالقبضات ذي العجل يحتاج للقدرة على المشي. وعندما بدأ "جوني" يمشي، ألبسته زلاقات التدريب "قبقاب تزحلق عادي، ولكن عجلاته لا تحتوي على كراسي ببلي وبالتالي كانت درجة احتكاكها أعلى"، ثم وضعت "جوني" فوق حصيرة تمرين سميكة، وسمحت له بالتآلف مع الزلاقات ثم بدأت في تخفيف سمك الحصيرة شيئًا فشيئًا. كان تخفيف الحصيرة يجعل دوران
(2/61)
العجل أكثر سهولة. كان "جوني" كثيرًا ما يقع، ولكن ماكجرو Mc Graw وزملاءها كانوا دائمًا يشجعونه على الاستمرار. وأخيرًا نجحت في أن تجعل "جوني" يتزحلق بقبقاب عادي وهي في سن 18 شهرًا. وقد استخدمت عملية مشابهة لتعليم السباحة. فعندما لاحظت ماكجرو Mc Graw أن "جوني" كان يمر بمرحلة الانتقال من السباحة الإرادية ابتكرت طريقة بارعة لتعليم الطفل السباحة الإرادية فاستخدمت نظام مكبرات ولجامًا لإنزاله بواسطته إلى الماء. فإذا ما أدى حركات سباحة وجد نفسه يندفع خلال الماء. ومرة ثانية وبعد محاولات تقريبية متتابعة، أخذت في اعتبارها عدم السماح "لجوني" بأن يشعر بالانزعاج، نجحت في جعله يسبح مسافة يبلغ طول حمام سباحة بالمقاييس الأوليمبية وهو في سن 16 شهرًا. كما أنها نجحت في تعريف "جوني" بأنشطة مكتسبة أخرى. أما "جيمي" الذي أتيحت له فرص في هذه الواجبات المكتسبة مرة واحدة في الأسبوع، فإنه لم يتوصل أبدًا إلى مستوى "جوني" في الأداء. وتدل هذه المعطيات على أن التدريب الإضافي لا يؤثر في السلوك الفطري وكل ينجح بدرجة كبيرة مع أنماط السلوك المكتسب. "شكل: 11".
وقد آثارت أعمال ماكجرو Mc Graw مفهوم الاستعداد Readiness. إذ كانت تعتقد أنه عندما يظهر الطفل علامات الاستعداد يمكن استخدام عمليات التدريب مع درجة عالية من احتمالات النجاح. وهي ترى أن التدريب قبل ظهور مثل هذه العلامات الاستعدادية لا
(2/62)
يؤتى ثماره لأن النضج العضلي، العصبي لا يكون كافيًا للسماح للطفل بالاستفادة من خبرة التعلم. وفي مراجعة قدمها ثمبسون Thopson لأعمال ماكجرو Mc Graw عرض ستة مبادئ تعليمية تنبثق من تلك الأعمال:
1- إن التدريب على أي نشاط معين قبل أن تصل الآليات العصبية إلى درجة معينة من الاستعداد لا فائدة منه.
شكل "11-ب" السلوك الفطري والمكتسب لمهارة المشي
2- إن أداء وظائف جديدة وهي في طور النمو تتأصل في عملية النمو، وإذا ما أتيحت الفرصة الكافية في الوقت المناسب، يمكن تحقيق تقدم في إنجازات محددة أبعد من المرحلة المتوقعة طبيعيًا. "لهذا التعميم دلالات خاصة فيما يتعلق برعاية الطفل".
3- إن فترات الانتقال من نوع ما من التنظيم العضلي، العصبي إلى تنظيم آخر جزء أصلي من النمو وهي تتميز غالبًا بعدم التنظيم والارتباك.
(2/63)
4- الطفرات، والارتدادات والإحباطات والكبح جزء أساسي من النمو العضوي، وهناك ما يدعو للاعتقاد بأنها أيضًا إحدى الدالات في نمو الأنشطة السلوكية الكاملة.
5- النضج والتعلم ليسا عمليتان مختلفتان، ولكنهما مجرد مظهرين من مظاهر عملية النمو الأساسية.
6- الدلالة على استعداد الطفل لتقبل موضوع تعليمي معين توجد في بعض علامات السلوك أو الأعراض السلوكية التي تعكس نضج الآليات العصبية.
وقد قدمت هذه الدراسات النموذج الأول لما لا يقل عن 200 دراسة أخرى أجريت على الأطفال والحيوانات. ومن أشهر هذه الدراسات على الأطفال تلك التي أجراها دينيس Denes مع الهنود. لقد وجد دنيس جماعة من هؤلاء الهنود يربون أطفالهم في أقمطة في الفترة التي كان مفروضًا فيها أن يبدأ الطفل في الزحف والحبو. ومن جهة أخرى كانت هناك جماعة أخرى من هؤلاء الهنود يسمحون لأطفالهم
(2/64)
بالحرية والحركة الكاملة شبيهة بتلك الخاصة بأفراد الطبقة الوسطى من الأمريكيين. وقد وجد أن ابتداء المشي لدى أطفال الجماعة الأولى. لم يختلف عنه لدى أطفال الجماعة الثانية غير أن أطفال كلتا الجماعتين بدأوا المشي متأخرين عن الطفل العادي في الطبقة المتوسطة. وقد استنتج "دينيس" من هذه الملاحظة أن المثيرات البيئية المبكرة ليس لها سوى آثار ضئيلة على ابتداء السلوك ووجد دينيس فيما بعد بيئة متناهية في الفقر للأطفال وغير استنتاجاته. لقد شعر بأن تحسين البيئة المتناهية في السوء يؤدي فعلًا إلى تحسين الأداء.
تقييم تفسير النضج:
مهما كانت درجة تأثير كمية ونوع الأبحاث لاختبار افتراض النضج، فإن هذه الدراسات تعتمد على الفرض الخاطئ بأن أفراد المراقبة "الضبط" لم يكونوا يتلقون أي مثير ولكن كان النمو يحدث رغم الافتقار للمثير البيئي. والأصح أن نستنتج أن الإثارة الإضافية التي قدمت للتوأم التجريبي لم يكن لها من التأثيرات ما يتجاوز الإثارة التي قدمت لتوأم المراقبة "الضبط". ومهما كانت الإثارة التي تلقاها التوأمان في الدراسات التي أجرتها ماكجرو Mc Graw وجيزل Gesill فإنها كانت كافية لإثارة النمو الطبيعي. كل ما في الأمر أن هذه الدراسات فشلت في إيضاح سمات الإثارة التي تلقاها أفراد "الضبط" التي ساهمت في نموهم الطبيعي. ويضيف فلافيل Flavell "1977" ملاحظة أخرى فيقول: إنها تسمى "بالدراسات المثرية" "الإثرائية" enrichment studies، حتى ولو نجحت، لا نستطيع أن نحدد أي سمة من سمات البرنامج هي التي أسهمت في النمو، وبعبارة أخرى، لا تستطيع أن تحدد المتغيرات التي لم يكن من الممكن للمعالجة أن تنجح بدونها.
والنقاط المثارة هنا كانت موضع اعتراف علماء نفس النمو الآخرين. وعلى سبيل المثال فإن هويل Wohlwill "1973، ص319" يتخذ الموقف التالي:
"متى اعترفنا بوجود "عمليات نمو طبيعية"، أي تعمل مستقلة عن عوامل أو ظروف خارجية خاصة محددة، فإن ذلك يستتبع نتائج أبعد مدى بكثير. أي أننا لا يسعنا إلا أن نأمل في أن نعزل الضروري، تلك التي بدونها نستطيع أن تؤكد أن النمو لا يحدث، وليس تلك التي نقول عنها إنها السبب في عدم حدوثه.
وبعبارة أخرى فإن معنى ذلك أن الأداة الأساسية في الدراسة التجريبية للنمو هي الدراسة الحرمانية، وليست الدراسة الإثرائية أو دراسة الخبرة الخاصة".
(2/65)
وثمة إجراء أكثر إنتاجية لبحث مكونات المثير الحاسم في النمو يسمى باستراتيجية الحرمان deprivation strategy. وفي هذه المعالجة يحرم التركيب العضوي "الفرد" من جهاز إحساس كامل لفترة طويلة من الوقت. ولعل الدراسة التي قام بها أوستن ريزن Austin Risen "1974" في هذا المجال تعتبر دراسة قياسية. لقد قام بتربية شمبانزي في الظلام منذ ولادته إلى ما قبل بلوغه النضج الكامل مباشرة.. وافترض أنه: إذا كانت البيئة لا تلعب دورًا في نمو القدرات الخاصة بالنوع، فإن الشمبانزي الذي ربي في الظلام لا يتوقع له أن يظهر فروقًا عن الشمبانزي الذي ربي تربية طبيعية. وحتى بعد إجراء التصحيحات اللازمة لضمور الأعصاب، وجد أن الشمبانزي ظل أعمى وظيفيًا رغم أن الجهاز العصبي البصري كان سليمًا. وفي دراسة نيسن وآخرون Nissen et al ربي شمبانزي يدعى "روب" بطريقة حرمته من الاحساسات الحركية العضلية "انظر الشكل "12": لقد لفت يديه وقدميه بالأربطة وهو في سن 5 أسابيع وحرم تمامًا من الإثارة لليدين والقدمين. وقد أجري اختباره دوريًا، وأخيرًا أزيلت الأربطة وهو في سن 31 شهرًا، وبمقارنته بالشمبانزي الآخر، وجد أنه يمشي مشية جانبية ولكنه لم يستطع استخدام المثير الحسي العضلي مثال ذلك: إنه عندما أثيرت منطقة الجذع أو الرأس لم يرفع أصابعه إلى موضع الإثارة كما تفعل الحيوانات الأخرى، كما أنه لم يبد سلوك التودد بالملاحظ المميز من الإمساك أو التعلق بالملاحظ الذي كان يحمله، أو يظهر أي من حركات الشفاة والأصوات التي تصدرها حيوانات هذه الفصيلة، كما أن حركات التنقيب بالأصبع لم تكن على شيء من الدقة والمثابرة المميزة لهذا السلوك.. وأخيرًا تعلم "روب" أن يوجه أصبعه إلى مكان معين بسرعة ودقة، أما غير ذلك من السلوك الفطري فلم يظهر. هذا وليس المقصود من هذه المعطيات أن الحيوانات كانت محرومة تمامًا من البيئة، لأن مثل هذه الحالة مستحيلة.
شكل "12" "روب" في وضع الجلوس والأربطة الإسطوانية في مواضعها، ويتضح تأثير الأرجل العرجة المعيقة للإحساس الحركي العضلي
(2/66)
إن الافتراض بأن التكوينات العصبية المبرمجة وراثيًا تحتاج لمثير خارجي لتحقيق أقصى نمو، هنا الافتراض قد بحثه هب Hebb بحثًا مستفيضًا. وقد اقترح أنه من خلال عمله بيوكيماية معقدة، فإن انطلاق الألياف العصبية في الواقع يؤذن بانطلاق نموها. إن الأبحاث الحديثة في بيوكيمياء النقل في تشابك أطراف الألياف العصبية التي تمر من خلالها النبضات، وإن كان ذلك لا يتعلق إلا جزئيًا بافتراضات هب Hebb، هذه الأبحاث توحي بأنه كان على صواب "Rosenzweio, Bennett & Diamond, 1972". وفي إحدى هذه التجارب، مثلًا: وجد أنه بين الفئران تشابه شديد يرتبط بمستوى عالٍ من الإثارة الزائدة مع الأمخاخ الأكبر وزنًا. وقد حدث أقصى نموه في المناطق البصرية من المخ، ويبدو أن السبب في ذلك أن المثير الأكبر كان بصريًا. ويجب أن نلاحظ أن الحيوانات المثارة وحيوانات المراقبة "الضابطة" كانت متطابقة في تكويناتها الوراثية. وعلى ذلك فإن الفروق يمكن أن تعزى إلى الأحداث البيئية.
وتدل هذه الدراسات على أن تأثيرات البيئة مهمة للنمو الطبيعي، وعلى الأقل في القدرات الحسية. ولعله من الحقيقة أن الحرمان الشديد يؤثر أيضًا على الأنشطة الحركية. وهكذا فمن الواضح أن النمو الطبيعي يتطلب تركيبًا عضويًا كاملًا وبيئة مثيرة واستجابية.
الدلائل الاكلينيكية:
لقد أكد هذا الفصل على العلاقة بين النمو التكويني والسلوك. وقد أوضحنا أن النمو يتضمن تشابكًا معقدًا لأنماط فعل، وقد افترض أن تنسيق أنماط الفعل هو نتيجة للنضج الجسماني، وخاصة النمو العصبي، والعضلي العصبي. وقد عرضت المادة كأساس لفهم التغيرات النمائية في مجالات سلوك أكثر تعقيدًا، بما في ذلك المعرفة، والإدراك، واللغة، والسلوك الاجتماعي. وكما أوضح جيزل وتانر Gesell & Tanner، فإن المبادئ الأساسية للنمو العصبي الجسماني وتضميناتها بالنسبة للسلوك لا تتوقف مع بداية المشي أو في سن 6 أو 9 أو 13 سنة.
(2/67)
ثانيا: النمو الحركي في سن ما قبل المدرسة
الخصائص العامة للنمو الحركي
...
ثانيًا: النمو الحركي في سن ما قبل المدرسة
خصائص النمو الحركي في سنوات الطفولة المبكرة:
يتطور النمو الحركي للطفل في الفترة من عامه الثاني حتى نهاية العام الخامس بصورة كبيرة ويتخذ أشكالًا متعددة، وأهم الخصائص العامة المميزة للنمو الحركي في هذه الفترة ما يلي:
1- التعطش الجامح للنشاط والحركة:
فالتعطش الجامح للنشاط والحركة من أهم مميزات هذه المرحلة ويكون أساس هام للتعلم الحركي للطفل.. ولا نقصد بالتعلم الحركي في هذا المجال عمليات التعلم المقصودة المنظمة، بل يقصد به كل ما يكتسبه ويتعلمه الطفل كنتيجة لتعامله مع الأشخاص والأشياء في محيط البيئة التي يعيش فيها. "شكل: 13".
2- الإفراط في بذل الجهد:
إذ تتسم حركات الطفل في الإفراط في بذل الجهد وبإشراك عدد كبير من العضلات في معظم الحركات.
3- الحركات غير الهادفة:
فمعظم حركات الطفل في هذه المرحلة لا تكون هادفة، أي لا تهدف إلى تحقيق غرض معين، إذ أن التحكم الهادف الواعي للطفل في حركاته لا يكون
(2/68)
متوافر لديه في هذه المرحلة، بل يبدأ اكتسابه لذلك تدريجيًا.
4- سرعة الانتقال من نشاط حركي إلى آخر:
فلا يتميز طفل هذه المرحلة باستمراره لمدة طويلة في مزاولة نشاط حركي معين، بل نجده سريع الانتقال من نشاط إلى آخر إذ أن درجة تركيزه لممارسة مهارة معينة تكون لمدة وجيزة وسرعان ما يضيق ذرعًا بما يمارسه من نشاط، ويصبح بعد ذلك في حاجة إلى التغيير والتنويع في النشاط حتى لا يصاب بالتعب والإرهاق مبكرًا.
(2/69)
خصائص النمو الحركي في سنوات الطفولة المبكرة
في السنة الثالثة من العمر:
ببلوغ سن الثالثة تكون الآثار المتبقية من زمن الرضاعة في سلوك الطفل الحركي قد اختفت تقريبًا ويبدأ التمايز في النمو الحركي للطفل:
- فطفل الثالثة يجري في سلاسة أكثر، وهو يسرع ويبطئ في جريه في سهولة أكثر، ويستطيع الاستدارة حول الزوايا الحادة ويتمكن من الوقوف المفاجئ.
- يتمكن طفل الثالثة من صعود السلم من غير مساعدة ومع تبديل أقدامه ويستطيع أن يقفز من فوق الدرج "درجة السلم" إلى الأرض وقد التصقت قدماه الواحدة بالأخرى.
- في حين أن طفل الثانية من العمر يقفز وقد تقدمت إحدى قدميه عن الأخرى، وكثير من أطفال الثالثة يستطيع أن يقفز إلى أعلى بقدميه الاثنتين إلى مسافة تصل إلى 12 بوصة. "شكل: 14".
صورة سكانر
شكل "14" يستطيع الطفل القفز بكفاءة في سن الثالثة
- يستطيع طفل الثالثة أن يقف على قدم واحدة باتزان مضطرب لمدة ثانية أو أكثر.
- وكثيرًا ما يختل توازن الطفل أثناء الجري أو القفز، ويرجع ذلك إلى أن
(2/69)
التناسق بين الأعضاء، لا يزال ضعيفًا فيجد كثير من الأطفال صعوبة في أداء بعض المهارات التي تتطلب حفظ التوازن والدقة والمهارة الفائقة.
- ونظرًا لأن نمو العضلات الكبيرة يسبق نمو العضلات الصغيرة فإن أطفال هذا العمر يحتاجون إلى استخدام عضلاتهم الكبيرة أكثر من الصغيرة ويصبح الطفل مهيئًا لاستخدام الدراجة ذات العجلات الثلاثة. "شكل: 15"
- يحب أطفال هذا العمر العمل بأيديهم ولكنهم يحتاجون إلى المساعدة عندما يفقدون تآزرهم العضلي حيث ينقصهم التناسق في عضلات اليدين الصغيرة.. وهو يستطيع أن يبني برجًا من تسعة مكعبات أو عشرة، بينما لا يستطيع طفل الثانية أن يبني أكثر من ستة مكعبات. "شكل "16-أ".
- وفي الرسم نجد خطوطه قد أصبحت أكثر تحديدًا وأقل غموضًا وأقل نمطية وتكرارًا، وهو يستطيع أن يطوي قطعة من الورق رأسيًا أو أفقيًا، ولكنه لا يستطيع أن يطويها حول قطرها حتى وإن زودناه بنموذج يحتذيه.
(2/70)
وفي الرابعة:
تكون مهارات الطفل الحركية قد ازدادت: فهو يستطيع عند بلوغ الرابعة أن يجري بسلاسة أكثر، ويكون أقدر على أن يكسر هذا الإيقاع المنتظم في مشيته، ويمزج بين القفز والجري، ويتم بالنشاط الزائد وكثرة الحركة واستخدام العضلات الكبيرة للقفز والتسابق والتسلق والعدو ورمي الكرة، ويحب إظهار مهاراته الجسمية الجديدة أو التمارين التي أتقنها.
والواقع أن حركات طفل الرابعة الرياضية تعتمد إلى حد ما على ازدياد حظ عضلاته من الاستقلال ففي هذا العمر نجد مبدأ التفرد الحركي يبدأ في القيام بعمله: أعني أن استجاباته البدنية لا تقع كما كانت في صورة كلية شاملة وإنما نجد أن ساقيه وجذعيه وكتفيه وذراعيه تستجيب بقدر أقل من الترابط وهذا يجعل مفاصله تبدو أكثر نشاطًا وحركة فعلى حين أنه كان في سن الثانية والثالثة يقذف بجسمه كله إلى الأمام حين يلقي بالكرة "وجذعه مشترك في ذلك" نجده عند الرابعة يتمكن من التطويح بذراعه فقط ليحقق رمية قوية.
ويتسم أطفال الرابعة بالحماس الذي يدفعهم إلى التسرع لعمل أي شيء وهم يحبون صحبة الأصدقاء بالرغم من حدوث المشاجرات من أجل امتلاك أدوات اللعب، ويميلون إلى فض منازعاتهم بقبضة اليد واللكمات.
(2/71)
ويكتسب أطفال الرابعة قدرًا كبيرًا من المهارة اليدوية والدقة الحركية فيستطيعون ارتداء وخلع ملابسهم إذا كانت بسيطة "شكل: 16- ب"، فقد نمت عضلاتهم الصغيرة بدرجة أكبر من ذي قبل بما يؤهلهم للإمساك بالأدوات الصغيرة مثل المقص وخرامة الورق.. وما إلى ذلك وإن كان التناسق لا يزال ضعيفًا ومع ذلك يتمكن الطفل من أن يتتبع على الورق ممرًا عرضه سنتيمترًا واحدًا بين شكلين على هيئة معين أحدهما بداخل الآخر، ويتمكن في نهاية الرابعة أن يطوي ورقة مربعة حول قطرها الموصل بين زاويتين متقابلتين، ولكنه مع ذلك يظل غير قادر على أن يرسم شكل المعين من واقع نموذج يعرض عليه وإن كان يستطيع أن يرسم دائرة وصليبًا.
(2/72)
وفي سن الخامسة:
يتسم الأطفال بنضج واضح في الأداء الحركي:
- فهم يتسمون بالسرعة والرشاقة والنشاط الزائد: ويتجلى ذلك في أعمالهم وفي أثناء لعبهم؛ فهم يحبون الحركة والصخب، وتتم أجسامهم بالرشاقة وخفة الحركة، وتكون أعضاء جسمهم أكثر تناسقًا، ويعتمدون على أنفسهم في كثير من الأمور.
ومع كثرة النشاط والحركة: فإن أطفال الخامسة يتسمون في بعض الفترات بالسكون والهدوء، ويكون من السهل إيجاد التناسق والتكامل معهم، ويبدو عليهم النضج أكثر من الأطفال الأصغر سنًا، وربما يعود ذلك إلى أنهم يحاولون جادين اختيار الشيء الصحيح، وإدخال البهجة على الكبار؛ فيكونوا أكثر امتثالًا وانسجامًا مع محيطهم الاجتماعي ... وبالرغم من أنهم ما زالوا يتمتعون بالتظاهر واللعب الإيهامي، إلا أنهم يفضلون العالم الواقعي، ويحاولون تذكير الآخرين بالحقائق الواقعية، ويسعدون جدًا حين يلعب الكبار معهم.
(2/73)
- وفي سن الخامسة: تصبح العضلات الكبيرة والصغيرة أكثر مرونة وتبدو المهارات الحركية واضحة المعالم فيكون للطفل المتوسط قادرًا على إيجاد الاتزان الحركي في سلوكه، ويتمكن معظم الأطفال بفضل القدرة على حفظ التوازن من ركل الكرة ورميها والتقاطها دون الاستعانة بإحساسهم ويستطيعون السير في خطوط مستقيمة، والقفز والوثب وركوب الدراجة، ويميلون إلى ممارسة الأنشطة والألعاب المنتظمة ذات القوانين وما إلى ذلك.. ومع ذلك فإن كثيرًا من أطفال الخامسة لا يزالوا عاجزين عن القفز مع النزول مرتكزين على قدم واحدة وإن كانوا يقفزون بالقدمين قفزًا أكثر رشاقة.
أما بالنسبة للمهارات اليدوية: فإن أطفال الخامسة يبدون تحكمًا واضحًا في عضلات اليدين وتصبح حركاتهم الدقيقة أكثر تمايزًا واستقلالًا. ويقول جيزل Gesill: أن طفل الخامسة يستطيع التقاط أثنى عشر قرصًا من أقراص الدواء ليسقطها في زجاجة بمهارة في حوالي 20 ثانية مستخدمًا اليد المفضلة: ويتعلم
(2/74)
أطفال هذا السن ربط الحذاء، وإغلاق أزرار القميص وسوته البنطلون أو الجاكيت ويستعملون الأقلام الرصاص والأقلام الملونة وألوان الشمع، ويتحكمون لفترات طويلة إذا ما أتيح لهم ذلك.. وفي الرسم: نجد أن أطفال الخامسة لا يزالون عاجزين أمام خطوط المعين ولكنهم يكونوا قادرين على رسم خطوط مستقيمة في كل الاتجاهات، وعلى أن ينقلوا رسم مربع أو مثلث "لا المعين" وعلى أن يرسموا صورة للإنسان يمكن للغير أن يفهموا أنها صورة إنسان.
(2/75)
ثالثا: النمو الحركي لطفل المدرسة الابتدائية
مدخل
...
ثالثًا: النمو الحركي لطفل المدرسة الابتدائية
يتميز النمو الحركي في هذه المرحلة ببعض التغيرات الجوهرية التي تتمايز في السنوات المتأخرة من المدرسة الابتدائية عنها في السنوات الثلاث الأولى منها لذا فإننا سوف نتناول خصائص النمو الحركي من خلال مرحلتين:
أ- الطفولة المتوسطة:
تتلخص الخصائص العامة للنمو الحركي في هذه المرحلة على النحو التالي:
- يظهر النمو التدريجي بالنسبة للأداء الهادف لمختلف النواحي الحركية، ويظهر التحسن الواضح بالنسبة لأداء الحركات وخاصة من الناحية الكيفية.. وترتبط درجة تطور النمو الحركي بالنشاط الدائب للطفل الذي يعتبر من أهم معالم السلوك الحركي في هذه المرحلة.. ويتمثل ذلك النشاط في أن الطفل يقوم بالرد على كل مثير خارجي بأداء بعض الاستجابات الحركية المختلفة المتعددة، كما نجده سريع التحول لا يستقر على حال أو ضع، ولا يلبث مدة طويلة في أداء عمل معين أو ممارسة نشاط واحد، ويفسر ذلك من الناحية الفسيولوجية بأن مثيرات البيئة المختلفة تحدث دائمًا أنواعًا جديدة من الاستثارات في قشرة المخ التي تحرض وتلح على القيام بالاستجابات الحركية، ويساعد في ذلك أن العمليات العصبية التي تسهم في العمل على الكف الحركي "أي التي تقوم بإعطاء الأوامر لبعض العضلات بالكف عن العمل أو الاستجابة" لا تكون قد
(2/75)
وصلت إلى درجة كافية من النمو والتطور.. وبمرور الوقت يتعلم الطفل تدريجيًا التحكم في الدوافع، التي تبعث على الحركة حتى لا يقوم دائمًا بترجمة
(2/76)
وتحويل كل مثير خارجي إلى حركة معينة. وفي غضون العامين الأولين من هذه المرحلة يمكن ملاحظة النشاط الزائد الذي يتميز به الطفل، كما نجد أن كثيرًا من حركاته ترتبط ببعض الحركات الجانبية الزائدة والتي نجدها بوضوح عند محاولة تعليم الطفل بعض المهارات الحركية كالرمي أو المهارات الحركية المركبة.. وفي بداية العام الثامن يتضح ميل الطفل إلى الاقتصاد في حركاته، كما يستطيع تركيز انتباهه لفترة طويلة في أداء نشاط معين دون أن تستطيع بعض المثيرات العارضة أن تحوله عن متابعة ما يمارسه من نشاط، كما تظهر على حركات الطفل معالم الدقة والتوقيت الصحيح واتجاهما لتحقيق هدف معين.
- وبالنسبة للمهارات التي تعتمد على حركة العضلات الكبيرة: يلاحظ ازدياد نشاط الأطفال في هذه المرحلة للحركة واللعب كالجري والقفز والتسلق وركوب الدراجات ذات العجلتين، كما يبدأ حبهم للمباريات المنظمة. وتميل البنات في هذا السن للحركة الأكثر دقة والتي تتطلب اتزانًا ومهارة وتنط الحبل و "الحجلة" والرقص التوقيعي.. إلخ. وعلى المدرسة أن تنظم المباريات الرياضية المختلفة وتكون الفرق المنظمة، حيث يتعلم الأطفال من خلال هذا النشاط المنظم بعض القيم المرغوبة كالتعاون والشجاعة والمثابرة والروح الرياضية كذلك يفيد هذا النشاط الأطفال في بناء إحساسهم، وفي الكشف عن ميولهم وتغذيتها، مما يسهم في عمليات التوجيه وفق ميول واستعدادات الطفل.
ويمكن ملاحظة بعض الاختلافات بين الأولاد والبنات في أداء بعض المهارات الحركية حيث يتفوق الأولاد في مهارات الرمي والقفز في حين تفضل البنات أداء الحركات الهادئة.. ولا يفهم من ذلك إسهام بعض العوامل الجنسية المميزة لكل منهما نظرًا لأن هذه العوامل لا تؤثر بدرجة كبيرة.. وكثيرًا ما نلاحظ ممارسة البنات ممن يعيشون مع مجموعات الصبيان اشتراكهم في أنواع الأنشطة الحركية التي يمارسونها فنجدهن يقمن بالتسلق والتعلق والقيام بركل الكرة وغير ذلك.
(2/77)
هذا ويحسن بالآباء والمعلمين أن يتيحوا للطفل الفرصة لممارسة كثير من أنواع النشاط الحر، وأن تتعدد أمامه مجالات النشاط الحركي، وأن يترك له حرية اختيار اللعبة أو المجال الذي يريده والأقران الذين يشاركونه اللعب.
- أما بالنسبة للمهارات التي تعتمد على حركة العضلات الدقيقة: فعلى الرغم مما نجده من تأخر نمو عضلات الأصابع إلا أنه يزداد في هذه المرحلة التوافق بين العين واليد في الأعمال اليدوية، لذلك يميل الأطفال في هذا السن إلى أعمال الصلصال وعمل النماذج الخشبية، والقص واللصق، وتميل البنات إلى أشغال الإبرة، ويقل اهتمامهن تدريجيًا باللعب العرائس، حتى يتلاشى هذا الميل بنهاية المرحلة الابتدائية. ولذلك يحسن بالآباء والمعلمين أن يتيحوا للطفل الفرصة لممارسة أنواع النشاط البنائي والابتكاري، ويقدموا له الأدوات والتوجيهات حتى يستطيع أن يعبر عن نفسه من خلال العمل، ولذا كان التعلم عن طريق العمل من أفضل وأنسب الطرق المستحدثة في التربية التقدمية بالنسبة لهذه المرحلة العمرية.
- ومن المظاهر الشائعة في هذه المرحلة ما نلاحظه من استعمال الطفل الأشول اليسرى بشكل واضح وهذه عادة ترجع لأسباب فسيولوجية تتعلق بتكوين الجهاز العصبي. ويجب أن نشير إلى أن الآباء والمعلمين إذا استعملوا الشدة والضغط مع هذا الطفل كي يستعمل يده اليمنى فغالبًا ما يصاب ببعض مظاهر الاضطراب النفسي، وقد يترتب على ذلك التهتهة في المستقبل، أما إذا استعملوا
(2/78)
الكثير من اللين والحيل والطرق غير المباشرة فغالبًا ما يصلوا إلى الغرض الذي يسعون إليه وإن كان الأمر لا يستحق هذه المجهودات.
ب- الطفولة المتأخرة:
وفي السنوات المتأخرة من المدرسة الابتدائية يزداد تطور النمو العام بصورة ملحوظة، كما نجد أن الطفل يتمكن بدرجة كبيرة من التوجيه الهادف لحركاته، ومن القدرة على التحكم فيها.. ولا يرى ذلك فقط على النشاط الرياضي بل يتعداه أيضًا إلى نشاط الطفل في غضون حياته اليومية، إذ تصبح حركاته أكثر هادفية وأكثر اقتصادًا في بذل الجهد.
