Translate

الأحد، 26 مارس 2023

ج2.الغذاء والتغذية

 

الغذاء اوالتغذية ج2.

الغذاء والتغذية

ملامح إنتاج واستهلاك الغذاء في الوطن العربي

أولا: الملامح الأساسية لنظم إنتاج الأغذية في الوطن العربي

...

ملامح إنتاج واستهلاك الغذاء في الوطن العربي:

الدكتور سمير ميلادي-الدكتور عبد الرحمن عبيد مصيقر:

يضم الوطن العربي 21 بلدا ويشغل مساحة كبيرة ومتنوعة تبلغ حوالي 14 مليون كيلو متر تضم حوالي 220 مليون نسمة. ويمتد من دول الخليج العربي شرقا إلى المغرب العربي غربا. وتتفاوت هذه البلدان في الخصائص الجغرافية والمناخ والحالة الاقتصادية والاجتماعية والصحية. فهي تضم أفقر البلدان في العالم وأغناها. لذا فإن دراسة الإنتاج والاستهلاك الغذائي بشكل عام في هذه الدول يكون صعبا بسبب النقص في البيانات الإحصائية اللازمة وعدم الاطمئنان إلى دقتها. وتستند دراسة النظم الغذائية الحالية والاتجاهات السائدة في مجال استهلاك الأغذية إلى مصدرين إحصائيين أساسيين هما بيانات الموازنات الغذائيةFOOD BALANCE SHEET التي تصدرها منظمة الأغذية والزراعة "FAO" ومسوحات الميزانية والاستهلاك HOUSEHOLD EXPENDITURE SURVEY التي تعطي تقديرات لمعدلات الاستهلاك الغذائي الأسري في وقت معين استنادا إلى عينة ممثلة للسكان. ويستند هذا الفصل بصفة أساسية على بيانات الموازنات الغذائية للتعرف على نمط إنتاج واستهلاك الغذاء في الأقطار العربية.

أولا: الملامح الأساسية لنظم إنتاج الأغذية في الوطن العربي

ليست جميع الدول العربية دولا زراعية أو تعتمد على الزراعة كأساس للدخل

(1/145)

القومي. وتعتبر دول الخليج العربي وليبيا من أقل الدول العربية اعتمادا على الإنتاج الزراعي، وذلك راجع إلى الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل القومي وإلى ضالة الرقعة الزراعية فيها. ويواجه الإنتاج الزراعي في الدول العربية عدة معوقات أثرت على كفاءة الإنتاج ونوعيته، ويمكن تقسيم هذه المعوقات إلى قسمين رئيسيين، معوقات إنتاج المحاصيل الغذائية ومعوقات الإنتاج الحيواني.

1- معوقات OBSTACLES إنتاج المحاصيل الزراعية:

يجري إنتاج المحاصيل الغذائية في الوطن العربي في ظروف الزراعة المروية التي تعتمد على مياه الأمطار، لذا فإن تفاوت معدلات سقوط الأمطار والتباين في توزيعها في أنحاء هذه الدول يؤثران على قدرتها على إنتاج الأغذية، وعلى مدى توافر الأغذية والدخل الذي يحققه أصحاب المزارع من النشاط الزراعي، وهذا بدوره يؤثر على الاقتصاد القومي. وتعتبر الصحاري التي تشغل نحو 75 % من المساحة الإجمالية للوطن العربي عقبة خطيرة أمام التوسع في الإنتاج الزراعي والغذائي.

وعند استعراض أنماط الإنتاج الغذائي في الدول العربية نجد أن بعض الدول أعطت مزيدا من الاهتمام للمحاصيل الاقتصادية ESONOMICA; CROPS على حساب المحاصيل الغذائية NUTRITIONAL SROPS من حيث الاستثمارات INVESTMENTS والإئتمان CREDIT والبحوث RESEARCH والإرشاد الزراعي وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي وغيرها. ويرجع ذلك إلى أن المحاصيل النقدية تمثل مصدرا أساسيا للنقد الأجنبي لهذه البلدان، كما هو الحال بالنسبة للقطن في كل من مصر والسودان. ومع ذلك، فإن الطلب على هذه المحاصيل الاقتصادية وأسعارها في السوق العالمية لم تكن كما كان متوقعا في كثير من الأحوال. وقد ساعد ذلك في جعل الميزان التجاري سلبيا NEGATIVE BALANCE OF TRADE، مما زاد من الديون وأدى إلى اتساع الفجوة بين إنتاج الأغذية والطلب عليها.

وعموما، يمكن تلخيص أهم معوقات إنتاج المحاصيل الغذائية في الوطن العربي بما يلي:

أ- المشكلات المرتبطة بتجزؤ الملكيات الزراعية مما يعيق إدخال الأساليب التكنولوجية الحديثة.

ب- نظام الملكية الزراعية السائد والذي يثير مشكلة في الإنتاج الزراعي.

(1/146)

ج- قلة الموارد المائية. رغم أن الموارد المائية في المناطق المروية تقع إلى حد ما تحت السيطرة، فإن المناطق التي تعتمد على مياه الأمطار تعاني من التفاوت الشديد في كميات الأمطار وعدم القدرة على التنبؤ بها. وهذا يعني أن بعض بلدان الوطن العربي تواجه من حين لآخر حالات من الجفاف الشديد، كما حدث في الصومال والسودان، بينما تعاني المناطق في دول أخرى من الجفاف من وقت لآخر مثل تونس والمغرب والأردن، مما يؤدي إلى نقص حاد في الأغذية في هذه الدول.

د- عدم وجود رقابة كافية على استخدام المياه في الري، بالإضافة إلى انخفاض كفاءة شبكات الصرف، مما أدى زيادة تدهور كفاءة الأراضي الزراعية نتيجة لإصابة التربة بالملوحة والتفدق "التطبيل".

هـ- ما زال استخدام مستلزمات الإنتاج الزراعي، مثل البذور المحسنة والأسمدة والمبيدات الحشرية INSECTICIDES في بعض الدول، مثل السودان والصومال، أقل من المستوى المطلوب.

22و- التوسع العمراني في المناطق الحضرية والذي أدى إلى استخدام مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في أغراض البناء والتعمير.

ز- النقص في عدد وكفاءة العمال الزراعيين. فلقد اتجه العديد من المزارعين إلى العمل في المدن أو إلى الهجرة خارج الوطن، مما شكل نقصا ملحوظا في عدد العمال الذين يزاولون المهن الزراعية، خاصة وأن الجيل الجديد قد ترك مهنة الزراعة وتوجه إلى التخصصات الأخرى التي يمكن أن تدر له ربحا أكثر عند عمله فيها. وتوجهت بعض الدول إلى استيراد عمال إما من دول عربية أو من دول أخرى مثل الهند وباكستان وهؤلاء ينقصهم العديد من الخبرات المطلوبة لطبيعة الإنتاج الزراعي في الدول التي يعملون بها لاختلافها عن دولهم.

ح- أصبحت مشكلات التصحر وتقطيع الغابات في بعض الدول العربية تمثل تهديدا حقيقيا لحياة السكان في الريف وقدرة هذه البلدان على إنتاج الأغذية كما هو الحال في الصومال والسودان.

ط- لم تكن تسهيلات الائتمان الزراعي تستخدم على الدوام بما هو في مصلحة صغار المزارعين.

ي- تحكم بعض الدول في أسواق المحاصيل الرئيسية بما يضر بمصالح المنتجين،

(1/147)

وفي غياب التدخل من جانب هذه الدول، يلعب الوسطاء نفس الدور. وبالرغم من ذلك فمن المفيد القول إن عددا من الدول العربية مثل مصر والسودان وتونس والمغرب وسوريا، بدأ يتجه نحو تحرير أسعار الأغذية.

ك- قلة الاستفادة من الدراسات والبحوث التطبيقية في المجال الزراعي في تحسين مستوى الإنتاج الغذائي في العديد من الدول العربية بالرغم من المبالغ الكبيرة التي تصرف على هذه البحوث.

2- معوقات الإنتاج الحيواني:

يمثل الإنتاج الحيواني المصدر الرئيسي للبروتين الحيواني الذي يدخل في غذاء سكان الدول العربية، كما يمثل ما يتراوح ما بين 30 و 40 % من نصيب الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول مثل السودان والصومال. ويواجه الإنتاج الحيواني صعوبات أهمها:

أ- أن الزيادة في عدد الحيوانات الزراعية أدى إلى الإفراط في رعي المراعي الطبيعية، مما أساء إلى المراعي الطبيعية وأدى إلى انخفاض إنتاج الحيوانات والمراعي على السواء. وكان من نتائج الرعي المفرط أن انتقل الرعي إلى مناطق المراعي الفقيرة في جميع الدول العربية تقريبا.

ب- ما زالت عمليات تربية الحيوانات تتم في ظروف الرعي المتنقل أو شبه المتنقل الذي يمارسه البدو الرحل، مما أدى إلى انحفاض الإنتاجية.

ج- ما زال الأخذ بنظم الإنتاج الحيواني المكثف محدودا في الوطن العربي، نظرا لقلة وسوء الأعلاف الحيوانية وعدم تطبيق الأساليب الإدارية المناسبة.

د- النقص الواضح في الخدمات البيطرية المقدمة لتلبية الاحتياجات في مجال الصحة الحيوانية في العديد من البلدان العربية.

هـ- عمليات تصنيع وحفظ المنتجات الحيوانية ما زالت تتم طبقا للنظم التقليدية بصورة عامة.

و المناخ السيئ في العديد من الدول العربية ساهم في ضعف أو عدم تربية بعض الحيوانات.

3- الإنتاج السمكي:

تعتبر الثروة السمكية إحدى الثروات الغذائية الهامة في الوطن العربي والتي لم

(1/148)

تستغل بالشكل المطلوب. فإمكانيات إنتاج الأسماك كبيرة في العديد من الدول العربية، وقد استطاعت بعض الدول مثل المغرب وتونس والمملكة العربية السعودية تطوير سبل الاستفادة من الموارد السمكية وتصدير الأسماك والمنتجات السمكية، وميكنة القطاع التقليدي لصيد الأسماك، وإن كان ذلك على نطاق محدود حتى الآن. وتجدر الإشارة إلى أن استهلاك الأسماك في الدول العربية في تزايد سواء من الإنتاج المحلي أو من الواردات، لذلك فمن الضروري تشجيع التوسع في الاستثمارات من أجل تحسين المعارف الفنية وأساليب الإنتاج في سبيل النهوض بهذا القطاع.

4- خسائر الأغذية:

بالإضافة إلى المعوقات التي تواجه إنتاج الأغذية، تتعرض كميات من الأغذية المنتجة للتلف أثناء أطوار النمو والحصاد وما بعد الحصاد، بل وأثناء الاستهلاك الإقليم اهتماما خاصا من أجل الحد من هذه الخسائر.

5- التنمية البشرية:

يمثل العنصر البشري عاملا هاما في إنتاج الأغذية. ورغم أن سكان الريف هم المنتجون الحقيقيون للأغذية، فهم يعانون حتى الآن من عدم توافر الخدمات التعليمية والصحية الكافية، الأمر الذي يسفر عن ارتفاع مستوى الأمية وانتشار الأمراض المعدية، وقلة إمدادات المياه النظيفة، وضعف مرافق الصحة البيئية، بالإضافة إلى انخفاض الدخل والبطالة الموسمية، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى التغذية. وقد أسفرت هذه العوامل عن سوء الأحوال المعيشية لسكان الريف مما لا يمكنهم من تحقيق الاستفادة القصوى من إمكانياتهم الإنتاجية. كذلك أدت هذه العوامل إلى ارتفاع معدل هجرة الذكور إلى المناطق الحضرية تاركين وراءهم الإناث يعملن في الزراعة بالإضافة إلى مهامهن المعتادة كربات بيوت.

ومما يزيد الموقف سوءا أن نساء الريف المشتغلات بالزراعة لا يتمتعن بنفس الفرص المتاحة أمام المزارعين الذكور فيما يتعلق بالحصول على التسهيلات الائتمانية وخدمات الإرشاد الزراعي وعضوية الجمعيات التعاونية، وغيرها، في العديد من بلدان الإقليم.

(1/149)

6- السكان والغذاء في الوطن العربي:

إن زيادة السكان بمعدلات مرتفعة تؤدي إلى فقدان التوازن بين السكان والموارد، وإلى خفض نصيب الفرد من الدخل القومي وعرقلة التنمية، خاصة في البلاد محدودة الدخل. ذلك لأن الجزء الأكبر من الموارد المالية التي يجب تخصيصها للتنمية يتجه إلى الاستثمار السكاني لمواجهة ضغط السكان على الموارد المتاحة، وتلبية طلبهم المتزايد على الغذاء والسلع الاستهلاكية وفرص العمل والإسكان والمياه والطاقة والتعليم والرعاية الصحية والمواصلات والخدمات، وعلى التنمية البشرية بصفة عامة. وهذا ما يؤدي إلى قلة الموارد المالية التي يمكن استغلالها في الاستثمار الاقتصادي ويزيد من صعوبة رفع مستوى المعيشة للفرد والأسرة والمجتمع، خاصة وأن مضاعفة متوسط الدخل للفرد يتطلب مضاعفة الدخل القومي أربع مرات في غضون 25 سنة، عندما يتضاعف السكان خلال هذه الفترة.

يعد معدل نمو السكان في الوطن العربي من أعلى معدلات النمو في العالم، إذ يبلغ 3.1 % في السنة بالمقارنة مع 1.7 % للعالم، ومع ذلك فإن معدلات النمو السكاني في بعض الدول العربية أعلى من هذا المتوسط. وتعاني بعض الدول العربية من المشاكل المترتبة على عدم التوازن بين حجم السكان الآخذ بالتزايد بتلك المعدلات المرتفعة وبين الموارد الأساسية المتاحة بها وصفة خاصة الغذاء وقد ساهمت هذه المشاكل في انتشار سوء التغذية بين أعداد كبيرة من سكان هذه الدول، ومن ثم تعرضهم للإصابة بالأمراض والوفاة في سن مبكرة، خاصة بين أفراد الأسر ذات المستويات المنخفضة من الدخل.

وحتى يمكن توفير احتياجاتها من الغذاء، تخصص البلاد العربية أجزاء كبيرة من ميزانيتها للاستيراد من الخارج، مما يشكل أعباء ضخمة على ميزان المدفوعات في كل منها من ناحية، ويؤدي إلى تخفيض الميزانيات الاستثمارية وبالتالي عرقلة معدلات التنمية الاجتماعية والاقتصادية خاصة في البلاد محدودة الدخل من الناحية الأخرى.

فالمشاكل التي تواجه الدول العربية في محاولاتها تأمين نوعية مقبولة من الحياة للسكان كثيرة ومعقدة، وتتداخل فيها عدة عوامل ديموغرافية وسياسية وبيولوجية واجتماعية وثقافية واقتصادية وتعليمية وتكنولوجية وبيئية. وبالنظر إلى

(1/150)

التعقيدات التي تكتنف هذه المشاكل السكانية وإلى تأثيرها السلبي على مشروعات التنمية فإن معالجتها تكمن في تناولها بأسلوب متكامل في إطار خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

7- الاستثمار في الزراعة:

ينبغي الإشارة إلى أن القطاع الزراعي في العديد من الدول العربية لم يلق ما يستحق من أولوية في خطط التنمية الوطنية، كما أن الاستثمارات المخصصة لهذا القطاع ما زالت غير كافية. وهذا يحدث بالرغم من أن السكان الذين لهم دور مباشر أو غير مباشر في الزراعة يمثلون 54 % من مجموع سكان الإقليم. وفي بعض البلدان مثل السودان والصومال، يعتمد الاقتصاد القومي على الزراعة، ويمثل المشتغلون بالنشاط الزراعي 7 % إلى 80 % من مجموع السكان. وقد أسهم ذلك الوضع في إحداث الفجوة الغذائية المتزايدة في الإقليم.

8- أسعار الأغذية وسياسات الدعم:

تعد سياسات تسعير ودعم الأغذية من بين برامج التدخل التي تلجأ إليها حكومات كثيرة في الإقليم من أجل تحقيق عدالة توزيع السلع الغذائية الأساسية "الحبوب، السكر، الزيوت النباتية وما إلى ذلك". ومع ذلك فإن تأثير هذه البرامج من حيث قيمة المواد الغذائية والمجموعات المستهدفة كان مثارا للجدل. وعلى سبيل المثال، ارتفعت قيمة برامج الدعم الذي تتحمله الحكومة المصرية من أجل دعم أسعار الأغذية في الفترة الواقعة بين 1956/1955 و 1989/1988 بشكل كبير جدًّا كما هو مبين في الجدول التالي:

الاعتمادات المالية المخصصة لبرنامج دعم الأغذية في مصر

(1/151)

يتضح من الجدول السابق أن قيمة الدعم التي كانت تبلغ 1.9 مليون جنية مصري في 1956/1955 ارتفعت ارتفاعا حادا لتصل إلى 1815 مليون جنيه مصري في 1985/1984 ولكنها عادت فانخفضت إلى 1056 مليون جنيه مصري في 1989/1988، مع تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي. ومع ذلك، أشارت التقارير إلى أن بعض كميات دقيق القمح المدعوم قد استخدمت كعلف للحيوان، لأن أسعاره كانت أقل من أسعار الأعلاف الحيوانية المتاحة الأخرى وهذا يعد نموذجا على إساءة استعمال الأغذية المدعومة.

وهناك مثال آخر من تونس حيث ارتفعت الاعتمادات المالية المخصصة لدعم الأغذية من 1.3 مليون دينار في 1970 إلى 262 مليون دينار في 1985 والسلع الغذائية المدعومة في تونس هي الحبوب، والزيوت النباتية، والسكر، واللحوم، والبيض، والألبان. طبقا للبيانات التي أسفرت عنها عملية مسح الاستهلاك الغذائي في 1985، بلغ نصيب الفرد من اعتمادات الدعم 43.5 دينارا سنويا بالنسبة لسكان المدن الكبيرة، و 38.3 دينارا بالنسبة لسكان المناطق الحضرية "المدن الصغيرة"، و 23.8 دينارا بالنسبة لسكان المناطق الريفية، أي ما يقرب من نصف نصيب الفرد من سكان المدن الكبيرة رغم ارتفاع مستوى دخل سكان المدن الكبيرة. وفيما يتعلق بنصيب الفرد من الدعم، بحسب مستوى الدخل، فقد لوحظ أن السكان الذين كان دخلهم أقل من 130 دينارا سنويا "وهم الفقراء" كان نصيبهم من الدعم 14.7 دينارا مقابل 52 دينارا بالنسبة لفئة الدخل المرتفع من السكان "أكثر من 910 دينار سنويا". وهكذا، يفيد الدعم الفئات ذات الدخل المرتفع أكثر مما يفيد الفئات ذات الدخل المنخفض بنسبة 1:3، لأن الفئات الغنية تستهلك من الحبوب والسكر والزيوت النباتية واللحوم والألبان والبيض أكثر مما يستهلكه الفقراء.

كذلك فإن قيام الحكومة بتثبيت أسعار الأغذية دون تحديد كاف للفئات المستهدفة، سيكون له تأثير سلبي على المنتجين الزراعيين المحليين، نظرا لأن الأسعار غير المجزية للأغذية قد حددت لمصلحة سكان الحضر، أو بغرض تشجيع الصادرات. وهكذا ينبغي توجيه عمليات الدعم وتحديد الأسعار توجيها دقيقا نحو أشد الفئات حاجة إليها، وينبغي التوصل إلى حلول جديدة ومبتكرة لتوجيه الدعم نحو المستفيدين مع ضمان أقل قدر ممكن من "تسرب" الدعم. وينبغي ألا يطبق الدعم إلا على الأغذية التي يستهلكها الفقراء عادة. وفي بعض الدول العربية مثل

(1/152)

ليبيا التي تدعم حكومتها جميع السلع الغذائية تقريبا، أدى دعم الأغذية إلى ارتفاع نسبة البدانة نظرا لارتفاع نسبة الوحدات الحرارية "الكالوري" والدهون في غذاء السكان، مما أدى بدوره إلى انتشار الأمراض المزمنة وهي الأمراض التي تشتهر بها المجتمعات الموسِرة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية وضغط الدم والسكر، وما إليها. وتشير بعض الدراسات أن سياسة الدعم في دول الخليج العربي، والتي تركز على دعم الأغذية ذات الكالوري العالية، مثل الأرز والسكر والدهون واللحوم، قد ساهم في حدوث هذه الأمراض المزمنة.

ومن الأمثلة الأخرى دعم الأغذية المستوردة التي يستهلكها الأطفال الرضع "ألبان الأطفال" في جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية "سابقا" مما أسفر عن تشجيع التغذية المعتمدة على تلك الألبان، بما ترتب على ذلك من نتائج مثل انتشار أمراض الإسهال وغيرها من أمراض الأطفال، وزيادة انتشار سوء التغذية البروتينية.

9- الفجوة الغذائية:

الفجوة الغذائية هي الفرق بين حجم الطلب على الأغذية وإمدادات الأغذية المتاحة من المصادر المحلية. وقد بلغت الفجوة الغذائية في الدول العربية أبعادا خطيرة لا سيما خلال العقدين الماضيين. وجمع الدول العربية "باستثناء السودان" تعاني من موازين تجارية سلبية كما هو مبين في الجدول1. كذلك يوضح الجدول أنه اعتبارا من 1976 وحتى 1988، بدأت موازين تجارة المحاصيل الزراعية تصبح سلبية في جميع الدول العربية، باستثناء السودان، وأخذت سلبيتها تتفاقم بمعدلات مرتفعة جدا. ويوضح الجدول 2 مجموع واردات الدول العربية من الأغذية، وهي التي ارتفعت قيمتها من 3.3 مليار دولار في المتوسط خلال الفترة 1975-1970 إلى نحو16 مليار دولار في المتوسط خلال الفترة 1988/1983، أي أن معدل الزيادة السنوية بلغ نحو 13 %. وبهذا المعدل المرتفع يمكن أن تصل قيمة واردات الدول العربية من الأغذية إلى ما يقرب من 90 مليار دولار بحلول عام 2000. ولا تعد الصورة أفضل من ذلك من الناحية الطبيعية، ولا سيما فيما يتعلق بالحبوب التي تعد العنصر الرئيسي ضمن ما تستورده البلاد العربية من الأغذية. وفي الحقيقة، فقد بلغت حصة الحبوب ضمن مجموع واردات الدول العربية من الأغذية خلال الفترة 1988-1983 نحو 39 %، كما هو مبين في الجدول 2. وهكذا، يمكن اعتبار الحبوب من الأمثلة المناسبة عند تقدير الفجوة الغذائية التي تعاني منها الدول

(1/153)

العربية. ويوضح الجدول 3، بجلاء، تطور هذه الفجوة في الحبوب. فقد ازداد طلب الدول العربية على الحبوب "الإنتاج+الواردات" إلى 31 مليون طن في المتوسط خلال الفترة 1988- 1983، أي أن معدل الزيادة السنوية بلغ نحو 5.2 %.

وعلى النقيض من ذلك، تأخر إنتاج الحبوب كثيرا، حيث ارتفع إنتاج الحبوب من 22.3 مليون طن إلى 27.2 مليون طن خلال نفس الفترة، مما يدل على أن معدل الزيادة السنوية في الإنتاج كان شديد الانخفاض، إذ أنه لم يتجاوز 1.5 % "الجدول 3". وباستقراء معدلات النمو هذه، يمكننا أن نستخلص أن فجوة الحبوب التي كانت تبلغ 36 مليون طن في المتوسط خلال الفترة 1987-1983 يمكن أن تصل إلى نحو 88 مليون طن بحلول عام 2000.

وإذا أخذنا مصر كمثال على المحاولات التي بدلتها بعض البلدان في الإقليم من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسية، لوجدنا أنه في حين كانت معدلات إنتاج واستهلاك كل من الأرز والفول في عام 1987 تصل إلى نسبة 100 %، فإن هذا المعدل في حالة القمح كان 22 % فقط. وكانت المعدلات الخاصة بجميع السلع الغذائية الأخرى المبينة في الجدول 4 أقل من 100 %. ومن الواضح وجود فجوة غذائية واسعة في كل من القمح والذرة والزيوت النباتية والعدس واللحوم.

تتسم فجوة الأغذية في الدول العربية بسمتين رئيسيتين ينبغي ملاحظتهما. السمة الأولى أن هذه الفجوة مركزة في عدد قليل من السلع الاستراتيجية، ولا سيما الحبوب التي تمثل ما يقرب من 40 % من قيمة ما تستورده البلدان العربية من المواد الغذائية. أما السمة الثانية فهي أن الفجوة تتركز في عدد قليل من هذه البلدان التي تتميز بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي أو كثرة السكان. وعلى سبيل المثال، كانت واردات المملكة العربية السعودية من الرز في 1987 تمثل 26 % من مجموع واردات الدول العربية. كذلك حصة مصر من واردات القمح والسكر تمثل 63 % و 22 % على التوالي، في نفس السنة.

(1/154)

الجدول 1- الاتجاهات في الموازين التجارية الزراعية* في الدول العربية "بملايين الدولارات"

"*" ميزان التجارة الزراعية=الصادرات الزراعية-الواردات الزراعية.

المصدر: نشرة الإحصاءات الزراعية، منظمة الأغذية والزراعة، روما، 1989البيانات المتاحة حتى شهر أيلول/ سبتمبر 1989.

(1/155)

الجدول 2 الاتجاهات في الواردات الغذائية في الدول العربية "بملايين الدولارات"

المصدر: نشرة الإحصاءات الزراعية، منظمة الأغذية والزراعة، روما، 1989، البيانات المتاحة حتى أيلول/ سبتمبر 1989.

(1/156)

الجدول3- اتجاهات إنتاج وواردات الحبوب في الدول العربية "ألف طن متري"

"*" النسبة المئوية هي نسبة الواردات إلى مجموع الإنتاج والواردات.

المصدر: نشرة الإحصاءات الزراعية، منظمة الأغذية والزراعة، روما. البيانات المتاحة حتى أيلول/ سبتمبر 1989.

(1/157)

الجدول 4- معدلات الاكتفاء الذاتي من الأغذية الرئيسية في مصر "1987" "آلاف الأطنان"

10- الأمن الغذائي:

يعني الأمن الغذائي أن يكون بوسع السكان، في جميع الأوقات، الحصول على الأغذية الأساسية التي يحتاجونها، أي أن تكون هذه الأغذية موجودة بالفعل ويكونون هم قادرين من الناحية الاقتصادية على الحصول عليها. وهذا يعني أنه ينبغي أن تتمتع كل أسرة بالقدرة على إنتاج أو شراء الأغذية بالكميات التي تكفيها وبالنوعية التي تضمن لجميع أفراد الأسرة حياة صحية وخالية من العلل. وعموما، يمكن تقسيم الهدف العام للأمن الغذائي إلى ثلاثة أهداف محددة هي: ضمان إنتاج إمدادات كافية من الأغذية، وتحقيق أكبر قدر من الاستقرار في تدفق الإمدادات، وضمان حصول العامة على إمدادات كافية من الأغذية. وتتصل معظم المشكلات المتعلقة بالأمن الغذائي على مستوى الأسرة بقضية قدرة الفقراء على الحصول على الأغذية. لذلك ينبغي تشجيع المشروعات. ويشكل تحديد طبيعة ومدى وأسباب عدم الشعور بالأمن الغذائي على مستوى الأسرة المهام الرئيسية بالنسبة لجميع البلدان العربية وذلك لكي يتسنى لها وضع وتصميم البرامج التي يمكن أن تعالج هذه المشكلات.

(1/158)

لذلك فإن مشكلة عدم توافر الأمن الغذائي يمكن أن تؤثر في المجموعات الحساسة نظرا لارتفاع الاحتياجات الفيزيولوجية لهذه الفئات، وكذلك نظرا للعوامل الثقافية والبيئية التي يمكن أن تؤثر في عدم توافر الأمن الغذائي لهذه الفئات حتى وإن أتيح لها الدخل الكافي. وينبغي ملاحظة أن خطط الأمن الغذائي الوطنية لا تعد كافية في حد ذاتها، إذ ينبغي أن تقترن بخطط أخرى للتغلب على مشكلات الأمن الغذائي على مستوى الأسرة بل وعلى مستوى الفرد. وعلى سبيل المثال، فطبقا لما جاء في تقرير بعثة تقدير المحاصيل التي زارت السودان 1992-1991، تبين أن السودان يتمتع بالاكتفاء الذاتي في الحبوب في الوقت الذي يعاني فيه عدد كبير من الأسر في مناطق معينة في البلاد من نقص الحبوب نظرا لضعف المحصول في المناطق قليلة الأمطار.

(1/159)

ثانيا: خصائص الاستهلاك الغذائي في البلدان العربية "*"

اعتمادا على مؤشرين هامين وهما، نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي والمخصصات اليومية DAILY ALLOWANCE من الطاقة، التي أمكن الحصول عليها من بيانات الموازنة الغذائية FOOD BALANCE SHEET التي تصدرها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، يمكن تقسيم البلدان العربية إلى 3 مجموعات رئيسية على النحو التالي:

1- البلدان ذات الدخل المرتفع ويبلغ نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي فيها ما يزيد على 6000 دولار، وتتجاوز المخصصات اليومية من الطاقة 3000 كالوري للفرد يوميا. وتضم هذه المجموعة البلدان المصدرة للنفط وهي ليبيا والمملكة العربية السعودية، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والبحرين، وسلطنة عمان.

2- البلدان ذات الدخل المتوسط ويتراوح نصيب الفرد من الناتج الإجمالي فيها بين 300 و 600 دولار، وتتراوح المخصصات اليومية من الطاقة بين 2700 و 3000

__________

"*" يعتمد هذا الجزء على المذكرة التي أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والمقدمة للمؤتمر الإقليمي العشرين للشرق الأدنى، تونس، الجمهورية التونسية 16-12 آذار/ مارس 1990.

(1/159)

كالوري للفرد يوميا. وتضم هذه المجموعة الجزائر، مصر، والعراق، والأردن، ولبنان، والمغرب، وسوريا، وتونس.

3- البلدان ذات الدخل المنخفض التي يقل فيها نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي عن 600 دولار، وتتراوح المخصصات اليومية من الطاقة بين 2000 و 2300 كالوري. وتضم هذه المجموعة جيبوتي، وموريتانيا، والصومال، والسودان، واليمن.

الاستهلاك الغذائي في البلدان ذات الدخل المرتفع:

يزيد معدل المخصصات اليومية من الطاقة في البلدان المصدرة للنفط، والتي تتميز بضالة الكثافة السكانية نسبيا، عن 3000 كالوري للفرد يوميا، ويبدو أن الاستهلاك من الحبوب قد وصل إلى حده الأقصى، حيث يساهم بما يتراوح بين 35 و 40 % من المخصصات من الطاقة. كما يواصل استهلاك السكر ارتفاعه على الرغم من أنه بلغ بالفعل مستويات عالية للغاية "يتراوح بين 30 و 40 كيلو غرام للفرد سنويا"، ويساهم بما يتراوح بين 10 و 15 % من المخصصات من الطاقة. وينطبق نفس الاتجاه على استهلاك الزيوت والدهون، حيث بلغ المعدل قرابة 30 كيلو غرام للفرد سنويا تصل مساهمتهما نحو 30 % من مخصصات الطاقة. كما أن مستويات استهلاك المنتجات الحيوانية عالية بدورها وتماثل نظيراتها في البلدان الصناعية: 60 إلى 70 كيلو غرام من اللحوم، و 150 إلى 180 كيلو غرام من الألبان، و 8 إلى 12 كيلو غرام من البيض للفرد سنويا.

الاستهلاك الغذائي في البلدان ذات الدخل المتوسط:

يتراوح معدل المخصصات من الطاقة للفرد في هذه البلدان إجمالا بين 2700 و 3000 كالوري. ويبلغ معدل استهلاك الحبوب التي تساهم بما يربو على نصف المخصصات من الطاقة قرابة 200 كيلو غرام للفرد سنويا في الوقت الحاضر.

ويحظى القمح بالمرتبة الأولى من الإقبال في هذه البلدان، وهو في معظم الحالات، قمح مستورد بأسعار مدعومة بنسبة عالية. ويستكمل هذا القمح بالأرز في كل من الأردن والعراق ومصر، وبالشعير في المغرب على الرغم من الانخفاض السريع في معدلات استهلاكه. وتنفرد مصر وحدها باستمرار الاستهلاك المباشر الكبير من الذرة "58 كيلو غرام للفرد سنويا". كما شهد استهلاك السكر زيادة كبيرة

(1/160)

ووصل إلى معدل يتراوح بين 30 و 40 كيلو غرام للفرد سنويا. وزاد استهلاك الزيوت النباتية بمقدار الضعف أو أكثر "12 إلى 15 كيلو غرام" خلال الفترة من 1974-1972 إلى 1986-1984 في العديد من البلدان "الجزائر، لبنان، مصر". ويساهم السكر والزيوت والدهون بما يتراوح بين 20 و 30 % من مخصصات الطاقة. كذلك يواصل استهلاك المنتجات الحيوانية الزيادة، حيث يبلغ نحو 20 كيلو غرام من اللحوم للفرد سنويا وما يتراوح بين 60 و 100 كيلو غرام من الألبان. وتساهم هذه المنتجات بما يقارب 10 % من مخصصات الطاقة وما يتراوح بين 20 و 30 % من مجموع البروتين في الوجبة الغذائية. كما زاد استهلاك الفاطهة والخضر بشكل ملحوظ في جميع بلدان هذه المجموعة. ويتراوح معدل استهلاك الفرد من الفاكهة والخضر بين 2000 و 3000 كيلو غرام سنويا في البلدان المستهلكة الرئيسية، مثل سورية ولبنان والعراق وتونس ومصر، وإن كان هذا المعدل متواضعا إلى حد كبير "ما يقل عن 100 كيلو غرام سنويا للفرد" في البلدان الأخرى مثل الجزائر والمغرب. وبإيجاز يمكن القول إن تنوع النظام الغذائي في البلدان ذات الدخل المتوسط ما زال مستمرا، ويوفر قدرا كافيا من مخصصات الطاقة لتلبية الاحتياجات من الطاقة لمعظم السكان، وإن كانت هناك تغييرات هيكيلية جارية بالفعل نحو المزيد من استهلاك السكر والدهون والمنتجات الحيوانية.

الاستهلاك الغذائي في البلدان ذات الدخل المنخفض:

يتميز الاستهلاك الغذائي في البلدان ذات الدخل المنخفض أساسا بنقص المخصصات من الطاقة "ما يترواح بين 2000 و 2300 كالوري للفرد يوميا" حيث تساهم الحبوب والجذور والدرنات بنسبة 60 إلى 80 % من إجمالي المخصصات من الطاقة. ويشكل القمح في اليمن والذرة الرفيعة في السودان، وخليط من حبوب متعددة في موريتانيا "القمح، الرز، الدخن" وفي الصومال "القمح، الرز، الذرة الرفيعة" الأغذية الأساسية الرئيسية. وتمثل إمدادات الحبوب من حيث كمياتها ما يزيد قليلا على 100 كيلو غرام للفرد سنويا في كل من السودان والصومال، بينما تصل إلى معدلات مرتفعة تتراوح بين 160 و 180 كيلو غرام في البلدان الأخرى. كذلك يواصل استهلاك السكر ارتفاعه حيث يصل إلى ما يتراوح من 20 إلى 25 كيلو غرام للفرد سنويا، في حين استقر استهلاك الزيوت النباتية على 8 إلى 10 كيلو غرامات، بحيث يساهم الاستهلاك من السلعتين ما يتراوح بين 15 و 25 % من

(1/161)

إجمالي المخصصات من الطاقة، وهي نسبة تختلف اختلافا هاما عن مثيلتها في البلدان ذات الدخل المتوسط 20 إلى 30 % والبلدان ذات الدخل المرتفع 40 إلى 45 %. وتتراوح المخصصات من البروتين بين 60 و 70 كيلوم غرام للفرد سنويا باستثناء موريتانيا، وهي مستهلك تقليدي للأسماك والألبان واللحوم، يصل فيها معدل مخصصات الفرد من الطاقة 96 غرام يوميا، في حين أن نسبة 60 إلى 80 % من مخصصات البروتين في البلدان الأخرى مصدرها نباتي، وأساسا من الحبوب. وبإيجاز فإن النظام الغذائي في البلدان ذات الدخل المنخفض يتميز بنقص المخصصات من الطاقة، وقلة تنوعه، واعتماده التقليدي على الحبوب، ونسبة غير كافية من مخصصات الفاكهة والخضر حيث تساهم الحبوب بنسبة بين 60 و 80 % من إجمالي الطاقة والبروتين.

(1/162)

ثالثا: الأهداف التغذوية لنظام غذائي متوازن في البلدان العربية

من الاستعراض السابق لإمدادات الأغذية ونمط الاستهلاك الغذائي في الدول العربية وعلاقة ذلك باحتياجاتها التغذوية تتضح بجلاء ضرورة وضع أولويات مختلفة عند تحديد الأهداف التغذوية والخطوط التوجيهية الخاصة بالاستهلاك الغذائي لثلاث مجموعات من البلدان: بلدان الدخل المرتفع، وبلدان الدخل المتوسط، وبلدان الدخل المنخفض، ولمختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية داخل هذه البلدان.

بلدان الدخل المرتفع:

في حالة مجموعة الدخل المرتفع هناك تغير سريع لنمط النظام الغذائي وللأمراض الناشئة عن سوء التغذية، بحيث أصبحت تقترب في طابعها من تلك الموجودة في البلدان الصناعية، باستثناء واحد وهو أنه بالنظر إلى النقص النسبي في المعارف التقنية ووجود ثغرات تعليمية مقارنة مع البلدان الغربية، فإن طرق الفطام وتغذية الأطفال الرضع لم تبلغ الدرجة العلمية العالية التي بلغتها في البلدان الغربية. وقامت مشاورة فنية قطرية عن أمراض الغني عقدها مؤخرا المكتب الإقليمي لشرق البحر الأبيض المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية باستعراض الوضع وأصدرت

(1/162)

توصيات عامة وخاصة تهم النظم الغذائية للبلدان الأكثر غني في البلدان العربية. ويمكن تطبيق الخطوط التوجيهية والكمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية لتلافي أمراض الشريان التاجي على الأوضاع الحالية في هذه البلدان كما هو موضح في الجدول التالي:

الأهداف التغذوية لبلدان الدخل المرتفع في الدول العربية

ويمكن لكل بلد أن يترجم هذه الأهداف التغذوية إلى أهداف غذائية وخطوط توجيهية للنظم الغذائية بما يتناسب مع تقاليده التغذوية والثقافية، مع مراعاة المشاكل الاقتصادية وغيرها التي تعترض مسألة توفير الأغذية. وقد وضعت المشاورة الأخيرة التي نظمها المكتب الإقليمي لشرق البحر المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية بعض التوصيات الغذائية العامة، تنصح الأولى منها بتناول أغذية متنوعة بقدر الإمكان. وقد لوحظ في هذا الصدد أن "المحافظة على الأنماط الغذائية التقليدية من شأنها أن توفر بسهولة هذا القدر من التنوع". أما التوصية الثانية فتتعلق بالاعتدال في استهلاك الطعام بصفة عامة، وفي استهلاك أغذية وعناصر خاصة، وكذلك في الامتناع عن تناول بعض العناصر الإضافية الضارة مثل الكحول. وفيما يلي موجز لهذه التوصيات المحددة:

-الإقلال من تناول الدهون وبخاصة الدهون المشبعة، وذلك عن طريق تناول

(1/163)

الأغذية ذات المحتوى الدهني المنخفض مثل الخضر والفاكهة والفول والحبوب الكاملة، وإحلال لحوم الدواجن والأسماك محل اللحم الأحمر بدرجة ما. ويمكن إعطاء الأفضلية للزيوت النباتية، ذات المحتوى العالي من الدهون غير المشبعة، على الدهون الحيوانية المشبعة.

- الإقلال من تناول الأطعمة ذات المحتوى العالي من الكوليسترول، مثل صفار البيض والزبد وبعض أقسام الذبائح كالمخ والكبد، وإحلال لحم العضلات والدواجن محلها.

- زيادة تناول الألياف والنشويات المركبة وذلك بتناول الحبوب الكاملة والفول والبازلاء والفاكهة والخضر.

- زيادة تناول الأغذية الغنية بفيتامين A مثل الخضر ذات الأوراق الخضراء والصفراء التي تؤدي إلى جانب ارتفاع محتواها من المركبات الكاروتينية إلى زيادة مدخول فيتامين C.

- ضمان الحصول على مستويات كافية من الكالسيوم عن طريق تناول منتجات الألبان والسمك والخضر لتلافي مرض نخر العظام وترديها ولا سيما عند النساء.

- ضمان الحصول على مستوى كاف من الفلوريد في الماء سواء بالطريق الطبيعي أو بإضافته إلى الماء للتقليل من تسوس الأسنان.

- تقليل تناول الملح وبخاصة عند الأشخاص المتحدرين من أسر معروفة بارتفاع ضغط الدم بين أفرادها.

- تلافي الإفراط في تناول البروتين.

- تلافي الإفراط في تناول السكر والحلوى مع الطعام.

- التقليل إلى أدنى حد ممكن من الأغذية المخللة أو المدخنة.

- بالإضافة إلى ذلك توجد ثلاث توصيات أخرى مكملة للنظام الغذائي المتوازن وهي: اجتناب الكحول، والابتعاد عن التدخين، والقيام بتدريبات رياضية كافية للمحافظة على الوزن المثالي للجسم.

بلدان الدخل المتوسط:

تتسم هذه الفئة من البلدان بأنها الأكبر عددا والأشد اختلافا من حيث العناصر المكونة لها، ويسكنها ما يقارب من 50 % من مجموع سكان الدول العربية. وتمر

(1/164)

الوجبات الغذائية التي يتناولها سكان هذه البلدان –في المتوسط- بعملية تغيير، وتظل الأغذية ذات الأصل النباتي هي الغالبة بين العناصر الغذائية في تلك الوجبات. وقد ترتب على وجود فوارق اجتماعية واقتصادية وجغرافية كبيرة، وعلى تباين الريف والحضر في هذه البلدان، نشوء نمطين واضحين لمعدلات الاستهلاك الغذائي وللمرض والوفيات، مع بروز نمط خاص بفئات الدخل المرتفع وآخر خاص بفئات الدخل المنخفض. إلا أن أغلبية السكان في هذه البلدان تنعم في المتوسط بوضع غذائي وتغذوي جيد. لذلك فإن ما يرمي سكان بلدان الدخل المرتفع إلى تحقيقه من أهداف تغذوية لتحقيق وجبات متوازنة، هو نفسه ما يرمي إليه أكثر السكان ثراء في بلدان الدخل المتوسط.

وينبغي ترجمة الأهداف التغذوية المرغوبة إلى خطوط توجيهية للأغذية والتغذية على أن تصاغ بعناية لتلائم ظروف كل بلد. ذلك أن هناك أوجه تشابه بين لبنان، والأردن بدرجة أقل، وبين بلدان الدخل المرتفع من حيث الأنماط الغذائية، ومن حيث المؤشرات الأساسية للصحة والتغذوية، وكذلك من حيث انتشار الأمراض المصاحبة للغني، وتأتي في المرتبة التالية مباشرة سوريا والعراق وتونس بدرجة أقل. ومن ناحية أخرى تغلب على الجزائر ومصر والمغرب سمات فئات الدخل المنخفض حتى وإن كانت الجزائر تتمتع بأعلى نسبة لنصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي بين بلدان الدخل المتوسط.

بلدان الدخل المنخفض:

إن العقبة الرئيسية في طريق تحقيق نظام غذائي متوازن في هذه المجموعة من البلدان هو نقص الموارد الغذائية، وعدم القدرة على الحصول عليها. لذلك ينبغي للأهداف التغذوية الخاصة بالنظام الغذائي المتوازن أن تركز على توفير مخصصات كافية من الطاقة ومن تلك العناصر المغذية غير المتوافرة في النظام الغذائي الحالي، وأن تقدم بالقدر المناسب مع اتخاذ التدابير في نفس الوقت لزيادة حصول السكان على الأغذية. وفيما يلي بيان بالأهداف التغذوية المقترحة بشأن نظام غذائي متوازن في بلدان الدخل المنخفض.

(1/165)

الأهداف التغذوية لنظام غذائي متوازن في بلدان الدخل المنخفض في الدول العربية

تتراوح الاحتياجات الفيزيولوجية المقدرة من الطاقة لبلدان الدخل المنخفض في الدول العربية ما بين 1900 و 2200 كيلو كالوري. وكان من بين الافتراضات التي تؤخذ في الحسبان: الوزن الفعلي أو المثالي للجسم، النشاط المعتدل، زيادة إضافية لمواجهة متطلبات العدوى والحمل. وقد زيدت هذه الاحتياجات اختياريا بنسبة 20 % بحيث يتحقق التوازن عند نقص الأغذية داخل المنزل وحدوث العوامل الأخرى المؤثرة على التغذية مثل نقص الوزن عن الوزن المرغوب فيه، وعدم استقرار الموارد، وتلبية متطلبات النمو، وزيادة إضافية لمواجهة متطلبات العدوى.

وينبغي أن تتولى حكومات هذه البلدان مسؤولية ترجمة هذه الأهداف التغذوية إلى خطوط توجيهية خاصة بالأغذية والنظم الغذائية DIETS مع مراعاة قدراتها على إنتاج الأغذية، والمعوقات الاقتصادية وغيرها التي تعترض سبل سياسات الإمدادات الغذائية لديها. ونعرض هنا فقط الخطوط التوجيهية العامة. وينبغي تحقيق زيادة المخصصات من الطاقة عن طريق زيادة إنتاج واستهلاك الحبوب والجذور والدرنات التقليدية والبقول والزيوت النباتية. كذلك ينبغي توجيه الاستهلاك نحو الحبوب التقليدية مثل الذرة الرفيعة والدخن في السودان والذرة الصفراء والذرة الرفيعة "البيضاء" في الصومال، والدخن في موريتانيا واليمن. وينبغي تشجيع استهلاك الجذور والدرنات ولا سيما البقول في جميع بلدان الدخل المنخفض. ويوجد مستوى استهلاك الزيوت النباتية عند أدنى مستوى بالنسبة لمجموع الدول العربية ولا سيما في موريتانيا واليمن. ومن الضروري زيادة استهلاك الزيوت النباتية من أجل زيادة المخصصات من الطاقة بدرجة ملموسة. أما الإمدادات من الفاكهة والخضر ونسبة استهلاكهما فكمياتها غير كافية تماما ولا سيما في موريتانيا والصومال والسودان، وينبغي زيادة الاستهلاك منهما نظرا لانتشار النقص من المعادن والفيتامينات في هذا الجزء من الوطن العربي. أما مستوى استهلاك الأسماك فهو

(1/166)

جيد للغاية في موريتانيا وينبغي المحافظة عليه، بينما يصل هذا الاستهلاك إلى مستويات ضئيلة في البلدان الأخرى. وينبغي وضع سياسات نشيطة لإنتاج الأسماك واستهلاكها في البلدان ذات الطاقات الكبيرة في مجال صيد الأسماك مثل الصومال واليمن وشمال السودان. وينبغي إيلاء اهتمام خاص إلى النظم الغذائية المتبعة لدى البلدان الثلاثة المستهلكة للأغذية الحيوانية وهي موريتانيا والصومال والسودان، حيث ينبغي تحسين استهلاك الحبوب والألياف الغذائية فيها.

ويميل صانعو القرار عادة عند وضع استراتيجياتهم إلى إغفال مصدر تكميلي للأغذية يتمثل بالنباتات الغذائية البستانية التقليدية "الخضر والفاكهة" التي تزرع على مقربة من المنازل باستخدام الأيدي العاملة الأسرية المتوافرة، أو التي تجمع "كما هو الحال بالنسبة للفاكهة" مباشرة من الأشجار. إن عدم تفهم المنافع الاجتماعية والاقتصادية والتغذوية والبيئية لهذه النباتات يقلل من توافرها واستهلاكها، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على الأغذية المستوردة. ويستخدم جزء كبير من هذه النباتات البستانية كعناصر مصاحبة ومكملة للأكلات الرئيسية. وهي ضرورية للوجبات التي تتناولها الأسر الريفية التي تحيا حياة الكفاف، وينبغي التشجيع على إنتاجها واستهلاكها.

(1/167)

المراجع:

1- منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة"1992". مشكلات وبرامج الأغذية والتغذية في إقليم الشرق الأدنى. ورقة مقدمة إلى الاجتماع الإقليمي المشترك بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية للشرق الأدنى وشرق البحر المتوسط للإعداد للمؤتمر الدولي المعني بالتغذية. القاهرة 16-12 نيسان/ ابريل 1992.

2- عبد الرحمن مصيقر "1992". التغير في استهلاك الغذاء في الوطن العربي، تقرير مقدم إلى منظمة الصحة العالمية-المكتب الإقليمي-الإسكندرية.

3- منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "1993". السكان والغذاء في الوطن العربي-المكتب الإقليمي للشرق الأدنى-القاهرة.

4- منظمة الصحة العالمية "1990". الاضطرابات الغذائية السريرية الناجمة عن الرضاعة في بلدان إقليم شرق البحر المتوسط-المكتب الإقليمي لشرق البحر المتوسط-الإسكندرية.

5- معهد التغذية "1992". التقرير القطري لوضع التغذية في مصر، المقدم للمؤتمر الدولي المعني بالتغذية، القاهرة.

6- منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "1990". النظام الغذائي المتوازن الطريق إلى التغذية السليمة-تقرير مقدم إلى المؤتمر الإقليمي العشرين للشرق الأدنى-تونس، 61-12 آذار/ مارس 1990.

7- JAMES, W.P.T. ET AL "1988". HEATH NUTRITION, WHO/ REGIONAL OFFICE FOR EUROPE,

(1/169)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الغذاء والتغذية

العوامل الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة في استهلاك الغذاء

مستوى الدخل

...

العوامل الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة في استهلاك الغذاء:

الدكتور عزت خميس أمين:

يتأثر استهلاك الإنسان للغذاء بمجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والصحية تتفاعل فيما بينها لتؤثر في النهاية على نوع وكمية الغذاء الذي يتناوله الإنسان في وجباته. ويمتد أثر هذه العوامل على تغذية الإنسان من مراحل الطفولة المبكرة مرورا بمرحلة المراهقة والشباب والنضج إلى مرحلة الشيخوخة. كما يمتد أثر هذه العوامل ليطال استهلاك الغذاء في المناسبات الاجتماعية والدينية المختلفة.

وتؤدي التغيرات الاقتصادية والسكانية إلى حدوث تغيرات جذرية في العادات الغذائية وبالتالي في الحالة التغذوية لفئات المجتمع المختلفة. وقد شهد الوطن العربي تغيرات عميقة في أنماط التغذية السائدة نتج عنها تغيرات في نوعية مشاكل سوء التغذية ومعدلات انتشارها في دول الإقليم.

ونستعرض في هذا الفصل العوامل المختلفة التي تؤثر استهلاك الغذاء في الوطن العربي مع التركيز على التطورات التي حدثت في السنوات الأخيرة ومدى ارتباطها بنوعية أنماط التغذية السائدة في المنطقة العربية.

1- مستوى الدخل:

تعتبر القوة الشرائية للفرد من العوامل الهامة التي تؤثر على استهلاك الغذاء، ومن ثم على الحالة التغذوية لدى أفراد المجتمع. فعندما تتوفر المواد الغذائية في الأسواق وبأسعار في متناول أفراد المجتمع فإنه من المتوقع أن يحصل كل فرد على حاجته من الطعام. ولا ينطبق هذا الوضع المثالي على معظم المجتمعات النامية التي تعاني غالبا من عدم المساواة في توزيع الدخل بين كافة فئات المجتمع وبالتالي

(1/171)

عدم مقدرة بعض هذه الفئات على توفير احتياجات الأسرة من الأغذية المختلفة.

ومن المؤكد أن فئات المجتمع ذات الدخل المنخفض، خاصة في الأحياء الفقيرة من المدن الكبرى، لا تحصل على القدر الكافي من الأغذية لانخفاض القدرة الشرائية بسبب انخفاض الدخل. وإذا ما اتخذت الإجراءات الكافية لرفع مستوى الدخل LEVEL OF INCOME فإن ذلك سوف يساعد بطريقة مباشرة على توفير كميات كافية من الطعام لأفراد الأسرة. وينطبق هذا القول بصفة خاصة على المواد الغذائية المرتفعة الثمن، مثل اللحوم والأسماك والفواكه، والتي يتناقص استهلاكها بصورة واضحة عند انخفاض دخل الأسرة.

ولا يعني توافر المواد الغذائية في الأسواق دليلا على ارتفاع مستوى الحالة التغذوية في المجتمع ما لم يرتبط ذلك بالقدرة الشرائية لأفراد هذه المجتمعات. فعلى سبيل المثال لا يعتبر توفر اللحوم دليلا على وفرة الإنتاج وزيادة الاستهلاك. إذ قد يؤدي الارتفاع التدريجي والمستمر في أسعار اللحوم إلى استبعاد شريحة من المستهلكين من فئات الدخل المحدود ممن يجب عليهم اللجوء إلى مصادر أخرى للبروتين يكون سعرها أكثر انخفاضا وفي متناول قدرتهم الشرائية، فيما يلجأ البعض الآخر إلى الإقلال من مشترياتهم من اللحوم. فالأسرة التي تستهلك 2 كيلو غرام من اللحوم أسبوعيا قد تلجأ إلى خفض هذه الكمية إلى كيلو غرام واحد أسبوعيا عند ارتفاع سعر اللحوم، في الوقت الذي لا تحدث فيه زيادة مقابلة في دخل الأسرة. والنتيجة الحتمية في كلا الحالتين هي الإقلال من شراء اللحوم وبالتالي كسادها في الأسواق لانخفاض القدرة الشرائية دون حدوث زيادة في الإنتاج.

ويؤدي التغير في دخل الأسرة إلى تغير في نوعية الغذاء الذي تستهلكه. فلقد وجد أن ارتفاع الدخل يساعد في زيادة استهلاك اللحوم والدواجن وكذلك الخضراوات والفواكه. وعلى العكس من ذلك فإن انخفاض الدخل يجعل استهلاك الأغذية المرتفعة الثمن، كالمنتجات الحيوانية، أمرا صعبا فينخفض استهلاك هذه الأغذية بصفة عامة، وتعتمد الأسرة على المنتجات النباتية كالحبوب والبقول والخضراوات في تلبية احتياجاتها الغذائية نظرا لرخص ثمنها.

ويعاني الأطفال من الأسر الفقيرة أو محدودة الدخل من نقص الأغذية التي تحتوي على نسبة جيدة من البروتينات ذات القيمة البيولوجية العالية مثل البيض واللبن ومنتجاته. فمن الصعب في كثير من الأحيان أن توفر الأسرة كوب من

(1/172)

الحليب لكل طفل يوميا خاصة إذا كان عدد الأطفال كبيرا. لذلك تنتشر أمراض سوء التغذية بين أطفال الأسر الفقيرة محدودة الدخل. وعلى العكس من ذلك فقد تنتشر البدانة بين البالغين الذين يتناولون كميات كبيرة من الحبوب التي تحتوي على قدر كبير من النشويات فتزيد أوزانهم حتى وان كانت تغذيتهم غير متوازنة.

ولا يجب النظر للعلاقة بين دخل الأسرة واستهلاك الغذاء نظرة محدودة أو ضيقة، إذ أن دخل الأسرة قد يكون محدودا لكنها قد تمتلك المسكن الذي تقيم به، وبذلك يتوفر جزء هام من الدخل. كما أن توفر وسائل النقل والمواصلات ومجانية التعليم أو الرعاية الصحية سوف يساعد أفراد الأسرة على تخصيص مزيد من الدخل للحصول على احتياجاتهم الغذائية، وإن كان ذلك بشكل كبير على الوعي الغذائي والصحي لأفراد الأسرة.

وقد يكون من المقبول عمليا النظر إلى نسبة دخل الأسرة الذي يخصص للحصول على الغذاء. فغالبا ما تنخفض تلك النسبة عند ارتفاع دخل الأسرة إلى 30 % من الدخل الكلي، أما الأسر ذات الدخل المنخفض فتنفق ما يتراوح بين 50 و 70 % من دخلها للحصول على الغذاء. ويأتي ذلك بالتأكيد على حساب الاحتياجات الأخرى للأسرة التي لا يمكن تلبيتها مع انخفاض الدخل.

ويمكن لربة الأسرة التصرف بذكاء للتغلب على المشاكل التغذوية الناجمة عن انخفاض الدخل، وذلك باستغلال توفر المواد الغذائية. وانخفاض أسعارها في مواسم زراعتها. إذ تتنوع الخضراوات والفواكه باختلاف فصول السنة، ولأسباب اقتصادية وزراعية تكون أسعار المنتجات الغذائية مرتفعة في بداية الموسم الزراعي في الوقت الذي تكون فيه جودة المنتج منخفضة بدرجة نسبية لعدم اكتمال النضج أو صغر حجم ثمار الفواكه. وفي منتصف الموسم الزراعي يرتفع الإنتاج ويتميز بوفرته وجودته العالية وانخفاض أسعار المواد بدرجة كبيرة، وبذلك يرتفع استهلاك المواد الغذائية بصورة كبيرة في منتصف الموسم الزراعي. كما تعمل العديد من الدول على تصدير جزء من إنتاجها الزراعي إلى الدول التي لا يتوفر لديها الإمكانات لإنتاج هذه الأغذية، وتنشط شركات تصنيع الأغذية للحصول على الخامات اللازمة لها خلال هذه الفترة أيضا. ومن ناحية أخرى فإن وفرة المحاصيل وعدم توفر الامكانات اللازمة للحفظ أو التصنيع غالبا ما يؤديان إلى انخفاض في أسعار المواد الغذائية بصورة تجعل إنتاجها غير اقتصادي، كما يرتفع الفقد من المحاصيل مما

(1/173)

يشكل خسارة فادحة للاقتصاد الوطني.

ونظرا لتطور تكنولوجيا حفظ المواد الغذائية، وكفاءة وسائل النقل من بلد لآخر، فقد توفرت في أسواق الدول العربية، وخاصة دول الخليج العربي، المواد الغذائية المستوردة من كافة مناطق العالم، وأصبح من السهل الحصول على فاكهة الشتاء في أكثر شهور السنة حرارة وكذلك الخضراوات التي تنتج صيفا طوال العام.

ويعمل توفر المواد الغذائية، دون اعتبار للموسم الزراعي، على تسهيل تخطيط الوجبات، والتأكد من احتوائها على مجموعات الغذاء المختلفة، ويقلل ذلك من أهمية الموسم الزراعي كأحد العوامل التي تؤثر على استهلاك الغذاء، أو دول الإقليم التي لا تتمكن لأسباب اقتصادية من استيراد كافة احتياجاتها الغذائية، أو تلك التي تعتمد بدرجة كبيرة على إنتاجها المحلي، فما زال الموسم الزراعي يؤثر على أسعار الغذاء وبالتالي على كمية الغذاء التي يتناولها أفراد الأسرة.

(1/174)

2- سعر الغذاء:

يواجه القائمون على التخطيط ووضع سياسات الأسعار جملة من الصعوبات. فهم يميلون من ناحية إلى رفع المحاصيل الزراعية بهدف تشجيع التنمية الريفية وزيادة الإنتاج الزراعي، ومن ناحية أخرى يتمنون خفض أسعار المنتجات الزراعية لتوفيرها للفئات المنخفضة الدخل 1.

وغالبا لا يؤثر ارتفاع سعر الغذاء على المنتج الذي يحتفظ بجزء من إنتاجه لأسرته ولكنه يؤثر سلبيا على المستهلك الذي يتحمل دائما أية زيادة في أسعار الغذاء أو مستلزمات إنتاجه. وعلى المدى البعيد فإن زيادة دخل المنتج للمواد الغذائية سوف يكون حافزا له على التوسع في الإنتاج، مما يخلق مزيدا من فرص العمل ويقلل من معدلات البطالة في المجتمع.

وقد تحدث التفاعلات الاقتصادية انخفاضا حادا في أسعار بعض المواد الغذائية، مما يؤدي إلى إفلاس بعض المنتجين الذين لن يتوفر لهم المقدرة المالية على مواجهة الانخفاض في أسعار منتجاتهم، وقد يخرج البعض منهم تماما من دائرة الإنتاج ويتوقف عن ممارسة أنشطته الاقتصادية.

كذلك يدعو بعض علماء الاقتصاد إلى تحرير أسعار المواد الغذائية التي سوف ترتفع على المدى القصير، إلا أن التوسع في الإنتاج سوف يؤدي على المدى المتوسط أو الطويل إلى وفرة الغذاء وبالتالي إلى انخفاض في أسعار المواد الغذائية.

(1/174)

فخلال عقود طويلة قامت الحكومات المتعاقبة في بعض الدول العربية بفرض أسعار ثابتة على المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية، بل وشاركت الدولة في عملية تسويق المنتجات الزراعية والغذائية وكانت المحصلة سلبية تماما للمنتج والمستهلك. فالمنتج يرفض هذه الأسعار التي تتيح له هامشا ضيقا للربح مما يجعله يتجه نحو محاصيل أخرى بعيدة عن رقابة الدولة. والمستهلك لم يكن راضيا عن انخفاض جودة الأغذية التي تباع له، ولا عن اختفائها أحيانا من الأسواق، ولا عن إرغامه على دفع مبالغ إضافية تزيد كثيرا عن الأسعار الرسمية إذا ما أراد الحصول على منتجات غذائية ذات جودة عالية.

وقد قامت بعض الحكومات بتحرير الاقتصاد واتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي وتخلت عن سياسة تسعير المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية، وأعطت الفرصة كاملة للمنتج لاختيار وتسويق منتجاته. وكانت النتيجة أنه في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية دوليا كانت الأسواق المحلية تنعم بوفرة هائلة في العديد من المنتجات الغذائية والخضراوات والفواكه، مع انخفاض كبير في أسعارها، بل وقام الكثير من المنتجين بتصدير الأغذية إلى الخارج، مما ساعد على إدخال المزيد من العملات الصعبة إلى شرايين الاقتصاد المحلي.

يجب أن تهدف سياسة تسعير المواد الغذائية على المدى البعيد والدائم إلى:

أ- زيادة الإنتاج الزراعي سواء من خلال زيادة الرقعة الزراعية أو زيادة إنتاجية الغذاء مع العمل على تجنب حدوث ثغرات زمنية في إنتاج بعض المواد الغذائية.

ب- العمل على تنشيط النمو الاقتصادي للمجتمع من خلال سلسلة متوازنة من الأنشطة الاقتصادية التي تعمل على رفع مستوى دخل الفرد والأسرة، مع التركيز بصفة خاصة على إعادة توزيع الدخل ورفع الحد الأدنى لأجور فئات المجتمع الأكثر عرضة لسوء التغذية نتيجة لانخفاض القدرة الشرائية.

ج- تحقيق الأمن الغذائي للمجتمع في مواجهة المتغيرات الاقتصادية والسياسية الدولية مع العمل على تثبيت الأسعار في إطار مصلحة المستهلك والمنتج، حتى لا تنخفض الأسعار بدرجة تؤثر على إنتاج المواد الغذائية.

د- العمل على تحقيق الثبات السياسي، ومنع الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي قد تؤدي إلى مواجهات أو صراعات قبلية أو حروب أهلية تؤدي إلى انخفاض إنتاج الغذاء بشكل كبير.

(1/175)

3- نقص الإنتاج المحلي:

من الصعب دائما تقدير الإنتاج المحلي من المواد الغذائية بصورة دقيقة حيث تحدث دائما تغيرات جوهرية في كمية الغذاء المنتج بسبب عوامل الطقس واستخدام تكنولوجيا زراعية حديثة أو بذور غزيرة الإنتاج، إلى جانب الجهد الذي يبذله الفلاح في رعاية الأرض الزراعية. لذلك يجب الحذر عند عمل تقديرات الإنتاج الغذائي المحلي والسماح بنسبة خطأ مرتفعة نسبيا للوقوع في فترات نقص شديد في بعض المواد الغذائية في الأسواق المحلية.

وتبذل العديد من دول الإقليم الكثير من الجهد من أجل رفع نسبة الإنتاج المحلي من المواد الغذائية، ومع ذلك فقد عجزت هذه الجهود عن تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل من الأغذية المختلفة.

وهناك أسلوبان من أجل زيادة الإنتاج الزراعي الغذائي:

1- زيادة مساحة الأرض المزروعة باستصلاح الأراضي البور والصحراوية. ولا يمكن تنفيذ هذا الأسلوب إلا مع توفر المياه للزراعة والإمكانات المادية اللازمة لاستزراع الأراضي.

2- زيادة إنتاجية الأرض الزراعية باستخدام تكنولوجيا زراعية حديثة أو بذور محسنة أو سلالات جديدة، بالإضافة إلى مقاومة الآفات الزراعية واستخدام الأسمدة المناسبة بكميات مدروسة مع تطبيق برامج الإرشاد الزراعي للإقلال من الفقد أثناء وبعد مرحلة جني المحاصيل الزراعية.

وتختلف درجة نجاح كل من الأسلوبين في مختلف دول الإقليم. ولعل أنجح التجارب لزيادة الإنتاج المحلي هو التجربة السعودية الرائدة لزيادة إنتاج القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتي بل والانتقال إلى مرحلة التصدير [2] . وقد يعترض البعض على التجربة السعودية بسبب ارتفاع تكلفة إنتاج القمح والاستهلاك المتزايد لمصادر المياه الجوفية المحدودة، إلا أن الدوافع السياسية والاقتصادية والتغذوية لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، وعند توفر مصادر التمويل والدعم الكافي يجب العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض الأغذية الأساسية.

ولا يشكل الإنتاج الزراعي المحلي أكثر من 1 % من الإنتاج الكلي في دول الخليج العربي، باستثناء المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان التي يصل فيهما

(1/176)

هذا الرقم إلى 3 %. وبالرغم من الجهود المبذولة لزيادة الإنتاج الزراعي إلا أن سوء حالة الأرض الزراعية والظروف البيئية غير الملائمة، وارتفاع نسبة الملوحة في المياه، وندرة سقوط الأمطار، والارتفاع الكبير في درجة الحرارة خلال شهور الصيف، والنقص الشديد في الأيدي الزراعية المدربة، عاقت جهود هذه الدول لزيادة إنتاج الغذاء [3] . ومع ذلك فقد حدثت طفرة في إنتاج بعض المواد الغذائية مثل الدواجن والحليب والبيض وكذلك الخضراوات وبعض الفواكه من خلال برامج الزراعة المحمية.

ويختلف الوضع في الدول العربية الأخرى مثل مصر وسوريا والسودان ودول المغرب العربي حيث تتوفر معظم الإمكانات اللازمة لزيادة الإنتاج الزراعي والغذائي. ويبدو أن نقص الاستثمارات اللازمة للإنتاج الزراعي وعدم وجود الرغبة المؤكدة للتعاون بين دول الإقليم سيشكل عقبة كبرى في سبيل تخطيط الإنتاج الغذائي على المستوى الإقليمي.

وتواجه الدول العربية مشكلة كبرى بدأت ملامحها تظهر في الأفق، حيث أن معظم مصادر المياه العربية تنبع دائما من أرض غير عربية، وبدأت دول المنبع في الإقلال من كميات المياه التي تصل إلى دول الإقليم من خلال إقامة السدود والتوسع في المشروعات الزراعية على حساب نصيب الدول العربية من المياه.

ويبدو أن الدول العربية سوف تعانى في المستقبل القريب من نقص شديد في المياه المستخدمة في الزراعة والصناعة والاستخدامات المنزلية، لذلك يجب العمل منذ الآن على توقيع الاتفاقات مع دول المنبع أو تجديد الاتفاقات القديمة لتحديد نصيب كل دولة من المياه، مع العمل على ترشيد استهلاك المياه على المستويات الوطنية واتباع تكنولوجيا ري حديثة تقلل من كميات المياه المستخدمة في الزراعة والاستغناء عن المحاصيل التي تتطلب كميات كبيرة من المياه مثل استبدال قصب السكر بزراعة البنجر "الشمندر" لإنتاج السكر.

تقع معظم الدول العربية على سواحل البحار والمحيطات، وتعتبر بعض هذه المناطق من أماكن صيد الأسماك الجيدة، ويرتفع نصيب الفرد من استهلاك الأسماك في المغرب والإمارات العربية وسلطنة عمان والبحرين.

وبالرغم من أن الوجبات التي تحتوي على الأسماك أو القشريات تعتبر الوجبات المفضلة في معظم دول الإقليم، خاصة في المناطق الساحلية، إلا أن

(1/177)

الاستهلاك ما زال قاصرا عن المعدلات الدولية التي نلاحظها في الولايات المتحدة أو اليابان.

ويرجع أسباب قصور إنتاج الأسماك في الدول العربية إلى عدة عوامل نوجزها فيما يلي:

أ- نقص الإمكانات اللازمة لتصنيع وحفظ الأسماك خاصة في مناطق الإنتاج الغزير.

ب- تحول الصيادين إلى مهن أخرى مثل الزراعة في مصر أو التجارة كما هو حاصل في دول الخليج العربي.

ج- تجفيف البحيرات والمسطحات المائية وتحويلها إلى أراض زراعية.

د- ارتفاع معدلات التلوث في مناطق الصيد والقضاء على الأسماك.

هـ- ممارسة الصيد الجائر والقضاء على الزريعة خاصة من أساطيل الصيد الأجنبية.

و قدم أساطيل الصيد العربية واتباع وسائل صيد بدائية.

ز- نقص في العمالة المدربة وعدم وجود البرامج اللازمة لتكوين جيل جديد من الصيادين المهرة.

ح- النزاعات الإقليمية حول مناطق الصيد والقرارات الحكومية بمنع الصيد في بعض المناطق التي تعتبر مناطق عسكرية.

ط- نقص الاستثمارات اللازمة في إنشاء أساطيل الصيد والمصانع اللازمة لحفظ وتصنيع الأسماك.

(1/178)

4- استيراد المواد الغذائية:

يعاني العالم حاليا من أزمة محدودة في إنتاج المواد الغذائية، إذ تقتصر مراكز الإنتاج والتصدير على عدد محدود من دول العالم المتقدمة، بينما يكتفي ذاتيا عدد آخر من الدول ينتمي معظمها أيضا إلى الدول المتقدمة. وتأتي الغالبية من دول العالم المستوردة للغذاء ضمن فئة دول العالم النامية والتي تعجز حاليا عن توفير الكميات الكافية من العملات الصعبة اللازمة لشراء الغذاء.

إضافة إلى ذلك فإن انتشار الحروب الأهلية والصراعات القبلية أدى إلى هجرة الفلاحين من قراهم وعجزهم عن إنتاج حاجتهم من الغذاء. وساهمت الكوارث الطبيعية مثل الجفاف أو الفيضانات بدور كبير في تدمير المحاصيل الزراعية، مما ساعد على انتشار المجاعات في عدد من دول العالم النامية، خاصة في القارة

(1/178)

الأفريقية التي تعاني شعوبها من سلسلة متوالية من المجاعات.

وقبل الحرب العالمية الثانية حقق العديد من الدول النامية اكتفاء ذاتيا في إنتاج المواد الغذائية، بل واعتمد اقتصاد البعض منها على تصدير بعض المواد الغذائية مثل الكاكاو والأرز والسكر والقهوة. إلا أن ثبات الإنتاج وزيادة عدد السكان أدى إلى حدوث فجوة متزايدة بين الإنتاج والاستهلاك وإلى تنامي الاعتماد على استيراد المواد الغذائية، خاصة الحبوب من مراكز الإنتاج مثل الولايات المتحدة واستراليا وبعض الدول الاوروبية.

وأدت برامج المساعدات الغذائية التي كانت تقدم من الدول المتقدمة أو من برامج الامم المتحدة إلى تخفيف العبء الاقتصادي على الدول النامية خلال الخمسينات والستينات من هذا القرن، وبلغت هذه المساعدات قمتها عام 1964 حيث لغت 18 مليون طن ثم تناقصت تدريجيا بعد ذلك [4] .

ومع توقف برامج المساعدات الغذائية تزايد العبء الاقتصادي الملقى على الكثير من الدول النامية لتوفير العملات الصعبة اللازمة لاستيراد الغذاء، ولجأ الكثير من هذه الدول إلى القروض قصيرة الأمد ذات التكلفة العالية لتغطية الاحتياجات، وأصبحت الديون وفوائدها مشكلة دول العالم الثالث لا تستطيع تحملها أو الاستغناء عنها.

وتعتمد معظم الدول العربية على استيراد الغذاء لتلبية احتياجات سكانها. ويتزايد الاعتماد على الاستيراد في الدول العربية الخليجية التي تعاني من ندرة المياه الصالحة للشرب أو الزراعة، إضافة إلى عوامل بيئية صعبة وطقس غير ملائم. ومع ذلك فقد نجحت بعض الدول الخليجية في زيادة إنتاجها المحلي من بعض الأغذية، مثل الدواجن والبيض واللبن، كما تناقصت كميات الأغذية المستوردة إلى دول الخليج العربي أيضا بسبب تناقص عدد المغتربين العاملين في هذه الدول بعد تناقص فرص العمل نتيجة لانخفاض أسعار النفط [5] .

وفي نفس الوقت تعتمد معظم الدول العربية الزراعية مثل مصر والسودان والمغرب على استيراد الغذاء، خاصة الحبوب التي تعتبر الغذاء الأساسي للمواطن العربي. وتختلف الأسباب التي أدت إلى حدوث فجوة بين الاحتياجات والإنتاج الغذائي من قطر لآخر، إلا ان الصفة المشتركة بين هذه الدول هي سوء إدارة إنتاج الغذاء، وتفتيت الملكية الزراعية، وعدم استخدام التكنولوجيا الحديثة في إنتاج

(1/179)

الغذاء، خاصة فيما يتعلق بالمكننة الزراعية واختيار البذور والأسمدة، كما أن نقص الأيدي العاملة في مجال الزراعة أدى إلى نقص الإنتاج الزراعي في ظل عدم استخدام المكننة الزراعية الحديثة في الممتلكات الصغيرة من الأراضي الزراعية المفتتة.

وبدون الدخول في تفاصيل خاصة بكل قطر عربي، فإنه من الواضح أن الوطن العربي يعتمد على الأغذية المنتجة في دول أخرى، ومع توفر العملات الصعبة اللازمة لشراء الأغذية عند بعض الدول العربية لا تواجه المنطقة مشكلة حادة فيما يتعلق بتوفر الغذاء، إلا أن المتغيرات الدولية وتزايد الطلب على استيراد الغذاء وثبات إنتاج الغذاء على المستوى العالمي والكوارث الطبيعية من جفاف أو فيضانات، تقلل بصورة نسبية من كميات الغذاء المطروحة في الأسواق العالمية [6] ويتأكد ذلك من الإحصاءات التي تشير إلى أن إنتاج الحبوب على المستوى العالمي تزايد تدريجيا منذ عام 1950 إلى عام 1984 ثم بدأ في التناقص التدريجي بعد ذلك. وفي بداية عام 1987 كان مخزون الحبوب لا يكفي الاحتياجات العالمية لمدة 101 يوم، وفي عام 1988 تناقص احتياطي الحبوب ليكفي العالم لمدة 54 يوما فقط [7] لذلك فما لم تحدث طفرة في إنتاج الغذاء العالمي فسيأتي الوقت الذي لن تستطيع فيه الدول العربية استيراد حاجتها من الغذاء حتى وإن توفرت لديها العملات الصعبة اللازمة لذلك، مما يستدعي إعادة النظر في برامج إنتاج الغذاء في هذه الدول، والتفكير في وضع سياسيات إقليمية متكاملة لإنتاج الغذاء لتقليل الاعتماد على استيراد الغذاء ورفع نسبة الإنتاج المحلي، خاصة في الأقطار التي تتوفر لديها إمكانات التوسع الأفقي والرأسي في الإنتاج الزراعي.

(1/180)

5- سياسة دعم الغذاء:

يهدف العديد من الحكومات إلى التحكم في أسعار بعض عناصر الغذاء الأساسية كوسيلة لتحسين الوضع التغذوي لبعض فئات المجتمع، ويفضل عدد من الحكومات تخصيص الدعم المادي للمواد الغذائية بدلا من زيادة مداخيل بعض فئات المجتمع دون الأخرى. ومن الواضح أن دعم المواد الغذائية يحدث دائما كنتيجة لضغوط اجتماعية وسياسية واقتصادية بدلا من أن يكون استجابة لأوضاع تغذوية.

ويستهلك دعم الغذاء الجزء الأكبر من الميزانية المخصصة للتداخل الغذائي في كثير من الدول النامية. وقد بلغت الميزانية المخصصة للدعم الغذائي خمسة أضعاف تلك المخصصة للرعاية الصحية في بعض الدول. وإذا أخذنا عام 1975 كمثال يتضح لنا أن دعم الغذاء قد استهلك جزءا كبيرا من الإنفاق الحكومي في عدد كبير من الدول مثل مصر حيث بلغ 21 % [8] . وارتفعت الميزانية المخصصة للدعم في مصر من 42.8 مليون جنيه عام 1972 إلى 3700 مليون جنيه عام 1989.

ويهدف الدعم أساسا إلى تناول مجموعة أو فئة معينة من المجتمع من محدودي الدخل وجبات كافية ومغذية دون أية زيادة في نسبة الدخل التي تصرف لشراء الطعام. ويمكن تحقيق ذلك بأسلوبين رئيسيين، الأول يعتمد على زيادة الدخل والثاني يعتمد على خفض أسعار بعض الأغذية المتاحة للاستهلاك لهذه المجموعة.

زيادة الدخل:

يمكن تحقيق سياسة الدعم بزيادة الدخل للمواطنين مع تثبيت أسعار المواد الغذائية، أو مع حدوث زيادة طفيفة في أسعار المواد الغذائية بحيث لا تماثل الزيادة في الدخل.

ويعيب هذا الأسلوب أنه مكلف جدًّا بالنسبة للاقتصاد الوطني نظرا للزيادة المستمرة في أسعار المواد الغذائية، والتي تحددها الدول المصدرة وتفرضها بالتالي على الدول النامية والفقيرة. ومن ناحية أخرى فإن الزيادة في الأجور تستدعي دائما فرض ضرائب إضافية قد تؤدي حتما إلى إضعاف القوة الشرائية، خاصة عندما لا ينجم الدخل الإضافي عن زيادة في الإنتاج بل عن زيادة في طباعة أوراق النقد، مما يؤدي إلى حدوث معدلات عالية من التضخم تؤثر سلبيا على كافة قطاعات المجتمع.

خفض أسعار المواد الغذائية:

الأسلوب الثاني لدعم الغذاء هو خفض أسعار المواد الغذائية مباشرة، بحيث يكون سعر بيعها للمستهلك أقل من إجمالي تكلفة إنتاجها، على أن تتحمل الحكومة الفرق في الأسعار بين تكلفة الإنتاج أو الشراء وسعر البيع.

وقد تلجأ الحكومة إلى إنشاء صندوق خاص بالدعم للعمل على خفض تكلفة بعض عناصر الإنتاج لصالح المزارعين أو المنتجين، مع تدخل الحكومة بتحديد

(1/181)

سعر بيع المنتج للمستهلكين، ومثال ذلك هو دعم سعر أعلاف الماشية والدواجن لصالح الفلاح مع التدخل بتحديد سعر بيع اللحوم والبيض للمستهلك.

وتلجأ بعض الحكومات إلى توزيع بعض السلع الأساسية مثل الزيت والدقيق والسكر في بعض الأحيان بنظام الحصص أو البطاقات. وهذا النظام يمكن المستهلك من الحصول على بعض المواد الغذائية بأسعار منخفضة بدرجة كبيرة مقارنة بأسعار السوق المحلية أو الدولية. وتوزع هذه الحصص وفقا لعدد أفراد الأسرة غالبا دون مراعاة للجوانب الاقتصادية والاجتماعية أو الغذائية، كما يتطلب هذا النظام وجود جهاز كفء لتوزيع المواد الغذائية قد لا يتوفر في العديد من الدول النامية. ومن ناحية أخرى فإن الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي يزيد من العبء الملقى على اقتصاد الدول النامية المستوردة للمواد الغذائية.

الفئات المستفيدة من سياسة دعم المواد الغذائية:

1- الفئات الفقيرة: تشير الإحصائيات المتوفرة إلى انخفاض دخل Income نسبة كبيرة من السكان في دول العالم النامية بدرجة لا تسمح لهم بالحصول على تغذية كافية ومتوازنة. وتصرف الأسر الفقيرة نسبة كبيرة من دخلها لشراء المواد الغذائية بالإضافة إلى العبء الناتج عن ارتفاع أسعار المواد والخدمات الأخرى. وينعكس ذلك بالتأكيد على كمية ونوعية الغذاء للمستهلك، حيث تلجأ الأسرة إلى الأطعمة النشوية من حبوب ودرنات نظرا لتدني ثمنها وتوفرها.

وتزداد الفوارق بين الطبقات باختلاف المقدرة الشرائية لكل طبقة، حتى أصبح من السهل تحديد نوعية التغذية السائدة في كل طبقة أو منطقة جغرافية. ومما يساعد على انتشار سوء التغذية التوزيع غير العادل للمواد الغذائية المتاحة للاستهلاك، حيث أصبح من الشائع انتشار أمراض السمنة في بعض فئات المجتمع في نفس الوقت الذي يعاني فيه الأطفال من انخفاض الوزن وانتشار أمراض سوء التغذية النوعية الأخرى مثل فقر الدم في فئات أخرى في المجتمع.

لذلك يجب أن ينصب الدعم أساسا على الطبقات الفقيرة من المجتمع، واستخدام كل الوسائل الممكنة لتمكينها من الحصول على متطلباتها الغذائية دون زيادة في تكاليف المعيشة.

(1/182)

2- الفئات الحساسة. قد يهدف برنامج الدعم إلى تحسين الحالة الغذائية لبعض فئات المجتمع الأكثر عرضة للإصابة بسوء التغذية مثل الأطفال وتلاميذ المدارس والحوامل والمرضعات وكبار السن. وقد يكون من السهل في هذه الأحيان الوصول إلى المجموعة المستهدفة من خلال المراكز الاجتماعية أو الصحية أو التعليمية التي تتعامل معها.

ومن الممكن تركيز الدعم على أحد الأغذية النوعية لتسهيل توزيعه بين أفراد إحدى الفئات الحساسة Sensetive Groups، ونذكر على سبيل المثال دعم أغذية الأطفال التي يتم توزيعها عن طريق مراكز رعاية الأمومة والطفولة بحيث تباع للأمهات بسعر مخفض، وفي بعض الأحيان يكون الدعم كليا وتوزع دون مقابل كما يحدث في عدد من دول الإقليم.

المشاكل المترتبة على دعم الغذاء:

من المتوقع أن يؤدي تطبيق سياسة دعم المواد الغذائية بطريقة سليمة إلى توفر المواد الغذائية المدعمة بسعر مقبول لدى طبقات المجتمع المحتاجة، إلا أن سياسة الدعم هذه قد تحمل في طياتها الكثير من المشاكل التي تنتج رغم تطبيقها بطريقة موضوعية. وأهم هذه المشاكل:

أ- قد يؤدي توزيع المواد الغذائية المستوردة بسعر مخفض إلى خفض الإنتاج المحلي من هذه المواد وقد تنخفض أسعار المحاصيل الزراعية، وبالتالي ينخفض العائد منها للأسر الريفية، ويشكل ذلك عقبة أساسية في طريقة تنمية المجتمعات الريفية.

ب- قد لا يصل الدعم لأكثر الفئات احتياجا في المجتمع، وغالبا ما يصل الدعم إلى الطبقة المتوسطة في المدن، ويندر أن يطبق بنجاح في المناطق الريفية.

وأثبتت الدراسات التي أجريت في مصر أن الأغذية المدعمة مثل اللحوم والأسماك غالبا ما تصل إلى الأسر ذات الدخل المرتفع بدلا من محدودي الدخل الذين لا تتوفر لديهم المقدرة المالية لشراء الأغذية المدعومة [9] .

ج- قد يؤدي توافر المواد الغذائية المدعومة بسعر منخفض جدًّا إلى زيادة الاستهلاك من هذه المواد بصورة غير عادية، وما قد يترتب على ذلك من مشاكل غذائية مثل ارتفاع معدل الإصابة بالبدانة Obesity أو زيادة الوزن Overweight بين فئات المجتمع محدودة الدخل.

(1/183)

د- يؤدي تواجد المادة الغذائية بسعرين مختلفين إلى تواجد السوق السوداء وخلق تجارة غير مشروعة في هذه المواد الغذائية، والتي يترتب عليها حرمان الفئات المحتاجة منها.

هـ- لا يستفيد بعض المواطنين من الفوائد المرجوة من سياسة الدعم عندما يسمح لهم باستبدال المواد المدعومة بمواد أخرى مثل السجائر وأدوات التجميل والمشروبات ... إلخ.

و عندما يتم الدعم برفع مستوى الأجور تقتصر الاستفادة على الأفراد العاملين في الجهات الحكومية والشركات، بينما يتضرر العاملون في القطاع الخاص وقطاع الزراعة. بالإضافة إلى ذلك فإن رفع الأحور غالبا ما يرتبط بحدوث زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية والخدمات الأخرى، وبذلك تمتص الزيادة في الأجور في غير الأهداف المخصصة لها.

ز- يرتبط تطبيق سياسة الدعم بحدوث تلف كبير في المواد الغذائية المدعومة. وتزداد كمية التلف بزيادة نسبة الدعم. وقد أدى دعم الخبز في مصر إلى حدوث تلف كبير تراوح بين 19-24 %. إذ استخدم الخبز كغذاء للدواجن والماشية لانخفاض سعره مقارنة بأغذية الحيوانات الأخرى، مما دفع الدولة إلى رفع سعر الرغيف في محاولة لتقليص العجز في الميزانية والتخلص من التلف الكبير في الخبز [10] .

ح- على ضوء تجارب العديد من الدول النامية قد يصبح دعم الغذاء مصيدة اقتصادية تعجز الكثير من الدول عن الخروج منها. فقد قوبلت العديد من محاولات إلغاء أو تقليص الدعم بمظاهرات واحتجاجات شعبية أدت دائما إلى التراجع عن هذه القرارات. وقد تشكل الميزانية المخصصة للدعم عقبة دائمة تحول دون تحقيق خطط التنمية الوطنية، لذلك يجب الحذر دائما قبل بداية أية برماج موسعة لدعم الغذاء دون تحديد واضح لأهدافها والمجموعة المستفيدة منها وموعد الانتهاء منها.

(1/184)

6- مستوى التعليم:

يعتبر التعليم من أهل العوامل التي تؤثر بفعالية على استهلاك الأسرة للغذاء. وفد أدت نتائج العديد من الدراسات [11،13] . أن ارتفاع مستوى تعليم ربة الأسرة يؤدي إلى تحسين نوعية التغذية التي يتلقاها أفراد الأسرة. ومن الطبيعي أن تكون الأم المتعلمة أكثر دراية باحتياجات أفراد أسرتها الغذائية، وأن تكون أكثر استجابة لبرامج التوعية الغذائية التي تطبق باستخدام وسائل الإعلام المختلفة [14] .

وفي دراسة أجريت في الكويت في العام 1989 أثبت الشاوي [15] أن العمر ومستوى التعليم أكثر تأثيرا على العادات الغذائية واستهلاك الغذاء من العوامل الأخرى، مثل الجنس أو المستوى الاجتماعي، وأن السيدات من المستوى التعليمي المحدود يتناولن كميات أقل من مصادر البروتين الجيدة مثل اللحوم والدواجن، وكميات أكبر من السكريات والحلوى، بالمقارنة مع السيدات من المستويات التعليمية المرتفعة، وتؤكد ذلك النتائج المماثلة التي توصل إليها مصقير في البحرين عام 1977 [16] .

ولا يتوقف الأمر على المستوى التعليمي لربة الأسرة فقط، بل أن لمستوى تعليم الرجل أيضا دورا هاما في تحديد ما تناوله الأسرة من طعام [17] . ولكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الرجل المتعلم غالبا ما يتزوج من آنسة متعلمة أو ذات مستوى تعليمي مقارب له. وفي نفس الوقت فإن ارتفاع المستوى التعليمي يعني أيضا ارتفاع مستوى الدخل للأسرة وبالتالي ترتفع قدرتها الشرائية لتلبية احتياجات الأسرة التغذوية.

والمشكلة القائمة حاليا في الوطن العربي هي ارتفاع مستوى الأمية في كثير من الأقطار خاصة بين السيدات، كما يقتصر تعليم نسبة كبيرة منهن على مراحل التعليم الأولى. ويؤثر ذلك على مستوى الثقافة والوعي لدى المرأة العربية ويقلل من مقدرتها على التخطيط الغذائي السليم لكل أفراد الأسرة.

ولا يقتصر تأثير مستوى تعليم الأم على تغذية الكبار من أفراد الأسرة، بل يمتد أيضا ليؤثر في تغذية الأطفال والرضع. ففي دراسة أجراها أمين والعوضي عام 1989 [18] أثبتت النتائج انخفاض معدل الإرضاع الطبيعي بين الأمهات المتعلمات 56.9 % عن الأمهات غير المتعلمات 72.4 %، كما أن مدة الإرضاع الطبيعي كانت 9.9 شهور بين أمهات المجموعة الأخيرة، بينما انخفضت إلى 4.2 شهور بين الأمهات المتعلمات. وعلى العكس من ذلك فقد كانت الأمهات غير المتعلمات أكثر قابلية للفطام المفاجئ للطفل "بسبب حدوث حمل جديد"، بينما كانت الأمهات المتعلمات أكثر استعدادًا للفطام التدريجي للطفل بسبب نقص إفراز اللبن

(1/185)

بسبب عمل الأم وابتعادها عن الطفل".

وفي دراسة عن معدلات انتشار السمنة بين السيدات في الكويت أثبتت العوضي وأمين [19] ارتفاع معدل الإصابة بالسمنة بين زوجات الرجال غير المتعلمين. ولا يمكن تعميم هذه النتائج لأن لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي تؤثر على بعض الجوانب الصحية والتغذوية.

وتدعو نتائج هذه الدراسات إلى إجراء مراجعة جادة للمواد التعليمية المتعلقة بالتغذية في المناهج الدراسية في مختلف مراحل التعليم والتي تتصف حاليا بالنقص الشديد. لذلك يجب إعادة النظر في محتواها من المعلومات المتعلقة بالتغذية خاصة في مراحل العمر الأولى، مع التركيز على التربية التغذوية من خلال الدروس العملية حتى يكتسب التلميذ العادات الغذائية الجيدة، وتنمية الحس التغذوي خاصة بين الطالبات.

(1/186)

7- الصفات الجغرافية:

تؤثر الصفات الجغرافية للدولة على استهلاك الغذاء، فعلى سبيل المثال يرتفع استهلاك الأسماك في البلاد التي تقع على البحار والمحيطات والبحيرات الداخلية، فيما يتناقص استهلاك المنتجات البحرية بدرجة كبيرة في المناطق الداخلية التي تبتعد عن مصادر المياه. وتتأكد هذه الظاهرة عندما لا تتوفر وسائل جيدة وسليمة لنقل الأسماك إلى المناطق الداخلية. وفي الوطن العربي يرتفع استهلاك الأسماك في دول الخليج العربي التي تتميز بارتفاع نصيب الفرد من الروبيان "القريدس" وأسماك الخليج الأخرى.

وفي مصر يرتفع أيضا استهلاك الأسماك في المدن التي تقع على السواحل الشمالية مثل الإسكندرية ورشيد، وكذلك التي تقع على خليج السويس أو البحر الأحمر. وعلى العكس من ذلك يتناقص استهلاك الأسماك في المناطق الداخلية التي تقع بعيدا عن مجرى النيل الذي يعتبر أيضا من المصادر الجيدة للأسماك. وفي المغرب العربي يرتفع إنتاج واستهلاك الأسماك في دول المغرب العربي وموريتانيا التي تقع على منطقة تعتبر من أفضل مصايد الأسماك.

وتؤثر جغرافية إنتاج الغذاء في معدلات الاستهلاك، حيث تنخفض أسعار المواد الغذائية في مناطق الإنتاج، خاصة عندما لا تتوفر وسائل المواصلات التي تساعد على نقل المواد الغذائية إلى مناطق الاستهلاك. ويعتبر عدم توفر وسائل النقل من الأسباب الرئيسية التي تعوق التطور الزراعي والاقتصادي في مناطق الإنتاج. وتزداد المشكلة تفاقما عندما لا تتوفر الخبرة أو المعرفة الفنية بطرق حفظ المواد الغذائية.

وعلى العكس من ذلك فإن توفر وسائل نقل المواد الغذائية، وتطور حفظها وسرعة توزيعها من خلال شبكة طرق متطورة، أدى إلى توفر المواد الغذائية في مختلف مناطق وبلاد العالم. ونظرة سريعة لأحد الأسواق في أية دولة خليجية تؤكد هذه الظاهرة، حيث تتوافر المواد الغذائية من كافة بلاد العالم من مختلف القارات. وقد أدى ذلك إلى تشجيع المستهلك على تجربة المواد الغذائية الجديدة التي أعجبت البعض فأقبل عليها وأصبحت تشكل جزءًا أساسيا من وجبته الغذائية.

وتكون هذه الصورة أقل وضوحا في المناطق الريفية حيث تميل الأسرة إلى استهلاك جزء مما تنتجه من الغذاء، على عكس المدن الرئيسية التي تعتمد في غذائها إما على إنتاج الغذاء في المناطق الريفية أو على الغذاء المستورد من البلاد الأخرى.

(1/186)

8- العوامل الاجتماعية:

تعتبر العوامل الاجتماعية من أهم العوامل المؤثرة على استهلاك الغذاء خاصة في المجتمعات العربية حيث يوجد العديد من الظواهر والمناسبات الاجتماعية التي يعتبر الغذاء جزءا هاما منها. كما أن الاعتقادات الغذائية تعتبر مهمة في تناول أو رفض بعض الأغذية. وبينما يقبل أحد المجتمعات بعض الأغذية فإنها قد تكون مرفوضة في بعض المجتمعات الأخرى. ففي ماليزيا يعتقد البعض أن الفواكه الحامضية تسبب الملاريا وأن البيض يسبب العشى الليلي [20] ، وفي لبنان يعالج الشاهوق [السعال الديكي] بتناول لبن الحمير وتعالج الحصبة بتناول المشروبات الساخنة [21] ، وفي اليمن الشمالية تعالج الحمى الصفراء بتناول الليمون والأناناس [22] ، وفي الإمارات العربية المتحدة تمنع المشروبات ذات اللون الأصفر مثل عصير البرتقال والفواكه الأخرى عن مرضى التهاب الكبد [23] .

ومن ناحية أخرى تعتمد القبائل الأفريقية التي تعيش في المناطق الإستوائية على قنص الحيوانات التي تشكل مصدرا هاما للبروتين الحيواني، أما دول جنوب شرق آسيا فتعتمد أساسا على الرز كغذاء رئيسي نتيجة لكثرة الأمطار والطقس الحار اللذين يساعدان على زراعة الأرز [24] .

وتعتمد الدول العربية على عدد من الأغذية الرئيسية. فدول الخليج العربي تتناول الأرز بصفة يومية، أما المناطق الشمالية والوسطى من الوطن العربي فتعتمد على كل من الأرز والقمح كمصدر أساسي للكالوري. وعلى العكس من ذلك فإن دول المغرب العربي تعتمد على القمح والسميد في تصنيع الكسكس الذي يعتبر غذاء أساسيا للأسرة بغض النظر عن المستوى الاجتماعي.

وفي مصر يعتبر الفسيخ الذي يحضر من التحلل الجزئي لسمك البوري من الأطعمة التي يقبل عليها البعض، بينما تعتبر الرائحة المنفرة الناجمة عن تحلل السمك غير مقبولة للبعض الآخر. وتلجأ الكثير من السيدات إلى شرب دم السلحفاة البحرية كسبيل لعلاج النحافة ومعالجة العقم في المدن الساحلية في مصر، حيث تتجمع الفتيات في الساعات الأولى من الصباح انتظارا لذبح السلحفاة وتناول كوب من الدم الدافئ.

(1/187)

9- الاعتبارات السكانية:

خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة حدثت في العديد من الدول العربية موجة كبيرة من الهجرة الداخلية من المناطق الريفية إلى العواصم والمدن الكبرى. ويقيم معظم الوافدين الجدد في أطراف المدن، حيث تقل كفاءة المرافق الصحية. وتنعدم الخدمات، ويصبح الحصول على تغذية كافية من الأمور اليومية الشاقة. ومع ذلك تستمر هذه الموجة حتى الآن، ولن تتغير ما لم تعمل الدول على تغيير أولوياتها في برامج التنمية وإعطاء الاهتمام الكافي لتنمية المناطق الريفية وخلق فرص العمل مما يشجع الريفيين على البقاء في قراهم أو مدنهم الصغيرة.

ويؤدي الانتقال من المناطق الريفية إلى الحضرية إلى زيادة الإنفاق للحصول على الطعام، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أهمها:

انخفاض ثمن المواد الغذائية في المناطق الريفية المنتجة لها، وارتفاع ثمن نفس المواد في المناطق الحضرية لإضافة تكلفة النقل والأرباح التجارية.

ارتفاع الدخل في المناطق الحضرية مما يزيد القوة الشرائية للمواطنين.

توفر أنواع متعددة من المواد الغذائية في المدن، مما يزيد من فرصة الاختيار

(1/188)

والتعرض لإغراء الإعلانات التجارية الغذائية.

اكتساب بعض العادات الغذائية الجديدة من السكان المقيمين بصفة دائمة في المدن.

وفي البحرين وجد مصيقر [16] أنه لا يوجد فرق في نوع الإفطار الذي يقدم في المناطق الحضرية أو الريفية، أما في وجبة الغذاء فتؤكل الفواكه بصفة خاصة في المناطق الحضرية التي تتنوع فيها أيضا وجبة العشاء لتشمل اللحوم أو الدجاج والخبز والشاي، على عكس العشاء البسيط الذي يقدم في المناطق الريفية والذي يعتمد أساسا على الخبز والجبن والبيض. ولكن في الوقت الحاضر ونتيجة للتوسع العمراني فلقد اختلط الريف بالحضر وأصبحت العادات الغذائية متشابهة إلى حد كبير في هاتين المنطقتين.

وفي المناطق الريفية في مصر ما زال الخبز المصنوع من دقيق الذرة أو المخلوط مع الذرة والقمح يؤكل في كثير من القرى المصرية في الوجه البحري، وفي قرى الوجه القبلي تحضر أنواع خاصة من الخبز الجاف ذي الطعم الجيد والمقدرة العجيبة على مقاومة عفن الخبز. أما في المدن فتوفر الدولة دقيق القمح المدعوم لكافة المواطنين.

وفي دراسة أجراها أمين عام 1981 [25] عن أنماط التغذية في المناطق الحضرية والريفية في مصر، أوضحت النتائج أن المقيمين في المناطق الريفية يتناولون وجبة متوازنة غذائيا نتيجة لانخفاض أسعار المواد الغذائية في مناطق الإنتاج، وعدم تخصيص نسبة من الدخل لدفع إيجارات المساكن، حيث يمتلك معظم الريفيين المنازل التي يقيمون فيها. وتشير النتائج إلى أن معدل استهلاك اللحوم والدواجن والحليب والجبن القريش والدقيق المخلوط مع القمح والذرة والسمن الطبيعي والفواكه كان مرتفعا في المناطق الريفية. وعلى العكس من ذلك فقد ارتفع استهلاك الفول والفلافل ودقيق القمح في المدن الكبرى والمناطق شبه الحضرية. ومع ذلك لم تكن الحالة الغذائية لسكان الريف أفضل من نظرائهم في المدن بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المعدية والطفيلية، وانخفاض مستوى الرعاية الصحية المتوفرة في المناطق الريفية.

(1/189)

10- الدين:

تعتبر ديانة الفرد من العوامل المؤثرة في تحديد ما يتناوله الإنسان من غذاء.

إذ تحدد الديانات بعض الأغذية أو المشروبات التي يجب أن يمتنع عنها الإنسان. وينتشر الدين الإسلامي الحنيف في كل البلاد العربية والعديد من الدول غير العربية، مثل باكستان وإيران وأفغانستان وأندونيسيا ودول الأتحاد السوفياتي سابقا ونيجيريا، كما توجد جاليات مسلمة في الكثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا والأرجنتين. ويلتزم المسلمون بتعاليم دينهم الحنيف خاصة فيما يتعلق بالغذاء مهما كلفهم ذلك من جهد أو مال. ويحرم الدين الإسلامي تناول الدم ولحم الخنزير والمشروبات الكحولية، سواء الكثير منها أو القليل، والأغذية التي تستخدم المشروبات الكحولية في إعدادها أو التي تضاف إليها.

ويوجب الدين الإسلامي تناول لحم الحيوانات المذبوحة، ويحرم تناول لحم الحيوانات المخنوقة أو الميتة. وقد أثبتت الدراسات العلمية أن ذبح الحيوانات وهي في كامل وعيها يساعد على النزيف شبه الكامل في الوقت الذي لا تشعر فيه الحيوانات بأي ألم. ويؤدي النزيف الكامل للدم إلى تحسين قابلية اللحوم للحفظ ويقلل من معدل تلوثها خاصة إذا ما تمت عملية الذبح في ظروف بيئية جيدة، وبعد فحص الحيوان طبيا والتأكد من سلامته.

وقد ورد ذكر بعض الأغذية في القرآن الكريم كدليل على أهميتها في غذاء الإنسان أو طعمها الجيد الذي يضرب به المثل. يأتي عسل النحل في المقام الأول حيث أنه {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} ويستعمل العديد من الأطباء عسل النحل في علاج بعض الأمراض مثل السعال ونوبات البرد ونقص الوزن وأمراض المعدة.

ودعا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى اجتناب البطنة "الإكثار من الطعام"، وحذر من أن الكثير من الأمراض يتأتى من الإفراط في تناول الطعام. وقال عليه السلام: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فاعلا، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".

وصفوة القول هي في قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} .

وبذلك يحدد الدين الإسلامي الحنيف أن على المسلم أن يتناول ما يحتاجه من غذاء دون إكثار أو إفراط، وإذا ما اتبع المسلم ذلك قل احتمال إصابته بأمراض الإفراط في الغذاء، مثل السمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية والنقرس والسكري.

(1/190)

11- المناسبات الدينية:

شهر رمضان: يرتبط العديد من المناسبات الدينية في الوطن العربي يتقديم بعض أنواع الأغذية الخاصة. ولعل شهر رمضان هو أهم مناسبة دينية ترتبط بالغذاء والتغذية، فيه يمتنع المسلمون عن تناول الطعام والشراب لمدة تتراوح بين 12-16 ساعة في اليوم، مما يسمح لأجهزة الجسم، خاصة القناة الهضمية، براحة إجبارية من عناء العمل طوال عام كامل، ويقلل من الشعور بالتهيج والاستثارة والانفعال غير الضروري. ومن ناحية أخرى يشعر الصائم بالجوع ويتذكر أخاه الفقير الذي يعاني من الفاقة طول العام، مما يدفعه إلى البذل والعطاء وإخراج الزكاة والصدقات.

والاحتياجات الغذائية للإنسان في شهر رمضان لا تختلف عنها في الشهور الأخرى، وقد تقل نظرا لكثرة النوم وانعدام النشاط البدني والحركي. ومع ذلك فإن من الواضح أن استهلاك المواد الغذائية يرتفع بمعدل كبير أثناء شهر رمضان، وتعمل السلطات الحكومية المعنية وتجار المواد الغذائية على توفير الأنواع المختلفة من الأغذية وبكميات كبيرة، حيث يرتفع الاستهلاك بنسبة تتراوح بين 20 – 40 % عن الاستهلاك العادي. وقد يرتفع استهلاك الأغذية في الفترة الزمنية المحدودة بين الفطور والسحور، مما يعطي إحساسا بالتخمة، وقد يؤدي تراكم المواد الغذائية وتوالي تناولها إلى الإصابة بعسر الهضم والحموضة، فيندفع الإنسان لتناول المياه الغازية آملا في تخفيف الإحساس فيكون الإفراج مؤقتا يعقبه تناول المزيد من الطعام.

ويعتبر الهريس والثريد أهم الوجبات المقدمة في شهر رمضان في دول الخليج العربي. وتتوقف القيمة الغذائية للهريس على كمية اللحم المستعملة، وهذا بدوره يتوقف على الحالة الاقتصادية للأسرة، أما الثريد فهو أعلى من الهريس في قيمته الغذائية لاحتوائه على الخضراوات بالإضافة إلى اللحم والخبز والسمن [26] .

وفي بلاد الشام يكثر تقديم الحلوى، خاصة القطائف والكنافة والتي تحضر باستخدام كميات كبيرة من المكسرات والسمن أو الزيت والسكر وفقا لطريقة إعدادها، مما يعطيها قدرة عالية الكالوري. ويتم تناول هذه الحلوى بين الوجبات أي أنها تشكل مصدرا إضافيا للكالوري إلى جانب الوجبات الرئيسية التي تتميز أيضا بتنوعها وتعدد أصنافها، إضافة إلى استعمال المقبلات والمخللات كفواتح للشهية، ويعمل ذلك كله على الإفراط في استهلاك الطعام في شهر الصوم الكريم.

(1/191)

عيد الفطر: يعقب شهر الصوم الاحتفال بعيد الفطر، وتنتشر في عدد من الدول العربية عادة إعداد الحلوى خصيصا للاحتفال بانتهاء شهر الصيام، وتقدم مع الحلوى المكسرات بأنواعها المختلفة، ويكثر تناول المشروبات المختلفة مثل الشاي والقهوة والمياه الغازية مع أول ساعات عيد الفطر، مما يحدث ارتباكات شديدة للجهاز الهضمي الذي اعتاد على ساعات راحة قليلة أثناء شهر الصيام.

وتحضر حلوى عيد الفطر باستعمال كميات كبيرة من السمن والسكر، مما يشكل عبئا وخطرا حقيقيا على مرضى السكري وتصلب الشرايين والقلب، خاصة إذا ما أفرطوا في تناول الحلوى مثل الكعك والغريبة والبسكويت التي تحتوي على دهون مشبعة بكميات كبيرة. ويتناول البعض هذا الكعك كحلوى إضافية إلى جانب الوجبات الرئيسية متناسيا القيمة العالية للكلوري لها، مما يساعد أيضا على استمرار الزيادة في الوزن المكتسبة خلال شهر رمضان.

عيد الأضحى المبارك: وهو عيد الأضحية التي يقدمها رب كل أسرة، وغالبا ما تتناول الأسر العربية كميات كبيرة من اللحوم مع الرز خلاله، وتؤكل هذه الوجبة أكثر من مرة في اليوم الواحد مما يرفع نصيب ما يتناوله الفرد من لحوم بدرجة تفوق احتياجاته بصورة كبيرة.

وإلى جانب الصعوبة التي يواجهها الجسم لهضم هذا الكم من اللحوم، فإن الجسم في حقيقة الأمر لا يحتاج إلا لكمية محدودة منها والباقي يتم التعامل معه كأي مصدر آخر للكالوري، أي أنه يتم تخزينه في داخل الجسم.

وحيث أن قدرة الجسم على تخزين البروتين محدودة يتم تحويلها إلى أشكال أخرى مثل الدهون. وينتج عن عملية الاستقلاب "الأيض" الغذائي للبروتينات في مثل هذه الظروف كميات كبيرة من اليوريا وحمض اليوريك، مما يؤثر بطريقة خطيرة على مرضى الكلى والنقرس، إلى جانب ارتفاع نسبة ما يتناوله الإنسان من دهون حيوانية توجد بنسب متفاوتة في أنواع اللحوم المختلفة وترتفع بمعدل خاص في لحم الضأن.

المولد النبوي: تحتفل معظم الأقطار العربية بذكرى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام بتقديم أطعمة خاصة لهذه المناسبة. وفي دول الخليج العربي تقدم بعض الأسر الهريس خاصة في المناطق الحضرية [25] وفي الدول الأخرى تقدم اللحوم في وجبة الغذاء، ويقوم العديد من الأسر بذبح الطيور خصيصا لتقدم في هذه الوجبة، وتوزيع المشروبات والحلوى على الجيران والأصدقاء.

(1/192)

12- المناسبات الاجتماعية:

الزفاف. يعتبر الزفاف من أهم العادات الاجتماعية في كل البلاد العربية، وتختلف العادات الغذائية المرتبطة بالزفاف من بلد لآخر، وإن اتفقت جميعا في شيء واحد وهو الإفراط في تقديم المواد الغذائية التي تتعدد أنواعها وتزيد كمياتها عما هو متصور أو مقبول. وأصبحت هذه الأعراس وسيلة للمباهاة والتفاخر والمفاضلة بين الأسر.

وتقوم معظم الأسر بعمل ولائم ضخمة تنحر فيها الذبائح، ويتوقف عدد الذبائح على إمكانات الأسرة المادية وموقعها الاجتماعي. وتستمر هذه الولائم بين ليلة واحدة وسبع ليال، وغالبا ما يتجمع كل أفراد الأسرة من كل مناطق الدولة في المنزل الذي يعقد فيه القران.

وتطورت هذه العادة بعض الشيء في المدن الكبرى، حيث تستخدم صالات الفنادق والأندية لعمل لحفلات الزفاف التي تقدم فيها كميات كبيرة من الحلوى والمواد الغذائية الجاهزة.

ومن الواضح أن نسبة ما يستهلك من المواد الغذائية محدودة للغاية، أما المهدور فهو كبير وقد يصل إلى 90 % مما يقدم من مواد غذائية، خاصة في الحفلات التي تعقد في الأماكن العامة، حيث يخجل الكثيرون ويمتنعون عن تناول الطعام.

وتقوم بعض الأسر بتقديم أغذية خاصة للعروسين في ليلة الزفاف اعتقادا منها أنها تساعد على زيادة القدرة الجنسية للزوجين أو تخفف من آلام فض غشاء البكارة، أو إعطاء الطمأنينة والراحة النفسية للزوجين. ففي دولة البحرين تقدم بعض الأسر طعام الكدوع، وهو مجموعة من الأطعمة تشمل الحلويات والمكسرات والفواكه [26] .

وفي لبنان يعتقد أن المكسرات، بخاصة الفستق والجوز والسمسم، تعتبر مفيدة للطاقة الجنسية [27] أما في مصر فإن طعام العشاء للعروسين يتكون غالبا من الدجاج أو الحمام مع الأرز والشوربة وكمية كبيرة من الفواكه. وتقوم أسرة العروسة بإعداد هذا الطعام بل وتقوم بعض الأسر بالتكفل بتغذية العروسين خلال الأسبوع الأول من الزواج. ويعتقد الكثيرون بأن تناول الأسماك البحرية والروبيان "القريدس"

(1/193)

وأم الروبيان والفول السوداني والجرجير وعسل النحل وغذاء ملكات النحل يزيد من قدرة الرجل الجنسية، على عكس القرفة ومشروب الكركديه اللذين يعتبران من المشروبات المثبطة لقدرة الرجل.

الوفاة. جرت العادة على تقديم بعض الأغذية والمشروبات عند تقديم واجب العزاء عند وفاة أحد الأقارب. وتختلف نوعية الأغذية المقدمة من بلد لآخر بل ومن المناطق الحضرية إلى الريفية في نفس البلد ففي البحرين [26] نجد أن أهم ما يقدم للمعزين هو الشاي أو القهوة، ويطابق ذلك ما وجدته علياء في قرى السعودية [28] حيث يتوافد أهل القرية رجالا ونساء وأطفالا على أهل الميت للتعزية ولا يقدم سوى القهوة والشاي. وتمارس نفس العادات بعينها في المدن المصرية حيث تقدم القهوة إلى الحاضرين لتقديم واجب العزاء.

أما في الريف المصري فتختلف الصورة إلى درجة كبيرة حيث لا تقوم أسرة المتوفى بإعداد أية أطعمة بل تقوم بذلك أسر القرية الأخرى التي تتكفل بإعداد مختلف أنواع الأطعمة وإحضارها إلى منزل المتوفى لتقديمها إلى الوافدين للتعزية، وغالبا ما يقام سرادق للعزاء ويقدم طعام العشاء الذي يتكون أساسا من الخبز والأرز واللحم.

ويشابه ذلك العادات الممارسة في ليبيا حيث تقوم اسرة المتوفى بإعداد الأرز واللحوم لتقديمه، ويعتبر تناول هذا الطعام نوع من البركة للترحم على الفقيد، وتصر الأسرة على تناول الجميع طعام العشاء، حيث يعتبر عدم تناول الطعام نوعا من الإساءة لأسرة الفقيد.

(1/194)

13- توزيع الطعام بين أفراد الأسرة:

عندما تشير الإحصاءات إلى توفر المواد الغذائية بكميات كافية في أحد المجتمعات، فإن ذلك لا يعني على الإطلاق أن كل فئة وكل فرد في هذا المجتمع يتلقى التغذية الكافية. وفي حقيقة الأمر فإن إنتاج وتوفر الغذاء على المستوى العالمي لا يتم بصورة متوازنة في المناطق الجغرافية المختلفة لأسباب بيئية وتكنولوجية وزراعية وتتكرر الصورة على المستويات الوطنية حيث لا يتم استهلاك الأغذية بصورة متماثلة في الفئات الاقتصادية المتباينة. وتعجز الأسر المنخفضة الدخل عن شراء كميات كافية من الأغذية لتلبية احتياجات كل أفراد الأسرة، فيقل نصيب الفرد من الكالوري والبروتين.

(1/194)

وعندما لا تتوفر الأطعمة اللازمة لكل أفراد الأسرة لا يتم توزيع الطعام المتوفر بطريقة مناسبة وفقا للاحتياجات الغذائية، بل يحظى الكبار بالنصيب الأكبر من الغذاء المتوفر، ويحظى الأطفال والسيدات بالنصيب الأقل أو ما يتبقى من المواد الغذائية. ويعتبر سوء توزيع الطعام بين أفراد الأسرة من الأسباب الهامة التي تؤدي إلى تعرض أفراد الفئات الحساسة للمشاكل المترتبة على سوء التغذية.

وفي كثير من المجتمعات العربية لا تتناول الأسرة طعامها مجتمعة، بل يتناول الرجل والأبناء الذكور الطعام أولا، وبعد أن ينتهوا من تناول طعامهم تبدأ الإناث والأطفال في تناول ما يتبقى من طعام. ويؤدي ذلك بالطبع إلى تناول الذكور لأطيب الطعام خاصة مصادر البروتين الجيدة مثل اللحوم والدواجن التي لا يتقي منها الكثير لأفراد الأسرة الأكثر احتياجا، وهم الأطفال والسيدات. وتوجد هذه الظاهرة بوضوح في المناطق الريفية والمدن الصغرى في كثير من الدول العربية.

وقد أدى ارتفاع مستوى التعليم وعمل المرأة إلى اختفاء هذه الظاهرة بصورة تدريجية، وتكاد لا تلاحظ بين أفراد الأسر الصغيرة التي يكون فيها الوالدان من الفئات المتعلمة. أما في المجتمعات العربية التي تحظى بارتفاع دخل الأسرة، فإن كميات الطعام المتوفرة غالبا ما تزيد كثيرا عن احتياجات كل أفراد الأسرة، وبذلك لا يمثل توزيع الطعام بين أفراد الأسرة أهمية تذكر.

وفي بعض الأسر تفضل الأم أن يتناول كل أفراد الأسرة الوجبة الرئيسية سويا ويتوقف موعد هذه الوجبة على عمل الأب. فعندما يعمل خارج المنزل طوال ساعات النهار تؤجل هذه الوجبة إلى ساعات الليل، ويعني ذلك حرمان الأطفال من الطعام الجيد طوال ساعات النهار، إذ تكتفي الأم بتقديم ما يكفي لسد رمقهم انتظارا لعودة الأب في المساء. وفي مثل هذه الأسرة يكون توزيع الطعام غير عادل بالمرة، حيث تفضل الأم إعطاء الأب الذي يعمل طوال ساعات النهار النصيب الأكبر من الأطعمة ذات القيمة الغذائية المرتفعة، مما يقلل من نصيب الأطفال من هذه الأغذية.

وفي دراسة لأثر أنماط توزيع الغذاء في الأسرة وأثرها على الحالة التغذوية للطفل في السن قبل المدرسة [30] أوضحت النتائج أن الأسر من المستويات الاجتماعية والاقتصادية المرتفعة تعمد إلى شراء كميات كبيرة من مصادر البروتين الجيدة مثل اللحوم واللبن والبيض كما أنها تعطي الطفل نصيبا كبيرا من هذه الأغذية، على عكس الأسر محدودة الدخل التي تعمد إلى شراء كميات أكبر من الأغذية الغنية بالمواد النشوية التي تستخدم في ملء معدة الطفل دون إعطائه حاجته من مصادر البروتين الجيدة، حيث تفضل الأم تخصيص الجزء الأكبر منها للزوج ويجب العمل على محاربة هذه الظاهرة من خلال برامج التثقيف والتوعية التغذوية لتعريف ربة الأسرة باحتياجات أفراد الأسرة من مختلف الأعمار.

(1/195)

14- تأثير وسائل الإعلام والإعلانات التجارية:

تعتبر وسائل الإعلام ميدانا فسيحا لمجابهة يومية بين برامج التثقيف والتوعية الغذائية وبين الإعلانات التجارية التي تستهدف ترويج إحدى السلع الغذائية. ولعل التلفزيون هو أكثر وسائل الإعلام فعالية في تغيير السلوك التغذوي للفرد، ومن ثم تغيير معدلات استهلاكه للمواد الغذائية. وتقل فعالية وسائل الإعلام الأخرى مثل الجراد والمجلات والملصقات "الوسائل البصرية" بعكس التلفزيون الذي ينقل الرسالة التغذوية من خلال حواس السمع والبصر في آن واحد.

ويجب أن نعترف من البداية بأن جهود التثقيف التغذوي قد أدت إلى حدوث تغيرات طفيفة في السلوك التغذوي ومن ثم الحالة التغذوية [30] وتؤكد تقارير الدراسات على أن استخدام وسائل الإعلام لنقل الرسائل التغذوية يؤدي إلى زيادة مستوى المعرفة بين أفراد المجموعات المستهدفة دون أن يحدث تغير فعال في أنماط التغذية [31] .

وعلى العكس من ذلك يلعب الإعلان التجاري دورا كبيرا وفعالا في تغيير أنماط استهلاك بعض الأطعمة في المجتمعات النامية والمتقدمة على السواء. ونجح فعلا في إحداث تغيير كبير في استهلاك بعض المواد الغذائية التي أدخلت حديثا على الكثير من المجتمعات النامية. ويرجع ذلك لمجموعة من العوامل أهمها ما يلي:

غياب التشريعات والقوانين المتعلقة بالإعلانات التجارية ومدى صدق المادة الإعلانية

إن اعتماد وسائل الإعلام بدرجة كبيرة على الدخل المترتب على الإعلانات جعلها تتساهل في فرض الرقابة على الإعلانات التجارية.

ج – إن غياب الرقابة الغذائية الفعالة على الأطعمة في الأسواق هيأ لشركات إنتاج الأطعمة سوقا جيدة لترويج منتجاتها.

(1/196)

د تكرار إذاعة الإعلانات التجارية يؤدي في النهاية إلى إقناع المستهلك بشراء المادة الغذائية بعكس برامج التثقيف التغذوي التي تذاع مرة واحدة فقط.

هـ استخدام أقصى درجات التطور في تقنية وفن الإعلان وتوظيفه في إعداد الإعلانات التجارية بطريقة جذابة شيقة قادرة على اقناع المستهلك.

و– تداخل الإرسال التلفزيوني بين دول المنطقة أدى إلى وصول الإعلانات التجارية للمواد الغذائية إلى المستهلك من أكثر من محطة إرسال في آن واحد.

ز – ارتفاع معدلات الأمية يؤدي إلى سهولة إقناع المستهلك بشراء المادة الغذائية المعلن عنها.

ح- تخصيص ميزانية كبيرة لتغطية التكلفة العالية لإنتاج الإعلانات التجارية.

يقابل ذلك انخفاض كبير في مستوى برامج التثقيف الغذائي التي تبث عبر وسائل الإعلام المختلفة، حيث تعد هذه البرامج في ظل ميزانية محدودة، فيكون الناتج المتوقع برامج فقيرة غير جذابة وغالبا ما تستضيف برامج التليفزيون أفرادا غير متخصصين فتخرج الرسالة العلمية غير محددة المعالم وقد يشوبها الكثير من الأخطاء.

ويعتمد الكثير من أنشطة التثقيف التغذوي على برامج تلفزيونية أجنبية وقديمة، فينصرف المشاهد عنها خاصة مع تعدد قنوات الإرسال في معظم الدول، إضافة إلى وصول الإرسال الدولي من خلال الأقمار الصناعية.

والمشكلة الأساسية التي تواجهها برامج التثقيف التغذوي هي عدم توفر أخصائيين في التوعية الغذائية يستطيعون عرض المادة العلمية بطريقة شيقة تجذب المستهلك وتخاطب عقله إلى جانب عينه وأذنه ولا توجد في المنطقة العربية معاهد علمية تؤهل الخريجين للعمل في مجال التثقيف الغذائي. وستظل برامج التثقيف تعاني من انخفاض جودتها في ظل هذا النقص في الكوادر العلمية المدربة.

لقد أثر الإعلان التجاري للمواد الغذائية في إحداث الكثير من التغيير في عاداتنا الغذائية. ومثال ذلك تناول المشروبات الغازية بدلا من أنواع العصير الطبيعي، وتحول الأم من الرضاعة الطبيعية إلى الرضاعة الصناعية، واستعمال الأطعمة المحفوظة والمعلبة بدلا من الأطعمة الطازجة، واستعمال القدور البخارية "الضغط" والخلاطات وأدوات المطبخ الأخرى [32] .

(1/197)

إن الإعلان التجاري سلاح ذو حدين، فإذا أحسن استغلاله فإنه قد يساعد على إدخال بعض العادات الغذائية الحسنة، التي غالبا ما تكون ذات تكلفة عالية لكثير من الأسر، مثل تشجيع تناول عصير الفاكهة مع طعام الإفطار، واستعمال أدوات الطهي الحديثة. أما الحد الآخر فهو الأكثر خطورة، فقد ساعد الإعلان على إدخال وترويج الكثير من العادات الغذائية السيئة بما يبثه من معلومات مضللة وغير صحيحة [32، 33] .

ولا يوجد علم من علوم الصحة العامة دخل فيه الجدل والخدع مثل علم التغذية. فمنذ قديم الزمن اعتقد الكثيرون بأن بعض الأطعمة تساعد في تخليصهم من بعض الأمراض وتزودهم بالحيوية والقدرة الجنسية، أو أنها تسبب بعض الأمراض الخطيرة على صحتهم وكثيرا ما تطالعنا الصحف والمجلات والإعلانات في التلفزيون عن الأطعمة التي تزيد من القدرة والنشاط والحيوية، ولو نظرنا إلى محتويات هذه الأطعمة نجد أنها تحتوي على بعض المعادن أو الفيتامينات [32] .

وقد حظيت أطعمة إنقاص الوزن بالقدر الأكبر من الرواج الإعلامي دون أساس علمي حقيقي، وكان الهدف الأساسي لإعداد هذه الأطعمة هو المكسب المادي. ويؤدي استعمال معظم هذه الأطعمة إلى الإرهاق الشديد والإحساس بالتعب أو الإصابة بالإسهال الشديد ونقص في امتصاص بعض عناصر الغذاء، وقد يؤدي في النهاية إلى مشاكل صحية، مثل الإصابة بالتقرحات واضطراب وظيفة القناة الهضمية إلى جانب تزايد احتمالات التعرض لمشاكل وأمراض الكلى.

وبالمقابل، هناك الاعتقادات المتعلقة ببعض الأطعمة التي تزيد في الوزن. ولعل أفضل مثال لذلك هو مربى خرز البقر الشائع الاستعمال في مصر وبعض البلاد العربية، بالرغم من قيمته الغذائية المحدودة وانعدام أثرها على الشهية لدى الأفراد الذين يتناولونه، مثلما يدعي الإعلان عن هذا المنتوج والذي يؤكد زيادة الوزن بعد تناول هذه المربى بعدة أسابيع [34] .

ويؤثر الإعلان التجاري للمواد الغذائية بصفة خاصة على تغذية الأطفال منذ مراحل العمر الأولى فقد نجحت وسائل الإعلام في إقناع الأمهات بأن التغذية الصناعية أفضل للطفل والأم من الرضاعة الطبيعية، التي انخفضت معدلاتها بدرجة كبيرة خلال الستينات والسبعينات من هذا القرن [35، 36] .