كما تصطبغ حركات الطفل بقدر كبير من الرشاقة والسرعة والقوة، وكثيرًا ما يستخدم مصطلح رشاقة الهر "القط" لتميزه أو وصف سلوك طفل الثانية عشرة خاصة عندما يقوم بالوثب فوق عائق طبيعي أو عقب وثبة من فوق جهاز رياضي كصندوق القفز مثلًا.. كذلك: نجد اتصاف الكثير من الأطفال بالرشاقة في غضون ممارستهم لألعاب الكرة، وبالسرعة في مختلف الأنشطة التي تحتوي على الجري، وبالقوة في حركات الجمباز وما إلى ذلك.
كذلك تتميز حركات طفل هذه المرحلة بحسن التوقيت والانسيابية وحسن انتقال الحركات من الجذع إلى الذراعين وإلى القدمين..كما يستطيع التوقع الصادق لحركاته الذاتية وكذلك توقع حركات الآخرين.
ومن أهم ما يتميز به طفل هذه المرحلة: سرعة استيعابه وتعلمه للحركات الجديدة، والقدرة على المواءمة الحركية لمختلف الظروف. وكثيرًا ما تصادف ظاهرة تعلم الطفل من أول وهلة، وهذا يعني أن الكثير من الأطفال يكتسبون القدرة على أداء المهارات الحركية الجديدة دون إنفاق وقت طويل في عملية التعلم والتدريب والممارسة، وكثيرًا ما ترتبط سمات الشجاعة والجرأة، وكذلك الحماس للتعلم والفاعلية والنشاط بالنواحي الحركية للطفل وخاصة في حالة تكليفه ببعض الواجبات الحركية.
(2/79)
ويسعى الطفل في هذه المرحلة إلى المنافسة ويعشق قياس قوته وقدراته بقدرات الآخرين.
وبذلك فإن النمو الحركي يصل في هذه المرحلة إلى ذروته، وكثيرًا ما تعتبر الفترة المثلى للتعلم الحركي، وينطبق ذلك في المقام الأول على تميز الطفل بالرشاقة والمهارة والقدرة على سرعة الاستجابة والمواءمة بارتباطها بالشجاعة والجرأة والحماس للتعلم.
(2/80)
النمو غير المنتظم:
إن معلوماتنا عن الأنماط الطبيعية للنمو الجسمي والحركي مكنتنا من وضع أساس لتمييز حالات النمو غير المنتظم Atypical Devopmenty. ولا يقتصر الأمر هنا على تشخيص الأطفال المعوقين جسميًا أو عقليًا بدرجة كبيرة. إن اهتمامنا بالأطفال الذين يبدون نقصًا في التناسق الجسمي الطبيعي أو الذين يواجهون صعوبات في نقل الأرقام الهندسية أو حالات التأزر بين العين واليد غير الكاملة التحديد، أو يجدون صعوبة في تعلم القراءة أو في مواجهة مسائل حسابية معقدة. ومثل هؤلاء الصغار ويطلق عليهم عادة الأطفال المعوقين في التعلم الذين يبدون قدرة عقلية عامة ونموًا جسميًا غير سويين وإن كان ذلك في حدود المعايير الطبيعية. والمفروض طبقًا لكل المؤشرات القياسية، أن ينموا نموًا طبيعيًا.
وقد قدمت افتراضات عديدة حول أسباب العجز في التعلم ابتداء من الأسباب البيئية البحتة إلى الأسباب التكوينية الوراثية. وقد وضح جيزل Gesill وزملاؤه، وإلج وامس Ilg & Ames، تفسيرات بيولوجية تستند إلى تكامل الحركية العصبية، أي التناسق "التآزر" بين الوظائف الحركية والوظائف الإدراكية. وطبقًا لهؤلاء، فإن هذه الوظائف مبرمجة وراثيًا وتحتاج لفرصة للتعبير من خلال الإثارة البيئية أن الإمداد البيئي المرتد من الأفعال التي تؤدى، والإثارة التالية للتركيب العضوي تؤدي إلى زيادة تكامل الأجهزة. وكما ذكرنا أنفًا فإن المشي إنجاز معقد يتطلب التكامل والتأزر بين عضلات متعارضة وسيطرة عصبية "ضبط عصبي".
(2/80)
وكان من الممكن أن نضيف أن الأطفال يجب أن يتعلموا أيضًا كيف يحددون مواقعهم في الفضاء وأن يكونوا مدراكات فضائية مسافية "مكانية" "الأمر الذي يساعد على تجنب سكب اللبن أو إسقاط فازة ثمينة".
كيف إذن ينمو الأطفال نموًا غير منتظم؟ إن القرائن تدل بصفة عامة على أن هؤلاء الأطفال قد تعرضوا لإصابة قبل الولادة أو بعدها مباشرة جعلتهم في مركز يحتمل الخطر، ونشير بذلك إلى التكامل البيولوجي الخاص للطفل حديث الولادة. واحتمالات الخطر هذه تقاس بعدة طرق، بما في ذلك مقياس أبجار Apgar "1953" "على اسم فرجينيا ابجار، وهي طبيبة أطفال"، وطرق أكثر حداثة طورها برازيلتون Baszelton "1973". وتستخدم هذه الوسائل في خلال الساعات الأولى بعد الولادة أو في صالة تعاطي الأم لعقاقير في أثناء الولادة، بعد أن يكون جسم الوليد قد تخلص من آثارها. وتقدم هذه الوسائل القياسية بتقييم قوة الانعكاس، والوزن عند الولادة، درجة التفكير في النضج، درجة تيقظ الطفل، وكذلك كفاءة أجهزة المحافظة على الحياة. إن الصلاحية الممتدة لهذه الوسائل توفر تفاضلًا ملائمًا بين احتمال الخطر البسيط واحتمال الخطر الكبير في الأطفال حديثي الولادة، ولكن جدواها التنبئية العامة ليست على درجة كبيرة من القوة. ومع ذلك فإن الأطفال الذين يولدون في حالة احتمال خطر كبيرة يكونون أكثر تعرضًا لمواجهة مشاكل تعليمية أكثر من الأطفال الذين ولدوا مع حالة احتمال خطر بسيطة "1986، Pasamanick & Knoblok".
والخطر يتضمن عاملان متميزان: غذاء الأم في فترة الحمل، ووزن الطفل عند الولادة "الوزن المنخفض عند الولادة، وإن كان مرتبطًا بالتبكير في الولادة إلا أنه يمكن أن يحدث أيضًا للأطفال المولودين طبيعيًا. إن غذاء الحامل له أهمية خاصة لأنه يمد الجنين بالمغذيات اللازمة للنمو الجسماني. والأغذية التي تفتقر بدرجة كبيرة إلى البروتين والفيتامينات يمكن أن تحدث إبطاء في النمو أو قد تسبب فعلًا ضررًا غير قابل للإصلاح للجهاز العصبي. ويشك بعض الباحثين مثل: برتش وجوسو Birch & Gussow "1970" في أن الضرر العصبي الناتج عن
(2/81)
نقص الغذاء يعد مسئولًا بدرجة كبيرة عن احتمالات الخطر الكبيرة في الوليد. وليس مما يدعو للدهشة أن النقص الغذائي، والنسبة المرتفعة لوفيات الأطفال، والولادة المبكرة، وانخفاض الوزن عند الولادة إلى غير ذلك تحدث بين الفقراء.
وهناك متغير آخر يؤثر على النمو ويسمى أنوكسيا الوليد neonate anoxia وهي حالة يعجز فيها الوليد عن الحصول على الأكسجين الكافي للإبقاء على الحياة "توقف التنفس حالة يعجز فيها الوليد عن التنفس". وأحسن الآراء الطبية تقول بأن الطفل حديث الولادة يستطيع البقاء بدون اكسجين لمدة 3 دقائق دون حدوث ضرر عصبي، ولكن إذا طالت المدة عن ذلك فإن النتائج قد تكون بالغة الخطورة. وقد حصل ستاكلر Stechler "1964" على تصريح بتسجيل الزمن الذي مضى بين ربط المشيمة Placenta "يؤدي ذلك إلى توقف سريان الدم الحامل للاكسجين إلى الجنين"، وبين ابتداء تنفس الوليد "صرخة الولادة". وقد وافقت عينة مكونة من "26" أما من نساء الطبقة المتوسطة على الاشتراك في الدراسة. ومن هذه العينة فشل "9" من الأطفال "34%"، ويشار إليهم "بأطفال التجربة"، فشلوا في التنفس في خلال الثلاث دقائق المحددة. وقد درس ستاكلر Stechler هؤلاء الأطفال لمدة ثلاث سنوات، مجمعًا لنتائج الاختبارات وعاقدًا مقابلات مع الأمهات، ولم تخبر الوالدات عن حالة أطفالهن. وتتضمن النتائج سمات عديدة ذات أهمية: فبعد أسبوعين فقط من مغادرة المستشفى أدلت أمهات أطفال التجربة ببيانات أكثر سلبية وذكرن من المشاكل ما يزيد على ما ذكرته أمهات المجموعة الضابطة "أمهات الـ 17 طفلًا طبيعيًا الباقين"، وقد زاد اختلاف أنماط نقط الاختبار لحالة الانوكسيا من جلسة اختبار إلى جلسة اختبار أخرى، وكانت معاملات الذكاء في المتوسط للمجموعتين في سن الثالثة متطابقة وأعلى من المعدل. ولسوء الحظ، فإننا لا نعرف ماذا حدث لهؤلاء الأطفال بعد دخولهم المدرسة، ولكن الدلائل المستقاة من أطفال آخرين تدل على احتمال مواجهتهم لمشاكل في التعلم.
تلك هي بعض أسباب النمو غير المنتظم أو البطيء من أن للنقص الغذائي والأنوكسيا آثارًا واضحة على النمو العصبي، كما أن الجنس "ذكر أو أنثى" له ارتباط بالنمو، فالصبيان أكثر ميلا لبطء معدلات النضج ولأنماط النمو غير
(2/82)
المنتظم. وليس مما يدعو للدهشة، أن البنين أيضًا أكثر احتمالًا لمواجهة مشاكل تعلم في المدرسة. ولنتذكر أننا ذكرنا في الفصل السابق أن النقص المرتبط بالجنس لدى الصبية يجعل للزيادة عنه لدى البنات.
ومع أن التفسير البيئي للفروق الجنسية في النضج أكثر تقبلًا، إلا أننا نعتقد أن هذه الفروق محددة وراثيًا. ولاشك في أن من المفهوم أن البيئة المعدلة "المدرسة" قد تساعد البنين على التلاؤم وزيادة الاستعداد للتعلم لقد نصح بعض الإكلينيكيين بأن يبدأ البنون الالتحاق بالمدرسة بعد البنات بسنة.
(2/83)
ما هي أنماط السلوك التي ينظر إليها علماء النفس لتحديد ما إذا كان النمو الجاري، جسمانيًا وحركيًا وعصبيًا، يتم في إطار المعدل الطبيعي؟
من الواضح أن ذلك يتوقف على سن الطفل: فعندما يكون الطفل وليدًا فإن عالم النفس قد يحدد ما إذا كانت الانعكاسات البدائية "الكفية - الإخمصية" تنحسر طبقًا للتوقيت المرتقب تقريبًا. ويمكن أحيانًا تقييم التكامل الحركي بفحص أوضاع النوم. وبعد ذلك بفترة قليلة، يمكن فحص أنماط الزحف أو الحبو وملاحظة السن عند بدء المشي.
وعندما يقترب الطفل من مرحلة السن من 4-7 سنوات، فإن الأنماط السلوكية المتاحة لاستخلاص النتائج منها حول النمو تكون أكثر تنوعًا وأكثر تعقيدًا. وعلماء النفس المهرة يفرزون بمهارة العديد من مظاهر السلوك قبل وضع التشخيص. والأداء في واحد فقط من هذه الواجبات لا يكفي لتشخيص الاختلال الوظيفي.
وقد ابتكر كيفارت Kephart "1963" واجب أو مهمة "المشي على العارضة الخشبية" walk-a-beam task وهو يتكون من لوح خشبي مقاس 2 × 4 بوصة يمتد لمسافة نحو 12-16 قدمًا، ويمكن استخدام جانب البوصتين أو جانب الأربع بوصات تبعًا لمستوى الصعوبة المطلوب. ويطلب من الطفل أن يمشي عبر اللوح، وفي نفس الوقت يثبت بصره على نقطة في الفضاء تقع أمامه مباشرة، ولا يسمح له بأن ينظر إلى أسفل لملاحظة موضع قدميه. ويتطلب الإنجاز الناجح لهذا الواجب تكاملًا بين الوظائف الفضائية والحركية. وفي تنويع أكثر تقدمًا لهذا الواجب، يجب على الطفل أن يمشي فوق العارضة إلى الخلف بينما يظل ينظر إلى الأمام -حتى الكبار يجدون هذا الواجب "المهمة" صعبًا، وإن كان معظمهم ينجحون في تأديته. ومن المكونات الهامة في هذا الواجب نمط الفعل الذي يتضمنه عندما يقع الطفل من فوق العارضة. أن بعض الأطفال يقعون بشكل يمكن أن نسميه "مكومًا". وهناك آخرون يقعون بطريقة تتسم بمزيد من السيطرة والمنهاجية، فمثلًا يدل التحليل الدقيق للصور الفوتوغرافية التي التقطت لعملية الوقوع على أن
(2/84)
هناك تناسقًا متكاملًا بين الذراعين والساقين. وعلى ذلك فحتى نمط الوقوع يمكن أن يقدم معلومات تتعلق بالحالة.
وثمة واجب آخر استخدمه كيفارت Kephart وهو "رسم دائرة". والشكل "21" يبين طفلًا في سن 4-5 سنوات وهو يؤدي هذا الواجب. حيث تعطى له قطعة من الطباشير في كل يد ويطلب منه الوقوف وأنفه ملامس للسبورة وهو ينظر أمامه مباشرة. ثم يطلب منه أن يرسم دوائر بكل يد في وقت واحد.
ويلاحظ أن الطفل قد رسم دائرة لا بأس بها باليد اليمنى ولكن وجد أنه يجد صعوبة كبيرة مع اليد اليسرى. علاوة على ذلك فإن الطفل قد رسم الدائرة اليسرى في مستوى أدنى من مستوى دائرة اليد اليمنى، مما يدل على عدم القدرة على تأدية الواجب بطريقة تناظرية.
ومزيد من التحليل لهذا الواجب يدل على ظاهرة أخرى هامة لهذه الأنماط السلوكية الحسية الحركية المبكرة: فالدائرة التي رسمت باليد اليمنى رسمت بحركة في عكس اتجاه عقرب الساعة، ومثل هذا السلوك يعتبر متقدمًا إلى حد ما بالنسبة لطفل في هذه السن "الواقع أن لهذا الطفل قدرة عقلية فائقة وكان قد تعلم القراءة مبكرًا". أما السبب في أن الأطفال يبدأون برسم الدوائر في اتجاه عقرب الساعة ثم يتحولون للاتجاه الآخر، فغير معروف.
ومن جهة أخرى فإن هذا الوجب يوفر دليلًا على قدرة الطفل على تنسيق نمط حسي حركي مع القدرة البصرية الفضائية "المكانية".
(2/85)
وهناك واجب آخر أكثر تشكيلًا ومعروف أكثر، طورته لوريتا بندر Loretta Bender "1938" وهو يتكون من 10 تصميمات هندسية "انظر شكل "22" لأحد المثيرات، ويطلب من الطفل أن ينقلها، وهنا سنجد أن الأطفال غير الناضجين يجدون صعوبة كبيرة في تأدية هذا الواجب مع أنهم يستطيعون عادة رسم دائرة، وهو إنجاز يدخل في نطاق قدرات معظم أطفال الخامسة، ويجدون صعوبة كبيرة في رسم المربع "وهو مرسوم على شكل معين".
وثمة خطأ شائع وهو رسم المعين في وضع رأسي؛ فيقوم الطفل بإدارته. وأحيانًا يؤدي الطفل ذلك بإدارة بطاقة المثير أو إدارة الورقة؛ والسلوك يذكرنا بحمامات بيل Beale's Pigeons حيث يتم التدريب على إدارة الزوايا المائلة حتى يستطيع الطفل بين تمييزها. وقد ابتكر كوبيتز Koppitz "1964" عملية تسجيل نقط تأخذ في الاعتبار موضوعات مثل الإدارة "تدوير"، وعدم القدرة على تشكيل زواياه، وعدم القدرة على تأدية أنماط سلوكية أخرى تتصل بكل من مواد الإثارة.
وقدمت أيرس Ayres "1972" افتراضًا هامًا يؤكد عمليات المداخل Vestibular Processes، أي العمليات المختصة بالقدرة على اكتشاف الحركة واستخدام الارتباطات بين الوارد الحسي والحركات الجسمية. وقد طور هذا الافتراض بدرجة كبيرة وعززه بالمستندات. ومن بين الاستدلالات التي نتجت عن هذا العمل، ومن افتراضات عصبية أخرى مشابهة تتضمن: المهارات الحركية للأطفال في مرحلة السن من 5-8 سنوات. وبالتحديد فإن للطفل يبدي نمائية مميزة في الخط "الكتابة"، والقدرة على ركوب الدراجة، وبصفة عامة في تآزر حركات الجسم المعقدة وتحويلها إلى أنماط فعل سلسة. ولنأخذ مثلًا آخر في هذا المجال: إذا سألت طفلًا في الرابعة أو الخامسة من عمره أن يقفز على قدم واحدة،
(2/86)
فإنه عادة يجد صعوبة كبيرة في إنجاز ما يعتبر عملًا بسيطًا. وأحيانًا لا يستطيع أداء هذا الواجب بالمرة، وإن كان كثير من الأطفال يستطيعون أداءه بمهارة على كلا القدمين اليمنى واليسرى. وبالنسبة للأطفال الأكبر، فإن هذه المهمة تعتبر بالطبع أسهل كثيرًا، ولكننا نلاحظ الآن عدم تناظر جانبي، أن معظم الأطفال يستطيعون القفز بخفة عظيمة على القدم اليمنى، ولكن بدرجة أقل بكثير على اليسرى. ويحتاج الأمر لمزيد من الوقت لكي يتمكنوا من التكيف مع هذه اللاتناظرية الجديدة، ولكنهم ينجحون في النهاية.
ويجب أن نلاحظ أن الواجبات "المهام" القليلة التي وصفناها تتعلق بالنمو العصبي والعضلي العصبي. وتتوقف صحة تشخيصاتها، جزئيًا على سن الأطفال الذين يجري عليهم الاختبار. مثال ذلك أن اختيار بندر جشطلت لا تكاد تكون له قيمة تشخيصية مع الأطفال في سن العاشرة، ذلك لأنهم جميعًا يستطيعون أداء هذا الواجب، أي لا توجد تنوعية. وبصفة عامة: فإن لهذه الواجبات قيمة قصوى عندما يكون السلوك متوقعًا أن يظهر أولا. وبالنسبة لواجبات "مهام كيفارت" Kephart وواجبات الرسم، والنقل "إعادة الإنتاج" فإن العمر يكون من 5-9 سنوات. وكثير من هذا الواجبات تكون جزءًا مما يعرف بواجبات الاستعداد للقراءة وهي التي تستخدم كثيرًا في المدارس: ونعود ونكرر القول بأنه ما من واجب واحد أو طريقة واحدة تخلو من الخطأ. من ثم فإن الكثير من الواجبات هو الذي يجب أجراؤه.
(2/87)
العوامل المؤثرة في النمو الحركي:
يعد السلوك الحركي حصيلة للعوامل الوراثية والجسمية والبيئية التي تؤثر في الطفل ويمكن حصر العوامل المؤثرة في النمو الحركي للطفل فيما يلي:
1- الحالة الصحية والفسيولوجية:
ويقصد بها التاريخ الصحي للطفل ومقدار الرعاية الصحية المتاحة، والعيوب الجسمية، والإصابة بالأمراض "إن وجدت"، وظروف الولادة، واتزان إفرازات الغدد، ومدى سلامة الأجهزة العصبية والهضمية والدورية.. وما إلى ذلك.
(2/87)
ويوجد ارتباط بين حالة الطفل الجسمية وصحته العامة من ناحية ونموه الحركي من ناحية أخرى: فالأطفال الذين يستمتعون بصحة جيدة يبكرون في نموهم الحركي عن الأطفال الذين في مثل سنهم ولكنهم يعانون من ضعف في الصحة بسب الأمراض وسوء التغذية إلى غير ذلك.. أما الأمراض الخطيرة والعمليات الجراحية وسوء التغذية ونقص الفيتامينات والكالسيوم والفسفور الذي يسبب الكساح فإنه يؤثر على نمو المهارات الحركية: كالقبض على الأشياء والجلوس والوقوف والمشي ... كما يلاحظ أي نقص أو اضطراب في الحواس خاصة حاسة البصر سوف يؤخر النمو الحركي للطفل. فالطفل الكفيف بسبب عدم تعرضه للاستثارة الكافية لخوف الوالدين عليه فإنه يكون خجولًا متهيبًا السلوك الحركي.
2- الذكاء:
توجد علاقة طردية بين الذكاء والنمو الحركي خاصة في السنوات الأولى من حياة الطفل، ومن هنا كانت كثرة البنود العملية في اختبارات الذكاء وخاصة في الاختبارات الخاصة بالسنوات الأولى حتى الخامسة، ولذا كان الموهوبون والمتفوقون في الذكاء أكثر نشاطًا وحركة وتفوقًا في الأداء الحركي والمهارات الحركية، كما وجد أن الأطفال الذين يتأخرون في عمليات النمو المختلفة مثل الجلوس والوقوف والمشي متأخرون أيضًا في عطائهم الذهني.
3- التدريب والتعلم:
يلعب التعلم والتدريب دورًا كبيرًا في النمو الحركي في الطفولة، حيث يساعد على اكتساب الأطفال الدقة والاتزان في أداء المهارات الحركية.. فلا يفيد في اكتساب المهارات الحركية مجرد ملاحظتها أو التعرف على الحركات المطلوبة لأدائها معرفة نظرية، بل لا بد من ممارستها والتدريب عليها حتى يتحقق تعلمها.. فالطفل يحتاج إلى التدريب والتعلم ليتمكن من ركوب الدراجة بنفسه وممارسة عملية الإمساك بها وتوجيهها بالأيدي ودفع العجلات وتحريكها بالأرجل وغير ذلك من الحركات الضرورية قبل أن يتحكم في ركوب الدراجة.
4- النضج:
يقصد بالنضج وجود أنماط سلوكية تحدث نتيجة عملية نمو داخلية لا علاقة
(2/88)
لها بالتدريب أو أي عامل خارجي آخر إذ يرى جيزل Gesell أن الجهاز العصبي ينمو وفقًا لخصائصه الذاتية، ومن ثم تنشأ عنه أنماطًا أولية من السلوك تحددها عوامل الإثارة في العالم الخارجي وليس للخبرة علاقة خاصة بها.
وعلى هذا: فكلما كان الطفل على درجة من النضج احتاج إلى قدر أقل من التدريب للوصول إلى درجة معينة من الفاعلية أو الكفاءة في أداء المهارات الحركية ويلاحظ أن تعليم الطفل المهارات التي تتطلب تآزر العضلات الصغيرة الدقيقة قبل أن تنضج العضلات الكبرى لديه يؤثر عادة على اكتساب المهارة: فتعلم الكتابة يعتمد على نضج وتآزر العضلات الكبرى قبل التفصيلية، لذلك كان تعلم الكتابة قبل السيطرة على العضلات الكبرى قد يفقد الطفل الثقة في نفسه، ويؤثر اكتساب المهارات اللازمة لذلك ومن ثم كان لزامًا أن نهيئ الفرص للطفل للشخبطة والتلوين حتى ينضج لديه التوافق بين وظيفة الإبصار وحركات الأصابع.
5- المثيرات البيئية:
وإذا كان النضج عملية داخلية ترجع إلى التركيب العضوي للطفل إلا أنه متوقع تحت شروط البيئة والعوامل الخارجية، حيث يتوقع من الطفل -إذا توافرت هذه الشروط الخارجية- أن يتبع خطأ معينًا من النمو الحركي، ويصل إلى مستويات معينة خلال هذا النمو.
وعلى هذا: تلعب المثيرات البيئية دورًا فاعلًا في التأثير في السلوك الحركي للأطفال وفي تحديد المستوى الذي يمكن أن يبلغه الطفل في نموه الحركي.. ففي دراسة قامت بها دينيس Denes حول العوامل التي تعجل وتؤخر النمو الحركي عند الأطفال لاحظت أن الأطفال الذين تأخروا في النمو الحركي لم ينالوا الرعاية المناسبة ولم يتعرضوا للمثيرات التي تيسر النمو الحركي، فلم يساعدهم أحد على أداء المهارات الحركية، ولم يزودهم أحد بأية تغذية راجعة هادفة ... أما الأطفال الذين لقوا عناية مناسبة، وكان المشرفون يقدمون لهم العون المناسب في الوقت المناسب قد تمكنوا من إتقان المهارات في وقت أقصر وبصورة أفضل مما جعل "دينيس" ترجع التأخر في تعلم المهارات الحركية إلى عدم توافر الفرص المناسبة لتعلمها، كما دعاها إلى تحذير المربين من الاقتصار على عامل النضج كعامل وحيد في النمو الحركي وشددت على ضرورة الاهتمام
(2/89)
بالعوامل البيئية في عملية تطوير السلوك الحركي للأطفال، وانتهت إلى أن الأطفال الذين لم يتعرضوا لبيئة غنية بالخبرات البصرية وغيرها من المثيرات الحية الممتعة لم يتمكنوا من النهوض والحركة بالمقارنة مع غيرهم من الأطفال الذين توافرت لديهم البيئة المادية المناسبة.
6- المعاملة الوالدية:
كثيرًا ما يفضل الآباء والمربون الأطفال الهادئين الذين لا يقومون بأية حركات تزعجهم وتعكر صفو جلستهم وتعليماتهم، ويلجأ البعض إلى فرض القيود على حركات الأطفال فيحولون بين هؤلاء وبين التعبير الحر عما في داخلهم من نشاط وحيوية، ومما لا شك فيه: أن مثل هذه المواقف من النشاط الحركي للأطفال لا يعود بالخير على الأطفال أنفسهم بل على العكس من ذلك: فقد تؤدي مثل هذه الاتجاهات إلى كبت الأطفال وإحباطهم، ومن ثم إعاقة نموهم وتطورهم الحركي وسيكون لهذه الإعاقة انعكاسات سلبية على فرص النمو في الجوانب الأخرى ولا سيما الجوانب الاجتماعية والعقلية.
ومن ثم: فإنه ينبغي على الأباء توفير عوامل الإثارة والحفز والتشجيع المادي والمعنوي للطفل قبل وفي أثناء وبعد ممارسة ألوان السلوك الحركي المختلفة، بدلًا من كبح السلوك الحركي للطفل.
7- الحالة الانفعالية للطفل:
ومن العوامل الأخرى التي تؤثر على النمو الحركي شخصية الطفل وحالته الانفعالية:
- فحياء الطفل الزائد يقضي على روح الإقدام.
- والطفل المضطرب نفسيًا دائم التردد في القيام بعمليات فيها تجديد ويهاب التجريب عادة.
- أما عدوان الطفل واندفاعه فيؤثر على اكتساب الدقة والرشاقة والاتزان في العمليات التي يقوم بها.
(2/90)
دور الوالدين والمربين في رعاية النمو الحركي:
على الوالدين والمربيين يقع العبء الأكبر في رعاية النشاط الحركي للأطفال في هذه المرحلة النمائية الهامة ولذلك يجب:
- توفير البيئة المادية والنفسية الصالحة التي تساير مستويات نضج الطفل وتحفزه على النمو والتقدم دون عوائق وإحباطات.
- توفير التوجيه والتغذية الراجعة البناءة، وتوضيح أهداف المهارات الحركية التي يرغب الوالدان أن يكتسبها الطفل ويؤديها فيبعثان فيه الرغبة والنشاط.
- توفير قدر مناسب من الحرية في ممارسة المهارات المستهدفة فلا يتدخل الآباء في كل صغيرة وكبيرة، وعندما يخطئ الطفل في أداء بعض المهارات الحركية عليهم إرشاده إلى الأسلوب الصحيح دون سخرية أو عقاب، ومتابعة تقدمه إلى أن يبلغ مستوى الإتقان المنشود.
- أما من حيث مكونات البيئة المادية: فيجدر أن تتوافر للطفل العناصر المادية من أدوات مناسبة وأجهزة تتيح له التفاعل مع البيئة واكتساب المهارات الحركية التي تعين الطفل على التكيف والنمو اجتماعيًا ومعرفيًا فالطفل الذي يحيا في بيئة مادية قاحلة يتخلف في نموه الحركي.
وتطبيقًا لهذه المبادئ في رياض الأطفال:
فإنه نظرًا لأن حاجة الطفل إلى الحركة قوية وماسة في هذه المرحلة العمرية كان من الضروري:
- عند وضع برامج رياض الأطفال مراعاة إشباع حاجة الطفل إلى الحركة عن طريق أوجه النشاط المدرسي الذي يتطلب من الطفل القيام بنشاط حركي.. كذلك يجب مراعاة تبادل فترات طويلة من اللعب والنشاط الحركي مع فترات قصيرة من الأعمال التي تتطلب السكون والهدوء مثل: الاستماع إلى القصص واللعب بالصلصال، وتأمل الصور، والمحادثة، والقص واللصق ... إلخ. حتى يستطيع الطفل توجيه أكبر قدر من طاقته في مسالك نافعة بناءة..
- واستنادًا إلى المبدأ السابق: ينبغي أن تزود رياض الأطفال بالأدوات والأجهزة التي تعطي لهؤلاء الأطفال فرصة للتعبير عن نشاطهم الزائد الذي يساعد على
(2/91)
استعمال أجزاء الجسم المختلفة كما يساعد على اكتساب المهارات ومن أمثلة هذه الأدوات: الأراجيح على اختلاف أنواعها، وأحواض الرمل، وأجهزة التسلق، والأطواق، والكور مختلفة الأحجام، كما ينبغي أيضًا إمداد رياض الأطفال بالأدوات التي تمهد للسيطرة على العضلات التفصيلية "الدقيقة" مثل: الخرز كبير الحجم، والصلصال، وأدوات الرسم المختلفة، والسبورة والطباشير..إلخ.