وركزت شركات أغذية الأطفال في إعلاناتها على القيمة الغذائية العالية لألبان

(1/198)

وأطعمة الأطفال الجاهزة مستغلة خوف المرأة من عدم حصول طفلها على كفايته من لبن الأم، وحرصها على قوامها، وكون التغذية الصناعية مظهر من مظاهر التحضر والرقي.

وأوضحت دراسة أجريت في البحرين أن 58 % من الأمهات تركن الرضاعة الطبيعية استجابة للإعلانات التجارية في التلفزيون عن أغذية الأطفال، مما دعا حكومة البحرين إلى منع الإعلان عن هذه الأغذية في التلفزيون والراديو والصحافة [37] .

وقد أدت برامج التوعية التغذوية التي طبقت حديثا إلى ارتفاع معدلات الرضاعة الطبيعية بدرجة كبيرة، ومع ذلك ما زالت مدة الرضاعة قصيرة جدًّا إذا ما قورنت بفترات الرضاعة الطويلة التي كانت سائدة في المنطقة العربية قبل انتشار الرضاعة الصناعية [38، 39] .

ويتعرض الطفل الصغير الذي يشاهد التلفزيون لعدة ساعات يوميا لمشاهدة مجموعة كبيرة من الإعلانات التجارية التي تركز أساسا على تشجيع استهلاك تشكيلة كبيرة من الحلوى والشوكولاتة والمشروبات الصناعية، والتي يحتوي معظمها نسبة عالية من المواد السكرية.

وحيث أن الطفل لا يشتري هذه الأغذية بنفسه فقد واجهت الإعلانات الاتهام المتكرر باستعمال الأطفال للضغط على الوالدين لشراء مثل هذه الأغذية ذات القيمة الغذائية المحدودة [40] . وقد نجحت مثل هذه الإعلانات في إقناع الوالدين بشراء المياه الغازية والبطاطس المقلية والوجبات الجاهزة السريعة، في الوقت الذي لم تنجح فيه برامج التوعية التغذوية بإقناع الأهل إعطاء الأطفال كوبا من اللبن أو بيضة واحدة يوميا.

والإعلان التجاري هو واحد من مجموعة من العوامل التي تحدد العادات الغذائية للأطفال ورغبتهم في شراء أحد أنواع الأغذية، مثل قدرة الأسرة المادية، والتفاعل مع الأطفال الآخرين، وتعليم الأم، والنصائح التي تقدم من الأهل والأصدقاء. إلا أن الهدف الأساسي في هذا المجال هو الإقلال من معدل تعرض الأطفال للمعلومات الخاطئة التي تبثها وسائل الإعلام من خلال الإعلان التجاري للمواد الغذائية، إلى حين تطوير برامج شيقة جذابة للتثقيف التغذوي للأم والطفل تهدف ليس فقط لرفع مستوى المعرفة التغذوية لأفراد المجتمع [41] ، بل لإحداث تغيير جذري في الأنماط والسلوك التغذوي مؤدية في النهاية إلى تحسن المستوى الغذائي لكل أفراد الأسرة.

(1/199)

15- الهجرة العمالية في الوطن العربي:

أدى اكتشاف البترول بكميات كبيرة في دول الخليج العربي ثم الارتفاع المفاجئ والكبير في ثمن النفط، والذي حدث في منتصف السبعينات، إلى جعل دول الخليج العربي من أكثر مناطق العالم جاذبية للعمالة الوافدة [42] . وساعد على ذلك عدد من العوامل أهمها:

أ- مشروعات التنمية الضخمة التي تم تنفيذها في معظم الدول الخليجية.

ب- النقص الشديد في الأيدي العاملة الوطنية المدربة.

ج- عزوف المواطنين عن العمل في بعض المهن [32] .

د- انخفاض متوسط العمر بين المواطنين وانشغال نسبة كبيرة منهم في استكمال تعليمهم وسفرهم للخارج للحصول على دراسات متخصصة.

وكانت النتيجة الحتمية لتدفق العمالة الوافدة إلى مختلف دول الخليج انخفاض نسبة "المواطنين" إلى "المقيمين" بدرجة كبيرة.

ويمكن تقسيم العمالة الوافدة وفقا لجنسياتهم الأصلية إلى ثلاث مجموعات:

الأولى: وهي العمالة العربية الوافدة من مصر والأردن وفلسطين وسورية واليمن ولبنان.

الثانية: وهي العمالة الآسيوية الوافدة من الهند وباكستان وبنغلاديش والفلبين وسيريلانكا.

الثالثة: وهي العمالة الوافدة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.

وقد عمل التجار بصورة سريعة على توفير الأغذية المناسبة لكل نوع من العمالة، خاصة تلك السائدة في بلادهم الأصلية، وأصبحت أسواق الخليج مرتعًا خصبًا لكل أنواع المواد الغذائية من مختلف بلاد العالم، مما شجع المواطنين على تجربة هذه الأطعمة الجديدة والإقبال عليها. وقد أدى إدخال العمالة الأجنبية بهذه الدرجة من الكثافة إلى دول دول الخليج العربي إلى اكتساب العديد من أنماط التغذية التي ترتبط ببلد المنشأ للعمالة الوافدة.

فالعمالة العربية أدخلت معها الحلوى الشامية مثل البقلاوة والكنافة والشاورمة.

(1/200)

الشائعة في سورية ولبنان، والفول والفلافل والكشري السائدة في مصر. والعمالة الأوروبية والأميركية أدخلت معها الأغذية السريعة مثل الهامبرغر والدجاج المقلي، والعمالة الآسيوية نجحت في إدخال أنماط التغذية الآسيوية التي تتميز بالإفراط في استعمال التوابل في الطهي إلى جانب إدخال بعض المأكولات الآسيوية التي تستمد قواعدها من أصول آسيوية.

ويتضح أثر العمالة الوافدة على مكونات الوجبات من نتائج الدراسة التي أعدها مصيقر عام 1985 [44] ، والتي تشير بجلاء إلى تنوع مكونات الوجبات الخليجية ومدى تأثرها بالعمالة الوافدة في هذه الدول. وفي دراسة أخرى أكثر تحديدا أوضح أمين والعوضي [45] دور جنسية المربيات والطاهيات العاملات في المنازل الخليجية في تحديد نوعية المواد الغذائية التي تتناولها الأسرة. وأوضحت الدراسة أن طعام الغداء ما زال يعتمد على الوجبات الخليجية التقليدية، أما وجبات الإفطار والعشاء فقد تنوعت بدرجة كبيرة وأصبحت أكثر ارتباطا بالأنماط الغذائية الوافدة.

ويقبل الشباب بصفة خاصة على تناول الأغذية السريعة مثل الهامبرغر والشاورمة، بالرغم من ارتفاع نسبة الدهون بها إلى درجة كبيرة. كما أدى انتشار المطاعم بمعدل سريع إلى بداية ظاهرة جديدة، وهي تناول الأسر الخليجية في بعض الدول لبعض الوجبات في هذه المطاعم، كما يقوم البعض الآخر بشراء الأطعمة الجاهزة وتناولها في المنزل.

ويجب النظر في نفس الوقت إلى الأثر الذي تحدثه العمالة العربية المغتربة في دول الخليج عند عودتها إلى بلادها الأصلية، إذ تكتسب هذه العمالة بعض العادات الغذائية السائدة في دول الخليج إلى جانب تلك المكتسبة من العمالة الوافدة من الدول الأخرى. وليس من الغريب أن نشاهد إقبال هذه الأسر عند عودتها إلى موطنها الأصلي على تفضيل لحم الضأن على لحوم الأبقار، وتناول اللحوم المشوية في البراري والمنتزهات، بل وإعداد الأطباق الخليجية المشهورة في الدول العربية الأخرى.

وتشير نتائج دراسة قامت بها شبابيك [46] عام 1986 على هجرة رب الأسرة للعمل بالخارج وما يرتبط بذلك من ارتفاع في الدخل وأثره على تغذية أفراد العائلة، إلى أن عودة رب الأسرة بعد فترة تغرب طويلة ينعش الحالة الاقتصادية للأسرة ويرفع من مستوى تغذيتها بدرجة قد تصل إلى حد الإفراط في تناول بعض أنواع الأغذية المرتفعة الثمن، مثل اللحوم والأسماك والروبيان، ثم تعود الأسرة إلى تغذيتها المحدودة بعد سفر رب الأسرة إلى موقع عمله مرة أخرى.

(1/201)

16- السفر والسياحة:

عندما يسافر الإنسان إلى إحدى الدول البعيدة عن موطنه، فإن أول تماس له بالبلد الجديد يتأتى من خلال تناول الوجبات الشعبية في البلد التي يزورها. وتختلف الأطعمة السائدة في مختلف بلاد العالم من حيث مكوناتها وطعمها واستعمال التوابل في تحضيرها وطريقة طهيها وتقديمها. وبالرغم من أن الفنادق الكبرى تعمل على توفير الأطعمة التقليدية في أي بلد في العالم، إلا أن السائح أو الزائر غالبا ما يفضل تناول الأطباق والأطعمة الوطنية.

وبفضل ارتفاع دخل الفرد في بعض الدول العربية مثل دول الخليج العربي، تنشط السياحة الخارجية خاصة خلال فصل الصيف، حيث يغادر عدد كبير من سكان الخليج بلادهم لقضاء فصل الصيف في الولايات المتحدة الأميركية أو دول أوروبا أو الدول العربية المعتدلة المناخ مثل مصر ولبنان وتونس والمغرب. ونتيجة للاختلاط بهذه الشعوب يكتسب المسافر بعض العادات الغذائية الجديدة، ويعتاد على تناول أطعمة جديدة قد تكون غير معروفة في بلده الأصلي. وإذا ما أعجبته فإنه قد يسأل عن طريقة إعدادها وطهيها ليقوم بتحضيرها عند عودته لبلده. وتحدث هذه الظاهرة بصفة خاصة عند سفر السيدات إلى الدول الأخرى. ولا ينفي ذلك إصرار بعض المسافرين للسياحة على إعداد أطعمتهم الوطنية بأنفسهم، وقد يدفعهم ذلك إلى قضاء إجازتهم في الشقق المفروشة بدلا من الفنادق، مما يمنعهم من التعرف على الجديد من الأطعمة الشهية.

وفي نفس الوقت تعتبر بعض البلاد العربية من بلاد الجذب السياحي، إذ يقوم أعداد كبيرة من رجال الأعمال بزيارة هذه الدول بحثا عن الصفقات التجارية المربحة، كما يحضر الملايين من السائحين إلى مصر وتونس والمغرب لزيارة المعالم الأثرية والاستمتاع بالمناخ المعتدل صيفا وشتاء. وقد أدى ذلك على قيام صناعات غذائية وفندقية متقدمة لتوفير الأغذية المناسبة للزائرين بما يتوافق مع عاداتهم الغذائية. وتدريجيا بدأ أبناء هذه البلاد في اكتساب المهارة في إعداد هذه الأطعمة التي بدأت تنتشر تدريجيا في بلاد الجذب السياحي العربية.

وهكذا نرى أن للسفر والسياحة أهمية خاصة في تحديد نوعية الأغذية في المنطقة العربية سواء بين أبناء هذه الدول الذين يسافرون للسياحة إلى مختلف مناطق العالم أو من السائحين ورجال الأعمال والعمالة التي تفد بالملايين إلى مختلف مناطق الوطن العربي.

(1/202)

17 الصفات الخاصة بالطعام:

يفضل الإنسان تناول أحد الأطعمة دون الأخرى لأسباب كثيرة. فقد يستخدم الطعام كمكافأة أو كدليل على المركز الاجتماعي المرموق، أو لصفات خاصة في الطعام ذاته، كأن يكون جيد المذاق شهيا أو يعطي إحساسا سريعا بالشبع أو لمجرد أنه رخيص الثمن، أو لأنه سهل التحضير أو استجابة للإعلانات التجارية، أو أن يأكل الإنسان الطعام المتوفر بسبب عدم وجود بديل آخر. وبالرغم من تعدد هذه العوامل تبقى الصفات الخاصة بالطعام كأحد الأسباب الرئيسية التي تزيد أو تقلل من استهلاك أحد الأطعمة بدرجة تجعله مرفوضاتماما أو تجعله من أكثر الأطعمة شعبية وقبولا.

أ- الطعم taste: يختلف طعم الغذاء كثيرا عندما يكون الإنسان مصابا بالزكام ويختلف الإحساس بالطعم من إنسان لآخر. فبينما تكفي إضافة ملعقة واحدة من السكر إلى كوب من الشاي لإعطاء مذاق حلو لأحد الأفراد، يحتاج إنسان آخر لإضافة أربع ملاعق من السكر للشعور بنفس الدرجة من الحلاوة. ومن نتائج ذلك أن الفرد الذي يتناول كمية كبيرة من السكر يكون أكثر عرضة لتسوس الأسنان، أما الفرد الذي يجب تناول أطعمة تحتوي على كمية كبيرة من الملح فإنه يكون معرضا للإصابة بارتفاع ضغط الدم. وتؤدي الإصابة بنقص فيتامين A أو عنصر الزنك إلى فقد القدرة على تذوق الغذاء. ويغير الحمل pregnancy من طعم ورائحة بعض المواد الغذائية، وقد يؤدي إلى تفضيل تناول الأطعمة التي تحتوي على كمية عالية من الملح [47] م.

ب- الرائحة smell: تتميز بعض أنواع الأطعمة برائحة يعتبرها البعض منفرة، مثل بعض أنواع الجبن والفسيخ، ومع ذلك يقبل عليها البعض كطعام شهي. وتؤدي إضافة الدهون الحيوانية والزيوت إلى تحسن كبير في رائحة الغذاء، إلا أن ذلك يؤدي إلى رفع محتوى الغذاء من الكالوري، كما أن للدهون الحيوانية آثارًا

(1/203)

سلبية على دهون الدم. وتضاف التوابل بكميات كبيرة لتحسين رائحة الطعام خاصة في دول الخليج العربي، كما تستعمل بعض المواد الكيميائية لإعطاء نكهة خاصة للطعام، وعلى العكس من ذلك قد تستعمل مثل هذه المواد لتغطية الرائحة الناتجة عن فساد الطعام خاصة في مراحله الأولى.

وهناك ارتباط كبير بين الرائحة الصادرة عن الطعام وطريقة إعداده. فالرائحة الناتجة عن طهي اللحوم في الأواني العادية لا تقارن بتلك الصادرة عن شوي اللحوم فوق الفحم والتي تؤدي إلى احتراق الدهون، فتصدر رائحة جذابة تثير الشهية وتزيد من استهلاك الطعام.

ج- منظر الطعام: يتفنن القائمون على تحضير الطعام في استخدام الألوان وطريقة ترتيب مكونات الغذاء لجعله أكثر قبولا للإنسان. وقد اكتسب معدو الإعلانات التجارية للمواد الغذائية مهارة كبيرة في تقديم الطعام بطريقة أكثر جاذبية من منظره الحقيقي. ويجب الحذر تماما عند استعمال الألوان الاصطناعية في إعداد الطعام، ويمكن استخدام الألوان الطبيعية التي توجد في بعض المواد الغذائية مثل البنجر "الشمندر" والكركديه. وقد وهبنا الله ألوانا طبيعية جميلة، فالطماطم حمراء، والموز أصفر، والخيار أخضر اللون. ويمكن تنسيق المكونات عند إعداد الأطباق بطريقة تجعل منظر الطعام جذابا دون استعمال ملونات غير طبيعية.

د- قوام الطعام: لا يوجد تفسير علمي مقبول يوضح تقبل بعض الأفراد لطعام ذي قوام يعتبر منفرا تماما للآخرين، إذ يفضل البعض تناول اللحوم المطهية لدرجة تفتتها، بينما يصر البعض الآخر على تناول اللحوم بعد تعرضها لدرجة محدودة من الطهي، بل ويتناول البعض الآخر بعض أنواع اللحوم بدون طهي بعد تقطيعها وإضافة التوابل والخضراوات لها. ولكن يخضع تقبل الناس لقوام أطعمة معينة إلى العادات والتقاليد منذ الصغر حيث يتعود الشخص على ذلك الطعام وطريقة تحضيره.

هـ- مكان تقديم الطعام: يؤثر مكان تناول الطعام على شهية الإنسان وبالتالي استهلاكه من هذا الطعام، فتناول الطعام في جو عائلي بهيج أو مع مجموعة من الأصدقاء يزيد من شهية الإنسان. بعكس تناول الوجبات في جو متوتر يقلل من شهية الإنسان. وقد دل العديد من الدراسات على أن مكان تناول الطعام والإضاءة ودرجة الغرفة تؤثر على كمية الغذاء التي يتناولها الإنسان. وقد انتشرت في السنوات الأخيرة ما يسمى بمطاعم الوجبات السريعة SNACKS، وهي التي يتناول فيها الفرد الطعام إما واقفا، أو على وجه السرعة. وغالبا ما تحضر هذه الأطعمة باستعمال كميات كبيرة من الدهون مما يجعلها ضارة بصحة الإنسان [48] .

(1/204)

18- توافر الرعاية الاجتماعية والخدمات الصحية:

يمثل توافر الرعاية الاجتماعية المتكاملة عنصرا هاما في تغذية الإنسان، خاصة في مراحل العمر المبكرة والمتأخرة. فالطفل الصغير الذي يحظى برعاية والديه يلقى تغذية أفضل بكثير من الطفل الذي ينمو في رعاية المربيات، بل إن وجود مربية في المنزل يؤثر سلبا على معدلات الرضاعة الطبيعية ومدتها [46] .

والطفل الذي يلقى الرعاية الأبوية ويشعر بالحنان المتدفق ينمو بمعدل أفضل ويتطور ذكاؤه أكثر من نظيره الذي يأخذ نفس التغذية دون رعاية كافية [49] ، ومن خلال الرعاية الاجتماعية يكتسب الطفل العادات الغذائية الجيدة.

ونظرًا لعمل الأمهات وغياب شكل العائلة الموسعة التي كانت توفر فيها الجدة الرعاية المناسبة لحفيدها، لجأت الأمهات إلى وضع أطفالهن في دور الحضانة ومعاهد رعاية الطفل، حيث يتجمع عدد كبير من الأطفال في غرفة واحدة مما يعرضهم للأمراض المعدية. وتقدم بعض هذه الدور وجبة غذائية للأطفال تتوقف مكوناتها الغذائية على مستوى الحضانة والتكلفة المادية لها، وتكون هذه الوجبة غالبا غنية بالمواد النشوية ويتناولها الأطفال دون إشراف جيد. ويؤدي نقص الرعاية الاجتماعية الجيدة في هذه السن إلى اكتساب الطفل العادات الغذائية السيئة.

ويزداد أثر الرعاية الاجتماعية على تغذية الإنسان مع تقدم العمر، حيث يتوقف العمر الفيزيولوجي للمعمر على مجموعة عوامل أهمها الرعاية الصحية، وتناول المواد الكحولية، والتغذية الجيدة، وتناول طعام الإفطار، والتحكم في وزن الجسم واتقاء البدانة، وممارسة النشاط المعتدل والتدخين [50] .

ومع تقدم العمر يقل نشاط الإنسان وينخفض معدل الاستقلاب "الأيض" الأساسي، وبالتالي تقل احتياجاته من الكالوري. إلا أنه يواجه صعوبات أخرى تتعلق غالبا بعدم القدرة على مضع الطعام نتيجة لفقد الأسنان وصعوبة الهضم لانخفاض كفاءة الجهاز الهضمي [51] .

ويزيد حجم المشكلة عندما يفقد المعمر شريك حياته ويتزوج الأبناء فيبقى وحيدا دون رعاية اجتماعية أو تغذوية ويلجأ إلى تناول الأطعمة السريعة، وقد يمتنع

(1/205)

عن تناول بعض الوجبات أو يتناول الأطعمة المعلبة والجاهزة لعدم مقدرته أو رغبته في تحضير وجبة كاملة [52] .

ويؤدي انخفاض الدخل بعد بلوغ سن التقاعد إلى عدم مقدرة المعمر على شراء الكميات والنوعيات المناسبة من المواد الغذائية. وتؤدي هذه الأسباب مجتمعة إلى ارتفاع معدل الإصابة بأمراض سوء التغذية بين المعمرين، ما لم توضع لهم برامج رعاية اجتماعية مناسبة.

وترتبط الحالة الصحية للإنسان ارتباطا وثيقا بحالته التغذوية، ويؤدي توافر الخدمات الصحية الجيدة بطريقة مباشرة إلى تحسن الحالة التغذوية للفرد والمجتمع، على سبيل المثال يؤدي التطبيق الجيد لبرامج التطعيم ضد الأمراض المعدية إلى وقاية الأطفال من هذه الأمراض، والحيلولة دون نشوء الدائرة الخبيثة التي تربط بين الإصابة بالأمراض المعدية وسوء التغذية.

وقد شهدت السنوات الأخيرة انخفاضا ملحوظا في معدل الإصابة بالأمراض المعدية في دول المنطقة العربية نتيجة لتوفر الخدمات الصحية والرعاية الطبية. ومن خلال المؤسسات الصحية تقوم الدول العربية بتطبيق بعض البرامج التغذوية، مثل برامج تشجيع الرضاعة الطبيعية، وبرامج التغذية التكميلية، وبرامج توزيع المواد الغذائية.

وتقوم مراكز رعاية الأمومة والطفولة في كثير من دول الإقليم بتقديم الإرشاد التغذوي للأمهات من خلال برامج جيدة الإعداد، كما يتم ترصد معدلات نمو الأطفال من أجل التشخيص المبكر للحالات المصابة بسوء التغذية وتقديم العون لها. ويتم من خلال نفس الأنشطة دراسة التغيير في معدل انتشار أمراض سوء التغذية في المجتمعات المختلفة. ويختلف مستوى تطبيق هذه البرامج من بلد لآخر، حيث تتوافر هذه الخدمات بصورة متكاملة في بعض الدول بينما تكون دون المعدل في دول أخرى، خاصة تلك التي تنقصها الإمكانات اللازمة للمراقبة التغذوية nutritional monitoring

(1/206)

المراجع:

1- streeten, p. "1893": Food Price and political power. Cerea 92: 16-16.

2- ESCWA "1985": Survey of economic and social development in the ESCWA region. U.N economic commission for Western asia.

3 - Musaiger, A. (1987) : The state of food and nutrition in the Arabian Gulf

counteries. Wld Rev. Nutr. Diet. 54, 105.

4 - FAO (1975) : Population food supply and agricultural development. Food and

Agriculture Organization, Rome, Italy pp 1 - 10.

5 - Steel, J. (1986) : National report Saudi Arabia. Middle east Food trade catering

equipment. 3: 11 - 19.

6 - firowun, L.R. (1989) : Feeding six billion, World Watch, September - October 1989

pp 32 - 40.

7 - Brown, L.R. (1988) : The changing world food prospect: The ninties and beyond,

_World Watch paper 85, p. 5.

8 - Rogers, B.; Overholt, C; Kennedy, E.; Sanchez, F.; Chavez, A.; Belding, T.;

Tinner, C. and Austin, J. (1981) : Consumer Food price subsidy in Nutrition intervention in developing countries. Harvard Institute for international development. Oelgeschlager, Gunn and Hain publishers. Cambridge - Massachusetts. 99- 110.

9 - Amine, E.K.; Amine, A.; Salah Eldin, M. and Zaghloul, N. (1991) : The Impact of

partial termination of food subsidy programme on food consumption pattern. J. Egypt, pub. Hlth. Assoc. 66:193.

10 - Amine, E.K.; Amine. A.; Salah Eldin, M. and Zaghloul, N. (1991) : Impact of price

hike on bread consumption in Egypt. J. Egypt. Publ. Hlth. Assoc. 66:239.

11 - Payton, E.; Crump, E.P. and Horton, E.P. (1960) : Dietary habits of 571 pregnant

negro women. J. Am. Diet. Assoc. 37, 129 - 137.

12 - Al-Shawi, A. (1985) : The dietary pattern and food habits of Kuwaiti housewives

of three educational levels. Educ. J., Kuwait 2: 9 - 19.

13 - Musaiger, A. (1982) : Factors affecting food consumption in Bahrain. Ecol. Food

Nutr. 12: 39 - 48.

14 - Kelman, H.C. (1974) : Attitudes are alive and well and gainfully employed in the

sphere of Action. Am. Psychol. 29, 317.

15 - Al-Shawi, A. (1989) : Widespread food beliefs among Kuwaitis. Educ. J. Kuwait,

20: 43 - 102.

16 - Musaiger, A. (1977) : A study of food habits in urban and rural areas in Bahrain.

Master thesis sumbitted to the High Institute of public Health, University of Alexandria, Egypt.

17 - Arroyo, P.S., Arroyo, E.O.; Gil, S.E. and Chavez, A. (1972) : Correlation between

family and infant food habits by Saclogram analysis. Ecol. Food. Nutr. 1,127 -13.

18 - Amine, E.K. and Al-Awadi, F. (1989) : Impact of mother's education on infant

feeding pattern and weaning practices in Kuwait. Ecol. Food. Nutr. 24: 29 - 36.

19 - Al-Awadi, F. and Amine. E, (1989) : Overweight and obseity in Kuwait. J.R.S.H.

109: 175 - 177.

20 - Mckay, D.A. (1971) : Food, Illness and Folk medicine in Sight From Ulce

Trengganu, West Malaysia, Ecol. Food and Nutr. I pp 67 - 72.

21 - Churchill, C.W. and Kanawati, A. (1971) : Cultural Factors In Nutrition In

Lebanon, proceedings of 6 th Symposium on Nutrition and Health in the Near East, American University of Beirut pp 282 - 288.

22 - Bornstein, A. (1974) : Food and Society in the Yemen Arab Republic, published by

FAO, Rome pp 28 - 36.

23 - Amine, E.K. (1993) : Food habits related to disease in the United Arab Emirates.

The International Symposium on nutritional treatment and intervention of

(1/207)

disease. King Faisal specialist hospital and research centre, Riyadh, Saudi Arabia 26 - 27 January, 1993.

24 - Lowenberge, M.E.; Todhunter, E.N.; Wilson, E.D.; Savage, J.R.; Lubawski, J.L.

(1974) : Food and man, 2 nd Edition, John Wiley and Sons Inc. N.Y.

25 - Amine, E.K.; Noweir, M.H. and Osman, H. (1981) : Dietary pattern of textile

workers in some Rural, Semiurban and urban communities of Egypt. Bull. H. Instit. pub. Hlth. 11: 125 - 138.

26- مصيقر، عبد الرحمن عبيد (1981) . دراسة في العادات الغذائية في البحرين (الممارسات الغذائية والمناسبات الاجتماعية) وزارة الصحة العامة – البحرين.

27- علياء شكري (1980) . بعض ملامح التغيير الاجتماعي والثقافي في الوطن العربي – دار الكتاب للتوزيع – القاهرة ص135-159.

28 - Churchill, C.W. and Kanawati, A. (1971) : Cultural factors in nutrition in

Lebanon, proceedings fo 6 th Symposium on nutrition and health in the Near East, American University of Beirut, pp 282 - 288.

29 - Bayoumi, S. (1978) : Patterns of food distribution in the family and its effect on the

nutrition of preschool child. Doctoral degree thesis submitted to the High Institute of public Health, University of Alexandria.

30 - Cerqueira, M.T. (1992) : Nutrition eduction: a rewiew of the nutrient-based

approach. FNA/ANA 2/3 1: 30 - 35.

31 -Johnson, D.W, and Johnson R.T. (1985) : Nutrition education: a model for

effectiveness, a synthesis of research. J. Nutr. Educ. 17: 1 - 24.

32- مصيقر، عبد الرحمن (1983) . تأثير الإعلان التجاري على السلوك الغذائي – مجلة الفيصل الطبية – العدد السادس، ص 28-33.

33 - Resnik, A. and Stern, B. (1977) : Analysis of information content of Television

advertising. J. of Marketing 41: 50 - 53.

34 - Abdelfatah, M.; Gabriel, G. and Morcoss, S.R. (1974) : A need for nutrition

education in Egypt, Studies of some obesity producting preparations present in the local market. (Cow pear jams) . J. Egypt, publ. Hlth. Assoc. 44: 225 - 230.

35 - Amine, E.K. (1980) : Oman, nutrition status survey. UNICEF/Gulf area office,

Abu-Dhabi, U.A.E.

36 - Amine, E.K. (1980) : Bahrain, nutrition status survey. UNICEF/Gulf area office.

Abu-Dhabi, U.A.E.

37 - Musaiger, A.O.; Al-Sherbini, A.; El-Sayed, N.; Amine, E.K. and Darwish, O.

(1986) : Children's response to Television food advertisments in Bahrain. Hygie 5: 30 - 34.

38 - Amine, E.K. and Al-Awadi, F. (1989) : Infant feeding pattern and weaning

practices in Kuwait. J.R.S.H. 109: 178 - 180.

39- مصيقر، عبد الرحمن (1991) . بعض العوامل الاجتماعية المؤثرة على الرضاعة الطبيعية في البحرين (دراسة ميدانية) ، وزارة الصحة – البحرين – الطبعة الأولى.

40 - Sheikh, A.A. and Moleski, M. (1977) : Conflict in the family over commercials. J.

Communication 27: 152 - 157.

41 - Al-Mousa, Z.; Hassan, A. and Prakash, P. (1991) : Media-Conveyed nutritional

information and the nutritional awarness of literate adults in Kuwait. Nutr. Res.

(1/208)

42 - Population Division: Socioeconomic characteristics of international migraton in

the Gulf states; in international migration in the Gulf states; in international migration in the Arab world, pp. 685 - 732 (UN Economic Commission for Western Asia, Baghdad 1982) .

43 - Khoury, M.: The Socio-cultural effects of intra-regional migration; in interna-

tional migration in the Arab World, p. 591 (UN Econmic Commission for Western Asia, Baghdad, 1982) .

44 - Musaiger, A. and Sungpuag, P. (1985) : Composition of mixed dishes commonly

consumed in the Arabian Gulf states. Ecol. Food Nutr. 16: 153.

45 - Shabiaic, M. (1986) : A study of the impact of migration of the head of the family

and associated high income on the nutritional status of the family. Master thesis submitted to the High Institute of public Health, University of Alexandria.

46 - Brown, J.E. and Toma, R.B. (1986) : Taste changes during pregnancy. Amer. J.

Clin. Nutr., 43: 414.

47 - Brown, M.M. (1986) : Warning; Fast foods are hazardous to your health, Science

digest p. 311.

48 - Cravioto, J. (1981) : Nutrition, stimulation, mental development and learning.

Nutrition today, pp 4 - 10, 10 - 15.

49 - Belloc, N.B. and Breslow, L. (1972) : Relationship of physical health status and

health practices, preventive Medicine 1: 409 - 421.

50 - Nasser, K.; Darwish, O.; Amine, E.K. and El-Sherbini, A, (1972) : An educational

approach in attempt to impove food habits and nutritional status of the elderly, Bull. H. Instit. P. Hlth. 8: 215.

51 - Bowman, B.B. and Rosenberg, I.H. (1983) : Digestive function and aging. Human

Nutrition: Clinical Nutrition 37C: 75.

قراءات مقترحة:

* Cronin, F.J. (1982) : Characterizing food usage by demographic variables. J. Am. Diet, Assoc. 18: 661.

* Hertzler, A.; Wenkam, W. and Stardal, B. (1982) : Calssifying cultural food habits and meaning. J. Am. Diet. Assoc. 80: 421.

* Musaiger, A.O. (1983) : The impact of Television food advertisements on dietary behaviour of Bahraini housewives. Ecol. Food Nutr. 13: 109 - 114. Musaiger A.O. (1985) ; Can nutrition education compete with advertising in developing countries? In Turners S.A. and Ingle, R.B. (editors) , New developments in nutrition education. UNESCO, nutrition education series No II, 212 -216.

* Schafer, R.B, and Keith, P.M. (1981) ; Influences on food decisions accross the family life cycle. J. Amer. Diet. AsSoc, 78: 145.

* Dalton, S.S. (1986) : Worksite and food choices: an investigation of inteuded and actual selections. J. Nutr. Edu. 18: 182.

* Stare, F.O. (1986) : Warketing a nutritional revolutionary breakthrough: trading on names. New England Journal of Medicine 315: 971.

* Skinner, J.D. (1985) : Relationship between mother's employment and nutritional quality of adolescents diet. Home economics research Journal 13: 218. Van Garde, S.J. and Woodburn, M.J. (1987) : Food discard practices of householders. J. Amer. Diet. Assoc. 87: 322.

(1/209)

* Engen, H.B,: Iasiello-Vailas, L. and Smith, K. L. (1983) : Confrontration: a new dimension in nutrition counseling. J. Am. Diet. Assoc. 83: 34.

* Sakr, A. H. (1971) : Dietary regulations and food habits of Muslims. J. Am. Diet Assoc. 58: 123.

(1/210)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الغذاء والتغذية

سلامة الغذاء وجودته

مفهوم سلامة الغذاء وجودته

...

سلامة الغذاء وجودته:

الدكتور حسيب رجب:

مفهوم سلامة الغذاء وجودته:

يقصد بسلامة الأغذية خلوها من جميع عوامل التلوث الميكروبيولوجي أو البيئي الذي يحولها إلى أغذية ضارة بصحة المستهلك، ويتضمن ذلك عوامل التلف والانحلال الذاتي. ويقصد بجودة الأغذية احتفاظها بكل أو معظم صفاتها وخواصها الطبيعية. وحيث أن الأغذية عامة تكون معرضة للتلوث الميكروبيولجي أو البيئي، وكذلك للتلف والانحلال الذاتي من بداية إنتاجها حتى وصولها إلى يد المستهلك، وذلك عن طريق عدة مصادر، وبدرجات مختلفة تبدأ بالتربة والمياه ثم الحيوان والحشرات وتنتهي بالإنسان وطرق تداوله وتعامله مع الغذاء أثناء الإنتاج أو التصنيع أو التوزيع أو التسويق أو التخزين أو الإعداد أو التقديم، مما يؤثر على درجة سلامتها وجودتها، فقد وضعت معايير مختلفة لمعظم الأغذية الطازجة والمصنعة تبين الحدود الدنيا لصفاتها وبنيتها التركيبية وقيمتها التغذوية، وكذلك الحدود القصوى لما قد تحتويه من ملوثات ميكروبيولجية أو بيئية لا تضر بصحة المستهلك.

وسلامة وجودة الغذاء هما صفتان متلازمتان ومرتبطتان ببعضهما البعض وتعبران عن مدى صلاحية الغذاء للاستهلاك وخلوه من عوامل الضرر لصحة المستهلك، وكذلك عن مدى صفاته التركيبية وقيمته التغذوية وتقبل المستهلك له. وعادة تعتبر الأغذية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في الأحوال الآتية:

إذا كانت ضارة بالصحة.

إذا كانت فاسدة أو تالفة.

(1/211)

إذا كانت مغشوشة.

إذا انتهت فترة صلاحيتها للتسويق.

كما تعتبر الأغذية ضارة بالصحة في الأحوال الآتية.

إذا كانت ملوثة بميكروبات أو طفيليات من شأنها إحداث مرض للإنسان.

إذا كانت ملوثة بمواد سامة تلحق ضررا بصحة الإنسان.

إذا كانت ملوثة إشعاعيا بمستويات تفوق الحدود القصوى المسموح بها.

إذا احتوت على مواد ملونة أو حافظة أو أية مواد أخرى مضافة محظور استعمالها، أو احتوت على تلك المواد المضافة المسموح استعمالها ولكن بكميات تفوق الحدود القصوى المسموح بها.

إذا مزجت بالأتربة أو الشوائب بنسبة تزيد على النسب المقررة أو بشكل يستحيل تنقيتها منها.

إذا كانت ناتجة من حيوان نافق أو من حيوان مريض بأحد الأمراض التي تنتقل إلى الإنسان.

إذا تداولها شخص مصاب بأحد الأمراض المعدية التي تنتقل عدواها إلى الإنسان عن طريق الغذاء أو الشراب، أو كان حاملا لميكروباتها وكانت هذه الأغذية عرضة للتلوث.

إذا كانت عبواتها أو لفائفها تحتوي على مواد ضارة بالصحة.

كما تعتبر الأغذية فاسدة أو تالفة في الأحوال الآتية.

إذا تغير تركيبها أو تغيرت خواصها الطبيعية من حيث الطعم أو الرائحة أو المظهر نتيجة للتحلل الكيميائي أو الميكروبيولجي.

إذا احتوت على يرقات أو ديدان أو حشرات أو فضلات أو مخلفات حيوانية.

إذا انتهى تاريخ صلاحيتها للتسويق المدون على بطاقة البيان الملصق على عبواتها.

وتعتبر الأغذية مغشوشة في الأحوال الآتية:

إذا كانت غير مطابقة للمواصفات المقررة.

إذا خلطت أو مزجت بمادة أخرى تغير من طبيعتها أو جودة صنعها.

إذا استعيض جزئيا أو كليا عن أحد المواد الداخلة في تركيبها بمادة أخرى.

(1/212)

تقل عنها جودة.

إذا نزع جزئيا أو كليا أحد عناصرها.

إذا احتوت على أية مواد ملونة أو حافظة أو إضافات أخرى غير ضارة بالصحة لم ترد في المواصفات المقررة.

إذا قصد إخفاء فسادها أو تلفها بأي طريقة كانت.

إذا احتوت جزئيا أو كليا على عناصر غذائية نباتية أو حيوانية فاسدة، سواء كانت مصنعة أو خاما، أو إذا كانت ناتجة من حيوان مريض أو نافق.

إذا كانت البيانات الموجودة على بطاقات عبواتها تخالف حقيقة تركيبها، مما يؤدي إلى خداع المستهلك أو الإضرار الصحي به.

ويعتبر الغش ضارا بالصحة إذا كانت المواد المغشوشة أو المواد التي تستعمل في الغش ضارة بصحة الإنسان.

(1/213)

الرقابة على سلامة الأغذية وجودتها:

أهداف الرقابة وأهميتها:

تهدف الرقابة على الأغذية في المقام الأول إلى إنتاج وتوفير الغذاء الصالح لتغذية الإنسان وحمايته من التلف الذاتي، ومن التلوث بأنواعه المختلفة مع استبعاد الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، أو الأغذية الضارة بالصحة، أو الأغذية المغشوشة، أو تلك التي انتهت فترة صلاحيتها للتسويق، حتى لا يكون أمام المستهلك العادي، معروضا في الأسواق أو مقدما له في المطاعم أو الفنادق، إلا الغذاءُ الآمنُ ذو الجودة العالية، وذلك لحماية صحته ولضمان حصوله على المقابل الكامل لما يدفعه ثمنا للغذاء.

كما أن للرقابة النشطة والمتكاملة على الأغذية انعكاسات أخرى اجتماعية واقتصادية، تتمثل في الإقلال من حالات الإصابة بالأمراض، وبالتالي من حالات التغيب عن العمل ومن تكاليف الرعاية الصحية، وتساعد في تحسين التغذية وفي تقليل الهدر من الأغذية. كما تساعد الرقابة في تنشيط التجارة المحلية والدولية للأغذية، وكذلك تنشيط السياحة، وذلك حين تتأكد البلدان المستوردة للغذاء، وكذلك المستهلك العادي أو السائح، أن صناعة وتداول الأغذية ومنتجاتها تتم في ظروف تتفق مع المعايير الدولية أو المحلية المقبولة.

(1/213)

نشأة وتطور سلامة الغذاء:

التاريخ القديم:

ثبت عبر التاريخ أنه عندما يصبح الغذاء شحيحا ويزداد الطلب عليه، تسود الممارسات الخادعة في تصنيعه وتجارته أو الإعلان عنه. ولهذا كان اهتمام الإنسان المتزايد بالرقابة على الأغذية منذ المجتمعات القديمة، حيث كان يسود الكثير من المعتقدات المتعلقة بالغذاء، ثم جاءت بعد ذلك الأديان السماوية بأحكام صريحة في هذا الشأن، تعالج ما كان سائدا وقتذاك، وأبرزها ما جاء في القرآن الكريم عن:

تحريم استهلاك الحيوانات النافقة، والاقتصار على بعض الحيوانات المذبوحة بطريقة سليمة حددتها أحكام الدين.

تحريم استهلاك دم الحيوانات ولحم الخنزير.

تحريم الغش في الموازين والمكاييل أثناء عمليات التجارة أو المقايضة في السلع عامة.

كما أشار القرآن الكريم صراحة إلى القيمة الغذائية للتمر وعسل النحل.

وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم: "من غش فليس منا".

العصور الوسطى:

وكانت الرقابة في البداية مقصورة على الوازع النفسي، والرغبة في الالتزام بالمعتقدات القبلية أو الوازع الديني. إلا أن التاريخ أوضح في العصور الوسطى مدى الحاجة إلى تشريعات تحمي المشتريات والتجار الأمناء وتميزهم عن غيرهم من الرافضين الالتزام بالعادات أو الأحكام المقبولة للممارسة السليمة غير الخادعة في شؤون إعداد الغذاء أو الاتجار فيه. وكانت مكافحة الغش والخداع في شؤون الغذاء شغل الإنسان الشاغل في العصور الوسطى. وقد ظهر ذلك بوضوح فيما تضمنته روح الأحكام السائدة في هذه الفترة، حيث بني الإجراء ضد المذنب بموجب هذه التشريعات، وبصورة واضحة، على العمليات التجارية الخادعة. ولم يكن هناك قصد صريح لحماية الصحة العامة، إلا أنه لحسن الحظ توفرت الحماية للصحة العامة بطريقة غير مباشرة في سياق الحماية ضد الخداع.

الثورة الصناعية:

إلا أن الفترة التي بدأت بالثورة الصناعية وحتى النصف الثاني من القرن التاسع

(1/214)

عشر، بريادة إنجلترا وفرنسا، هي الفترة التي تم فيها التوسع الضخم في كثير من الميادين التي تحمل معنى خاصًا لخدمات الرقابة على الأغذية. فقد كان هناك إدراك واضح لأهمية خدمات الرقابة على الأغذية، فروجعت أحكام القوانين تبعا لذلك، وسلم بأخطار الغش من الناحية الصحية، وأصبحت هذه القوانين أساسا للقوانين اللاحقة. وأكبر عائد لهذه الفترة هو الاعتراف بضرورة تحليل الأغذية، وبالجمع بين قانون الأغذية والتحليل في أي جهاز للرقابة على الأغذية. أما الضرورة الثالثة في محيط الجهاز المتكامل للرقابة على الأغذية فكانت في ذلك الحين مفقودة وهي التفتيش غير المتحيز وخطوات أخذ العينات.

القرن العشرون:

وقد شهد القرن العشرون تقدما رائعا في كل مجالات العلوم، أسفر عن تطوير أكبر في خدمات الرقابة على الأغذية، يمكن معها حماية المستهلك حماية كافية ضد الأخطار الجديدة المنبثقة، والمساعدة في نمو وتطور تجارة الأغذية المحلية والعالمية.

(1/215)

تصنيع الأغذية:

ظهرت حتمية معالجة الغذاء بطريقة أو بأخرى، كالمعالجة بالحرارة العالية، أو فوق العالية، أو بالتبريد أو بالتجميد، أو بالمعالجة بالإشعاع أو بإضافة الكيماويات أو بتغليفه بطريقة ما، وذلك كله بغرض إطالة فترة قابليته للحفظ ليتسنى نقله أو تسويقه أو تخزينه لحين استهلاكه، أو لتحسين مظهره أو طعمه أو رائحته، أو لإخفاء ما قد يعتري بعض صفاته الظاهرية أو التركيبية من تغير غير مرغوب، أو بصفة عامة لكي يحتفظ الغذاء بمعظم صفاته أو خواصه الطبيعية، أو لكي يعوض عن بعض خواصه المفقودة كليا أو جزئيا، أو تلك الخواص المحتمل فقدانها أثناء فترة النقل والتسويق أو التخزين، أو لكي يكتسب صفات أو خواصا مرغوبة تضمن تقبل المستهلك له.

ونتج عن ذلك كله أن تغيرت إلى حد كبير حالة الغذاء الطبيعية الأصلية وظهرت مشاكل جديدة لم تكن معروفة أو ذات أهمية كبيرة من قبل، تتعلق بمظهر الغذاء أو طعمه أو قيمته الغذائية، وذلك في سياق إنتاجه أو نقله أو تخزينه أو تصنيعه أو تسويقه، انعكست آثارها على صحة الأفراد واقتصاد الأمم.

(1/215)

مقاومة الهوام "الآفات" وتسرب بقايا المبيدات في الغذاء:

وثبت في نفس الوقت أن تمركز إنتاج محاصيل الغذاء أدى إلى خلق مخاطر كامنة، مثل الانتشار السريع لأمراض وهوام المحاصيل، مما اقتضى اتباع طرق أكثر فاعلية للسيطرة الجماعية السريعة على هذه الأمراض والهوام، وهي استعمال الكيماويات، أو بمعنى أدق المبيدات، التي أصبحت الآن وسائل ضرورية لإنقاذ المحاصيل الزراعية الغذائية من الهوام، أو لزيادة غلة وحدة المساحة الزراعية من المحاصيل الغذائية وتقليل الفقد أثناء التخزين أو النقل أو التسويق. كما وضح كذلك أن هذه الحالة أدت إلى إدخال هذه الكيماويات وغيرها بطريقة غير مباشرة إلى البيئة التي نعيش فيها ومن ثم تسربت آثارها إلى جسم الإنسان فارتفع مستواها في الدم. وقد ثبت انعكاس آثار ذلك كله على الصحة العامة للمجتمع.

استنباط طرق التحليل الدقيق وتطوير خدمات الرقابة على الأغذية:

كما كان نتيجة للنهضة العلمية الكبيرة التي بدأت في الخمسينات من القرن العشرين، والتي كانت مصاحبة لنهضة علمية كبيرة في استنباط أجهزة وطرق التحليل والقياس المتناهية الدقة، أن عرفت مسببات أخرى لأضرار تلحق بصحة الإنسان عند استهلاكه للأغذية غير الصالحة لم تكن معروفة من قبل، مما دعا الكثير من الدول المتقدمة في أواخر الستينات إلى تطوير وتحديث وسائل الخدمات المتعلقة بالرقابة على سلامة الأغذية وجودتها، بما يواكب التطورات الحديثة في العلم والتكنولوجيا، وذلك لإحكام الرقابة وتلافي الضرر، وهي الخدمات المتعلقة بالتحليل analysis والتفتيش audit والتدريب training، وفوق كل ذلك التشريعات المتكاملة التي تنظم وتنسق إدارة هذه الخدمات بما يحقق أحكام وفعالية الرقابة ضمانا لحمايةالمستلهك وحفاظا على الاقتصاد القومي.

مولد فرع جديد من القوانين يرتبط بالغذاء:

وبالرغم من أن ظهور القوانين القديمة للأغذية أو تطويرها قد بدأ في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إلا أن أهم ما تميز به القرن العشرون هو ولادة فرع متفصل من القانون يرتبط بالغذاء ويحوي أحكاما أكثر دقة في التطبيق وأكثر تحديدا وكمالا في محتوياتها، ويأخذ في الاعتبار الأوضاع السائدة فيما وراء الحدود السياسية. ولم تقتصر أحكام هذا القانون على حماية المستهلك ضد الخداع.

(1/216)

في كمية البضاعة أو وزنها أو غشها بإضافة عناصر غير نافعة إليها أو سحب عناصر نافعة منها، وما إلى ذلك مما كان يعار إليه الانتباه الأكبر، بل امتدت لتشمل وتركز على رقابة الأوصاف المبالغ فيها للمنتجات، والتصريحات الخاصة بالتغذية، والادعاءات المضللة في وضع البيانات التوضيحية على البطاقات، وفي الإعلان عن السلع، وفوق كل ذلك الحماية ضد الأخطار الجديدة لصحة الإنسان والمسببة للأمراض، وبخاصة الخبيثة منها، والتشوهات الخلقية في الأجنة والتي قد تنتج عن التلوث الميكروبيولجي للأغذية أو التلوث الإشعاعي أو التلوث بالملوثات الكيمائية والبيوكيميائية كمضافات الأغذية أو بقايا مبيدات الهوام "الآفات" أو المعادن الثقيلة أو الذيفانات أو السموم البيولوجية أو المواد الملونة للأغذية أو مواد التغليف التي تلامسها.

الدول النامية:

وعلى العكس من التطور المطرد في خدمات الرقابة على الأغذية والانتعاش الاقتصادي العام في الدول الصناعية، ظل الموقف في كثير من الدول النامية راكدا، وحيث كانت الرقابة على سلامة وجودة الأغذية بها غير معروفة في الكثير منها إلا ما ندر.

إلا أنه اتباعا لأمثلة من الدول المتقدمة في إدخالها للمرة الأولى معايير الرقابة على الأغذية، اتخذت بعض المجتمعات غير الصناعية خطوات لإقامة معايير الرقابة. ومن أمثلة ذلك الهند. حيث كان تأثير الفكر الإنجليزي واضحا منذ عام 1860 أما في بقية دول الشرق الأقصى فكانت الرقابة على الأغذية بطيئة في ظهورها، ولم تدخل معايير في هذا المجال قبل الأربعينات أو حتى قبل الستينات من القرن العشرين. وكانت اليابان بنموها الصناعي السريع أحد الاستثناءات، بالرغم من أن كثيرا من جيرانها لم يتحرك بهذه السرعة.

إفريقيا والشرق الأدنى:

أما في أفريقيا والشرق الأدنى فكانت لقوانين الأغذية أهمية قليلة حتى النصف الثاني من القرن العشرين، حيث تأثرت الدول المستقلة التي بدأت في الظهور في نهاية الخمسينات بالدول الأوروبية التي كانت متصلة بها اتصالا وثيقا، وامتد هذا التأثير إلى خدمات الرقابة على الأغذية. وبصفة عامة فإن البلاد التي كانت تابعة.

(1/217)

لفرنسا استحدثت قوانين فرنسية في مجال الرقابة على الأغذية، والبلاد التي كانت تابعة لإنجلترا اتبعت الطريقة الإنجليزية، وهكذا. وكانت تشريعات الأغذية لدى الدول حديثة الاستقلال مستوردة، وكانت في حاجة إلى تعديلات كثيرة لتتلاءم مع الأوضاع المختلفة تماما عن تلك التي وضعت من أجلها القوانين في بلادها الأصلية وقد بدأت في بعض الدول المحاولات المحلية لتحديث القوانين أو ضبط التناقضات في التشريعات التي كانت سارية سابقا، وانتهت في بعض البلاد إلى ضرورة استحداث قانون جديد متكامل كحل وحيد لمعالجة الموقف معالجة كافية مع تطوير خدمات التحليل والتفتيش.

وتعاني معظم الدول النامية بصفة عامة ومعظم دول الشرق الأدنى بصفة خاصة الكثير من المشاكل التي تعترض إقامة أجهزة كافية وفعالة، أو تطوير ما لديها من أجهزة في مجال الرقابة على الأغذية، منها النقص الكبير في الخبراء القادرين على تخطيط نظام متكامل للرقابة على الأغذية يتناسب مع الظروف المحلية، مع الأخذ في الاعتبار الظروف العالمية، أو النقص الكبير في الفنيين المؤهلين والمدربين تأهيلا وتدريبا كافيين لإجراء عمليات التحليل، وخاصة تلك المتناهية في الدقة، وكذلك عمليات التفتيش الصحيحة، وأخذ العينات، أو نقص في المعدات أو التمويل اللازم. إلا أن المشكل المشترك دون جدال هو غياب السلطة والإدارة القوية المنسقة لتلك الجهود.

نشأة فكرة المواصفات القياسية للأغذية وتطورها:

إن الاهتمام العالمي بالمواضيع المتعلقة بالرقابة على سلامة وجودة الأغذية حديثا نسبيا. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية أسهم التقدم الضخم في التكنولجيا في تنشيط التجارة العالمية للغذاء، وتطلب الأمر إعادة تقييم الموقف، حيث اهتمت مجموعات من الدول بالمشاكل المتعلقة بمضافات الأغذية ومستويات الأمان لبقايا مبيدات الآفات "الهوام" في الأغذية، ورأت مجموعات أخرى من الدول ضرورة إزالة بعض العوائق المحلية التي تعترض التيار المتدفق بين الدول للمواد الغذائية القابلة للتلف. ومع ازدياد المصالح في الأسواق العالمية وتحسين التجارة الدولية في الغذاء أقامت الحكومات الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO ومنظمة الصحة العالمية "WHO" عام 1962 برناماجا مشتركا حول المواصفات القياسية للأغذية وذلك عملا بنهج يرجع إلى عام 1958.

فأنشأت جهازا فرعيا مشتركا هو هيئة مدونة الأغذية the Codex Alimentarius Commission في روما، حيث مقر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. وقد أخذت هذه الهيئة واللجان المنبثقة عنها على عاتقها القيام بالدور القيادي في إعداد المواصفات القياسية الدولية للأغذية ومستويات الأمان لبقايا مبيدات الهوام والذيفانات والسموم الملوثة للأغذية وغيرها في أنحاء العالم.

(1/218)

هيئة مدونة الأغذية:

تتكون هيئة مدونة الأغذية من مندوبي الحكومات الأعضاء الذين يمثلون حتى الآن أكثر من 135 دولة من مجموع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها حتى الآن 151 دولة. وتهدف هذه الهيئة إلى حماية المستلهك ضد الخداع والضرر الناجمين عن تصنيع الأغذية أو الاتجار فيها، مع تأمين سيولة انسياب التجارة المحلية والدولية في الغذاء. ويغطي برنامجها إعداد المواصفات التركيبية للأغذية، وبطاقات الأغذية، ومضافات الأغذية، والمواد الملونة للأغذية، وبقايا مبيدات الآفات "الهوام"، والظروف الصحية، وأخذ العينات وتحليلها.

وتتكون الهيئة من ثلاث مجموعات ينبثق عنها 27 مجموعة فرعية، الأولى هي لجان الموضوعات العامة، والثانية تتكون من اللجان السلعية، والثالثة هي اللجان الإقليمية المنسقة. وتختص لجان المجموعة الأولى بالأساسيات العامة للهيئة، ومضافات الأغذية، وبقايا مبيدات الهوام، وبقايا الأدوية البيطرية، والظروف الصحية العامة للغذاء، والظروف الصحية للحوم، وبطاقات الأغذية وطرق التحليل وأخذ العينات للأغذية. أما اللجان السلعية فهي تدرس وتطور المواصفات القياسية لمختلف السلع الغذائية. ويبلغ عدد المواصفات القياسية التي أصدرتها هذه اللجان حتى الآن حوالي 200 مواصفة قياسية تغطي مجالا كبيرا من الأغذية. وتنفض اللجان متى انتهت من إصدار المواصفات القياسية التي تقع في مجالها، إلا أنها تستأنف اجتماعاتها متى دعت الضرورة لذلك، كظهور موضوعات تكنولوجية جديدة، أو بناء على طلب أي من الحكومات الأعضاء. كما يجوز لأي من الحكومات الأعضاء طلب تكوين لجنة جديدة تختص بسلعة معينة. أما اللجان الإقليمية المنسقة فهي تختص بالمواصفات القياسية الإقليمية، ووضع نماذج لقانون الأغذية واللوائح التنظيمية لها، وطرق ووسائل تحسين خدمات الرقابة على الأغذية بصفة عامة.

(1/219)

وبالإضافة إلى ذلك فإن الهيئة تدرس وتطور مجموعة قوانين للممارسات الصحية، وهي بمثابة ارشادات اختيارية للدول الأعضاء لاتباعها إذا ما كانت مناسبة للظروف المحلية. وقد تم حتى الآن إصدار 35 مجموعة إرشادية تغطي مجالا كبيرا للأغذية.

ووفقا للفقرة الرابعة للأسس العامة المنظمة لمدونة الأغذية، ترسل المواصفات القياسية للأغذية التي يتم إعدادها نهائيا إلى الدول الأعضاء لدراستها وإفادة المنظمة بقبولها. ويمكن التعبير عن القبول بأحد طرق ثلاث: القبول التام أو القبول الهادف أو القبول مع تحفظات معينة. ويعني القبول التام أن البلد يلتزم بكل المتطلبات المذكورة، وبأن توزيع الأغذية المطابقة سوف لن يحول دون أية إجراءات إدارية أو قانونية في البلد المعنى، وأن الأغذية غير المطابقة سوف لا توزع في البلد المعنى. أما القبول الهادف فيعني أن البلد المعنى ينوي القبول التام بعد فترة معينة، وحتى ذلك الوقت سوف تسمح الدولة المعينة بتوزيع الأغذية المطابقة في بلادها دون أي عائق. أما القبول مع تحفظات معينة فيعني أن البلد المعني يمكنه القبول ولكنه يرفض بعض بنود معينة من المواصفة.

(1/220)

البنية الأساسية للرقابة الكافية والفعالة على سلامة الأغذية وجودتها:

شهد القرن العشرون تقدما كبيرا في كل مجالات العلوم والتكنولوجيا. فقد استنبطت أجهزة التحليل المتناهية في الدقة، وعرفت مسببات خطيرة لضرر الإنسان في صحته لم تكن معروفة من قبل في سياق استهلاكه للغذاء غير الصالح، وثبت أن جهاز الرقابة على سلامة وجودة الأغذية لا يمكن أن يكون كافيا وفعالا في حماية المستهلك ضد هذه الأخطار إلا إذا توفرت فيه التشريعات المتكاملة بجانب خدمات التحليل الكافية وخدمات التفتيش الحازمة والإدارة المنسقة التي تقننها التشريعات المتكاملة.

التشريعات:

تحدث تشريعات الرقابة على الأغذية شروط إنتاج الأغذية وتصنيعها وتسويقها والإعلان عنها وكل ما يتعلق بتداولها، وتملي بالتحديد كيفية تطبيق أحكام القانون، حتى يكون لدى العاملين على كل المستويات والمكلفين بتطبيقه مجموعة من التعليمات اللازمة لمباشرة عملهمن وذلك برؤية واضحة لا تدع مجالا للاجتهاد

(1/220)

الشخصي، والذي غالبا ما يباعد بهم عن التطبيق السليم، وتضمن سهولة العمل، مع تجنب الحاجة المتزايدة إلى إحالة الأمور إلى المستوى الأعلى لاتخاذ القرار النهائي.

ونظرا للتطور الفني السريع في ميادين إنتاج الغذاء وتجهيزه وتسويقه، والاحتمال المتزايد للغش المقصود والتلوث، ولكي يتسنى مراجعة التشريعات الغذائية بلا إبطاء وعلى نحو مناسب، فإن الاتجاهات الحديقة تقسم عادة التشريعات الغذائية إلى قسمين: القسم التشريعي ويمثل القانون الأساسي للأغذية، والذي يتضمن أحكاما من غير المحتمل تغيرها من آن لآخر وهي تلك المتعلقة بالأحكام العامة، والاستيراد والضمان، والإدارة والتنفيذ، والإجراءات القانونية، والقسم التنفيذي ويمثل اللوائح التي تتضمن التعاريف العامة، وقواعد التفتيش وطرق أخذ العينات وتحليلها، والتغليف، ووضع البيانات على البطاقات، والإعلان والمواصفات أو الخصائص التركيبية للأغذية، والنظافة الصحية، وتوافر الظروف الصحية في تداول الأغذية، ونوع وتركيز المضافات، والحدود القصوى لبقايا مبيدات الهوام "الآفات" وأنواعها، والتلوث المعدني والإشعاعي، أو التلوث بالذيفانات الفطرية، ومتطلبات الأغذية الخاصة وأغذية الأطفال.... إلخ. وعندما يصبح من الضروري تنقيح اللوائح على وجه السرعة على ضوء معرفة علمية جديدة، أو حدوث تطور في طرق التصنيع، أو نشوء حالات طوارئ تستدعي إجراء فوريا، فيمكن في هذه الحالة أن تضطلع الأجهزة التنفيذية، لا الأجهزة التشريعية، بإجراء المراجعة أو التنقيح على وجه الاستعجال.

كما يجب صياغة قانون ولوائح الرقابة على الأغذية بلغة واضحة ومختصرة، لتتيح للمشتغلين في أجهزة الرقابة على الأغذية وفي الصناعة، وللمستوردين والمصدرين والمستهلكين، فهم حقوقهم وكذلك واجباتهم والتزاماتهم بسهولة ويسر. ويستحسن تجميع القانون واللوائح في مطبوع واحد يكون في متناول جميع الأطراف التي يهمها الأمر.

خدمات التحليل:

لا يمكن أن تعمل خدمات الرقابة على الأغذية بدون خدمات تحليل كافية. ومن الضروري عادة إجراء الإختبار الروتيني لتجنب أية مخاطر على الصحة أو الأضرار باقتصاد المستهلك أو الدولة. كما أنه لا سبيل للتحقق من صحة

(1/221)

المخالفات المشتبه في وقوعها إلا عن طريق المختبرات. وفي حالات كثيرة يكون التحليل في المختبرات ضروريا لكي يتسنى اتخاذ القرار السليم، فيما يتعلق بصلاحية المواد الغذائية أو استساغتها أو مطابقتها للتركيب المنصوص عليه بالقوانين أو المعلن على بطاقاتها.

والمعدات اللازمة للمختبرات عديدة. فهي تضم الكيماويات والأدوات الزجاجية والصلبة، والأجهزة والمعدات المتناهية في الدقة التي أصبحت الآن وسائل ضرورية في التحليل الحديث. وهذه المتطلبات تبدو كبيرة ومعقدة ولكن بعد إتمام إعداد المختبر فإن التكاليف اليومية أو المكملة تكون صغيرة نسبيا. وضمانا لسهولة وفعالية العمل في المختبر يجب أن تكون جميع الأشياء اللازمة للتحليل موجودة، فإذا ما احتاج تحليل ما إلى عدد معين من الكيماويات أو غيرها ونقص واحد فقط من هذه الأشياء فإن التحليل لا يمكن أن يتم.

ولهذا يجب أخذ موضوعات الصيانة والتصليح وتوفير الكيماويات وقطع الغيار للمعدات في الاعتبار، وكذلك الأخذ بنظام الميزانية المتحركة بقدر الإمكان. ويجب تنظيم الميزانيات حتى تكون هناك اعتمادات جاهزة للمسائل العاجلة، كقطع الغيار والإصلاحات اللازمة للأجهزة وكل ما يلزم من مصاريف للعمل اليومي في المختبر، والذي لا يمكن أن يؤجل حسب الدورة البطيئة للميزانية، كما هو الحال في معظم الأعمال الروتينية الحكومية، وعلى ذلك فتوفير الاعتمادات اللازمة للمسائل الطارئة يعتبر من المسائل البالغة الأهمية لتسهيل العمل بالمختبرات.