- ولما كان اكتساب المهارات الحركية يتم عن طريق التعلم؛ لذلك كان للتمرين والتدريب أهمية كبرى، ويجب توجيه التدريب حتى يكون له تأثيره الفعال صحيح أن الطفل قد يستطيع اكتساب بعض المهارات الحركية عن طريق المحاولة والخطأ إلا أن هذه الطريقة فيها إهدار لنشاطه أو ضياع للوقت، كما أن الطفل لا يحصل على نتائج مرضية. لذلك: كان التدريب الموجه يشعره بالثقة والرغبة في استمرار وتعلم المهارات الحركية واكتساب سلوك حركي سوي.. فعلى مربية الروضة: توقيت التدريب فيتناسب مع درجة النمو التي وصل إليها الطفل حتى يحصل على تقدم واضح في قدرته الحركية.. كما أن عليها أن تزود الطفل بالمعايير التي تساعده على معرفة مدى التقدم الذي يحرزه في تعلم المهارة الحركية المستهدفة حتى تسهم في تحقيق تعلم فعال، وحتى يعرف الطفل مستوى الأداء الذي يتوقع أن يصل إليه من خلال التغذية الراجعة الداخلية التي تساعد على التقدم والوصول إلى مستوى الأداء المنشود.
- وبجانب إمداد الأطفال بالأدوات اللازمة للتمرين، وتوجيههم أثناء التدريب والتمرين ومعاونتهم على مواجهة الصعاب التي قد تظهر أثناء التدريب: ينبغي أن يحصل الأطفال على التشجيع من المربين إذ أن التشجيع عامل هام بالنسبة لهؤلاء الأطفال الذين يشعرون دائمًا بالإجهاد في محاولتهم لاكتساب السيطرة الدقيقة على حركاتهم.
- كما يجب أن تكثر رياض الأطفال من حصص الألعاب الإيقاعية إذ أنها تزيد من درجة التوافق الحسي، الحركي عند الطفل، فضلًا عن اكتسابه رشاقة وخفة في الحركة، وأن طفل الروضة ليجد متعة كبرى في أي نشاط يجمع بين تأديه الألحان الموسيقية والحركات الإيقاعية.
(2/92)
خلاصة:
إن ظاهرة الأنماط النمائية تبدو واضحة منذ بداية الحمل تقريبًا وتشكل التكوينات وتصبح متداخلة في أجهزة وظيفية. ولكل جهاز توقيتاته الخاصة، ولكن عند الشهر السابع تصبح هذه الأجهزة على درجة من النمو تكفي للإبقاء على الحياة خارج الرحم، وعلى الأقل بمساعدة بعض المعاونات الصناعية. ومن أهم سمات فترة ما قبل الميلاد السرعة التي يحدث بها النمو.
ويستمر النمو سريعًا جدًا بعد الولادة، وخاصة حينما يختص بالطول والوزن وأنماط السلوك الفطري، مثل الانعكاسات الكفية والإخمصية، والقبض بالسبابة والإبهام، والتتابعات النمائية التي تؤدي إلى المشي، تكون قد ظهرت. وتدل الدراسات الأبحاث التي استخدمت التوائم المتطابقة على أن التدريب لا يعمل على تسارع التغيرات في أنماط السلوك الفطري، وهذه الدراسات لا تعني أنه ليس للبيئة أثر، أو أن أثرها ضئيل، على النمو. وثمة دراسات أخرى استخدمت معالجة الحرمان من الآثارة، دللت على أن النمو الطبيعي يحتاج لإثارة بيئية.
ومن أهم مظاهر النمو التي نوقشت في هذا الفصل، النمطية القانونية للنمو الإنساني. وقد أوضحنا ذلك بمعيار ظاهرة "اللحاق" التي تلاحظ في النمو الجسمي، وبمعيار تشابك الأنماط الحركية. وظاهرة اللحاق تتضمن تسارعًا في النمو يتبع فترة من التباطؤ في النمو ناجمة عن مرض. وبمجرد أن يبلغ الطفل طوله ووزنه الطبيعي، ويعود معدل النمو إلى طبيعته.
إن تشابك الأنماط الحركية يبدو واضحًا من فقدان ظاهر لمهارة جسمية، بينما يجري اكتساب مهارات أخرى أكثر أهمية. وهذا النمط من التأخر الكبير الذي تتبعه مهارة فائقة ينتج عن تكامل مهارات جديدة مع المهارات التي تأصلت. إن تشابك الأنماط السلوكية الجديدة والقديمة ظاهرة ذات جوانب نمو متعددة. وقد تكون الحالة هي حالة أن مكونات النمو الجسمية والحركية والإدراكية والمعرفية مرتبطة تمامًا بعضها ببعض.
(2/93)
( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
علم نفس النمو
الفصل الثالث: نمو الإدراك الحسي
الإدراك الحسي فطري أم متعلم
...
الفصل الثلث: نمو الإدراك الحسي
الإدراك الحسي فطري أم متعلم:
نبدأ بحث موضوع الإدراك الحسي بقضية سادت الكثير من مناقشات الإدراك ونموه هي: ما إذا كانت العمليات الإدراكية سابقة التحديد فطريًا، أم إنها متعلمة طبقًا لمبادئ سلوكية المثير الاستجابة "S/ R"؟
حتى عهد قريب كان ثمة نموذجان نظريان لنمو السلوك الحسي/ الحركي والإدراك الحسي:
الأول: هو ما يمكن أن نسميه استعداد النمو Growth- readiness model الذي اقترن في الماضي بأسماء علماء نفس أمثال ستانلي هول "1921" وأرنولد جيزل "1928" وغيرهما ويقرر -باختصار- أن أنماط نمو منظمة معينة لا بد وأن تظهر قبل أن يستطيع التعليم الإسهام بفاعلية في الارتقاء، وأكبر دليل لهذه النظرية يأتي أساسًا من دراسات نمو الوظائف الجسمية والحركية في الأطفال الصغار، كما أن نتائج الدراسات تفسر بأن التدريب على أداء حركي ما ينبغي له أن ينتظر إلى أن يصبح الصغير مستعدًا بحكم النضج Maturationally ready قبل أن يشرع في نظام التدريب المؤدي إلى البراعة المنشودة. "كمال دسوقي، 1979، 417".
ويطلق على هذا النموذج الخلقية أو الاستعداد الفطري الكامن، ويركز على أن الطفل محرك نشط للبيئة.
والثاني: هو النموذج المؤيد للتعلم ويشار إليه بالتجريبية، وهو عادة يفترض أن الطفل يتلقى الإثارة الخارجية بسلبية، وتحكمه الأحداث البيئية، ومن ثم: فإن الإدراك الحسي متعلم وفقًا لمبادئ التعلم، ومن ثم تحولت الدفة إلى دراسة تعلم الوليد والطفل في السنة الأولى من العمر الحركات وتعلم الكلام والإحساس والإدراك، ومن ثم: كثرت الاتجاهات النظرية التي تصف الإدراك الحسي والنمو العقلي الإنساني كنظرية التعلم التراكمية Cumulative learning model؛ فالادراكات المركبة تتكون من ارتباطات المبادئ الأبسط التي تكونت بدورها من اقترانات المفاهيم
(2/97)
الكلية Concepts التي تتطلب هي أيضًا سبق تعلم التميزات، وهي بدورها تكتسب على أساس سلاسل واقترانات سبق تعلمها، وبتبسيط أكثر: فإن أحد أطوار النمو الإدراكي يتوقف على ما يعرفه الطفل من قبل، وكم لا يزال يجب عليه أن يتعلم لكي يتحقق هدفًا خاصًا، وليست أطوار النمو مرتبطة بالسن إلا بمعنى كون التعلم يستغرق وقتًا، وهي ليست مقترنة بالتراكيب المنطقية إلا من حيث أن ربط إمكانات سابقة في قابليات جديدة يحمل في باطنه منطقه الفطري الخاص "كمال دسوقي: 1979، 419-420".
وموقفنا هو أن المبادئ العامة للنمو تميل نحو وجهة النظر الخلقية لأن النمو غير توجيهي ويميل للحدوث في تتابع ثابت نسبيًا، ومن جهة أخرى فإننا لا ننكر أن الأحداث البيئية تعتبر حاسمة، ونحن نوافق على الإدعاء بأن كثيرًا من مظاهر السلوك الإنساني هي نتيجة للتعلم.. والواقع أن هذا الوضع يعيد التمييز الذي رأته ماكجرو Mc-Graw بين الأنشطة الفطرية والأنشطة المكتسبة، حيث أوضحت ببراعة أن الأحداث الخارجية ليست ذات أهمية نسبيًا في الأنشطة الفطرية ولكنها مهمة جدًا في الأنشطة المكتسبة.. ورأينا بصفة عامة هو أن الطفل أو التركيب العضوي محرك نشط للأحداث البيئية، ويبدي أنماطًا نمائية في تحريكه لتلك الأحداث. وقد ذكر هوريتز Horowitz "1975 ص2" هذا الموضوع بوضوح:
"لا تكاد توجد اختبارات حاسمة لأحد الموقفين تجاه الآخر.. إنه لمن المعقول جدًا أن ننظر إلى الطفل حديث الولادة كمحرك نشط للبيئة مع تتابع نمائي خاص بالجنس يكمن في ظهور استراتيجيات إجرائية معينة، وفي نفس الوقت ننظر إلى إدراك الطفل في ضوء نوع التحكم في المثيرات البيئية الذي يتمثل في النماذج التقليدية للارتباط.. ومن المحتمل أن يصبح دون الارتباط الشرطي متزايدًا في التعقيد مع تقدم النمو.. والواقع أن بنك المعطيات الخاصة بنمو الأطفال حديثي الولادة قد يصبح قريبًا كافيًا لتكامل جدي بين طريقتي المعالجة مما قد يعود بنا إلى التعقل عند نظرتنا إلى نمو الطفل".
(2/98)
أن بعض الباحثين قد يختلفون مع نتائج هوريتز Horowitz من أنه يمكن تحقيق التكامل بين الوضعين. ومهما يكن من أمره، فإن الطرق المميزة لكل معالجة قد أمدتنا بمعلومات أساسية حول القدرات الحسية والعمليات الإدراكية للطفل حديث الولادة. إن تفهم العمل الذي أنجز حول القدرات الحسية للأطفال حديثي الولادة يحتاج لشيء من المعرفة بالعمليات الأساسية للارتباط التقليدي والفعال. ونحن نفترض أن معظم القراء قد تعرضوا لهذه المبادئ الأساسية في دراستهم التمهيدية لعلم النفس، ولذلك فإن الشرح التالي سوف يكون مختصرًا جدًا ويمكن أن يصلح كتذكرة بالنظريات الأساسية. أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فيجدر بالقارئ أن يرجع إلى كتاب مدخلى للمادة موضوع البحث.
(2/99)
المبادئ الأساسية للارتباط الشرطي والإدراك
مدخل
...
المبادئ الأساسية للارتباط الشرطي والإدراك:
من البيانات المتناهية في البساطة لموقف عالم النفس السلوكي هو أن التغير السلوكي، "التعلم"، ينتج من اشتراك مثير "S" واستجابة "R". والمثير هو تغير في سمة داخلية أو خارجية من سمات التركيب العضوي تعمل على تنشيط مستقبل وكإثارة للاستجابة. والاستجابة هي تغير في السلوك نتيجة للإثارة. والإثارة التي تحدث قبل الاستجابة تعمل ليس فقط كمنشط ولكن لها أيضًا خواص انتباهية وانتقائية وإعلامية. والاستجابات هي الأخرى تولد المثيرات، وهذه المثيرات لها وظائف للثواب والعقاب، فهي تعمل أما على تقوية أو إضعاف الاستجابة السابقة.
والمثيرات التي تلي استجابة ويزداد تكرارها تسمى المعززات "المدعمات". والخواص الدقيقة للمثير المعزز "المدعم" موضوع لبعض الجدل. مثال ذلك: فقد رأى ثورنديك Thorndik "1933" أن هذا المثير يعتبر ثوابًا، وعرفه بأنه حالة رضاء عن الحال وإنها عندئذ تعمل على "تثبيت" اشتراك أو ارتباط المثير والاستجابة". وطبقًا للنموذج الإدراكي لـ"هل وسبنس Hull & Spence فإن المظهر الحاسم للمثير المعزز "المدعم" وهي خواصه الدافعة المخفضة drivereducing، أي المثير النهائي في التتابع، والذي أسمياه بالمعزز "المدعم" reinforcer، ويجب أن يكون قادرًا على تخفيض دافع معين "الطعام للجوع، الماء
(2/99)
للعطش". والتعريف الأكثر انتشارًا للمعزز هو الذي استخدمه سكينر Skinner، الذي يذكر أن المثير المعزز هو الذي يتفق حدوثه مع استجابة، ويعمل على تقوية هذه الاستجابة. والصعوبة فيما يختص بكل هذه التعاريف لا تهمنا كثيرًا في المناقشة الحالية. ويكفي أن نقول إنه في التصورات الأخرى لتغير السلوك -وخاصة التي لها طابع النمو- ليس من الواضح تمامًا أن التعزيز شرط واجب، ولو أن نوعًا ما من المثيرات المعززة يبدو ضروريًا للشرطية "للتكيف".
(2/100)
الارتباط الشرطي التقليدي "الكلاسيكي":
يوضح الشكل "23" المبادئ الأساسية للارتباط الشرطي التقليدي Classical Conditioning، وهو يبين التجربة التي حازت شهرة واسعة حاليًا والتي قام بها بافلوف Pavalov على كلب. كان مسحوق الطعام هو المثير الذي يولد استجابة إفراز اللعاب عند تقديمه، وبدون أي محاولات سابقة لإيجاد مشاركة مثير/ استجابة "S/ R". ومسحوق الطعام يسمى بالمثير غير الشرطي "UCS". والاستجابة المتولدة من هذا المثير -إفراز اللعاب- تسمى بالاستجابة غير الشرطية "UCR". والمكون الحاسم للارتباط الشرطي التقليدي يتضمن تقديم مثير، كصوت Tone مثلًا، يسمى المثير الشرطي "CS". والمثير غير الشرطي وكذلك المثير الشرطي يعرضان متلائمين "أي متقاربين جدًا في الوقت"؛ والفترة اللازمة لأقصى معدل للارتباط الشرطي هي حوالي 1-2 ثانية. واستمرار الجمع بين المثير غير الشرطي والمثير الشرطي يؤدي في النهاية إلى الاستجابة "إفراز اللعاب" في غياب المثير غير الشرطي، أي أن إفراز اللعاب يحدث الآن عند تقديم الصوت وحده وهنا يسمى إفراز اللعاب بالاستجابة الشرطية "CR". وقد تسأل أين يوجد المثير المعزز في هذا النوع من الارتباط. الواقع إنه في مرحلة تعلم الارتباط التقليدي فإن المثير المعزز هو المثير غير الشرطي "مسحوق الطعام". والمثير المعزز في حالة الارتباط التقليدي يكون دائمًا موجودًا في أثناء التعلم ولا يحتاج المتعلم لأداء أي فعل لكي يحدث.
(2/100)
ومن أهم سمات الارتباط الشرطي أن المثير غير الشرطي يولد استجابة انعكاسية. وبالنسبة لكلب بافلوف كانت الاستجابة الانعكاسية هي إفراز للعاب، لم تكن هناك حاجة لتعليم الكلب أن يفرز اللعاب عند تقديم مسحوق الطعام. وبدون استجابة انعكاسية، لا يمكن حدوث الارتباط التقليدي. وهناك عدد من الاستجابات الانعكاسية في الأطفال حديثي الولادة تجعل من الممكن عرض الارتباط التقليدي وبالتالي بعض قدرات الطفل الحسية. ويجب أن نلاحظ أن تكوين استجابات مشروطة تقليدية أمر بالغ الصعوبة، حتى مع الحيوانات. وهناك عدد من المتغيرات البيئية "مثل الضوضاء الخارجية" وحالات متغيرة للتركيب العضوي "مثل التعب أو حالة من الإشباع العام" تعمل على صرف الانتباه، وهو ما يعوق العملية.
(2/101)
الارتباط الشرطي الإجرائي:
في حالة الارتباط الإجرائي instrumental conditioning، يجب أن يؤدي المفحوص استجابة ملائمة لكي يتم الحصول على المثير المعزز. وبعبارة أخرى فإن الثواب أو التعزيز يتفق ونوع ما من فعل سلوكي إرادي. ولذلك فعندما يريد القائم بالتجربة أن يؤدي فأر انعطافًا إلى اليمين في متاهة حرف T، عليه أن يثيب الفأر "يكافئه" على الانعطاف إلى اليمين ولكنه لا يثيبه على الانعطاف إلى اليسار. وبالنسبة للأطفال، فإن عدد كبير من مواقف الارتباطات الفعالة "الاجرائية" قد استخدمت. فعلى سبيل المثال، قد نرغب في جعل الطفل يتعلم الضغط على زرار مثلث الشكل بدلا من زرار مربع الشكل، فإن كل حركات الضغط على الزرار
(2/101)
المثلث الشكل تؤدي إلى مثير معزز "تستخدم الحلوى كثيرًا في هذه التجربة"، ولكن الطفل لا يحصل على أي تعزيز إذا ضغط على الزرار المربع الشكل. ومن ثم فإن الطفل يتعلم الارتباط الموجود بين المثير، "الزرار المثلث الشكل"، والاستجابة "بالضغط على هذا الزرار". وبالطبع فإن مبادئ الارتباط الفعال ليست بالسهولة التي وصفناها هنا. لقد توسعت نظريات عديدة في صدد المبادئ الأساسية، وهي الآن تضم عددًا من المتغيرات التي تؤثر على سرعة "معدل" التعلم.
وكثيرًا ما تجري معادلة الارتباط الفعال مع الارتباط الإجرائي Operant conditioning، وهو اصطلاح يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمؤلفات سكينر Skinner. ومن طرق الارتباط الفعال في دراسة القدرة الحسية للأطفال حديثي الولادة، استخدام التجارب التمييزية. وسوف نتوسع في الفصل الرابع والخامس في نموذج الارتباط الفعال ليشمل التعلم الإدراكي على مستوى أعلى، ونستكشف كيف يرتبط هذا النموذج الأساسي للتعلم بنمو اللغة والنمو الانفعالي.
(2/102)
الاهتمام الإدراكي
مدخل
...
الاهتمام الإدراكي:
Perceptual attending:
سوف نطلق اصطلاح "طريقة الاهتمام الإدراكي" على معالجة أخرى عامة استخدمت على نطاق واسع لدراسة القدرات الحسية للأطفال الصغار. وتتبع هذه الطريقة من الوضع الخلقي بأن للتركيب العضوي ميل فطري للفحص، أو يهتم بالمثيرات الفريدة في البيئة. وتقاس القدرة الحسية بتحديد ما إذا كان الطفل حديث الولادة يستطيع أن يكتشف التغيرات في خواص المثير عن طريق "الاهتمام" بمثير آخر أدخل عليه تعديل طفيف. وقد استخدمت هذه الطريقة لدراسة الإرهاف الحسي Sensory acuity كما كانت هي الطريقة المفضلة لدراسة خواص المثيرات التي يستجيب لها الأطفال. وعلى ذلك فإن آثار هذه الطريقة تتعدى التوصل لمعلومات حول الإرهاف الحسي. وبالنسبة لأهميتها فسوف نتفحص أهم خواص الاهتمام الإدراكي وبعض السمات الأساسية للطرق التي تستخدمه.
- الانعكاس التوجيهي:
الانعكاس التوجيهي The orienting reflex هو استجابة غير متعلمة، يقوم فيها الطفل الصغير بتركيز كل انتباهه على المثير "Pavlov, 1927". فإذا استطاع أن يميز مثيرًا "بصريًا أو سمعيًا أو تذوقيًّا أو ما شابه". وإذا كان في حالة تسمح
(2/102)
بحدوث مزودات المثير Stimulus input، وأخيرًا إذا كانت خواص المثير جبرية، فإن الطفل في هذه الحالة سوف يبدي أنماطًا سلوكية تشمل الانعكاس التوجيهي.
وليس ما يدعو للدهشة أن كثير من المؤشرات السلوكية على الانعكاس تتحدد باستجابات جسمية لا إرادية. ومن بين هذه الاستجابات التي درست دراسة وافية معدل نبضات القلب. فمثلًا، عندما يكون الشخص في حالة توجيه، فإن نبضات قلبه تبطئ "Steinschneider, 1967". وبالعكس، فإن عرض بعض المثيرات، وخاصة المثيرات الشديدة، يحدث تسارع في نبضات القلب، ومن المظاهر الجسمية الأخرى للانعكاس التوجيهي الانخفاض العام في النشاط الحركي، واتساع العين، وتغيرات في الاستجابة الجلفانية للبشرة Skin galvanic response "التوصيل الكهربي للجلد". وثمة مؤشر آخر على الانعكاس التوجيهي هو تقليل لا إرادي ملحوظ في سلوك المص عند تواجد مثير.
ومع أن جدلًا أثير حول ما إذا كان المص يعتبر انعكاسًا حقيقيًا أو هو سلوك متعلم، فإن أغلب الأطفال حديثي الولادة يؤدون ما يبدو أنه سلوك مص انعكاسي.
(2/103)
وبعد تحديد معدل قاعدي للمص "المعدلات الفردية للمص باستخدام مهدئ خاص سيأتي وصفه"، ونستطيع أن نحدد ما إذا كان معدل المص يقل عند تقديم المثير. فإذا انخفض معدل المص، فإنه يفترض حدوث سلوك اهتمامي. ولتحديد أن المثير قد سبب الانخفاض في معدل المص، فإننا نزيل المثير ونراقب ما إذا كان معدل المص يعود إلى الطبيعي. وهناك طريقة أخرى وهي تقديم المثير لمدة طويلة ونرى، ما إذا كانت استجابة المص تعود إلى الطبيعي.
والانعكاس التوجيهي يشبه السلوك الذي يشار إليه أيضًا باسم "السلوك اليقظ" وفيه يجري قياس مدة فحص المثير. ولعل أبسط ما يميز بين المصطلحين هو أن الانعكاس التوجيهي يمثل أساسًا المظاهر الجسمية للتيقظ "الانتباه"، وفي حين أن السلوك الاهتمامي يمثل أساسًا مظاهر نفسية.
(2/104)
التعود:
Habituation:
إذا كان الأطفال الصغار يهتمون باستمرار بكل المثيرات الجديدة أو شبه الجديدة في بيئتهم، فإنهم لا يستطيعون الأداء الوظيفي لأن سلوكهم يظل منصبًا على التوجيه نحو أي مثير موجود في البيئة. وهذا لا يحدث؛ مع التعرض المتكرر لمثير معين نجد أن أطفال التجربة يقل اهتمامهم واتجاههم شيئًا فشيئًا نحو هذا المثير. وتعرف هذه العملية باسم التعود. وكما يستخدم هذا المصطلح هنا، فإننا لن ننظر إلى التعود كموضوع تكيف أثاري، يتوقف فيه الطفل عن الاهتمام بالمثير بسبب الملل أو التعب. والتعود يعني أن الطفل قد كون مفهومًا أو تصورًا لموضوع الإثارة المعين لقد أصبح مألوفًا لديه "Soklov, 1963".
ولتعود الانعكاس التوجيهي سمات نمائية: ففي مرحلة الطفولة المبكرة، تحدث الانعكاسات التوجيهية أكثر وتستمر مدة أطول قبل أن يثبت التعود، ذلك لأن الكثير جدًا من ملامح البيئة جديد على الطفل. ومع نضج الطفل، فإن تكوينات المثيرات الأكثر شيوعًا في عالم الطفل تصبح راسخة. ومع النضج، تحدث الاستجابات التوجيهية بمعدل أقل ويصبح التعود على مثيرات واسعة أكثر سرعة. وعلى ذلك فمن خلال السلوك التوجيهي يتعلم الطفل عن البيئة بتفحصها وتكوين
(2/104)
التصورات عنها. ويبدو أن عملية تحديد الأبعاد الهامة للعالم هي مسألة تعلم لأن الأطفال يجري تعزيزهم تفاضليًا عندما يستجيبون للمثيرات الملائمة أكثر من المثيرات غير الملائمة لأبعاد المثير.
وقد قدم ويندل جفري Wendell Jeffery "1968" مفهومًا أكثر تفصيلًا للتعود كما يحدث في النمو الإدراكي والمعرفي، وأسماه "افتراض التعود المسلسل" Serial habituation thesis وهو يرى أن التعود جوهري للنمو التكويني المستمر وحل المشاكل الناتجة عنه. إن الطفل عندما يتعود على أكثر الإشارات جاذبية، فإنه بعد ذلك يبدي انعكاسات توجيهية نحو إشارات أقل ظهورًا. ومع تكرار المثير، يتكون لدى الطفل متوالية مستمرة ومنتظمة من الاستجابات الاهتمامية للمثير. وأخيرًا، فإن هذا التتابع السلوكي يتوقف، ويهتم الطفل فقط بأكثر السمات ظهورًا. ويقول جفري Jeffery "1968، ص325" "إن تكامل نمط من الاستجابات الاهتمامية، وتوقف استمرار هذا النمط مع استجابات أو أنماط اهتمامية أخرى هما اللذان يحددان تصور شيء أو ما سوف نسميه بصفة عامة "الموجز الشكلي Schema"، وعلى ذلك فإن اكتساب المعرفة بالعالم يتضمن تتابعًا من الاهتمام والتعود وتطوير الاحتمالات حول أي سمات المثير أكثر احتمالًا للمساعدة في تحديد الشيء.
(2/105)
طرق دراسة الانعكاس التوجيهي والتعود:
هناك طريقتان أساسيتان لدراسة الانعكاس التوجيهي والتعود:
الأولى: يعرض مثير واحد، ويسجل زمن التثبيت على محاولات متتابعة.
الثانية: يعرض مثيرين، ويسجل زمن التثبيت لكل مثير، وتجري المقارنات بعد ذلك.
وثمة تنويع في هاتين الطريقتين يتضمن عرض مثير واحد "مثل صوت" يتوقف أو يتكرر إلى أن يحدث التعود "حيث يكف المفحوص عن إظهار استجابة توجيهية". وهنا يعرض مثير ثانٍ يختلف في شدته أو نغمته أو في سمة أخرى من سماته، فإذا تمكن الطفل من اكتشاف التغير، فإنه يعود لإظهار الاستجابة الاهتمامية.
(2/105)
القدرة الحسية المبكرة
القدرة البصرية
...
القدرة الحسية المبكرة:
إن الطرق التي وصفناها تفيد في دراسة الطاقة الحسية، لأنه من الواضح أن الأطفال الصغار لا يستطيعون تقديم استجابات لفظية ذات معنى عن خبراتهم الحسية. ولذلك فإن استنتاجاتنا حول المقدرة الحسية تستند إلى الاستدلالات المأخوذة من تجارب مصممة بعناية ومن النوع الذي وصفناه.
1- القدرة البصرية
Visual Capability:
تدل عدة دراسات نشرت منذ بضع سنوات واستخدمت فيها وسائل فنية بدائية نسبيًا، تدل على أن الوليد حساس لبعض أنواع الإثارة البصرية. وقد استخدم في هذه الدراسات مصباح كهربي لعرض مثير ضوئي على الأطفال حديثي الولادة. وقد استجاب أربعة وعشرون طفلًا لهذا المثير -استجابة للضوء بإنسان العين أو بالطرف- في نحو 95% في الوقت. وكما كان متوقعًا فإن استجابة الوليد للضوء مؤكدة الحدوث، وبقوة أشد، إذا كان الضوء قويًا. ولسوء الحظ فليس لدينا برهان محقق يصف بدقة حدة البصر لدى الوليد أكثر من انعكاسات إنسان العين استجابة للإثارة الضوئية. غير أن بعض الأبحاث تساعدنا على وضع تقديرات معقولة لحدة البصر لدى صغار الأطفال وهي حوالي 10/ 30 في نمو الشهر 21، وهي تبين تحسنًا ظاهرًا في حوالي الشهر 40-45 في الوقت الذي ذكرت فيه تقديرات سنلين Snellen ratings أنها 10/ 10.
ومعظم الأبحاث حول القدرة البصرية للأطفال دون سن 12 شهرًا قد تضمنت التمييز في الشكل واللون. أن التمييز البصري لدى الأطفال الصغار يمكن تحديده. وإن كان ذلك صعبًا، بالمقارنة بالأطفال الأكبر سنًا. والشكل "25" يبين الترتيبات المادية لتجربة تمييز الألوان التي أجراها ليبست Lipsitt "1963". فقد كان أطفال التجربة من سن 8 شهور، وكان المثير المعزز لدفع اللوح الصحيح هو صوت جرس. كان التعزيز لنصف عدد الأطفال يهدف لاختيار المثير الأحمر، والنصف الآخر لاختيار المثير الأخضر. لاحظ في الشكل أن الطفل أمامه ثلاثة ألواح للاختيار منها ولو أن التمييز كان ينصب على لونين فقط. هذا والبحث مع
(2/106)
والألوان تبدو في نوافذ الألواح. والضغط على اللوح الصحيح يولد صوت جرس.
الأطفال الصغار يتطلب ترتيبات خاصة ليتجنب قيامهم بأفعال قد تحدث لبسًا في نتائج التجربة. فمثلًا، إذا استخدمنا لوحين فقط، فإن الأطفال عادة يضغطون على اللوحين في وقت واحد وبذلك يضمنون معززًا. أما استخدام ثلاثة ألواح فإن الضغط على اللوح الأوسط لا يؤدي أبدًا إلى إيجاد معزز. علاوة على ذلك فإنه إذا حصل الضغط على لوحين في وقت واحد. فإنه لا يتولد المعزز. والشكل "26" يبين نتائج الدراسة وهي تدل على الأطفال الصغار يستطيعون التمييز بين الأحمر والأخضر، ويستطيعون أيضًا تعلم الربط بين المثير واستجابة معينة. ونتائج تجربة الألوان. وتجارب مشابهة على الشكل تبين أن الجهاز البصري للأطفال دون سن 12 شهرًا نام بدرجة كافية تسمح بتمييز الألوان والأشكال تمييزًا مناسبًا. وهذه المعطيات بالمصادفة تدل أيضًا على أن الأطفال في تلك السن قادرون على درجة أولية من التعلم الارتباطي. ومن المهم أن نلاحظ أن أبعاد اللون والشكل يجري تعلمها بسهولة أكثر من الأبعاد الأخرى مثل الحجم أو العدد، أن ما يفضله الأطفال من
(2/107)
المثيرات يرتبط مع عمرهم الزمني. والأطفال ينتقلون من تفضيل الشكل إلى تفضيل اللون فيما بين الثالثة والرابعة من العمر ثم يعودون إلى تفصيل الشكل. والقليل نسبيًا من الدراسات هي التي فحصت موضوع تفضيل الحجم والعدد. وثمة أدلة اكتشفها سميلي Smiley "1972" تدل على أن الأطفال الأكبر سنًا وطلبة الكليات يفضلون الشكل. ويقترح جفري Jeffrey في كتابه السابق الإشارة إليه أن عمليات التفضيل تتكون كدالة على فائدتها في تمييز الأشياء.
والثاني يستقبل تعزيزيًا للاستجابة لأي من اللونين الأخضر أو الأحمر تبعًا لكونه اللون الغريب الموجود.