ولضمان فعالية وكفاءة العمل بالمختبرات لا بد من توفر المراجع الفنية اللازمة، حتى يمكن لجميع الفنيين بالمختبر بما في ذلك التفتيش مراجعة الكتب والدوريات العلمية بصفة منتظمة. ولهذا فإن إقامة مكتبة فنية مزودة بالطباعات الحديثة للمراجع في مجال الرقابة على جودة وسلامة الأغذية والعلوم المتعلقة بها، كعلوم الأغذية والبيولوجيا والفيزيائية للأغذية، بجانب التشريعات الغذائية القومية والإقليمية والدولية، ومواصفات الأغذية، ومجموعة كاملة لطرق الفحص أو التحليل الدولية، يعتبر من الأمور الهامة. كما يجب أن تضم المكتبة مجموعة مفيدة من مواد التدريب ومن وسائل التدريب.

وكمرشد لضمان تطابق وتجانس نتائج التحليل ومن ثم تلافي زيادة العمل

(1/222)

المخالفات المشتبه في وقوعها إلا عن طريق المختبرات. وفي حالات كثيرة يكون التحليل في المختبرات ضروريا لكي يتسنى اتخاذ القرار السليم، فيما يتعلق بصلاحية المواد الغذائية أو استساغتها أو مطابقتها للتركيب المنصوص عليه بالقوانين أو المعلن على بطاقاتها.

والمعدات اللازمة للمختبرات عديدة. فهي تضم الكيماويات والأدوات الزجاجية والصلبة، والأجهزة والمعدات المتناهية في الدقة التي أصبحت الآن وسائل ضرورية في التحليل الحديث. وهذه المتطلبات تبدو كبيرة ومعقدة ولكن بعد إتمام إعداد المختبر فإن التكاليف اليومية أو المكملة تكون صغيرة نسبيا. وضمانا لسهولة وفعالية العمل في المختبر يجب أن تكون جميع الأشياء اللازمة للتحليل موجودة، فإذا ما احتاج تحليل ما إلى عدد معين من الكيماويات أو غيرها ونقص واحد فقط من هذه الأشياء فإن التحليل لا يمكن أن يتم.

ولهذا يجب أخذ موضوعات الصيانة والتصليح وتوفير الكيماويات وقطع الغيار للمعدات في الاعتبار، وكذلك الأخذ بنظام الميزانية المتحركة بقدر الإمكان. ويجب تنظيم الميزانيات حتى تكون هناك اعتمادات جاهزة للمسائل العاجلة، كقطع الغيار والإصلاحات اللازمة للأجهزة وكل ما يلزم من مصاريف للعمل اليومي في المختبر، والذي لا يمكن أن يؤجل حسب الدورة البطيئة للميزانية، كما هو الحال في معظم الأعمال الروتينية الحكومية، وعلى ذلك فتوفير الاعتمادات اللازمة للمسائل الطارئة يعتبر من المسائل البالغة الأهمية لتسهيل العمل بالمختبرات.

ولضمان فعالية وكفاءة العمل بالمختبرات لا بد من توفر المراجع الفنية اللازمة، حتى يمكن لجميع الفنيين بالمختبر بما في ذلك التفتيش مراجعة الكتب والدوريات العلمية بصفة منتظمة. ولهذا فإن إقامة مكتبة فنية مزودة بالطباعات الحديثة للمراجع في مجال الرقابة على جودة وسلامة الأغذية والعلوم المتعلقة بها، كعلوم الأغذية والبيولوجيا والفيزيائية للأغذية، بجانب التشريعات الغذائية القومية والإقليمية والدولية، ومواصفات الأغذية، ومجموعة كاملة لطرق الفحص أو التحليل الدولية، يعتبر من الأمور الهامة. كما يجب أن تضم المكتبة مجموعة مفيدة من مواد التدريب ومن وسائل التدريب.

وكمرشد لضمان تطابق وتجانس نتائج التحليل ومن ثم تلافي زيادة العمل

(1/223)

الإدارة والتنسيق:

في ظل التشريعات الغذائية الشاملة وخدمات التفتيش والتحليل النشطة والكافية، فإن نجاح نظام الرقابة على الأغذية في توفير الحماية الكافية والفعالة للمستهلك، وكسب ثقة السوق المحلية والخارجية فيما يتعلق بجودة وسلامة وتقبل الأغذية، يعتمد على الإدارة السليمة القادرة على مراقبة الأمور وبرمجة وتوجيه الأنشطة المختلفة. وكوسيلة فعالة للإدارة السليمة تعين لجنة استشارية فنية تتكون من ممثلي جميع الجهات الحكومية، بالإضافة إلى ممثلين عن الصناعات الغذائية، وبعض الأشخاص ذوي الخبرة في علوم وتكنولوجيا الأغذية والصحة العامة ووقاية النبات والحيوان والرقابة على الأغذية وحماية المستهلك.

(1/224)

الاضطرابات الغذائية الناجمة عن تلوث الغذاء وفساده

أولا: التلوث بالجراثيم "البكتيريا" bacterial contamination

مدخل

...

الاضطرابات الغذائية الناجمة عن تلوث الغذاء وفساده:

أولا: التلوث بالجراثيم "البكتيريا" bacterial contamination:

الجراثيم هي أحياء دقيقة نباتية وحيدة الخلية ذات أشكال مختلفة كروية أو عصوية أو حلزونية، تتكاثر خلاياها بالانقسام، وكثيرا ما تترتب هذه الخلايا في صورة مجموعة ملتصقة ببعضها حيث تستخدم هذه الظاهرة في التمييز بينها فالجراثيم الكروية التي يقسمها مستوى واحد فقط توجد إما على شكل أزواج من الخلايا تسمى المكورات المزدوجة diplococci، أو على شكل سلاسل وتسمى العقديات streptococci أما التي تنقسم في أي مستوى فإنها تكون مجموعة غير منتظمة على شكل العنقود cluster ويطلق عليها اسم العنقوديات staphylococci أما إذا حدث الانقسام في مستويين متقاطعين بزاوية قائمة فإنها تكون على شكل مجموعة رباعية من الخلايا الكروية التي تسمى المكورات الرباعية tetracocci وإذا كان الانقسام في ثلاثة مستويات تتكون مكعبات من ثمان خلايا كما في الجراثيم المسماة الرزمية sarcina. أما الجراثيم العصوية فتنقسم عرضيا وبذلك تقتصر صور مجموعاتها على الشكل الزوجي أو السلسلي. وتتميز بعض الخلايا العصوية وكذلك بعض الخلايا الكروية بخاصية الحركة في السوائل، وتستعين على ذلك بالسياط flagellas التي تكون متصلة بجدرها كاستطالات دقيقة أنبوبية بشكل السوط. وتتميز بعض أنواع الجراثيم بأن لخلاياها القدرة على إحاطة نفسها بغلاف واق إذا وجدت.

(1/224)

في ظروف بيئية خاصة. ويبلغ قطر الخلية الكروية 0.75 – 2.0 ميكرون أما الخلية العصوية فيبلغ طولها 3 ميكرون وعرضها 0.5 – 1.0 ميكرون.

ولبعض أنواع الجراثيم طور مقاوم للظروف الخارجية يعرف بالبوغ spore أو البوغ الداخلي endopore تتخزن فيه القوة الكامنة للخلية الناشطة، كما في بعض فصائل الجراثيم العصوية. وتتغلف الأبواغ بغشاء سميك نسبيا يحميها من الظروف الخارجية غير المناسبة. وبذلك يصبح البوغ أكثر مقاومة من الخلايا الناشطة للتأثيرات الضارة، كالحرارة والجفاف والمواد المطهرة وغيرها. ويمكن للأبواغ أن تبقى حية لفترة طويلة.

وتتبع الجراثيم الممرضة pathogenic المسببة لفساد الأغذية مجموعة تسمى الجراثيم غيرية التغذي heterotrophic التي يلزم لنموها المواد العضوية في الوسط الذي تعيش فيه، وتعتبر بالنسبة لها مصدرا للكربون والطاقة، وذلك تمييزا لها عن الجراثيم ذاتية التغذي autotrophic التي تستطيع النمو والحياة في بيئة لا تحتوي على مركبات عضوية، حيث تستطيع استقلاب الكربون من ثاني أكسيد الكربون، والنتروجين من النشادر والنترات والنتريت، وتحصل على الطاقة من تفاعلات التأكسد، أو تستغل الطاقة الإشعاعية لضوء الشمس. وتشمل هذه المجموعة جراثيم النترتة التي لها أهمية خاصة في ميكروبيولجيا التربية وليس لها علاقة بفساد الأغذية أو نقل الأمراض للإنسان.

(1/225)

العوامل المؤثرة في نمو الجراثيم

...

العوامل المؤثرة ي نمو الجراثيم:

1- أطوار النمو في الجراثيم:

تسلك الجراثيم فين نموها وتكاثرها أربعة أطوار هي:

طور التلكؤ lag phase. وقد لا يتزايد عدد الخلايا الجرثويمية الموجودة فعلا في هذا الطور أو قد تتزايد بنسبة ضئيلة جدا. إلا أن بعضها ينمو ويزيد حجمه نوعا، كما يزيد في هذا الطور نشاط عملية التنفس وبعض العمليات الأخرى. وتتوقف مدة هذا الطور على عوامل كثيرة، أهمها عدد الخلايا الجرثومية الموجودة وظروف البيئة. فإذا كان عدد الخلايا الجرثومية زائدا زيادة كبيرة، أو كانت ظروف البيئة تلائم وتشجع تكاثر الجراثيم، فإن طور التلكؤ يكون قصيرا، وعلى العكس من ذلك إذا كان عدد الخلايا الجرثومية قليلا أو كانت ظروف البيئة غير ملائمة.

(1/225)

وتكون الجراثيم خلال هذا الطور شديدة الحساسية للحرارة والمواد الكيماوية السامة.

طور النمو اللوغاريتمي logarithmic growth phase وهي الفترة التي يحدث فيها أسرع نمو للخلايا الجرثومية ويتزايد فيها عدد الجراثيم تزايد طرديا مع الوقت، حيث يمكن رسم خط مستقيم عند تسجيل علاقة المدة بلوغاريتم عدد الخلايا وقد يتحدد الانقسام والتكاثر في مدى 20 دقيقة تقريبا. ويتوقف الطور على نوع الجراثيم ودرجة الحرارة وعوامل أخرى. وبعد أن تتم الزيادة اللوغاريتمية تستعيد الخلايا قوة مقاومتها الطبيعية للتأثيرات الطبيعية والكيميائية المعاكسة.

ج- طور النمو المستتب stationary growth hpase: في نهاية الطور اللوغاريتمي وبعد أن تصل الخلايا إلى النهاية العظمى، تبطؤ سرعة الانقسام تدريجيا حتى يصبح عدد الخلايا الناتجة عن الانقسام مساويا لعدد الخلايا التي تموت، وبذلك يبقى عدد الخلايا الحية ثابتا.

د- طور الموت المتسارع accelerated death phasw: يبدأ عدد الخلايا الحية بالتناقص خلال هذا الطور، وتختلف سرعة التناقص باختلاف نوع الجراثيم. وقد تموت الخلايا بأجمعها خلال أيام قليلة، وقد يستغرق هذا التناقص بضعة شهور ويزيد من سرعة التناقص احتواء البيئة على سكريات قابلة للتخمر. ويكون للحمض الناتج عن هذا التخمر تأثير سام على الجراثيم في الأدوار الأولى من نموها. ويعزي بطء أو وقوف النمو إلى أسباب كثيرة أهمها التأثيرات السمية لنواتج الاستقلاب، أو قد تتكون مركبات خاصة مثبطة للنمو، كما قد يكون لتزاحم الجراثيم في المستزرع تأثير طبيعي لوقف النمو، كما قد يكون عائدا إلى نفاد المغذية أو مصادر الطاقة من البيئة.

2- مجال الحرارة:

هناك درجة حرارة صغرى وأخرى عظمى تنشط عندها الجراثيم في نموها وتكاثرها، وبين هاتين الدرجتين تقع الدرجة التي تنمو وتتكاثر عندها الجراثيم بأسرع ما يمكن. وتعرض الجراثيم لدرجات الحرارة العالية في الوسط الرطب أو المائي- كما هو الحال في المواد الغذائية – يؤدي إلى هلاكها نتيجة لتخثر coagulation البروتين المكون لبروتوبلازما "جبلة" protoplasm الخلية. وتقسم عادة الجراثيم تبعا، لدرجات الحرارة المثلى لنموها، إلى ثلاث مجموعات:

(1/226)

أ- المجموعة القرية psychrophilic: أي المجموعة المحبة للبرودة، وتقع ضمنها معظم الجراثيم التي تعيش في الماء، ودرجة الحراة المثلى لنموها هي درجة 20 مئوية أو 68 فهر نهايت أو أقل: ويمكن لهذه الأنواع من الجراثيم أن تنموو في درجة حرارة صفر مئوية "32ف" أو حتى في درجة -5م أو 23ف. والحد الأعلى لدرجة الحرارة في نمو هذه الجراثيم هو 30م. وهذه الأنواع من الجراثيم تسبب كثيرا من المصاعب في مخازن تبريد المواد الغذائية.

ب- المجموعة المعتدلة mesophylic: أي المجموعة المحبة للحرارة المتوسطة وتقع درجة الحرارة المثلى لنموها بين 25م و 40م، ويقف نموها عند درجة حرارة 5 م، ويقع الحد الأعلى لحرارة نموها بين 40و 45م، إلا أن هناك بعض أنواع منها تتحمل درجة حرارة أعلى من ذلك، تصل إلى 55 درجة مئوية.

ج- المجموعة الحرية thermophilic: أي المجموعة المحبة للحرارة العالية. وهي جراثيم مكونة للأبواغ ودرجة الحرارة المثلى لها 55م أو ما فوق، والحد الأدنى لدرجة حرارة نموها هو ما بين 20 و 25 درجة مئوية، أما الحد الأعلى فهو ما بين 75 و 85 درجة مئوية. ودرجات الحرارة التي تتعدى هذه الحدود يكون لها تأثير مثبط لنموها أو مميت. والكثير من أفراد هذه المجموعة، التي توجد في التربة والماء، يسبب فساد المواد الغذائية المحفوظة كالخضر واللحوم.

3- الهواء:

تقسم الجراثيم من حيث حاجتها إلى أكسجين الهواء إلى أربعة أقسام هي:

أ- جراثيم هوائية مجبرة obligate aerobes: وهي الجراثيم التي تحتاج إلى الأكسجين الجزيئي لنموها وتكاثرها.

ب- جراثيم لا هوائية مجبرة obligate anaerobes: وهي الجراثيم التي ليس لها القدرة على النمو والتكاثر في وجود الأكسجين الجزيئي.

ج- جراثيم لا هوائية مخيرة أو محباة الهواء القليل Micro – aerophiles: وهي الجراثيم التي تنمو تحت ضغط للأكسجين أقل مما في الهواء.

(1/227)

4- الباهاء "الأس الهيدروجيني pH":

هناك درجة باهاء "أس هيدروجيني" صغرى وأخرى عظمى تنشط عندها الجراثيم "الجراثيم" في نموها وتكاثرها، وبين هاتين الدرجتين يقع رقم الباهاء الأمثل، وهو الرقم الذي تنمو وتتكاثر عنده الجراثيم بأسرع ما يمكن. وكثير من أنواع الجراثيم لها رقم باهاء أمثل لنموها وتكاثرها قريب من التعادل "أي 7= pH في حين أن أنواعا أخرى يناسبها الوسط الحمضي، وغالبا ما يكون ذلك راجعا إلى أن الوسط الحمضي يثبط نمو الأحياء الدقيقة الأخرى، وبذلك لا يكون هناك تنافس بينها وبين هذه المكروبات للنمو في هذا الوسط. ويمكن لأنواع الجراثيم التي تكون حموضا مثل الملبنة lactobacillusوالعقدية streptococcus أن تتحمل الحموضة المتوسطة في الوسط الذي تنمو فيه في حين أن الجراثيم المتقلبة proteus والزوائف Pseudomonas يمكنها أن تنمو في وسط قلوي بسيط. وتكون الجراثيم الحالة للسكر saccharolytic عادة أكثر تحملا للحموضة من الجراثيم الحالة للبروتين proteolytic فهذه الأخيرة لا يمكنها أن تنمو عند درجة باهاء أقل من 505. ولا يقتصر تأثر هذه الجراثيم على الباهاء بل أن نوع الحمض الموجود يكون له تأثير على نشاطهان فعند درجات الباهاء العالية يكون لوجود الحموض العضوية مثل حموض الستريك والخليك "الأستيك" والبروبيونيك" تأثير مثبط يزيد على التأثير المثبط للحموض غير العضوية. وإن أي تأثير يؤدي إلى تقليل الجزء المتأين من الحمض العضوي دون أن يؤثر في درجة تركيزه، يجعل هذا الحمض أكثر سمية. وعموما يمكن للفطريات أن تنمو في درجات باهاء ph أقل من درجات نمو الخمائر، وتكون الخمائر أكثر تحملا لأرقام الباهاء المنخفضة من تحمل الجراثيم. وعادة تنمو الجراثيم بسرعة تزيد على سرعة نمو الخمائر في الوسط المتعادل أو الحمضي الضعيف، إلا أنه عند درجة باهاء 5 أو أقل يمكن للخميرة أن تنافس الجراثيم في النمو.

(1/228)

طرق انتقال الجراثيم إلى الغذاء:

1- تلوث الأغذية بالمكروبات المسببة للفساد:

للمادة الغذائية عادة كيان خاص بها، فكثير من المواد الغذائية النباتية لها طبقة خاصة أو قشرة صلبة تحميها من المؤثرات الخارجية، كما أن بعضها يغطي بطبقة

شمعية أو زغبية. ويساعد هذا النوع من الوقاية الطبيعية على صياغة المادة الغذائية من التلوث أو الفساد لفترة محدودة من الزمن فالمادة الغذائية التي ليس لها مثل هذا الكيان الواقي تكون أكثر وأسرع تعرضا للفساد كاللبن مثلا. وما دامت المادة الغذائية محتفظة بهذا الكيان فإن محتوياتها الداخلية تبقى منفصلة عن الوسط الخارجي، وبالتالي تكون أقل عرضة للفساد أو لنقل الأمراض.

أما إذا تهشم هذا الكيان لسبب ما نتيجة للخدوش أو الجروح أثناء الجميع أو النقل أو التخزين، أو نتيجة لتعرضها للقوارض أو الطيور أو الحشرات وغيرها فإن المادة الغذائية تصبح معرضة للوسط الخارجي وتبدا بالفساد السريع ونمو الأحياء الدقيقة المرضية بها عند تلوثها. فتهشم المادة الغذائية يؤدي على زيادة السطح المعرض فيها، كما يؤدي على تعرض ما بداخلها للعوامل الخارجية كالهواء والأحياء الدقيقة. فالفاكهة السليمة مثلا تحتفظ بحالتها مدة أطول من مثيلتها التي تهشمت قشرتها أو جرحت أو ثقبت وإذا ما أدى هذا التهشم إلى تهشم جدر الخلايا، فإن العصارة الخلوية تتعرض للتخمر بسرعة بواسطة الخميرة المنتشرة في الهواء. وقياسا على ذلك يكون اللحم المفروم أكثر وأسرع تعرضا للفساد من اللحم قبل فرمهن وذلك نتيجة لزيادة المعرض وخروج العصارة الخلوية السهلة التحلل في الحالة الأولى.

لهذا كان من الضروري عند جمع المحاصيل الغذائية أو تعبئتها أو نقلها أو تخزينها، مراعاة الطرق الفنية في ذلكن لمنع تهشمها أو إصابتها بالآفات المختلفة، ولحمايتها من فعل المكروبات أو التفاعلات الكيميائية البحتة، نتيجة لاتصال محتوياتها بالهواء أو نتيجة التفاعلات الإنزيمية المختلفة سواء كانت من الإنزيمات الموجودة أصلا فيها، أو تلك التي تفرزها المكروبات. ويحدث فساد الأغذية نتيجة لعدة عوامل تؤدي إلى إحداث تغيرات في مظهرها ولونها ورائحتها وتركيبها الكيميائي. وتتوقف سرعة الفساد على حالة المادة الغذائية، ومدى تعرضها لهذه العوامل ويوجد ثلاثة عوامل رئيسية يتوقف فساد الأغذية على مدى نشاطها، وهي فعل الأحياء الدقيقة والتفاعلات الكيميائية والتفاعلات الإنظيمية. ويتوقف نشاط هذه العوامل على عوامل أخرى خاصة كدرجة الحرارة ونسبة الماء وتركيب المادة الغذائية ووجود مواد منشطة أو مثبطة لعوامل الفساد.

وعندما تتلوث المواد الغذائية بالمكروبات تحدث عدة تغييرات في التركيب.

(1/229)

الكيميائي للمادة الغذائية، حيث تحلل هذه المكروبات الكثير من المواد العضوية بغرض الحصول على الطاقة والغذاء اللازمين لنموها وبقائها، ويتم ذلك بواسطة ما تفرزه من إنزيمات متنوعة. إلا أن الجزء الأكبر مما تحلله من هذه المركبات هو لسد حاجاتها من الطاقة.

وتحتوي المواد الغذائية عامة، سواء كانت نباتية أو حيوانية، على الكربوهيدرات والبروتينات والدهون والمواد المعدنية والفيتامينات وأول ما يتعرض للتحلل في هذه الحالة هو الكربوهيدرات. والكربوهيدرات البسيطة هي الأكثر والأسرع تعرضا للتحلل ثم يليها البروتينات ثم الدهون وهكذا. وتختلف التغييرات التي تحدثها المكروبات باختلاف نوع المكروب نفسه.

2- تلوث الأغذية بالمكروبات المفرضة pathogenic:

قد تتلوث المواد الغذائية بالأحياء الدقيقة المسببة للأمراض كالمكروبات الممرضة أو تلك المسببة للتسمم الغذائي أو الطفيليات. وتنتقل هذه الأحياء الدقيقة الممرضة على المواد الغذائية ومنها إلى الإنسان بطرق عديدة كالتربة والهواء ومياه الصرف الصحي ومخلفات الإنسان.... الخ. ويساعد على ذلك عدم توفر وسائل النظافة الصحية في إنتاج وتداول وتصنيع الأغذية، أو أثناء عرضها للبيع في الأسواق أو تقديمها في المطاعم، ويساهم في ذلك أيضا عدم توفر العادات الصحية بين العاملين في هذه المجالات نتيجة للجهل أو الفقر أو كليهما. فكثيرا ما تتنقل العدوى إلى الغذاء عن طريق الإنسان نفسه خاصة إذا كان حاملا للمكروب أو عبر مخلفاته. كما قد تنتقل العدوى عن طريق القوارض rodents والحشرات insects حيث تلوث القوارض الأغذية أثناء تجوالها بحثا عن الغذاء. أما الحشرات، وبخاصة الذبابة المنزلية والصراصير، فهي من أخطر العوامل التي تنقل ميكروبات الأمراض إلى المواد الغذائية، حيث تتكاثر بسرعة فائقة، وخاصة في الصيف، وتعيش يرقاتها أو بيوضها في القمامة والروث، وتنقل الكثير من الأمراض المعدية مثل الحمى التيفية "التيفود" والزحار والكوليرا.

3- انتقال الأمراض عن طريق حاملي المكروب:

يعتبر الإنسان أكبر مصدر لتلوث الغذاء، وينقل الإنسان الأمراض كحامل للمكروب Microb-carrier. وحامل المكروب هو الشخص الذي يؤوي وينقل

(1/230)

المكروبات الممرضة، ولكن لا تظهر عليه أعراض المرض. وعادة يقسم حاملو المكروبات الممرضة إلى ثلاثة أقسام:

حامل "ناقه" convalescent carrier وهو الشخص الذي يؤوي المكروب الممرض بعد شفائه من مرض معد لفترة تختلف في طولها باختلاف الشخص، وعادة لا تتعدى عشرة أسابيع.

حامل مزمن للمكروب chronic carrier وهو الشخص الذي يستمر في إيواء المكروب الممرض بشكل دائم بالرغم من أنه لا تظهر عليه أية أعراض للمرض.

ج- حامل مخالط contact carrier وهو الشخص الذي يكتسب ويؤوي المكروب الممرض عن طريق مخالطة شخص آخر مصاب ولكنه لا يصاب بالمرض. ويؤوي الإنسان أكثر من المكروبات المرضية أهمها المجموعات الآتية:

- المجموعة العقدية streptococcus وهذه المجموعة من المكروبات شائعة في بلعوم وأمعاء الإنسان، وهي مسؤولة عن أنواع كثيرة من الأمراض بمقارنتها بالأنواع الأخرى. وهي تكون دائما مسؤولة عن العدوى الثانوية Secondary infection

- المجموعة العنقودية staphylococcus وأهم مخزن لعدوى هذه المجموعة للإنسان هو الجيوب الأنفية. وقد توجد الأنواع الممرضة لهذه المجموعة ضمن نبيت microflora الجلد لبعض الأشخاص ويعتبر مثل هؤلاء الأشخاص مصدرا كبيرا لتلوث الأغذية، خاصة في مصانع الأغذية، كما يشكلون مصدرا كبيرا لتلوث الأغذية، خاصة في مصانع الأغذية، كما يشكلون مصدر خطر دائم لسلامة المستهلك إذا سمح لهم بتداول الأغذية.

- مجموعات الأمعائيات enterobactericeae وتتضمن هذه المجموعة السلمونية salmoneall والشيغلية shigella والإيشركية القولونية Echerichia coli وهذه الأحياء الدقيقة ذات أخطار كبيرة على الصحة العامة نظرا لقدرتها على إحداث أمراض خطيرة.

(1/231)

أهم الأمراض التي تنقلها الأغذية:

يتعرض الطعام للتلوث بمكروبات الأمراض التي تصيب الإنسان وتسبب له أضرارا بالغة وذلك عن طريق عدة مصادر تبدأ بالتربة والمياه ثم الحيوان والحشرات وتنتهي بالإنسان نفسه وطرق تداوله وتعامله مع الطعام أثناء التصنيع والتوزيع والإعداد للطهي والتقديم حتى يصل إلى فم المستهلك وعادة تقسم الأمراض التي تصيب الإنسان وتكون مصاحبة لتناول أغذية ملوثة إلى قسمين:

1- أمراض التسمم الغذائي food poisoning: نتيجة لتناول أغذية ملوثة بالمكروبات المنتجة لذيفانات toxins تولدها الجراثيم أثناء تكاثرها في الطعام وأهمها الجراثيم المسببة للتسمم الوشيقي botulism وهي المطية الوشيقية Clogtridium botulinum والعنقودية الذهبية staphylococcus aureus وينتج التسمم من تناول الطعام الذي قد تكاثرت فيه الجراثيم وأفرزت ذيفاناتها به قبل تناوله، وهذه الذيفانات لا تتأثر بطرق الطهي العادية وتظهر الأعراض بعد تناول الطعام بثلاث ساعات على شكل غثيان وقيء وإسهال دون ارتفاع درجة الحرارة، وتستمر عدة ساعات ثم تختفي. وهذا النوع من التسمم واسع الانتشار ويشكل خطورة في حالات الإصابة للأطفال والمسنين.

2- أمراض معدية نتيجة لتناول أغذية ملوثة "حالات عدوى منقولة بالغذاء"- Food Borne infections: وهي الأمراض التي تنقلها أغذية ملوثة بالمكروبات أو الأبواغ الحية التي لها القدرة على مهاجمة أنسجة الإنسان وإحداث المرض مثل مكروبات السلمونيلة والإيشريكية القولونية والعصوية الشمعية والضمة نظيرة حالة الدم والبروسيلة واللسترية والعطائف campylobacter، بالإضافة على المكروبات المسببة لأمراض الكوليرا أو الخناق "الدفتيريا" والسل والتهاب البلعوم والحمى القرمزية.

وتلعب طرق الكشف عن التلوث المكروبي للأغذية دورا أساسيا في تحديد التلوث بالمكروبات الممرضة أو العامل المسبب للتسمم الغذائي، وفي تحديث نوعية ذيفانات مختلف المكروبات بدقة وفعالية.

ويلاحظ أن هناك ارتباطا وثيقا بين بعض المكروبات وأغذية معينة، كشيوع أمراض المكروبات العنقودية في منتجات اللحوم والدواجن والألبان، ومكروبات المطثيات الوشيقية في الخضراوات ذات درجة الباهاء "الأس اليهدروجيني" ph المنخفضة التي تحفظ بطريقة غير صحيحة، ومكروبات المطثيات الحاطمة clostridium perfringens في اللحوم المطبوخة المبردة ببطء، والسلمونيلة في البيض والألبان ومشتقاتها، ومكروبات الضمان نظيرة حالة الدم vibrio parahaemoliticus في الأغذية البحرية، ومكروبات العصوية الشمعية Bacillus

(1/232)

Cereus في منتجات الحبوب وخلاصة اللحوم ومن الشائع كذلك أن يكون الأفراد الذين يقومون بتداول الأغذية هم أهمل العوامل لنقل مكروبات المكورات العنقودية والسلمونيلة والشيغلة. وفيما يلي أهم أنواع التسمم الغذائي والعدوى المصاحبة لتناول الغذاء الملوث بالمكروبات الممرضة.

أ- التسمم بالمكروبات العنقودية:

ويحدث هذا النوع من التسمم بتناول أغذية تحتوي على ذيفان خارجي exotoxin يسمى الذيفان المعوي enterotoxin الذي تنتجه مكروبات العنقوديات الذهبية staphylococcus aureus ومن صفات المكروب أنه كروي يتكاثر بشكل أزواج أو عناقيد، موجب الغرام، وموجب لاختبار الكاتالاز، ولا يُكوِّن الأبواغ، وينمو في درجات حرارة بين 7 و 45 مئوية، وله مجال باهاء بين 7 و9.8 ويتحمل تركيز الملح حتى 10 – 15% وينتج سبعة أنواع من الذيفانات المعوية في خلال الطور اللوغاريتمي وطور الثبات عند رقم الباهاء المتعادل أو الحمضي قليلا ويكون إفراز الذيفانات سريعا عند درجة حرارة 37م ويقل بانخفاض درجة الحرارة حتى يصل عددها إلى ثلاثة ذيفانات في درجة 20م ويتميز الذيفان بأنه ثابت في درجة حرارة الغليات لمدة 30 دقيقة مما يوضح أن طبخ الأغذية لا يقضي عليه. والكمية اللازمة لحدوث التسمم تختلف من شخص لآخر، وتتوقف على المناعة الشخصية، وتتراوح هذه الكمية بين 1- 13 ميكروغرام، ونادرا ما يؤدي هذا النوع من التلوث إلى الوفاة، ومع ذلك إذا حدثت فيكون بسبب حصول تسمم إضافي للشخص الذي يعاني من أمراض أخرى.

وأعراض التسمم هي أعراض التهاب المعدة والأمعاء gastroenteritis المتمثلة بإسهال وقيء ومغص معوي وغيبوبة نتيجة لإفراغ كميات كبيرة من الماء وحدوث اضطراب في التوازن الأيوني في الدم كما تحدث إثارة للجهاز العصبي المركزي للفص الأمامي للمخ، وهي المنطقة المسؤولة عن القيء. والمكروب واسع الانتشار وقد يوجد حتى بين الأشخاص الأصحاء. فقد يوجد بالأغشية المخاطية، وجلد اليد والوجه وهي من أهم مصادر التلوث بهذا المكروب وخاصة في حالة وجود جروح سطحية ولهذا فإن الأفراد الذين يقومون بتداول الأغذية أثناء النقل والتصنيع والتقديم هم أهم مصادر التلوث. وأكثر الأغذية عرضة لإحداث التسمم بهذا المكروب هي الأغذية التي تحتوي نسبا عالية من البروتين والمحتوية على

(1/233)

أعداد قليلة من المكروبات الطبيعية الأخرى، وذلك يرجع في المقام الأول إلى ضعف القدرة التنافسية لهذا المكروب بوجود المكروبات المنتجة للحموضة بالأغذية، كما قد يلوث الخضراوات والحلويات ففي درجة الحرارة المناسبة والتلوث الكثيف، ينمو المكروب سريعا مسببا حالات التسمم، دون أي تغير في لون أو نكهة أو رائحة الغذاء والمكروب نفسه لا يتحمل درجات الحرارة العالية حيث يتخرب بالتسخين في درجة حرارة 66 لمدة 12 دقيقة. إلا أن الذيفان يحتاج إلى التسخين حتى درجة حرارة 121م لمدة 30 دقيقة لكي يتخرب وعلى ذلك فإن مدة ودرجة الحرارة التي يتم عندها طبخ الأغذية عادة لا تكفي لتخريب الذيفان.

ب- التسمم الوشيقي botulism:

ويحدث هذا النوع من التسمم نتيجة لتناول أغذية تحتوي على الذيفان الذي تنتجه مكروبات المطثية الوشيقية clostridium botulinum أثناء نموها وتكاثرها بالغذاء. ومن صفات المكروب أنه لا هوائي موجب الغرام، عصوي الشكل، ومكون للغاز. وهو واسع الانتشار بالطبيعة حيث يوجد بالتربة والأوساط البحرية وهو قادر على التبوغ، وعلى ذلك فإن وجود أبواغه في المعلبات غير السليمة التصنيع ينشأ عنها زرع الأبواغ والتكاثر داخل المعلبات مع إنتاج ذيفانات عصبية neurotoxins لا تتحمل درجات الحرارة والتكاثر داخل المعلبات مع إنتاج ذيفانات عصبية neurotoxins لا تتحمل درجات الحرارة العالية. ويوجد سبعة أنماط types من هذا المكروب يتميز كل منها بإفرازه لذيفان مستقل. وأكثر الأنماط إحداثا للتسمم الغذائي هما النمطان B, A اللذان يرتبطان بالتسمم بالأغذية البحرية. أما ذيفان النمطين D, C فيرتبط بالتسمم بلحوم الحيوان. والذيفان ذو سمية عالية، ويعتبر ثاني أكثر السموم البيولوجية سمية بالنسبة للإنسان ويؤثر الذيفان على الجهاز العصبي المركزي محدثا أعراضا بعد 12 – 24 ساعة، أهمها ضعف القدرة على البلع أو الكلام أو التنفس، والغثيان والرؤية المزدوجة، ثم الضعف الشديد بعد ثمانية أيام، وينتهي بالموت في 60% من الحالات بعد عشرة أيام وذلك بسبب فشل الجهاز التنفسي. وأكثر الأغذية عرضة للتلوث بهذا المكروب هي الأغذية المعلبة قليلة الحموضة بما في ذلك اللحوم، والأغذية البحرية، والسمك المدخن والمطبوخ. وحيث أن هذا المكروب ينتشر في التربة فهو قد يوجد كذلك في الماء. وبهذا فإن الأغذية البحرية تعتبر أكثر تعرضا للتلوث من اللحوم. ومع ذلك فإن المصدر الكامن للتلوث هو المعلبات من الخضر والفواكه قليلة الحموضة.

(1/234)

والمعدة منزليا. ونظرا لأن هذا المكروب لا هوائي فإن المعلبات وخاصة المحفوظة بالتفريغ، تعتبر عرضة لإحداث التسمم. وعلى ذلك فيجب عدم استهلاك المعلبات المنتفخة، لأن الغاز يتكون بفعل الأحياء الدقيقة المنتجة للغاز. كما يجب تسخين الأسماك المدخنة لدرجة لا تقل عن 83 مئوية لمدة 30 دقيقة، ولذلك أثناء التصنيع لضمان سلامتها وللوقاية من التسمم الوشيقي يجب تعزيز الممارسات الصحية السليمة عند تداول الأغذية، واتباع طرق التبريد السليمة والطبخ الكامل أثناء الحفظ أو التصنيع أو التحضير. ومن خواص الذيفان أنه حساس للحرارة، إلا أن الجراثيم مقاومة للحرارة ولهذا فإن المعاملة الحرارية العالية ضرورية لهلاك الجراثيم. فبينما يتخرب الذيفان ويفقد سميته بالتسخين في درجة حرارة 85 مئوية لمدة 15 دقيقة، فإن الجراثيم تتحمل الحرارة حتى درجة 100 مئوية لمدة 360 دقيقة أو التسخين في درجة 120 مئوية لمدة 4 دقائق.

ج- التسمم بمكروب المطثية الحاطمة:

هذا المكروب لا هوائي مكون للأبواغ التي تنتج العديد من الذيفانات والغاز أثناء نموها. عزلت هذه المكروبات وأبواغها من أغذية كثيرة، وخاصة اللحوم الحمراء والدواجن والأغذية البحرية. وتوجد عادة في منتجات اللحوم المطبوخة التي تترك مدة لتبرد ببطء لفترات طويلة قبل تناولها. وهي تشبه السلمونيلة إذ لا بد من تناول غذاء يحتوي على عدد كبير من المكروبات لإحداث التسمم وأبواغ هذا المكروب تختلف تبعا لسلالتها في مدى مقاومتها للحرارة. فبعض الأبواغ تهلك في بضع دقائق في درجة 100م، بينما يحتاج بعض أبواغ السلالات الأخرى 1- 4 ساعات في هذه الدرجة لإتمام هلاكها. وبالتبريد السريع للأغذية المطبوخة أو المعاملة بالحرارة يمكن الوقاية من حدوث التسمم والحفظ بالتبريد هام جدًّا خاصة بالنسبة لمتبقيات الطعام لليوم التالي. كما يجب إعادة تسخين متبقيات الطعام لدرجة أعلى من 60 م لقتل المكروبات الحية قبل تناول الطعام. ويعتبر التسمم بهذا المكروب عدوى infection أكثر منه انسماما intocication، حيث لا بد من توفر عدد كبير من المكروبات الحية في الغذاء حتى تظهر الأعراض بعد تناوله.

ومن أهم مصادر المكروب براز الإنسان والحيوان والتربة ومياه المجاري. وبعد أن يتلوث الغذاء بأعداد كبيرة من هذا الميكروب ثم يطبخ أو يحفظ بالمعاملة بالحرارة، تتم إزالة الأكسجين الذائب بالغذاء، وتقتل معظم المكروبات الناشطة غير

(1/235)

المتحولة إلى أبواغ. وبإحداث الصدمة الحرارية تنشط الأبواغ، وعند التبريد البطيء لهذا الغذاء تنبت الأبواغ ويتزايذ عدد المكروبات النشطة حتى تصل إلى 10 مكروب نشيط في كل غرام. وتناول هذا الغذاء يتبعه تحول المكروبات إلى أبواغ في الأمعاء، عند ذلك يفرز الذيفان المعوي enterotocin أي أنه يتكون فقط عند انتقال المكروب النشط إلى بوغ داخل الأمعاء. ويحتاج الذيفان إلى فترة حضانة مقدارها حوالي 12 ساعة لتظهر أعراض التسمم. وهذه الأعراض تكون في صورة نزلة معوية مصحوبة بإسهال وآلام وتقلصات بالبطن وقيء مع حمى، وتستمر حوالي 24 ساعة، يكون أثناءها براز المريض محتويا على أعداد كبيرة من المكروبات تتراوح بين ++10- 100 ميكروب في كل غرام. في حين أن المستوى العادي لهذا المكروب في البراز لا يتعدى ++10- 100 مكروب في كل غرام ويمكن للمريض أن يظل حاملا لعدوى المكروب بضعة أسابيع.

د- التسمم بالسلمونية:

تعتبر امراض السلمونيلة salmonella عدوى مرضية وليس تسمما غذائيا، حيث أن هذه الأمراض تنتج من تناول غذاء يحتوي العديد من سلالات جراثيم السلمونيلة. وتنتج السلمونيلة في نموها ذيفانا داخليا endotoxin وهو ذيفان يكون محصورا داخل خلايا الجرثوم والأعراض العامة للإصابة بالسلمونيلة هي الإغماء والقيء والإسهال بسبب تهيج الجدر الداخلية للأمعاء بالذيفان الداخلي. ويلزم دخول حوالي مليون خلية من المكروب إلى أمعاء المريض لكي تحدث الأعراض والمدة اللازمة لظهور الأعراض أطول مما في حالة التسمم بالمكروبات العنقودية وحالات الوفاة نتيجة لعدوى السلمونيلة منخفضة، ومعظم حالات الوفاة تكون بين الأطفال أو المسنين، أو المصابين بأمراض أخرى، بحيث تصبح الإصباة بالسلمونيلة حملا إضافيا عليهم. كما أن الإصابة بالسلمونيلة خطيرة بالنسبة للأشخاص المصابين بمتلازمة العوز المناعي المكتسب "الإيدز" وعلى ذلك فإن الإصابة بهذه العدوى تكثر بين المصابين بمرض الإيدز وتعتبر كل الذراري strains التابعة لجنس السلمونيلة ذات قدرة على إحداث حالات مرضية بالنسبة للإنسان أو الحيوان وحتى الآن عرف حوالي 1700 سلالة.

ومكروب السلمونيلة غير مكون للأبواغ، ولا هوائي مخير. وتلوث الأغذية بهذه المكروبات يرجع أساسا إلى وجود هذه المجموعة من المكروبات في أمعاء

(1/236)

العديد من الحيوانات الأليفة والبرية، وما يتبعه من تلويثها للتربة ومصادر المياه والمجاري بالمناطق المحيطة، وبالتالي زيادة فرص وصولها للغذاء، وبصفة خاصة اللحوم والدواجن والبيض ومنتجات الألبان. ومن ذلك تصبح الأغذية الملوثة أحد المصادر الرئيسية لنقل العدوى والمعاملة الحرارية للأغذية اللازمة لهلاك المكروبات العنقودية الذهبية تكون كافية لهلاك معظم سلالات السلمونيلة.

هـ- أمراض أخرى تنتقل للإنسان عن طريق الغذاء:

هناك أمراض أخرى تنتقل للإنسان عن طريق الغذاء وتسبب أمراض ذات أعراض مشابهة لأعراض التسمم الغذائي منها:

العدوى بالإيشركيات القولونية الممرضة للأمعاء منذ مدة طويلة عرف ارتباط بعض الحالات الحادة من الإسهال عند الأطفال بوجود الإيشركيات القولونية الممرضة للأمعاء enteropathogenic Escherichia coli, Eec وأمكن حتى الآن حصر 20 صنفا من المستضدات المستقلة من هذه الجراثيم. وحديثا وجدت بعض حالات الإسهال سببها جراثيم الإيشريكية القولونية E. coli أمكن تصنيف بعضها مستضديا والبعض الآخر لم يمكن تصنيفه.

وتتم العدوى بهذه الجراثيم في بعض الأحيان بطريقة مماثلة لما يحدث في جراثيم الحمى التيفية "التيفود" في حين أن بعض السلالات الأخرى لها القدرة على إفراز ذيفان غير مقاوم لدرجات الحرارة العالية، وسلالات أخرى تفرز ذيفانا مقاوما لدرجات الحرارة العالية. وقد ثبت أن هذه المجموعة من المكروبات الممرضة مرتبطة بإحداث أمراض الإسهال الحاد في الأطفال والبالغين على السواء وفي الحيوانات.

وتنتقل العدوى بصفة أساسية من الإنسان للإنسان، ولكن نظرا لأن البراز هو المصدر الرئيسي لها، فإن العدوى يمكن انتقالها عن طريق الأتربة الملوثة أو المياه الملوثة أو الأغذية الملوثة، حيث يتم ذلك من مختلف المصادر. ومن أهم الأغذية التي ثبت أنها مصدر لهذه المكروبات هي سمك السلمون والجبن.

التهاب الأمعان بالعصوية الشمعية. وهذا المكروب عصوي، مكون للأبواغ هوائي، وموجب الغرام وتحدث أعراض التسمم نتيجة لوجود المكروب بأعداد كبيرة في الغذاء مما يسبب التهابات في المعدة والأمعاء ينتج عنها قيء أو إسهال حسب نوع المكروب. فالأنواع المسببة للإسهال تحدث ألما بالبطن وإسهالا.

(1/237)

مائيا شديدا، ونادرا ما يحدث في ارتفاع في درجة الحرارة. وتتراوح فترة الحضانة بين 8- 16 ساعة وتختفي الأعراض بعد 12 ساعة. والأغذية التي قد تكون مصدرا لهذا النوع من التسمم هي حساء الخضار واللحم واللحوم، المطبوخة عامة، والدواجن والحلويات، أما الأنواع المسببة للقيء فينتج عنها غثيان وقيء حاد مفاجئ، ونادرا ما يصاحبه إسهال، ولا ترتفع درجة الحرارة. وتتراوح فترة الحضانة بين 1- 5 ساعات، وعادة تزول الأعراض في خلال 24 ساعة والأغذية التي قد تكون مصدرا للتسمم بهذا النوع هي الرز المغلي أو المحمر أو الشعرية. ويعتبر الرز المعد بالمطاعم الشرقية، الذي يجهز دافئا ويترك ليتم تحميره فيما بعد مما يسمح بنمو المكروب، مصدرا شائعا لهذا النوع من التسمم. ويحتوي الغذاء المطبوخ على أبواغ العصوية الشمعية B. cereus وفي حالة تركه على درجة حرارة مرتفعة قد تنشط الأبواغ وتتكاثر بسرعة.

- العدوى بالضمت نظيرة حالة الدم: تحدث العدوى بالضمات نظيرة حالة الدم vibrio parahaemolyticus عن طريق تناول أغذية بحرية، خاصة السمك الطازج، في أماكن متفرقة من العالم، خاصة جنوب شرق آسيا. والمكروب لا هوائي مخير، عصوي، متحرك، سالب الغرام، محبب للملوحة، وله القدرة على تخمير السكريات وموجب للأكسيداز، وبذلك فهو ينتشر في مياه البحر والمحيطات الدافئة، وهي مصدر التلوث الرئيسي. وتلوث الغذاء به مع عدم التبريد الكافي يتيح الفرصة لتكاثر المكروب حتى يصل لأعداد تبلغ 10- 10 مكروب في كل غرام، بسبب دورة تكاثره السريعة التي تبلغ 10- 12 دقيقة.

ويؤدي تناول الأغذية الملوثة بالأعداد الكافية إلى ظهور الأعراض المرضية، وهي إسهال مائي مصحوب بتقلصات معوية وإغماء وصداع وحمى. وتتراوح مدة المرض بين عدة ساعات إلى عشرة أيام حسب شدة الإصابة.

و مكروبات أخرى تعتبر ضارة بالصحة العمومية:

هناك مكروبات أخرى تعتبر مصدر ضرر كامن للصحة العمومية، وهي مرتبطة بتصنيع الأغذية، وتم التعرف عليها خلال السنوات العشر الماضية. وهي مكروبات تسبب أخطارا جسيمة نظرا لأن بعضها يقاوم درجات التبريد المستخدمة في مخازن التبريد، ويرجع سبب عدم التعرف عليها إلا حديثا إلى بطء معدل نموها وصعوبة تحضير مزارعها. إلا أن الأبحاث الحديثة المتعلقة بطرق الكشف عنها وعزلها أدت

(1/238)

إلى معرفة خطورتها على الصحة العامة، ومن هذه المكروبات:

- البروسيلة Brucella: ويوجد منها ثلاثة أنواع: البروسيلة المجهضة Brucella abotrus وتصيب الأبقار، والبروسيلة الخنزيرية Brucell suis وتصيب الخنازير والبروسيلة المالطية Brucella melitensis وتصيب الماعز والأغنام، وينتقل المرض للإنسان عن طريق الحيوان المصاب، أو عن طريق تناول غذاء ملوث مثل ألبان الحيوانات المصابة ومنتجاتها التي لم تبستر، وتندر العدوى للإنسان عن طريق غذاء آخر وللمكروب القدرة على البقاء حيا في الجبن المصنع من لبن غير مبستر لمدة 40 يومًا أو أكثر كما توجب بعض الدول فحص الحيوانات على فترات قبل الحلب والأعراض بالنسبة للإنسان هي العرواءات chills والآلام العامة وفقد الشهية والحمى المتموجة undulatn fever ما بين 38.5 – 40.5 درجة مئوية خلال 24 ساعة، حيث ترتفع في المساء والصباح الباكر ثم تنخفض، وتتراوح فترة الحضانة بين 7- 28 يوما. ومن خطورة هذا المرض أنه في حالة الإصابة الشديدة قد يحتاج المريض لسنوات عديدة لزوال الأعراض كما قد تحدث حالات وفاة إذا وصلت العدوى للجهاز الهضمي وهاجمت الأعضاء مسببة التهاء القلب ومرض تنخر الكلى renal necrosis

- اليرسنية yersinia: المكروب المسبب هو اليرسنية المعوية القولونية yersinia enterocolitica وهو من المكروبات المسببة للتسمم الغذائي الجرثومي وليست كل أنوع اليرسنية المعوية القولونية ممرضة للإنسان، فبعضها قد يسبب مرضا مشابها للحمى التيفية قد يؤدي إلى حالات وفاة، والآخر يعتبر أقل خطورة. والمكروب قد يصيب الكبار إلا أنه يظهر دائما في الأطفال والمراهقين ويبدو أن هذا المكروب يمكن أن ينتقل من الإنسان إلى الإنسان. وقد وجد الجرثوم في أمعاء وبراز الحيوانات البرية والأليفة، ومنها الماشية والكلاب والقطط والفئران والدجاج. ومصادرة الأخرى هي الأغذية النيئة ذات المصادر الحيوانية، والماء غير المعامل بالكلور في الآبار والمجاري المائية والبحيرات والأنهار. وقد عزل الجرثوم من اللحوم الحمراء غير المطبوخة والدواجن ومنتجات الألبان كاللبن ومشتقاته، والبيض المخفوق مع القشدة والسكر، والجبن، وكثير من الأغذية البحرية والخضراوات الطازجة.

(1/239)

وعادة تظهر الأعراض بعد 2- 7 أيام من تناول الغذاء الملوث، وتتضمن الحمى وآلام البطن والإسهال، كما قد تحدث حالات قيء وطفح جلدي. وحدث في الماضي خلط في أعراض التسمم باليرسنية وأعراض التهاب الزائدة الدودية appendicitis بين الأطفال.

ويستمر المرض في التسمم باليرسنية 2-3 أيام، بالرغم من أن الإسهال البسيط وآلام البطن قد تستمر أسبوعا أو أسبوعين. ونادرا ما ينتهي المرض بالوفاة، ولكن قد يحدث ذلك بسبب إجهاد إضافي لأمراض أخرى سابقة. وأهم وسيلة لتجنب الإصابة بهذا المرض هو اتباع الطرق الصحية السليمة في تصنيع وتداول وتخزين وتقديم الأغذية وتعزيز النظافة الصحية العامة.

- اللسترية Listeria: المكروب المسبب هو اللسترية المستوحدة Listeria monocytogenes، وهو أصلا من المكروبات الممرضة للحيوان، ولكن ثبت خلال السنوات العشر الماضية أنه ضمن الجراثيم التي تنتقل للإنسان عن طريق الغذاء، وأن المرض كان يشخص خطأ في الماضي. وتوجد مكروبات اللسترية المستوحدة في أمعاء أكثر من 50 نوعا من الحيوانات البرية والأليفة، وكذلك الطيور والحيوانات بما فيها الأغنام والأبقار والدواجن والخنازير، وأيضا في التربة والنباتات الخضراء المتحللة. ومن المصادر الكامنة الأخرى لهذا المكروب المتنقل عن طريق الهواء القنوات المائية ومياه المجاري والطين وسمك السلمون والقشريات والذباب المنزلي والقوارض والقناة الهضمية للإنسان الحامل للجرثوم.

ودرجة الحرارة المثلى لنمو وتكاثر المكروب هي 37 مئوية، ومع ذلك فالمكروب يمكنه النمو في مجال من درجات الحرارة بين 2 – 45 مئوية. وهذا المكروب يعتبر من المكروبات المعايشة للبرودة، وينمو جيدا في البيئة الرطبة، وسرعة نموه في درجة 10 مئوية ضعف سرعة نموه في درجة 3 مئوية، كما أنه يقاوم درجة التجمد، ولكنه يهلك بالمعاملة الحرارية فوق درجة 61.5 مئوية. وبالرغم من أن المكروب ينتشر في اللبن والجبن وغيرها من منتجات الألبان، إلا أنه يوجد كذلك في الخضراوات المسمدة بروث الحيوانات المصابة. والمكروب ينمو بنشاط في الوسط القلوي ولا ينمو في الوسط الحمضي. ويتراوح مجال درجة الباهاء "الأس الهيدروجيني" ph لنموه ما بين 5 و 9.6 تبعا لدرجات الحرارة، ومدى توفر المادة المؤثرة عليها.

(1/240)

ومرض اللسترية يصيب أساسا السيدات الحوامل والأطفال، وبصفة عامة الإنسان فوق سن 55 سنة، والمصابين بضعف ناتج عن أمراض أخرى. وقد ثبت أن التهاب السحايا meningitis والتهاب السحايا والدماغ meningoencephalitis من أهم أعراض هذا المرض في البالغين. وقد يحدث هذا المرض في صورة مرض بسيط مشابه في أعراضه لمرض النزلة الوافدة "الانفلونزا" influenze، وقد تنتقل عدوى المرض من الأم الحامل إلى الجنين. كما قد تعاني السيدات من حالات فشل الحمل أو حالات موت الجنين. وقد يعاني المواليد المصابون بالمرض من حالات الإنتان الدموي septicemia أو التهاب السحايا في مرحلة بعد الولادة neonatal وتبلغ حالات الموت عادة 30% في الأطفال حديثي الولادة وحوالي 50% إذا حدثت العدوى خلال الأيام الأربعة الأولى التالية للولادة.

وقد تبين أن هذا النوع من المرض يكون خطرا بصفة خاصة على الأشخاص المصابين بمتلازمة العوز المناعي المكتسب "الإيدز"، حيث أن الإيدز يهدم جهاز المناعة بالجسم. فمثل هؤلاء الأشخاص يكونون عرضة للإصابة بهذا المرض "داء اللستريات Listeriosis" أكثر من غيرهم بمقدار 300 ضعف.

ينتقل المكروب المسبب للمرض بفعالية شديدة عن طريق تناول غذاء ملوث، كما قد تنتقل الإصابة من إنسان إلى آخر إما بواسطة الملامسة أو الاستنشاق لهذا المكروب. والوسيلة الأكثر فاعلية للحماية ضد هذا المرض هي تجنب استهلاك اللبن النيئ أو اللحوم غير المطبوخة أو الأغذية التي حضرت من مكونات ملوثة كما يجب على الأم الحامل تجنب ملامسة الحيوانات المصابة. وعلى مصنعي الأغذية اتباع طرق صارمة للممارسات الصحية في تصنيع الغذاء.

- العطيفة campylobacter: يسبب هذا المكروب أهم الأمراض التي تنتقل عن طريق الغذاء في الولايات المتحدة. وقد عرف المكروب أولا أنه مكروب مسبب للأمراض في الحيوانات كالدواجن والأبقار والأغنام، وهو شائع في الدواجن النيئة ولكن بعد استنباط الطرق الحديثة والفعالة للكشف عنه وعزله ثبت أنه مرض يصيب الإنسان عن طريق الغذاء. وأعراض الإصابة بهذا المكروب في الإنسان هي الإسهال مع ارتفاع درجة الحرارة وآلام في البطن. ومع ازدياد الإصابة قد يظهر دم بالبراز. وهناك اعتقاد قوي بأنه مسبب للقرحة. والجرثومة المسببة للمرض هي العطيفة المعوية Campylobacter وقد أصبحت لها أهمية كبيرة بعد

(1/241)

اكتشاف انتقالها للإنسان عن طريق الغذاء.

وتختلف أعراض الإصابة بهذا المكروب باختلاف الأشخاص، ففي حالة الإصابة البسيطة قد لا تظهر أعراض ملحوظة، إلا أن براز المريض يكون محتويا على المكروب. أما في الحالات الشديدة فتتضمن الأعراض آلاما عضلية وغيبوبة وصداعا وقيئا، وتشنجان وآلاما في البطن وإسهالا وحمى وإعياء وهذيانا، وعادة يحدث الإسهال في بداية المرض وبعد أن تكون الحمى واضحة. وكثيرا ما يكون البراز مختلطا بالقيح بعد 1 – 3 أيام من حدوث الإسهال. وعادة تتراوح مدة المرض بين 2 – 7 أيام ونادرا ما تنتهي بالوفاة. ويمكن تخفيف الإصابة بهذا المكروب بدرجة فعالة عن طريق اتباع الممارسات الصحية السلمية في تداول الغذاء مع الطبخ الجيد للأغذية التي من أصل حيواني.

وقد ثبت أن أمعاء الأبقار والغنم والخنازير والدجاج والبط والدواجن تحتوي على مكروب العطيفة الصائمية C.Jejuni، وأمكن عزلها من براز هذه الحيوانات والطيور. وعلى ذلك فلحوم هذه الحيوانات غالبا ما تتلوث بهذا المكروب أثناء الذبح إذا لم تراع الممارسات الصحية السليمة في ذلك. وقد وجد أن هذا المكروب كذلك يلوث الألبان والبيض والماء الذي لامس براز الحيوانات.

والمكروب حساس للأكسجين فهو يعتبر أليفا للهواء القليل Micro aerophilic، إذ يحتاج للأكسجين في نموه، ولكن زيادة تركيز الأكسجين تثبط نموه، وعلى ذلك فهو لا ينمو إلا ببطء في الهواء الجوي. واستمراره في الحياة في الغذاء النيئ يتوقف على نوع السلالة ودرجة التلوث، والظروف البيئية، وخاصة درجة حرارة التخزين. ويهلك هذا المكروب بسهولة بتسخين الغذاء الملوث إلى درجة 60 مئوية لمدة بضعة دقائق في حالة اللحوم الحمراء وحوالي 10 دقائق في حالة الدواجن.

وقد حدثت حالات تسمم بهذا المكروب على نطاق واسع في الأطفال فوق سن 10 سنوات وفي البالغين الصغار، إلا أن جميع الأشخاص في الأعمار المختلفة يكونون معرضين للإصابة، والإصابة تشمل الأمعاء الدقيقة والغليظة حيث يحدث الإسهال. وبالرغم من أن الأعراض قد تظهر في خلال 1 – 11 يوما بعد أكل الغذاء الملوث، فإن المرض عادة يبدأ بعد 3 – 5 أيام من تناول الغذاء الملوث بالمكروب.

(1/242)

السيطرة على التلوث الغذائي:

تمثل الأغذية ومنتجاتها بيئة صالحة لنمو وتكاثر المكروبات، سواء كانت مكروبات ممرضة pathogenic أو مكروبات مسببة للفساد، وهي بذلك عرضة للتلوث بهذه المكروبات. وأهم مصادر التلوث الماء والهواء والغبار والمعدات ومياه الصرف والحشرات والقوارض والعاملون. ومن بين هذه المصادر يمثل العاملون أنفسهم المصدر الأهم للعدوى، حيث ينقلون عدوى الأمراض وخاصة أمراض التسمم الغذائي الذيفاني وغير الذيفاني. كما يمكن أن يحدث تلوث للمواد النيئة من التربة ومياه الصرف والحيوانات الحية والأسطح الخارجية والأعضاء الداخلية للحيوانات المذبوحة. كما يمكن أن يحدث تلوث إضافي من الحيوانات المريضة، بالرغم من أن تقدم العناية الصحية قد يقلل من هذا المصدر. ويمكن تقليل التلوث بالتحكم في الظروف الخارجية التي تحيط بالمادة الغذائية واتباع الممارسات الصحية السليمة في كل ما يتعلق بتداول وتصنيع أو تحضير الغذاء مع توفير الحماية اللازمة أثناء التخزين، والتخلص من القمامة والقاذورات بطريقة سليمة. والهدف من ذلك كله هو تقليل فرص تلوث الغذاء بالمكروبات أي حماية الغذاء من التلوث. أما ما يتبقى من المكروبات التي يمكنها الصمود أمام طرق الحماية المختلفة فإنه يلزم القضاء عليها أو تثبيط نشاطا أثناء عمليات التصنيع المختلفة.

التحكم في الظروف الخارجية والبيئية التي تحيط بالمادة الغذائية:

1- المحافظة على سلامة المادة الغذائية:

يجب مرعاة الأصول الفنية في جمع المحاصيل الغذائية وإعدادها وتعبئتها نقلها وتخزينها. فعند جمع ثمار الفاكهة يراعى عدم نزعها بعنف أو جرها أو إسقاطها على أرض صلبة مما يؤدي إلى تهشمها. كما يراعى اتخاذ كافة الاحتياطات في تعبئتها ونقلها وعرضها للبيع وفي تداولها في الأسواق أو داخل المصانع التي تتولى تصنيعها. كما يجب العناية بجمع الخضر، واتباع الإجراءات الكفيلة بتعبئتها ونقلها وتخزينها بشكل سليم يمنع تلوثها، واختيار العبوات المناسبة لكل نوع منها والتي تكفل سلامتها.

2- حماية المادة الغذائية من التلوث:

إن لعدد المكروبات الملوثة للمادة الغذائية أثره الفعال في نقل الأمراض وفي

(1/243)

سرعاة فسادها، ولهذا يجب مراعاة أقصى ما يمكن من الممارسة الصحية السليمة حتى يكون عدد المكروبات الملوثة للغذاء في أضيق الحدود.