وإذا عدنا إلى مسألة التمييز بين الألوان، لنا أن نسأل متى يحدث هذا التمييز. أن تجربة ليبست Lepsitt تدل على أن الأطفال الصغار يمكنهم التمييز بين الألوان في سن 8 شهور، ولكن أدلة أخرى تفيد أنهم يستطيعون ذلك قبل ذلك السن "Haith & Campos, 1977". وفي تجربة أجراها شاس Chase "1937" استطاع أطفال فيما بين 15 و70 يومًا أن يميزوا، دون خطأ، الازدواج التالية من الألوان الأحمر/ الأخضر، الأحمر/ الأصفر، الأصفر/ الأخضر، والأحمر/ الأخضر المزرق، والأخضر المصفر/ والأخضر المزرق. وقد راعى صاحب التجربة، أن يكون التمييز لا كنتيجة لفروق اللمعان ولكن للون المثير.
(2/108)
ولذلك يبدو أن الأطفال حديثي الولادة لديهم على الأقل حدة بصر بدائية ويستطيعون تمييز الألوان. والدليل يشير إلى أن حدة البصر تتحسن بسرعة لدرجة أن الأطفال حديثي الولادة يستطيعون أداء عدد من الأنشطة البصرية المتقدمة، بما في ذلك التثبيت البصري، سلوك المتابعة، تمييز الألوان وتمييز الأشكال. كما أنه من الواضح أن هذه الاستجابات ليست ملائمة تمامًا في مبدأ الأمر ولكنها تتحسن بسرعة لدرجة أنه في سن من 2-4 أسابيع تصبح الآليات البصرية، بما في ذلك حدة البصر، كافية لكي يدرك الطفل بدقة المثير في البيئة.
(2/109)
2- القدرة السمعية:
Auditory Capability:
لقد كان صن ونلسون وبرات Sun, Nelson, Pratt "1930" من أوائل الباحثين الذين درسوا المقدرة السمعية لدى الأطفال حديثي الولادة. وقد كانت خطة أبحاثهم شبيهة بتلك التي استخدمت في دراسة الإبصار. فقد استخدموا المثيرات السمعية مختلفة الأنواع وسجلوا حركات الأطفال تبعًا لها. وقد أدت ملاحظاتهم إلى استنتاج أن حدة السمع في الأطفال حديثي الولادة غير متطورة نسبيًا، مع أن وصفهم لم يوضح ما إذا كان ذلك نتيجة لوجود مخاط في القناة السمعية من عدمه. ومهما يكن من أمر، فإن معطياتهم تدل على أنه في خلال 48 ساعة أدى الأطفال أنماط حركية واضحة استجابة لمثيرات سمعية. وقد لاحظ باحثون آخرون أن المثيرات المستخدمة في هذه الدراسات لم تكن معيارية من حيث الشدة أو التردد أو النوع، ولذلك فإنه من الصعب الوصول إلى استنتاجات محددة حول أي الظواهر الصوتية هي المسئولة عن حركة الجسم.
وقد استخدم سيكوبلاند وليبست Siqueland & Lipist "1966" طرقًا شرطية للتعرف على التمييز السمعي لدى الأطفال الصغار. فاستخدموا مجموعتين من 8 أطفال، تتراوح أعمارهم من 48-116 ساعة. وفي المجموعة الأولى كان المثير الإيجابي نغمة، في حين أن المثير للمجموعة الثانية كان صوت جرس زنان وقد قرنت هذه المثيرات بإثارة لمسية تولد التفاته عكسية للرأس في اتجاه المثير. والشكل "27" يوضح الجهاز الذي سمح بقياسات دقيقة لمقدار حركة الراس. وتدل
(2/109)
النتائج الموضحة في شكل "28" على أن التمييز السمعي، وبالتالي حدة السمع، يمكن إظهارها في الأيام القليلة الأولى من العمر.
إن التفات الرأس المشروط كدلالة على التمييز السمعي جرى توضيحه أيضًا في سلسلة من الدراسات قام بها Papausek "1967" كان المثير الشرطي جرسًا قدم لمدة 10 ثوان، وكانت كل التفاته من الرأس جهة اليسار بمقدار لا يقل عن 30 درجة في خلال 10 ثوانٍ من تقديم الجرس، كانت معززة. وبعد أن تم اكتساب التفاته الرأس إلى اليسار استجابة للجرس أدخل المثير الجرس الزنان. وكان المطلوب الآن من الأطفال أن يؤدوا التفاتة بالرأس إلى اليمين نحو الجرس الزنان. والمعطيات موضحة بالشكل "29".
(2/110)
ويبين شكل "29": أن الأطفال حديثي الولادة قادرون على التمييز السمعي بعد الولادة بقليل. أما الأطفال الأكبر سنًا فقد تعلموا التمييز أسرع. ومعنى ذلك أن الأطفال حديثي الولادة احتاجوا لمحاولات إضافية أكثر من الأطفال في سن شهرين أو أكثر. ويدل هذا الفرق على غموض في نتائج العمل عن حدة السمع، وبالتحديد فإنه ليس واضحًا ما إذا كان التعلم الأسرع للأطفال الأكبر سنًا ناتجًا عن حدة أكثر قوة أو من تحسن شرطي. وبالنسبة للمحاولات الكثيرة لتكييف الأطفال حديثي الولادة، يبدو أكثر احتمالًا أن مقدرة الأطفال حديثي الولادة على التمييز السمعي قد لا تلق التقدير الكافي بسبب المشاكل المنهجية المعقدة في دراسات التكيف. وكمثال: فإن الصعوبات الفعلية في تكيف الطفل حديث الولادة هي في النزوع إلى النوم في وسط التجربة، أو قد يعتريه الغضب ولا يمكن السيطرة عليه. إن أنواع التمييزات التي عرضها بابوسك Papousek يحتمل أن تحدث لدى الأطفال حديثي الولادة. ويجب أن نلاحظ فضلًا عن ذلك، كما في الدراسات السابقة، أن خواص المثير الذي يستجيب له الأطفال حديثوا الولادة لم تحدد بدقة.
أن المقدرة السمعية للأطفال حديثي الولادة قد لوحظ أيضًا في دراسة الانعكاس التوجيهي. وقد استخدم برنوشتين وبتروفا Birnoshtein & Petrova "1972" عينة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين ساعتين إلى 8 أيام، وعينة ثانية من أطفال تتراوح أعمارهم بين شهر وخمسة شهور. وأعد جهازًا مهدئًا به أنبوبة من المطاط متصلة بأحد طرفيه، وهذه بدورها متصلة بجهاز تسجيل، واستخدام هذا الجهاز لتسجيل أنماط سلوك المص لدى الطفل حديث الولادة. ولنتذكر أنه في هذه العملية إذا كان الطفل حديث الولادة يهتم بصوت معين، فإن عملية المص تنقطع بسبب انعكاس توجيهي. وبهذا الجهاز نستطيع أن نسجل بداية ونهاية مثير سمعي وفي نفس الوقت تسجل التغيرات المشاركة في معدلات المص. وقد استخدمت مجموعة منوعة من المثيرات بما في ذلك أنابيت الأرغن في مدى 60-70 ديسيبل، وهارمونيكا وصفارة. والواقع أن المثيرات كانت أنغامًا موسيقية، وكلها كانت في مدى من 60 إلى 70 ديسيبل.
(2/112)
"أ" الطفل يصغى إلى الأنغام كما عرضت لأول مرة.
"ب" بعد 9 عروض للنغم، تعود الطفل عليها. كما يدل على ذلك استمرار المص.
"جـ" يعود الانعكاس التوجيهي عند عرض نغم مختلف.
ويبين شكل "30" نمط المص لأحد الأطفال حديثي الولادة "سن 4 ساعات و 25 دقيقة". ويبين الخط المهتز عملية المص، والخطوط المستقيمة تدل على توقف المص. وفي الفترة التي ظل فيها الخط مستقيمًا، كان المفروض أن يحدث الانعكاس التوجيهي. لاحظ في هذا الشكل الأقسام المرقمة "أ"، "ب" ففي القسم "أ" تظهر مرحلة مميزة تتضمن انعكاسًا توجيهيًا، ولكن بعد 9 محاولات ظهرت المحاولة التاسعة في القسم "ب" من الشكل، وتوقف الانعكاس التوجيهي. ويفسر ذلك على أنه دليل على التعود "لنتذكر الآن أن التعود لا يعني التعب أو الملل ولكن المفروض أنه يدل على تآلف أو استعياب الطفل للمثير". أن معدل التعود السريع، وخاصة في أطفال هذه السن، قد يكون من سمات الطفل حديث الولادة بصفة عامة. وفي القسم جـ من الشكل يعود الانعكاس التوجيهي عند عرض تغم مختلف. وعودة الانعكاس التوجيهي عند عرض مثير سمعي مختلف تدل على احتمال أن الأطفال حديثي الولادة قادرون على التمييز السمعي. ونتيجة هذه الدراسات ودراسات أخرى غيرها "Eisenberg, Coursin & Rupp, 1966" هي تأييد الاستنتاج أن التمييز السمعي يحدث لدى الأطفال حديثي الولادة. هذا وهناك بعض الصعوبات المنهجية التي تسمح بتفسيرات تبادلية معقولة. وقد أوضح سبيرس وهوهل Spears & Hohle "1967" أن الطريقة التي استخدمها بونشتين ويتروفا Bronsogtein & Petrora "1972" تضمنت تأخيرًا بين المحاولات كان يزيد من معدل حدوث در الفعل التوجيهي لنفس المثير.
وبمثابة نقدها لاحظ سبيرس وهوهل Spears & Hohle "1967" ما يلي:
(2/113)
"بعد اختفاء الاستجابات لمثير واحد، إذا أدخل مثير مختلف، فإن رد الفعل الأصلي، أي التوجيه، توقف المص، يمكن أن يستأنف. وطبعًا يمكن تفسير هاتين الظاهرتين على أساس التكيف الحسي: عودة الاستجابة بعد التأخير الممتد داخل المحاولات قد يكون راجعًا للتخلص من تأثيرات التكيف، والاستجابة المجددة لنغم يتكون من ترددات مختلفة، يمكن أن يكون ناتجًا من إثارة مستقبلين تكيفوا من جديد".
إن طول الفترة داخل المحاولات في دراسة برونشتين وبتروفا Bronshtein & Petrova يقدم لنا الأساس لنقد جاد لأعمالهما، وهو نقد يسري أيضًا على دراسة قام بها بردجر Bridger "1961". أن طول الفترة بين المحاولات تبدو لازمة لتلاؤم الأطفال الصغار، وذلك لعدم قدرتهم على البقاء يقظين لفترات طويلة. ومما هو جدير بالاهتمام، أنه في العينة الأكبر سنًا التي استخدمها "برونشتين وبتروفا" لم يتطلب الأمر إلا عددًا أقل بكثير من المحاولات لإحداث التعود، مما يدل على وجود أثر نضجي متقدم. ولكن الأثر النضجي يبدو أنه يؤثر على درجة ردود الفعل التوجيهية وسرعة التعود أكثر مما يؤثر على القدرة على التمييز، رغم أنه ليس واضحًا لنا، كما ذكرنا، أي السمات للمثيرات السمعية هي التي تولد المقدرة على التمييز.
(2/114)
3- الإحساس التذوقي والشمي:
Gustatory & Olfactory Sensation:
لما كان الطفل الصغير مزودًا بعدد كبير من براعم التذوق، فمن المحتمل أن يستطيع تمييز الطعم، وإنا كما نفتقر إلى البراهين التي لا تقبل الشك على صحة هذا الافتراض. فالوليد لا يستطيع أن يخبرنا ما إذا كان طعم مادة ما يختلف عن طعم أخرى، والوسائل التجريبية الحالية ليست من الحساسة لدرجة التي تستطيع بها اكتشاف هذه الفروق. والمشكلة الأساسية هي أن بعض المواد ذات المذاق المر قد تسبب في الواقع ألمًا للطفل، وهو ما يختلف عن محاولة جعل الطفل يميز بين خواص التذوق. ولعل تطوير المعدات والأجهزة يقدم لنا الوسائل لاكتشاف تفضيلات الطعم لدى الصغار "Reese & Lipsitt, 1970".
وهناك مشاكل مماثلة حدت من دراسة الشم لدى الصغار. وقد تمكن انجن وليبست Engen, Lipsitt & Kay "1963"، باستخدام إجراءات التعود التي
(2/114)
وضعها "إنجن"، تمكنوا من اكتشاف الفروق في استجابات الأطفال الصغار وهم في سن يومين. وقد تضمنت هذه الإجراءات وضع الطفل فوق "مقياس الثبات"، Stabilimeter وهو جهاز ذو حساسة لحركات الطفل. علاوة على ذلك، فقد وضع رسام للرئة Pnleumograph "أداة لتسجيل حركات الصدر عند التنفس" تم وضعه حول بطن الطفل لتسجيل التغيرات في معدل التنفس. ثم قدمت لكل طفل إحدى الروائح، وتم تسجيل التغيرات في النشاط والتنفس بطريقة آلية. وكانت المثيرات: حامض الخليك، كحول الفنيل اثيل، وزيت الينسون، حيث جرى تقديمها بوضع قطعة من القطن مشبعة بالمادة ذات الرائحة على بعد 5 مم أسفل فتحة أنف الطفل لمدة 10 ثوان. ثم قدم مثيرًا "ضابطًا" "مخفف بسيط" بنفس الطريقة تمامًا، بعد تقديم كل من المثيرات التجريبية. ومع أن النتائج بصفة عامة دلت على أن التمييز الشمى قد حدث، فإن استجابات الأطفال لكل من الروائح الأربع كانت مختلفة. فحامض الخليك مثلًا كان مؤثرًا بصفة خاصة، وولد ردود فعل في نحو 80-100%. وبالمقارنة، فإن كحول الفينيل اثيل ولد استجابات مبدئية في مدى 10-25% من المحاولات. وطبقًا لنظرية التعود، وجد أن تكرار تقديم نفس المثير أدى إلى انخفاض استجابات الأطفال بدرجة بالغة. وقد عزا الباحثون هذه النتائج إلى انخفاض في درجة الحداثة وليس إلى التكيف الحسي، وهو تفسير يتفق تمامًا وتفسير برونشتين وبتروفا Bronshtein & Petrova. وهو يدل على أن الاستجابة قد انخفضت لأنه بعد عرض المثير مرات عديدة لم يعد فريدًا؛ فإذا كان الأمر قاصرًا على التكيف الحسي، لما استطاع الأطفال التمييز بين الرائحة النفاذة وبين المخفف.
ولتلخيص البحث في القدرات الحسية للأطفال حديثي الولادة وفي نمو هذه القدرات، يمكننا أن نستنتج في ثقة أن الوليد لديه أكثر من مجرد قدرات حسية بدائية. وقد تكون وسائلنا الفنية على مستوى لا نستطيع فيه أن نحسن تقدير المدى الكامل للقدرات الحسية لدى الوليد، ومهما يكن من أمر فقد يكون من سوء التقدير أن نستنتج أن القدرات الحسية للوليد تقارب قدرات الطفل في سن 2-3 شهور وأكثر. ويبدو أن النمو الحسي يكون سريعًا جدًا ولذلك يستحق بعض التفسير. أن النمو الحسي يكون أكثر سرعة نوعًا ما من النمو الحركي، ولكن من المحتمل
(2/115)
أيضًا أن النمو في كل إحساس يبدأ فعلًا من معدل قاعدي مختلف، مع تفوق منطقة الحركة في البداية. ولهذا السبب نستطيع أن نفسر النمو السريع للقدرات الحسية بأنه نتيجة لإثارة خارجية بعد الولادة. وعلى ذلك فإن التكوينات الجسمية اللازمة لأداء القدرات الحسية تكون موجودة عند الميلاد ولكنها تحتاج للإثارة لكي تنشط النمو. وعندما يحدث هذا المثير الخارجي، فإن معدل النمو يبدو أنه يتسارع بدرجة هائلة. وعلى القارئ أن يدرك أن هذا الاستدلال إنما هو استدلال نظري ولكنه معقول.
لقد رأينا أنه منذ باكورة الحياة تتواجد القدرة الحسية اللازمة للنمو الإدراكي والمعرفي. وهذه القدرات الحسية هي التي تقدم المادة الخام التي تستمد منها افتراضات إدراكية أكثر تعقيدًا.
(2/116)
السلوك الإدراكي والنمو
إدراك الشكل
...
السلوك الإدراكي والنمو:
لقد رأينا أن أجهزة الطاقة الحسية للوليد تعمل منذ الميلاد. إن مادة البحث في هذا الجزء سوف تتركز على ارتباط العمليات الإدراكية بالنمو المعرفي المبكر وبتغيرات السن في عدة أنماط سلوك إدراكي.
في مناقشاتنا السابقة للقدرات الحسية لدى الوليد، أشرنا باختصار إلى مفهوم الانعكاس التوجيهي والتعود. ونود الآن أن نبين العلاقة بين الخصائص الإدراكية والخصائص المعرفية للطفل حديث الولادة. لقد ذكرنا أن استجابة الطفل لمثير معين تظهر في الانعكاس التوجيهي، وهو ظاهرة سلوكية لنظام جسمي يستجيب لأي مثير جديد "Sokolov, 1983". وعندما يوجه الأطفال نحو المثير فإننا تكون لديه نموذجًا عصبيًا للمثير. وعندما ذكرنا نتائج جفري Jeffrey في هذا الشأن، لاحظنا أن العرض المتكرر يولد "الموجز الشكلي. Schema. إن مصطلح "نموذج عصبي" neorological model و"موجز شكلي يتجه استخدامهما تبادليًا رغم أنهما لا يتواكبان تمامًا في المعنى ومهما يكن من أمر، فإن كلا المصطلحين يستخدمان للدلالة على عرض عقلي لشيء أو حدث مثير. ومتى طور الأطفال هذا العرض، فهم يكفون عن إظهار الانعكاس التوجيهي ما لم يجري تعديل في تكوين المثير، وبالتالي يتولد اختلاف بين الموجز الشكلي الأصلي والمثير الجديد أو المعدل. ومن الموجزات الشكلية البدائية تبرز مادة النمو المعرفي التالية. وهكذا فإن الانعكاس التوجيهي والتعود يكونان أساسًا لفهم النمو المعرفي والعقلي ليس فقط في مرحلة الطفولة المبكرة ولكن من الممكن أيضًا على مدة حياة الفرد.
وفيما يلي نعرض لتطور بعض العمليات العقلية في الطفولة.
1- إدراك الشكل:
من بين أشهر الدراسات لإدراك الشكل لدى الأطفال الصغار تلك التي أجراها فانتز Fantz "1965، 1963" والتي استخدم فيها طريقة المثير المزدوج "المقرن". ففي "حجرة رؤية" "موضحة في الشكل: 32" فراغ يتسع للوليد والأشياء
(2/117)
المثيرة. والطفل، تبعًا لسنة، يوضع في وضع الاستلقاء على الظهر أو في مقعد خاص بالوليد يمكن منه رؤية زوج الأشياء التي تكون المثير. ومن خلال كوة "فتحة" يلاحظ المشرف على التجربة تثبيتات عين الطفل وحركاته ويحدد المعدل الذي يجري به فحص كل مثير ومدة كل تثبيت على المثير وهذه المعطيات الأساسية تقدم دلالات على تفضيلات الطفل للمثير.
الشكل "33" أهمية النمط وليس اللون أو اللمعان في الإدراك تتضح في استجابة الأطفال لوجه، جزء من مادة مطبوعة، عين ثور، وأقراض لون بسيط أحمر وأبيض وأصفر. وحتى أصغر الأطفال فضلوا الأنماط. والأعمدة المرتفعة تبين نتائج الأطفال من سن 2-3 شهور، والأعمدة المنخفضة في سن أكبر من 3 شهور.
(2/118)
إن طبيعة المثيرات المستخدمة في إحدى التجارب تتضح نتائجها في الشكل "33" الذي يعين أيضًا التفضيلات لعينتين من الأطفال في عمرين مختلفتين، وعينة الأطفال في الأعمدة المرتفعة في سن من 2-3 شهور، والعينة في الأعمدة المنخفضة في سن أكثر من 3 شهور. وبصرف النظر عن مستوى السن، كان زمن التثبيت على صورة الوجه هو الأطول، وعلى الدوائر الملونة هو الأقل. ومن يبين الافتراضات العديدة المقدمة لتفسير تفضيل هذا المثير، يبدو أن التفسير الخاص بالتعقيد "على الأقل في هذه التجربة" هو الأكثر قبولًا.
إن جاذبية التعقيد للأطفال الصغار قد اتضحت في تجربة أجراها هوريتز وآخرون. Horowitz, et al. "1972" حيث استخدم هؤلاء الباحثون ألواحًا كلوحة الشطرنج بها مربعات أبيض وأسود، اشتملت على عدد من هذه المربعات يتراوح ما بين 4 إلى 1024 مقاس "32 × 32". وأدخلوا أعدادًا متوسطة 16، 64،
(2/119)
256، 276. وعلاوة على هذه المثيرات، استخدموا أيضًا مربعًا رمادي اللون. وقد عرضت المواد المثيرة على "5" أطفال صغار مرة في الأسبوع عندما كان الأطفال في سن من 3-14 أسبوع. واختبروا عينة أخرى من "5" أطفال في سن 3، 8، 14 أسبوع وأخيرًا "6" أطفال في سن 3، 8، 14 أسبوع، حيث شاهدوا المثيرات مرة واحدة. ومع أن النتائج أوضحت أيضًا أن لوحة المربعات كانت أكثر تفضيلًا من المربع البسيط وأوضحت أيضًا أن لوحة المربعات "2 × 2" لقيت اهتمامًا أقل من اللوحات الأخرى، إلا أن الأطفال لم ينجذبوا بداية باللوحة ذات 1024 مربعًا. والواقع أن أول عرض للوحة 8 × 8 ولدت أطول مدة تثبيت. وقد استنتج الباحثون أن التعقيد ولو أنه بعد ملزم للسلوك البصري الاهتمامي للأطفال، إلا أن العلاقة بين التفرس البصري وصفات المثير ليست قاطعة كما اقترح الباحثون الآخرون. وثمة تفسير محتمل لمعطيات هوريتز وزملائه هو: أن الأطفال الصغار لديهم مستويات اختيار للتعقيد، وإنه فيما يعلو هذه المستويات أو يقل عنها، فإن زمن التثبيت يكون قصيرًا نسبيًا. وهذا الاستنتاج يدل على إمكانية أن مثيرًا شديد التعقيد يمكن أن يعم الأطفال الصغار؛ إنهم لا يملكون الموجزات الشكلية التي يستطيعون أن يضمنوها النمط الأثاري المعقد. وبصفة عامة، فإن معطيات البحث تصلح لاستخلاص أن تعقيد المثير هو أحد المتغيرات التي تؤثر على مدة التثبيت لدى الأطفال الصغار "Jeffry & Cohen, 1971".
وثمة خاصية أخرى للمثير يبدو أنها تؤثر على مدة التثبيت في الأطفال الصغار، تلك هي الجدة "الغرابة" novelty. والدراسة النوعية للجدة تتضمن عرض نفس المثير إلى أن يتعود عليه الموضوع. ومتى رسخ التعود، يعرض تعديل للمثير، ويكون المتوقع أن يظهر المفحوص مرة أخرى الانعكاس التوجيهي.
ولهذا العمل أهمية خاصة لأنه يبدو أنه يعرض بصفة أكثر مباشرة كيف يمكن تطوير الموجزات الشكلية، أي أن الموجز الشكلي يمكن توسيعه ليشمل تعديلات في العرض الأصلي.
وفي تجربة بصور وجوه أشخاص، استخدام هاف وبيل Haff & Bell "1967" المثيرات المعينة بالشكل "35". فقد ثبت الأطفال بصرهم أطول مدة على
(2/120)
الوجه الأكثر واقعية، وأقل مدة لم الوجه الذي اشتمل على أقل قدر من التفاصيل. وتدل هذه النتائج على أن الألفة بالمثير ذات أهمية في حالة الأطفال دون سن 4شهور: ولهذه النتيجة أهمية خاصة إذا لاحظنا في الشكل "35" أن الشكل الثاني اشتمل على مزيد من التفاصيل عن صورة الوجه. ويعتقد الباحثان أن معطياتهما تدل على أنه في هذا المستوى من العمر، فإن الوجهية "وجه" أشد جاذبية من التعقيد. كما يجب أن نلاحظ أن المثير الذي يشبه الوجه وبه أقل قدر من التفاصيل حصل على أقل نسبة مئوية من مدة التثبيت.
(2/121)
أما الدراسة التي أجراها كاجان وآخرون Kagan, Hanker, Ken-Tov& Leuiner "1966" تدل أيضًا على العلاقة بين العمر وغرابة "جدة" المثير، لقد وجد هؤلاء الباحثون أن الأطفال بعد سن 6 شهور يزداد انجذابهم إلى مثيرات مغايرة لمثير مألوف لديهم. فلقد كان أطفال البحث من عمر 4 شهور و8 شهور. وكانت المثيرات المستخدمة هي الموضحة بالشكل "36". وكان معامل الانعكاس التوجيهي هو تباطؤ نبضات القلب، وعرف التعود بأنه القصور عن الحصول على التباطؤ. وتدل النتائج التي حصلوا عليها على أنه في سن 4 شهور ظهرت أعلى درجة من تباطؤ نبضات القلب بالنسبة للوجه المنتظم، وهي نتيجة تتفق ونتائج دراسة هاف وبيل. أما الأطفال من سن 8 شهور فقد أظهروا أعلى درجة من تباطؤ نبضات القلب عند الاستجابة إلى الوجه المشوش. ويفسر كاجان Kagan وزملاؤه "1966 ص532" نتائجهم على النحو التالي:
"إن الأمر معقول بداهة، لأن النمو المعرفي يتميز بالخلق المستمر للموجز الشكلي للأنماط الجديدة. والمثير الذي ينقض موجزًا شكليًا قائمًا في وقت ما يصبح نمطًا مألوفًا وسهل الاستيعاب بعد أيام أو أسابيع أو شهور. ويبدو أن المزج الحكيم بين أنماط التثبيت وبطء نبضات القلب والابتسام قد يمكننا من استكشاف درجة توصيل مختلف الموجزات الشكلية إلى الطفل، ويسهل التفرقة بين المثيرات التي تمثل موجزات شكلية مألوفة وطارئة وغريبة".
(2/122)
ويتفق هذا التفسير مع تفسير هوريتز وآخرون. Horowitz et al؛ من أن صغار الأطفال قد فشلوا في لوحة الشطرنج المعقدة ولكهم التقطوا مستوى متوسط من التعقيد فيما بين أقصى وأدنى تعقيد. أن كلا من تفسير هوريتيز Horowitz وزملائه، وتفسير كاجان Kagan وزملائه يتفقان تمامًا مع أنماط السلوك التي لوحظت في عدد من المجالات السلوكية. إن الأطفال عندما يألفون مثيرًا، يقضون وقتًا طويلًا في تفحصه والتعلم بشأنه. وهم لا يبدأون في إهماله أو تفحص متغيرات له إلا بعد أن يكونوا قد ربطوا تمامًا بين المثير والموجزات الشكلية القائمة. وعلى ذلك فإن خاصتي الإدراك الحسي اللتين فحصتا حتى الآن تتفقان تمامًا والخصائص العامة للنمو المعرفي. وهذه النتائج تتفق أيضًا مع افتراض هنت Hunt "1961" الخاص بما أسماه "التماثل Match"، والتي تنص على أنه توجد درجة اختيارية من التناقض بين الموجز الشكلي الخاص بالتركيب العضوي أو الألفة بالشيء المثير ويبين قدرة التركيب العضوي على مواجهة هذا التناقض. ويستطرد هنت Hunt قائلًا: "إن التناقض الزائد عن الحد يطغى على الطفل أو يخيفه، وهو عندئذ يتجنب المثير. أما إذا تناظر المثير مع موجز شكلي موجود من قبل، فإن التركيب العضوي لا يظهر إلا القليل من التثبيتات أو دلائل الاهتمام الأخرى". ويقترح هنت Hunt إنه فقط عند حدوث التناقض الاختياري، يحصل التركيب العضوي على السرور من المحاولات التي بذلها بنفسه لإدماج التناقض في موجز شكلي موجود من قبل ولذلك تستطيع أن تبقي على الفضول لدى الأطفال بتقديم الكثير من الفرص لإدماج التناقضات في الموجزات الشكلية الموجودة من قبل.
ورغم الفروق والصعوبات المنهجية، فإن نتائج التجارب السابقة وكثير غيرها تتفق بصفة عامة على أن الأطفال الصغار ينجذبون نحو المثيرات الغربية. ولكن ما هو السبب في أن الأطفال يجدون إلزامًا في تعقيد أو غرابة المثيرات؟. إن التفسير يميل إلى الاعتماد على مفاهيم مثل الوجهية fanceness، أي مفاهيم يستخدمها الراشدون. وثمة خاصية أخرى أقل وضوحًا "على الأقل بالنسبة للراشدين" قد تكون الأساسي الفعلي لتفضيل المثير. مثال ذلك، وجد سالابيتك وكيسن Salapatek & Kessen أن الأطفال الصغار ينجذبون إلى مثلث، وبدوا
(2/123)
وكأنم يشكلون موجزًا شكليًا "مثلثًا". وقد قام الباحثون بقيام تثبيتات الطفل البصرية بجهاز دقيق لتسجيل حركات العين. ولم تقم هذه العينة من الأطفال بفحص المثلث بالكامل ولكن ثبتوا بصرهم أساسًا على الزوايا، في حين قل اهتمامهم بالمحيط وبالداخل.
وتدل أبحاث إضافية على أنه، مع النضج، تتحول حركات العين بعيدًا عن التثبيت على سمة واحدة من المثير إلى نمط من التفرس أكثر تكاملًا. وفي دراسة أكثر تركيزًا، قام بها هيرشنسون وآخرون Hershenson, Keesen & Meussinger "1967" تناولوا الخواص الآتية للمثيرات: اللمعان النسبي، التعقيد النسبي، درجة التنظيم النسبية والنمطية لإظهار معطيات التفضيل لدى 20 وليدًا. وفي مجال "بعد" اللمعان: كان المثير ذو شدة اللمعان المتوسطة أكثر تثبيتًا منه في المستويين الآخرين من اللمعان: وفيما يختص بدرجة الوجهية، دلت النتائج على عدم وجود فروق في التفضيل بين المثيرات في الثلاثة مستويات الوجهية. وتدل النتائج بالنسبة لدرجة التعقيد على أن المثير الأقل تعقيدًا كان الأكثر تفضيلًا، وتلاه المتوسط ثم الأكثر تعقيدًا.