فعند إنتاج الحليب مثلا يجب مراعاة نظافة الحيوان، ومكان الحلب والحلاب نفسه، وأواني الحلب، وكافة ما يستخدم في نقل الحليب وتداوله وتوزيعه. كما يجب أن تراعى نفس النظافة الصحية في صناعة منتجات الألبان. وفي حالة الخضر يجب توجيه عناية خاصة إلى نظافتها نظرا لقربها من التربة التي تعتبر أول مصادر تلوثها. لذا يجب العناية بغسلها جيدا بماء نقي خال من المكروبات، وإزالة ما قد يكون عالقا بها من أوساخ أو أتربة، وتجنب استعمال مياه الترع أو المجاري المائية أو المياه الراكدة، مما يؤدي إلى زيادة تلوثها بمختلف أنواع المكروبات الممرضة والمكروبات المسببة لفسادها. ولا بد كذلك من نظافة الفاكهة، وقد يستدعي ذلك غسل الكثير من الفواكه المعدة للتسويق بمواد مطهرة. كما يجب مراعاة نظافة بيض الدواجن وعدم التصاق الأتربة والقاذورات بسطحه، وكذلك نظافة عبواته وأماكن تخزينه. كما يجب اتباع كافة الاشتراطات الصحية في إعداد اللحوم وعدم تلوث لحم الحيوان عند ذبحه. كما يجب مراعاة فحص اللحوم والكشف عليها بيطريا وإعدام الأجزاء المصابة. كما يجب التأكد من نظافة الأدوات المستعملة في الذبح. وبصفة عامة يجب مراعاة نظافة المادة النيئة أثناء إنتاجها وتداولها ونقلها وتخزينها وضمان نظافة العبوات وأماكن التعبئة والتخزين والبيع وإلى ما ذلك. كما يجب العناية بمصادر المياه المستعملة في الغسيل وبكميتها والإطمئنان إلى كفاءة الوسائل المستخدمة في عملية الغسيل وإلى استخدام المنظفات والمطهرات كلما احتاج الأمر ذلك. وقد يستخدم البخار أو الماء المغلي أو الماء المكلور في عمليات الغسيل في مصانع الأغذية لإهلاك المكروبات، كما يجب حماية المادة الغذائية من فعل الهوام المختلفة، سواء كان ذلك أثناء وجودها بالحقل أو بالمخازن، مع ضرورة العناية بتصميم المخازن التي تضمن حماية المادة الغذائية من وصول القوارض أو تسرب الحشرات إليها. كما يجب مراعاة التهوية اللازمة وخلو جدران المخازن وأرضيتها وسقوفها من الشقوق التي تسمح لليرقات بغزل شرانقها داخلها، أو الصراصير وغيرها من الحشرات بالإختفاء فيها، وكلها ناقلة للمكروبات. كما يجب مراعاة العناية بهذه المخازن وضمان نظافتها وتطيرهها وعدم تخزين مواد ملوثة بداخلها، أو وضع الأكياس المستعملة الفارغة التي يحتمل تلوثها ببعض الحشرات. كما يجب مقاومة الحشرات التي تصيب المواد الغذائية بمجرد ظهور الإصابة واستعمال مواد

(1/244)

مبيدة تناسبها ولا تضر بالمواد الغذائية أو تجعلها غير صالحة للاستهلاك. ولبلوغ هذه الأهداف يجب أن يكون المكان بالمخزن واسعا ومزودا بكل الوسائل اللازمة لحماية الغذاء من الأتربة والمواد الغريبة الأخرى والحشرات والقوارض. فالأماكن المتسعة التي تسمح بنقل أو تغيير أماكن المواد الغذائية بحرية، كثيرا ما تقلل فرص التلوث، وتسمح بالتنظيف وإجراء العمليات المختلفة بطريقة منتظمة، كما يمكن كنس أو حك الأرضية وتنظيفها الأرفف بالمنظفات والمطهرات المختلفة. كما يجب عدم السماح بتجميع القاذورات أو النفايات في أماكن تخزين الغذاء.

وفي أماكن تقديم أو توزيع أو تعبئة الغذاء، يجب عدم لمس الغذاء بالأيدي إذا كان معدا للاستهلاك دون طبخ، أو حتى بعد الطبخ إذا كان من الممكن تجنب ذلك. أما إذا كان اللمس باليد ضروريا فيجب على العاملين غسل أيديهم قبل ذلك غسلا جيدا ومتكررا، كلما استدعت الظروف استعمال الأيدي ولمس الغذاء. ويمكن تقليل فرص اللمس بالأيدي باستخدام قفازات من البولي إيثيلين أثناء التصنيع أو التحضير أو التقديم، والتي تستخدم مرة واحدة ثم يتم التخلص منها بعد ذلك.

كما يجب تغطية الأغذية المعدة للاستهلاك أو التقديم أو التداول بغطاء مناسب، وتنظيفه بطريقة تمنع تجمع الأتربة أو القاذورات. وإذا ما كانت طبيعة الغذاء لا تسمح باستخدام هذا النوع من الوقاية فيجب حفظ الغذاء في حاوية خالية من الأتربة، وفي درجة حرارة مناسبة. وعند توزيع الأغذية المحفوظة أو المعبأة في عبوات قياسية كاللبن والعصير يجب أن يتم التوزيع من العبوة مباشرة. كما يجب حماية الأغذية المعدة للتقديم أثناء عرضها في المطاعم باستخدام أوان حافظة شفافة توضع إما أمام سطح الغذاء أو في مقدمته، كحاجز يحمي الغذاء من التلوث بالهواء أو العطس أو السعال. كما يجب تقليل فرص ملامسة العاملين للأغذية بصفة عامة. ويجب تنظيف أي غذاء لامس أي سطح غير نظيف. كما يجب تنظيف وتطهير أية معدات أو أوان تستخدم في التصنيع أو التعبئة أو التغليف أو التحضير أو التقديم. وبصفة عامة يجب على العاملين المكلفين بتداول أوعية تحضير أو تقديم الطعام الامتناع عن ملامسة أيديهم لأي سطح من شأنه أن يلامس الغذاء أو فم المستهلك.

ويلاحظ أنه دائما ما ينتج عن تصنيع أو تحضير الأغذية كميات كبيرة من الفضلات والنفايات. ولكي يمكن تقليل فرص تلوث الأغذية يجب وضع مثل هذه النفايات في عبوات أو أكياس خاصة وإزالتها من أماكن تصنيع أو تحضير الغذاء

(1/245)

بصفة دورية. كما يجب استخدام أوعية للنفايات منفصلة عن تلك التي تستخدم للتخلص من القاذورات. كما يجب في أماكن العمل وضع أوعية خاصة لوضع النفايات المكونة من أجزاء الغذاء أو مواد التغليف وتطهير هذه الأوعية بشكل دوري ومتكرر. كما يجب أن تكون هذه الأوعية مزودة بغطاء يمكن قفله بإحكام وفتحه بحرية، ويجب أن يكون دائما مغلقا إلا عند ملء الأوعية أو تفريغها. واستخدام الأكياس البلاستيكية كبطانة لهذه الأوعية هي طريقة غير مكلفة وتعزز العملية من الناحية الصحية. وأخيرا يجب غسل جميع الاوعية وتطهيرها باستمرار مع عدم استخدام الأوعية المخصصة لأماكن تصنيع أو تقديم الأغذية في جميع القمامة أو القاذورات المتجمعة من أي مكان آخر.

إبادة المكروبات الملوثة أو كبح نشاطها:

تعتبر المكروبات ميتة إذا فقدت القدرة على التكاثر، حتى عندما تنتقل إلى بيئة أخرى مناسبة للنمو تحت ظروف بيئة مناسبة. وهناك فرق بين الموت Death والهجوع dormancy، وخاصة فيما يتعلق بالأبواغ spores والجراثيم bacteria حيث أن المكروبات الهاجعة لا تزال لديها القدرة على التكاثر كما يمكن استنباتها بالزرع لمدة طويلة أو الانتقال إلى بيئة نمو مخالفة أو أية صورة من صور التنشيط.

وبصرف النظر عن سبب الموت، فالمكروبات تتبع في سرعة موتها نظاما لوغاريتميا كما سبق ذكره في أطوار نموها. ويوحى هذا بأن الخلايا الجرثومية تموت بسرعة ثابتة نسبيا، إلا أن هذه القاعدة قد تشذ إذا ما وجدت في البيئة عوامل مميتة أخرى تسرع من موتها أو وجود نبيت flora ذي قوة مقاومة متجانسة.

وتعتمد طرق السيطرة على المكروبات الملوثة، سواء الممرضة منها أو المسببة للفساد، على عدة طرق يمكن تقسيمها إلى أربع مجموعات:

إزالة الأحياء الدقيقة بالترشيح المكروي "الدقيق".

خفض الرطوبة بالمادة الغذائية أو إزالتها.

استخدام درجات الحرارة العالية أو المنخفضة.

التثبيط المباشر للمكروبات إما بالأشعة المؤينة أو المضادات الحيوية أو المواد الحافظة الكيماوية

وأغلب طرق مكافحة المكروبات الملوثة للأغذية يتمثل بتكنولوجيا حفظ الأغذية food preservation technolgy التي تعتمد على استخدام عدة عوامل في

(1/246)

آن واحد، حيث أن التأثير الحافظ لكل عامل منها بمفرده لا يثبط نشاط المكروبات بدرجة كافية لكي يصلح كعامل حفظ مستقل. وأحسن مثل للك هو الحفظ بالتدخين، حيث يعتمد على إحداث تجفيف جزئي للمادة الغذائية. كما أن الحرارة المستخدمة في التدخين قد يكون لها تأثير قاتل لبعض المكروبات. بالإضافة إلى ذلك ينتج التدخين تأثيرا مثبطا للمكروبات ومضادا للأكسدة. وعادة ما يضاف ملح الطعام للمنتجات المدخنة فيزيد ذلك من طول فترة حفظها أي طول فترة هجوع المكروبات بها.

1- إزالة الأحياء الدقيقة بالترشيح المكروي "الدقيق":

يمكن إزالة الأحياء الدقيقة في بعض المواد الغذائية السائلة كالعصير وبعض المشروبات الكحولية بترشيحها بمرشحات خاصة "بعد ترويقها"، وتسمى عملية الترشيح هذه بالترشيح المكروي microfiltration أو التعقيم بالترشيح. وتستعمل في هذه الطريقة أغشية رقيقة المسام، لا تسمح بمرور الأحياء الدقيقة. وهذه الطريقة مستخدمة على نطاق واسع في ترشيح المياه المعدة للشرب في كثير من مناطق الوطن العربي. والمرشحات المستخدمة لا يمكن تنقيتها وإعادة استخدامها.

2- خفض الرطوبة بالمادة الغذائية أو إزالتها:

الرطوبة لازمة لنمو وتكاثر الأحياء الدقيقة، كما أن التفاعلات الإنزيمية الذاتية المختلفة التي تتم في المادة الغذائية وتؤدي إلى تغيرات في صفاتها أو إلى فسادها لا تتم إلا في وسط مائي. فخفض نسبة الرطوبة في المادة الغذائية إلى الحد غير الملائم لنمو الكائنات الحية الدقيقة وحدوث التغيرات الحيوية غير المرغوبة مع عدم الإضرار بالقيمة الغذائية والصفات الحسية والطبيعية للمادة الغذائية، هو إحدى الطرق المعروفة من قديم الزمن لإطالة فترة صلاحية المادة الغذائية للاستهلاك.

وتجفف عادة محاصيل الخضر حتى نسبة رطوبة 5% في حين تجفف محاصيل الفاكهة إلى نسبة رطوبة قد تصل إلى 24% تقريبا، فتصبح المكروبات الملوثة غير قادرة على إحداث الفساد. ويرجع السبب إلى عدم الحاجة لخفض نسبة الرطوبة في الفاكهة إلى أقل من ذلك بسبب احتوائها على نسبة مرتفعة من المواد الصلبة الذائبة التي قد يصل تركيزها بعد التجفيف إلى 65- 68% فتعمل بدورها كعامل معيق لنمو الأحياء الدقيقة. كما أن خفض نسبة الرطوبة بالفاكهة إلى أقل من 24% يؤدي

(1/247)

إلى أضرار كبيرة بالمنتج المجفف يتعلق باللون والطعم نظرا لاحتوائها على نسبة عالية من السكريات.

ويجري تجفيف الخضر والفاكهة إما بالشكل الطبيعي الذي يعتمد على حركة الهواء في الظل أو في الشمس، اعتمادا على تبخير الرطوبة بالاستفادة من حركة الهواء الساخن نسبيا، أو بالطرق الصناعية التي تعتمد على تيارات الهواء المدفوع المسخنة اصطناعيا. ويتم ذلك بواسطة أجهزة خاصة ومتنوعة. وقد يجري خفض الرطوبة في المادة الغذائية السائلة لعصير الفاكهة والطماطم والألبان، وذلك بتبخير الماء بالحرارة تحت الضغط الجوي العالي أو تحت التفريغ vacuum، ويطلق على هذه العملية عبارات مختلفة كالتركيز concentration أو التكثيف condensation أو التبخير vaporization، ويلائم كل واحد منها منتجات معينة، فيقال مثلا، مركز عصير الطماطم أو معجون الطماطم، ومركز عصير الفاكهة، والحليب المبخر. والحليب المبخر هو الحليب الذي فقد جزءا من محتواه من الرطوبة بالتبخير. والحليب المكثف هو الحليب المبخر المضاف إليه سكر، مما يزيد من تركيز المواد الصلبة الذائبة ويجعله أكثر قابلية للحفظ. فإذا ما فتحت العلبة التي تحتوي على حليب مبخر يجب حفظها بعد ذلك في درجة حرارة منخفضة "بالتبريد" لكي يتطرق إليها الفساد بفعل الجراثيم الملوثة. أما الحليب المكثف وهو المضاف إليه السكر، فيحتفظ بجودته في درجة حرارة الغرفة بعد فتح عبوته، وذلك لعدم قدرة الأحياء الدقيقة الملوثة على النمو والتكاثر في هذا التركيز الزائد من المواد الصلبة الذائبة.

وهناك طريقة أخرى لسحب الرطوبة من المادة الغذائية وهي في حالة تجمد مع التفريغ "التخلية" تسمى التجفيف بالتجميد" freez drying، وتعتمد هذه الطريقة على خاصة يتمتع بها الماء عند درجة حرارة صفر مئوية وضغط 4.7 مليمتر زئبق، إذ يكون فيها الماء في مزيج من الحالة الصلبة والسائلة والغازية. وعند ارتفاع الضغط أكثر من ذلك يكون للماء صورتان فقط، هما الصورة الصلبة والصورة الغازية. وعلى ذلك فعند ضغط يتراوح بين 1.5 – 4 مليمتر زئبق، يجمد الغذاء ثم يعرض لتفريغ شديد حتى ترتفع درجة حرارته، ثم ترفع درجة حرارة الوسط المحيط بالغذاء تدريجيا، فينشأ بخار الماء الذي يتجمع فور تكوينه على سطح أنابيب.

(1/248)

موجودة بمؤخرة الجهاز، تحتوي على سائل تبريد "عادة الفريون 21"، وبذلك يمكن لجزء جديد من بخار الماء الانطلاق من المادة الغذائية. ويمكن بهذه الطريقة نزع 99% من رطوبة المادة الغذائية دون الإضرار بالصفات الطبيعية للمادة الغذائية من طعم ورائحة ولون أو قوام. وتتميز هذه الطريقة بسرعة استرجاع المادة الغذائية لحالتها بإضافة الماء إليها وذلك بشرط تعبئتها بعد عملية التجفيف بالتجميد في عبوات غير منفذة لبخار الماء المحيط. وقد شاع استخدام طرق التجفيف بالتجميد "التجفيد" في خفض نسبة الرطوبة في مستخلصات البن والشاي.

3 استخدام درجات الحرارة العالية أو المنخفضة:

البسترة pasteurization: نسبة إلى العالم الفرنسي لويس باستور L. Pasteur الذي اقترحها لحفظ الخمور. وهي معاملة حرارية الغرض منها قتل الأحياء المسببة للتلف. وهي طريقة للحفظ المؤقت، إذ أن الأحياء الدقيقة التي لم يتم هلاكها بالحرارة تستطيع النمو والتكاثر وتؤدي إلى تلف الغذاء، ولهذا يجب حفظ الأغذية بعد بسترتها بالتبريد. وهذه المعاملة الحرارية تحسن من قوة حفظ اللبن بدرجة كبيرة، إلا أنها أوضح أثرا وأكثر فائدة في حفظ مشروبات عصير الفاكهة أو المشروبات الكحولية، لكون هذه المنتجات بطبيعتها لا تناسب نمو الأحياء الدقيقة لحموضتها أو لوجود الكحول فيها. وهناك طريقتان شائعتان لعملية البسترة إحداهما هي الطريقة السريعة، وفيها يسخن الحليب إلى درجة 57.5 مئوية لمدة لا تقل عن 15 ثانية، والطريقة الثانية هي الطريقة البطيئة وفيها يسخن الحليب على درجة 62.5 مئوية لمدة لا تقل عن 30 دقيقة. وفي كلا الحالتين يبرد الحليب إلى درجة حرارة 10 مئوية.

التعقيم sterilization التجاري: التعقيم بالمفهوم الطبي يعني قتل جميع الأحياء الدقيقة، وهذا لا يمكن تطبيقه بالنسبة للغذاء، لأن ذلك يؤدي بالتالي إلى إتلاف الطعم والرائحة والقوام واللون القيمة الغذائية. ولذلك يستعمل في حالة الأغذية ما يسمى التعقيم التجاري أو المعالجة processing، ويعني قتل جميع الكائنات الحية الدقيقة التي تستطيع أن تنمو تحت ظروف التعليب اللاهوائية. أما أبواغ الجراثيم الهوائية والشديدة المقاومة للحرارة فإنها قد تكون موجودة ولكنها لا تستطيع أن تنمو في غياب الأكسجين.

والتعليب canning هو طريقة لحفظ الأغذية في أوعية محكمة القفل لا ينفذ

(1/249)

منها أو إليها الهواء أو الكائنات الحية الدقيقة بعد طرد الهواء منها، وذلك باستخدام درجات الحرارة العالية الكافية لقتل معظم المكروبات الملوثة وإيقاف عمل الإنزيمات، مع عدم الإضرار بالخواص الطبيعية والفيزيائية والقيمة الغذائية لغذاء ويشمل الحفظ في علب القصدير أو الألومنيوم أو الأوعية الزجاجية. ونظرا لأن درجة حموضة "باهاء" المواد الغذائية تؤثر كذلك على مدى تأثر المكروبات بالحرارة، فعادة تعقم الأغذية الحمضية التي لها درجة باهاء "أس هيدروجيني" "ph"" أقل من 4.5، كالفواكه والطماطم، في درجة 100 مئوية لمدة 15- 30 دقيقة حسب حجم العلبة وقوام المادة الغذائية ودرجة التلوث الابتدائي. أما الأغذية غير الحمضية والتي لها درجة باهاء أعلى من 4.5، كالخضراوات "عدا الطماطم" والبقوليات واللحوم والأسماك، فتعقم في درجة 116 – 121 مئوية لمدة تختلف باختلاف حجم العلبة وقوام الغذاء ودرجة التلوث الابتدائي.

التعقيم بالمعاملة بدرجات الحرارة الفائقة الارتفاع "UHT" temperature: وتستخدم في تعقيم المواد الغذائية السائلة، كالحليب وعصير الفواكه، التي يمكن انتقال الحرارة فيها بسرعة. وهي أفضل من التعقيم التجاري، ويمكن بها القضاء على كثير من الأحياء الدقيقة الملوثة، وذلك بتسخين المادة الغذائية السائلة إلى درجة 130 – 150 مئوية لبضعة ثوان ثم تبريدها مباشرة. ويمكن بهذه الطريقة إطالة فترة قابلية الغذاء للحفظ لفترة تتراوح ما بين أسابيع إلى أشهر في درجة الحرارة العادية، حسب درجة الحرارة والمدة المستخدمة لذلك، إذا ما عبئت مباشرة في أوعية محكمة القفل.

التبريد refrigeration: ويتم ذلك بحفظ الأوعية في درجة حرارة أعلى من نقطة تجمدها. ويستخدم التبريد كوسيلة حفظ لفترة محدودة، وقد شاع استخدامه في نقل المواد الغذائية وشحنها وتخزينها لفترات قصيرة، كاللحوم والأسماك والبيض والخضر والفواكه. وتتوقف مدة التخزين على نوع المادة وحالتها ودرجة تلوثها ودرجة حرارة التبريد والرطوبة النسبية. وكثيرا ما تستخدم وسائل النقل المبردة في نقل الكميات الهائلة من الخضر والفاكهة الطازجة والبيض لمسافات بعيدة. والتبريد لا يؤدي إلى قتل الأحياء الدقيقة سواء الممرضة أو المسببة للفساد، ولكنه فقط يبطئ نموها. فالأحياء الدقيقة بصفة عامة تقاوم الحرارة المنخفضة بشكل واضح، حتى أن الأنواع الممرضة التي لا يمكن اعتبارها تحت أي ظروف

(1/250)

أليفة للهواء القليل تعيش في هذه الدرجات المنخفضة لمدة طويلة، ولكن يبطؤ نموها بدرجة كبيرة، شأنها في ذلك شأن مكروبات التحلل الذاتي وكذلك التفاعلات الإنزيمية والكيميائية

التجمد Freezing: وهو التبريد لدرجات حرارة تبلغ حدا من الانخفاض يؤدي إلى تجميد الماء الحر بالمادة الغذائية. وعند حفظ الأغذية بطريقة التجميد يجب تخزينها بعد ذلك في درجات حرارة منخفضة تحافظ على حالتها المتجمدة مع المحافظة على ثبات درجات الحرارة هذه. وقد يكون التجميد سريعا quick freezing أو بطيئا slow freezing ويفضل استعمال التجميد السريع نظرا لأنه يؤدي إلى تكوين بلورات ثلجية صغيرة ملساء داخل الخلايا بعكس التجميد البطيء الذي ينشأ عنه تكوين بلورات ثلجية كبيرة على هيئة صفائح ذات حواف حادة تساعد على تهشم جدر الخلايا وخروج العصارة الخلوية منها عند تسخينها، مما يقلل من قيمتها الغذائية ويغير من صفاتها الفيزيائية وطبيعتها، والتجميد لا يؤدي إلى تعقيم المادة الغذائية فقط بل يبطئ التفاعلات الميكروبيولوجية والإنزيمية بدرجة كبيرة، بما فيها المكروبات الممرضة. وهو لا يعدو أن يكون طريقة من طرق إطالة فترة حفظ المادة الغذائية لفترة تفوق فترة الحفظ بالتبريد.

4 التثبيط المباشر للمكروبات:

أ- استخدام الأشعة المؤينة:

يقصد بالأشعة المؤينة تلك الطاقة المنبعثة من نوى ذرات العناصر المشعة نتيجة الاختلاف بين عدد النوترونات وعدد البروتونات داخل النوي. وهذه الطاقة كثيرا ما يعبر عنها بالموجات الكهرمغناطيسية وتسمى أشعة غاما. ويمكن الحصول على نفس الأشعة اصطناعيا بنقل إلكترونات بعض العناصر من مستوى مدار إلى مستوى آخر بطرق خاصة، وتعرف هذه الحالة باسم الأشعة السينية x- rays للتفرقة بينها وبين أشغة غاما. ولا تزال الآلية التي تؤدي إلى هلاك الأحياء الدقيقة غير معروفة بالضبط. ويبدو أن موت الخلايا يكون عن طريق تثبيط مكونات معينة داخل الخلية عندما تمتص هذه الطاقة داخل الخلية. والخلية التي ثبطت بالتشعيع لا تكون قادرة على الانقسام أو النمو.

وتقاس قوة جرعة الإشعاع بوحدات الراد rad وهي اختصار عبارة radiation absorber dose "الجرعة الممصة من الأشعة"، وهي تساوي كمية

(1/251)

الأشعة المؤينة التي تنتج من امتصاص 100 إرغ من الطاقة لكل غرام من المادة والتشعيع irradiation قد يتم بجرعات منخفضة ويسمى بالبسترة الباردة، حيث تتراوح الجرعة ما بين 2× 10 و 5× 10 راد أو أقل، أو بجرعات مرتفعة ويسمى بالتعقيم البارد، حيث تتراوح الجرعة ما بين 2 و4.5 مليون راد "أي 2 و4.5 ميغاراد".

وقد أمكن إطالة الفترة التخزينية للأسماك بالتبريد بعد تشعيعها بجرعات البسترة الباردة لتصل إلى 30 يوما، بينما لا تزيد هذه الفترة عن 9 أيام دون تشعيع. وتستعمل نفس الجرعات في قتل يرقات الحشرات التي تصيب الحبوب المخزنة، ولإنتاج يرقات عقيمة للحشرات التي تختفي داخل الثمار.

وقد ثبت أن جرعات التعقيم للمواد الغذائية لا تحدث تأثيرات ضارة للإنسان، إلا أنها تسبب تغيرات غير مرغوبة في الرائحة أو النكهة نتيجة لتكسير الروابط بين جزيئات البروتين، وانفراد مركبات ضارة وكذلك تأكسد الدهون.

ب- المضادات الحيوية antibiotics:

وهي مجموعة من المركبات العضوية المعقدة التركيب تتميز بمقدرتها على إيقاف نشاط الأحياء الدقيقة لفترة محدودة يتمكن المركوب بعدها من أقلمة نفسه على ظروف وجودها في البيئة، ويستعيد نشاطه بعد زوال تأثيرها، أي أن تأثيرها يكون مثبطا أو موقفا لنشاط المكروب وليس قاتلا له إلا في حالات قليلة. ويكون أثرها الحيوي هو تثبيط إنزيمات المكروب نفسه وجعله غير قادر على إحداث أي نشاط حيوي.

وعادة تستخدم المضادات الحيوية ذات الطيف الواسع بشكل محاليل تغمر بها الأغذية المراد تخزينها، وخاصة الأسماك والقشريات والدواجن وبعض الخضراوات والفواكه، أو في رش أسطح الجبن الجاف "كما في حالة النيسين nicin". وأهم المضادات الحيوية المستخدمة في تثبيط نشاط المكروبات في الأغذية هي النيسين والكلور امفينيكول والكلور تتراسيكلين والأكسي تتراسيكلين. وأقصى تركيز مسموح به هو 5 أجزاء بالمليون، وبعض القوانين تحظر استخداماتها.

ج- المواد الحافظة preservatives:

هي مركبات كيماوية قادرة على منع أو تأخير أو إيقاف نمو وتكاثر المكروبات

(1/252)

الملوثة للغذاء وبالتالي إطالة فترة قابليته للحفظ. ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام حسب تأثيراتها.

1- مواد مطهرة أو مواد قاتلة للمكروبات:

ومنها غازا الكلور والأوزون المستخدمان أساسا في تعقيم مياه الشرب، حيث يتطاير الأول في الهواء ويتحول الثاني إلى أكسجين. ويستخدم ثاني أكسيد الكبريت في الماء "1- 2 %" كمحلول مطهر للأجهزة والبراميل والزجاجات وسدادات الفلين والأدوات الأخرى التي تستخدم في صناعة المشروبات وبعض الصناعات الغذائية الأخرى، كما يستخدم الغاز نفسه في معالجة وتطهير البراميل عن طريق حرق الكبريت المعدني داخل البراميل حيث يكون للغاز المتكون تأثير مطهر.

2- مواد مثبطة لنشاط المكروبات وأهمها:

- حمض البنزويك وأملاك- لهذا الحمض تأثير مثبط لإنزيمات الجراثيم والخمائر داخل الخلية التي تتحكم في استقلاب حمض الخليك "الأستيك" وإضافة مجموعة الفوسفور عن طريق الأكسدة، كما له تأثير على جدار الخلية. وتتركز فاعليته بصفة عامة ضد الخمائر yeasts والفطريات fungi "ومنها الفطريات المسببة لتكوين الافلاتوكسين aflatoxin" في حين تقل فاعليته ضد الجراثيم. والجزء غير المتأين فقط من الحمض هو الذي له التأثير المضاد للأحياء الدقيقة، ولهذا يمكن استخدامه كمادة حافظة فقط لحفظ المنتجات الحمضية. وهو يستخدم كمادة حافظة في منتجات الدهون كالمرغرين والمايونيز، ويستخدم كذلك في منتجات الأسماك والخضر والفاكهة والمشروبات.

- حمض السوربيك وأملاحه: لهذا الحمض تأثير مثبط على بعض إنزيمات الخلية المكروبية، وخاصة المتعلقة منها بالاستقلاب الغذائي للكربوهيدرات مثل الإينولاز enolase ونازعة هيدروجين اللاكتات lactate dehydrogenase، وبدرجة أقل في عدد من الإنزيمات المتعلقة بدورة حمض الستريك. وللجزء غير المتأين فقط من حمض السوربيك فاعلية ضد الأحياء الدقيقة حيث يمكنه النفاد داخل الخلية، وبذلك يتميز حمض السوربيك على المواد الحافظة الأخرى نتيجة لانخفاض معدل تأينه، ولهذا يمكن لحمض السوربيك حفظ الأغذية المنخفضة الحموضة أو ذات درجة الباهاء ph المرتفعة.

(1/253)

ويؤثر حمض السوربيك أساسا ضد الخمائر والفطريات "ومنها الفطريات المكونة للأفلاتوكسين aflatoxin" وهو أقل فاعلية ضد الجراثيم. والجراثيم الموجبة الكاتالاز أكثر حساسية لحمض السوربيك من الجراثيم السالبة الكاتالاز. وأكثر أنواع الجراثيم تأثرا هي الجراثيم الهوائية، وأقلها تأثرا هي الملبنات Lactobacillus والمطثيات clostrdia، ويرجع السبب في ذلك إلى أن درجة الباهاء ph المثلى لنمو المطثيات هي 7 ويعتبر حمض السوربيك غير فعال في هذا المجال المتعادل. إلا أن حمض السوربيك له فاعلية في تثبيط المطثيات ومنع تكوين السمون عند استخدامه بتركيزات صغيرة تعتبر بمفردها غير مؤثرة، ولكن مع النتريت أو ملح الطعام أو الفوسفات، ومع خفض درجة الباهاء لحد ما. ولا يصلح حمض السوربيك في التطبيق العملي في حفظ الأغذية الملوثة بعدد كبير من الأحياء الدقيقة، ولكن فقط في المحافظة على الأغذية المنتجة في ظروف صحية ومحتوية على عدد محدود من الأحياء الدقيقة. فبعض الأحياء الدقيقة لها القدرة على ادخال حمض السوربيك في الاستقلاب الغذائي بها إذا تواجد الحمض بتركيزات أقل من المؤثرة أو تحت القاتلة، أو عند تواجد الأحياء الدقيقة بأعداد كبيرة. ويستخدم حمص السوربيك في حفظ منتجات الدهون والألبان واللحوم والأسماك والخضر والفاكهة والمشروبات ومنتجات الحبوب "المعجنات" والحلويات.

- ثاني أكسيد الكبريت وأملاح السلفيت: لحمض الكبريتور وأملاحه تأثير فعال ضد الأحياء الدقيقة، ولكن تعتبر فاعليته ضد الجراثيم أقوى بكثير من فاعليته ضد الخمائر أو الفطريات. ويختلف تأثير الحمض على الخميرة باختلاف الذرية. ويرجع تأثيره ضد الأحياء الدقيقة إلى تدخله بطرق مختلفة في النظام الإنزيمي للخلية، وخاصة الإنزيمات التي تحمل مجموعة sh. وترجع حساسية هذه الإنزيمات للكبريت إلى التأثير المثبط للتفاعلات التي تعتمد على تميم الإنزيم "NAD" I وكما هو الحال في الحموض الحافظة الأخرى، فلدرجة باهاء pH الغذاء المراد حفظه تأثير كبير على فعالية ثاني أكسيد الكبريت أو حمض الكبريت ضد الأحياء الدقيقة. ويستخدم ثاني أكسيد الكبريت بكثرة في حفظ منتجات اللحوم والفاكهة والمشروبات.

- حمض البروبيونيك وأملاحه: لهذا الحمض تاثير مثبط للأحياء الدقيقة، ولا سيما ضد الفطريات. إلا أن هناك بعض ذراري strains من فطر المكنسيات

(1/254)

Penicillium يمكنها النمو رغم وجود حمض البروبيونيك. ولبعض الخمائر مثل بعض ذراري "سلالات" التوريولا Torula القدرة على استخدام حمض البروبيونيك في الاستقلاب الغذائي الخاص بها. ولحمض البروبيونيك وأملاحه القدرة على تثبيط نمو جراثيم العصوية المساريقية Bacillus mesentericus المسببة للفساد، وبتكوين الخيوط rope في الخبز. وتوجد أنواع عديدة من المكروبات التي تنتج حمض البروبيونيك في الاستقلاب الغذائي. وبعضها يمكنه استخدام الحمض كمصدر للطاقة في التنفس إلا أنه في التركيزات العالية كما هو الحال عند استخدامه كمادة حافظة. يكون له تأثير مثبط نظرا لتجمعه في الخلية، ويوقف الاستقلاب الغذائي عن طريق تثبيط الإنزيمات خاصة المؤدية إلى نمو الخلية حيث يدخل في تنافس مع المواد اللازمة للنمو وخاصة الألانين alanine والحموض الأمينية الأخرى. ويستخدم الحمض وأملاحه بنجاح في حفظ منتجات الألبان والعجائن.

3- مواد مؤكسدة:

وأهمها النتريت والنترات، وهي تستخدم أساسا في تصنيع اللحوم المتبلة بقصد تثبيت اللون ومنع نمو الجراثيم اللاهوائية التي تحدث الفساد. وتؤثر النترات أساسا على الأحياء الدقيقة اللاهوائية في حين تشجع نمو الأحياء الدقيقة الهوائية وبعض الأحياء الدقيقة يمكنها استخدام النترات كمصدر للنيتروجين. وليس للتركيزات المستخدمة في معالجة اللحوم تأثير على الجراثيم، وترجع فعالية النترات على الأحياء الدقيقة إلى النتريت الذي يتكون منها. وتسمح بعض الدول بإضافة نترات الصوديوم أو البوتاسيوم في معالجة منتجات معينة من اللحوم والأسماك وبعض أنوع الجبن بتركيزات لا تزيد عن 500 جزء في المليون في المنتج النهائي. ونظرا لعدم إمكانية التكهن بمدى تحول النترات إلى نتريت، فإن بعض البلاد تحظر استخدام النترات وتقصر الاستخدام في الأغذية على النتريت بغرض تثبيت اللون والحفظ.

ولا يؤثر النتريت على نمو أي من الخمائر أو الفطريات، ويقتصر تأثيره على الجراثيم نتيجة لتكوين حمض النيتروز، وما ينشأ عنه من أكاسيد النيتروجين، حيث ترتبط هذه المركبات مع مجموعة الأمين لإنزيم نازعة الهيدروجين dehydrogenase في الخلية الجرثومية، مما يثبط نشاط المكروب، وهي تفاعل كذلك مع البروتين.

(1/255)

الدموي hemoprotein مثل السيتوكروم cytochromes والإنزيمات المحتوية على الكبريت، ولا تعرف حتى الآن التفاصيل الكاملة لآلية تآثير النتريت على الجراثيم ويزيد تأثير النتريت بزيادة حموضة البيئة، فينما يحتاج إلى 4000 جزء في المليون نتريت عند درجة باهاء 6.9 لتثبيط جراثيم العنقوديات الذهبية staphylococcus aurus، فإن هذه النسبة تقل إلى 400 جزء في المليون عند درجة باهاء 5.8، وإلى 80 جزء في المليون عند درجة بهاء 5.05 ولهذا فإضافة مواد منتجة للحموض كالغلوكوز دلتا لاكتون glucose – delta – lactone أو التلقيح بالجراثيم الملبنة المكونة للحمض يزيد من فعالية النتريت.

ويستخدم النتريت في تكنولوجيا اللحوم بنسبة 80- 160 مليغرام في كل كيلو غرام، ولا يكفي هذا التركيز لتثبيط نمو الجراثيم بفاعلية. وتساعد الظروف المناسبة الأخرى كإضافة الملح والتجفيف ودرجة حرارة التخزين والمعاملة الحرارية وتعديل الحموضة، مع انخفاض الحمل المكروبي للغذاء، على تثبيط نمو الجراثيم.

ومن التأثيرات المرغوبة للنتريت المحافظة على لون العضلات وارتباطه بالغلويين العضلي myoglobin وتكوين مركب نتروزوميوغلوبين nitrosomyoglobin الذي لا يتأثر بالطبخ، وهو المسؤول عن تكوين اللون الأحمر القاني المرغوب للحم المتبل. كما أن النتريت يلعب دورا هاما في تكوين نكهة اللحم المبتل المرغوبة، وعادة يضاف بنسبة 50- 500 مليغرام لكل كيلو غرام من اللحم المراد حفظه وللنتريت تأثير مثبط لنمو المطثيات clostridia المكونة للذيفانات، وعلى هذا فهو يمنع أو يقلل من حدوث التسمم الغذائي. ويتراوح التركيز المضاد للميكروبات بين 50 – 60 مليغرام نتريت لكل 100 غرام من اللحم المراد حفظه.

وقد زاد مؤخرا الاهتمام بسمية النتريت والمركبات المتكونة منه، وبالتالي حول إمكانية الاستمرار في استخدامها في تصنيع اللحوم. والبحث جار لمعرفة مدى إمكانية استبدال النتريت بمركبات أخرى أو التقليل من استخدامه في تصنيع اللحوم.

4- مواد حافظة أخرى:

وأهمها دخان الأخشاب وملح الطعام والسكر.

دخان الأخشاب: تجري عادة عملية التدخين على بعض أصناف الجبن الجاف واللحوم والأسماك بعد تتبيلها أو تلميحها، حيث يعمل الدخان كمادة حافظة بما يحتويه

(1/256)

من مركبات كيميائية تتخلل أسطح اللحوم والأسماك، مثل الألدهيدات والفينولات والحموض الأليفاتية، وهي مواد ذات تأثير قاتل لكثير من أنواع الجراثيم غير المكونة للأبواغ. هذا بالإضافة إلى أن الملح والتجفيف الناتجين عن حرارة التدخين يساعدان كذلك في عملية الحفظ. وليس للتدخين تأثير على الفطور، فقد تتعرض اللحوم أو الأسماك المدخنة لنمو الفطر بعد ذلك.

وتجري العملية بتعليق اللحوم أو الأسماك أو الجبن في حجرات خاصة للتدخين فوق نشارة خشب بطيئة الاحتراق ومنتجة للدخان، أو قد يجري الحرق في الحجرات، ويمرر الدخان بتحريكه خلال ممرات خاصة إلى حجرات أخرى تحتوي على اللحوم أو الأسماك أو الجبن. وعادة تستخدم أصناف الخشب الصلبة، أما الأخشاب الطرية المتصمغة فإنها تحتوي على مواد متطاير تعطي الأغذية نكهة غير مرغوبة. وإلى جانب إطالة فترة الحفظ فإن التدخين يعطي الناتج طعما ورائحة مرغوبين. وكثيرا ما يستخدم التدخين لتحسين الصفات الفيزيائية للغذاء أكثر منه للحفظ. ولا توجد قواين منظمة لاستخدام التدخين في الأغذية، ولا تعرف حتى الآن كل مكونات الدخان، ولهذا لا يمكن تقييم التدخين بصورة كاملة، إلا أنه معروف أن من بين المواد ذات التأثير السام في الدخان البنزوبيرين 3.4 benzopyrene الذي يعرف بتأثيره المسرطن carcinogenic، إلا أن تركيز ميكرو غرام واحد لكل كيلو غرام من الغذاء المدخن كحد أعلى يعتبر آمنا. وتقل نسبة هذا المركب في الدخان بالتدخين البارد الذي يتم في درجة حرارة الغرفة.

ملح الطعا "كلوريد الصوديوم": ويباع في صور مختلفة حسب حجم الحبيبات ودرجة تفاوتها. وتتميز الأنواع المختلفة من ملح الطعام حسب مصدرها، فهناك الملح المستخرج من البحر، والملح الصخري، والملح المصنع بالتبخير أو التركيز أو التجفيف تبعا للمصدر. وتختلف درجة نقاوة الملح، وأهم الشوائب التي قد تكون موجودة فيه هي بعض مركبات العناصر المعدنية الأخرى.

والملح يخفض النشاط المائي water activity للخلايا فيجعل البيئة أقل تقبلا لنمو ونشاط الأحياء الدقيقة. إلا أن النشاط المائي للمحلول ملح الطعام المشبع يكون في حدود حوالي 0.75 مما يمكن بعض الأحياء الدقيقة من النمو تحت هذا الحد لهذا لا يمكن اعتبار الملح كمادة مانعة لنمو جميع أنواع الأحياء الدقيقة، هذا إلى جانب التأثير غير المرغوب على الطعم بهذا التركيز. إلا أن الملح يقوي

(1/257)

من فعالية المواد الحافظة، فمثلا يقل الحد الأدنى المثبط لحمض السوربيك ضد الخمائر والفطريات في تركيز 4- 6 % ملح طعام بحوالي 2-3 أضعاف، وفي تركيز 8% بحوالي 4 أضعاف، وذلك عند موازنته بالتراكيز الخالية من ملح الطعام ويظهر هذا التأثير واضحا في الوسط الحمضي. ويستخدم الملح مع طرق الحفظ الطبيعية كالحفظ بالتبريد والتجفيف. كما يضاف الملح لبعض الخضر والزيتون بغرض التخليل الطبيعي، وتكون إضافة الملح بمثابة التمييز بين أنواع النبيت microflora الجرثومي لصالح الجراثيم الملبنة المكونة لحمض اللاكتيك، وتسمى العملية بعملية التخليل Acetification وعلى العكس من ذلك يزيد ملح الطعام من مقاومة الفطريات والجراثيم للحرارة نتيجة للتناضح osmosis وحيث أن فعالية ملح الطعام تتم أساسا نتيجة لتقليل النشاط المائي، فإن متطلبات الأحياء الدقيقة المختلفة من النشاط المائي هي التي تحدد مجال تأثير ملح الطعام. فبعض الأحياء الدقيقة لها مقدرة خاصة على تحمل تركيزات عالية جدًّا من الملح كأنواع خمائر التوريولا Torula yeast حتى أن بعض أنواع من الجراثيم تعتبر أليفة للملوحة halophilic فهي لا تتحمل فقط التركيزات العالية بل تنمو بصورة أفضل في وجود ملح الطعام، إلا أنه ليس لمثل هذه الأنواع من الجراثيم أهمية كمسببات لفساد الأغذية.

ويستخدم ملح الطعام كمادة حافظة لمنتجات الدهون، كالزبدة والمرغرين، حيث يضاف بنسبة تتراوح بين 0.3 – 2% بالوزن. وهذا يعادل 2 – 13% ملح الطعام في الوسط المائي الذي يمكن أن تهاجمه الأحياء الدقيقة. كما يستخدم ملح الطعام كمادة حافظة مضافة في الجبن بنسبة 1- 3% وفي حالة إنضاج الجبن الذي يتطلب فترة إنضاج طويلة يتم غمره من آن لآخر في محلول ملحي للمكافحة المؤقتة للفطر. وما زال الملح يستخدم بتركيز 5- 8% في حفظ البيض الكامل السائل أو صفار البيض السائل. ويستخدم الملح كأحد مكونات محلول التتبيل كمادة حافظة بجانب التبريد أو التجفيف أو التدخين، حيث يضاف بنسبة 1- 3% ويعطي تأثيرا جيدا لتثبيط كثير من الجراثيم الرمامة saprophytic المسببة للفساد، حيث أن هذه النسبة تحدث انخفاضا كبيرا في النشاط المائي. كما يستخدم الملح في حفظ أسماك الرنكة والأنشوجة، ويستخدم كذلك في حفظ الخضر المملحة بتركيز حوالي 15- 25% دون أن يحدث أي تخمر لاكتيكي بسبب ارتفاع نسبة الملح، إلا أنه يكون معرضا لنمو الخمائر الخيطية. أما المعاملة بملح الطعام بمحاليل أقل تركيزا،

(1/258)

فتسمح بالتخمر اللاكتيكي كالمخللات فلا يكون هنا ملح الطعام هو المادة الحافظة الأساسية بل حمض اللاكتيك الناتج. ولا يستخدم ملح الطعام كمادة حافظة للثمار فيما عدا الزيتون

ومن الخواص الهامة لملح الطعام قدرته على تحسين الطعم، ولذا يعتبر في كثير من الأغذية مادة مكسبة للطعم أكثر منه مادة حافظة وتكون التركيزات المرغوبة منه كمحسن للطعم أقل بكثير من التركيزات اللازمة للحفظ. والأغذية المحفوظة بملح الطعام تعتبر منتجات وسطية لتصنيع غذائي تال بعد إزالة الملح منها بالغمر في الماء. ومن عيوب هذه الطريقة قدرة الملح على استخلاص المكونات الخلوية الذائبة في الماء، مثل المعادن والفيتامينات والبروتينات، بفعل التناضح، ولهذا تقل القيمة الغذائية بالمقارنة بالغذاء الطازج المماثل. وتزداد سرعة تزنخ الدهن في الأغذية في وجود الملح، بالإضافة إلى أن بعض المعادن الثقيلة المصاحبة لملح الطعام قد تسرع من هذه الأكسدة وخاصة في حالة اللحوم والأسماك.

السكروز: يؤثر السكروز على الأحياء الدقيقة من خلال خفض النشاط المائي للوسط، وعلى ذلك فمدى فعاليته تختلف باختلاف متطلبات الأحياء الدقيقة المختلفة من النشاط المائي. وتعتبر الجراثيم أكثر الأحياء الدقيقة تأثرا من خفض النشاط المائي. ومن الأحياء الدقيقة التي يمكنها تحمل الضغط التناضحي العالي والتركيزات العالية من السكر الرشاشيات الخطباء Aspergillus glaucus والمفطورات السكرية الروكسية saccharomyces rouxic وخمائر العجرية Torula وبعض الخمائر لا تتحمل فقط الضغط التناضحي العالي مثل المفطورات السكرية الزيجية zygo – saccharomyces بل تكون أليفة للسكر saccharophilic أي تنمو بطريقة أفضل في التركيزات العالية من السكر. والسكروز يقلل من ذوبان الأكسجين في الماء، وعلى ذلك فالأغذية المحفوظة بإضافة السكر لا يتواجد بها إلا كميات قليلة جدًّا من الأكسجين بمقارنتها بالأغذية المنخفضة في نسبة السكر.

وإضافة السكر لمنتجات الفاكهة تعتبر من أقدم طرق الحفظ. وأهم المنتجات التي يتم فيها الحفظ بإضافة السكر هي المربيات والهلام. ويتراوح تركيز السكر بها من 55 – 65%، ويكون النشاط المائي في حدود 75 – 0.82 ولا يكفي هذا النشاط المائي لمنع نمو الفطريات أو الخمائر التي تتحمل التركيزات العالية من

(1/259)

السكر، ولهذا فمن الضروري في كثير من الحالات استخدام البسترة، أو إضافة أحد المواد الحافظة الأخرى كحمض السوربيك. كما تحفظ الفاكهة وقشورها في صورة فواكه مسكرة بإضافة السكر بكمية تزيد عن درجة الأشباع، حيث يحدث تبادل بين المحلول السكري المركز وعصير الخلايا بالفاكهة المراد حفظها. وعادة توضع الفاكهة في محاليل سكرية تزاد تراكيزها بالتدريج بحيث يحتوي المنتج النهائي على نسبة من السكر أعلى من درجة الإشباع مما يمكن حفظها دون إضافة مواد حافظة أخرى. وهذا ما يحدث في معقود الفاكهة الذي يحضر بإضافة السكر حتى تركيز 68% ويستخدم السكر كذلك في منتجات المخابز، فهو يلعب دورا كبيرا في الحفظ إلى جانب خاصيته في تحسين الطعم. ويتراوح تركيز السكر تبعا لنوع المنتج ما بين 20- 50% وهذا يؤدي إلى نشاط مائي يتراوح بين 83- 0.9 وهولا يكفي كمثبط للأحياء الدقيقة، ولذلك تضاف مواد حافظة أخرى، غالبا حمض السوربيك. ومن أنواع الحلويات ما يكون السكروز تقريبا كل مكوناتها، أو يكون السكر عاملا مساعدا على حفظ مكونات أخرى كأنواع المواد المالئة للشوكولاتة حيث يكون تركيز السكر بها أكبر من 60% وهو بجانب المواد الصلبة الذائبة الأخرى يكفي لمنع نمو المكروبات. وإلى جانب التأثير الحافظ للسكروز، فإنه يعطي طعما حلوا للأغذية، وهذا هو العامل الأول لاستخدامه كمادة مكونة للغذاء.

(1/260)

ثانيا: التلوث بالفطريات خطورته وكيفية الوقاية منه

توجد أبواغ الفطر منتشرة في الهواء، وهي تنمو على الخبر واللحوم والفاكهة والمشروبات وغيرها. وينمو الفطر في الواقع على كل المواد الغذائية الرطبة، ولو أنه يتميز بقدرته على النمو على مواد تصل نسبة الرطوبة فيها بين 2- 5 % ما دامت هناك رطوبة في الهواء المحيط به، وهو لذلك يفضل الهواء الساكن لأنه يسمح برطوبة نسبية أعلى – ويتركب الفطر من خيوط أنبوبية مجهرية تسمى الخيطان "مفردها خوط" hyphae لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة. وهي كثيرة التفرغ والتشابك، وتكون هيكلا عنكبوتي الشكل يعرف بالأفطورة mycelium وهناك نوعان من الخيطان، أحدهما ذو حواجز تظهر فيه الخيطان مقسمة بواسطة حواجز إلى عدد من الخلايا، تحتوي كل منها على نواة أو أكثر، ونوع آخر عديم الحواجز

(1/260)

تظهر فيه الخيطان بشكل أنبوبة ممتدة عديدة النوى وينتج امتداد الخوط Hypha أو نمو الأفطورة عن نمو طرفي، أو عن انقسام في خلايا الخوط، أي يكون النمو بتزايد عدد الخلايا.ويحتاج الفطر في نموه إلى المواد العضوية، وبخاصة الكربوهيدرات كمصدر للطاقة. والبعض القليل من أنواع الفطر يحتاج إلى عنصر النتروجين، ويتحصل عليه عادة من أملاح الأمونيوم أو النترات أو من البروتينات أو الببتونات أو الحموض الأمينية أو اليوريا. وإلى جانب ذلك يحتاج الفطر إلى العناصر المعدنية كالبوتاسيوم والفوسفور والكبريت والمغنيزيوم وفي بعض الحالات يحتاج إلى الحديد.ويمكن للفطر أن ينمو على أكثر المواد فقرا في العناصر الغذائية، ولذلك فهو ينمو على الأقمشة والورق وغيرها. وهو يفضل البيئة الحمضية، ولذلك فالفواكه تكون أكثر عرضة للتلف بفعل الفطر، والظلام أكثر مناسبة لنموه من الضوء. والفطر الهوائي يحتاج إلى الأكسجين، ولذلك فهو ينمو على سطح المواد الغذائية، وإن كان في مقدوره أن ينمو إلى حد أقل في ظروف يكون الأكسجين فيها قليلا. ويحصل الفطر على ما يلزمه من عناصر غذائية من البيئة التي يعيش فيها، فهو يؤثر على الكربوهيدرات والبروتين والدهون بفعل الإنزيمات التي يفرزها، وهو أقل من الجراثيم على إحداث الانحلال في الدهون.ويتكاثر الفطر عادة بواسطة

spores، وهي أجسام دقيقة لا يزيد قطرها عن بضع مكرونات. ويتكون من الأفطورة mycelium الواحدة عدد هائل من الأبواغ. وتعتبر عملية التبوغ في الفطر عملية تكاثر حقيقية، إذ يمكن لكل بوغ أن يعطي نموا جديدا بواسطة تبرعم أنبوبة بوغية أو أكثر تمتد وتتفرع لتكون أفطورة جديدة تحمل أبواغا جديدة، وتتم هذه الدورة في مدة تتراوح بين 24- 48 ساعة في الظروف المناسبة. وتوجد طرق عديدة لتكوين الأبواغ، ويعتبر البوغ طورا من أطوار الراحة في دورة الحياة. ولهذا فهو يتميز بمقاومته للظروف القاسية، وهو أكثر تحملا للحرارة الجافة منه للحرارة الرطبة.تأثير الحموضة والحرارة على نشاط الفطر:يفضل الفطر البيئة الحمضية للحصول على أسرع تكاثر له، وتختلف درجة الباهاء "الأس الهيدروجيني" "

pH" المناسبة باختلاف نوع الفطر، إلا أنها بصفة عامة تكون أقل من مثيلتها للجراثيم. وهناك أنواع من الفطر يمكنها النمو في مجال واسع

(1/261)

من درجات الباهاء تتراوح بين 2.2 و 9وتختلف درجة الحرارة المثلى

optimum temperature للنمو تبعا لنوع الفطر، وأنسب درجات الحرارة لنمو الفطر بين 25 – 30 مئوية وهناك بعض أنواع من الفطر يمكنها النمو في درجة 50 مئوية. وأنواع عفن الخبر تناسب نموه درجات حرارة بين 32 – 38 مئوية ويمكن لبعض أنواع الفطر أن ينمو في درجات الحرارة المنخفضة حتى 6 مئوية وأبواغ الفطر أكثر مقاومة للحرارة من أبواغ الخميرة إلا أنها أقل مقاومة للحرارة من أبواغ الجراثيم، وفي أغلب الأحيان تكفي لهلاكها درجة حرارة 65 مئوية لمدة 30 دقيقة، فيما عدا بعض الأنواع التي تتحمل درجة حرارة ما بين 87 – 88 مئوية لمدة نصف ساعة، والبعض الآخر يتحمل لمدة خمس ساعات ي درجة حرارة 85 مئوية.أهم أنواع الفطريات التي تلوث الغذاء وتسبب فساده:توجد أبواغ الفطر منتشرة في الهواء، ويمكنها النمو والتكاثر في البيئة المناسبة. ويتوقف نوع الفطريات ودرجة نموها على نوع وطبيعة المادة الغذائية، والظروف البيئية من درجة حرارة ورطوبة. وفيما يلي أهم أنواع الفطر التي تلوث الأغذية وتسبب فسادها.1 العفنة المعفنة

Mucor mucedo وهي فطر كثير الانتشار في الطبيعة، ويوجد بكثرة في المنتجات الغذائية الفاسدة ويكسبها لونا أسود.2 الرازبة السوداء

Rhizopus nigricans أو العفن الأسود الذي يظهر على الأغذية النشوية، مثل الخبز القديم المخزن في مكان رطب، ويؤدي كذلك إلى اتلاف الحبوب والفواكه.3 المكنسية الخطباء

Penicillium glaucum فطر يكسب المادة الغذائية طعم العفن ورائحته الكريهة، ونموه يكون أبيض في البداية ثم يتغير تدريجيا إلى اللون الأخطب "الأزرق إلى الأخضر" وجميع الخضر والفاكهة الطازجة تحمل أبواغ هذا الفطر على سطحها. وهو ينمو على كافة المواد المعرضة للهواء، ويفضل المواد المحتوية على السكر مثل الفواكه أو عصيرها أو المربيات. كما يفضل البيئات الحمضية على القلوية أو المتعادلة.4 المكنسية الإصبعية

p digitatum والمكنسية الإيطالية penicillium italicum وهما فطران يسببان تعفن المكسرات والجوزيات.

(1/262)

5 الرشاشية السوداء Aspergillus niger وهي فطر كثير الانتشار في الطبيعة ويؤدي إلى فساد المواد الغذائية وهو أشد إتلافا للمواد الغنية بالسكر والحموض العضوية. وهو ينمو أولا بشكل زغبي قطني، وبعد تكوين الغبيرات conidia يصبح لون العفن أبيض ولا يكسب المواد التي ينمو عليها طعما أو رائحة غير مقبولة. يوجد بكثرة على الفواكه والخضر، وكثيرا ما ينمو على الهلام والحلويات وشراب الفاكهة.6 الرشاشية الخطباء

Aspergillus glaucus وهي فطر يحدث تلفا شديدا للحبوب خصوصا الشعير أثناء عمليات الإنتاش كما ينمو على الهلام والفواكه المحفوظة.7 الرشاشية الطفيلية

A. parasiticus الرشاشية الصفراء Aspergillus flavus وهما يحدثان تلفا شديدا للفواكه والخضر والحبوب المخزونة والفول السوداني وينتجان ذيفانات فطرية شديدة السمية.8 البيضاوية اللبنية

oidium وهي فطر منتشر في الطبيعة ويوجد في اللبن الحامض، وينمو على شكل طبقة مخملية. وهو ينمو كذلك في الأغذية التي تحتوي على حمض لاكتيكي مثل المخللات والجبن والزبدة، وقد يحدث تغيرات حالة للبروتين غير مرغوبة.9 المعنقدة الرمادية

Botrytis cennerea وهي فطر يحدث تلفا للحبوب ويتحمل درجات البرودة في الثلاجات، وقد ينمو على العنب فتخترق خيوط أفطوراته القشرة، وتتغذى على العصير، ولكنها لا تغير طعمه وإنما تحدث جفافا في الثمرة.10- المبيضة البيضاء

Monilia candida. وهي فطر ينمو على الفاكهة ويخمر الدكستروز والمالتوز والسكروز.تلوث الأغذية بالفطريات والذيفانات "السموم" الفطرية:لبعض الفطريات التي تنمو على المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية وأعلاف الحيوانات والدواجن القدرة على إنتاج أنواع من المستقلبات الثانوية شديدة السمية بالنسبة للإنسان والحيوان أطلق عليها اسم الذيفانات الفطرية

mycotoxins وهذه الذيفانات قد توجد داخل الأبواغ أو الخلية أو قد تفرز في المادة الغذائية التي ينمو عليها الفطر. وأهم الفطريات التي لها القدرة على إنتاج الذيفانات الفطرية هي

(1/263)

الفطريات التابعة لأجناس: الرشاشية Aspergillus والمكنسية Penicillium والمغزلاوية Fusarium، والنوباء Alternaria، والشعراء Trichathecium والمبغثرة Cladosporiumوتتوقف قدرة الفطريات على إنتاج وتراكم الذيفانات على عدة عوامل، منها العوامل الوراثية والظروف البيئية "كالرطوبة والحرارة والمادة المغذية" والضوء والهواء "وجود الأكسجين وثاني أكسيد الكربون" ووجود عوامل مثبطة، والنمو التنافسي، والفترة التي بدأ الفطر ينمو فيها على المادة المغذية. وحيث أن الذيفانات الفطرية هي مستقلبات ثانوية، فلكي يتم إنتاج الذيفانات، حيث أن بعض المواد المغذية تكون مناسبة للنمو ولكن غير مناسبة لتكوين الذيفانات. وبعد النمو وإنتاج الذيفانات قد يموت الفطر.وعند اكتشاف قدرة فطر الرشاشية الصفراء

Aspergillus flavus على إنتاج الذيفانات في الستينات، ودرست خواصه السمية والكيماوية، أعطى اسم الأفلاتوكسين aflatoxin نسبة إلى الحروف الأولى المكون منها الجنس والنوع. وقد عرف بعد ذلك الكثير من السموم الفطرية منها حمض البنسليك Penicillic والباتولين patulin والأكراتوكسين ochratoxin A، والزيارالينون zearalenone والسترينين citrinine، والستير يغماتوسيستين Sterigmatocystin والتريكوثيزينات trichothesnies واتفق على أن الأفلاتوكسين أهمها بالنسبة للإنسان، نظرا لقدرته على تحمل المعاملات القاسية ولتأثيره التراكمي داخل جسم الإنسان، نظرا لقدرته على تحمل المعاملات القاسية ولتأثيره التراكمي داخل جسم الإنسان، كما أنه قد يوجد ي غذاء الإنسان والأعلاف وتنتقل بقاياه إلى اللحوم ومنتجات الحيوان كالبيض والألبان. وقد اكتشف منه أنواع كثيرة أكثرها شيوعا G G B B وهي الحروف الأاولى من لون التألق الذي يعطيه هذا الذيفان تبعا لتعرضه للأشعة فوق البنفسيجة، فالحرف B يدل على اللون الأزرق "green" والحرف G يدل على التألق الأخضر "Green" وأهم هذه الأنواع وأكثرها حدوثا وبكميات كبيرة هو النوع الأول B والثالث G والأفلاتوكسين ينتج من قبل فطور الرشاشية الصفراء A flavus والرشاشية الطفيلية A parasiticus التي تتراوح درجات الحرارة المثلي لنموها بين 35 و 38 مئوية، ومع ذلك فأكبر قدر ممكن من الأفلاتوكسين ينتج في درجة حرارة 24 – 30 مئوية. ولا ينتج اللافلاتوكسين تحت درجة حرارة 8 – 10 مئوية، وأقل

(1/264)

درجة حرارة يمكن للرشاشية الصفراء أن تنمو عليها هي 15 مئوية. وتتوقف درجة الباهاء "pH" المناسبة لإنتاج الأفلاتوكسين على نوع الغذاء والظروف البيئية وعموما فالفطريات المنتجة للأفلاتوكسين لا تنمو بشكل مناسب عند درجة باهاء 4 وأن قمة الإنتاج للأفلاتوكسين يكون بين درجتي باهاء 5.5 و 7.والمواد الغذائية العالية الكربوهيدرات تكون مناسبة لإنتاج الأفلاتوكسين وحيث أن المنتجات النباتية تحتوي على نسبة من الكربوهيدات أكثر من المنتجات الحيوانية، فإن معظم الأغذية المحتوية على الأفلاتوكسين هي المنتجات النباتية ووجود الأفلاتوكسينات في المنتجات الحيوانية يرجع إلى كونها متبقيات من الذيفانات الموجودة في الأعلاف التي يتغذى عليها الحيوان.يتعرض الإنسان للتسمم بالأفلاتوكسين وغيره من الذيفانات، إما مباشرة نتيجة لنمو الفطريات المنتجة للذيفان على الغذاء، وذلك عندما تكون الظروف البيئية مناسبة لنموها وإنتاجها للذيفان، أو بطرق غير مباشرة عند استعمال مكونات ملوثة في تصنيع الأغذية أو تناول أغذية حيوانية المصدر ناتجة من حيوانات سبق تغذيتها بأعلاف ملوثة، حيث وجدت بقايا من الذيفانات الفطرية في اللبن السائل والمجفف المنزوع الدسم والجبن والكبد وبعض أنسجة الحيوانات والدواجن والبيض، وذلك نتيجة لتغذية الحيوانات أو الطيور بأعلاف ملوثة بالذيفانات. وقد وجد أن الجرعة المسببة للتسمم بالذيفانات الفطرية في حيوانات التجارب لا تعتبر مقياسا للجرعة المؤثرة على الإنسان، ولكنها تستخدم فقط للاسترشاد. كما أن هذه الجرعة تختلف من حيوان إلى آخر تبعا للعمر والجنس والحالة الغذائية وسلالة الحيوان وحالة الهرمونات الجنسية. فالأعمار الصغيرة أكثر حساسية من الأعمار الكبيرة، والذكور الناضجة أكثر حساسية من الإناث الناضجة، إلا في حالات الحمل، فإن الإناث تكون أكثر حساسية. كما أن خلو الوجبات من البروتين يعطي تأثيرا أكثر فعالية لهذه الذيفانات. وفي الإنسان وجد أن تركيز 1 إلى 5 ميكروغرام يسبب تثبيطا في تخليق البروتين الكبدي، ويؤدي إلى سرطان الكبد نتيجة لحدوث خلل في عملية الانقسام التفتلي

mitotic divisionوقد اهتمت بعض الدول بفرض رقابة على الأغذية والأعلاف، ووضعت تشريعات محددة لنسب تواجد الذيفانات الفطرية بحد أقصى يختلف من دولة إلى أخرى، ومن غذاء وعلف لآخر، ويتراوح عموما بين 1 – 5 ميكروغرامات لكل

(1/265)

كيلو غرام في الغذاء، وما لا يزيد على 50 ميكروغرام لكل كيلو غرام للأعلاف، وما زالت الدعوة قائمة للحد من مستوى التلوث بالذيفانات الفطرية في الأغذية والأعلاف.أعراض التسمم بالذيفانات الفطرية:قد يؤدي تناول الأغذية المحتوية على الذيفانات الفطرية إلى تأثيرات في المدى القصير أو المدى الطويل، وتتلخص الأعراض في المدى القصير على تأثيرات حادة قد تكون سريعة، وفي بعض الأحيان مميتة، أما التأثيرات المزمنة أو على المدى الطويل، فهي تتضمن تأثيرات وراثية وتشوهات خلقية بالإضافة إلى السرطان. وقد تتضمن الأعراض الحادة صداعا في مقدمة الرأس وحمى ودوارا وقيئا وازدواج الرؤية وضعفا عاما وإسهالا دمويا وارتجافا، وتختفي الأعراض بعد حوالي 30 ساعة أما أهم أعراض الحالات المزمنة فهو السرطان، وأهم الذيفانات الفطرية من هذه الناحية هي الأفلاتوكسينات. وحيث أن الغذاء قد يحتوي على أكثر من نوع واحد من الفطريات المنتجة للذيفانات، وأن بعض الفطريات يمكنها إنتاج أكثر من ذيفان واحد، فإن أعراض التسمم بالذيفانات الفطرية قد ترجع إلى ذيفانات متعددة.وسائل الوقاية من التسمم بالذيفانات الفطرية:بما أن الفطريات هي المصدر الرئيسي لإنتاج الذيفانات على مختلف الأغذية، فإن طرق الوقاية أو الحد من تواجد الذيفانات الفطرية يرجع إلى الحد من وجود الفطريات بالأغذية. فالفطريات وأبواغها منتشرة انتشارا واسعا في الطبيعة، ويستحيل الحصول على غذاء خال من الفطريات. ولهذا فإن طرق الوقاية تتركز في خلق ظروف للمنتج الغذائي تحول، دون أن تحد، من نمو الفطريات أو من تكوينها للذيفانات. وأهم تلك الوسائل حماية المواد النيئة بالمخازن والمحاصيل الزراعة الغذائية من الإصابة الميكانيكية أو الحشرية أثناء الإنتاج أو النقل أو التخزين، كما يجب توفير درجات الحرارة والرطوبة غير الملائمة للنمو، مع توفير التهوية المناسبة للحد من النمو الفطري ومن إنتاج الذيفانات.بالإضافة إلى ذلك فإنه حسب طبيعة المحصول أو الغذاء المخزن يمكن معاملة الغذاء أو إضافة بعض المواد التي تثبط نمو الفطريات، والحد من إنتاج

(1/266)

الذيفانات، وذلك أثناء التصنيع أو التخزين مع اشتراط مطابقتها للتشريعات على مستويات قصوى لمتبقيات هذه المواد في الغذاء المعد للاستهلاك. فبعض المواد الحافظة التي سبق ذكرها تحت عنوان الجراثيم لها خواص مزدوجة في تثبيط نمو الجراثيم والفطر، وبعضها له فعالية أكبر في حالة الفطر.وبالإضافة إلى ذلك يمكن قتل أبواغ الفطريات المنتشرة في هواء المصانع، خاصة تلك التي تنتج أغذية يسهل سقوط أبواغ عليها في أماكن التعبئة، كما في حالة مصانع الألبان والمخابز، وذلك بواسطة الأشعة فوق البنفسجية عن طريق مصادر خاصة معلقة في السقوف، ويزيد من فعالية هلاك الأبواغ تزويد هذه المصادر بجهاز خلفها لشفط الهواء حتى يكون هناك تيار متجدد من هواء الحيز يمر بالأشعة فوق البنفسجية.وقد ثبت أن بعض التوابل أو زيوتها تحوي مواد شديدة التثبيط لنمو الفطر، منها القرفة والقرنفل، مثل مستخلص القرنفل وهو اليوجينول

euogenol، والثيمول thymol المستخلص من الزعتر، وحمض السيناميك cinnamic acid المستخلص من القرفة. هذا بالإضافة إلى غاز ثاني أكسيد الكبريت وسوربات البوتاسيوم. كما يمكن معاملة الأغذية والأعلاف بالأمونيا، حيث يؤدي ذلك إلى تخرب الأفلاتوكسين، وهذه أبحاث كان المقصود منها الاستفادة بمنتجات بعض الدول من الفول السوداني، وعدم تعريضها لخسائر اقتصادية حيث تسبب زيادة الرطوبة النسبية وارتفاع درجة الحرارة في الجو إنتاج محصول يحتوي على نسبة من الذيفانات أعلى من الحدود القصوى المسموح بها في الدول المستوردة.

(1/267)

ثالثا: التلوث البيئي

...التلوث بالمعادن الثقيلة

1- التلوث بالمعادن الثقيلة:قد تتعرض المواد الغذائية أثناء إنتاجها أو تصنيعها أو تعبئتها أو نقلها أو حفظها للتلوث بأنواع مختلفة من المعادن الثقيلة نتيجة ملامسة المادة الغذائية لأسطح الأواني والأدوات أو العبوات أو مواد التغليف عامة المصنوعة من هذه المعادن الثقيلة أو المحتوية على آثار منها كشوائب، أو نتيجة لاستخدام مياه تحتوي على شوائب معدنية نتيجة لمرورها في أنابيب غير نقية، وذلك في عمليات غسيل.المادة الغذائية النيئة أو الفاكهة، أو في عمليات تصنيعها أو نتيجة لاستخدام مضافات غذائية غير نقية تحتوي على شوائب لهذه المعادن الثقيلة. كما قد تتلوث مياه الأنهار أو شواطئ البحار بمركبات المعادن الثقيلة فتلوث الأسماك. وتتلوث الخضر والفاكهة بمركبات المعادن الثقيلة عند مكافحة الفطريات، وتصبح مصدرا للتسمم إذا لم يتم غسلها جيدا لإزالة ما عليها من مركبات المعادن الثقيلة. وعادة تحدد اللوائح الغذائية المستويات القصوى لهذه المعادن في الأغذية المختلفة وأيضا في مضافات الأغذية.وبعض هذه المعادن الثقيلة قد توجد في المادة الغذائية نفسها في حالتها الطبيعية، كما توجد في جسم الإنسان بكميات ضئيلة جدًّا في صورة مركبات عضويات ذات أهمية كبرى لأنها تدخل في تركيب كثير من المركبات العضوية ذات الأهمية الحيوية في الجسم كالهيموغلوبين والثيروكسين والإنزيمات المحتوية على النحاس كالأكسيدازات في أكسيداز حمض الأسكوربيك، والزنك في نازعة هيدروكسي الكربونيك، والمولبيدنوم في أكسيداز الزانثين، أو كمكونات الفيتامينات، مثل الكوبلت في فيتامين ثالثا: التلوث البيئي

b12، أو مكونات للهرمونات مثل الكبيرت في الأنوسلين واليود في الثيروكسين. إلا أن وجودها في الغذاء كمعدن أو كمركبات كيميائية من مصدر خارجي بكميات كبيرة نسبيا يكون لها تأثيرات سامة بالنسبة للإنسان أو الحيوان. وحتى لو احتوى غذاء الإنسان على كميات ضئيلة منها، فهي قد تؤثر في المدى الطويل على العمليات الحيوية بالجسم، إذ أن بعضها له صفة تراكمية في الجسم.ولا تقتصر أضرار التلوث المعدني على ذلك، فإن بعض المعادن الثقيلة إذا ما لوثت المادة الغذائية أدت إلى تغيرات تضر بصفاتها المرغوبة، أو تقبلها للمستهلك. فالبعض منها مثلا إذا وجد بالمادة الغذائية، ولو بنسبة ضئيلة، يؤدي إلى تغير الطعم أو اللون الطبيعي المرغوب للمستهلك، أو إلى تقويض الفيتامينات أو تزنخ الدهون والزيوت، فتعمل في تأثيراتها هذه عمل العامل المساعد على تنشيط التفاعلات الكيميائية غير المرغوبة وبعض هذه المعادن يساعد على تنشيط بعض الإنزيمات التي تحدث تغيرات في المادة الغذائية.ويتوقف المقدار المسبب لتلوث المادة الغذائية على عدة عوامل، منها تركيب المادة الغذائية نفسها، ومدى احتوائها على الماء أو الحموض أو المواد التي تتفاعل.

(1/268)

مع المعادن، ونوع المعدن الذي يلامس المادة الغذائية أثناء التداول أو التصنيع، ومدة ملامسة المادة الغذائية لهذه المعادن أو أسطحها، ودرجة الحرارة، ونوع المركب الذي يحتوي على المعدن، ومدى نقاوة الماء المستعمل وخلوه من الشوائب المعدنية. كما تتوقف شدة التسمم حسب نوع المعدة والجرعة المأخوذة، وفي الحالات الشديدة تنتج اعراض واضحة كتهيج أغشية المعدة والغثيان والمغص والقيء وفقر الدم أحيانا، وعادة تزول الأعراض بسرعة بعد القيء. ويختلف التسمم المعدني عن التسمم المكروبيولوجي في أنه لا يحتاج إلى فترة حضانة، وأهم المعادن التي تلوث المواد الغذائية وتعتبر سامة التأثير النحاس والرصاص والزنك والقصدير والزرنيخ والأنتيمون والكادميون والزئبق، وسيأتي الكلام عن التلوث بالزئبق تحت تلوث البحار.أ- النحاس:إن أملاح النحاس ذات تأثير قابض ومهيج للمعدة. ولم يحدد بعد مقدار النحاس الذي يعتبر ساما، أما تأثيره المهيج للمعدة فيحدث بفعل كمية تتراوح بين 80- 160 مليغراما. وهو يمتص في الدم، وتؤدي زيادة امتصاصه إلى انحلال كريات الدم. وقد كانت سلفات النحاس تستخدم في تثبيت اللون الأخضر للمواد الغذائية، إلا أن القوانين الغذائية قد حظرت استخدامها.وقد أثبتت الكثير من التجارب التي أجريت على الحيوانات باستخدام كميات كبيرة من أملاح النحاس أثره السام وخطره على الصحة والحياة، إلا أن هذه الكميات لا يمكن من الناحية العملية أن توجد في غذاء الإنسان. وهو يمنع نمو الجراثيم، وربما أدى وجوده إلى إيقاف نشاط الجراثيم المعوية. ونظرا لأن معدن النحاس يذوب في الحموض العضوية التي تحتويها المواد الغذائية، ونظرا للتأثير الضار الذي تحدثه أملاح النحاس على الصفات المرغوبة للمواد الغذائية، وخصوصا التأثير المتلف لفيتامين

C في المادة الغذائية، فقد أخذت مصانع الأغذية تستبدل الآلات والأوعية النحاسية وتستخدم معادن أخرى لا تتأثر بالمواد الغذائية ولا تحدث تلفا فيها، وكذلك روعي ضرورة إزالة بقايا مواد الرش أو التعفير العالقة بالمادة الغذائية. وأهم المواد التي يوجد فيها النحاس بمقادير عالية نسبيا الخضر والفاكهة الطازجة.

(1/269)

ب- الرصاص:يعتبر الرصاص من أشد المعادن سمية إذا وجد في المادة الغذائية والتأثير السمي للرصاص ينتج عن التأثير التراكمي

cumulative، لما يتجمع من الكميات التي يتكرر وصولها للجسم، والتي يعتبر كل منها لوحده ضئيل الأثر على الصحة ولم يعرف حتى الآن أنه عنصر ضروري في تركيب الخلية الحية.ويصل الرصاص إلى المواد الغذائية إما عن طريق البقايا التي توجد في التربة أو عن طريق استعمال المعدن نفسه، أو السبائك التي تستخدم في صناعة الأواني والآلات التي تلامس الغذاء أثناء إنتاجه. فالأواني التي تطلى بالقصدير المحتوي على الرصاص، وكذلك الوصلات الملحومة، وأنابيب الرصاص، والأصبغة أو المواد المكسبة للمعة، قد تسبب كلها أو بعضها تلوثا للمادة الغذائية. وكذلك إذا استخدمت زرنيخات الرصاص في مقاومة الحشرات، فإن بقاياها تبقى على الخضر والفاكهة. وحدوث التسمم بوصول الرصاص إلى مجرى الدم يتميز بإحداث فقر الدم. وينقل الدم الرصاص إلى الأنسجة المختلفة في الجسم فيسبب تخربها. وقد يفرز البعض منه خارج الجسم أو يختزن في الهيكل العظمي. ومعظم حالات التسمم بالرصاص عن طريق الأغذية في السنين الأخيرة حدثت بسبب تلوث المياه والبيرة والمشروبات.ج- الزنك:هناك حالات من التسمم تحدث بسبب تلوث المادة الغذائية بنسب عالية من الزنك. والأعراض الشائعة تقتصر على القيء، ولكن لم تحدث حالات تسمم ي الإنسان تصل في شدتها إلى حد ظهور أعراض أخرى. وأملاح الزنك ذات تأثير مهيج للمعدة. وينتقل الزنك إلى المواد الغذائية عن طريق الأواني الحديدية المغلفنة وأجزاء الآلات.د- القصدير:يوجد القصدير بشكل بقايا في التربة، كما توجد آثار منه في أنسجة النبات والحيوان. ولم تعرف له وظيفية بيولوجية. ويعزي أكثر ما يوجد منه في الأغذية إلى ما يذوب منه من الطبقة المبطنة للصفيح عند استعماله في حفظ الأغذية. وعلى الرغم من أن القصدير يصنف ضمن المعادن ذت التأثير السام، إلا أنه من الصعب

(1/270)

التعرف على حالات يحدث فيها تسمم حاد أو متأصل ينسب للقصدير وحده عن طريق الأغذية المحفوظة في العلب غير المبطنة بمواد صمغية.هـ- الزرنيخ:هو معدن ذو أثر سمي شديد، وشكله السام هو ثالث أكسيد الزرنيخ أو أكسيد الزرنيخوز. وعلى الرغم من وجود الزرنيخ في الدم فلا يعرف له أثر في العمليات البيولوجية في الجسم. وأكثر كمية توجد منه في الجسم تكون في الشعر والأظافر، حيث يحتوي الشعر بين 0.3 و 0.7 جزء في المليون، والأظافر الداخل للجسم. وتستخدم هذه الظاهرة في تشخيص حالات التسمم بالزرنيخ. والزرنيخ الموجود طبيعيا في الجسم قد يكون مصدره الأسماك أو استنشاق التراب ودخان الفحم. والمقدار الأصغري من أكسيد الزرنيخوز اللازم لتسمم الإنسان يتراوح بين 0.8 و 2.4 مليغرام لكل كيلو غرام من وزن الجسم. وتستخدم زرنيخات الرصاص بكثرة في رش الفواكه لمقاومة الحشرات. ويبقى جزء من هذه المواد عالقة بأسطح الثمار، ولذلك كان لا بد من غسلها في تعفير الخضر. وتزيد نسبة الزرنيخ عادة في التربة حيث تستخدم الزرنيخات في الرش والتعفير، وبذلك قد تتلوث التربة ومواد غذائية أخرى فترفع نسبة الزرنيخ فيها.و– الأنتيمون:يصل الآنتيمون إلى الأغذية عن طريق: 1- الأوعية المطلية بالمينا، 2- اللحام الورق المفضض 3- حلقات وأنابيب المطاط، 4 مركبات الأنتيمون التي تستخدم كمبيدات للحشرات.وأهمها هي الأوعية المطلية بالمينا، وتتوقف سمية مركبات الأنتيمون على قابليتها للذوبان وعلى حالتها من حيث التأكسد، أي تتوقف على ما إذا كانت ثلاثية أو رباعية التكافؤ. وثالث أكسيد الانتيمون الذي يستخدم في صناعة المنيا لا يمتص في القناة الهضمية لعدم قابليته للذوبان، وفي صناعة المينا يتحول ثالث وخامس أكسيد الأنتيمون إلى ميتا أنتيمونات الصوديوم. ولا يذوب الأنتيمون في حمضو الغذاء إلا إذا تعرت الطبقة اللامعة للمينا التي تحمي أكسيد الأنتيمونز ويستخدم.

(1/271)

الأنتيمون في السبيكة التي تصنع منها الأوراق المعدنية القصديرية التي تستخدم في لف الجبن، وبذلك تكتسب تلك الصفائح مقاومة للتأكسد، وتساعدها على التلف وقد يظهر الأنتيمون كصبغة بيضاء أو بنية اللون على سطح الجبن من تأكسد وذوبان الصفائح القصديرية، وكذلك قد تحتوي سبيكة اللحام على الأنتيمون، فيكون ذلك سبيلا إلى وصوله إلى الغذاء. ويوجد خماسي سلفيد الأنتيمون كأحد مكونات أنابيب وحلقات المطاط.ز- الكادميوم:هو أحد المعادن التي تستخدم في طلاء الأواني والأدوات، ويدخل في تركيب مواد اللحام ومبيدات الآفات "الهوام"

pesticids، وقد ينتقل إلى الغذاء عن أحد هذه الطرق. والكادميوم هو أحد المعادن ذات التأثير السمي الشديد، وأملاحه تحدث آلاما شديدة في المعدة مصحوبة بقييء وإسهال، وتشبه في تأثيرها أملاح الزنك، إلا أن تأثير الكادميوم يكون أشد. وتخفف الحدة بعد القي الذي يطرد.الكادميوم خارج الجسم.

(1/272)

التلوث بالمضادات الحيوية والهرمونات:بدأ استخدام المضادات الحيوية في حفظ غذاء الإنسان في أواخر الأربعينات من القرن العشرين، نظرا لعدم وجود المواد الحافظة الآمنة والفعالة وقتذاك، فكانت المضادات الحيوية أكثر فاعلية ضد الأحياء الدقيقة، ويمكن استخدامها بتركيزات منخفضة جدًّا لا تؤثر على الصفات الفيزيائية للغذاء. إلا أن استخدام هذه المضادات الحيوية في الغذاء بقصد الحفظ قد قل لدرجة كبيرة في الوقت الحاضر، بعد أن تعددت وتنوعت المواد الحافظة، خاصة بعد أن عرف أن استخدام المضادات الحيوية في غذاء الإنسان أو في علاج الأمراض المختلفة يكسب الأحياء الدقيقة مناعة ضدها تقلل من فعاليتها عند استخدامها لعلاج الأمراض، علاوة على امكانية تأثيرها على النبيت المعوي

intestinal flora في الإنسان وعادة لا ينصح باستخدام أي مركب كمادة حافظة في الغذاء إذا كانت له استطبابات "دواعي استعمال" indications طبية، وينطبق هذه على وجه الخصوص على بعض المضادات الحيوية كالبنسيلين penicillin والستربتوميسين streptomycin ويعتبر النيسين nicin والبيمارسين pimarcin من المضادات الحيوية المعروفة.

(1/272)

الاستخدام لحد ما في الأغذية حتى وقتنا الحاضر، في بعض الدول، بينما حظر استخدامها في كثير من الدول الأوروبية وفي أميركا ويستخدم النيسين كمادة حافظة لكثير من منتجات الألبان، فيستخدم في حفظ الجبن الجاف من الانتفاخ المتأخر، إلا أن أهم استخدام له في الجبن المطبوخ، حيث يتميز بفاعلية ضد الجراثيم الهوائية المكونة للأبواغ، حيث يثبط المطثيات والجراثيم المكونة لحمض البوتيريك بتركيز بين 2- 8 مليغرام لكل كيلو غرام فيضاف أثناء الطبخ أو انصهار الجبن. كما قد يستخدم النيسين كمادة ماسعدة في التعقيم عند حفظ الخضراوات، حيث تساعد إضافته على توفير ظروف تعقيم أقل شدة، وخاصة في منتجات الطماطم. ويبدأ تأثير النيسين بعد انتهاء المعاملة الحرارية حيث يثبط انتاش الأبواغ التي تحملت المعالجة الحرارية والتي تبدأ في الإنتاش بعد ذلك ويبقى النيسين ثابتا لبضع سنين في الصورة الجافة، وتزداد درجة ثباته في المحاليل كلما انخفضت درجة الباهاء ph، فيمكن للنيسين أن يحتفظ بفاعليته لمدة 30 دقيقة في درجة حرارة 121 مئوية عند درجة باهاء 2، ويبدأ تقويض النيسين عند درجة باهاء 4، وتزداد سرعة التقويض بارتفاع درجة الحرارة. وبصفة عامة فإن فاعلية النيسين ضد الأحياء الدقيقة تصل للذروة بين درجتي باهاء 6.5 و 6.8 إلا أن درجة ثباته في هذا المجال تكون قليلة.أما البيمارسين فيستخدم كمادة حافظة لأسطح الجبن، وهو يتميز بتأثيره القوي ضد الفطريات، وخاصة المكونة للذيفانات الفطرية، وليس له تأثير مباشر على تكوين الذيفانات الفطرية. وعادة يغمر الجبن المراد حفظه في معلق يحتوي على 0.5 – 0.25 % بينما يرش أو يدهن سطح الجبن المراد حفظه بهذا المعلق ويستخدم البيمارسين كذلك بتركيز 05 0% كمادة مضافة للأغلفة الصناعية وفي تغليف الجبن. كما يستخدم البيمارسين لتقليل نمو الفطريات على أسطح النقانق النيئة حيث يغمر في محلول يحتوي على 0.2 – 25 % بيمارسين والبيمارسين ثابت في درجة باهاء

pH بين 4- 7، وهو حساس للمواد المؤكسدة والمعادن الثقيلة والضوء والحرارة، وتزداد درجة تقويضه بانخفاض درجة الباهاء. ونظرا لقلة ذوبان البيمارسين في الماء فهو يتركز على السطح الخارجي للجبن، ولا ينفذ منه إلا القليل إلى داخل الجبن، ويكون النفوذ أسرع وأعمق في الجبن الطري منه في الجبن الجاف.

(1/273)

ويستخدم الأوكسي تتراسيكلين في إطالة فترة حفظ الأسماك والحيوانات البحرية على سفن الصيد، حيث يضاف بنسبة 5 أجزاء في المليون إلى الثلج المستخدم في حفظ الأسماك فيطيل مدة حفظها بدرجة كبيرة. كما قد تغمر اللحوم الطازجة ولحم الدجاج الطازج في محلول من التتراسيكلين بتركيز 10 أجزاء في المليون، حيث يطيل مدة حفظها بالتبريد للضعفين أو ثلاثة أضعاف، كما قد تحقن الذبائح ببعض المضادات الحيوية مثل التتراسيكلين والبنسيلين والكلورامفينيكول قبل الذبح للمساعدة على حفظ اللحوم. والتتراسيكلينات ثابتة نسبيا، فتأثيرها فعال وطويل، إلا أن ذلك يضر بصحة المستهلك لعدم إمكانية إزالة المضاد الحيوي بطرق التصنيع الغذائي المختلفة. وتحظر معظم القوانين استخدام المضادات الحيوية في كل ما يتعلق بالغذاء، وتحدد بعض الدول المستويات القصوى لبقاياها في اللحوم أو الدواجن أو الأسماك.أما بالنسبة للحيوان فقد بدأ استخدام المضادات الحيوية كمضافات للأعلاف الخاصة بالدواجن وبحيوانات التسمين، وقد لوحظ أنها تؤدي إلى زيادة الوزن مع توفير العلف، وخاصة إذا ما اقترن ذلك بإضافة الهرمونات. ولا تعرف بالضبط آلية عمل المضادات الحيوية في عملية التسمين، إلا أن البعض يفسر ذلك بأن المضاد الحيوي يحمي الحيوان من الأمراض المعروفة وغير المعروفة، وبهذا تتحسن الصحة العامة للحيوان أو الطائر، ويتيح ذلك الفرصة لأكبر نمو ممكن. وعلى هذا فإن أكثر المضادات الحيوية أهمية بفائدتها من هذه الناحية هو المضاد الحيوي الذي له طيف واسع لقوة تثبيط المكروبات، وقد وجد أن البنسيلين هو أحسنها في الة علف الدواجن، وأن الأوكسي تتراسيكلين أحسنها في حالة أعلاف حيوانات التسمين.كما قد تقوى أعلاف الحيوانات والدواجن بالهرمونات أو مستحضراتها، أو تعطى بالحقن تحت الجلد فتزيد من سرعة التسمين بأكثر من 10%، فيوفر ذلك من الأعلاف بما يتراوح بين 6- 12%.والهرمونات التي تضاف عادة إلى الأعلاف هي الإستروجين

estrogene والبروجسترون progesterone أو مستحضراتهما كالإستراديول estradiol B17 أو أسيتات الترامبولان trambolane acetate فقد ثبت أنها عوامل بناءة للبروتين، وتسرع من عملية النمو والتسمين بطريقة غير مباشرة تتوسطها عمليات تتحكم فيها الغدة الدرقية، ولهذا يضاف عادة هرمون الثيروكسين thyroxine لزيادة كفاءة

(1/274)

الهرمونات الأخرى المضافة في عملية التسمين.ولم يثبت حتى الآن وجود بقايا لهذه الهرمونات في لحم الحيوان أو الدواجن، وربما كان السبب في ذلك عدم توفر الطرق المتناهية في الدقة لتقدير هذه البقايا المتناهية في الصغر في الأنسجة العضلية. إلا أنه من المعروف أن محتويات الدهن تحت الجلد في الدواجن ودهون الحيوانات وأنسجة الكبد تحوي بقايا لهذه الهرمونات، مما قد يكون له تأثير ضار بالصحة على المدى الطويل بالنسبة للإنسان وخاصة على الإناث. ولا يزال هذا الموضوع يفتقر إلى المزيد من المعلومات سواء من حيث وجود هذه البقايا أو تأثيراتها الضارة على الإنسان.

(1/275)

3- :الطاقة وتلوث البيئة بالإشعاع:للطاقة أهمية أساسية في الحياة ولكن استخداماتها تؤدي على تلوث البيئة وتسبب الضرر للإنسان بدرجات متفاوتة تتوقف على نوع المادة أو العنصر المولد للطاقة فاحتراق الفحم مثلا يلوث البيئة بغاز ثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى ضارة كما أن احتراق اليورانيوم ينشأ عنه انبعاث إشعاعي وإنتاج مواد مشعة تلحق أشد الضرر والأذى بالإنسان خاصة والمخلوقات عامة.والطاقة- وهي القوة المخزنة أو المنطلقة- لها صور مختلفة يمكن تحويل كل منها للآخر. فهناك الطاقة الكهربائية، وهي قوة ناتجة عن حركة بعض إلكترونات الذرة، والطاقة المغناطيسية، وهي قوة الجذب والتنافر بين بعض الأجسام، والطاقة الحرارية والصوتية والكيميائية والحركية والإشعاعية. وكلها صور من الطاقة يمكن تحويلها إلى بعضها البعض، وجميعها يمكن تحويلها إلى طاقة كهربائية مثلا، كما يمكن تحويل الكهرباء إلى جميع الصور الأخرى للطاقة.ومن المعروف أن الجزيء هو أصغر جزء في المادة ويتركب من وحدات هي الذرات. وإذا تشابهت ذرات المادة سميت بالعنصر، وإذا اختلفت سميت بالمركب. ويوجد في الطبيعة 92 عنصرا، أصغرها وزنا جزيئيا الهيدروجين وأكبرها وزنا جزيئيا اليورانيوم، ومن الممكن في العصر الحديث استحداث عناصر أخرى اصطناعيا.ومن المعروف كذلك أن الذرة تتكون من بروتونات موجبة ونوترونات متعادلةالتلوث الإشعاعي

(1/275)

متجمعة في المركز الذي يسمى النواة. ويدور حول النواة عدد من الجسيمات السالبة، هي الإلكترونات، في مدارات معينة تعرف بمستويات الطاقة، يحتوي كل منها على عدد معين من الإلكترونات ذات طاقة معينة. وتشغل الألكترونات ذات الطاقة الأقل مستويات أقرب إلى النواة والعكس. وإذا اكتسب الإلكترون كمية من الطاقة ينتقل إلى مستوى طاقة أعلى، وإذا فقد هذه الكمية من الطاقة يعود إلى مستواه الداخلي ويشع الطاقة على هيئة إشعاعات يمكن تصويرها، تسمى الأشعة السينية التي تختلف في أطوال موجاتها وطاقاتها، كما تختلف في منشئها من ذرات عنصر إلى آخر.وأغلب العناصر الموجودة في الطبيعة ثابتة، إلا أن بعض العناصر ذات الوزن الذري "عدد الاكترونات+ عدد البروتونات" العالي 209 فما فوق، تتفكك نواتها تلقائيا وينبعث منها طاقة إشعاعية على شكل أنواع مختلفة من الإشعاعات ومن أمثلة العناصر المشعة الموجودة في الطبيعة اليورانيوم والراديوم والأكتينوم. وعندما تتطاير الجسيمات من نواة ما يتغير وزن تلك النواة تلك النواة حتى تستقر وينتج عنها عنصر ثابت غير مشع. فالراديوم مثلا بعد سلسلة من الإشعاعات لزمن معين يتحول إلى عنصر الرصاص. وجميع العناصر المشعة تتحطم نواتها بسرعة ثابتة حتى تستقر وبواسطة النوترونات البطيئة يمكن تحويل أي عنصر في الكون إلى عنصر آخر أو نظير مشع.وعملية تحول النواة غير الثابتة غير الثابتة "المشعة" تلقائيا لعنصر ما إلى نواة لعنصر آخر مستقر تسمى النشاط الاشعاعي، وينبعث عنها نوع معين من أحد ثلاثة أنواع من الإشعاع هي ألفا (

a) وبيتا (B) وغاما (y) ويختلف كل عنصر مشع عن الآخر، كما تختلف أنواع الإشعاعات التي تنطلق منه. وإشعاعات ألفا وبيتا هي عبارة عن جسيمات، أما إشعاعات غاما فهي موجات كهرمغناطيسية.ومصادر أشعة ألفا الطبيعية هي الشمس والمواد المشعة الطبيعية كالراديوم واليورانيوم والمواد المشعة الصناعية ومصادر أشعة بيتا "الإلكترونات" الطبيعية هي الشمس والمواد المشعة الطبيعية كالراديوم. ومن المواد المشعة الصناعية مواد لا تعطي إلا أشعة بيتا كالسترونسيوم 90 والفورسفور المشع 33. ومصادر النوترونات الطبيعية هي الشمس والمواد المشعة كاليورانيوم 235، ويمكن الحصول عليها كذلك من تفاعل أشعة ألفا مع معدن البيريليوم. وللبروتونات كذلك مصادر طبيعية

(1/276)

واصطناعية. أما الطاقة الإشعاعية الموجبة وهي أشعة غاما فلها مصادر طبيعية كالشمس والراديوم.وأهم صفة في جميع المواد المشعة هي أن نشاطها الإشعاعي يقل تدريجيا بمرور الزمن. وتتميز المواد المشعة بما يعرف "بعمر النصف"

Half – life، وهو الزمن اللازم لنقص النشاط الإشعاعي إلى النصف. وعند مرور ضعفي فترة عمر النصف يصل مستوى الإشعاع إلى ربع المستوى الأعلى، وعند مرور عشرة أضعاف عمر النصف يصل المستوى إلى واحد في الألف من المستوى الأعلى.ويتراوح عمر النصف من جزء من الثانية إلى ملايين السنين، إلا أن معظم المواد المشعة تطلق أشعة شديدة الاختراق توجب تأمين ساتر ثقيل، وتتفكك بسرعة إلى مستويات منخفضة، ولها فترة عمر نصفي قصيرة. أما المواد المشعة التي لها عمر نصفي طويل، فإنها تطلق إشعاعات قليلة جدًّا بقوة اختراق ضعيفة، وهذه لا تضر الإنسان إلا إذا وصلت داخل الجسم.وأول من اكشتف التأثيرات الضارة للإشعاعات هو العالم الفرنسي هنري بيكريل

Bequerel عام 1898، حيث أخذ قدرا من مادة الراديوم التي اكتشفتها مدام كوري Curie في نفس العام، ووضعه في أنبوبة اختبار تركها لفترة ما في جيب قميصه لحين دراسة خصائصها كمادة متألقة فأصابه ما يشبه الحروق. ومنذ ذلك التاريخ عكف على دراسة تأثير إشعاعات الراديوم على الخلية الحية، ومن هنا نشأ وتطور علم بيولوجيا الإشعاع، الذي يبحث في التأثيرات البيولوجية للإشعاعات المؤينة ذات النشاط الطبيعي أو الاصطناعي، أو من الأشعة السينية x- rays "الإشعاع الخارجي" التي اكتشفها العالم رونتجن Roentgen عام 1895 والتي لها نفس خواص إشعاعات الراديوم.وفي الحقيقة فإن البيئة تحتوي على نسبة دائمة من الإشعاع، فمنذ نشأة الحياة على الكرة الأرضية توجد إشعاعات متوازنة مع غيرها من العوامل البيئية وتسبب أحيانا طفرات بيولوجية تتوقف على قوة وشدة ونوع الإشعاع وبتقدم العلوم والتكنلوجيا بدأ مستوى الإشعاع في الزيادة بفعل الإنسان، بسب ابتكاراته ومحاولة تطويعه عناصر الطبيعة لخدمته، مما أثر على النظام الحيوي في البيئة، وهو نظام له سعة معينة في تعرضه للإشعاع الزائد لفترات طويلة. وكانت المحصلة زيادة تعرض الإنسان وغيره من المخلوقات، وكذلك الغذاء إلى إشعاع زائد ساهم في التأثير.

(1/277)

المباشر وغير المباشر على صحتهالتأثير البيولوجي للإشعاع:يؤدي الإشعاع إلى إحداث تغيرات كيميائية في الخلايا الحية تؤثر على سلوك الخلية، نتيجة لتأثيره على الحموض النووية التي تحمل جميع المعلومات المطلوبة للتطور، وانقسام الخلية، ونمو الأنسجة الحية عامة. وقد يؤدي التأثير إلى تلف الحمض النووي، وفي بعض الأحيان يمكن تعويض هذا التلف، إلا أنه في حالات أخرى يؤدي الإشعاع إلى موت الخلية أو تحويلها. وإذا قتل عدد كبير من خلايا العضو تتأثر وظيفته وربما يموت. وترتشف الخلايا الميتة عادة من قبل النسيج أو قد ترفض كما قد تؤدي تحولات الخلية إلى حدوث الأمراض الخبيثة.والإشعاع يؤثر على كل الأفراد المتعرضين وهو ما يعبر عنه بالتاثير المباشر، وكذلك الأجيال فيما بعد، وهو ما يعبر عنه بالتأثير الوراثي. فالجرعات العالية جدًّا التي يتعرض لها الإنسان في فترة قصيرة، لا تتعدى دقائق، تؤدي إلى تلف واسع الانتشار لخلايا الدم وأنسجة العظام وتنتهي عادة بالموت خلال أسابيع قليلة، وهذه تسمى بالتأثيرات العاجلة

early. ففي حالة قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، وكذلك في قليل من الحوادث التي حدثت في الأيام الاولى لأبحاث الأسلحة النووية، وتلك التي حدثت بين عمال الإطفاء الذين تابعوا حادث تشيرنوبل بروسيا، حدثت حروق في الجلد وسقوط الشعر وقلة الخصوبة. ولا تنتج مثل هذه التأثيرات العاجلة في حالة الجرعات الصغيرة، أو المحصورة في موضع واحد، أو المتراكمة خلال فترة زمنية طويلة نسبيا، فلم يحدث تلف معين لصحة أولئك الأفراد الذين تعرضوا لمثل هذه الجرعات طيلة العمر، كما لم يلاحظ أي تاثير على ذريتهم. إلا أن هناك احتمالا ولو قليلا لإصابتهم بالسرطان وهذه السرطانات الوراثية تختلف عن التأثيرات العاجلة فهي لا تظهر إلا بعد فترة تعرض مديدة، ولهذا فإنها تسمى بالتأثيرات الآجلة late.تلوث البيئة بالنشاط الإشعاعي وتعرض الإنسان له:يتعرض الإنسان منذ بداية الخليفة للأشعة من المصادر الطبيعية التي تأتية من خارج الأرض وهي الأشعة الكونية. ويتميز هذا النشاط الإشعاعي بضالته وقدرة الإنسان على تحمله دون أن يتعرض لأضرار صحية بالغة على مدى عمره. وفي

(1/278)

العصر الحديث أضاف الإنسان إلى هذه المصادر الطبيعية مصادر أخرى صناعية أصبحت تشكل في مجموعها أخطارا كبيرة على صحته. ويبين الشكل 1 مصادر ومقدار الإشعاع الذي يتعرض له الإنسان مقدرا بالملي سيفرت في السنة، ومنه يتضح أن هناك مصادر إشعاعية طبيعية وأخرى صناعية تلوث البيئة ويتعرض لها الإنسان كما يلي:المصادر الطبيعية للإشعاع:أ- الأشعة الكونية

cosmic rays:ومصدر هذه الأشعة هو الفضاء المحيط بالكرة الأرضية، ومن الزوابع والانفجارات التي تحدث على سطح الشمس التي يتشتت بعضها ويتفاعل مع ذرات الهواء القريبة من الأرض مكونا جسيمات أقل طاقة تتألف من إلكترونات وبروتونات ونوترونات وجسيمات ألفا ونوى مشعة ثقيلة. ويتمكن بعض هذه الأشعة من النفاذ داخل طبقات الهواء والوصول إلى مستوى الحياة على الأرض بكميات كبيرة يمكن قياسها والنوع الثاني يتجمع بقوة مغناطيسية الأرض ليشكل أحزمة حولها تبدأ على ارتفاع ألف كيلو متر من سطح الأرض. والنوع الثالث يكون بعيدًا جدًّا عن سطح الأرض.وتتأثر كثافة هذه الأشعة الكونية بالمجال والمركز المغناطيسي للأرض، وبالارتفاع عن سطح البحر. فتزداد كثافة هذه الأشعة بزيادة الارتفاع عن سطح البحر وزيادة البعد عن خط الاستواء، أي زيادة خطوط العرض. ويزداد تعرض الإنسان لهذه الأشعة بسبب تواجده على سطح الأرض وركوبه الطائرات لارتفاعات عالية، ويكون تعرضه لهذه الأشعة أكبر في حالة الطائرات فوق الصوتية عنها في حالة الطائرات المدنية النفاثة. إلا أن صناعة الطائرات قد أدخلت في حساباتها هذه المؤثرات.ب- الإشعاع الناجم عن البيئة الأرضية:القشرة الأرضية. ينتشر بالقشرة الأرضية كثير من المواد المشعة انتشارا كبيرا، ويتعرض الإنسان إلى جرعات منها قد تزيد عن تلك الناجمة عن الأشعة الكونية. ويزداد تركيز هذه الأشعة في الصخور الغرنيتية عنها في الصخور البازلتية أو الرسوبية. كما يقل تركيزها في الصخور الجيرية والرملية. ويكثر احتواء الصخور

(1/279)

الرسوبية المحتوية على أصداف بحرية أو مواد عضوية على مواد مشعة. ومن أهم العناصر المشعة التي تحتويها القشرة الأرضية اليورانيوم والثوريوم، والأول موجود بكميات أكبر ولكنه أقل انتشارا من الثاني. وكذلك البوتاسيوم وهو كثير الانتشار ويكون نسبة ثابتة مع البوتاسيوم غير المشع.الهواء القريب من سطح الأرض. يوجد قريبا من سطح الأرض مواد مشعة غازية منها الكربون 14 والرادون والثورون. والكربون هو العنصر الأساسي لكل أنواع الحياة على الأرض ويدخل في جميع العمليات البيولوجية والجيوكيميائية. أما الرادون والثورون فهما ناتجان عن تحلل اليورانيوم والثوريوم ويوجدان أصلا في صورة غازية بالتربة ويصعدان إلى الجو المحيط بها إلى ارتفاع أقصاه 20 مترا، أي في مجال تنفس الإنسان.المياه. تحتوي المياه على نسبة من العناصر المشعة تختلف باختلاف نوع ومصدر المياه. وتحوي مياه البحار على أعلى تركيز من البوتاسيوم 40 وكذلك الثوريوم 222 بينما تحتوي المياه الجوفية على أعلى نسبة من الراديوم، أما المياه المنزلية فهي خالية تقريبا من العناصر المشعة، حيث أن طرق معالجتها وترسيب الشوائب العادية منها كافية نسبيا لتخليصها من المواد الذائبة أو العالقة بها.المصادر الصناعية للإشعاع:أ- التفجيرات الذرية:وهذه تجرى تحت ظروف مختلفة، إما في الجو وعلى ارتفاعات مختلفة، أو تحت الماء أو تحت الأرض، ويعتمد مدى تلويثها للبيئة على نوع التفجير وكمية المواد الانشطارية الناتجة. وتعتبر التفجيرات الذرية في الجو أكثر التفجيرات تلويثا للبيئة وهي تحدث إما عمدا كما في حالة الحروب والتجارب الذرية، أو مصادفة كما في حالة انفجار المفاعلات النووية في وندسكيل بالمملكة المتحدة وتشيرنوبل في روسيا.وفيما يلي بعض التفجيرات والحوادث النووية المعروفة وآثارها على البيئة:في منتصف عام 1945 صنعت أميركا أول ثلاث قنابل ذرية في التاريخ واستخدمت إحداها في أول تجربة وأسقطت اثنتان في هيروشيما وناغازاكي باليابان في 6 و 9 أغسطس / آب من نفس العام، حيث قتل أكثر من مئة

(1/280)

ألف مواطن، ودمر تماما أكثر من 75% من مباني البلدين، وجرح وأصيب أكثر من نصف مليون مواطن كانت إصابة 20% منهم بالأمراض الإشعاعية المختلفة كبيرة، وما زالوا يعانون حتى الآن ولا زالت الوفيات منهم تتوالى.في أول مارس/ آذار سنة 1954 أجرت أميركا تجربة لتفجير نووي ضخم وسقطت كميات كبيرة من الغبار الذري على أحد مراكب الصيد اليابانية وبه ثلاثة وعشرون صيادا يابانيا، ظهرت عليهم جميعا الأمراض الإشعاعية المختلفة بعد ثلاثة شهور وتوفي بعضهم نتيجة ذلك.في أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1957 وقع حادث تسرب كميات كبيرة من المواد المشعة من أحد مفاعلي وندسكيل

windscale بالمملكة المتحدة، أدى إلى تلوث الهواء والتربة والنباتات والماء والألبان في مساحات كبيرة.في أبريل/ نيسان سنة 1968 حدث انفجار لمفاعل نووي في تشيرنوبل بروسيا ترتبت عليه آثار خطيرة على البيئة المجاورة وعلى بقاع مختلفة من العالم.يؤدي التفجير النووي في الهواء القريب من سطح الأرض إلى انصهار جزيئات من تراب الأرض والغبار العالق في الهواء واندماجه في المواد الانشطارية وتكوينه ما يسمى بالغبار الذري "الهيال"

fallout، وما يتساقط منه بالقرب من منطقة التفجير يسمى بالغبار الذي المحلي. أما الجزيئات الصغيرة فإنها تتصاعد في الجو بارتفاعات تتوقف على قوة التفجير والارتفاع الذي يتم فيه حركة الهواء. وتتبقى هذه الجزيئات الصغيرة في طبقات الجو العليا، مكونة خزانات هائلة من المواد المشعة، خاصة العناصر ذات العمر النصفي الطويل، ومشكلة بذلك خطورة كبيرة على الإنسان لسنوات عديدة، حيث تترسب كميات متفاوتة من المواد المشعة على الأرض تسمى بالغبار الذري "الهيال" المتأخر.ويمثل الغبار الذي المتساقط من التفجيرات الذرية أهم مصادر تلوث البيئة بالمواد المشعة، وهو يسبب تلوثا خارجيا وداخليا للإنسان يفوق كثيرا التلوث من مصادر التلوث الأخرى. ومن أمثلة المواد التي تعطي إشعاعا خارجيا الزركونيوم 95 "وعمر نصفه 9 أسابيع" والنيوبيوم 95 "وعمر نصفه 5 أسابيع" والسيزيوم 131 "وعمر نصفه 30 سنة" وجميعها تبعث إشعاعات غاما. أما أخطر المواد التي تسبب تلوثا إشعاعيا داخليا للإنسان فهي السيزيوم 90 "وعمر نصفه 28 سنة" والسيزيوم 137

(1/281)

وعمر نصفه 30 سنة" والكربون 14 "وعمر نصفه 5760 سنة" واليود وعمر نصفه 8 أيام".ويماثل عنصر السترونسيوم في صفاته الكيميائية والطبيعية عنصر الكالسيوم الضروري لبناء عظام الإنسان، وبالتالي فقد وجد أن السترونسيوم 90 هو من أخطر العناصر المشعة على الإنسان حيث يتبع في مساره منذ أول سقوطه على سطح الأرض حتى ترسبه في العظام نفس مسار الكالسيوم.ب- المفاعلات الذرية:تشاد المفاعلات الذرية عادة بعيدا عن تجمع السكان وأماكن الزراعة ومجاري المياه السطحية والجوفية لتجنب تلوث البيئة خاصة في حالة وقوع حوادث لهذه المفاعلات إلا أنه قد تم مع ذلك تلوث البيئة بمقادير متفاوتة في الأحوال الآتية:1- في الأبحاث الروتينية بالمفاعلات مثل تشعيع العناصر الثابتة للحصول على عناصر مشعة، وما يتبع ذلك من إذابة هذه العناصر وتنقيتها وتحضيرها للاستخدام المعملي أو الطبي، تجمع المخلفات السائلة والثقيلة الناتجة عن هذه العمليات في آبار خاصة. وهناك احتمال تسرب بعض من هذه المخلفات إلى البيئة، كما قد تحدث حادثة لهذه المفاعلات أثناء إجراء التجارب المختلفة تؤدي على تسرب العناصر المشعة وتلوث البيئة.2 استخدام المياه أو الهواء في عملية تبريد الوقود أثناء تشغيل المفاعلات.3 هناك احتمال تسرب قدر من العناصر المشعة أثناء عمليات الصيانة والنظافة وجمع المخلفات المشعة الناتجة وحفظها في آبار خاصة4 ينتج عن عمليات تصنيع وقود للمفاعلات من اليورانيوم، وكذلك عن إعادة تصنيع الوقود المستهلك، كميات هائلة من المخلفات الخطيرة التي قد تتسرب إلى البيئة.ج- استخدام المصادر الإشعاعية للأغراض الطبية والصناعية:ازداد في عصر الذرة استخدام المصادر المشعة في الطب في التشخيص والعلاج لكثير من الأمراض المستعصية والأمراض السرطانية المختلفة، واختلال وظائف الغدد وأمراض الدم، مما أدى إلى زيادة تعرض العاملين في هذه الميادين وكذلك المرضى أنفسهم لأخطار الأشعة خاصة الأشعة السينية. هذا بالإضافة على

(1/282)

التقدم الكبير والمتزايد لاستخدام المصادر المشعة في الصناعة، كتعقيم الأدوية والأطعمة بتشعيعها، وصنع البطاريات الذرية، ومختلف أنواع القياس والتحكم في الإنتاج للحصول على كثافة أو وزن أو ثخانة ثابتة، وكذلك للكشف عن تآكل جدران الأفران العالية، وفي صناعة الساعات ولوحات القيادة المضيئة، وغير ذلك من الاستخدامات التي قد تعرض العاملين أو البيئة لأخطار هذه المواد المشعة.د- استخدام المواد المشعة في أغراض التعليم وفي الأجهزة والمعدات التعليمية والمنزلية:تستخدم المواد المشعة في اغراض التعليم بالمدارس والجامعات، وكذلك في الأبحاث المختلفة. كما تستخدم في الأغراض المنزلية كالمصنوعات الزجاجية والخزفية المحتوية على اليورانيوم، وفي الساعات، وفي كواشف الدخان لتجنب الحريق، وفي الصمامات الإلكترونية وأجهزة التلفزيون.هـ- تلوث السلسلة الغذائية بالمواد المشعة:قد تتلوث التربة بالمواد المشعة نتيجة للتفجيرات النووية، وذلك عن طريق الهيال "الغبار" أو المخلفات المشعة لاستخدامات الذرة في النواحي المختلفة، كما قد تكون التربة نفسها ملوثة طبيعيا بمواد مشعة مثل البوتاسيوم 40 والثورون والرادون التي تلوث الفواكه والخضراوات والمحاصيل الغذائية عامة. كما قد تتلوث الأسماك والحيوانات البحرين عن طريق التفجيرات الذرية التي تتم في الماء أو من الغبار الذي الناجم عن التفجيرات في الهواء أو إلقاء المخلفات المشعة في مياه المحيطات والبحار. كما قد تتلوث لحوم الحيوانات والدواجن التي ترعى أو تتغذى على أعلاف أو أعشاب ملوثة بالمواد المشعة، حيث تتجمع داخل أنسجتها وتسبب أضرارا جسيمة للإنسان الذي يتغذى على منتجات هذه الحيوانات أو الدواجن كاللحوم والألبان والبيض. ويبين الشكل2 دورة انتقال النشاط الإشعاعي في المواد الغذائية.تنتقل المواد المشعة عن طريق الهواء من مكان لآخر وتلوث التربة، إما مباشرة أو عن طريق الأمطار، وبهذا يمكن لكل من التربة والمزروعات أن تتلوث بالمواد المشعة. وعلى المدى الطويل فإن المواد المشعة الملوثة للتربة تنقل كميات كبيرة منها إلى المزروعات والحشائش والأعشاب عن طريق الجذور. فالنباتات.

(1/283)

تتغذى طبيعيا على العناصر النادرة، خاصة إذا كانت ضرورية في عملية الاستقلاب الغذائي. وإذا وجدت نظائرها المشعة فإنها تتفاعل معها كيميائيا. كما أن التربة الملوثة إشعاعيا تلتصق بالنبات وينتقل النشاط الأشعاعي إلى الإنسان والحيوان عن طريق الخضراوات أو النبات عامة والأعلاف.وتتوقف نسبة تركيز المواد المشعة في لحوم الحيوانات أساسا على المنطقة التي يتغذى فيها الحيوان، وتظهر هذه النسبة على الحليب "اللبن" الذي يفرزه الحيوان. ويترتب على ذلك كله أن تصبح دورة الحياة ملوثة بنسبة عالية من الإشعاع. وبالطبع فإن المواد الغذائية المجففة تحوي نسبة عالية من تركيز المواد المشعة نتيجة لإزالة الرطوبة منها "منتجات الألبان مثلا"، كما أن المواد الغذائية المركزة كالعصائر يتركز فيها النشاط الإشعاعي.النظائر المشعة التي قد توجد في الغذاء ودرجة تركيزها: ثبت أن النشاط الإشعاعي الأكثر وجودا وظهورا في المواد الغذائية بعد حادثتي تشيرنوبل في روسيا ووندسكيل في بريطانيا كان نتيجة لنظائر اليود 131 والسيزيوم 137 ولليود 131 فترة عمر نصفي تعادل ثمانية أيام فقط، وهو يدخل في العشب الأخضر، غذاء الأبقار الحلوب. ويعتبر الأكثر أهمية في الأيام الأولى التي تعقب الحوادث النووية. فبعد حادثة تشيرنوبل وجد أن لبن الأبقار يحوي 50 بيكريل في اللتر، وارتفع في بعض الحالات التي كثرت فيها الأمطار إلى 500 بيكريل في اللتر، كما ارتفعت نسبة التلوث في لبن الأغنام والماعز إلى 1000 بيكريل في اللتر. حيث أن هذه الحيوانات كانت تتغذى على حشائش أكثر تلوثا من المناطق التي كانت ترعى فيها الأبقار.ويعتبر النشاط الإشعاعي الناتج عن السيزيوم 137 أخطر من اليود 131، لأن فترة عمره النصفي كبيرة وتبلغ 30 سنة، وكذلك لأن السيزيوم يعلق على سطح التربة. وقد ثبت وجود السيزيوم في جسم الإنسان وفي العديد من المواد الغذائية منذ بداية اختبارات الأسلحة النووية. كما أن السيزيوم 137 كان هو أساس التلوث الإشعاعي الذي لوحظ بعد حادث حريق وندسكيل بريطانيا، وقد ثبت وجوده في الألبان ومنتجاتها لفترة طويلة. وقد ظهر بعد حادث تشيرنوبل تلوث واسع المدى بعنصر السيزيوم 137 في المواد الغذائية، أخذ في الاعتبار عند إعداد التشريعات الغذائية المتعلقة بالرقابة على الأغذية. وقد لعب النظير الثاني لعنصر السيزيوم 134

(1/284)

دورا كبيرا في النشاط الإشعاعي الناجم عن حادثة تشيرنوبل. وتبلغ فترة عمر النصف لهذا النظير المشع 2.3 سنة. وبعد حادثة تشيرنوبل زادت مستويات الإشعاع لعنصر السيزيوم في المواد الغذائية وتراوحت بين عشرة إلى مئات من البيكريل لكل كيلو غرام، كما سجلت في شرق آسيا في بعض المحاصيل الغذائية كالحبوب والمكسرات والنباتات المورقة وكذلك في لحوم الخراف. وفي حالات استثنائية سجلت مستويات أعلى من ألف بيكريل لكل كيلو غرام. كما سجلت بعص النشاطات الإشعاعية الأخرى في المواد الغذائية بعد هذا الحادث أهمها عنصر الروتينيوم ونظير عنصر الفضة.وينتشر النشاط الإشعاعي الطبيعي لنظير البوتاسيوم "بوتاسيوم 40" في جميع المواد الغذائية التي تتكون من الأنسجة الخلوية، وتتراوح مستوياته فيها بين عشرة إلى مئات البيكريل لكل كيلو غرام في اللحوم والألبان المجففة والمكسرات. كما أن بعض المستويات الإشعاعية القليلة لليورانيوم ونظائره وجدت في بعض المواد الغذائية. والشكل 3 يبين تجمع بعض النظائر المشعة في الجسم.ونتيجة لحادثة تشيرنوبل أصدرت هيئة الخبراء الدوليين المتخصصين في الملوثات الإشعاعية في منظمة الأغذية والزراعة

FAO ومنظمة الصحة العالمية WHO التابعتين لمنظومة الأمم المتحدة توصياتها بخصوص الحدود القصوى لتركيز هذه المواد وكميات الأشعة الناتجة عنها المسموح بها في أغذية الإنسان على أن تراجع دوريا حسب الأحوال. ويبين الجدول 1 المستوى المؤقت الدولي للمواد المشعة في الأغذية حسب التوصيات الصادرة عام 1989.و العوامل المرتبطة بمستوى التلوث الإشعاعي داخل الجسم:يؤدي ارتفاع نسبة الكالسيوم وغيره من الأيونات الثابتة في التربة إلى قلة امتصاص جذور النباتات للمواد المشعة، حيث يكون هناك تنافس بينها وبين نظائرها المشعة، ويرتبط ذلك بمدى عمق جذور النباتات في التربة. وقد لجات بعض الدول إلى إضافة بعض العناصر غير المشعة في الغذاء كإضافة الكالسيوم للخبز ليتنافس مع السترونسيوم المشع، ويمنع أو يقلل من امتصاص الرطوبة من جسم الإنسان في حالة استهلاك خبر مصنوع من طحين ملوث بالسترونسيوم المشع. كما يتوقف مستوى التلوث الإشعاعي داخل الجسم على نوع التلوث الإشعاعي للتربة، فتلوث التربة باليود 131 "فترة عمر النصف ثمانية أيام" أو الباريوم "فترة عمر النصف

(1/285)

13 يوما" أو السترونسيوم 89 "فترة عمر النصف 53 يوما" يكون لها تأثير على مستوى التلوث الإشعاعي داخل الجسم إذا تناول الإنسان الخضراوات أو المحاصيل الغذائية بعد مرور فترة قصيرة لحدوث التفجير أو التلوث الإشعاعي. أما بعد مرور فترة طويلة فيقل أو ينعدم تأثيرها الإشعاعي الخطير، ويبدأ التأثير الدائم للعناصر ذات عمر النصف 30 سنة". وعادة لا تستهلك مثل هذه المواد الغذائية بل تتلف بالحرق ويحفظ رمادها في مخازن خاصة. ويلعب المناخ دورا هاما في مستوى التلوث الإشعاعي داخل الجسم، حيث تساعد مناطق سقوط الأمطار والثلوج على سرعة وصول المواد المشعة إلى التربة عقب الإنفجارات النووية، كما أن التساقط على خط الاستواء يكون أقل منه على خطوط العرض التالية.وللعادات الغذائية أيضا تأثير على مستوى التلوث الإشعاعي بالجسم، فبعض الشعوب تعتمد في غذائها على اللبان ومنتجاته أو على اللحوم أو على الأسماك أو على النباتات الورقية أو على الحبوب أكثر من غيرها.الجدول 1- المستوى المؤقت الدولي للمواد المشعة في الأغذية "يراجع دوريا حسب توصيات هيئة الخبراء الدوليين المتخصصين في الملوثات الإشعاعية بالأغذية بمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة"ويتوقف بذلك مستوى التلوث الإشعاعي داخل الجسم على مدى تلوث هذه المنتجات بالعناصر المشعة والشكل 3 بين بعض النظائر المشعة بالجسم وأماكن تجمعها.

(1/286)

4- :بدأ تنافس الإنسان والهواء "الآفات" على الغذاء منذ ظهور البشرية على وجه الأرض، إلا أنه كان تنافسا محدودا نظرا لاتساع الأرض ووفرة الغذاء. فكان الإنسان يزرع ويستهلك غذاءه بنفسه، وكان يعتمد على المقاومة اليدوية في تخليص غذائه من الإصابات المحدودة للآفات. ولكن بتقدم الزمن وزيادة عدد السكان وكثافتهم وبالتالي زيادة المحاصيل الغذائية، بدأ الإنسان يشعر بالمنافسة الحقيقية له في غذائه من قبل الهوام، ومنذ ذلك الحين والإنسان في صراع متزايد مع هذه الهوام، هدفه القضاء عليها أو الحد من أضرارها وانتشارها لصون غذائه منها، فاستنبط الوسائل المختلفة لمكافحة الهوام وتفنن في تطويرها. إلا أن التاريخ قد أثبت تزايد التالف من المحاصيل الزراعية والغذائية عاما بعد عام بفعل الهوام، رغم تطوير وسائل المكافحة. ويقدر التالف الحالي في الغذاء في بعض دول الشرق الأدنى بسبب الإصابات بالهوام المختلفة بأكثر من 24 % رغم اتباع مختلف الطرق المتجددة لمقاومتها.وقد بدأ الصراع المتزايد بين الإنسان والهوام فيما يتعلق بالغذاء منذ بداية الثورة الصناعية، وبالتالي نمو التجارة المحلية والدولية في الأغذية، إذ أدى تمركز إنتاج محاصيل الغذاء إلى خلق مخاطر كامنة بسبب الانتشار السريع لأمراض وهوام المحاصيل، مما أدى إلى استنباط طرق أكثر فاعلية للسيطرة الشاملة السريعة على هذه الأمراض والهوام، وهي استعمال المبيدات الكيميائية التي أصبحت الآن وسائل ضرورية لإنقاذ المحاصيل الزراعية الغذائية منها، وتقليل التالف أثناء التخزين أو النقل أو التسويق. وكانت الصين من أوائل الدول التي استخدمت المبيدات الكيميائية في مقاومة الهوام، وذلك في بداية القرن التاسع عشر. وكان كبريتيت الزرنيخ هو أول المبيدات المستخدمة في مكافحة الهوام حتى القرن العشرين ونشطت بعد ذلك الأبحاث المؤدية إلى استنباط مركبات أخرى غير عضوية لمقاومة الإصابات الفطرية والحشرية. وكانت أهم المجموعات الفعالة الأنتيمون والبورون والنحاس والفلورين والمنغنيز والزئبق والكبريت والزنك، وقد تبين ضعف هذه المركبات في الحد من تكاثر ونمو الحشرات بما يتناسب مع التوسع الزراعي الضخم في إنتاج محاصيل الغذاء، كما عرف عنها أنها تلوث التربة لمدة طويلة.وقد نشطت الأبحاث بعد ذلك لاستنباط مركبات عضوية فعالة، وكان ظهورالتلوث ببقايا مبيدات الهوام

(1/290)

مركب ال د. د. DDT في الأربعينات بمثابة إيذان ببدء عصر جديد للسيطرة الجماعية الفعالة على الحشرات، حيث تعددت أنواع المبيدات وتنوعت طرق استخدامها، بدءا بمعالجة البذور قبل الزرعة، إلى المقاومة بالمخازن، مرورا بمعالجة التربة والهوام مباشرة على الأشجار والمحاصيل. كما تطورت طرق المقاومة واستخدمت الطائرات في رش المحاصيل الزراعية، هذا بالإضافة إلى استخدام المبيدات في مقاومة الحشرات المنزلية.وقد أدى هذا التطور في استخدام المبيدات الكيميائية العضوية في مقاومة الهوام إلى إدخال هذه المواد بطريقة غير مباشرة إلى البيئة التي نعيش فيها وتسرب بقاياها إلى جسم الإنسان، فزاد حمل الدم من بقاياها الموجودة في الأغذية والبيئة وانعكست آثار ذلك كله على الصحة العامة للمجتمع.ومنذ اكتشاف علاقة بقايا المبيدات العضوية في الغذاء والبيئة بالأمراض الخبيثة في الستينات، وخاصة مركب د. د. ت

DDT، أصبح شغل الإنسان الشاغل استنباط المركبات العضوية الفعالة في السيطرة الشاملة على الهوام مع ثبات تركيبها ومفعولها لمدة مناسبة، وعدم اكتساب الهوام مناعة ضدها، وعدم إضرارها بصحة الإنسان أو الحيوان.ويوجد الآن ثلاث مجموعات من مبيدات الهوام المعروفة هي:مجموعة المركبات غير العضوية وأهمها كبيرتات النحاس وأوكسي كلور النحاس.مجموعة مركبات البيريثرينات، وأهمها ربيكود "

Ruu 962" 962 وسوميسيدين "CCN 52" 52، وهي ذات تركيب معقد بمقارنتها بالمركبات غير العضوية، ولكنها شديدة الفعالية على كثير من الإناث، مما يستدعي استخدامها بتركيزات صغيرة جدا. ومن مميزاتها ضعف تأثيرها على الثدييات.مجموعة المركبات العضوية وتنقسم إلى:المركبات الكلورية كالأندرين والكارورديم والكالثين.المركبات الفوسفورية كالنوفاكرون وميتيل براثيون وديموثويت ودور سبانه وسيولين وميتيل وإيثيل جوزاثيون وسترولين وكوراكرون وملاثيون.المركبات الكربوهيدراتية مثل تميك وسيفين ولانيت.وتتفاوت المبيدات المختلفة في مدى بقائها أو ثباتها فوق الأسطح المعاملة.