وهذا الاستنتاج ليتفق بصفة عامة مع النتائج السابقة بالنسبة للأطفال دون سن 4 شهور، كأطفال هذه الدراسة، وليس بالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، وأخيرًا فإن الأطفال فضلوا مستوى التعقيد المتوسط، وإن كان الفرق الوحيد الذي له دلالة كان بين القيمة المتوسطة والقيمة الأدنى. ويقرر الباحثون أن فهمًا أحسن للإدراك الشكلي لدى الأطفال يحتاج لدراسات أكثر كثافة تستخدم فيها معالجة معقدة الأبعاد ولا شك في أن نتائج التجربتين الأخيرتين تدل على أنه رغم أن الانعكاس التوجيهي والتعود على المثير حدثان محققان، فإن خواص المثير المؤدية لهذه التثبيتات تحتاج لمزيد من التحقيق.
(2/124)
2- إدراك العمق:
في موضوع سابق من هذا الفصل وصفنا المعالجة الفطرية والاختبارية للإدراك وقد لاقت الأبحاث التي تتعلق بإدراك العمق كثيرًا من قوة دفعها الأصلية من هذا الجدل، وهي أبحاث بدأت من أواخر القرن 19، وقد راجع والك walk "1966" الكثير من الأبحاث المبكرة التي أجريت على الحيوانات، واستنتج أن كثرة الأدلة تدل على -بصفة عامة- أن للحيوانات قدرة كامنة على تمييز العمق. ويتحفظ والك walk في استنتاجه، فهو لا يؤكد أن كل الحيوانات تستطيع أن تدرك العمق بعد ولادتها مباشرة. علاوة على ذلك فهو يدلل على أن الحيوانات التي ربيت لفترة طويلة في الظلام تفقد قدرتها على تمييز العمق بصريًا. وأخيرًا فإن بعض الأنواع "القطط والأرانب" يجب على الفرد منها أن يتفاعل مع البيئة قبل أن يتمكن من إدراك العمق.
وقد قامت إلينور جيبسون Eleaner Gibson من جامعة كورنيل بإجراء سلسلة من التجارب على إدراك العمق مستخدمة أطفالًا حديثي الولادة أن المشكلة في إجراء مثل هذا البحث هي بالطبع أن الأطفال الصغار لا يستطيعون التعبير عن إدراكهم باللفظ. وقد ابتكر جيبسون ووالك Gibson & Walk "1960" جهازًا يتكون أساسًا من منضدة واسعة ذات سطح زجاجي أسماه "السفح المرئي" The Visual Cliff، وهو مبين بالشكل "37". ويتكون الجهاز أساسًا من منضدة ذات سطح زجاجي كبير 6 × 8 أقدام، أرتفاعه 40 بوصة وتحيط بالسطح حافة ارتفاعها "8" بوصة لتجنب سقوط الطفل من فوق المنضدة. ويمتد الزجاج على طول سطح المنضدة، ولكن تصميم الجهاز جعل بحيث يوحي بأن أحد الجانبين ضحل والآخر عميق. والزجاج يحول دون الطفل والسقوط إذا فضل أن يتجه نحو الجزء العميق، ولكنه يسمح له أيضًا برؤية الجانب العميق والجانب الضحل. ويوضع الطفل الصغير فوق المنضدة في حين تحاول الأم بملاطفة طفلها أن تحثه على العبور إلى الجانب العميق. وقد بلغت نسبة الأطفال دون سن 10 شهور الذين عبروا إلى هذا الجانب 43% من مجموع أطفال التجربة. ومن هؤلاء الأطفال وهم من سن 300 يوم أو أكثر، 22% فقط يعبرون في اتجاه الأم وهي عند الجانب العميق. ويستخلص والك Walk "1966، ص101" النتيجة التالية بعد إتمام عمله المكثف الذي قام به مع جيبسون Gibson:
"إن الطفل الصغير يحسن تمييز العمق، ومن وجهة النظر النظرية "للتعلم الغريزي "الفطري"" innatel-learned، فهو يميز العمق بمجرد أن يصبح
(2/125)
بالإمكان اختباره. ولكن آلياته البصرية لا تزال في طور النضج. وهو يميز العمق بطريقة أفضل عندما يكون هناك نمط محدد في كلا الجانبين "الضحل والعميق" منها عندما يكون أحد الجانبين غير محدد بطريقة ما، وطالما كان العمق أو المسافة على بعد كاف. وهذا القصور في التمييز تعكسه حقيقة أنه يمكن ملاحظة الطفل وحثه على عبور الجانب العميق تحت ظروف معينة، وليس تحت أي ظروف ما. وبينما يستجيب كل المفحوصين بالزحف عادة عبر الجانب العميق في حالة وجود الأنماط غير الملائمة للإثارة، فإن الأطفال الذين يقل سنهم عن 300 يوم هم الذين يتأثرون أكثر".
ويستطرد والك Walk قائلًا أن "سلوك اللامبالاة" insouciant behavior للطفل الصغير يرجع إلى نقص النمو في قدرته على التمييز. وعندما يصبح العمق مدركًا بوضوح فإن منحنى الأطفال الصغار لا يمكن ملاطفتهم لحثهم في اتجاه الجانب العميق. ومع نضج الأطفال واكتسابهم لمزيد من القدرة على التمييز، يمكنهم تمييز إشارات العمق بسهولة أكبر وبالتالي يظهرون مزيدًا من الإحجام عن العبور إلى الجانب العميق.
ومن بين الصعوبات الناجمة عن النتائج التي استخلصها جيبسون ووالك Gibson & Walk أن السفح المرئي يقتضي أن يكون الطفل قادرًا على التحرك الأفقي. وعندما يأتي الوقت الذي يستطيع فيه التحرك، لا بد وأن يكون قد تفاعل
(2/126)
بدرجة كبيرة مع البيئة، وبذلك يمكن أن يتعلم إدراك العمق الذي بيديه على السفح المرئي. وقد ابتكر كامبوس وزملاؤه Campos, Langer, Krowiz "1970" طريقة لتقييم إدراك العمق بحيث يمكن تجنب هذه المشكلة. وهذه الطريقة تتضمن استجابة معدل نبضات القلب، وقد استخدمت مع عينتين من الأطفال، كان متوسط عمر أطفال إحدى العينتين 106 يومًا، وأطفال العينة الثانية 55 يومًا. وبعد الحصول على المعدل القاعدي لنبضات القلب، قام الباحثون بوضع الأطفال منبطحين على بطونهم مع توجيه رؤيتهم إلى أسفل نحو السطح العميق أو نحو السطح الضحل للسفح المرئي. كانت الاستجابات القلبية للأطفال بطيئة نسبيًا على الجانب الضحل للسطح ولكنها كانت شديدة التباطؤ على الجانب العميق "تذكر أن تباطؤ النبض يؤخذ عادة كمؤشر على الانعكاس التوجيهي". والواقع أن هذه النتيجة تدعو إلى شيء من الدهشة؛ فمن الناحية المنطقية كنا نتوقع أن يبدي الأطفال عدم التباطؤ في نبضات القلب بل تسارعًا فيها، حيث أن التسارع يكون عادة مصاحبًا للخوف، ولا شك في أن الأطفال كان من الضروري أن يخشوا السقوط على الجانب العميق من السطح. ويعترف الباحثون بتناقض هذه الظاهرة وأقروا أخيرًا بأن نتائجهم في الواقع غير واضحة. ومن الواضح أن إدراك العمق يوجد فعلًا في وقت مبكر، وإن كان من غير الواضح تمامًا ما هي أبعاد الإثارة التي تحكم هذا الإدراك. هذا وقد قدم الباحثون الثلاثة الملاحظة التالية وهي تتسم بالأهمية والمعقولية:
"إن الطفل الصغير لا يبدو أنه يظهر ضيقًا يذكر من افتقاره للسند البصري على الجانب العميق في مستويات العمر التي اختبرت. وهذا يختلف كثيرًا عما كتب وصور فيلمًا من ملاحظات الحيوانات والدراسات على الأطفال الأكثر سنًا في المعمل. ويدل ذلك على أن الطفل يستطيع تمييز مثير ما ثم يمر بعملية نمائية تسمح لهذا المثير بأن يولد استجابات منفرة".
(2/127)
3- ثبات الحجم والشكل:
إن المسألة الأساسية بالنسبة لثبات الحجم Size Constancy هي: كيف تستطيع أن تحكم بدقة على حجم شيء رغم التغيرات في بعده عنا؟. إن الشيء المألوف مهما كان بعده عنا ندرك حسيًا أن له نفس الحجم. وكما هو صحيح بالنسبة لكل أنماط السلوك التي ناقشناها آنفًا فإن السؤال الأساسي هو ما إذا كان ثبات الحجم يحتاج إلى تدريب طويل أو لا يحتاج كما يرى التجريبيون، أو ما إذا كان ثبات الحجم أمرًا فطريًا. ومن الدراسات التعريفية في هذا الصدد، تلك التي أجراها باور Bower "1965، 1966" "انظر شكل 38". قام "باور" بتعزيز مجموعة من الأطفال الصغار في سن من 6-8 أسابيع، ليديروا رؤوسهم نمو مكعب 30 سم. كان المكعب على بعد حوالي متر من عيون الأطفال الذين لم تكن لهم خبرة سابقة بهذا المكعب. ولتعزيز استجابة الأطفال لإدارة رؤوسهم، وقف القائم على التجربة وصاح Peek a poo" وهو تعزيز ذو تأثير خاص على الأطفال في تلك السن. ولتحديد ما إذا كان الأطفال أظهروا ما يفيد إدراكهم لثبات الحجم قام "باور" بتغيير حجم المكعب وإبعاده بطريقة منهجية. وكانت المعالجة تتضمن المكعب الأصلي "30سم" ومكعبًا آخر أكبر منه ثلاثة أضعاف. ووضع المكعبان على بعد متر وثلاثة أمتار على التوالي، من الأطفال بحيث يكون عرض صورة المكعب الكبير على الشبكية مساويًا في الحجم لصورة المثير الأصلي. فإذا لم يكن الأطفال يدركون ثبات الحجم، فإن تحريك الرأس كان يجب أن يحدث نحو أحد المثيرين بقدر تحريكها نحو المثير الثاني. والواقع أن الأطفال استجابوا بدرجة أقل للمثير الأكبر على بعد 3م، مما يدل على أنهم استطاعوا تمييز الحجم والمسافة.
ثبات الشكل Shape constancy: فيتطلب أن يكون إدراك الشيء على أنه يحتفظ بنفس الشكل أما بصرف النظر عن اتجاهه في الفضاء. وقد قام "باور" "1966" بإجراء تجربة استخدام فيها نفس الطريقة تقريبًا التي استخدمها في تجربة ثبات الحجم. تضمنت التجربة "8" أطفال في سن 50 أو 60 يومًا دربوا على إجراء استجابة لإدارة الرأس بمقدار 45 درجة نحو مثير مستطيل الشكل موضوع فوق حافة طويلة، بانحراف 45 درجة إلى الخلف عن الأطفال. ومرة أخرى وقف المشرف على التجربة أمام الطفل وصاح "Peek a boo" كتعزيز. وبعد أن تكيفت الاستجابة، أجريت 4 محاولات تجريبية: المستطيل في اتجاهه الأصلي على زاوية 45 درجة، ثم في المستوى الأمامي المتوازي، ثم شبه متحرك في المستوى الأمامي وضع بحيث يكون انعكاسه الشبكي مساويًا لانعكاس المستطيل المنحرف، وأخيرًا شبه منحرف
(2/128)
مائل بزاوية 45. ورتب عدد الاستجابات الارتباطية للتجارب على المثيرات الأربعة بنفس الترتيب الذي أوضحناه، مع فارق كبير حدث في عدد الاستجابات للمثير الأصلي "ارتباط 1" وشبه المنحرف على درجة 45 درجة "الارتباط الرابع". وقد رأى الباحث أن نتائج هذه التجربة تدل على: "أنه من الواضح أن هؤلاء الأطفال لم يتعلموا الاستجابة بشكل بارز أو شبكي ولكن بشكل إيجابي، يمكن التعرف عليه في اتجاه جديد، وكان إظهارهم لثبات الشكل عظيمًا لهذا الحد" "Bower, 1966, 833".
(2/129)
4- توجيه المثير:
توجيه المثير Stimulus orientation يقصد به الدرجة التي يمكن أن يدار بها شيء على محوريه الأفقي والرأسي ويظل مميزًا بأنه نفس الشيء. والوسائل المتبعة لاختبار توجيه المثير شديدة الشبه بالوسائل التي اتبعها "باور" في دراسة ثبات الشكل. وفي حين كان "باور" مهتمًا بقدرة الأطفال الصغار على التعرف على نفس الشيء، فإن اهتمامنا ينصب على تأثيرات دوران المثيرات على قدرة الأطفال على التعرف على شيء قياسي وسط مجموعة من أشياء أخرى.
(2/129)
وقد يكون من المفيد أن نصف تجربة قامت بها غنت براين "1985" Ghent Braine وفحصت فيها تأثيرات توجيه المثير. لقد استخدمت عينة من أطفال في سن 3 سنوات و5 سنوات، ووضعت المثيرات الموضحة بالشكل "39" في اتجاهات مختلفة، والواقع إنها كانت معكوسة. واعتبرت المثير الذي على هيئة ثقب المفتاح هو المثير القياسي، وطلبت من الأطفال تفحصه جيدًا لأنه سيطلب منهم فيما بعد مناظرته بمثير آخر ضمن عدة مثيرات. وفي أحد العروض قدم المثير ذو الجزء المستدير في أعلاه، وفي عرض آخر جعل الجزء المستدير في أسفله. كما عرض المثلث برأسه إلى أعلى مرة وإلى أسفل مرة أخرى. وكان تحليل الباحثة القائمة بالتجربة هو أن الجزء المستدير لثقب المفتاح ورأس المثلث هما المثيران البؤريان بالنسبة للأطفال في سن ما قبل المدرسة وبالتالي فهما على درجة كبيرة من الإلزام. إن لهذا الافتراض أساس اختباري في تجربة مجانسة العينة" التي أجراها سلاباتيك وكيسن Salapatek & Kessen والتي أظهرت أن الأطفال الصغار يميلون للتركيز أكثر على أركان المثلث. وكما ترى من الشكل، فإن كل مثير له سمات مميزة معينة استخدمها الأطفال فعلًا لتمييز الشكل القياسي عن باقي المثيرات. وعلى ذلك فإن القائمة بالتجربة قدمت المثيرات في الوضع القائم مع جعل السمات المميزة لها في أسفل، وفي وضع مقلوب مع جعل السمات المميزة في أعلى. وعندما كانت النقطة البؤرية في أعلى، افترضت الباحثة أن الأطفال سيبدأون بالتفرس في النقطة البؤرية "في أعلى" ثم يتحرك نظرهم إلى أسفل، وأخيرًا يتفحصون السمات المميزة. وبالعكس فعندما تكون النقطة البؤرية في أسفل "الوضع المقلوب"، فإنهم يبدأون بالنقطة البؤرية وكذلك يتحرك تفرسهم إلى أسفل، وبذلك يتركون السمات المميزة. وقد افترضت غنت براين Ghent Braine "1985" أن الميل الطبيعي للتفرس هو من أعلى إلى أسفل، وعلى ذلك فإن توجيه المثير واستراتيجية التفرس للأطفال الصغار يجب أن يؤديا إلى أداء ناقص في مهمة "مجانسة العينة"، وبصرف النظر عن توجيه المثير، فإن الأطفال الأكبر سنًا كان المتوقع منهم أن يبدأوا عند القمة ثم يتفحصوا المثيرات فحصًا منتظمًا في اتجاه إلى أسفل وبهذه الطريقة يكونون دائمًا متأكدين من ملاحظة المثيرات
(2/130)
المتميزة. ولكن الذي حدث، أن نجاح الأطفال الصغار قد اختلف تبعًا لتوجيه المثير القياسي. وعندما كانت النقطة البؤرية للمثير القياسي في أعلى، أحسن الأطفال الصغار الأداء، ولكن عندما كانت النقطة البؤرية في أسفل كان أداؤهم ضعيفًا، وبذلك فإن توجيه المثير لم يؤثر على الأطفال الأكبر.
وقد أبرزت دراسات أخرى قامت بها غنت براين Ghint Braine نفس النتائج، ولكنها أثارت بعض التساؤلات حول الطريقة. لقد استخدمت في هذه التجارب جهاز التاكستوسكوب "وهو جهاز يعرض صورًا أو جُملًا خاطفة وغير ذلك على شاشة لمدد قصيرة ولكنها موقوتة بدقة". وهكذا فإن سرعة التجربة بهذا الجهاز كانت كبيرة لدرجة لا تتيح أي حركة للعين "Pick & Pick 1970" والتجربة التي أجراها مايروداوير Meyer & Dwyer "1974" تؤيد هذا النقد. لقد أبرز هذان الباحثان مثيرات غنت براين Ghent Braine وعرضاها فوق شاشة
(2/131)
معتمة. وسمحًا للأطفال بتفحص المثيرات لمدة 8 ثوانٍ، وطلبًا منهم أن يتفحصا المثير القياسي بعناية، لأنهم يستخرجونه فيما بعد. وقد قام كل طفل بتفحص كل مثير 4 مرات، مرتان في الوضع القائم ومرتان في الوضع المقلوب، لمدة 8 عروض. وكان الغرض من هذه الدراسة هو تحديد الدرجة التي يستخدم بها الأطفال استراتيجيات تفحصية مختلفة. عندما يقدم لهم أكثر من الوقت الكافي لتفحص مثير، وقد سجلت حركات العين. وكان الأطفال مجموعتين مجموعة من سن 3-7 شهور، ومجموعة من أطفال أكبر من سن 4 سنوات و10 شهور في المتوسط.وكانت النتائج الأساسية للدراسة هي أنه مهما كان وضع النقطة البؤرية وبصرف النظر عن السن فإن الأطفال كانوا يتفحصون المثيرات إلى أعلى وإلى أسفل بنفس النسبة. ويجب أن نلاحظ أنه لو أن هذين الباحثين قد استخدما واجب "المناظرة مع العينة" لكانت النتائج مشابهة لتلك التي توصلت إليها غنت براين
Ghent Braine. وبالتحديد وجد أن الأطفال الأكبر سنًا اهتموا -ثبتوا النظر أكثر- على السمات المميزة أكثر من الأطفال الصغار. وعلى ذلك ففي واجب النقل كان من المحتمل أن يكون أداؤهم أفضل لأنهم كانوا يدركون تلك السمات المميزة.ومن أكثر الدراسات مكانة عن تمييز الشكل والتوجيه ابتكر جيسون وآخرون
Gibson, Gibson, Pick & Osser "1962" عددًا من الأشكال تشبه الحروف مع مجموعة من التحولات لهذه الأشكال، اعتقدوا إنها أما حاسمة أو غير حاسمة في عملية تمييز الحروف الإنجليزية. وقد عرضنا مجموعة المثيرات الناتجة في الشكل "40". ويلاحظ أن البيانات المختصرة في أعلى كل عمود قد مدت لزيادة إيضاح التحويل.وقد استخدمت هذه المواد المثيرة في عملية "مجانسة مع العينة" مع الأطفال من سن 4-8 سنوات. وقد وضع كل نموذج أصلي على قمة رف عرض يتكون
(2/132)
من 4 صفوف كل منها 13 شكلًا أحدهما يتضمن الشكل الأصلي. وكان على الطفل أن يبحث في المثيرات ويجد الشكل الذي يطابق الشكل الأصلي. وقد لخصنا نتائج التجربة في الشكل "41". وقد أظهرت النتائج ميلًا نحو تناقص عدد الأخطاء كما هو متوقع. وأن بعض التحولات تثبت أنها أكثر صعوبة من غيرها. وقد فسو القائمون بالتجربة هذه النتائج بأنها تدل على أنه عندما يبدأ الأطفال في القراءة في سن حوالي 6 سنوات، فإنهم يتعلمون اكتشاف السمات الحاسمة في المثير. وهذا التفسير العام يتفق مع رأي جيبسون Gibson "1989" في أن الأداء المحسن في واجبات التمييز الإدراكي ينتج عن أنشطة الأطفال التي يواجهون فيها سمات. مميزة للبيئة ويتعلمون كيف يتعرفون على هذه السمات. ومن معطيات هذه الدراسة التي لم تعزز بصفة عامة أن مستوى الأخطاء في الصورة المرآتية المقلوبة "فون - تحت" كان شبيهًا بمعدل تكرار أخطاء الصور المرآتية يمين - يسار. وبصفة عامة، وجد باحثون آخرون أن تحويل الصورة المرآتية يمين - يسار أكثر صعوبة. والطلبة الذين ألفوا حالات الصعوبة في القراءة التي يواجهها أطفال الصف الأول، سوف يدركون أن تمييز اليمين -يسار هو من الواجبات التي يجدها الأطفال صعبة في العادة خاصة عندما يحاولون التمييز بين الحرف qP أو d وb. وقد لاحظ ذلك دافدسون Davidson "1935" الذي وجد أن الأطفال يستطيعون التمييز الرأي للحروف "d وb وq وp" قبل أن يتمكنوا من التمييز الأفقي بحوالي سنتين. وبين جفري Jeffrey "1958" أن الصعوبة في تمييز اليمين - يسار يمكن التغلب عليها بجعل مثيرات التمييز أكثر وضوحًا. وقد عززت دراسات عديدة بعد دراسة جفري Jeffrey النتائج العامة: أن الأطفال يستطيعون تحقيق تمييز يمين - يسار قبل سن 7 سنوات، ولكن فقط من خلال إجراءات معينة.
(2/133)
وقد يكون من المفيد أن ندرك السبب في أن الأطفال يجدون صعوبة في تمييز اليمين - يسار بالمقارنة بالتمييز فوق - تحت. وقد وصف بيك وبيك Pick, Pick "1970 ص81" هذا الموضوع وصفًا رائعًا:"إن كلا التحولين "يمين - يسار، وفوق - تحت" يقدمان عادة في الترتيب الأفقي، وهذا مما يجعل مقارنة صور المرأة يسار - يمين أكثر صعوبة. وقد قام سكولر وروزنبيلث
Rosenblith, Sekuler "1964" وهتنليشر Huttenlocher "1967" باختبار مثل هذا الافتراض. وقد وجد الأولان تفاعلا
(2/135)
ملحوظًا، كما كان متوقعًا في الموقف المتضمن لأحكام "نفس الشيء/ مختلف" ولم تكنن هناك سوى قياسات قليلة جدًا فيما يختص بالصور المرآتية "فوق - تحت" عندما وضعت في خط واحد أفقي، ولكن الإلتباسات كانت عديدة عندما وضعت رأسيًا ومن جهة أخرى كانت هناك انتشارات قليلة لصور لليمين - يسار عندما رتبت في خط رأسي، وانتشارات كثيرة عندما رتبت في وضع أفقي. ووجد هوتنلوشن Huttenlochen نتائج مماثلة في موقف تعلم تمييزي. إن تعلم التفرقة بين الصور المرآتية يمين - يسار كان صعبًا نسبيًا عندما رتبت الصور أفقيًا أكثر مما كان في حالة ترتيبها رأسيًا. وكان العكس صحيحًا مع الصور فوق - تحت وإن كان حجم الفرق صغيرًا نسبيًا".وهذا التفسير يدلل على أن الصعوبات القائمة هي نتيجة لطلبات الإظهار المعارضة التي تحدث عندما تكون الصورة المرآتية ووضعها مختلفين وليس عندما يكونا متماثلين. ويبدو أن هذا التفسير معقول جدًا ويدل على مظهر من مظاهر الخبرة الإدراكية يتسم بالصعوبة ولكن في الوقت نفسه ضروري في القراءة.إن المادة التي قدمناها في هذا القسم كانت مستفيضة وتتسم بشيء من الصعوبة. وبوضع هذه المادة في إطار منظور نمائي عام، نظن أن ثمة موضوعين هامين يبرزان لنا. الأول أن النتائج تدل على أنه في مرحلة مبكرة جدًا من السن، كوّن الأطفال، أو أنه كانت لديهم فعلًا، بعض القدرات الإدراكية الأساسية، بما في ذلك ثبات الحجم وإدراك العميق. علاوة على ذلك، فإنه من الواضع بالأدلة أن بعض الآليات الداخلية تعمل بكفاءة في خلال أيام بعد الولادة، وبهذه الآليات يستطيع الوليد أن يبدأ في تعلم السمات الأساسية التي تكون بيئته. وعلى ذلك، ومن هذا المنظور -كما كان الحال بالنسبة للقدرة الحسية- يستطيع الطفل الصغير أداء عدد كبير من القدرات الإدراكية الأساسية ويستخدمها في تكوين ومعرفة بالعالم أكثر اتساعًا وفهمًا ونضجًا.والموضوع الثاني الذي يبرز لنا هو إنه لا الرأي الاختباري ولا الرأي الخلقي وحده بكافٍ لتفسير القدرات الإدراكية للطفل. إن بعض الأنماط السلوكية تكون جزءًا وثيقًا من المخزون السلوكي للوليد، في حين أن الأنماط الأخرى يبدو
(2/136)
أنها تحتاج لدرجة كبيرة من الخبرة بالبيئة. ويبدو واضحًا بالنسبة للنتائج التي وصفناها في الفصل الأول عن الحرمان من المثير، أن النمو الطبيعي لأي عملية إدراكية يتطلب تفاعلًا مع البيئة. وعلى ذلك فحتى لو أمكن تبيان أن ثبات الحجم مثلًا كان موجودًا من لحظة الولادة، فإن ثبات الحجم الناضج يظل في حاجة لخبرة مع البيئة، وأن الحرمان البصري الحسي يحرم الطفل من أي وظيفة طبيعية في هذه الناحية.إن الاستنتاجات السابقة تتفق والآراء النظرية لاليانور جيبسون "1970" التي درست النمو الإدراكي دراسة مستفيضة وهي ترى أن المعلومات عن البيئة تأتي مباشرة من الحواس، ولذلك فإن التعرف على الأشياء والأحداث تتضمن الاكتشاف الإدراكي للسمات المميزة. إن المعرفة الإدراكية للأشياء والأحداث لا
(2/137)
تحتاج لتفسير معرفي. فالمثيرات الضرورية والسمات المميزة المطلوبة لتكوين نماذج عقلية، موجودة في المثيرات نفسها. والنمو يتضمن التعلم لاكتشاف سمات المثيرات التي تكون أقل ظهورًا في البداية. وبعكس نظرية التعود فإن نظرية الكشف detectation theory تعتبر أن النمو يؤدي إلى قدرة متزايدة على تمييز الأشياء والأحداث وإلى تعلم أي السمات هي غير المتغيرة.ومن السمات الهامة لنظرية "جيبسون" أنها تعتبر الإدراك عملية تكيفية بنفس الطريقة كالمشي. وعلى ذلك فإن الفطرية والاختبارية لازمتان للنمو. إن بعض القدرات الإدراكية "إدراك العمق مثلًا" متيسرة للوليد عند الولادة أو بعد الولادة بقليل، وتعمل على حماية الوليد من أي ضرر جسمى محتمل. والتعلم مطلوب لكي يتمكن التركيب العضوي من الكشف عن السمات الأكثر حسمًا وتكوين تعقيدات للسمات. وترى "جيبسون" أن التعلم ليس من نوع "مثير - استجابة" ولكن ينتج عن إنماء الطفل للقدرة على اكتشاف سمات أكثر. "غير التفرقة المتناهية في الدقة لمجموعات معقدة من الأشياء متعددة الأبعاد يحتل مركزًا عاليًا في الخطة التطورية والنمو، وهي عملية لا يتم فيها التكيف إلا من خلال التعليم"
Gibson, 1907, 106. إن إشارتها إلى التعليم تعني أن الأطفال يجب أن يتعلموا أي سمات المثير أو الحادث ذات موضوع وأيها ليست ذات موضوع.ويجدر بنا أن نلاحظ أن أعمال باور
Bower "1966" أوصلته إلى رأي عن الإدراك يشبه نوعًا ما رأي جيبسون Gibson. إن نتائجه، كما رأينا تدل على أن الأطفال حديثي الولادة قادرون إدراكيًا وربما كانت هذه القدرة مساوية لقدرتهم على الحصول على المعلومات من البيئة مثل الكبار. ويعتقد "باور" Bower أن الأطفال حديثي الولادة ليس لديهم القدرة على إعداد المعلومات اللازمة لتناول طاقة المثير. وعلى ذلك فإن العلاقات بين المثيرات والأحداث تصبح واضحة مع تزايد قدرة الطفل المعرفية.
(2/138)
التكامل الإدراكي
...التكامل الإدراكي:سبق أن ذكرنا أنه من دلائل ازدياد الاقتدار الحركي، حدوث تغيرات في نفس الوقت في التكوين العصبي للتركيب العضوي. وطبيعي أن هذه التغيرات العصبية ليست لها علاقة بسيطة بالسلوك الحركي فحسب ولكن يجب أيضًا أن نحيط بمظاهر نمائية أخرى. إن تكوين الشبكات العصبية يميل إلى أن يؤدي إلى تكامل السلوك داخل المجالات "أنماط الفعل الحركي مثلًا"، وأيضًا فيما بين هذه المجالات "أنماط الفعل الحركي، أنماط الفعل الإدراكي، وأنماط الفعل المعرفي" وفي هذا القسم سوف نتفحص منهاجًا للتكامل في داخل مجال "إدراكي" ومجموعة من الأنماط السلوكية قد يتبدد ظهورها نتيجة الاقتدار الحركي المتزايدة. وأخيرًا، سوف نصف تكامل أنماط الفعل الحركي والإدراكي.النمو فيما بين الحواس:تحصل الكائنات البشرية على المعلومات الخاصة بالبيئة من خلال العديد من الأجهزة الحسية. فالراشد يستخدم الأبصار أو السمع أو اللمس لتمييز خصائص البيئة. ويبرز السؤال عن الدرجة التي يجري بها ترجمة الطاقة الحسية في أحد هذه الأجهزة إلى معلومات مفيدة في واحد أو أكثر من الأجهزة الأخرى ويشار إلى هذا الموضع أحيانًا باسم "التحول الشكلى الفرعي النمو فيما بين الحواس
Cross-model transfer" أو "النمو فيما بين الحواس" intersensory development.وأهم المساهمات التي أضيفت في هذا المجال هي التي قام بها بيرتش
Birch وعدد من زملائه "Brick & Bitterman, 1981, Birch & Leffod 1983" ولإعطاء القارئ فكرة عن الطريقة العامة في هذا المجال، سنصف إحدى هذه التجارب بتفصيل أكثر من المعتاد. ففي دراسة قدمها بيرتش وليفورد Birch & Lefford "1983" تم فحص أشكال بصرية ولمسية وحركية بهدف تحديد التكافؤ في معرفة الأشكال الهندسية. واللمس هنا يشير إلى محاولة يدوية نشطة لاستكشاف شيء مثير. والحركية تشير إلى الطاقة الحسية التي تحدث في الحركات، وهي هنا حركة الذراعين.
(2/139)
وقد تضمنت التجربة سلسلة مقارنات زوجية: تجرى مقارنة شكل ما في جهاز حسي معين "القياس" بأشكال مقدمة في جهاز حسي آخر. مثال ذلك يقوم المشرف على التجربة بتقديم مثير بصري لأطفال التجربة يطلب منهم مناظرة المثير القياسي من خلال جهاز اللمس أو جهاز الحركة. والأشكال الهندسية الموضحة بالشكل "43" كانت عادة مألوفة لأطفال التجربة، كان هؤلاء الأطفال 73 ولدًا و72 بنتًا في سن يتراوح بين 5-11 سنة والشكل "44" يبين النتائج الخاصة بثلاثة ازدواجات.لاحظ أن أفراد التجربة كانت أخطاؤهم أقل ما يمكن عندما كان الجهازان اللمسي والبصري مقترنين بصرف النظر عما إذا كانت المقارنة بين أشكال متطابقة أو أشكال غير متطابقة. وكان أدنى أداء هو الذي جرى في حالة المقارنة الحسية التي تضمنت الحركة العضلية. وتدل النتائج أيضًا على أن أداء البنات في هذه المهمة كان أفضل من أداء البنين. كما تجدر ملاحظة التحسن الهائل في الأداء مع السن. وتدل النتائج أيضًا على أن أسرع معدل نمو للتكافؤ البصري - اللمس يحدث قبل سن الخامسة.
(2/140)
وعند الإشارة إلى نتائج هذه التجربة لاحظ بيرتش "1983، 40" Birch ما يلي:"تدل ميول المنحنيات التي تعكس نمو التكافؤ البصري - اللمسي، والبصري - الحركي على أن مرحلة العمر من السادسة إلى الثامنة تمثل فترة تغير سريع في التنظيم والقدرة الوظيفية. وفي هذه الفترة نجد أن المعلومات المستقاة من البيئة الخارجية بواسطة مستقبل عن بعد
Telorecoptor مثل الأبصار، ومستقبل عن قرب Proximoreceptor وتمثله الإثارة اللمسية، هذه المعلومات تحقق تكاملًا مع تكافؤ في المعلومات الاستقبالية الداخلية المستقاة من حركة الأطراف. وتحقيق مثل هذه العلاقات المتبادلة يسهم في تنظيم النمو بإضافة إمكانية زيادة التحكم في الفعل بالإدراك البصري".إن هذا التفسير يتسم بالأهمية بالنسبة للنتائج الخاصة بالنمو المعرفي، والتي تبين تغيرات بالغة في التنظيم المعرفي للأطفال في نفس مرحلة السن 6 إلى 8 سنوات.
(2/142)
إن مفهوم الطاقة اللمسية وعلاقتها بأنماط السلوك الأخرى سوف تزداد وضوحًا إذا تفحصنا بعض المواد التي طورها زابزريتس "1965" Zaporozhets، وهو عالم نفس روسي أسهم هو وزملاؤه إسهامًا كبيرًا في زيادة تفهمنا للنمو الإدراكي والحركي. والرأي النظري الخاص الذي ولد هذه المواد يسمى بنظرية النسخ الحركي Motor copy theory، وهي التي تهتم أساسًا بالعلاقة بين الأجهزة الحسية البصرية واللمسية والحركية. وطبقًا لهذا الرأي، فإن الأطفال عندما يستكشفون شيئًا بأيديهم، يكونون في نفس الوقت صورة مرئية لهذا الشيء. وهكذا نستطيع أن نجد تفسيرًا ممكنًا نتائج بيرتش Birch وأول زوج من الوجوه التي فحصت هو المبين بالشكل "46" الذي يبين صورة طفل يتراوح عمره بين 3 و4.5 سنة، والصورة الأخرى لطفل يتراوح عمره بين 6 و7.5 سنة، ومجال الصورة التي يجب تفحصها بدقة هي يد الطفل فوق المثير. ويصف زابوروزيتس Zaporozhets أداء الطفل الأصغر بأنه بدائي لأن السلوك الاستشكافي لا يستطيع
(2/143)
تمييز شيء عن أي شيء آخر. لاحظ أن يد الطفل تقبض على المثير بأكمله، في حين أن الطفل في الصورة الثانية يبدو وكأنه يتابع تخطيط حدود الشيء ويفحصه أيضًا بحثًا عن سمات أخرى كالصلابة مثلًا. وطبقًا لزابوروزيتس zaporozhets فإن الطفل الأصغر يلعب بالمثير ويتعرف مصادفة على خواصه. وعندما طلب من الأطفال فيما بعد أن يتعرفوا على المثير "كان الأطفال الأصغر يرتكبون أخطاء أكثر نسبيًا. وقد يفسر جيبسون Gibson ذلك بأن الطفل لا يعرف كيف يكتشف السمات الحاسمة.
(2/144)
والمجموعة الثانية من الأشكال "شكل 47" تبين الأطفال يحركون شيئًا غير منتظم الشكل. والصغير في الشكل العلوي يبدو واضعًا كفيه على حافة الشكل وكأنه يدفعه بأصابعه ويذكر الباحث أنه طول مدة تصوير الفيلم ظل كف اليد دون حراك، ويبدو أن هذه النتيجة تدل على أنه إذا كان من المهم -وهو فعلًا هام- استكشاف الحدود الخارجية للشيء، فإن هذا الطفل ذا الثلاث سنوات لم يفعل ذلك، والطفل في الصورة السلفى عمره 6سنوات وقد وضع أصابعه على طول الحد الخارجي للشيء، وطوال مدة تصوير الفيلم كان يتحسس كل حدود الشكل بأطراف أصابعه بطريقة منتظمة. والشكل "47" يبين كيف أن طفلًا أكبر وآخر أصغر يتلمسان مثيرًا. وقد اقترح بيرتش وليفورد Birch & Lefford إمكانية وجود علاقة بين السلوك اللمسي والسلوك البصري، وهي ملاحظة يؤيدها استنتاج زابورزيتس Zaporozhets. وفي الشكلين "48"، "49" نشاهد أنماط حركة العين، والاستراتيجيات النفسية للأطفال من سن 6-7 سنوات. لاحظ: التوافق الرائع بين الحركات البصرية والحركات اللمسية للأطفال. فالأطفال الأصغر يميلون لتثبيت البصر أكثر على داخل الشكل، في حين أن الأطفال الأكبر يثبتون أبصارهم بطريقة منتظمة حول حدوده. وعندما طلب من هؤلاء الأطفال فيما بعد التقاط الشكل من بين عده أشكال أخرى غير منتظمة، فلا عجب في أن الأطفال الأصغر لم يتمكنوا من ذلك. وهكذا يبدو أن التوافق البصري - اللمسي الذي ذكره بيرتش وليفورد
(2/145)
Birch& lefford وجد تأييدًا علاوة على ذلك، فبحث زابورزيتس Zaporozhets يدل على أن الاستراتيجيات "العمليات" الإدراكية للأطفال الأصغر والأكبر تختلف عن بعضها البعض اختلافًا حادًا.وثمة ملاحظة أخيرة عن هذا البحث. لقد استنتج بيرتس
Birch لسبب ما، أن التناول اللمسي للأشياء باليد يكون الأساس في التمييز البصري للأطفال.وبعبارة أخرى، لقد افترض أن التناول اللمسي هو المسئول عن التشكيل الأولى للموجز الشكلي وأن الطاقة البصرية تستخدم بعد ذلك لتطوير هذه الموجزات. ولكن حيث أن الجهاز البصري يشتمل على مكون حركي - أنماط حركة العين التي يصحبها تدريب أثاري فإن نسخة حركية على أساس إدراكي ممكن حدوثها للأشكال التي لها أساس بصري وكذلك للأشكال اللمسية والحركية.
(2/146)
5- التمثيل المكاني:مع أن الاهتمام بدراسة
التمثيل المكانيSpatial representation كان أقل منه في المجالات الأخرى الخاصة بالنمو الإدراكي، إلا أن هذا المظهر من مظاهر الإدراك ذو أهمية لأنه يوفر القدرة على التحرك من منطقة إلى أخرى وعلى التخطيط الذكي لهذا التحرك. والتمثيل المكاني يتضمن قدرة الطفل على فهم العلاقة بين جسمه والأجسام الأخرى في الفضاء "المكان"، وخاصة عندما يغير الجسم موضعه في ذلك المكان. ورغم أن هذه المادة الخاصة ذات أهمية، إلا أننا سنركز على نمو قدرة الأطفال على تمثيل العلاقات المكانية على شكل أنماط سلوكية خرائطية.
(2/146)
وفي محاولة من أحد الباحثين لتقديم الموضوع العام، أخذ يراقب ابنته، وعددًا آخر من أطفال الصف الرابع، وهي ترسم خريطة لمدرستها. كان الأطفال في حجرة الدراسة، ومعهم قطعة كبيرة من الورق، أخذوا يحاولون في استماتة أن يرسموا تخطيطًا معقولًا لمدرستهم كانت المدرسة على شكل حرف H. ولخيبة أمل المدرسين والآباء، كانت الحصيلة النهائية للمحاولة سيئة للغاية: فقد جاء نصف موقع صالة الرياضة في داخل حجرة الناظر والنصف الآخر في فناء المدرسة. أما المقصف فجاء موقعه تقريبًا داخل الفصل، وجاء مدخل المدرسة ملفوتًا بمقدار 180 درجة. وبعد أن ترك الأب الحزين مبنى المدرسة ذهب إلى مكتبة وأقفل الباب ثم جلس أمام قطعة من الورق وأخذ يحاول أن يعرف إذا كان ذلك الواجب "تلك المهمة" بهذا القدر من الصعوبة حقًا كان الوالد قد زار المدرسة ثلاث مرات فقط قبل ذلك. لم يكن الوالد ممتازًا في مجال الفن، ولكنه استطاع أن يرسم خريطة معقولة للمدرسة. فلماذا إذن حدث ذلك الفرق؟إن مادة هذه المناقشة مستمدة إلى حد كبير من رسالة حديثة قدمها سيجل وهوايت "1989"
Siegel & White، وفيها قدما عرضًا تاريخيًا للمفاهيم وتفسيرًا للتمثيل "الإدراك" المكاني، وكذلك عرضًا كاملًا للأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع. ومن أهم السمات التي تبرز من هذا العرض أن نمو الإدراك المكاني واستخدامه يتصل اتصالًا وثيقًا بدرجة التحرك لدى الفرد في البيئة. فمع تزايد القدرة على الحركة لدى الأطفال، والحرية في استطلاع بيئتهم، فإن استطلاعاتهم تساعدهم على تكوين التمثيل المكاني لعالمهم. ويمكننا أن نظن أن تلميذة الصف الرابع وأقرانها أما إنهم لا يتحركون كثيرًا "والواقع عكس ذلك" أو أن هذا التفسير ليس مناسبًا.والواقع أن سيجل وهوايت
Siegel & White يؤكدان على أن أنواع المعلومات التي يحصل عليها الأطفال من استطلاع بيئاتهم تختلف عن معلومات الراشدين. إن الراشدين يلاحظون ويتذكرون العالم. علاوة على ذلك فإن معالم مختلفة تتم ملاحظتها. كما يؤكدان على أن الأطفال الصغار فيما يختص بخرائطهم التي تمثل جوارهم، يميلون لرسم الأشياء الحقيقية، في حين أن الأطفال الكبار يمثلون نفس الأشياء برمزية أكثر. وبعبارة أخرى: فإن خرائط الأطفال الأكبر
(2/147)
تشتمل على تنظيم معرفي أكثر، وتدل الدلائل علاوة على ذلك على أن الأطفال الكبار يستخدمون تحولًا معرفيًا للطاقة البصرية مما يساعد معرفتهم البصرية، أي أن الطفل الكبير يستخدم الموجزات الشكلية المتيسرة لديه بإشارات إثارية أقل مما يحتاج إليه الأطفال الصغار. والأبحاث التي تميل لتأييد هذا التعميم قدمها سموثريل Smothergill "1973"، كما وردت في سلسلة من الدراسات قام بها باحثون آخرون أمثال: "Keogh, 1969, 1971, Keogh & Keogh, 1968".وثمة افتراض أساسي آخر حول نمو الإدراك المكاني كما يراه
Siegel & White "1985 ص39"، وهو أنه:"متى تم تحديد المعالم، فإن أفعال الطفل تسجل وتقيم بالإشارة إليها" وهذه المعالم، كما أشرنا آنفًا تصلح كأدوات إرشادية وتنظيمية لتطوير الخرائط. ومن هذه الإشارات المعرفية يستطيع الطفل إما أن يؤدي سلسلة من الأفعال أو يفعلها عقليًا. والافتراض الثالث هو أنه إذا أصبح الطفل مدركًا للمعالم، واستطاع أن يقرنها بسلسلة من الأفعال المتتابعة، واستطاع أن يكون معرفيًا نظامًا للطريق، فإنه عندئذ يستطيع أن يرسم خرائط صغيرة. وفي النهاية، ومن خلال المخالطة مع البيئة ومن خلال النمو المتداخل للاقتدار المكاني، يصبح الطفل قادرًا على تحديد موقع العناصر في المكان وأن يرسم خرائط للطرق على درجة عالية من الارتباطات الداخلية والتنظيم التدريجي.ويذكر سيجل وهوايت "1985 ص36"
Siegel & White السمات الرئيسية للنمط النمائي على النحو التالي:"إن نمو تتابع التمثيل المكاني لدى الأطفال يطابق" التتابع الرئيسي" المتميز في بناء التمثيل المكاني لدى الراشدين. إن المعالم تلاحظ وتتذكر أولًا. ويتصرف الطفل في مجال هذه المعالم، وإذا تهيأت المعالم وتتابع الفعل، يتحقق تكوين الطريق. إن المعالم والطرق تتكون على هيئة حزمة، ولكن إلى أن يتم تكوين إطار موضوعي للإسناد، تظل هذه الحزم غير متناسقة الواحدة مع الأخرى. والتمثيل الدراسي تبدو كنظام من الطرق يأتي من إطار إسنادي ويستقر فيه".
(2/148)
6- :من أهم سمات النمو الإدراكي لدى الأطفال هي الصعوبة التي يواجهونها في نسخ الأشكال. والمشكلة التجريبية المتميزة تتضمن نسخ أشكال هندسية مثل الدائرة والمربع والمعيّن والترتيب الذي تنتظم فيه هذه الأشكال يقترب من ترتيب الصعوبة التي يواجهها الأطفال في نسخ هذه الأشكال.شكل "50" إن اختبار "رسم رجل" يعتبر مقياسًا لقدرة الطفل على تمثيل الجسم البشري.والنقط "الدرجات" في هذا الاختبار وفي اختبارات معامل الذكاء مرتبطة.السلوك الإدراكي الحركي
(2/149)
وكما سبق أن رأينا، فإن الأطفال في سن الثانية أو حتى قبل ذلك، يستطيعون التمييز بين هذه الأشكال بل ويمكنهم عنونتها بدقة. ورغم هذه القدرات، فإن الأطفال الصغار لا يستطيعون نسخ الأشكال. والتفسير الشائع لهذا القصور هو أن نموهم العضلي ضعيف أو أن قدرتهم الفنية ضعيفة. وقد يكون ذلك تفسيرًا صحيحًا جزئيًا تبعًا لما نعنيه بالقدرة الفنية، ولكن من المؤكد أن عدم القدرة على نسخ الأشكال لا تنتج عن نقص في السيطرة الحركية. وعادة يقال مثلًا أن الطفل عندما يطلب منه أن يرسم رجلًا "وهو اختبار ما يزال شائع الاستخدام في اختبار الذكاء" فإن عدم دقة الرسم هي نتيجة لضعف القدرة الفنية. والواقع أن الصورة غير سليمة التكوين لشخص تدل على شيء أكثر أهمية: إنها تكشف عن مستوى الطفل في التمثيل المعرفي للشكل الإنساني، وتفسير السبب في حدوث تتابع الأحداث لا يمكن تقديمه عن ثقة، ولكننا سوف نستطلع المفاهيم التي نشك في أنها أساس الموضوع.واقتراح ماكوبي وبي "1965"
Maccoby & Bee أن الطفل لكي ينسخ صورة وجه عليه أن يهتم بمزيد من السمات المميزة للنموذج ويستوعبها أكثر مما عليه أن يميز هذه الصورة عن غيرها من الصور. وعلى ذلك مثلًا يستطيع الأطفال أن يرسموا دوائر في وقت مبكر عن قدرتهم على رسم المعين. ورأى ماكوبي Maccoby & Bee يتفق وهذا الفرق في النمو: أن رسم الدائرة يتطلب القدرة على رسم الشكل العام ثم يصل بين النقطتين. أما نسخ معين فيتطلب الاهتمام بأربعة أركان وهي الأركان التي يتطلبها رسم المربع ولكن أركان المعين تقع على زاوية 45 درجة في الفضاء. ولذلك وعلاوة على الأربعة أركان التي في المعين، فهناك أيضًا مشكلة تمثيل المعين في الفضاء. هذه كلها إشارات يجب الاهتمام بها واستيعابها قبل أن تنجح عملية النسخ.ولا شك في أن التفسير يتفق والمعطيات ولكن من المحتمل أنه لا يأخذ في الاعتبار بعض المعطيات الأخرى التي لم تكن متيسرة في الوقت الذي قدم فيه هذا
(2/150)
التفسير. وفي كتاب لأولسون "1970" Olson يبحث في اكتساب الأطفال للقدرة على نسخ أو تكوين شبه منحرف، أو ما أسماه باكتساب الانحرافية، وافق "أولسون" على أنه بينما لا يجد الراشدون صعوبة تذكر في رسم شكل شبه منحرف، فإن واجب الأطفال في هذه الحالة يتطلب وقتًا طويلًا، ويبدو أنه صعب بالفطرة. وعند تحليل رأي ماكوبي وبي Maccoby, Bee ميز أولسون Olson بين "الفضاء الإدراكي، واللافضاء التمثيلي". فالفضاء الإدراكي يتضمن قدرة الطفل في التعرف على المربع كشكل مختلف عن المثلث، في حين أن الفضاء التمثيلي يتضمن مسألة ما إذا كان الطفل يعرف مم يتكون المربع. وفي تقديم رأيه: يذكر أولسون "1970- ص74" Olson رأي بياجيه وانهلدر "1956" Piaget & Inheler وأن حقيقة كون الأمر يتطلب عامين على الأقل من العمل للانتقال من نسخ المربع إلى نسخ شكل المعين يدل بوضوح على أنه لتكوين شكل إقليدي، يتطلب الأمر أكثر من مجرد انطباع بصري سليم". وعلى ذلك فإن الرسم هو في الواقع مؤشر على الطريقة التي يتمثل بها الطفل الفضاء "الإدراك المكاني"، وهذه الخاصية. كما ذكر سيجل وهوايت Siegl & White في مناقشتهما، قد تكون مسئولة عن الصعوبة التي يواجهها الأطفال في تناول الكثير من الأشكال الهندسية التي يطلب منهم نسخها. ويجب أن نلاحظ أن الشكل شبه المنحرف الذي ذكره أولسون Olson، ورسم المعين أمر صعب، وفي الواقع أن المعين يمكن النظر إليه كمجموعة من منحرفين. وعلى ذلك فإن الانحرافية لا بد وأن يكون لها من السمات ما يجعل رسمها صعبًا.وفي ختام هذا الفصل، يمكننا أن نعود إلى وجهات النظر الآلية مقابل وجهات النظر العضوية لتقييم علاقتها بالنمو الإدراكي. والدليل المقدم يؤيد الاعتقاد بأن التركيب العضوي سابق البرمجة ليكون باحثًا نشطًا عن الإثارة البيئية. أن كثيرًا من القدرات الإدراكية تظهر عند الميلاد أو بعدها بقليل، في حين أن غيرها يتطلب وقتًا وخبرة أكبر للوصول إلى حالة النضج. وبعكس النظريات الأخرى، فإن وجهة النظر العضوية قد غيرت بدرجة كبيرة نظرة علماء نفس النمو ودراستهم للإدراك. وكما ذكر "باور" "1966"
Bower فإن نظريات الاختيارية
(2/151)
المبكرة اقترحت أن العالم الإدراكي للأطفال الصغار مكان مخيف لا يظل فيه شيء ثابتًا ولا تبدو فيه الأشياء كما تظهر. وبالاستخدام الماهر للوسائل الشرطية، قدم "باور" Bower صورة مختلفة تمامًا عالمًا يتميز بالثبات الإدراكي، ومع أنه لا توجد نظريات تنكر أن الخبرة ترفع من القدرة الإدراكية، فإن تأثيرات الخبرة لا تعتبر آلية ولكن عضوية.
(2/152)
خلاصة:يدخل الأطفال حديثي الولادة إلى هذا العالم مزودين بجهاز إدراكي وظيفي. وتدل الدراسات التي استخدمت وسائل التعلم الارتباطي على أن الأطفال الصغار يستطيعون أداء كثير من التمييزات الحسية بما في ذلك التمييزات البصرية والسمعية والشمية. والمثيرات الغريبة والمعقدة تجذب الانتباه أكثر من المثيرات المألوفة. وباستخدام الإجراءات الارتباطية تبين أن الأطفال الصغار يستطيعون أيضًا تصنيف المثيرات. وكشفت دراسات بحثية أخرى، باستخدام إجراءات التعود، عن أن الأطفال الصغار يفضلون المثيرات البصرية والسمعية. ويعتقد أن عملية التعود تمثل تفسيرًا معقولًا للكيفية التي يتعلم بها الأطفال الصغار خصائص العالم. ومع أنه لا يوجد بعد تفسير نظري كامل للاستجابة الإدراكية المبكرة، فإنه من الواضح أنه فيما مضى كان العلماء يقللون بدرجة خطيرة من شأن القدرة الحسية للأطفال.ومع تقدم النمو بعد مرحلة الطفولة المبكرة، يصبح الطفل أكثر مهارة في تحديد سمات المثيرات التي يتميز بعضها عن البعض الآخر. وتدل الدراسات البحثية في سلوك البحث البصري على أن الأطفال الأكبر سنًا أكثر كفاءة في عزل السمات المميزة وبذلك يتعرفون على الأشياء. إن الأجهزة البصرية واللمسية مثلًا، تصبح تبادلية يمكن التعرف على الأشياء بسهولة باستخدام أي من الجهازين. وعندما يصبح تمثيل العالم الإدراكي أكثر رسوخًا يستطيع الأطفال التعبير عن تمثلاتهم في رسوم وغير ذلك من أنماط السلوك التجريدية. وأخيرًا فإن التفرقة بين الإدراك والمعرفة تصبح مشوشة، حيث يصبح كل منهما جزءًا مكملًا للآخر.
(2/152)
( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
علم نفس النمو
الفصل الرابع: النمو اللغوي
اللغة ووظائفها:
اللغة أهم ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية، فهي أساس الحضارة البشرية، وهي وسيلة الكائن البشري للاتصال بعالمه الذي يعيش فيه والتعبير عن ذاته وإشباع حاجاته، ومن خلالها يطل على الأجيال السابقة ليمهد لمستقبل أفضل.
فاللغة نظام من الرموز يخضع لقواعد ونظم، وتتكون من إشارات منطوقة ذات صفة سمعية وأخرى ذات صفة فكرية رمزية، يعبر بها الفرد عن حاجاته ورغباته ومشاعره؛ لذا تعرف اللغة بأنها "نسق إشارات صوتية تستخدم للتواصل بين الناس بمجتمع ما، وتنطوي على وجود وظيفة رمزية ومراكز عصبية متخصصة تكوينيًا. وجهاز سمعي صوتي للنطق بالإشارات. فنسق الإشارات -في جماعة إنسانية ما- يشكل اللغة أو اللسان، وفي قيام أحد الأفراد بفعل اتصال لغوي يشكل القول أو الكلام" "كمال دسوقي، 1990، 770".
ومن ثم: تنطوي اللغة على عدد من الوظائف منها:
1- الوظيفة التعبيرية: حيث تسمح اللغة لمستخدميها منذ طفولتهم المبكرة أن يعبروا عن رغباتهم وإحساستهم الداخلية وانفعالاتهم ومواقفهم، وأن يعرضوا مواقفهم وتجاربهم وظروفهم وما يريدون الحصول عليه من البيئة المحيطة بهم "جمعة يوسف: 1990، 22". ويرى علماء التحليل النفسي أن التعبير باللغة يسهم إسهامًا بالغًا في عملية التفريغ النفسي للشحنات الانفعالية المؤلمة، ومن ثم: تستخدم اللغة -من خلال المقابلات- من أجل التنفيس الانفعالي، وعلاج الاضطرابات الانفعالية، كما اعتبرت الكلمة وسيلة تشخيصية في المقام الأول حيث أن الشخص يكشف عن ذاته سواء من خلال مضمون أحاديثه أو من خلال أسلوب ونبرة صوته، وصمته عن الموضوعات التي تتم مناقشتها، أو عن طريق وقفاته وهفواته وتكراره أو تلعثمه. "فيصل الزراد، 1990، 14-16".
(2/155)
2- الوظيفة الفكرية: فاللغة تمد الفرد بالأفكار والمعلومات وتثير لديه أفكار ومواقف جديدة، وتدفعه إلى التفكير وتوحي إليه بما يعمل على تفيق ذهنه وتوسيع آفاق خياله وتنمية قدراته الإبداعية "أحمد المعتوق: 1996، 36-37"، بالإضافة لذلك فإن اللغة تمكن الفرد من الانتقال إلى المستويات الأكثر تجريدًا والتي لا يمكن التوصل إليها إلا بعد اكتساب اللغة "ليلى كرم الدين، 1990، 8-9".
3- وظيفة التواصل الاجتماعي: فاللغة أداة تواصل تعتمد على الرموز المنطوقة للتواصل من خلال الكلام، والرموز المكتوبة للتواصل من خلال الكتابة، والرموز الإرشادية للتواصل من خلال لغة الإشارات.. ولا تتوقف قيمة اللغة في التواصل على مجرد نقل أفكار المتكلم إلى السامع فقط، ولكنها تستعمل أيضًا لإثارة أفكار ووجدانات عند السامع فيقوم بالاستجابة وتلبية لأثر ما أدركه من الكلام مما يدفعه إلى العمل والحركة "عبد العزيز عبد المجيد، 1979، 14".
4- وظيفة التوافق الاجتماعي: فاللغة توفر للفرد كل ما يساعده على العيش بين الناس في يسر وطمأنينة وسلام، وتصبح أساسًا لتوفير الحماية والرعاية للإنسان بين جماعته، وعاملًا لتحقيق منافعه ورغباته وتسهيل سبل معيشته في إطار هذه الجماعة "أحمد المعتوق 1996، 35". وبذلك فإن الفرد طفلًا وراشدًا يستطيع من خلال استخدامه للغة أن يثبت هويته وكيانه الشخصي ويقدم أفكاره للآخرين "جمعة يوسف، 1990، 23"، كما أن اللغة تساعد الطفل منذ نعومة أظفاره على التعرف على العادات والقيم السائدة في مجتمعه، مما يساعده على التحكم في سلوكه وضبطه طبقًا لتلك القيم والعادات والتقاليد. بالإضافة لذلك فإن اللغة تعطي الفرد شعورًا بالانتماء لمجتمعه وتعاونه على تعديل سلوكه كي يتلاءم مع هذا المجتمع، فهي تزوده بالعبارات اللازمة لمختلف أوجه التعامل الاجتماعي وبذلك يخضع سلوكه كفرد لما يقتضيه المجتمع "عبد العزيز عبد المجيد: 1979، 15".
5- الوظيفة التعليمية: فاللغة أداة تعلم واكتساب وعنصر هام من عناصر العملية التعليمية، حيث يعتمد التحصيل الدراسي على الاستعمال الفعال للغة لأنها مادة
(2/156)
ومحتوى أي منهج دراسي، وبقدر ما تكون اللغة ومفرداتها واضحة. ومستمدة من القاموس اللغوي للأطفال الذين يوضع لهم المنهج نكون قد ضمنا عاملًا مهمًا من العوامل المؤثرة في تحقيق أهداف المنهج. "Gormly, 1997, 182".
6- الوظيفة الثقافية: فاللغة وسيلة لنقل التراث الثقافي والحضاري، حيث تكمن قيمتها في عملية الإخبار والإعلام عن قضايا تاريخية محددة أو حوادث حاضرة تساعد في المقارنة بين الماضي والحاضر "فيصل الزراد: 1990، 17"، كما أنه من خلالها يستطيع الإنسان أن ينقل ويستقبل معلومات جديدة وخبرات متنوعة من أجزاء متفرقة من الكرة الأرضية خصوصًا بعد الثورة التكنولوجية الإعلامية.. بالإضافة لذلك: فإن اللغة مرآة الشعب ومستودع تراثه وديوان أدبه وسجل مطامحه ومفتاح أفكاره وعواطفه، ورمز كيانه الروحي وعنوان وحدته وتقدمه وخزانة عاداته وتقاليده.
وبذلك فإن اكتساب اللغة يفتح للإنسان آفاقًا رحبة من التجارب والمعارف والأفكار التي تمكنه من أن يطل على حياة الماضين بكل شعوبهم وأجيالهم وطبقاتهم ومذاهبهم فيطلع على تراث أمته الفكري والحضاري والاجتماعي، وعلى تراث مجتمعات مختلفة مترامية الأطراف متباعدة الأماكن والأزمان فيستفيد من خبراتهم وتجاربهم وأفكارهم، وبذلك يكون أكثر وعيًا وأثرى فكرًا وأوسع معرفة وأكثر قابلية على الإبداع والاندماج "أحمد المعوق: 1996، 40".
(2/157)
النمو اللغوي المبكر
مدخل
...
النمو اللغوي المبكر:
تشير معظم الآراء إلى أن نمو اللغة كأي جانب سلوكي آخر يسير وفق مراحل مختلفة ترتبط الواحدة بالأخرى، حيث لم يعد بالإمكان وصف أي مرحلة من المراحل بشكل منفصل عن المراحل السابقة لها.
وفي ذلك يرى بياجيه أن النمو بمثابة سلسلة متصلة الحلقات تمثل كل مرحلة فيها امتدادًا للمرحلة السابقة لها وأيضًا تمهيدًا للمرحلة اللاحقة. "غسان يعقوب، 1980".
وتمر اللغة بعدة مراحل إلى أن تصل إلى شكلها المألوف الذي يتيح للفرد استعمالها كأداة للتعبير والاتصال، وهي تعتمد في نموها على مدى نضج وتدريب الأجهزة الصوتية. وعلى مستوى التوافق العقلي والحركي والحسي الذي تقوم عليه المهارة اللغوية وخاصة في بدء تكوينها.
فالطفل يكون متهيئًا للكلام عندما تكون أعضاؤه الكلامية ومراكزه العصبية قد بلغت درجة كافية من النضج.
كما يجب أن يتمكن الأطفال من الوظائف الأساسية في تعلم الكلام مثل: الاستيعاب والنطق وبناء المفردات وتكوين الجمل.
وقد أثبتت "تشايلد" أن عدد الأخطاء في كلام الطفل يتناقض تدريجيًا مع تقدمه في النضج.