(1/291)

بها، فقد تكون سريعة الاختفاء أو التحلل بتأثير الرطوبة أو ضوء الشمس أو الهواء، أو تكون ثابتة نسبيا وذات أثر متبق "ثمالي" residual effect في النباتات يمتد لعدة أسابيع. وتختلف العوامل المؤثرة على ثبات المبيد بعوامل عدة أهمها:1- خواص المبيد الطبيعية والكيميائية والبيولوجية ممثلة في ضغطه البخاري وبالتالي سرعة تبخره ومدى تحلله الكيميائي بفعل العوامل الجوية أو تحلله البيولوجي أثناء علميات الاستقلاب الغذائي للنبات.2- طريقة وعدد مرات استخدام المبيد لنفس النبات ومقدار الجرعة.3- نوع المحصول النباتي المعامل،4- وحالته من حيث طبيعة السطح،5- وعمر المحصول،6- ومعدل النمو،7- والمعاملات فيما بعد الحصاد من تنظيف أو تفسير أو غسيل وغيره.8- عوامل متعلقة بالمناخ من ضوء وحرارة ورياح.وتشترك معظم المبيدات العضوية، والكلورية منها على الأخص، بقدرتها على التحرك تحت سطح النبات الذي تمت معاملته بالمبيد، وهو ما يسمى بالثمالة النافذة

penetrated residue، وبعضها يمكنه الانتقال من مكان التطبيق إلى أماكن أخرى في النبات، وهو ما يسمى بالثمالة الجهازية systemic residue والبعض الآخر له القدرة على الارتباط بسطح التربة ومن ثم بالنبات ويصعب إزالته بطرق الاستخلاص العادية. وهناك مبيدات لها خاصية التراكم في أنسجة النبات. وبعض هذه المبيدات وخاصة الفوسفورية يمكن تحللها داخل أنسجة النبات. ويفضل دائما مقاومة الهوام بمحاصيل الخضر بالمبيدات التي تتحلل بسرعة في غضون أيام، ولا يبقى منها أي أثر في أنسجة النبات إلا ما قل. وبصفة عام ينصح بعدم جمع المحصول المعامل بالمبيدات العضوية إلا بعد أسبوعين على الأقل من آخر معاملة بالمبيدات العضوية.وكما أن للمبيدات الكيميائية تاثير قاتل للهوام فإن بقاياها في الغذاء تلحق أكبر الضرر والأذى بالإنسان، حتى إن تناولها الإنسان بكميات ضئيلة ولكن على المدى الطويل.وقد ثبت فعلا أن بعض هذه المتبقيات يؤدي إلى ظهور الأمراض الخبيثة، والتشوهات الخلقية للجنين إذا ما زادت بقاياها عن حدود معينة. ويتعرض الإنسان لتأثير هذه البقايا، إما مباشرة عن طريق تناول الغذاء الذي عومل مباشرة بالمبيد، أو

(1/292)

عن طريق غير مباشر بتناول الأغذية الحيوانية والدواجن ومنتجاتها الناتجة من حيوانات أو دواجن تغذت على أعلاف أو أعشاب ملوثة بالمبيدات، فالمبيدات تذوب في الدهون وتتركز فيها وفي الألبان والبيض ومنتجاتها.ونظرا لخطورة هذه البقايا في غذاء الإنسان والحيوان، فقد اهتمت معظم الول المتقدمة بتحريم استخدام مبيدات معينة، وحددت التركيز المأمون المسموح بوجوده في الأنسجة النباتية والحيوانية الصالحة لتغذية الإنسان، وكذلك الأعلاف، بحيث لا يصرح بتداول أي غذاء إذا ما زاد المتبقي من المبيد عن النسب المسموح بها. وتعرف أكبر كمية للمتبقي من المبيد المسموح به في الغذاء بالحد المسموح

tolerance، ويختلف هذا الحد باختلاف نوع الغذاء ونوع المبيد ودرجة سميته.وعلى المستوى الدولي، تقوم اللجنة المشتركة لخبراء منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية لبقايا مبيدات الهوام في الأغذية المنبثقة عن هيئة مدونة الأغذية، بتحديد المبيدات التي يجوز استخدامها في مقاومة الهوام بالمحاصيل الغذائية وضع الحدود المسموحة لبقايايها في الأغذية المختلفة، بناء على نتائج الأبحاث الكيميائية والبيولوجية. وقد أصدرت اللجنة قائمة بجميع المبيدات التي يجوز استخدامها وحدود بقاياها في الأغذية المختلفة. وقد استبعدت من هذه القائمة جميع المبيدات التي كانت تستخدم في الماضي وأثبتت الأبحاث ضررها بالنسبة للإنسان، وأهمها

D.D.T وتعتبر هذه القائمة مرشدا بالغ الأهمية لجميع الدول، خاصة تلك الدول التي ليس لها تشريعات في هذا المجال، والدول المهتمة بالتجارة الدولية في الأغذية.

(1/293)

5- :يقصد بالمواد المضافة للأغذية مضافات الأغذية: فوائدها ومضارها

Food additives المادة أو مجموعة المواد غير المواد الغذائية الأساسية التي قد تضاف إلى الغذاء أثناء الإنتاج أو التصنيع أو التخزين أو التغليف وتبقى في الناتج النهائي. ولا يتضمن المعنى ما قد يضاف لتحسين القيمة الغذائية كالفيتامينات والأملاح المعدنية أو المواد الملوثة مثل بقايا مبيدات الهوام أثناء الإنتاج أو التخزين أو الملوثات المعدنية أثناء التصنيع.فبجانب طرق الحفظ التقليدية المعروفة، وهي المعاملة بالحرارة العالية، أو بالتبريد أو التجميد أو بالتجفيف، ظهرت في العصر الحديث حتمية استخدام مضافات الأغذية الكيميائية أو الطبيعية، بغرض إطالة فترة قابلية الغذاء للحفظ،ليتسنى نقله أو تسويقه أو تخزينه لحين استهلاكه، أو لتحسين مظهره أو طعمه أو رائحته، أو لكي يستعيض بعض خواصه المفقودة كليا أو جزئيا أو التي يحتمل فقدانها أثناء فترة التصنيع أو النقل أو التسويق أو التخزين ضمانا لتقبل المستهلك له.وحيث أن مثل هذه المواد المضافة قد تضر بصحة المستهلك إذا زادت مستوياتها في الغذاء عن حدود معينة، أو كانت غير نقية وتحتوي على ملوثات معدنية ضارة، أو كانت تضاف إلى غذاء ما بقصد إخفاء عيب معين به، فهناك قواعد وضوابط مختلفة لاستخدام مضافات الأغذية تتضمنها تشريعات الرقابة على الأغذية لكثير من الدول، وهي في كثير من الأحيان لا تعتمد على تقييم معين يتعلق بالصحة العامة، علاوة على أنها غير متكاملة أو متطابقة مما يؤثر بصفة مباشرة على صحة المستهلك وعلى انسياب التجارة الدولية في الأغذية.وعلى المستوى الدولي تقوم اللجنة المشتركة لخبراء منظمتي الأمم المتحدة للأغذية والزراعة والصحة العالمية لمضافات الأغذية التابعة لهيئة مدونة الأغذية

Codex Alimentarius Commission بتقييم سلامة مضافات الأغذية التي يجوز استخدامها في تصنيع الأغذية بناء على نتائج الأبحاث التي تكلف بها كثير من معاهد الأبحاث في دول العالم، وتوصي باستخدام مواد معينة دون غيرها، وتحدد الأغذية التي يجوز استخدام هذه المواد في تصنيعها ودرجة نقاوة هذه المواد. وتوجد الآن قائمة بجميع المواد التي يجوز إضافتها ومستوياتها القصوى في الأغذية المختلفة ودرجة نقاوتها. وقد استبعدت من هذه القائمة جميع المواد التي كانت تستخدم في الماضي وأثبتت الأبحاث ضررها بالنسبة للمستهلك، خاصة تلك المسببة للأمراض الخبيثة. وتراجع هذه القائمة دوريا كلما استدعت الظروف ذلك ولا يجوز استخدام أية مادة في أية عملية تحضير أو تصنيع أو توزيع أي غذاء معد للبيع أو الاستهلاك ما لم تكن هذه المادة مدرجة ضمن المواد المسموح بإضافتها. إلا أنه يجوز بناء على طلب الحكومات الأعضاء بحث إدراج أية مادة إضافية لهذه القوائم لضرورتها التكنولوجية. وتعتبر هذه القوائم مرشدا لجميع الدول، خاصة تلك الدول التي ليس لها تشريعات خاصة بها في هذا المجال أو الدول المهتمة بالتجارة الدولية في الأغذية.وعادة ترسل إلى الحكومات الأعضاء المواصفات التي يتم إعدادها ومناقشاتها

(1/294)

والموافقة عليها في صورتها النهائية في اجتماعات المدونة، وعلى الحكومات الأعضاء قبولها بأحد طرق القبول المبينة سابقا تحت عنوان هيئة مدونة الأغذية.وتقسم عادة مضافات الأغذية إلى مجموعات كما يلي:أ- المواد الملونة:لمعظم الأغذية في حالتها الخام ألوان مميزة طبيعية مقبولة أو مرغوبة لدى المستهلك، وإذا ما تغير أو تهدم هذا اللون أثناء عمليات التصنيع أو الحفظ أو التخزين، أو اكتسب الغذاء لونا غير مرغوب فيه، تضاف عادة للغذاء مواد ملونة معينة حتى يبدو وكأنه محتفظ بلونه الطبيعي الأصلي المرغوب.كما قد تضاف المواد الملونة لتحسين مظهر الغذاء المحفوظ، مما يضمن تقبل المستهلك له، أو الحفاظ على لون متجانس على مدار السنة بالنسبة للأغذية التي تتغير فيها كثافة اللون بتغير المكان أو الموسم الزراعي، كما هو الحال في الزبدة الطبيعية التي تضاف إليها مادة ملونة طبيعية، لتجعل لونها متجانسا على مدار السنة، حيث يكون لون الزبدة الطبيعي باهتا في موسم الصيف بسبب نقص المواد الغذائية الخضراء. إلا أن المواد الملونة قد تستخدم كذلك لإظهار الغذاء في صورة طازجة تعود عليها المستهلك وربطها بنكهة الغذاء رغم مخالفة الحقيقة، فتعتبر بذلك وسيلة لخداع المشتري.وقد ثبت أن لبعض المواد الملونة الصناعية تأثيرا ضارا بصحة الإنسان، إذا يؤدي إلى إحداث حالات سرطان على المدى الطويل، ولهذا فقد حرمت معظم التشريعات المتعلقة بالرقابة على الأغذية استخدام مثل هذه الملونات، ونصت على مواد ملونة معينة يسمح بإضافتها بتركيزات معينة وبدرجة نقاوة معينة لأغذية معينة وتعتبر المواصفات القياسية وملحقاتها من قوائم المواد الملونة المسموح بإضافتها إلى الأغذية مرشدا لجميع الدول في هذا الشأن، حيث أنها قد مرت بتقييم دقيق فيما يتعلق بذاتيتها ودرجة تفاوتها وتركيزاتها في الأغذية.ويجب الأخذ في الاعتبار أن المواد الملونة غير المخصصة لتلوين الأغذية كأصباغ الأقمشة مثلا، تحوي آثارا من المعادن السامة كالزرنيخ والنحاس والرصاص، فهي بذلك في غاية السمية إذا ما استخدمت في تلوين الأغذية. ولا يصرح عادة بإضافة المواد الملونة لمجموعات المواد الغذائية الآتية: اللحوم

(1/295)

الطازجة، الدواجن، السمك، القشدة، الخبز، الشاي أو خلاصته، البن، اللبن "الحليب" السائل أو المكثف أو المجفف.ب- المواد الحافظة:هناك العديد من المواد الحافظة التي تضاف إلى الأغذية بغرض تثبيط أو تأخير أو منع نمو الأحياء الدقيقة المسببة لفساد الأغذية، وعادة تنظم اللوائح طرق استخدامها في الغذاء، بما في ذلك درجة نقاوتها وتركيزاتها القصوى في الغذاء، كما تحرم استخدام مواد حافظة أخرى ثبت ضررها بصحة المستهلك. وتوجب معظم التشريعات الخاصة بالرقابة على الأغذية احتواء بطاقة العبوات إشارة إلى استخدام المواد الحافظة.ويعتبر غاز ثاني أكسيد الكبريت والبنزوات والبروبيونات وحمض السوربيك وأملاحه من بين المواد الحافظة التي استخدمت ولا زالت تستخدم في حفظ الأغذية منذ مدة طويلة وثبت عدم إضرارها بصحة المستهلك، وقد سبق إيضاح الفعل الحافظ لهذه المواد تحت عنوان مكافحة التلوث الميكروبيولوجي. فثاني أكسيد الكبريت يتحول في الغذاء إلى حمض الكبريتوز الذي يثبط نمو الفطر والخميرة والجراثيم الهوائية، كما أنه يمنع اسوداد المادة الغذائية المحفوظة كالفواكه والخضر لفعله المضاد لعمل الإنزيمات، كما أنه يساعد على حماية فيتامين

C من الأكسدة إلا أنه يؤثر على بعض أنواع فيتامينات B المركب وخاصة فيتامين B1 ولحمض البنزويك تأثير مثبط لنمو الخميرة والفطر عند درجة باهاء PH تتراوح بين 2.5 – 4، وهو يستخدم عادة في حفظ المشروبات غير الكحولية إلا أنه أقل فاعلية إذا ما قورن بغاز ثاني أكسيد الكبريت. ويستخدم حمض البروبيونيك في الخبز ومنتجات الدقيق "الطحين" لمقاومة الفطر والفساد الخيطي. ولحمض السوربيك تأثير حافظ ضد الخميرة والفطر في الجبن، وفي نفس الوقت لا يؤثر على الجراثيم الملبنة النافعة.وأملاح النترات والنتريت وكلوريد الصوديوم تستخدم خاصة في معالجة اللحوم، وللنتريت قوة حفظ كبيرة أكثر من النترات، وأهم خاصة لهما هو فعلهما المثبط لنمو بكتيريا المطثيات الوشيقية

Clostridium botulinum في الأغذية المعالجة، كما أنهما يعطيان الأغذية "خاصة اللحوم" لونا وطعما مميزين. ولا تزال الدراسة جارية بخصوص استخدام هذين الملحين. فقد ثبت أنهما يكونان في الغذاء ملح النتروزامين السام، إما أثناء عملية المعالجة أو في الأمعاء.

(1/296)

والفورمالدهيد هو من المواد الحافظة الضارة، والتي لا يجوز مطلقا استخدامها كمادة حافظة، إلا أنه مع ذلك قد يستخدم في حفظ الألبان كغيره من المواد الضارة وذلك بمخالفة للتشريعات أو الممارسات الصحية السليمة. كما أن حموض الساليسيليك والبوريك وثنائي هيرو الأسيتيك كلها مواد تضر بصحة الإنسان ولا يجوز استخدامها كمادة حافظة لغذاء الإنسان.ج- المواد المانعة للأكسدة:وهي مواد لها القدرة على تأخير أو منع التزنخ أو فساد الطعم أو الرائحة في الأغذية والتأثير الناتج عن الأكسدة، وخاصة فيما يتعلق بالزيوت والدهون. وتتضمن المواد المانعة للأكسدة التي ثبت عدم إضرارها بصحة المستهلك الغالات "بروبيل، أوكتيل، دودسيل غالات"، وهيدروكسي الأنيسول البوتيلي

butylated hydroxy anisole "BHA" وهيدروكسي التولوين البوتيلي butylated hydroxytoluene "BHT" وبلميتات الأسكوربيل ascorbylepalmitate وحمض الأسكوربيك وملحيه الصوديومي والكالسيومي. ويسمح باستخدام BHT, BHA في منتجات البطاطس المجففة.وكثيرا ما يستخدم مزيج من المواد المانعة للأكسدة، إذ يكون لها مجتمعة تأثير أكبر فاعلية. كما أن المواد المانعة للأكسدة يمكن أن تستخدم في مواد التعبئة أو التغليف بدلا من استخدامها في الغذاء نفسه مثل مواد التغليف المطلية بالشمع إلا أنه تجد ملاحظة أن هذه المواد يجب عدم استخدامها في أغذية الأطفال، وتحرم معظم التشريعات الغذائية استخدامها في هذا الغرض.د- المذيبات:تستخدم المذيبات في مزج المواد المنكهة في الأغذية وفي إذابة المواد الخام وفي تخفيف المركزات والمستخلصات الزيتية. ونظرا لاحتمال وجود التأثيرات السامة لبقاياها في الغذاء، فمعظم التشريعات الغذائية تتضمن الاحتياطات اللازمة المتعلقة باستخدامها. ومن بين المذيبات غير المسموح باستخدامها في الغذاء الغليكول ثنائي الأيثلين

diethylene glycol وسترات الإيثيل ethyle citrate والأثير أحادي الإيثيل mono- ethyle ether ولا يسمح باستخدام كحول الإيثيل كمذيب أو غير ذلك في الدول العربية والإسلامية.

(1/297)

هـ- المواد المنكهة:تشكل المواد المكسبة للنكهة أكبر وأقدم مجموعة من مضافات الأغذية، وهي لا تخضع لأية لوائح إلا فيما ندر، وتتضمن هذه المجموعة المنكهات الطبيعية والاصطناعية، ومن بين المنكهات غير المصرح باستخدامها لضررها بالنسبة للإنسان. فول التونكا

tonca beans والسافرول safroleو المضادات الحيوية:وهي غير مسموح باستخدامها كمواد حافظة في معظم الدول، إلا في حالات استثنائية معينة. فمثلا يسمح بإضافة النيسين للجبن "وهو موجود طبيعيا في الجبن" كمادة كابحة لنمو الجراثيم المحبة للحراة والمكونة للأبواغ، وكذلك المطثيات التي تتكاثر في المعلبات وينتج عنها غازات تؤدي إلى انتفاخ العلب. ويتخرب النيسين في الجسم بواسطة العصارات المعوية ويصبح غير ضار للإنسان. ولهذا فإنه يسمح باستخدام هذا المضاد الحيوي في الجبن والكريما والمعلبات التي لا تتعدى درجة الباهاء

ph بها عن 4.5 أو التي عولجت بالحرارة الكافية لهلاك المطثيات الوشيقية. ولا يسمح باستخدام البيمارسين pimarcin في معظم الدول بسبب استخدامه كمضاد حيوي في علاج الإنسان.ز- المواد المستحلبة والمثبتة للقوام:المواد المستحلبة عبارة عن مواد تساعد في عملية امتزاج مادتين أو أكثير غير قابلتين للامتزاج عن طريق توزيع إحداهما في الأخرى توزيعا متجانسا في صورة حبيبات مجهرية، في حين أن المواد المثبتة للقوام عبارة عن مواد تحافظ على التوزيع المتجانس لحبيبات المزيج. وهذه المواد كثيرة ولها استخدامات واسعة وتكون تقريبا 25% من مضافات الأغذية عامة. فهي تثبت قوام المنتج الغذائي وتمنع انفصال مكوناته المختلفة. وتتضمن المواد المستحلبة والمثبتة للقوام مواد طبيعية كالصمغ والسليلوز والأغار وغيرها بالإضافة إلى بعض المركبات المصنعة.ح- مواد مثبطة للفطريات بعد الحصاد:ومن أمثلتها الأرثوفينيل فينول

O-phenyle phenol وثنائي الفينيل diphenyle واستخدامهما الوحيد في الأغذية هو حفظ الموالد "الحمضيات" ويوجد ثلاثة مركبات أخرى تستخدم بصورة أقل هي الثيوبندازول thiobendazole والينوميل

(1/298)

Benomy1 والكربندازيم carbendazim ففي حالة الأول "الأرثوفينيل فينول" مثلا تغمر الثمار في محلول مائي منه يحتوي على 0.5 – 2% في درجة حرارة 30- 35 مئوية لمدة 30 – 60 ثانية، وبسبب فاعلية الأرثوفينيل فينول في الوسط القلوي تضاف هيدرات الصوديوم بتركيز 0.4% إلى محلول النقع لضبط درجة الباهاء ph في 11.7 كما يضاف 1% سداسي المثيلين تترامين hexamethylene tetramin لمنع تلون قشرة الثمار باللون البني، وبعد المعاملة تغسل الثمار بالماء النقي. وبالرغم من ذلك يبقى فقط آثار تقدر بالمليغرامات من الأرثوفينول على القشرة التي قد تمتد على داخل اللب الأبيض للثمار، أما ثنائي الفينيل فغالبا ما تعامل به مواد التعبئة "كورق تغليف الثمار أو العلب الخشبية أو الكرتون" وذلك بنسبة 1- 5 غرام في المتر المربع. ونظرا لارتفاع الضغط البخاري لمركب ثنائي الفينيل، فإنه يتبخر في الجو المحيط بالثمار وبين مواد التعبئة ويرتبط جزء منه بقشور الثمار، ونادرا ما تزيد الكمية المتبقية على أسطح الثمار عن 50 مليغرام في الكيلو غرام. وتسمح معظم الدول في تشريعاتها الغذائية استخدام هذه المواد، وتحدد مستويات قصوى لبقاياها في الموالح "10 أجزاء من المليون حسب المدونة فيما عدا ثنائي الفينيل فقد كانت الحدود القصوى لبقاياه 110 أجزاء في المليون".ط- مضافات غذائية أخرى:هناك مضافات غذائية أخرى لا زالت تحت الدراسة فيما يتعلق بتأثيرها على صحة الإنسان أو تأثيرها التكنولوجي، كما توجد مجموعات أخرى من المضافات لم تحدد معظم التشريعات مستويات قصوى لإضافاتها للغذاء، إما لأنها غير ضارة أو أن إضافتها بتركيزات عالية قد تؤدي إلى عكس التأثير التكنولوجي المقصود، وهذه تركت إلى الممارسة التصنيعية السليمة. ومن أمثلة هذه المضافات العوامل المانعة للرغوة، والعوامل المانعة للتكتل، ومنظمات الحموضة، والعوامل المزججة، وعوامل الترويق، والعوامل المساعدة للترشيح، وعوامل تبييض أو إنضاج أو تكييف العجين، وعوامل التحلية عديمة القيمة الغذائية، ومضافات الأغذية التي يجوز استعمالها كإنزيمات غذائية.ومن الواضح أن مضافات الأغذية لها تأثيرات موجبة وأخرى سالبة، ومن هنا نشأت الحاجة إلى تشريعات تنص على الحدود القصوى لاستخداماتها، وإذا ما استخدمت بالمخالفة لهذه الحدود القصوى تنشأ بذلك المشاكل الصحية. وتعتبر الحدود القصوى لاستخدام مضافات الأغذية التي تصدرها هيئة مدونة الأغذية خير مرجع في هذا المجال.

(1/299)

6- :مصادر تلوث البحار:ينتج الإنسان أنواعا كثيرة من الملوثات، ويصل معظمها إلى البيئة المائية بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وبعض هذه الملوثات "ومنها معظم المواد العضوية" يتحلل بواسطة العمليات البيولوجية العادية، إلا أن غيرها كالمواد الكيميائية الهيدروكربونية الكلورية، تكون مقاومة للانحلال وتستمر مدة طويلة في البيئة المائية، وتكون البحار والمحيطات المصب النهائي لها، حيث تتجمع إما في الماء أو في الاحياء المائية أو في المترسبات في القاع. وتصل هذه الملوثات إلى مياه البحار والمحيطات بعدة طرق: فبعضها يترشح من الأرض أو يحمل إلى البحر عن طريق الأنهار كرواسب من تآكل الأرض، وبعضها يحول عمدا إلى الأنهار أو مباشرة في المحيطات كنفايات صناعية ومنزلية، وبعضها يفرغ مباشرة في البحار من السفن كنتيجة مباشرة لعمليات الملاحة، كما أن بعضها يحمل إلى البحار لمسافات طويلة عن طريق الجو قبل أن ينقي بواسطة الأمطار المتساقطة على كل من الأرض والبحار. وتعتمد الأهمية النسبية لهذه الطرق الملوثة للبحار على خواص ومصدر الملوثات.وللملوثات المختلفة تأثيرات مختلفة على الأحياء المائية والأسماك، فبعضها ينشط نمو النباتات المائية، ويمكن أن يكون ذا فائدة إذا ما أمكن السيطرة عليه بطرق صحيحة، وبعضها يعتبر ساما وقد يؤدي إلى قتل الأحياء المائية أو يحولها إلى مواد غير صالحة للاستهلاك الآدمي، كما أن بعضها قد يكون غير ضار وليس له إلا تأثير بسيط على الأحياء المائية.أ- مياه الصرف الصحي والزراعي: لمياه الصرف الصحي وبعض الصرف الزراعي تأثير مُسَمِّد الماء، إذ تزيد من معدل الإنتاج للأحياء المائية، إلا أنه بزيادة التسميد يتكثف نمو الطحالب والنباتات المائية بطريقة مزعجة، كما يغير من طبيعتها، حيث تقل أو تزول الأنواع التي تكون غذاء الحيوانات آكلة الأعشاب والتي بدورها تغذي الأسماك في المنطقة، في حين تنمو بغزارة الأنواع غير المناسبة كغذاءتلوث البحار

(1/300)

للحيوانات. فالتغير في الأنواع النباتية يؤدي بطريقة غير مباشرة إلى تغيرات في النظم الحية جميعها. ففي الأسماك مثلا تختفي الأنواع ذات القيمة الاقتصادية وتسود الأنواع الأقل قيمة وتنمو بغزارة. وهذا ما يحدث الآن في معظم البحيرات عند مصبات الأنهار وشواطئ البحار والمحيطات إذا استمر معدل التلوث الحالي كما هو. فالبحيرات التي كانت مياهها صافية ونظيفة لآلاف السنين الماضية أصبحت في خلال عشرات السنين الماضية كثيفة الأنواع، وكريهة المنظر والرائحة، واختفى فيها سمك التروت trout والسلمون وسادت الشبوطيات cyprinids وذلك عندما استعملت كمصبات لنفايات الإنسان.وعندما تصب في البيئة المائية مخلفات الإنسان غير المعاملة، والتي لا تحتوي مواد سامة، فإنها تتحلل بسرعة بواسطة الجراثيم إلى مكوناتها غير العضوية، وتمتص الأكسجين الذائب في الماء أثناء هذه العملية. وعندما يحدث ذلك في حيز ضيق من الماء كالبحيرات أو مصبات الأنهار أو الأماكن المحصورة في البحار التي يقل فيها جريان الماء، فإن الأكسجين اللازم لتقويض المخلفات قد يزيد عن الأكسجين الموجود فعلا في الماء فيصبح الماء خال من الأكسجين فيفنى معظم ما يحتويه من الأحياء المائية.أما المخلفات المعاملة بطريقة تهتم عادة بالنواحي الجمالية والصحة العامة مع عدم الاهتمام بالنواحي المتعلقة بتلف البيئة وتوزيع الأحياء المائية بها، فمن شأنها إزالة نسبة كبيرة من المواد الصلبة من المخلفات ونسبة ضئيلة لا تتعدى 10% من محتوياتها من الفوسفور، وهو أحد أكبر العناصر المسمدة للمياه. وإذا كانت المعاملة مضاعفة فإنها تزيل على الأكثر 30% من الفوسفور المتبقي. والمتبقي من الفوسفور هذا في النفايات يفوق المواد المغذية الموجودة طبيعيا بالبيئة المائية بضعة آلاف مرة. ونتيجة لذلك فقد تكون العوالق النباتية

phytoplankton، عن طريق الاستقلاب، مواد عضوية أكثر مما تمت إزالته من مياه الصرف في مصانع المعالجة.وطالما بقيت المواد المغذية والطحالب الناتجة عنها قريبا من سطح الماء، فإن النبات ينتج الأكسجين بنشاط أثناء النهار، ولا يشكل أي تهديد على ميزان الأكسجين في النظام المائي عامة. أما في الليل فتتنفس الطحالب، وقد تقلل من

(1/301)

مستوى الأكسجين إلى قيمة منخفضة غير مرغوبة حتى بالنسبة للمياه السطحية وعندما تموت الطحالب فإنها تغطس في طبقات الماء الأعمق وربما تستهلك عند انحلالها كل الأكسجين الذائب، وبذلك تقل أو تموت بعض الأسماء. وهذا ما يحدث حاليا في كثير من البحيرات في العالم، وكذلك في البحيرات الضحلة في المناطق الاستوائية، وفي البحر الأبيض المتوسط بالقرب من تونس، حيث أدت زيادة خصوبة الماء إلى زيادة النمو النباتي وتلف موارد جيدة للأسماك ذات القيمة الاقتصادية العالية. وبعض الأسماك التي تحتاج إلى مياه باردة في القاع لكي تتمكن من الحياة في فترات الصيف الحار تموت وتفنى عندما تصبح مياه القاع خالية من الأكسجين وبهذا يتغير التوزيع العام للأحياء في مثل هذه المياه.ولتجنب هذه المخاطر هناك اتجاه لصرف القسم شبه الصلب من مياه الصرف المعالجة على مسافات بعيدة من الشواطئ وفي المياه العميقة. إلا أنه قد ثبت أن معدل تفكك هذه المتبقيات تحت الظروف السائدة في أعماق البحر من ضغط عال ودرجة حرارة منخفضة يكون بطيئا جدًّا إذا ما قورن بمعدل التفكك والتحلل عند نفس الدرجة من الحرارة، ولكن تحت الضغط الجوي العادي. ويصبح التخلص من الفضلات بهذه الطريقة هو عبارة عن تأجيل المشكلة للأجيال القادمة وليس تخلصا منها بكل ما في الكلمة من معنى.وعلى ذلك فمنعا لتناقص الموارد السمكية وتغير توزيع أنماط الأحياء المائية في البحار والمجاري المائية عامة، لا يمكن إغفال ضرورة إعادة استعمال المواد العضوية والسمادية المتبقية من مياه الصرف الصحي والزراعي، وهذه الحلول لا زالت في مراحل التجارب ولكن يجب تشجيعها.ب- المنظفات

detergents: تحتوي عادة مياه الصرف الصحي على نسبة عالية من الفوسفور تعادل مرتين ونصف كمية النيتروجين الموجود فيها، وتشكل المنظفات بمحتواها من الفوسفور على حوالي 60% منها، في حين يحتاج النمو النباتي العادي في البيئة المائية على كمية من الفوسفور أقل من النيتروجين، وعلى ذلك حتى لو أمكن استبعاد جميع الفوسفور الذي مصدره المنظفات، فإن الناتج سيكون غير متوازن وفقير في المركبات النيتروجينية. ويمكن في بعض المناطق تعويض ذلك عن طريق المخالفات الصناعية والزراعية الغنية بالنيتروجين. وتنمو العوالق النباتية عادة بدرجة محدودة عند مصبات الأنهار الساحلية بسبب فقر الماء بالنيتروجين.

(1/302)

ج- مبيدات الهوام pesticids: استخدمت مركبات الهيدروكربونات الكلورية بكثافة عالية كمبيدات للهوام منذ منتصف الأربيعينات، وبلغ الإنتاج العالمي من ما يزيد على 85.000 طن وبذلك فقد انتشرت متبقيات هذا التركيب والمركبات الناتجة عنه تحلله انتشارا واسعا في جميع أرجاء العالم، وكانت لها تأثيرات بيولوجية بالغة الضرر. وتختلف الهيدروكربونات الكلورية عن المركبات العضوية التي تتفكك بسهولة وبسرعة بفعل الجراثيم ولا يتبقى شيء من آثارها في الأنسجة الحية. ولا يوجد حتى الآن أية أنواع من الجراثيم القادرة على تحليل مركبات الهيدروكربونات الكلورية، ولهذا فهي تبقى في البيئة لمدة طويلة. وقد ساعد على الانتشار السريع لمتبقياتها في البيئة قدرة الهوام على تكوين سلالات مقاومة لها، مما أدى إلى الاستخدام المتزايد لجرعات أكبر من المبيد لبلوغ نفس الكفاءة في المقاومة.ولا يمكن إنكار الفائدة العظمى التي نتجت عن استخدام هذه المركبات على المدى القصير كمبيدات للهوام المنزلية والزراعية. فقد تم استئصال الملاريا من كثير من المناطق في العالم باستخدام د. د. ت. لإبادة بعوضة الأنوفيل

Anopheles mosquito وحققت مكافحة الحشرات في المحاصيل التجارية نتائج باهرة. فقد أدى استخدام د. د. ت. إلى زيادة الإنتاج بما يعادل أكثر من خمسة أضعاف القيمة التي تدفع ثمنا لهذا المبيد، ولكن وضح بعد ذلك ضخامة تكاليف التأثير الضار الجانبي الذي لم يكن متوقعا والذي فاق الفائدة العائدة من استخدامه. ومن الصعب عمل مسح شامل لتوزيع متبقيات د. د. ت. في البيئة، إلا أنه معروف أن البيئة البحرية هي المصب النهائي لـ د. د. ت. وغيره من المركبات الهيدروكربونية الكلورية والتي تدخل البحار والمحيطات إما بواسطة حملها بالجو أو بواسطة الأنهار التي يبدو أنها قليلة. وقد قدرت الكميات من هذه المركبات التي انتقلت إلى البيئة البحرية حتى نهاية الستينات بحوالي 25% من الإنتاج الكلي. والكمية التي انتقلت إلى أنسجة النباتات والحيوانات البحرية بأقل من 0.1% من الإنتاج الكلي، وهذه الكمية الأخيرة رغم صغرها ألحقت أشد الضرر بالبيئة البحرية. ولا يعرف حتى الآن المدة التي تبقى فيها هذه المتبقيات في البيئة البحرية دون تفكك، وبذلك لا يعرف ما إذا كانت البيئة البحرية قد بلغت حالة التوازن الثابت أو أن تركيز المتبقيات آخذ

(1/303)

في الزيادة، حتى بعد الحد من استخداماتها، وقصرها على أغراض الصحة العامة والتي فيها لا يتسرب كمتبقيات في البيئة إلا الكميات الضئيلة ويبدو أن المركبات الهيدروكربونية الكلورية الأخرى الآخذة في الاستخدام كمبيدات للهوام من حشرات وفطريات حشائش لها تأثيرات بيولوجية ضارة مثل د. د. ت. إلا أنها لم تقيم بعد. هذا بالإضافة إلى مركبات ثنائي الفينيل عديد الكلو polychlorinated biophenyls "PSBS" السامة جدًّا والمستخدمة بكثرة في الصناعة كعوامل تلدين Plasticizers في إنتاج البلاستيك والمطاط، وما تحدثه من متبقيات، والتي وجدت في كل ما أمكن من طرق معتمدة للتعرف عليها. وكلما درست الآثار الضارة لمتبقيات هذه المركبات غير القابلة للتحلل بيولوجيا اكتشفت تأثيراتها الضارة التي لم تكن متوقعة.ونظرا للتأثير المتلف للبيئة الذي يحدثه د. د. ت.، فقد حرم استخدامه في العمليات الزراعية في كثير من الدول المتقدمة منذ السبعينات، إلا أن كثيرا من الدول النامية لا زالت تستخدمه نظرا لاحتياجها إلى إنقاد المحاصيل الغذائية، ويبدو أنها مستمرة في ذلك طالما لم يوجد البديل الفعال الذي يعادل د. د. ت. في رخصه. وتتوفر الآن بدائل من مبيدات الحشرات الأقل مقاومة في البيئة، والتي يمكنها التحلل بسرعة وتصبح غير ضارة. إلا أنه نظرا لسهولة وسرعة تفكهها، فلا بد من معاملة المحاصيل بها عدة مرات لبلوغ الدرجة المماثلة من المكافحة للهوام، وهي بصفة عامة أغلى ثمنا من د. د. ت. وتأثيراتها العامة على البيئة لا تظهر إلا بعد الاستخدام الطويل لها. كما أن كثيرا من المركبات الهيدروكربونية الفوسفورية أكثر سمية من د. د. ت. للثدييات والإنسان. وهناك العديد من المشاكل العلمية والاقتصادية التي يجب دراستها وإيجاد حلول لها قبل منع استخدام الـ د. د. ت. وغيره من المركبات الهيدروكربونية الكلورية في جميع أنحاء العالم.وقد ثبت على مستوى الأبحاث العلمية أن التركيزات المثبطة من د. د. ت للعوالق النباتية هي في حدود 10 أجزاء من البليون "

ppb" في حين أن قابلية ذويان د. د. ت تقدر بجزء من البليون أي عشر التركيزات المثبطة للعوالق النباتية إلا أن العوالق التي تنمو في المياه السطحية، وهي الناتج الأول ومصدر كل المواد العضوية التي تغذى الكائنات الحية الأخرى، تتعرض إلى تأثير مزدوج لكل من د. د. ت. الذائب في مياه البحار، وذلك الذي يذوب في الدهون ويتركز في صورة

(1/304)

أغشية زيتية. ويتجمع د. د. ت. في العوالق النباتية بتركيز أكبر مما يوجد في العوالق الحيوانية. ونظرا لأن الأنسجة الحية غير قادرة على استقلاب د. د. ت. فهو يتركز في البركة الدهنية lipid pool للكائنات الحية، ويميل إلى التجمع والتركيز العوالق الحيوانية يجمع تركيزات من د. د. ت. أعلى من الرعي على العوالق النباتية، وآكلات اللحوم من الطيور والأسماك البحرية تجمع أكبر الكميات من متبقيات د. د. ت وهي ضمن تلك التي لحقت بها أكبر التأثيرات الضارة. وعموما فقد ثبت أن جميع أسماك المياه الغذبة والمالحة ملوثة بالـ د. د. ت أو ناتجات تفككه، والتي لها تأثيرات فيزيولوجية مشابه لـ د. د. ت. كما وجد أن تركيز 5 أجزاء من المليون في بيض سمك التروت trout يؤدي إلى فشل تام "100%" في تطور السمكة، وتموت الأسماك في الوقت الذي يبدأ استقلاب كيس الصفار. كما ثبت عدم تحمل الأنواع التجارية من القريدس والكابوريا لتركيزات أقل من 0.2 جزء في البليون من الـ د. د. ت. وماتت هذه الأسماك في أقل من 20 يوما لتعرضها. كما يؤثر الـ د. د. ت. وماتت هذه الأسماك في أقل من 20 يوما لتعرضها. كما يؤثر الـ د. د. ت. على نمو المحارات oysters في مستويات تبلغ 0.1 جزء في البليون في الماء المحيط بها. وعلى العموم فهناك تأثير مباشر للـ د. د. ت أقل من درجة ذوبانه في الماء. وقد أعدمت كميات كبيرة من أسماك المكاريل macherel في مناطق كثيرة من العالم لاحتواء الأنسجة بها على أكثر من 5 أجزاء في المليون، وهو الحد الأقصى المسموح به للجزء القابل للأكل في الأسماك. وهذا مثال للحالات التي تقاوم فيها الأسماك تأثيرات الـ د. د. ت.، ولكن يتأثر الإنتاج تأثيرا خطيرا بسبب التلوث.وفيما يتعلق بالطيور، وخاصة الجارحة منها والتي تمضي معظم حياتها في البحار أو بالقرب منها، فقد قلت تجماعاتها وأنواعها بدرجة كبيرة، إذ يؤدي تراكم متبقيات الـ د. د. ت. إلى فشل البويضات في الفقس. ومن المتوقع أنه بتجمع متبقيات الـ د. د. ت. وغيره من المواد الكيميائية الهيدروكربونية الكلورية في نظم الكائنات الحية البحرية حول العالم يزيد الفشل التناسلي في أنواع الطيور البحرية.د- البترول ونواتج تفككه ومخلفاته: البترول هو أحد ملوثات البحار والمحيطات الآخذة في الزيادة عاما بعد عام. وتقدر كمية البترول الملوثة للبحار والمحيطات من جميع المصادر بما يتراوح بين 1 و 10 ملايين طن سنويا. ويحدث

(1/305)

معظمها في المناطق الساحلية، كما توجد بعض البقع البترولية وكريات القطران في عرض المحيطات والبحار، مما يدل على أن تلوث البيئة المائية أصبح يشكل خطورة على الأسماك في شتى بقاع العالم.والبترول الخام عبارة عن خليط من مركبات كثيرة، وقد يحتوي على آلاف من المركبات المختلفة، كما تختلف هذه المركبات من حيث ذاتيتها وخواصها الطبيعية والتركيبية باختلاف المصدر. وتهدف عملية التكرير إلى استبعاد مركبات معينة، ومع ذلك فالبترول المكرر مخلوط معقد من أنواع مختلفة من الهيدروكربونات.وتحتوي جميع أنواع البترول الخام على مركبات سامة للأحياء المائية. وبعضها قابل للذوبان في الماء، وبعضها يتبخر على السطح، وبعضها يكون بقعا وجسيمات تنتشر بسرعة، وبعضها يرسب في قاع البحار والمحيطات وينفذ داخل رمال القاع. ويحتاج التقييم الكامل لمدى سمية وتوزيع الملوثات البترولية إلى دراية وافية لتأثير كل مكونة على حدة. لا تحتوي الدراسة التي أجريت حتى الآن إلا على القليل منها. إلا أنه قد عرف وشوهد من زمن أن تلوث البحار بالبترول يتبعه عادة انجراف الأحياء البحرية الميتة إلى الشواطئ، ومن بينها الأسماك ذات القيمة التجارية وكذلك الطيور وحتى السرطانات "الكركند"

lobsters أو الأسماك التي تعيش في القاع. كما لوحظ أنه حتى بالنسبة للأحياء البحرية التي أمكنها مقاومة تأثير التلوث البترولي، أن أنسجتها تحتوي آثارا منه حتى بعد مرور أكثر من سنة على حدوث التلوث البترولي. وقد ثبت أن الهيدروكربونات يمكنها النفاذ من جدر الأمعاء والتجمع في الأجزاء الدهنية lipid pool حيث تذوب في الحموض الدهنية، وحتى بالنسبة للهيدروكربونات غير الثابتة فهي لا تتفكك بل تقاوم فعل الجراثيم ويمكنها أن تنتقل إلى الأحياء المفترسة ثم إلى الإنسان بعد تناوله الأغذية البحرية الملوثة.وفي الحقيقة فإن الهيدروكربونات التي يتكون منها البترول الخام يمكنها التفكك بواسطة الأحياء الدقيقة البحرية، إلا أنه لا يعرف إلا القليل عن معدل التفكك، ولا يوجد مكروب واحد يمكنه تفكيك كل مكونات البترول الخام، حيث أن الجراثيم كائنات شديدة التخصص، ويحتاج الأمر إلى العديد من السلالات التي يمكنها تفكيك جميع أنواع الهيدروكربونات الموجودة في البترول الخام. ولسوء

(1/306)

الحظ فإن الفارافينات العادية، وهي الأقل سمية، هي التي تتفكك وتتحلل بسرعة، أما الهيدروكربونات الأروماتية السامة وبخاصة عديدة النوى الأروماتية منها polynuclear aromatics فهي لا تتفكك بسرعة.وقد ثبت أن المياه الساحلية يمكنها تجديد نفسها من آثار التلوث بدليل أنها لا تخلو من الحياة البحرية رغم التلوثات التي تطرأ عليها، ولكن من البديهي أن زيادة التلوث عن قدرة البحار على تجديد نفسها قد يؤدي إلى كوارث كبيرة، فقدرة البحار والمحيطات على استيعاب التلوث البترولي غير معروفة.ويشكل التلوث البترولي الناتج عن الحوادث حوالي 10% من مجموع التلوث البحري بالبترول، والباقي مصدره العمليات العادية لحركات البواخر وإنتاج البترول من مياه الشواطئ وعمليات التكرير وتصريف مخلفات البترول، وكذلك الهيدركربونات غير مكتملة الاحتراق بعد تفريغ البترول من الشاحنات تملأ بالماء لحفظ توازنها أثناء العودة وتفرغ هذه الكمية من المياه في البحر على بعد لا يقل عن 50 كيلو مترا من الشاطئ، وتنظف الناقلات قبل دخولها ميناء الشحن. ولا تشكل عوادم زيت تزييت السيارات وغيرها من الماكينات إلا القليل من نسبة التلوث. فالبرغم من أن كمياتها تتراوح بين 0.5 – 1 مليون طن سنويا، فإن معظمها يصرف في الأرض.. وتمثل حوادث الناقلات أقل من 10% من مجموع التلوث للبحار والمحيطات.هـ- مخلفات أخرى عضوية. بالإضافة إلى ما سبق: يوجد بضعة آلاف نوع من المركبات الكيميائية تنتجها المصانع كمخلفات للعمليات الصناعية المختلفة تصرف في البحار وتلوث مياهها، بالإضافة إلى أن صناعة البتروكيماويات المتنوعة ينتج عنها مخلفات عضوية ومعدنية، كالمعادن الثقيلة والحموض والكلور، وكلها تصب في المياه البحرية. وبعض هذه المخلفات يؤدي إلى تغير نكهة المنتجات البحرية، وبعضها يسبب الأمراض الخبيثة، وقد تتجمع في أنسجة الحيوانات البحرية وتنتقل إلى الإنسان كما توجد مخاطر أخرى لتلوث البحار والمحيطات عند نقل البتروكيماويات عبر البحار، سواء ما كان منها مذيبات عضوية، أو منتجات وسطية تحتاج إلى استكمال تصنيعها. وينتج عن صناعة العجائن الورقية والورق مخلفات أخرى، قد تسبب مشاكل كبيرة إذا ما تسربت إلى المياه البحرية. وكل هذه

(1/307)

المركبات إذا ما تم تفككها بواسطة الجراثيم المائية فإنها تحتاج إلى الأكسجين الذائب، شأنها شأن مياه الصرف الصحي غير المعالجة، وتحول الماء إلى ماء خال من الأكسجين، قبال لإنتاج غازات كبريت الهيدروجين والميثاق التي تقتل كل الأحياء المائية في المنطقة وإذا ما تم تصريف مثل هذه المخلفات في المجاري المائية العذبة، تكونت مواد سامة عديمة الرائحة تشكل أخطارا جسيمة بالنسبة للإنسان إذا ما استعمل هذا المصدر كمياه للشرب. وعلى العموم فلا زالت الدراسات عن تأثير هذه المواد الكيميائية على الأحياء المائية غير مكتملة.و المخلفات غير العضوية: يعرف عدد كبير من المواد الكيميائية المعدنية كمخلفات في البيئة المائية، تتراوح بين غير الضار وشديد السمية، ويختلف مدى ضررها باختلاف أماكن تصريفها، وعما إذا كانت في المياه العذبة أو في المياه المالحة. فالحموض والقلويات، وهي مخلفات لكثير من الصناعات المختلفة يكون لها تأثير بالغ القدر إذا ما صرفت في المياه العذبة التي تحتوي على أحياء دقيقة حساسة لحموضة أو قلوية البيئة المائية التي تعيش فيها، بخلاف مياه البحار التي تحتوي على أملاح معدنية تكون قادرة على معادلة الحموضة أو القلوية وتقليل تأثيرها على البيئة البحرية. ويوجد بالمياه البحرية عناصر أخرى بوفرة، فعندما تستقبل كميات إضافية منها كمخلفات يصبح لها تأثيرات ضئيلة، أما إذا دخلت إلى بيئة المياه العذبة فتكون تأثيراتها شديدة. وينتمي إلى هذه المجموعة من العناصر الصوديوم والبوتاسيوم والكلور والكالسيوم والمغنيزيوم وايونات الكبريتات. فإضافة مثل هذه العناصر إلى بيئة المياه المالحة تستحدث تغيرات نسبية بسيطة، وربما لا تؤثر بتاتا على النظم الحية بها، ولكن نفس التركيز قد يكون بالغ الأثر في حالة المياه العذبة.ومن المتوقع أن جميع العناصر التي قد تكون موجودة في التربة أو الصخور بفعل العمليات الجيولوجية الطبيعية تكون في تآكل وذوبان مستمر ويكون مصبها النهائي هو البيئة المائية العذبة أو المالحة. ونتيجة للعمليات الصناعية المختلفة التي يقوم بها الإنسان تزداد هذه المخلفات الصناعية بنسب بسيطة أو كبيرة حسب أنشطة الإنسان الصناعية.وأكبر المعادن التي تحتويها المخلفات غير العضوية هو الحديد، وليس له تأثير يذكر في البيئة المائية العذبة أو المالحة. ويليه من حيث الكمية النيتروجين

(1/308)

والفوسفور ولهما تأثير مسمد للمياه سبق الكلام عنه في مخلفات الصرف الصحي والزراعي أما بقية المعادن فهي سامة، ولها تأثيرات متفاوتة على الأحياء المائية، أهمها الزئبق والرصاص والنحاس والكادميوم والكروم والزنك والنيكل والزرنيخ وإنتاج هذه المعادن متزايد وبالتالي فإن مخلفاتها في البحار متزايدة، وحتى الآن لا يوجد لها تأثير على البيئة المائية فيما عدا الزئبق والرصاص، وفقط في مناطق محدودة يتميز فيها التلوث بكثافة عالية.فالزئبق مادة سامة لكل من الإنسان والأحياء المائية، وأصبح الآن واسع الانتشار في البيئة، وهو كغيره من المعادن الشديدة السمية يتجمع في أجسام الكائنات الحية ويبقى فيها لمدة طويلة ويعمل كسم تراكمي. وهو يستعمل في كثير من العمليات الصناعية، ويمكن أن ينتقل إلى البيئة المائية كمخلفات أو عن طريق الهواء الجوي، إذ أن ضغطه البخاري عالي في درجة الحرارة العادية ويولد بخارا ينطلق باستمرار في الهواء المحيط. هذا بالإضافة إلى العمليات الصناعية التي تستخدم فيها الحرارة فيزداد انطلاق الزئبق في الجو كبخار. كما أن المركبات الزئبقية تستخدم كمبيدات للهوام خاصة في مقاومة الفطر في الزراعة، وكذلك في صناعة الورق لإزالة المواد الغروية. وكذلك كعامل مزيل للرغوة في صناعة الطلاء. ومخلفات هذه الصناعات المحتوية على نسب معينة من المعدن تصب مباشرة في البحار.وأملاح الزئبق المعدنية سامة جدا، كما أن بعض أملاحه العضوية أشد سمية. ويتحول الزئبق في البيئة المائية إلى ميثيل الزئبق بفعل الجراثيم، ويتراكم في الأسماك والأصداف ويكون في غاية السمية بالنسبة للإنسان الذي يستهلك هذه الأسماك. وقد حدثت حالات وفاة كثيرة في اليابان بسبب التسمم بالزئبق نتيجة لاستهلاك أغذية بحرية ملوثة به. وهناك كثير من البحيرات في السويد ومناطق ساحلية في بحر البلطيق زاد فيها التلوث بالزئبق، ومنع صيد الأسماك بها. وهناك حالات أخرى كثيرة في دول كثيرة منع بها صيد الأسماك أو نوع معين من الأسماك بسبب التلوث الزائد بالزئبق. وتحتوي أسماك المحيطات، وبالذات التونة وأسماك سيف البحر

sword fish على أكبر تلوث للزئبق في أنسجتها، ويؤثر ذلك على تجارة هذه الأسماك بدرجة كبيرة.ونظرا لأن الزئبق معدن ثمين، فيمكن في كثير من الأحوال استخلاصه من

(1/309)

المخلفات وإعادة استعماله في الصناعة، إلا أنه في حالة استخدامه في الزراعة في معالجة البذور كمثبط لنمو الفطريات لا يمكن استخلاصه وإعادة استخدامه، ولهذا فقد حرمت بعض الدول استخدامه كمبيد للفطريات.أما الرصاص فيلي الزئبق من حيث خطورته على البيئة المائية التي يتلوثها، وذلك بعدة طرق، أهمها هو إضافته في صورة رابع إيثيل الرصاص

tetraethyle lead إلى البنزين لتحسن كفاءة محركات السيارات. وعند حرق البنزين ينتقل الرصاص إلى الجو ويعيق نمو النباتات. وقد لوحظ ذلك بوضوح في المناطق التي تتميز بحركة كثيفة للسيارات. وهو كغيره من الملوثات التي تنتقل عن طريق الجو، يمكن أن يحمله الجو لمسافات بعيدة عن المصدر ويرسب في البحار كجزيئات أو بعد ذوبانه في الأمطار وقد ثبت تركيز هذه الملوثات الزائد في المياه السطحية للبحار في بعض المناطق بالمقارنة بالمياه العميقة. وتوجد عادة التركيزات الكبيرة من الرصاص كرواسب في قاع البحار بالقرب من تجمعات الأحياء المائية أما بقية المعادن التي تلوث البحار فنظرا لوجودها كمعادن ملوثة في البحار بتركيزات بسيطة فيه لا تشكل خطورة كبيرة كما في حالة الزئبق والرصاص.ز- المواد المشعة: يعتبر تلوث البيئة المائية بالمواد المشعة موضوعات ذا طابع خاص كثير التعقيد، فالنشاط الإشعاعي قد ينتج عنه مشاكل كثيرة، حيث أن النظائر المشعة لا تحدث فقط تأثيرا مباشرا وسريعا على الكائنات الحية، بل وأهم من ذلك فقد تؤدي إلى ظهور تحولات للحموض النووية التي تحمل كل المعلومات الخاصة بتطور الخلية، مما يكون له أبلغ الأثر في الأجيال التالية. وهناك سيطرة محكمة للاستخدام المدني للطاقة النووية لتقليل المخاطر التي قد تتعرض لها الصحة العامة أو تؤدي إلى تلف المواد المائية. إلا أن الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية سيؤدي حتما إلى زيادة استخدام الطاقة النووية مستقبلا، وسيتطلب تصريف المخلفات المشعة عناية شديدة. ومن الممكن أن تتلوث البيئة المائية بالمواد التي لها نشاط إشعاعي عن طريق عدة مصادر، بعضها يخضع لرقابة محكمة، إلا أن بعضها يحدث مصادفة ومن الصعب التنبؤ به أو مراقبته بإحكام، وينتج عن ذلك أضرار بالغة.ومن المعروف أن النشاط الإشعاعي آخذ في الزيادة باطراد في البيئة الجوية والمائية منذ أن كانت التجارب النووية تجرى في الجو، مما أجبر الدول على

(1/310)

تحريم التفجيرات في الجو، فبدأ بعد ذلك النشاط الإشعاعي يقل تدريجيا في البيئة الجوية والمائية:فعندما تنفجر الأسلحة النووية في الجو، يرتفع الغبار الذري في الطبقات العليا ويتوزع بسرعة في كل أنحاء الكرة الأرضية. إلا أن الجزيئات الكبيرة تعود ثانية إلى الأرض على بعد كيلو مترات قليلة في صورة تساقط ذري "هيال"، أما الجزيئات الدقيقة فإنها تبقى في طبقات الجو العليا، وتدور حول الأرض وتعتبر مصدر تلوث إشعاعي لسنوات عديدية، يتوقف على نوع العناصر المشعة المنبثقة وقد أدت الاختبارات الخاصة بالأسلحة النووية في البداية إلى تلوث البيئة الجوية والمائية، وكان من الممكن صدها بسهولة في كل أنحاء العالم.وقد روعي في تصميم وبناء السفن والغواصات النووية الاحتياطات اللازمة لعدم تلوث البيئة بالعناصر المشعة. ولا توجد أية مخاطر للتلوث الإشعاعي عن طريق هذا المصدر، ما دام تشغيل هذه المعدات يخضع لرقابة محكمة.إلا أن الزيادة المتوقعة في إنتاج الطاقة النووية يترتب عليه زيادة لا يمكن تجنبها في المخلفات النووية التي يجب التخلص منها بطريقة لا تعرض البيئة الجوية أو المائية للخطر.وتنتج هذه المخلفات في مفاعلات تصنيع الوقود الذري، التي تتحول المخلفات الانشطارية فيها من اليورانيوم غير المنشطر الذي يمكن إعادة استخدامه وتخزن عادة هذه المخلفات السائلة المشعة في حاويات كبيرة من الإسمنت أو الصلب في أماكن إ نتاجها بطريقة تمنع تسربها إلى البيئة الجوية. وبمرور الوقت تستقر هذه العناصر المشعة وتتحول إلى عناصر ثابتة غير مشعة. ويكون التخزين بهذه الطريقة مأمونا لبضعة أجيال لمنع أي تلوث إشعاعي للبيئة، حيث أن العمر النصفي للعناصر الخطرة الموجودة في مخلوط انشطاري معين يقاس عادة بعشرات السنين، فمثلا نصف العمر للسترونسيوم 90 المشع هو 27.7 سنة وللتريتيوم 12.3 سنة.وتوجد مصادر أخرى لتلوث البيئة المائية بالإشعاع، مثل التجارب العلمية والاستخدام الطبي للنظائر المشعة. وتمارس عمليات الرقابة بإحكام لحماية البيئة والأشخاص المعرضين. وعادة تكون المخلفات السائلة عن هذا الطريق منخفضة التركيز ويمكن صرفها في مياه الصرف الصحي دون أخطار تذكر. أما المواد الصلبة.

(1/311)

الملوثة للأدوات الزجاجية وغيرها، فكانت توضع في براميل ثقيلة وتصرف في أعماق البحار. وحديثا تدفن في الأرض في مكان خاص أعد لهذا الغرض بطريقة تمنع تسرب أي إشعاع إلى البيئة الجوية.وعلى العموم فإن الرقابة المحكمة المستمرة قد ساعدت على حفظ مستوى التلوث الإشعاعي للبيئة الجوية والمائية إلى أقل المستويات الآمنة، والخطر كله يكمن في التسرب الإشعاعي بسبب الحوادث المفاجئة، وقد ذكر هذا الموضوع بالتفصيل تحت عنوان التلوث الإشعاعي للبيئة والأغذية

(1/312)

المراجع:1 -

FAO (1976) Guidelines for Developing an Effective National Food Control

System. FAO Food Control Series, No. 1, FAO, Rome.2 -

John C. Ayres, J. Orvin Mundt and William E. Sandine (1980) Microbiology of

Foods. W.H. Freeman and Company, San Francisco.3 -

George, J. Banwart (1989) , Basic Food Microbiology, An Avi Book, Van

Nostrand, New York.4 -

Norran G. Marriott (1989) , Principles of Food Sanitation, An Avi Book, Van

Nostrand Reinhold, Reinhold, New York.5 -

Erich Lueck (1977) , Antimicrobial Food Additives. Springer-Verlag, Berlin,

Heidelberg, New York.6 -

R.B. Clark (1989) . Marine Pollution. Oxford Science Publications.7 -

Pollution, An International Problem for Fisheries (1971) . FAO Fisheries Series

No. 14, World Food Problems No. 14, FAO-Rome.8 -

T.R. Presten and M.B. Willis (1970) . Intensive Food Production. Pergamon Press.

Oxford, New York, Toronto, Sydney, Paris, Braunschweig.9 -

Symposium on Medicated Feeds (1956) , Edited by H. Welch and F.M. Ibanez.

Proceedings of the Symposiumnon Medicated Feeds, Medical Encyclopedia, Inc., New York, N.Y.10 -

Anabolics in Animal Production Symposium Held at OIE, Paris 15 -17 February1983.11 -

Timothy Twomey (1987) , Radioactivity and its Measurement in Foodstuffs, Dairy

and Food Sanitation, Vol 7, No. 9, Pages 452 - 457 (Sept. 1987) .12 -

Food Colors (1986) . A scientific Status by the Institute of Food Technclogists

Expert Panel on Food Safety and Nutrition. Food Technology, 49 - 56, July 1985.

(1/312)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الغذاء والتغذية

اضطرابات التغذية الناجمة عن نقص الغذاء

نظرة عامة على اضطرابات التغذية

...

اضطرابات التغذية الناجمة عن نقص الغذاء:

الدكتورة ألفت درويش:

نظرة عامة على اضطرابات التغذية:

تعتبر اضطرابات التغذية من أهم المشاكل المنتشرة في الدول النامية، فهي تهدد الأفراد والجماعات بأمراض النقص الغذائي، ويقتل بسببها طفل من كل ثلاثة أطفال تحت سن الخامسة تشمل الدول النامية معظم الدول التي تقع في المناطق المدارية في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، حيث تنتشر في هذه المنطقة مشاكل سوء التغذية الناجمة عن نقص الغذاء وعدم توازنه. كما تتميز هذه الدول بالزيادة المطردة في تعداد السكان وانتشار العدوى والطفيليات والمشاكل الصحية الناجمة عن البيئة غير الصحية.

ويقدر عدد الذين يعانون من سوء التغذية ي العالم بحوالي 20% من مجموع السكان، معظمهم في الدول النامية، كما يعاني 60% من سكان العالم من عدم اتزان عناصر الغذاء. ومع استمرار الزيادة في تعداد السكان لا بد من زيادة الإنتاج الغذائي بمعدل يفوق زيادة السكان لضمان تقدم الحالة التغذوية في العالم ويمكن التكهن بأن هذه الزيادة المطلوبة قد تصل إلى 174% من الإنتاج الحالي بحلول عام 2000، أما باقي الدول النامية فلا بد أن تصل هذه الزيادة فيها إلى 329% لتتعادل مع الزيادة المتوقعة في أعداد السكان وللتغلب على مشاكل النقص الغذائي.

وتدل التقارير الغذائية على أن الغذاء الذي يعتمد على الحبوب والخضراوات ولا يحتوي إلا على القليل من البروتينات الحيوانية يؤدي إلى كثير من أمراض النقص الغذائي، ومن أهم هذه الأمراض نقص البروتين والطاقة، وخاصة بين الأطفال، وجفاف العين نتيجة لنقص الفيتامين A، وكذلك فقر الدم الذي يصيب الأطفال وأمهاتهم، وتضخم الغدة الدرقية نتيجة لنقص اليود.

(1/313)

الأسباب والمظاهر العامة لسوء التغذية:

تعتمد الحالة الصحية والغذائية السليمة على حصول الفرد على ما يكفيه من العناصر الغذائية الضرورية، أي على التغذية السلمية، وتوفير الغذاء الكافي. وتتأثر كفاية الغذاء بعدة عوامل، من بينها الرخاء الاقتصادي والاجتماعي، والإنتاج الزراعي والغذائي، وعدالة توزيع هذه المنتجات. ويعد الجهل وانخفاض المستوى الاقتصادي من أهم أسباب أمراض نقص التغذية في الدول النامية [1] . وفي هذه الدول يقع العبء الأكبر لسوء التغذية على الأطفال، لأن من أهم السمات الطبيعية للإنسان في مراحل العمر الأولى هي النمو الذي يشمل النمو البدني والعقلي والعاطفي، والنمو الاجتماعي من خلال الأسرة والمجتمع. وتلازم التغذية أوجه النمو المختلفة، بحيث لا يمكن فصل أي منها عن الآخر. وقد دلت الأبحاث أن الحرمان العاطفي والقسوة والإهمال وتفكك الأسر والمشاكل النفسية يؤدي كله إلى التأخير في النمو وإضعاف البدن مثل نقص الغذاء، والإصابة بالأمراض المزمنة في مراحل العمر الأولى. وللأطفال عدة صفات مميزة يختلفون فيها عن الكبار، منها أن احتياجاتهم الغذائية أكثر من احتياجات الشخص البالغ، لأنهم يحتاجون إلى مزيد من الطاقة والبروتين لبناء أنسجتهم، وليس فقط للمحافظة على سلامتها، وكذلك تختلف الوظائف الفيزيولوجية لأعضاء جسم الطفل عن تلك التي للشخص البالغ.

ولما كان الضرر الأكبر لسوء التغذية يقع على الأطفال، فإن مشكلة سوء التغذية عند الأطفال، وخاصة في السنوات الخمس الأولى من العمر، من أهم المشاكل الصحية عامة والمشاكل الغذائية بوجه خاص. إذ أن الحالة التغذوية في السنة الأولى من العمر تعتمد على الطريقة التي يتغذى بها الطفل، وعلى حالته الغذائية وهو جنين، أي قبل الولادة. فالطفل الرضيع الذي يتغذى على لبن "حليب" الأم تكون حالته الصحية والغذائية مرضية حتى شهره السادس، أما بعد ذلك فإن لبن الأم لا يفي باحتياجات الطفل المتزايدة، وخاصة لبعض المواد الغذائية التي لا توجد في اللبن بوفرة مثل الحديد وبعض الفيتامينات. كما أنه يحتاج لكميات أكثر من المواد المنتجة للطاقة نظرا لنموه السريع في هذه الفترة. لذلك لا بد من تزايد هذه المواد بجانب الاستمرار في الرضاعة بكميات تتفق وسن الطفل، فإذا اتبع هذا

(1/314)

النظام لا تكون هناك أي مشكلة، ويستمر نمو الطفل على منوال طبيعي. أما إذا انقطع الطفل فجأة عن الرضاعة من ثدي أمه لأي سبب ولم يعوض عن لبن الأم بما يعادله من الحليب البقري أو المجفف، مضافا إليه الأغذية الإضافية، فإنه يتعرض لأشد حالات سوء التغذية وخاصة إذا أصيب في هذه الفترة بأي مرض معد. وتظهر عليه عندئذ عدة أعراض متفاوتة في الشدة منها تأخر النمو الطبيعي ثم توقفه تماما، ثم يتبع ذلك نقص في وزن الجسم إذا استمرت الأوضاع التي أدت إلى ظهور أعراضه نظرا لاستهلاك ما تحتويه أنسجة جسم الطفل من سوائل ودهون وبروتينات. وتزداد حالته سوءا إذا أعطته أمه رضعة ملوثة أو غير مغذية، أو امتنعت تماما عن إطعامه ظنا منها أنها تعالجه مما يعانيه من قيء وإسهال إلى غير ذلك.

وهذه الحالة كثيرا ما تصيب الطفل في السنة الأولى من العمر. وما أكثر ما نجد مرضى بهذه الحالة في المستشفيات والمراكز الصحية، بل قد يصل الأمر ببعض هؤلاء المرضى من الأطفال أن يكونوا في حالة حرمان تام من الطعام أو الجوع المزمن حتى يبدو وجه الطفل فيه كوجه العجوز، كما يبدو جمسه كهيكل عظمى يرتدي ثوبا من الجلد الجاف، وقد يحتاج هؤلاء الأطفال إلى بقائهم عدة أشهر بالمستشفى للعلاج، كما أنهم حتى لو شفوا من المرض تظل أثاره في نموهم البدني والعقلي، وهؤلاء هم الأطفال الذين يصابون بدرجة شديدة من نقص البروتين والطاقة ويطلق على هذه الحالة اسم السغل [2] marasmus.

ويصاب الطفل في السنة الثانية من العمر بسوء التغذية نتيجة لفطامه بغذاء مكون من الكثير من المواد النشوية والقليل جدًّا من المواد البروتينية التي لا تفي بحاجة الطفل من المواد البانية لأنسجة الجسم وخلاياه وأجهزته المختلفة. لذلك تظهر على الطفل أعراض خاصة بنقص المواد البروتينية مثل تورم الجسم والتهابات الجلد وسقوط الشعر وتقصفه، بجانب الأعراض السابق ذكرها كتوقف النمو وضمور العضلات.

كما يصاب الطفل باضطرابات عصبية، إذ يصبح حاد المزاج فلا يكف عن البكاء ويبدو كئيبا وقد يشكو من الأعراض الناشئة عن نقص الفيتامينات وخاصة فيتامين A الذي يؤدي نقصه إلى جفاف أنسجة العين وخاصة القرنية مما يؤدي إلى العمى.

كما تبدو عليه أمراض فقر الدم anaemia نتيجة لنقص الحديد، بجانب

(1/315)

أعراض نقص الفيتامينات الأخرى. وفي أغلب الأحيان التي يعاني فيها الطفل هذا النوع من سوء التغذية تظهر هذه الأعراض إثر تعرض الطفل لمرض حاد مثل الحصبة Measles أو التهاب الجهاز التنفسي أو النزلات المعوية، أي أن الأمراض الحادة تعجل بظهور أعراض سوء التغذية، كما أن سوء التغذية يزيد من قابلية الطفل لالتقاط عدوى الجراثيم، ويقلل من مقاوته لها، أي أن كلا منهما يصبح سببا للأخر ونتيجة له، مثل الحلقة المفرغة لا تدري لها بدارية من نهاية، وتسمى هذه الحالة من سوء التغذية الشديد بالكواشركور [3، 4] kwashiorkor.

وفي السنة الثالثة حتى السادسة يؤثر سوء التغذية على نمو الطفل بشكل فعال بحيث يبدو الطفل سلميا، ولكن وزنه أقل من الوزن الطبيعي لمن هم في سنه ويبدو جسمه غير متناسق، بحيث يصبح الرأس كبيرا بالنسبة للجسم، والساقان نحيفين وحجم القفص الصدري صغيرا بالنسبة للبطن، وذلك لانتفاخ البطن بسبب هزال العضلات وتخمر المواد النشوية فيه، وما ينتج عن ذلك من غازات. ولا يخفي ما يحدثه ذلك من مغص مؤلم للطفل. وقد يزيد في الأعراض المرافقة له إصابة الطفل بديدان الصفر Ascaris التي كثيرا ما يصاب بها الأطفال في هذه السن نتيجة لالتقاط الطعام من الأرض ووضعه ملوثا في أفواههم.

أما أطفال المدارس "من ست سنوات وما فوق" فهم عرضة للإصابة بدرجات متفاوتة من نقص التغذية الغنية بالبروتين والطاقة، وهذا يؤدي إلى تأخير النمو الجسدي والعقلي. وقد يبدو الطفل في ظاهره سليمًا ولكن حينما يقاس طوله ووزنه نجد أنهما دون المعدل الطبيعي بالنسبة لعمره، كما أنه يكون عرضة للإصابة بفقر الدم ونقص الفيتامينات وخاصة نقص فيتامينات B المركب.

(1/316)

الأسباب الغذائية والفيزولوجية لسوء التغذية

...

الأسباب الغذائية والفيزيولوجية لسوء التغذية:

تشمل عملية التغذية جميع التفاعلات الحيوية التي تحدث في أنسجة الجسم والتي يتم بواسطتها مد الخلايا بالمواد المغذية التي تحتاجها لتوليد الطاقة وبناء المركبات الحيوية اللازمة لبناء الهيولي cytoplasma والإنزيمات والهرمونات التي تنظم هذه العمليات، ثم الحفاظ على فائض من هذه المواد الغذائية يودع في الخلية على هيئة مخزون احتياطي تلجأ إليه الخلية في حالة العجز عن إمدادها بما تحتاجه من المواد الغذائية اللازمة [1]

والتغذية السليمة تحتاج إلى توازن في تركيز هذه المواد داخل الخلية، والاضطراب في هذا التوازن نتيجة للنقص في المواد المغذية، لعدم كفاية الطعام أو اضطراب في الهضم والامتصاص أو العمليات الاستقلالية الغذائية، يؤدي إلى سوء التغذية السليمة تعتمد على:

تناول الطعام الكافي والمناسب لحاجة الجسم.

سلامة عمليتي الهضم والامتصاص.

سلامة عملية نقل المواد المغذية الناتجة عن الهضم والامتصاص إلى الأنسجة والخلايا

سلامة مد الخلية بالأكسجين والماء.

سلامة نقل المواد الضارة خارج الخلية للتخلص منها خارج الجسم.

التنظيم الدقيق لهذه العمليات بواسطة الإنزيمات والهرمونات التي تكونها الخلية من المواد المغذية.

وقد يؤدي اضطراب أي من هذه العمليات إلى سوء التغذية الذي يؤثر بدوره على الحاله الصحية والعقلية والبدنية للفرد. فعدم تناول الغذاء المناسب يؤدي إلى سوء التغذية الأولى، أما اضطراب العمليات الفيزيولوجية فيؤدي إلى سوء التغذية الثانوي. وتعتمد مظاهر سوء التغذية على النقص الكمي والنوعي لعناصر الغذاء المختلفة وعلى الفترة الزمنية التي يستغرقها النقص لظهور أعراضه.

(1/317)

مراحل سوء التغذية الناجم عن نقص الغذاء:

يمر سوء التغذية في ثلاث مراحل كالتالي:

مرحلة استنزاف مخزون الأنسجة الاحتياطي:

في هذه المرحلة يكون تناول الغذاء غير كاف لمد الجسم باحتياجاته الغذائية، ويؤدي ذلك إلى استنزاف المخزون من هذه المواد. وفي أثناء هذه المرحلة لا تتأثر الوظائف الفيزيولوجية للأنسجة ولا يطرأ عليها أي تغيرات مرضية تحت الظروف العادية، ولكن يؤدي هذا الاستنزاف إلى أضرار خطيرة إذا حدث في حالة النمو السريع عند الأطفال، أو أثناء الحمل والرضاعة، وفي حالة العدوى بالجراثيم.

مرحلة سوء التغذية الكامن:

في هذه المرحلة تتأثر الوظائف الفيزيولوجية للأنسجة كما يتأثر تركيبها نتيجة لنقص المواد الغذائية ولكن لا توجد أعراض مرضية واضحة. وعدم ظهور.

الأعراض المرضية في هذه المرحلة يرجع لقدرة الجسم على التكيف في مواجهة نقص العناصر الغذائية التي يحتاجها. فمثلا في حالة نقص عنصر الحديد نتيجة لفقد كميات كبيرة من الدم أو لزيادة الاحتياجات أثناء الحمل والنمو، يحاول الجسم مواجهة هذا النقص برفع كفاءة امتصاص الحديد من الأمعاء لكي يحصل على أكبر كمية لتعويض هذا النقص، وتعتمد قدرة الجسم على التكيف على عمر الفرد، فهي ضعيفة في حالة الأطفال والشيوخ.

سوء التغذية السريري

في هذه المرحلة تظهر الأعراض المرضية، وتكون نتيجة لتأثر الوظائف الفيزيولوجية وللتغيرات المرضية التي سببها نقص التغذية. وتظهر أعراض سوء التغذية في مجموعات بعضها محدود، وخاصة بعنصر غذائي معين، وبعضها عام يصاحب معظم أنواع النقص المختلفة. ومن الأعراض العامة الضعف العام ونقص النمو عند الأطفال، ومن الأعراض الخاصة أو النوعية الرمد الجاف أي جفاف المقلة في حالة عوز فيتامين A. ويبين الجدل التالي الأسباب النوعية لسوء التغذية وبعض الأعراض السريرية.

(1/318)

علامات عوز البروتين والطاقة تغيرات الشرع

الشكل1 - ورقة الشعر وقلته thin sparse hair

"jelliffe 1966"

الشكل2 - تغير لون الشعر "من الأسود إلى الأحمر" dyspigmented hair"

"jelliffe 1966"

(1/321)

الشكل3 -علامة الراية "تلون الشعر" flag sign

"jelliffe 1066"

سوء التغذية بالبروتين والطاقة

الشكل4 -الوجه الدائري "القمري" moon face

"jelliffe 1966"

(1/322)

عوز الفيتامين 8

Bitot's spots

الشكل5 -بقع بيتو وجفاف الملتحمة

"Institute of Child Health London WCIN IEH"

عوز الفيتامين B 2

الشكل6 -التهاب زوايا الفم وتورم وتشقق الشفاه

"institute of Child Health London WCIN IEH"

(1/323)

عوز الفيتامين c:

الشكل7 -اللثة الإسفنجية النازفة spongy bleeding gums

"Clay Adams"

الفترة الزمنية التي يستغرقها ظهور أعراض عوز الغذاء:

يعتبر العامل الزمني من أهم العوامل المؤثرة في حدوث سوء التغذية وللتعرف على أهمية هذا العامل نستعرض مثالا لمراحل سوء التغذية نتيجة لعوز فيتامين B1>

تبدأ المرحلة الكامنة "الخافية" latent بعوز الفيتامين في الغذاء وتناول غذاء يفتقر إلى وجود كميات وفراة من الفيتامين أو تناول كميات ضئيلة من الأطعمة التي قد يوجد فيها الفيتامين بوفرة.

ينتج عن ذلك استنزاف مخزون الفيتامين في الأنسجة بحيث تصبح هذه الأنسجة غير مشبعة بالفيتامين. وتستغرق هذه العملية مدة تتراوح بين 5 إلى 30 يوما.

يلي ذلك اضطراب التفاعلات الكيميائية ووظائف الإنزيمات، ويستغرق حدوث هذا الإضطراب فترة زمنية تتراوح بين 10 إلى 60 يوما.

يلي ذلك تأثر الوظائف الفيزيولوجية، ويستغرق فترة زمنية تتراوح بين 30 إلى 180 يوما.

5 – حدوث الحالة المرضية بما فيها من أعراض سريرية ومرضية، وتستغرق هذه المرحلة فترة زمنية تتراوح بين 170 – 250 يوما.

يعتمد حدوث هذه المراحل على الحالة الغذائية للفرد قبل حدوث العوز. فإذا كانت الحالة الغذائية جيدة قبل حدوث العوز الغذائي، وكانت الأنسجة مشبعة بالمواد الغذائية، فإن ظهور الأعراض المرضية يستغرق فترة أطول مما لو كانت الأنسجة غير مشبعة.

(1/324)

بعض اضطرابات التغذية الأكثر انتشارا:

سوء التغذية الناجم عن نقص البروتين والطاقة:

يعرف نقص البروتين والطاقة بحدوثه في طيف واسع من الحالات المرضية التي تنتج عن نقص البروتين والطاقة في الغذاء، مصحوبا بإصابات متنوعة من الأمراض المعدية infections وخاصة تلك التي تصيب الجهاز الهضمي مثل الإسهال، والجهاز التنفسي مثل التهابات القصيبات broncheolitis والأمراض المعدية الأخرى. وهو يصيب عادة الرضع والأطفال الصغار ويعرف في أشد درجاته بالسغل marasmus والكواشركور.

انتشار نقص البروتين والطاقة في العالم:

يعاني ملايين من الأطفال في العالم، وخاصة في الدول النامية، من نقص البروتين والطاقة، حيث يرتبط هذا النقص بالتخلف الاقتصادي والحضاري والاجتماعي، ويعتبر من أهم أسباب الوفيات بين الأطفال في هذه البلاد، لأن الطفل الذي يصاب بالعوز الغذائي يصبح أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية التي قد تؤدي إلى وفاته. وإذا تم له الشفاء، فإنه يظل يعاني من بعض آثار العوز مدى الحياة لتأخر نموه البدني والعقلي أثناء فترة الإصابة بالمرض. وبالرغم من أنه من الصعب تحديد مدى انتشار الإصابة بالعوز الغذائي على وجه الدقة، فمن المؤشرات الهامة التي قد تدل على مدى انتشاره هي وجود حالات مرضية من السغل والكواشركور بالمستشفيات. ولا شك أن حالة واحدة منها في المستشفى يعني وجود مئات الحالات غير المعروفة في المجتمع. وللتعرف على هذه الحالات

(1/325)

يمكن عمل مسح غذائي يشمل عينة ممثلة لأفراد المجتمع.

وقد دلت نتائج بعض المسوحات التي أجريت في عدد من البلدان النامية أن عوز البروتين والطاقة يصيب 20% من الأطفال في السنين الخمس الأولى من العمر على أقل تقدير. وبحساب عدد الأطفال في هذه المرحلة من العمر ونسبة الذين يصابون بعوز البروتين والطاقة يتضح حجم المشكلة. وبناء على هذه التقديرات فقد أفادت تقارير منظمة الصحة العالمية بأن حوالي 500 مليون طفل في العام يعانون من عوز البروتين والطاقة بدرجات متفاوتة.

مسببات ووبائيات سوء التغذية الناجم:

عن عوز البروتين والطاقة:

يحدث عوز البروتين والطاقة نتيجة لتفاعل عدة عوامل يلعب الغذاء فيها دورا أساسيا. فأسباب العوز لا تنحصر في عدم كفاية الغذاء كما ونوعا فقط، وإنما تشمل اضطراب العمليات الحياتية الضرورية لسلامة الجسم، وكذلك في وجود العوامل البيئية التي تتدخل في حصول الفرد على الغذاء والاستفادة منه والإصابة بالأمراض المعدية وخاصة الحصبة measles والشاهوق pertusis والتدرن tuberculosis والملاريا malaria والإسهال التي تؤدي إلى فقد الشهية واضطراب الهضم والامتصاص واستنزاف العناصر الغذائية اللازمة للبناء والنمو. ويؤثر هذا العوز بشكل أكبر على الأطفال نظرا لزيادة احتياجاتهم الغذائية من الطاقة والبروتين والعناصر الغذائية الأخرى، والتي غالبا ما يفتقر الغذاء المتوفر لهم إليها. كما أن الممارسات الخاطئة عند إطعام الأطفال الرضع في المجتمع الفقيرة، كإيقاف الرضاعة الطبيعية واستبدالها بالألبان الحيوانية المصدر بطرق لا تفي باحتياجات الرضيع، والفطام المبكر بإعطاء الطفل أغذية غير متوازنة في محتواها من البروتين والطاقة، تساهم بشكل كبير في تفاقم المرض. ولذلك فإن التخلف الاقتصادي والاجتماعي من أهم العوامل البيئية تأثيرا في انتشار هذا العوز.

ويحدث عوز البروتين والطاقة للأطفال الأقل من خمس سنوات من العمر، ولكنه قد يصيب أيضا الأعمار الأخرى، وتكون مظاهره في حالة الكبار أقل حدة منها عند الأطفال الصغار. ويصيب السغل الأطفال في السنة الأولى من العمر وينتشر أكثر في المدن، أما الكواشركور فيصيب الأطفال بعد السنة الثانية من العمر، ويكون أكثر انتشارا ي المناطق الريفية [2] .

(1/326)

الشكل 8 -بداية وتطور حدوث المرض في صورتيه الس<َعل والكواشركور

(1/327)

وكما هو مبين في الشكل تختلف بداية وتطور حدوث شكلَي المرض، فيحدث السغل مبكرا في الشهور الأولى من العمر عندما يفطم الطفل فطاما فجائيا، ويكون ذلك عادة بسبب حدوث حمل آخر تتوقف بسببه الأم عن الرضاعة الطبيعية وتستبدلها بالتغذية بالزجاجة، وغالبا ما تكون الرضعة مخففة وتكون عرضة للتلوث فيصاب الطفال بالإسهال.

وعندئذ توقف الأم الإرضاع نهائيا اعتقادا منها أن الرضعة تزيد الإسهال، ويتوالى حدوث الإسهال، ويستمر العلاج بالحرمان من الطعام حتى يصاب الطفل بالهزل الشديد.

أما في حالة الكواشركور فيحدث بعد فترة أطول من الرضاعة الطبيعية، ثم يبدأم فطام الطفل تدريجيا بإعطائه طعام الأسرة الذي يكون عادة مبنيا على النشويات ويحتوي على قليل من البروتين. ثم يتعرض الطفل لمرض حاد مثل الحصبة فتظهر عليه علامات العوز بسرعة. وتلعب العادات الغذائية دورا هاما في الإصابة بهذا المرض وخاصة في البلدان الإفريقية التي تعتمد في غذائها على النباتات الجرية مثل الكسافا حيث أن البيض والحليب واللحوم تعتبر من الأطعمة المحرمة والتي يجب عدم إعطائها للطفل، وفي الواقع فإن كلمة كواشركور جاءت من تعبير بلغة سكان غانا "لغة الجا" الإفريقية وتعني "المرض الذي يصيب الطفل الأول عندما يجيء الطفل الثاني" لأنه عند ولادة الطفل الثاني يتم فطام الطفل الأول. وقد ظل استعمال هذا التعبير شائعا حتى الآن.

أعراض وعلامات عوز البروتين والطاقة:

تختلف أعراض عوز البروتين والطاقة باختلاف العوامل المؤثرة التالية:

درجة الحرمان من تناول كميات كافية من البروتين والطاقة في الغذاء.

الفترة الزمنية التي مرت على حدوث الحرمان أو النقص.

مرحلة العمر التي يحدث فيها النقص أو الحرمان.

نقص الفيتامينات والمعادن الذي يرافق نقص البروتين والطاقة.

مدى انتشار الأمراض المعدية وخاصة العدوى بالجراثيم والطفيليات.

الأحوال البيئية وخاصة الازدحام وتلوث المياه.

لذلك فإن الحالات المرضية التي تنتج عن هذا العوز الغذائي تشمل طيفا واسعا من الأعراض التي قد تظهر في صورة الهزل الشديد، كما في حالات السغل.

(1/328)

والكواشركور، أو في درجات متفاوتة من قصور النمو growth failure، إلى جانب الأعراض الأخرى الناتجة عن نقص الفيتامينات والمعادن النادرة والأمراض المعدية خاصة الإسهال والأمراض الصدرية.

درجات عوز البروتين والطاقة:

يعتمد التعرف على درجة عوز البروتين ولطاقة على مؤشرات مبنية على قياسات الطول والوزن. ومنسب الوزن المعياري إلى الطول والسن والجنس هو المؤشر الشائع الاستخدام في تصنيف درجات العوز "percent standard weight for height, age and sex". ومن أكثر طرق التصنيف استخداما تصنيف غوميز Gomesx calssification الذي يستخدم معدلات هارفارد القياسية كمرجع للطول والوزن كما يلي [3] :

ويعتبر الطفل في حالة تغذوية طبيعية إذا كان هذا المنسب يعادل 90- 110% أما في حالة ظهور الوذمات oedema فيعتبر العوز شديدا بغض النظر عن درجة النقص في الوزن.

يتميز العوز الخفيف بتأخر النمو دون ظهور أية أعراض أخرى، وهو واسع الانتشار بين الأطفال من سن من اقبل المرحلة الدراسية في الدول النامية. أما العوز الشديد أو الدرجة الثالثة من العوز فيتميز بمجموعة واسعة من الأعراض والعلامات التي تظهر المرض في صورتين مختلفتين هما السغل والكواشركور.

(1/329)

عوز البروتين والطاقة الخفيف Mild PEM:

هو أكثر أنواع العوز الغذائي انتشارا بعد فترة الفطام ابتداء من الشهر التاسع، ولكنه يمكن أن يصيب الطفل في أي مرحلة من مراحل العمر. ومن أهم مظاهره قصور النمو، والتعرض للعدوى بالجراثيم، وفقر الدم، إلى جانب الأعراض الخاصة بنقص الفيتامينات [3، 4] .

ويتميز قصور النمو growth failure بما يلي: بطء أو توقف النمو الطولي للطفل، وتوقف أو بطء زيادة وزن الطفل، وتأخر نمو العظام، ونقص نسبة الوزن إلى الطول أو بقاء النسبة عادية، ونقص قياس ثخانة طية الجلد.

ويعتبر قياس الطول والوزن أنسب مؤشر لتقييم الحالة الغذائية للطفل، والأهم من ذلك هو ملاحظة منحنى نمو الطفل. وتختلف أنماط تأخر النمو كثيرا، فمثلا قد يتعرض الطفل لمرض حاد مثل الإسهال أو الحصبة أو يتعرض لحرمان حاد من الطاقة يؤدي إلى نقص شديد ومفاجئ في وزن الجسم مما يقلل نسبة الوزن إلى الطول. وقد يتعرض الطفل إلى العوز المزمن للبروتين والطاقة أو لمرض مزمن مما ينتج نقصا في الطول الوزن معا على مدى عدة شهور مع تغير طفيف في نسبة الوزن إلى الطول. أي أنه في حالة العوز الحاد يتأثر الوزن أكثر من الطول، وفي الة العوز المزمن يتأثر الاثنان معا بمعدلات متوازية، وتتبع قياسات محيط الذراع وثخانة طية الجلد ونمو العظام نفس النمط الذي يتبعه توقف النمو الطولي ونقص الوزن. وتستخدم هذه القياسات في حالة عدم معرفة عمر الطفل.

تكثر إصابة الأطفال الذين يعانون من عوز البروتين والطاقة بالأمراض التي تسببها العدوى infection مثل الإسهال والحصبة والالتهاب الرئوي، والأمراض التي تسببها الطفيليات مثل الملاريا والانكلوستوما "الملقوات" والبلهارسيا في المناطق الحارة.

ويؤدي نقص البروتين والطاقة إلى إضعاف المناعة وزيادة المخاطرة للعدوى بهذه الأمراض، كما تؤدي الإصابة بهذه الأمراض إلى استنزاف العناصر الغذائية من جسم الطفل. وفي جميع الأحوال يجب تقييم الحالة الغذائية لأي طفل يصاب بأي من هذه الأمراض. وتعد العناية بالتغذية من أهم مقومات علاج هذه الحالة.

ومن المعروف أن الغذاء الذي يسبب عوز البروتين والطاقة يسبب أيضا نقصا في الحديث وحمض الفوليك والفيتامينات الأخرى. ولذلك فإن الإصابة بعوز

(1/330)

البروتين والطاقة تكون دائما مصحوبة بفقر الدم الغذائي المنشأ بسبب نقص العناصر الغذائية المكونة لخضاب الدم.

كما أن عوز البروتين والطاقة يقلل القدرة على العمل والإنتاج عند الكبار والحركة والنشاط عند الصغار، ويسبب تأخر التطور والنمو كالكلام والمشي، إلا أن هذه الأعراض عادة ما تختفي بعد العلاج.

عوز البروتين والطاقة المتوسط والشديد:

تصيب هذه الدرجة من العوز الأطفال في فترة تالية من العمر تمتد بين الشهر التاسع والسنتين، وهي عادة الفترة التي تتوقف عندها الرضاعة الطبيعية، وتؤدي إلى حدوث السغل والكواشركور.

السغل Marasmus:

ينتشر عوز البروتين والطاقة الشديد المسبب للسغل في معظم الدول النامية، ويصيب الأطفال قبل سن الثمانية عشر شهرا. وتعتبر جميع الأسباب العامة السالفة الذكر من العوامل الهامة في حدوث هذا العوز، وخاصة عدم كفاية الطاقة في الغذاء لمواجهة كل من احتياجات الاستقلاب والنمو. ومن الأسباب الهامة الأخرى نقص وزن الطفل عند الولادة low birth weight أو ولادته خديجا قبل أن يكتمل نموه prematurity أو ولادته بتشوهات خلقية في الجهاز الهضمي. وكذلك يساعد على حدوث المرض عدم إعطاء الطفل أغذية إضافية لدعم الرضاعة الطبيعية عند بلوغه الشهر الرابع من العمر حينما يصبح لبن "حليب" الأم وحده غير كاف لسد احتياجاته الغذائية، إما لفشل الرضاعة الطبيعية أو لعدم كفاية الرضاعة خلال الأشهر الستة الأولى من العمر، مثل حالات مرض الأم أو الطفل، أو انفصال الأم عن طفلها لخروجها للعمل، أو حرمان الطفل من أمه بسبب الوفاة أو عدم كفاية اللبن بسبب سوء تغذية الأم أو عدم عنايتها بالثدي بحيث تصبح غير قادرة على الإرضاع، ويرتبط السغل ارتباطا وثيقا بنشأة الطفل في بيئة غير صحية ينشتر بها المرض والفقر والجهل، كما سبق أن أوردنا في الشكل 0.8 وقد يحدث السغل في أي مرحلة من مراحل نمو الطفل إذا أصيب بالمرض وخاصة أمراض سوء الهضم والامتصاص وأمراض الكلى المزمنة وأمراض الجهاز العصبي المركزي والإضطرابات النفسية الناجمة عن إهمال رعاية الطفل.

(1/331)

الأعراض والعلامات: تشمل الأعراض التي تدعو لأخذ الطفل إلى الطبيب أو المستشفى بكاءه المستمر "الهيوجية" والإسهال، وفتور الشهية أو الجوع المستمر، وانخفاض درجة حرارة الجسم hypothermia والتجفاف dehydration نتيجة لحدوث الإسهال والقيء. هذه الأعراض تؤدي إلى الإصابة بدرجة شديدة من نقص الوزن تصل إلى 60% أو أقل من الوزن السوي، وذلك بسبب ضمور العضلات واستهلاك الدهون تحت الجلد التي تصبح أقل من 5% من وزن الجسم المعدل الطبيعي لنسبة الدهون في جسم الطفل 19% ويوجد الجزء الأكبر منه في الكبد". نتيجة ذلك يبدو الطفل كالجنين الذي لم يكتمل نموه كما يتوقف النمو الطويلي للطفل وتتغير باقي قياسات الجسم، فتقل ثخانة طيات ثخاة طيبات الجلد ومحيط منتصف الذراع، وكذلك نسبة محيط الصدر إلى محيط الرأس. وعادة ما تظهر على الطفل المصاب أعراض نقص الحديد وفيتامين A وفيتامين D وكذلك أعراض أخماج الجهاز التنفسي والجهاز البولي

الشكل9 -النقص الشديد في البروتين والطاقة "السغل"

"Clay Adams USA"

(1/332)

الشكل10 -نقص البروتين والطاقة "السغل والكواشركور"

"institute of Child Health London ECIN IEH"

الكواشركور kwashiorkor:

يعتبر الكواشركور أحد الأشكال الشديدة لعوز البروتين والطاقة معا، ويتميز الكواشركور بوجود الوذمة وترسب الدهون في الكبد. وسبب الوذمة هو نقص البروتين الغذائي أو نقصه ونقص الطاقة بحيث يؤدي إلى تفويض البروتين ليعمل كمصدر للطاقة مما يقل استعماله في عمليات البناء البروتيني داخل الجسم، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف العضلات ونقص بروتينات البلازما الضرورية لتنظيم الضغط التناضحي الغروي وإعادة سوائل الدم إلى الدورة الدموية في الأوردية بعد خروجها من الشعيرات إلى خارج الخلايا في الأنسجة فتحتبس السوائل تحت الجلد مما يسبب الوذمة. وينتشر الكواشركور في المناطق التي يعتمد فيها الناس في غذائهم على النباتات ذات الجذور الدرنية.

الأعراض العامة. وتشمل تأخر النمو وفقد الشهية والإسهال والقيء وتغيرات في الجلد والشعر والأغشية المخاطية ومظهر البؤس وسهولة الاستثارة والوذمة. وتعتبر الوذمة وفقد الشهية من أهم المظاهر التي تدعو إلى استشارة الطبيب أو الذهاب إلى المستشفى.

(1/333)

يختلف المظهر العام للطفل المصاب بالكواشركور عنه في حالة السغل، لأن الكواشركور يحدث بسبب نقص البروتين أكثر من الطاقة. فالدهون تحت الجلد لا تفقد بنفس السرعة التي تحدث في حالة السغل. ونظرا لبقاء بعض الدهون ووجود الوذمة فإن الطفل يبدو ممتلئا مستدير الوجه ويمسى الطفل الحلو sugar baby ويطلق على وجهه تعبير وجه القمر moonface لاستدرائه. وعلى الرغم من ذلك يصاب طفل الكواشركور بتخلف النمو، إذ يتأثر وزنه ويصبح أقل من 75% من الوزن السوي لنفس العمر.

الشكل11 -نقص البروتين والطاقة: طفل مصاب بالكواشركور

"Clay Adams U.S.A"

وتعتمد درجة نقص الوزن على درجة العوز والفترة التي تعرض فيها الطفل للحرمان من البروتين والطاقة، ويتراوح انتشار الوذمة التي تعتبر من أهم سمات الكواشركور بين اقتصارها على الأطراف وإصابة جميع أجزاء الجسم. وهي تشكل 5- 20% من وزن الجسم، وتقاس بنسبة نقص الوزن أثناء العلاج حينما يتخلص الجسم من السوائل في أنسجته ويجب التمييز بين الوذمة الناتجة عن نقص البروتين في حالات الكواشركور وتلك التي تصاحب أمراض الكلى وهبوط القلب الاحتقاني والبري بري. ومن العلامات الثابتة في حالات الكواشركور الضمور الشديد في

(1/334)

العضلات نتيجة الاستهلاك بروتين العضلات للوظائف الحياتية الهامة. ويسبب ضمور العضلات الضعف العام بحيث لا يستطيع الطفل الوقوف أو المشي.

ومن السمات الهامة الأخرى للكواشركور التغيرات التي تحدث في بعض مناطق الجلد، والتي تتميز بوجود بقع ذات صبغة داكنة مع اختفاء الصبغة من أجزاء أخرى من الجلد، وظهور بعض التقرحات والتقيح، مما يظهر الجلد وكأنه مصاب بالحروق. وتنتشر هذه التغيرات فوق الأليتين والساقين والوجه، وتشبه في معظم الأحيان توزيع التهابات الجلد في حالة البلاغرا. ومن الأعراض الأخرى إصابة الأغشية المخاطية ووجود تغيرات في الشعر والتغيرات العصبية والنفسية وإصابة الجهاز الهضمي ونقص الفيتامين A "إصابة القرنية بالجفاف أو التلين" والفيتامينات الأخرى "تشقق الشفاة والتهابات زوايا الفم والتهاب اللسان"، انظر الجدول الخاص بعلامات العوز. وتشمل التغيرات في الشعر فقد اللون، فيصبح أحمر ثم أبيض، وكذلك فقد التجاعيد مع سهولة إزالة شعر الرأس وظهور ما يسمى بعلامة الراية Flag sign، عندما يتكرر حدوث العوز واستعاذة التغذية، وتزيد التغيرات العصبية والنفسية من معاناة أطفال الكواشركور وشعورهم بالبؤس والعصبية وسهولة الاستشارة "الهيوجية" والبكاء المستمر والإعراض عن الأبوين. وتتغير هذه الأعراض مع العلاج حتى أن عودة البسمة إلى الطفل تعتبر من علامات الشفاء.

الشكل12 -نقص البروتين والطاقة، إصابات الجلد في أطفال الكواشركور

"Jelliffe 1966"

(1/335)

الشكل13- نقص البروتين والطاقة "الوذمة في اللسان"

"Clay Adams U.S.A"

ومن أعراض إصابة الجهاز الهضمي فقد الشهية "القهم anorexia" الذي قد يصل إلى مرحلة من الشدة تستدعي الإطعام بالأنبوب، وكذلك انتفاخ البطن بسبب عسر الهضم، والإسهال مع احتواء البراز على كميات كبيرة من حمض اللاكتيك والسكروز والنيتروجين والدهون. ويعاني الأطفال الذين يصابون بالكواشركور من عدم كفاية الدورة الدموية في الأطراف وبطء في ضربات القلب وانخفاض في ضغط الدم. ويصاحب فقر الدم الكواشركور كنتيجة لنقص الحديد وحمض الفوليك ويكون نقص خضاب "هيموغلوبين" الدم شديدا وقد يصل إلى أقل من 8 غرام %.

التغيرات في مكونات الجسم:

تؤدي الإصابة بعوز البروتين والطاقة إلى تغيرات شديدة في بنية الجسم، وتشمل كمية وتوزع الماء والدهون والمعادن والبروتين وخاصة بروتين العضلات.

ترتفع نسبة الماء في الجسم وخاصة في حالة الوذمة المصاحبة للكواشركور حيث تزيد نسبة الماء خارج الخلايا. وتقل هذه النسبة أثناء العلاج، إذ يدخل جزء من هذا الماء داخل الخلايا بينما يفرز الجزء الأكبر في البول. وكذلك تجدث بعض التغيرات في محتوى الجسم من البوتاسيوم، فبينما يتراوح محتوى جسم الطفل الطبيعي من البوتاسيوم من 45 إلى 55 ملي مكافئ لكل كيلو غرام من الوزن، يفقد

(1/336)

الطفل عند الإصابة بعوز البروتين والطاقة من 10 إلى 33% من البوتاسيوم نتيجة للإسهال المزمن. ويعتبر نقص البوتاسيوم من أشد التغيرات خطورة على حياة الطفل، يفقد الطفل حوالي 7% من محتوى الجسم من الصوديوم و 23% من الكالسيوم و 21% من الفوسفور و 59% من بروتين الجسم إذ تقل كتلة العضلات إلى الثلث.

أما مكونات الجسم من الدهون في حالة الكواشركور فقد لا تفقد بنسبة كبيرة، وخاصة الدهون تحت الجلد مع زيادة الدهون في الكبد، وتعتبر زيادة ترسب الدهون في الكبد من أهم علامات نقص البروتين حيث يصل محتوى الكبد من الدهون إلى 50% من وزنه.

وترافق الكواشركور عادة العدوى البكتيرية، خاصة في الجهاز البولي والهضمي والرئتين، كما يرافقه أيضا ضعف المناعة وتغيرات في الجهاز العصبي المركزي ينتج عنها نقص في عدد خلايا المخ، ونقص في البوتاسيوم مسؤول عن كثير من الأعراض العصبية للمرض.

الفحص المخبري:

تنقسم الفحوصات المخبرية إلى قسمين:

فحوص تشخيصية ومنها تحديد نسبة الألبومين في المصل. ويدل نقص التركيز إلى أقل من 3 غرام % على الإصابة بالكواشركور.

اختبارات يستوجبها العلاج ومنها:

مستوى الهيموغلوبين في الدم لتحديد درجة ونوع فقر الدم.

منسب البروثرومبين "طليعة الثرومبين" prothrombin index حيث ينخفض في حالة الكواشركور ويجب علاجه بإعطاء فيتامين K.

مستوى بيليروبين المصل serium billirubin لتشخيص اليرقان المرافق لوجود الجراثيم في الدم "إنتان الدم septicemia" وهذه تعتبر من أشد الحالات خطورة.

مستوى البوتاسيوم في المصل قد يصل إلى 1.5 ملي مكافئ.

اليوريا في الدم: تنخفض إلا في حالات الجفاف.

غلوكوز الدم: ينخفض إلى مستويات خطرة hypoglycemia.

زرع الجراثيم ي الدم والبول.

اختبار التوبركلين tuberclin.

(1/337)

وقاية ومعالجة سوء التغذية الناجم عن عوز البروتين والطاقة:

تعتمد الوقاية من سوء التغذية الناجم عن نقص البروتين والطاقة على برامج التدخل الغذائي والصحي التي تأخذ في الاعتبار تصحيح العوامل المتعددة التي تؤدي إلى سوء التغذية، وهي العوامل التي تتعلق بالتخلف الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ويشمل ذلك تحسين توفير مستوى المعيشة، وتوفير الغذاء، وتحسين الوضع التغذوي، والتطعيم ضد الأمراض المعدية، ورعاية الحامل والمرضع والطفل الرضيع، ومعالجة الحالات المرضية في المستشفيات حيث تتم الرعاية التغذوية المناسبة جنبا إلى جنب مع العلاج، بحيث يعطى الطفل غذاء متوازنا يشمل البروتين والطاقة والعناصر الغذائية الأخرى الناقصة [7] .

(1/338)

فقر الدم التغذوي المنشأ nutritonal anaemia

...

فقر الدم التغذوي المنشأ nutritional anaemia:

ينتج فقر الدم عن انخفاض هيموغلوبين الدم عن المعدل الطبيعي نتيجة لعدم كفاية واحد أو أكثر من العناصر الغذائية التي تدخل في تكوين الهيموغلوبين أو تساعد على تكوينه. وهي تشمل عنصر الحديد وحمض الفوليك وفيتامين B12 وفيتامين c والبيريدوكسين والنحاس والزنك.

ويحدث نقص هذه العناصر عند فقدان التوازن بين الكمية الممتصة والكمية التي يحتاجها الجسم. ويحدث النقص في الكمية الممتصة نتيجة لعدم كفاية تناولها أو نتيجة لاضطراب في عملية الامتصاص. أما الزيادة في الاحتياجات فتحدث نتيجة لسرعة انقسام الخلية، وتكوين الأنسجة الجديدة أثناء النمو والحمل، وعند فقد الدم من الجسم نتيجة للنزيف أو العدوى بالطفيليات.

تظهر حالة نقص العناصر المكونة للهيموغلوبين بعد عدة مراحل إذ تبدأ باستنفاد المخزون الاحتياطي من الجسم، يتبعه تغير في الوظائف البيولوجية- ثم حدوث تغيرات في تكوين خلايا الدم وبالتالي ظهور أعراض فقر الدم. ويعد عوز الحديد إلى حد بعيد أكثر الأسباب التغذوية لفقر الدم شيوعا، يلي ذلك عوز الفولات، وخاصة أثناء فترة الحمل. أما عوز العناصر الأخرى كالفيتامين B12 والبيريدوكسين والنحاس فحدوثها أقل.

ويتعرض الرضع والأطفال قبل سن الدراسة والفتيات المراهقات والنساء في

(1/338)

سن الإنجاب، لا سيما الحوامل والمرضعات، للإصابة بعوز الحديد بصورة كبيرة، غير أن الكبار من الذكور قد يتعرضون أيضا لخطره وخاصة حينما يتعرضون لتكرار الإصابة بالطفيليات.

ويبين الجدول التالي التركيز الطبيعي للهيموغلوبين ومستوياته الدالة على فقر الدم حسب فئات العمر والمراحل الفيزيولوجية المختلفة.

المستويات الطبيعية للهيموغلوبين والمستويات الدالة على فقر الدم في الفئات المختلفة [8]

ويصف فقر الدم على أنه خفيف mild حين تزيد نسبة تركيز الهيموغلوبين عن 80% من نقطة الفصل cut- off point، أي أعلى من 10 غرام 100%، أو فقر دم متوسط moderate حين تتراوح نسبة تركيز الهيوغلوبين بين 80 و60% من نقطة الفصل، أي بين 7 و 10 غرام %، أو فقر دم شديد severe حينما تقل النسبة عن 60% من المستوى الفيصلي أي أقل من 7 غرام %

فقر الدم الناجم عن عوز الحديد:

يمر حدوث فقر الدم الناجم عن عوز الحديد بعدة مراحل تتلخص بما يلي:

مرحلة استنفاد المخزون من الحديد Iron – storage depletion وتتميز بنقص الحديد في نخاع العظام، وزيادة امتصاص الحديد من الأمعاء، كمحاولة من الجسم للتغلب على هذا النقص. وفي هذه المرحلة لا يصعب تشخيص فقر الدم، إذ لا توجد تغيرات في تركيز هيموغلوبين الدم أو تغيرات في تركيز الحديد في المصل، مع بقاء درجة إشباع البروتين الناقل للحديد transferrin saturation طبيعية.

مرحلة فقر الدم الخافي latent anaemia. يلي نقص الحديد في النخاع

(1/339)

نقصه في مصل الدم ونقص درجة إشباع البروتين الناقل للحديد، وتستمر الزيادة في قابلية الحديد للامتصاص من الأمعاء.

3- مرحلة فقر الدم المبكر early anaemia: تتميز بنقص الهيموغلوبين في الدم إلى 10- 11 غراما مع عدم وجود تغير في شكل وحجم كرات الدم الحمراء، أو وجود تغيير بسيط مع استمرار نقص الحديد في المصل وعدم تشبع البروتين الناقل للحديد.

4- مرحلة فقر الدم obvious anaemia: تتميز هذه المرحلة بانخفاض مستوى الهيموغلوبين إلى من 10 غرامات مع وجود تغيرات واضحة في شكل وحجم كرات الدم الحمراء بحيث تصبح أصغر حجما ويقل تركيز الهيموغلوبين في داخلها.

انتشار فقر الدم بعوز الحديد:

أفادت تقارير منظمة الصحة العالمية أن قرابة 30% من سكان العالم البالغ عددهم 5000 مليون نسمة مصابون بفقر الدم. وأكثر الناس تعرضا له هم صغار الأطفال والحوامل. ويبين الجدول التالي تقديرات انتشار فقر الدم في أقاليم العالم حسب العمر والجنس.

تقديرات انتشار فقر الدم حسب الإقليم والعمر والجنس في عام 1980 [8] .

الإقليم النسبة المئوية للمصابين بفقر الدم

ويتضح من هذا الجدول أن نسبة انتشار فقر الدم بين أطفال العالم تصل إلى 43% وبين النساء الحوامل إلى 51%، وأن فقر الدم بعوز الحديد في العالم النامي أوسع انتشارا بكثير منه في العالم الصناعي 1400 مليون من بين 3800 مليون نسمة أي 36% في العالم النامي مقابل 100 مليون من بين 1200 مليون نسمة أي 8%

(1/340)

في العالم الصناعي". وهناك أسباب أخرى تؤدي إلى الإصابة بفقر الدم مثل الملاريا malaria والدودة الشصية hookworn والبلهارسيا schistosomiasis وفقر دم الخلايا المنجلية sickle cell anaemia والتلاسيمية thelassemia [9] .

الاحتياجات الغذائية وأسباب فقر الدم الناجم عن عوز الحديد:

يشكل الحديد جزءا أساسيا في تركيب هيموغلوبين الدم والميوغلوبين بالعضلات والإنزيمات الخاصة بتنفس الخلية "عملية الأكسدة والاختزال داخل الخلية، ويوجد بكميات وافية في الأطعمة الحيوانية والنباتية على هيئة مركبات عضوية.

يمتص الحديد من الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة، ويحتاج إلى وسط حمضي لامتصاصه، وتزيد قابلية امتصاص الحديد من الأطعمة الحيوانية في الوجبة عن امتصاصه من الأطعمة النباتية. ويتأثر امتصاص الحديد الغذائي بكمية الحديد وتركيبه الكيميائي، وبوجود العناصر المنشطة لامتصاص الحديد أو المثبطة له، وبصحة الفرد والوضع التغذوي للحديد في جسمه. كما أنه يتاثر إيجابيا بوجود حمض الأسكوربيك، وانخفاض درجة الحموضة، ومركبات الفيتات phytates الموجودة في القمح وغيره من الحبوب، ومركبات التانين tannins الموجودة في الشاي والقهوة، ومركبات متعددة الفينول polyphenols الموجودة في الجوز والبندق والبقول.

تعادل الاحتياجات الفيزيولوجية للحديد عند الذكور الكمية التي يحتاجها الجسم لتعويض الفقد اليومي في البول أو البراز والعرق والخلايا الميتة، وذلك لا يتعدى 1.1 مليغرام يوميا. أما عند الإناث فبالإضافة إلى تفقده الأنثى فيزيولوجيا من الحديد، فإنها تفقد عادة أثناء فترة الحيض كمية من الحديد يمكن أن تصل إلى 2 مليغرام في اليوم، وبذلك تكون احتياجات المرأة البالغة من الحديد أكثر مما يحتاجه الرجل البالغ، وبذلك تصبح الكمية التي يحتاجها حوالي 2.8 مليغرام يوميا [10] .

وينبغي أن يتناول صغار الأطفال كمية من الحديد تكفي لتعويض الفقد الأساسي منه، بالإضافة إلى الوفاء باحتياجات النمو من زيادة الكتلفة الهيموغلوبينية ومحتوى أنسجة الجسم منه. ويولد الطفل الكامل الطبيعي وبجسمه احتياطي كاف من الحديد، وإن كان يرضع من أمه فلا تزيد كمية الحديد في جسمه، أو لا تزيد

(1/341)

إلا قليلا قبل نهاية الشهر الرابع بعد الولادة.

وعوضا عن ذلك تحدث أثناء هذه الفترة إعادة توزيع الحديد بين الكتلة الهيووغلوبينية المتناقصة وبين الأنسجة المتزايدة. وتقدر الزيادة في الحديد بالجسم خلال الأشهر الثمانية التالية بحوالي 0.5 مليغرام في اليوم، كما يقدم الفقد اليوم بحوالي 0.5 مليغرام أيضا، أي أن إجمالي الحاجة اليومية من الحديد الممتص يعادل حوالي مليغرام واحد. وينبغي أن يحتوي جسم الطفل البالغ من العمر سنة واحدة على 400 مليغرام من الحديد.

ويلزم الحديد للحوامل لتعويض الفقد الفيزيولوجي، ولتلبية الاحتياجات الناجمة عن تزايد كتلة الكربات الحمراء، فضلا عن الاحتياجات الإضافية للجنين والمشيمة. ويبلغ ما يلزم للحمل وحده من الحديد نحو 565 مليغراما. ويقدر أن كمية الحديد التي تفرز في لبن"حليب" الأم يوميا تعادل 0.25 مليغرام في اليوم، ويمكن الوفاء باحتياجات الرضاعة بتوفير كمية إضافية من الحديد قدرها من 1 إلى 2 مليغرام يوميا. وتعادل الاحتياجات الإضافية العادية أثناء الحيض الاحتياجات اللازمة أثناء الحمل والرضاعة. وحيث أن الحيض يتوقف أثناء الحمل وفي أوائل فترة الرضاعة، فإن كمية الحديد اللازمة للنساء غير الحوامل وغير المرضعات ممن هن في سن الانجاب تكفي للنساء أثناء فترتي الحمل والرضاعة.

وإذا تناولت الحامل كمية غير كافية من الحديد، فإن الحديد المخزون في جسم مولودها يكون قليلا نسبيا، مما يسبب إصابته بفقر الدم في السنة الأولى من حياته، والإصابة بفقر الدم أثناء الطفول المبكرة هي ظاهرة تحدث كثيرا وترتبط ارتباطا وثيقا بكميات الحديد المخزون في الجسم عند الولادة، ويكثر بين الأطفال المبتسرين والتوائم، لأنه في مثل هذه الظروف لا يمكن أن يصل احتياطي الحديد في الجسم إلى المستوى العادي.

وتشتد الحاجة إلى الحديد في حالات النزف المزمن الذي تسببه الطفيليات مثل الدودة الشصية hookwron وداء البلهارسيات "داء المنشقات" التي قد تؤدي إلى نقص الحديد إلى ما دون 40 مليغرام/ دسيلتر وانخفاض عدد الكريات الحمراء وصغر حجمها وانخفاض مستوى الهيموغلوبين فيها. ويكون تأثير ذلك واضحا أكثر في البنات المراهقات، والنساء في مرحلة الحيض، وفي المجتمعات التي تتناول

(1/342)

أطعمة مصنعة، وهذا يحتم الحاجة إلى إضافات غذائية للحديد supplements في مثل هذه الحالات.

كميات الحديد المتناولة:

من الأغذية التي تحتوي على كميات تفي بالاحتياجات اليومية من الحديد: اللحوم، والطيور، والأسماك، والحبوب، الكاملة، والخبز، والخضراوات الخضراء كما أن بعض الفواكه المجففة مثل المشمش، والخوخ، والبرقوق، والعنب، والزبيب، تعتبر من مصادر الحديد الممتازة إذا أكلها الشخص بكمية كافية. وبينما تحتوي الفاكهة، الخضراوات الأخرى بما في ذلك البطاطس على تركيزات أقل من الحديد، فإن الكمية المتناولة يوميا من هذه المجموعات الغذائية قد تكون من الوفرة بحيث تسهم إلى حد كبير في تلبية الحاجة إلى الحديد.

والأغذية المتنوعة التي يتناولها الشخص عادة تحتوي على حوالي 12 إلى 15 مليغرام من الحديد "وإن كان ذلك يتوقف على عوامل كثيرة" ويتم امتصاص ما يزيد عن مليغرام واحد منها، وتكفي هذه الكمية للذكور البالغين، ولكنها لا تكفي للفتيات المراهقات، أو للنساء اللواتي يتبعن نظاما غذائيا يحتوي على أقل من 10 % من الوحدات الحرارية "الكالوري" بشكل أغذية حيوانية. ولذلك حددت لجنة الخبراء المشتركة بين المنظمتين "منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة" احتياجات هاتين الفئتين من الحديد بمقدار 24 و 28 مليغرام يوميا على التوالي [10] .

وهناك نوعان من الحديد الغذائي هما الحديد الهيمي haem-iron، وهو أحد مكونات الهيموغلوبين والميوغلوبين والذي يوجد في اللحوم والأسماك والدواجن ومشتقات الدم ويشكل 10- 15 % من الحديد الغذائي المتناول في البلدان الصناعية. وقد تضاءلت هذه النسبة في البلدان النامية إلى نسبة لا تكاد تذكر. ونسبة الامتصاص لهذا النوع من الحديد عالية وتتراوح من 20 إلى 30 %.

والنوع الثاني من الحديد الغذائي هو الحديد اللاهيمي non-haem- iron، وهو المصدر الرئيسي للحديد ويوجد بنسب متفاوتة في جميع الأغذية النباتية ونسبة امتصاصه تتراوح بين 5 و 10 % فقط.

وتساهم التربة والغبار والماء بإضافة كمية لا بأس بها من الحديد للغذاء في البلدان النامية. كما يمكن زيادة مستوى بعض الأطعمة من الحديد بتقويتها عمدا

(1/343)

بالحديد أو أملاح الحديد مثل دقيق القمح والسكر والملح.

وتعتمد الوفرة الحيوية للحديد على نوع وتركيب الوجبات الغذائية كما يلي:

1 وفرة حيوية منخفضة في حالة استهلاك مصادر نباتية كالحبوب والجذور والدرنات مع كمية قليلة جدًّا من اللحوم. ويتراوح امتصاص الحديد في هذه الحالة من 5 إلى 10%.

2 وفرة حيوية متوسطة، وذلك عند تناول الأطعمة النباتية مع مصادر غذائية حيوانية وكميات جيدة من فيتامين c وهنا يتراوح الامتصاص من 11 إلى 18%

3 وفرة حيوية عالية، وذلك عندما يكون الغذاء متنوعا مع كميات عالية من اللحوم والدواجن والسمك والأغذية الغنية بحمض الأسكوربيك حيث يزيد الامتصاص عن 19% من الحديد الموجود في الوجبة الغذائية.

علامات وأعراض فقر الدم:

يعتبر فقر الدم الناتج عن نقص الحديد من المشكلات الهامة جدا، سواء من الناحية الطبية أو الصحية العامة. ومع أنه لا يؤدي إلى الوفاة، إلا في حالات قليلة، فهو من أهم مسببات الضعف العام واعتلال الصحة وضعف الأداء في العمل ويمكن تلخيص أعراض فقر الدم العامة بما يلي:

ظهور أعراض عامة مثل الخمول والتعب وعدم القدرة على التركيز والأرق.

شحوب اللون ويظهر في الوجه والأغشية المخاطية مصحوبا بضعف المناعة وزيادة التعرض للأمراض المعدية وعدم القدرة على القيام بالمجهود العضلي، حيث تضاف صعوبة التنفس إلى جانب فقد الشهية وانتفاخ البطن.

عدم انتظام الدورة الشهرية في حالات فقر الدم الشديد.

ويتميز فقر الدم الناجم عن نقص الحديد بعلامات خاصة منها تقصف الأظافر وتقعرها.

5 وفي حالة نقص الفولات وفيتامين b12 يضاف التهاب اللسان والفم إلى الأعراض السابقة.

زيادة أصباغ الجلد وخاصة في أطراف الأصابع.

اضطراب الحواس.

ضعف العضلات.

علامات مخبرية يستدل عليها بالفحوص المعملية، وتشمل:

(1/344)

نقص الهيموغلوبين ونقص قيمة الهيماتوكريت "مكداس الدم".

نقص الحديد في المصل بنسبة تقل عن 16 % عند البالغين و 14% عند الأطفال و 12% عند الرضع.

ج- نقص الفولات وفيتامين B12.

د- تغير في لون وحجم كرات الدم الحمراء والبيضاء.

الشكل14- شحوب الوجه وفقد الحلمات في اللسان وشحوب لونه في حالة الإصابة بفقر الدم

"Clay Adams U.S.A"

(1/345)

فقر الدم الناجم عن عوز الفولات والفيتامين b12:

نقص الفولات:

يحدث فقر الدم الناجم عن نقص الفولات "فقر الدم ضخم الأرومات" megaaloblastic anaemia نتيجة لضعف قدرة الجسم على تخليق الدنا DNA "الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين" والذي يحدث تغيرات في شكل كرات الدم الحمراء والبيضاء والصفيحات الدموية أثناء تكوينها وكذلك الخلايا الظهارية في جميع أجزاء الجسم.

في حالة احتواء الغذاء على كميات وفيرة من الفولات، فإن الفائض يختزن في الجسم وقد يكفي المخزون لعدة شهور. ويبدأ اختزان الفولات في الجنين في الشهور الثلاثة الأخيرة من الحمل. ولذلك فإن الأطفال الذين لا يكملون فترة الحمل "40 أسبوعا" يولدون بنقص في مخزون الفولات في الجسم ويكونون أكثر عرضة للإصابة بفقر الدم فيما بعد [9] .

أسباب فقر الدم الناجم عن نقص الفولات:

يحدث نقص الفولات في حالات التغذية بالزجاجة وتناول الأطعمة التي تعرضت لدرجة حرارة عالية أثناء الطهي، ويرتبط النقص بالفقر وعدم تناول الأطعمة الطازجة.

(1/346)

يعتبر نقص الفولات من أهم الأعراض التي تصاحب نقص البروتين والطاقة عند الأطفال وكذلك الأمراض الناجمة عن اضطراب الجهاز الهضمي وخاصة عملية الامتصاص.

يحدث النقص أيضا نتيجة لزيادة الاحتياجات أثناء الحمل والرضاعة بسبب زيادة الاحتياجات إليه، ويحدث كذلك عند الأطفال الناقصي النمو، وبعض الأمراض الجلدية، والعدوى بالجراثيم والأمراض السرطانية.

يحدث النقص نتيجة لتناول بعض العقاقير مثل المسكنات والعقاقير التي تستخدم لعلاج الصرع.

فقر الدم الناجم عن عوز فيتامين B12:

يؤدي عوز فيتامين B2 مثل الفولات إلى اضطراب في تخليق الدنا DNA وتغيرات في شكل كرات الدم الحمراء والبيضاء والصفيحات الدموية وكذلك الخلايا الظهارية بالجسم. غير أن عوز فيتامين B12 يتميز بإحداث تغيرات أخرى بالجهاز العصبي وخاصة النخاع الشوكي ويترتب عليها أعراض عصبية متميزة.

وينتشر فقر الدم الناجم عن عوز الفيتامين B12 بين المواليد الذين يولدون لأمهات يعانين من النقص أثناء الحمل أو تظهر عليهن الأعراض في سن 8- 18 شهرا، كما يحدث بين الأفراد النباتيين الذين لا يتناولون أيا من المنتجات الحيوانية إذ أن مصادر هذا الفيتامين الأطعمة الحيوانية فقط وتخلو منه الأطعمة النباتية. كما يحدث بعد إجراء عمليات جراحية للمعدة التي تستأصل فيها أجزاء كبيرة من المعدة مما يؤدي لغياب إفراز العامل الداخلي الذي يفرز من جدار المعدة والضرورية لامتصاص الفيتامين من الأمعاء. وكذلك فإن من أسباب عوز الفيتامين الإصابة بالدودة الشريطية "العوساء العريضة" diphyllobothrium latum والتي تعيش في الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة وتمتص الفيتامين وتسبب نقصه.

وتؤدي الأمراض التي تصيب الأمعاء الدقيقة وتسبب اضطرابات في الامتصاص إلى التسبب بالنقص، كما أن تعاطي بعض الأدوية مثل النيومايسين وحمض الباراأمينوسالسيك قد يؤدي إلى ذلك [9] .

الوقاية والمعالجة:

تعتمد الوقاية من فقر الدم على إعطاء إضافات "مقادير تكميلية" الحديد

(1/347)

للفئات المعرضة للنقص. وتشمل هذه الفئات الحوامل والرضع والأطفال قبل سن الدراسة، إلى جانب تصحيح النظام الغذائي الذي يزيد من الوفرة الحيوية للحديد، وزيادة محتوى الغذاء من الفيتامين c وتقليل تناول مثبطات امتصاص الحديد والجرعة اليومية الموصى بها للحوامل وهي 120 ميلغرام من الحديد يوميا تؤخذ مع 250 ميكروغرام من الفولات في النصف الثاني من الحمل. ويمكن إعطاء الحديد للأطفال الرضع من خلال الأطعمة التكميلية الغنية بالحديد والفيتامين c مثل الحساء والخضراوات والفاكهة، أما الأطفال في سن ما قبل الدراسة فيمكن إعطاؤهم عنصر الحديد بجرعة تعادل 30 مليغرام يوميا لفترة 2 – 3 أسابيع، وتكرر عدة مرات سنويا [8] .

عوز فيتامين A - الرتينول:

جفاف العين xerophthalmia:

تعريف. يحدث المرض الغذائي الذي ينتج عن نقص الفيتامين A "الرتينول"، والمعروف بجفاف المقلة، عندما ينعدم المخزون من الفيتامين في الكبد وتقل نسبته في الدم، ولا يستطيع الجسم إعادة بناء هذا المخزون لعدم تناول الأطعمة الحيوانية الغنية بالفيتامين أو الأطعمة النباتية الغنية بمولدات الفيتامين، وكذلك حينما يضطرب الامتصاص من الأمعاء نتيجة للعدوى بالجراثيم والطفيليات، وعند نقص الدهون في الغذاء.

ويؤثر عوز الفيتامين A في غذاء الإنسان على العين بصفة خاصة، حيث يبدأ باضطراب في وظائف الخلايا القمعية بشبكية العين، مما يؤدي إلى العشى الليلي night blindness ثم يتطور إلى جفاف أجزاء المقلة المختلفة بدءا بالملتحمة congunctival xerosis، ثم جفاف القرنية Corneal xerosis، ثم تلين القرنية keratomalacia وما يتبعه من فقد البصر، كما يرافق إصابة العين أعراض أخرى ناتجة عن إصابة الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، وخاصة الإصابات بالإلتهاب الرئوي والإسهال.

يتوفر فيتامين A في الأطعمة الحيوانية المصدر مثل اللبن "الحليب" ومنتجاته والبيض والكبد، وتتوفر طليعة الفيتامين