وتدل الأبحاث الحديثة على أن الأجهزة الصوتية المختلفة كعضلات الفم واللسان والحنجرة تصل في نموها إلى المستوى الذي يمكنها من أداء وظيفتها قبل الميلاد.
ويذهب جريجواز Gerigwaz إلى أن الطفل وهو جنين يتأثر بشتى النغمات الانفعالية للغة الأم، يكون ذلك بدء تأثره باللغة. ويمر جميع أطفال العالم بنفس المراحل المتتابعة في النمو اللغوي، ولا تختلف هذه المراحل مهما كانت اللغات التي يكتسبها الطفل من البيئة "وليد الزند، 1976". وتتدرج مراحل النمو اللغوي كما يتدرج الطفل في نواحي نموه المختلفة، ويمكن تقسيم النمو اللغوي المبكر إلى المراحل التالية:
(2/158)
أولًا: مرحلة الاستجابات المنعكسة
أ- صيحة الميلاد: تبدأ مظاهر الحياة عند الطفل المولود حديثًا بصرخة الميلاد الناتجة عن اندفاع الهواء إلى الرئتين بقوة عبر حنجرته فتهتز أوتارها، وهكذا تبدأ الحياة بمنعكس يعتمد في استثارته على دخول الهواء إلى الرئتين. وهذه الصيحة سببها فسيولوجي محض، وهي أول ظاهرة من ظواهر اللغة
(2/158)
الإنسانية، ولهذه الصيحة أثر فعال في فتح المجال الهوائي لجهاز النطق عند الطفل.
وتختلف هذه الصيحة من طفل لآخر تبعًا لنوع الولادة وصحة الطفل، فصيحة الطفل القوى حادة، وصيحة الطفل الضعيف خافتة متقطعة. "يونس الجنابي، 1983".
ب- الصراخ والأصوات: تتطور صيحة الميلاد إلى صراخ لتعبر عن حالة الطفل الانفعالية ورغباته بعد ساعات أو أيام من ولادته. ويبدأ الوليد باستعمال البكاء لإرسال التبليغات إلى الآخرين. وقد وجد ووف 1969 Wooff، أن الطفل بعد الأسابيع الأولى من حياته يطلق ثلاثة أنواع من البكاء هي: الصرخة الإيقاعية، وهو البكاء المنغم في مقاطع، بكاء الألم، وتعبر هذه الأصوات عن حالة الطفل، فالصرخة الإيقاعية الترتيبية المتقطعة تدل على الضيق، والصرخة الحادة تدل على الألم.
ويكون الصراخ في الأيام الأولى غير منتظم وغير مسيطر عليه، يصاحبه احمرار الجلد، مع ازدياد في النشاط والتنفيس غير المنتظم، وتحريك الأطراف والعضلات، كما أن الأصوات الأولى للطفل تكون تلقائية لا تحمل أي معنى يتصل بموقف ما ولكن لها أهمية كبيرة لأنها تعتبر تمرينا للجهاز الكلامي الذي يعمل على نضج أجهزة الصوت. ويعد صراخ الطفل في الأيام الأولى عملًا آليًا "أفعالًا منعكسة"، نتيجة لما يشعر به من حالات جسمية كالجوع والبلل. "موفق الحمداني، 1982"
وتصدر عن الطفل خلال الأسابيع الأولى -إلى جانب الصراخ- أصواتًا عديدة غامضة يقوم بها بشكل لا إرادي. وتعتبر هذه الأصوات المادة الأولية التي منها تتكون أصوات الحروف المختلفة، وتكون هذه الأصوات خالية من المعنى، ثم تتخذ لها معاني مختلفة بالتدريج نتيجة لتفاعل الطفل مع من حوله. ويلاحظ أن الأطفال حديثي الولادة ينتبهون للأصوات بعد 24 ساعة من الولادة، وهذه هي الخطوة الأولى في الانتباه للغة والتقاط أولياتها.
(2/159)
وقد قسمت آرون وشو Aron & Show نمو التصويت إلى خمس مراحل هي:
1- مرحلة الصراخ العشوائي يحدث نتيجة الانعكاسات الجسمية وامتداد التنفس.
2- الصراخ الموجه، بصوت الطفل من أجل إشباع حاجاته.
3- في عمر ثلاثة أو أربعة أشهر يبدأ المناغاة Babbling وتستمر المناغاة شهرين أو ثلاثة حتى يتعود الطفل على الأصوات، وتختفي المناغاة عندما يحاول الطفل النطق.
4- اللثغة Palliation تبدأ في منتصف الشهر السادس وعندما يألف الطفل أصوات الكبار وينتبه عندما يتكلمون.
5 نطق الطفل لبعض الأصوات والتعود على تكرارها وتبدأ في الشهر التاسع والعاشر. "وليد الزند، 1976". وسوف نفصل الحديث عن هذه المراحل فيما بعد.
وتبدو لدى الطفل كذلك في هذه المرحلة مظاهر التعبير الوجداني الإرادي، فكثيرًا ما يتعمد الطفل في شهوره الأولى محاكاة تعبيره الطبيعي ليقف المحيطين به على حالة الوجدانية، أو ليحملهم على تحقيق رغبة من رغباته، فقد يتعمد مثلًا الصراخ أو البكاء ليقضي له مطلبًا ما.
وتبدو لديه كذلك في أواخر هذه المرحلة بعض مظاهر من التعبير عن المعاني عن طريق الإشارة، فكثيرًا ما يلجأ إلى الإشارات اليدوية والجسمية للتعبير عما يهمه التعبير عنه، كأن يمد يده ويضم أصابع كفه ويبسطها للإشارة إلى شخص بالقرب منه، وكأن يدفع شخصًا بيده للتعبير عن رغبته في أن يبعد عنه. "علي عبد الواحد، د. ت".
جـ- مرحلة الضحك: وتبدأ هذه المرحلة في الظهور من الشهر الثاني من عمر الطفل، كما يبدأ الابتسام بشكل فطري مبكر عند جميع الأطفال بصفة عامة،
(2/160)
ويظل هذا الابتسام فعلًا فرديًا حتى الشهر الثالث حيث يبدأ الدور الاجتماعي للابتسام عندما يبدأ عمل المحاكاة.
ورغم أن الضحك بمثابة المبالغة في الابتسام كما أنه يتأخر في الزمن عن الابتسام إلا أنهما يستمران مع الطفل كوسيلة لغوية حتى آخر الحياة. "محمد طالب الدويك، 1985".
(2/161)
ثانيًا: مرحلة المناغاة
والمناغاة صوت أو مجموعة أصوات تصدر عن الطفل في الأسبوع الثالث وتستمر حتى نهاية السنة الأولى عندما ينطق الطفل كلمته الأولى. وتظهر المناغاة عندما تصبح المراكز العليا صالحة للتوافق مع العضلات اللفظية، ويصبح الطفل قادرًا على اللغة اللفظية فيتمرن على السيطرة على الأصوات واجدًا فيها لذته. والمناغاة شكل من أشكال الترويض اللفظي التلقائي. "Hurlock, 1964".
شكل "51" في مرحلة المناغاة يلعب التقليد والتدعيم دورًا هامًا في اكتساب مفردات اللغة
(2/161)
ويعد الطفل نفسه في مناغاته لتعلم اللغة السائدة، وعلينا أن نستفيد من هذه الإمكانات قبل فوات الأوان وقبل نسيان الطفل أصواته التلقائية. والتأخر معناه لجوءنا فيما بعد إلى أساليب التعليم الشكلي الذي فيه ما فيه من قصور ونقص. وتلعب المناغاة دورًا هامًا في تعجيل عملية تعلم الطفل للمهارات الأساسية المطلوبة للسيطرة على الآيات اللفظية لمهارات الكلام المعقد والتنسيق بين إدراك الكلام وإنتاجه. وقد درست بامبو لسكايا Liskaia, p "1973" تطور صنع التنغيم في تصويت الطفل الروسي قبل الكلام، ووجدت أن هذه الصيغ تستقر قبل نشوء الكلام، وأن الأطفال يستطيعون خلال السنة الأولى تعلم التنغيمات التي تعبر عن السعادة والأمر والطلب، واكتشفت أيضًا أن هذه الصيغ تقترب جدًا من صيغ الراشدين.
وهناك نوعان من المناغاة هما:
1- المناغاة العشوائية: وهي بمثابة مجموعة أصوات يبعثها الطفل في حالة ارتياحه وتمتعه بالدفء والشبع. "عبد العزيز القوصي، 1948".
وتتضمن أصواتًا لا معنى لها يكررها الطفل وينطق بها بطريقة عشوائية لا يهدف منها الطفل إلى التعبير أو الاتصال بالغير وإنما هي نشاط عقلي يجد الطفل لذة في إخراجه ومتعة في سماعه، كما تعد هذه المناغاة العشوائية تمرينًا وإعدادًا لأعضاء النطق على الكلام الذي سيتعلمه الطفل.
2- المناغاة التجريبية: هي امتداد للمرحلة السابقة، وتمثل هذه المرحلة أهمية كبيرة في حياة الطفل باعتبارها مرحلة تجريبية يحرك فيها أجهزته الصوتية بأشكال مختلفة، كما أنه يستمع إلى نتائج هذه التعبيرات والحركات، ولذلك يمكن تسمية هذا النوع من اللعب، باللعب التجريبي للأصوات. "عبد العزيز التوصي، 1948".
وفي هذه المرحلة يحاول الطفل تكرار الأصوات التي يصدرها، يختار بعضها ويعيدها. وتعتبر هذه المرحلة مرحلة تجريب لأنواع من الأصوات التي تصدر منه ليتمرن عليها، وأن سلوك الطفل مما يحصل عليه من نتائج في المناغاة التجريبية يشجعه على تقليد حركات من يسمعهم. "يونس الجنابي، 1973".
(2/162)
وفي هذه المرحلة وربما من قبل هذه المرحلة يختزن الطفل في ذاكرته كثيرًا من الكلمات والجمل التي ينطق بها المحيطون به، ويفهم مدلولها بدون أن يستطيع محاكاتها ويساعده على فهمها سياق أعمال المتكلمين وما يصدر عنهم أثناء النطق بها من حركات يدوية وجسمية وإشارات إلى ما تدل عليه.
فإذا كلف الطفل هذه المرحلة بأمرًا ما مثل "اقفل الباب، هات الكوب، ضع لعبتك في العربة ... إلخ"، أو طلب إليه الإشارة إلى عضو من أعضاء جسمه أو أعضاء غيره مثل أين أنفك، فمك، أذنك، أبوك، أمك، عمك، سريرك، لعبك ... " أدى الطفل ما طلب منه في صورة تدل على دلالة قاطعة على فهمة لما سمع. "علي عبد الواحد، د. ت".
وفي نهاية هذه المرحلة تقريبًا يكون الطفل قد تمكن من نطق عدد كبير من الأصوات وهو يفضل في هذا الموقف أن تكون المناغاة سلاسل من من مقطع واحدًا أو مقاطع متشابهة "يونس الجنابي: 1973".
وفي نهاية السنة الأولى يقترب التنغيم Intonation عند الطفل من التنغيم السائد في لغته القومية.. ويبلغ الطفل الطور النهائي من مرحلة ما قبل الكلام عندما يبدأ استعمال كلمات معينة يستطيع الكبار تمييزها. "موفق الحمداني، 1982".
تطور المناغاة:
وتتطور المناغاة نتيجة لثلاثة عوامل هامة:
1- التمييز السمعي Auditory Discrimination:
ويشير إلى قدرة الطفل على التمييز بين مختلف الأصوات التي يصدرها ويسمعها مَنْ حوله، وهي القدرة التي تظهر عند حوالي سن خمسة إلى ستة أشهر من عمر الطفل.
ويؤدي هذا العامل الجديد إلى تغير هام وتطور في عملية المناغاة، فهو يجعل الطفل يدرك تنوع الأصوات والربط بينها وبين طرق إخراجها.
(2/163)
2- الشعور بالمقدرة أو الإحساس بالقدرة:
نتيجة لقدرة الطفل على إحداث الأصوات عن قصد على النحو السابق، يبدأ الطفل بالشعور بالمقدرة والإحساس بأنه قادر على إحداث الأصوات التي يسمعها. هذا العامل الوجداني الهام يدفع الطفل لمواصلة الجهد والاستمرار في القيام بالمحاولات. فعملية إصدار الأصوات عملية مجهدة وتحتاج لمواصلة الجهد والبذل.
3- التعزيز أو التدعيم الخارجي External Reinforcement:
هناك عامل آخر لا يقل أهمية وهو سماع الطفل لأصوات مشابهة تنطقها الأم أو غيرها من المحيطين به، وتشبه إلى حد ما الأصوات التي ينطقها هو، فالأم عندما تسمع طفلها يناغي، تبدأ سعيدة في ترديد الأصوات التي يصدرها، وبذلك تعطيه استثارة أبعد مدى وأقوى على مستوى التفاعل الاجتماعي المتبادل بين الطفل والبيئة "ليلى كرم الدين، 1990".
(2/164)
ثالثًا: مرحلة التقليد والاستجابات اللغوية
تبدأ هذه المرحلة عند العاديين من الأطفال في أواخر السنة الأولى أو أوائل الثانية، وتنتهي في الخامسة أو السادسة أو السابعة، وأما الأطفال غير العاديين من الناحية اللغوية فقد لا تبدأ لديهم إلا في أواخر الثانية أو أوائل الثالثة، ويتأخر تبعًا لذلك موعد انتهاءها. وعند بعض الشواذ من الأطفال لا تبدأ إلا في سن متأخرة جدًا، وقد تبدأ في حالات نادرة في سن مبكرة جدًا. "ماير، 1979".
ويلاحظ أن تقليد الطفل لأصوت البالغين يكون في البداية تقليد غير دقيق وغير محكم، ولكن مع مواصلة التقليد تقترب الأصوات التي يصدرها الطفل تدريجيًا من أصوات البالغين من حوله. "ليلى كرم الدين، 1990".
وتعد المحاكاة من العوامل المهمة في تعلم اللغة، وبذلك يتسم الأطفال بفروق واضحة عن غيرهم من حيث القدرة على إخراج الأصوات، ويبدأ الأطفال الأسوياء في نهاية السنة الأولى بإخراج أصوات بعضها شبيهة بالكلمات التي ينطق بها الكبار المحيطون بهم. ويؤكد الكثير من الباحثين بأن بزوغ فترة المحاكاة يكون غالبًا في الربع الأخير من السنة الأولى.
(2/164)
وقد وجد "سيجموند" Sigmond بدراسته التتبعية أن الطفل يبدأ المحاكاة عند سن 11 شهرًا، وأن أول كلمة استطاع محاكاتها بشكل متطابق كانت في عمر 14 شهرًا، ويحدد سيجموند" أربعة أنواع من التقليد هي: تقليد تلقائي "لا إرادي"، تقليد مع فهم، ودون فهم. وتسير المحاكاة اللغوية في هذه المرحلة على أساليب خاصة بعضها يتعلق بالأصوات وبعضها يتعلق بالدلالة، وسنتكلم على كل منهما على حدة:
1- الأساليب المتعلقة بالأصوات، ومن أهمها ما يلي:
أن الطفل يحاكي في بادئ الأمر الكلمات التي يسمعها محاكاة غير صحيحة ويظل يصلح من نطقه شيئًا فشيئًا، مستعينًا بالتكرار، ومعتمدًا على مجهوده الإرادي، ومستفيدًا من تجاربه، حتى تستقيم له اللغة. ومظاهر أخطائه في هذه الناحية كثيرة من أهمها ما يلي:
أ- أنه يغير الأصوات فيحل محل الصوت الأصلي صوتًا آخر قريبًا منه في المخرج أو بعيدًا عنه "يغلب أن تكون قريبًا منه"، فينطق مثلًا الكاف تاء. فقد يقول "تتاب بدلًا من كتاب"، "الستينة بدلًا من السكينة ... إلخ". وقد ينطق الشين بدلًا من السين، فيقول سعر بدلا شعر ... إلخ".
ويظل يبدل بعض الحروف صعبة النطق عليه بغيرها من الحروف الأسهل، وقد ينال هذا التغيير معظم حروف الكلمة فلا يكاد يبقى فيها شيء من أصواتها الأصلية فقد يقال مثلًا: "ساساته بدلًا من شوكولاته".
ب- أنه قد يحرف أصوات الكلمة عن مواضعها فيجعل اللاحق منها سابقًا والسابق لاحقًا. فيقول مثلًا "امسوا" بدلًا من "اسمه"، وقد يقول "جمزه" بدلًا من "جزمه" أي [حذاء] ... وهكذا.
وغالبًا ما ترجع هذه الأخطاء الصوتية جميعًا إلى ضعف أعضاء النطق عند الطفل في بداية هذه المرحلة، بالإضافة إلى إدراكه السمعي، وقلة مرانه. وكلما تقدمت به السن، اشتدت أعضاء صوته، وقويت حاسة سمعه وقويت ذاكرته، وتحسن نطقه وقلت أخطاؤه.
(2/165)
يولع الطفل في بداية هذه المرحلة بما كان مولعًا به في المرحلة السابقة من تكرار المقطع أو الكلمات عدة مرات، فيظل يردد بابابا، أي "بابا". أو يظل يردد ماماماما ويعني "ماما"، وهكذا في معظم الكلمات. وهذا راجع إلى أسباب كثيرة منها: أن الطفل يحاول بذلك أن يثبت الكلمات في ذاكرته، ويمكن لها من أعضاء نطقه حتى يسهل عليه حفظها والنطق بها فيما بعد عند الحاجة إليها، ومنها أن النشاط الحركي يتجه دائمًا إلى الأشكال المتماثلة والأوضاع المتشابهة، ومنها أن وقف الحركة فجأة يتطلب مجهودًا أكبر من المجهود الذي يتطلب استمرارها. فالطفل بتكراره هذا يميل بفطرته إلى أخف المجهودين.
جـ- وفي بداية هذه المرحلة يضع الطفل في معظم الكلمات التي يقلدها الأصوات نفسها التي كان يغلب عليه تكرارها في مرحلة "التمرينات النطقية". فإذا كان في تمريناته النطقية يغلب عليه تكرار مقطع "با" مثلًا، فإنه يضعه في معظم الكلمات التي يحاول محاكاتها في فاتحة تقليده اللغوي، فيقول مثلًا: "باويت" قاصدًا "بسكويت"، وهذا مظهر من مظاهر ما يسميه علماء النفس "مقاومة القديم للجديد" أو "آثار العادات اللغوية".
د- وفي بداية هذه المرحلة تكثر في لغة الطفل أصوات اللين "حروف المد" وتقل الأصوات ذات المقاطع "الحروف الساكنة"، فيحذف بعض الأصوات الساكنة من الكلمة ويضم عليها أصواتًا لينة غريبة عنها فيقول: ":كابا" بدلًا من كلب" ... إلخ.
هـ- وفي أوائل هذه المرحلة في أواخر السنة الثانية تقريبًا" يظهر لدى الطفل ما يصح أن نسميه "بالمحاكاة الموسيقية للعبارات"، فيحاكي الطفل أحيانًا بعض العبارات التي يسمعها مجرد محاكاة موسيقية، بأن يلفظ أصواتًا مبهمة تمثل في تنغيمها موسيقى العبارة التي يريد محاكاتها بدون أن تشتمل على كلماتها وكأنه يحول قطعة شعرية إلى قطعة موسيقية حيث يصدر أنغامًا واضحة دون كلمات.
(2/166)
و وفي مبدأ هذه المرحلة يسير الطفل ببطء كبير في محاكاته، فقد تمضي أشهر بدون أن يستطيع النطق بأكثر من محاكاته، وقد تمضي أشهر بدون أن يستطيع النطق بأكثر من بضع كلمات مع أنه يكون فاهمًا لمعظم ما يسمعه وما يقال له، ثم تحل عقده لسانه مرة واحدة، وحينئذ يسير في هذا السبيل بخطى حثيثة لدرجة يصعب معها على من يلاحظه أن يحصي ما يدخل في متن لغته كل يوم من كلمات جديدة.
ز- وفي وسط هذه المرحلة وأواخرها تصل قوة التقليد اللغوي عند الطفل في مهارتها ودقتها ونشاطها وغزارة محصولها وأهميتها وسيطرتها على النفس إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه قوة إنسانية، ففي هذا الدور لا يدع الطفل أي كلمة أو جملة جديدة يسمعها أو يطلب إليها محاكاتها بدون أن يحاكيها، وأن عاقه طول جملة عن تكرارها نجده يحاكي ما يعلق بذهنه من كلمات وبخاصة آخر كلمات الجملة.
ولا يقتصر الطفل على تقليد الكلمات والجمل التي يدريه عليها المحيطون به، بل يحاكي كذلك من تلقاء نفسه كثيرًا من الكلمات التي ترد في محادثات الكبار على مسمع منه، حتى الكلمات الدقيقة منها. ويحرص الطفل كل الحرص على ما يحصل عليه من مفردات وعبارات.
وكثيرًا ما يبلغ به هذا الحرص أن يكرر هذه المفردات والعبارات في خلوته، ويؤلف من شتاتها أغاني وجملًا غير ذات دلالة ولكن يكون لها تأثير في تثبيت هذه الكلمات أو الجمل في ذهنه.
ولمهارة الطفل في التقليد اللغوي في أثناء هذه المرحلة، ولشدة ميله إلى التقليد: يستطيع أن يتعلم بسرعة وسهولة عن طريق المحاكاة أية لغة أجنبية إذا أتيحت له فرصة الاختلاط بالمتكلمين بها، ولكن يكون ذلك على حساب لغته الأولى حيث تقابل الطفل صعوبات كثيرة في تعلم المفاهيم اللغوية المرتبطة بلغته القومية، فما بالنا بالمفاهيم اللغوية التي يكون عليه اكتسابها عند تكلمه للغة أجنبية. فمن الملاحظ أن تعلم الطفل لغة أجنبية في مثل هذه السن
(2/167)
يؤثر تأثيرًا سلبيًا على اكتسابه للمفاهيم اللغوية الخاصة بلغته القومية، وكذلك يؤدي إلى الخلط بين مثل هذه المفاهيم والمفاهيم الخاصة باللغة الأجنبية. وقد وجد ويلسون "1981 Wilson" في دراسة أجراها في نيجيريا الغربية حول ما إذا كان التلاميذ يتعلمون بشكل أفضل إذا تلقوا التعليم بلغتهم الأصلية طيلة مرحلة الدراسة الابتدائية، أو إذا تحولوا إلى اللغة الإنجليزية في الصف الرابع الابتدائي، فكانت المواد تكتب باللغة القومية للمدارس التجريبية وتترجم للإنجليزية للمدارس العادية، وكذلك كان الامتحان موحدًا إلا أنه كان باللغة القومية للمدارس التجريبية وباللغة الإنجليزية للمدارس العادية أي لمن يدرسون بها. وكانت النتيجة أن جميع التلاميذ الذين تعلموا بلغتهم الأصلية قد أجادوا في جميع الاختبارات بصوة مطردة وتفوقوا على أقرانهم الذين تعلموا باللغة الإنجليزية.
وفي هذا يختلف الكبار عن الصغار اختلافًا كبيرًا، فمهما بذل الكبار في تعلم لغة أجنبية من مجهود، ومهما طالت مدة إقامتهم بين أهلها، فإنهم لا يصلون في إجادتها من الناحية الصوتية إلى الدرجة التي يصل إليها الصغار في هذا الدور. والسبب في ذلك راجع إلى أن الطفل يلبي في محاكاته دواعي غريزية، ويسلك بهذا الصدد طريقا محببًا إليه.
ح- ولا يقتصر نشاط الطفل التقليدي في هذه المرحلة على الأصوات اللغوية، بل يمتد كذلك إلى ما عداها من الأصوات، كأصوات الحيوان والطيور، ومظاهر الطبيعة والأصوات الشاذة وأصوات المصابين بعاهات في النطق، والأصوات التي تحدثها الأفعال كأصوات الضرب والقرع والسقوط وما إلى ذلك، والأطفال في هذه الناحية أمهر كثيرًا من الكبار، فقد لاحظ تاين Taine أن الأطفال في هذه المرحلة أدق وأمهر من الكبار في محاكاة أصوات الحيوان في صورتها الطبيعية.
2 أهم الظواهر المتعلقة بالدلالة في هذه المرحلة الأمور الآتية:
أ- على الرغم من أن فهم الطفل لمعاني الكلمات يبدو لديه في المرحلة السابقة لمرحلة التقليد -كما تقدمت الإشارة إلى ذلك- فإن درجة فهمه تظل مدة طويلة ضعيفة وغير دقيقة، ويبدو هذا في مظاهر كثيرة أهمها ما يلي:
(2/168)
- أنه في أوائل هذه المرحلة يستخدم الكلمات القليلة التي يستطيع النطق بها استخدام واسعًا يدل على عدم دقته في فهم مدلولاتها، فيحمل كل منها من المعاني أكثر مما تحتمله، ويستخدمها في غير موضعها، حيث أن تكوين المفاهيم لديه لا تزال قاصرة، وهذا ما يجعله يعبر عن أمور لا صلة لها بمعناها الأصلي، فينطق مثلا: "كاكا" على الدجاجة وعلى الإناء الذي تقدم فيه وعلى الطاهي الذي يعدها والمطبخ التي تعد فيه.. إلخ.
وهذا التوسع في الاستعمال لا ترجع أسبابه دائمًا إلى ضعف الفهم وعدم الدقة في إدراك المدلولات بل يرجع أحيانا إلى ضآلة محصول الطفل في الكلمات في بداية عمره وحاجته إلى التعبير على أي وجه.
- أنه في أوائل هذه المرحلة يطلق اسم الجنس على غير أفراده، لمجرد وجود أدنى مشابهة فيقول "ماما" على جميع السيدات، و"بابا" على جميع الرجال، حيث أن نموه لا يسمح له بالتخصيص بين أفراد الجنس الواحد، وكلما تقدمت سن الطفل وكثر محصوله اللغوي يزداد فهمه وقدرته على التمييز وتتحدد معاني الكلمات لديه، فيتخلص من التعميم، وتتميز لديه الأجناس بعضها عن بعض، فيطلق على أفراد كل منها الاسم الخاص به. وهذا يتفق مع مبدأ هام في النمو وهو أن النمو يسير من العام إلى الخاص.
ب وفي أوائل هذه المرحلة تبدو لغة الطفل بعيدة عن الصرف والاشتقاق فكل كلمة من كلماته تلازم شكلا واحدا، وتدل في شكلها هذا على جميع ما يشتق منها ويتصل بها.
ومع تقدم الطفل في هذ المرحلة يدرك العلاقة بين الأشكال المختلفة لبنية الكلمة وتغيير معناها أو زمنها، فتظهر حينئذ عناصر الصرف والاشتقاق في لغته.
جـ- وفي مبدأ ظهور هذه العناصر يميل الطفل إلى القياس والسير على وتيرة واحدة حيال جميع الكلمات، فنراه مثلًا يتبع طريقة واحدة في التأنيث، فيقول عند تأنيث بعض الكلمات مثل: خروف: خروفة، حصان: حصانة، أحمر:
(2/169)
أحمرة، أبيض: أبيضة، وما إلى ذلك، مثلما يقول قط: قطة، كبير: كبيرة.
د- يفتتح الطفل في هذه المرحلة بالنطق بكلمات مفردة قاصدًا بها التعبير عما يعبر عنه بالجمل: فيقول مثلًا: "باب" قاصدًا افتح الباب، و"شباك" قاصدًا اقفل الشباك. والأم غالبًا ما تفهم غرضه من السياق والظروف المحيطة به والإشارات اليدوية والجسمية التي تصحب كلامه، ويختار الطفل عادة للتعبير عن الجملة الكلمة التي يجيد النطق بها أو الكلمة التي تسبق غيرها إلى لسانه، ولو لم تكن ذات أهمية في المعنى الذي يريد تقريره. أما تركيب الجمل تركيبًا كاملًا فلا يصل إليه الطفل إلا في أواخر هذه المرحلة.
هـ- وفي مبدأ ظهور الجملة في لغة الطفل تبدأ عادة خالية من الروابط والحروف ويبدأ الطفل بتركيبات ساذجة للجملة حيث تبدو كلماتها بدون تنسيق ولا ترتيب، إذ أنه يضع بعضها بجانب بعض كيفا اتفق.
وقد يرتب الطفل أحيانًا كلمات جميلة بشكل يتفق مع ما لكل منها من أهمية في نظره فيبدأ بأكبرها أهمية ويتدرج حتى ينتهي بأقلها شأنًا.
و وتتأثر مفردات الطفل وتراكيبه وقواعدها في هذه المرحلة بأكثر الأفراد مخالطة له وأحبهم إليه من أفراد أسرته وإخوته الأكبر منه، ويغلب على لغته مظاهر التقليد لهؤلاء حتى أن لغته تكاد لا تختلف في معظم هذه المرحلة عن لغتهم.
ومن خلال هذا التقليد للغة الكبار ينتقل إلى لغة الطفل ويعلق بها بعض أخطاء في المفردات والقواعد والأساليب حتى الأخطاء التي تكون ناشئة عن خلل في أعضاء النطق للشخص الذي يقلده الطفل، وتظل هذه الأخطاء ملازمة للطفل أمدًا طويلًا، فمثلًا نجد أن البنت تعبر عن نفسها بصيغة المذكر فتقول مثلًا "أنا نازل"، "أنا طالع"، "أنا خارج" بدلًا من "أنا نازله"، "أنا طالعه"، و"أنا خارجه". وهذا يرجع إلى أن هذه البنت تحاكي أخاها أو آباها مثلًا، أو أي جنس ذكر آخر من المحيطين بها.
(2/170)
"ز" وأول كلمات تبدو عند معظم الأطفال هي أسماء الذوات لأن الطفل يتعلم من خلال حواسه لذلك يبدأ بالمحسوسات، ثم الصفات، ثم الضمائر. ولعدم وجود الضمائر في لغة الطفل في بداية هذه المرحلة نراه يعبر عن نفسه باسمه العلم فيقول مثلا "فيفي مم" أي "فيفي تريد أن تأكل". ولا تظهر الحروف وما يشبهها من الظروف وأسماء الشروط إلا في منتصف هذه المرحلة أو آخره. ولذلك تظهر جمل الطفل في المبدأ خالية من الروابط والحروف كما سبقت الإشارة إلى ذلك. والسبب في هذا راجع إلى أن الطفل يسير في ارتقائه اللغوي وفقًا لارتقاء فهمه.
ح- يكثر في لغة الطفل في أوائل هذه المرحلة الكلمات المأخوذة عن أصوات الحيوان والأشياء، والتي يقصد بها التعبير عن مصادرها أو عن أمور تتصل بها: "ماء للخروف"، كاكا" للدجاجة"، أأه للضرب"، "مم" للأكل".
وقد ثبت أن بعض هذه الكلمات يصل إليها الطفل بنفسه دون تلقين الكبار.
طـ- يعتمد الطفل في معظم هذه المرحلة اعتمادًا كبيرًا على لغة الإشارات فيمزجها بلغته الصوتية لتحديد مدلولها، وتوضيح ما بها من إبهام وتكملة نقصها، وتمثيل حقائقها. وقد يستخدمها وحدها في التعبير عما يود التعبير عنه، ويكثر هذا لديه قبل ظهور اللغة، أي قبل دخوله مرحلة التقليد وفي أوائل هذه المرحلة. "على عبد الواحد وافي، د. ت".
(2/171)
رابعًا: مرحلة الكلام
قبل أن يكون الطفل مستعدًا لأن ينطق كلمته الأولى عليه أن ينجز مرحلة طويلة من النمو والتعلم. وقد أشار بترفيليد Butterfield "1968" إلى قدرة الطفل على الانتباه للصوت بعد 24 ساعة من ولادته، ولكن غالبًا ما يمر عام كامل على ولادته قبل أن ينطق كلمته الأولى، وذلك لأن السيطرة على أجهزة النطق أصعب من إجراء التميزات السمعية، وقد لوحظ أن أصوات المناغاة التي يطلقها الطفل تشكل عينة من أصوات الكلام كافة.
وينتقل الطفل في هذه المرحلة اللغوية إلى مرحلة نطق الكلمة الأولى غير أنه من الصعب تحديد موعد نطقه هذه الكلمة الأولى والتي يكون لها معنى، إذ في بدء ظهور الكلمة الأولى في لغة الطفل باقترانها بمدلولها اقترانًا صحيحًا واضحًا يسهل لأي فرد أن يدركها. ومعظم الأطفال لا يستطيعون نطق الكلمة الأولى قبل عامهم الأول.
وتدل أبحاث سميث Smith أن المحصول اللفظي فيما بين السنة الأولى والثانية يبدأ بطيئًا ثم يزداد بنسبة كبيرة تخضع في جوهرها لعمر الطفل ومظاهر النمو الأخرى كالنمو الحركي والاجتماعي.
وأهم سمات كلمات الطفل خلال هذه المرحلة أنها تعبر عما يجري حوله، وبنمو قدرات الطفل وبنمو مفرداته يستطيع التحدث عن الماضي والمستقبل، كما أن الكلمات الأولى تكون قصيرة تتألف من مقطع أو مقطعين، وأن أول ما يتعلمه الطفل وينظمه في كلامه في هذه المرحلة ليس الأصوات المفردة أو الكلمات بل المقاطع.
وتتضمن الكلمات الأولى التي يتحدث بها الطفل أشياء مألوفة له في محيطه اليومي كالكوب، واللعبة، وأشخاص مألوفين كالأب والأم، ويغلب أن تكون هذه الكلمات أسماء.
وتشير الدراسات إلى أن الكلام قبل يتعلمه الطفل كوسيلة اتصال وتعبير يكون قد أحاط بجزء كبير منه كوسيلة لفهم الآخرين دون تعبير حيث لم تكن أجهزته الكلامية قد وصلت إلى مرحلة النضج. فالطفل قبل أن يتلفظ لفظة واحدة
(2/172)
يكون قد جمع ثروة لا يستهان بها من الألفاظ والعبارات ليفهمها ولكن لا يستطيع التلفظ بها.
ويتصف تلفظ الطفل حتى الشهر "18" من عمره بالمرونة بحيث أن شكل تلفظه بأجمعه يمكن أن يتغير بسرعة وفي وقت قصير لو وضع في وسط جديد. وهذا الأمر لا يحدث للراشدين بسهولة.
وتعقب الكلمة الأولى فترة تستغرق عدة أشهر تتميز بعدم القدرة على الاستمرار في إخراج الكلمات. ولعل من أسباب ذلك التوقف بداية فترة التسنين وبداية محاولة تعلم المشي وبعدها يفاجئ الطفل من حوله بتقدمه السريع في اكتساب الألفاظ.
ويعتمد كلام الطفل ونمو مفرداته على حاجة الطفل، فإذا توفر للطفل كل ما يريد دون السؤال عنه من قبل الوالدين فلا يكون هناك باعثا يجعل الطفل يبذل مجهودًا للكلام وبذلك يتأخر نموه اللغوي.
وتنقسم مرحلة الكلام ونمو المحصول اللفظي إلى فترتين:
أ- فترة اللغة القصيرة:
وهي اللغة التي يتحدث بها الطفل لنفسه ويقلد بها كلام الكبار ولا يكون هذا التقليد دقيقًا، فكلام الطفل في هذه الفترة يكون غير مفهوم، إلا ضمن نطاق بيئته المحدودة.
ب- فترة اللغة المشتركة:
وفي هذه الفترة يكون كلام الطفل أكثر وضوحا وانتظامًا، كما يكون أقرب إلى كلام الكبار، ويتوقف هذا على استعداد الطفل، ونوع البيئة، واهتمام الكبار بلغته، ويكون نمو الكلمات المنطوقة ضعيفًا في بداية المرحلة، ولكنه يتقدم بسرعة في نهاية السنة الثانية ثم تزداد مفرداته بعد ذلك زيادة سريعة مستمرة.
(2/173)
خامسًا: نمو مفردات الطفل
توضع أسس الكلام في سني المهد وتزداد مفردات الطفل بسرعة في مرحلة ما قبل المدرسة، ويرجع ذلك إلى التعلم المباشر من ناحية، وإلى فضول الطفل، وحب استطلاعه لمعرفة معاني الكلمات من ناحية أخرى، مما يقوده، لأن يسأل عن
معانيها، وبازديادها استخدام الطفل لها، وقد تباينت نتائج الدراسات بخصوص حجم مفردات الأطفال اللغوية تبعًا للعمر، وقد يرجع ذلك إلى الفروق الحضارية أو طبيعة اللغة أو إلى عوامل أخرى. ومن أجل إعطاء صورة واضحة عن حجم الذخيرة اللغوية للطفل فإننا سنحددها تبعًا للمراحل العمرية.
1- بين السنة الأولى والثانية:
يتحسن نطق الطفل وتزداد عدد مفرداته بعد النصف الثاني من السنة الثانية حيث يزداد متوسط عدد المفردات التي يستخدمها الطفل بازدياد العمر، وبازدياد ما يتعلمه الطفل في المجال اللفظي تزداد المصادر المتاحة لمواجهة مشاكل جديدة.
ويحقق الطفل في عمر "18-24" شهرًا قفزة في حجم الذخيرة اللغوية بوصفها مفتاحًا أوليًا، وبداية لاستخدامه جملًا قصيرة، كما أن هذه المرحلة هي بداية لانطلاق الطفل في الكلام الفعال Active Language، وأول من يتعلمه الطفل من المفردات الأسماء باعتبارها محسوسًا وبالأخص أسماء من يحيطون به من الأشخاص، ولذلك تدعى هذه المرحلة مرحلة التسمية Naming، ثم يستعمل بعد ذلك الضمائر عند أواخر السنة الثانية، ويأخذ في استعمال الأفعال في حدود السنة الثانية.
وتظهر في منتصف السنة الثانية الجمل ذات الكلمتين كأن الطفل لديه ميل للحديث المتصل وتقليد كلام من حوله، ويستعمل الطفل الجمل الاسمية أكثر من الجمل الفعلية.. أما ما يختص بالأنماط اللغوية فقد بينت أرون Aron "1964" في دراستها أن الأطفال في هذ المرحلة يمتلكون "27" نمطًا صوتيًا من مجموع "35" نمطًا يمتلكه الكبار، أي ما يقرب من 77% من أنماط كلام الكبار، كما يتساوى الذكور والإناث في عدد أنماط الأصوات خلال السنة الأولى، وبعدها تفوقت الإناث في السنة الثانية على الذكور وإن كان الفرق لا يشكل دلالة إحصائية:
ويمكن التعرف في نمو المفردات على صورتين متمايزتين:
أ- المفردات العامة:
تتكون من كلمات لها معنى عام يمكن استخدامها من العديد من المواقف المختلفة.
(2/174)
ب- المفردات الخاصة:
تظهر غالبًا في مرحلة الطفولة المبكرة، وتعتبر عمومًا زائدة أكثر من كونها أصلية.
وقامت دراسات عديدة لتباين عدد المفردات التي يعرفها الأطفال في هذه المرحلة وطبيعة هذ المفردات. وقد توصلت بحوث عديدة إلى أن متوسط عدد كلمات طفل السنة الأولى ثلاث كلمات، وفي عمر سنتين "272" كلمة.
ويوضح الجدول "6" متوسط حجم مفردات الأطفال في الأعمار المتتالية من ثمانية أشهر وحتى ست سنوات.
(2/175)
2 بين السنة الثانية والثالثة:
تزداد مفردات الطفل في هذه الفترة بشكل كبير ويكون للطفل القدرة على ربط الكلمات للتعبير عن فكرة معينة. وتشيع الجمل البسيطة في هذه المرحلة، وتحتوي الجمل على أربع كلمات تقريبًا، وينغمس الطفل في التجريب اللغوي، وهذا يؤدي إلى التركيب اللفظي.
وفي رأي "مكارثي" أن الكلام مفهوم المعنى يزداد في هذه المرحلة فيصل عند سن 24 شهرًا إلى "49%" من مجموع الكلام، ويزداد بشكل كبير خلال هذه المرحلة حتى يصل "93%" عند سن 30 شهرًا.
وفيما يختص بحجم المفردات في هذه المرحلة العمرية فإنها تتفاوت من مجتمع إلى آخر فقد أشار ليبنرك Libnerk إلى الطفل يكتسب خلال الفترة "من 24 إلى 27 شهرًا" من العمر بين "300 -400" كلمة.
3- مرحلة ما قبل المدرسة "مرحلة الروضة":
يظهر نمو الكلام في هذه المرحلة وقد أخذ بالاكتمال، ولكن ليس معنى هذا أن الطفل قد أصبح يتكلم كالبالغين، بل أن أقسام الكلام تكون لديه اكتملت ويستطيع النطق بشكل جيد. ويبدأ الطفل باستخدام الأساليب النحوية بشكل أفضل، وتنمو اللغة بسرعة كبيرة، وتزداد مفردات الطفل بشكل كبير في هذه المرحلة حتى تصل في حدود "72" شهرًا إلى "2589" كلمة. ويسيطر الطفل على التركيبات النحوية للألفاظ التي تتعلق بما يدور في بيئة الطفل وحاجاته. ويلاحظ نمو اللغة الشفهية Oral Language بشكل سريع ومدهش خلال فترة ما قبل المدرسة.
ويظهر خلال هذه المرحلة نمو سريع في جوانب لغوية عديدة "كطول الجملة، والتركيب اللغوي تبعًا للقواعد والنطق: "فقد وجد يونك Yonek أن معدل طول الجملة في عمر "30" شهرًا كان "3,2" كلمة، ازداد في سن "36- 54" شهرًا وأصبح "5،6" كلمة، وفي سن "54-66" شهرًا "6،3" كلمة.
والجدول "7" يبين تزايد عدد الكلمات في الجملة مستقاة من دراسة سميث Smith
(2/176)
وقد قامت هدى قناوي "1981" بدراسة لمعرفة بعض الجوانب المتصلة بالنمو اللغوي وأظهرت النتائج المؤشرات الآتية:
- ازدياد الثروة اللغوية بازدياد العمر.
- جاءت الضمائر المرتبة الأولى من حيث عدد تكرارها، تليها الأسماء الموصولة، ثم الأفعال.
- من الحروف السهلة التي بدأت بها أكثر كلمات الأطفال "حرف الألف"، يليه حرف "الميم"، ثم "العين"، ثم "الحاء والباء"، وكان حرف "الظاء" أصعب الحروف حيث لم يستعمله أي طفل من أطفال العينة في مرحلة ما قبل المدرسة، ويأتي بعد ذلك حرف "الذال".
(2/177)
النمو اللغوي لطفل المرحلة الابتدائية
نمو المحصول اللفظي
...
النمو اللغوي لطفل المرحلة الابتدائية:
في عمر المدرسة الابتدائية يكتمل نمو الطفل اللغوي بصورة كبيرة ويتضح ذلك في ثراء محصوله اللفظي ومفرداته اللغوية، وفي نمو التراكيب اللغوية، والقدرة على التعبير عن أفكاره بامتلاك مهارات الاتصال إلى جانب نمو ممارسات القراءة والكتابة.
ويمكن تلخيص مظاهر النمو اللغوي فيما يلي:
أ- نمو المحصول اللفظي:
عندما يلتحق الطفل بالمدرسة في سن السادسة يكون عدد المفردات التي يعرفها حوالي 2500 كلمة تقريبًا، وإذا كانت اللغة هي وسيلة الاتصال الأساسية بين الطفل والمجتمع الخارجي. لذلك يجب أن نأخذ بعين الاعتبار محصول الطفل اللغوي الذي يأتي به الطفل إلى المدرسة في سن السادسة، وهذا المحصول في منتهى الأهمية لأن الطفل قد أكتسبه في قمة النمو اللغوي في الفترة التي مرت به قبل ذلك، ومن الخطورة بمكان أن نزيل من حسابنا حينما نضع مناهج اللغة في المرحلة الأولى هذ المحصول اللغوي السابق: فلا بناء إلا على خبرة، والخبرة السابقة التي اكتسبها الطفل إنما اكتسبها الطفل ومارسها وثبتت لديه لأنها أدت وظيفتها بنجاح، ولذلك لا يصح أن نتغاضى تمامًا عن المحصول اللغوي الذي يتفاهم به الطفل في حياته اليومية، فالوظيفة الرئيسية للغة هي أنها أداة اتصال الطفل وبيئته اليومية.
وإذا كانت الوسيلة الأولى لزيادة محصول الطفل هي الممارسة، لذلك يجب أن تكون كتب القراءة في المدرسة الابتدائية مصورة، لأن هدف القراءة في المراحل الأولى أن ننمي لدى الطفل مجموعة من العادات والاتجاهات والميول المهمة إلى جانب تنمية محصوله اللفظي.
كما أنه لزيادة الحصيلة اللغوية لدى طفل المدرسة الابتدائية فإنه يجب أن تنتقل المقررات الدراسية من الموضوعات الدالة على أشياء حسية محددة، إلى ألفاظ ذات معاني أكثر تجريدًا تبعًا لخطوط النمو العقلي "التي سبق الحديث عنها"،
(2/178)
وكثيرًا مما يسأل طفل السادسة والسابعة عن فائدة شيء ما، أو طرق استعماله.. إلخ، ولذلك يجب أن تتوخى في مادة القراءة الإجابة عن التساؤلات لتسهيل إدراك المعاني، وزيادة مفاهيم الطفل.
(2/179)
ب- نمو التراكيب اللغوية:
ومن دلائل نمو طفل المدرسة الابتدائية قدرته على استخدام التراكيب اللغوية فمن الملاحظ أن الطفل عند دخوله المدرسة يكون قادرًا على استعمال جمل تتكون الواحدة منها من خمس أو ست كلمات وتنمو فيما بعد قدرة الطفل على استعمال الجمل المركبة، وتزداد الألفاظ ذات المعنى الأكثر تجريدا، ومن الملاحظ أن طفل التاسعة يكون قادرًا وبارعًا في التمييز بين المترادفات والكشف عن الأضداد والتمييز بين الأسماء الدالة على أعلام أو أشياء وبين الأفعال الدالة على زمن أو حركة، ويستطيع استعمال الأفعال في أزمانها الصحيحة.. وعلى الرغم من أن صيغ المبني للمجهول لا تستخدم عادة في لغة الكلام اليومية إلا أن طفل المدرسة الابتدائية يستطيع تركيب الجمل المبنية للمجهول واستخدامها ابتداء من سن التاسعة أو العاشرة.. يضاف إلى ذلك مهارة أطفال المدرسة الابتدائية على فهم الضمائر في الأعمار المختلفة وإن وجدت فروق فردية شاسعة بين أطفال المدرسة الابتدائية في فهم وتكوين التراكيب اللغوية المختلفة.
(2/179)
جـ- نمو مهارات الاتصال:
تستمر مهارات الاتصال اللغوي في النمو والتحسن لدى الطفل بدخوله المدرسة الابتدائية نظر لنمو علاقاته الاجتماعية مع الأقران والمعلمين. ومن الملاحظ أن النجاح النسبي للأطفال الصغار في الاتصال يعتمد إلى حد ما على طبيعة المهمة أو العمل، فعادة ما يكون أداؤهم مرضيًا كمتكلمين إذا اشتركوا في بعض المعلومات العمومية مع المستمع، ويستطيعون تحسين التواصل اللغوي إذا تلقوا تغذية رجعية بنجاحاتهم عند المستمع فالأطفال الصغار بحاجة إلى مفاتيح قرينية لفهم المستمع إليهم لحديثهم حتى يمكنهم إجراء الاتصال الناجح، إذا ما قورنوا بالأطفال الكبار.
(2/179)
ومن الملاحظ أن قدرات طفل المدرسة الابتدائية على الاتصال اللغوي والتعبير تصل إلى درجة جيدة في سن السابعة ... فالطفل يميل بشدة إلى أن يشارك في النشاط الشفوي والاتصالي مشاركة طيبة. ويستطيع أن يعبر عن نفسه بطلاقة دون خوف أو تلعثم، ويميل كذلك إلى أنواع التمثيل المختلفة، فالتمثيل وسيلة هامة من وسائل التعبير عند الطفل.
هذا: وتعتمد مهارات الاتصال والتعبير الشفوي عند طفل المدرسة الابتدائية بذخيرته اللغوية وقدرته على التركيب اللغوي فكلما كانت ذخيرة الطفل أكبر كانت الفرصة أحسن في إجراء الاتصال اللفظي مع المستمع.
(2/180)
د- مهارة القراءة:
تعتبر القراءة محور التقدم الدراسي بمعنى أن عجز التلميذ عن تعلم مهارة القراءة قد يؤدي إلى ضعف مستواه في جميع المواد الدراسية، ولذلك ينبغي على المربين أن يولوها اهتمامًا كبيرًا خاصة في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية.
وتنمو القراءة في مراحل متدرجة.
- فهي تبدأ في سنوات ما قبل المدرسة بما يسميه علماء التربية الاستعداد القراءة أو التأهب للقراءة وتبدو في اهتمام الطفل بالصور والرسوم التي تنشرها مجلات الأطفال المصورة والقصص.. وفي البداية تبنى القراءة على أساس الخبرات الأولى التي واجهها الطفل، فإذا استجاب الطفل لصورة "قطة" بكلمة "مياو" فإنه يربط الصورة بخبراته السابقة عن القطط.
- ثم تنمو قراءة الطفل فيبدأ في ربط الكلمة المطبوعة بالنطق الرمزي للصورة.. ويتدرج من الإحساسات المباشرة للأشياء والأحداث إلى التجريد أو تعميم الكلمات كرموز فيقال مثلا عن "الثعلب والذئب والكلب" كلمة واحدة هي "كلب" نتيجة تعميم المدرك نظرًا للتشابه بين الحيوانات الثلاث.
- ثم تبدأ مرحلة القراءة الفعلية في المرحلة الابتدائية، يتعلم الطفل الجملة، ثم الكلمة، ثم يقوم بتحليل الكلمة إلى حرف ويحاول في السنوات الأولى إتقان المهارات التي تساعد على القراءة الجهرية والصامتة.
(2/180)
- وتدل الدراسات على أن الطفل في نهاية الصف الثاني الابتدائي يستطيع أن يقرأ 75 كلمة في الدقيقة قراءة جهريه، وفي الصف الثالث الابتدائي يستطيع أن يقرأ ضعف هذا العدد في نفس المدة الزمنية، أما فيما بين عمر 11-12 سنة فإن الطفل يمكنه أن يقرأ حوالي مائتي كلمة في الدقيقة.
أما من حيث القراءة الصامتة: فقد دلت الدراسات على أن الطفل في الفرقة الثانية من المرحلة الابتدائية يستطيع أن يقرأ حوالي مائة كلمة في الدقيقة قراءة صامته، ثم تأخذ هذه القدرة في الازدياد بحيث يمكنه في نهاية المرحلة الابتدائية أن يقرأ أكثر من مائتي كلمة.
وهناك عوامل متعددة تؤثر في نمو القراءة لدى طفل المدرسة الابتدائية نذكر منها ما يلي:-
1- العوامل الحسية والجسمية: كالسمع والبصر، والتآزر العضلي العصبي واضطرابات الغدد..
2- العوامل العقلية: ويقصد بها الذكاء والقدرات العقلية، فالأطفال عند دخولهم المدرسة يكونوا مختلفين في الاستعداد والقدرة على القراءة: الطفل المتفوق اللامع الذي يتكلم كثيرًا ويتلذذ بالاستماع إلى القصص والأناشيد غالبًا ما يتعلم القراءة بتعليمات بسيطة جدًا، والطفل الذي لديه استعداد عقلي متوسط أو ضعيف يحس برغبة ملحة للقراءة ولكنه يحتاج لوقت أطول كي يتعلم ... والطفل المتأخر عقليًا الذي تنقصه المقدرة على التمييز بين المترادفات والمتناقضات، ويتقدم ببطء في القراءة يصبح مشكلًا في القراءة.
3- العوامل الدافعية والانفعالية والشخصية: فلقد كان الضغط المستمر من جانب الأب أو المعلم عاملًا يوجد في الطفل المخاوف والقلق ويكون لديه اتجاهات سلبية نحو القراءة.. وفي نفس الوقت فإن المواجهة الواعية الشفوقة تفيد في إعطاء الثقة للطفل وتشجعه على النمو في القراءة.
4- العوامل البيئية والاجتماعية: وهي تتصل بتشجيع الأسرة، وغنى البيئة الأسرية كالمثيرات الدافعة للقراءة، والمدرسة وما يتعرض له الطفل فيها من مثيرات تربوية في الفصل وطرق تعليم القراءة.
(2/181)
5- عيوب الكلام: فقد أثبتت دراسات كثيرة على الأطفال ذوي العيوب في النطق "كالفأفأة والثأثأة" أن عيوب الكلام عامل في عدم القدرة على القراءة والضعف فيها، فقد كان هؤلاء الأطفال متخلفين في كل من القراءة الصامتة والقراءة الجهرية إذا ما قورنوا بالأطفال ذوي القدرة العادية في النطق، ومن ثم: ينصح ببذل عناية فائقة في تفهم الألفاظ ومخارجها في اللغة الشفهية قبل البدء بإعطاء تعليمات خاصة بالقراءة.
(2/182)
هـ- الكتابة:
على الرغم من نمو قدرات الطفل اللغوية عند دخوله المدرسة الابتدائية إلا أنه يتأخر في الكتابة نتيجة لعدم ضبط عضلات العينين وعضلات الأصابع، مع وجود فروق فردية بين التلاميذ في الكتابة.. ويجب البدء بالحروف المطبوعة الكبيرة في صورة كلمات أو جمل على السبورات العادية أو الوبرية مكونة ما يشبه القصص أو الموضوعات المدعمة بالصور خصوصًا إذا ما علمنا أن الأطفال في هذا السن يميلون للاستماع إلى القصص المصورة التي تدور حول الحيوانات والعرائس.
ومع بداية تعلم الكتابة فإن الطفل يظل يكتب على مهل، ويميل للتعبير الكلامي الشفوي أكثر من التعبير التحريري، وقدرته على الأعمال التحريرية تظل أقل من قدرته على الأداء الشفوي.
أما الفترة الأخيرة من المرحلة الابتدائية فتعتبر مرحلة السيطرة على الكتابة: فالطفل يكون قد اكتسب المحصول اللغوي الكافي ونمت قدرته الحركية إلى الحد الذي يساعده على السيطرة على القلم ويتعلم الكتابة بخط الرقعة بعد أن تمكن من خط النسخ، ويميل إلى الكتابة الجميلة، فهو يتذوق الجمال فيما يأتي به من أفعال، يمكنه أن يكتب موضوعًا إنشائيًا وصفيًا، ويحاول أن يوازن بين قدرته القرائية والكلامية من ناحية وقدرته التعبيرية التجريدية من ناحية أخرى.
(2/182)
رعاية النمو اللغوي
رعاية النمو اللغوي لطفل ما قبل المدرسة
...
رعاية النمو اللغوي:
إذا كانت عملية التواصل اللغوي تعتمد على مهارتين أساسيتين هما التلقي والإصدار "الاستقبال والإرسال" فإن على المربين التركيز على هاتين المهارتين لرعاية النمو اللغوي في مرحلتي ما قبل المدرسة وخلال سنوات المدرسة الابتدائية يتضح ذلك مما يلي:
رعاية النمو اللغوي لطفل ما قبل المدرسة:
يجب على المربين أن يأخذوا في اعتبارهم قضايا أساسية كتطبيق تربوي لمبادئ النمو اللغوي في هذه المرحلة، ومنها:
1- لما كان أهم شرط للنمو اللغوي عند الطفل هو شعوره بالأمن والطمأنينة: فعلى الوالدين تهيئة جو المنزل بحيث يدعم فيه هذا الشعور، وذلك بتجنب الشجار والمشاحنات على مرأى من أطفالهما، كما يجب ألا تتقلب معاملتها للطفل بين اللين والشدة، وعليهما ألا يسرفا في تدليل ووقاية أطفالهما فيحرمانهم من الاستقلال وممارسة الاعتماد على أنفسهم. وعليهما تجنب إهمال طفلهما بدعوى إنه لم يحقق آمالهما، فمهما كان السبب فمن العسير على الطفل أن يشعر بالطمأنينية وهو لا يشعر بالانتماء لأبويه وبحبهما وعطفهما عليه. فيجب أن يتمتع الطفل
(2/183)
بحب وعطف شامل غير مشروط، وأن يحوز الرضا والقبول لذاته كفرد من العائلة له قدرته وكفاءته فالحب شيء لا يساوم عليه فلا يشترط أن يكون ذكيًا متمتعًا بصحة جيدة حتى يحظى بحب الوالدين وإنما يجب عليهما أن يمنحاه الحب خالصًا دون مقابل.
2- ينبغي أن تكون طرق تعليم الطفل الكلام ملائمة لدرجة النضج العقلي التي وصل إليها ومتمشية مع استعداده الطبيعي وسنة ومزاجه ... والمعروف أن المحاولات الأولى تبدأ حين نلمح بوادر النطق التلقائي، ثم نتعهد هذه القدرة الناشئة بالاستثارة عن طريق ترديد الأم للمقاطع المألوفة للطفل، ثم تحاول تدريجيًا أن تعلمه كلمات تبدأ بنفس المقاطع التي تمرن عليها من قبل، ثم يتعلم تدريجيًا كلمات مؤلفة من مقطعين مختلفين، ثم من ثلاثة مقاطع، ثم جملًا بسيطة.. إلخ.
3- يجب على الأم أو المربية برياض الأطفال تدريب الأطفال على الاستماع وتنمية مهاراتهم في هذه المرحلة، إذا أنها تكاد تكون الوسيلة الوحيدة لنقل الأفكار إليهم قبل تعلم القراءة والكتابة، ويجب على مربية الروضة أن تتدرج بهم من الموضوعات والقصص القصيرة التربوية التي
(2/184)
تتناسب وقدراهم العقلية وتتفق وميولهم الشخصية حتى يقبل الأطفال على بذل الطاقة اللازمة للاستماع الجيد إلى الموضوعات الأخرى التي تنمي معلومات الطفل مثل الأحداث العامة، ومبادئ الأدب، والتاريخ، والجغرافيا معا.. وما إلى ذلك. ويلاحظ أن قدرة الأطفال على الاستماع تتركز على الأصوات واتساع الكلمات والشحنة الوجدانية أكثر من المعاني التي تحتوي عليها.
4- ينبغي عدم المغالاة في قص الحكايات الخيالية حتى لا يتعذر على الطفل إيجاد توازن بين عالم الخيال وعالم الواقع، والأسلوب الصالح المألوف هو الذي لا يستبعد القصة الخيالية تمامًا ولكنه يدخل على القصص التي يقرأها الأطفال أو يستمعون إليها حكايات عن الحيوان والأطفال تصور مواقف إيجابية يشوبها التفاؤل تجاه الغير ونحو الحياة.. ومن الممكن في مرحلة الروضة أن يفيد الأطفال من القصص الحقيقية أو الواقعية التي تتناول حوادث الحياة اليومية مما يصلح لاستخلاص دروس تربوية، كما ينبغي استبعاد القصص المخيفة التي تستثير قلق الأطفال.
5- وما ينبغي ملاحظته دائمًا: أن تقدم الأم ومربية الروضة نماذج جيدة من الألفاظ ومخارجها، لأن هذا هو الأساس الذي سيبني عليه الطفل رصيده اللغوي عند التعبير الشفوي والتحريري.
6- إذا التحق الطفل بإحدى رياض الأطفال التي تعني بتعليم اللغات الأجنبية -وقد أصبح هذا الأمر شائعًا- فمن الأفضل عدم تعليم اللغة الأجنبية إلا بعد أن تتأكد الروضة من رسوخ تراكب اللغة القومية، أو الاقتصار على تعليم اللغة الأجنبية شفاهة حتى لا يعوق النمو اللغوي لإحداهما نمو الآخرى.
(2/185)
التطبيقات التربوية لرعاية النمو اللغوي لطفل المدرسة الابتدائية:
يجب على الوالدين والمربين رعاية النمو اللغوي لطفل المدرسة الابتدائية على النحو التالي:
1- اكتشاف اهتمامات التلميذ وتشجيعه على قراءة الكتاب التي تتناسب مع جنسه وعمره وميوله ومستواه التحصيلي بما فيها من نماذج لغوية منتقاة تساعد على الترقي اللغوي عند الطفل وتوسع مجاله الإدراكي.
2- تشجيع التلاميذ على التعبير التحريري: فيكلف كل طفل بتسجيل ملاحظاته في الخارج، وكتابة الأحداث الهامة وتعليقه عليها، وتلخيص القصص التي يعجب بها، وكتابة تقارير عن مشاهدته في الرحلات التي يشترك فيها.
3- تشجيع الأطفال على القراءة الجهرية مع ملاحظة الفروق الفردية، وتجنب الإسراف في تصحيح أخطاء الطفل حتى لا يثبط ذلك في همته ويشعره بالقصور والعجز، وقد يكون لذلك أثر سيئ إذا اتجه الوالد أو المعلم نحو قراءة الطفل بالسخرية، والصد فيجعل منه طفلًا هيابًا خجولًا يعاني شعورًا بالنقص، ميالًا للعزلة منصرفًا عن الدرس والتحصيل، أما المعلم الناجح فهو الذي يجمع أخطاء الأطفال الشائعة ويناقشها معهم في جو من الألفة والتعارف حتى يعملوا على تلافيها مستقبلا.
4- الحد من قراءة الكتب والقصص التي تؤدي إلى إثارة الرعب والفزع في الأطفال والتي تثير القلق والأحلام المزعجة لديهم، وكذلك كتب الخرافات والمغامرات الخارقة التي لا تعود على الأطفال بالنفع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق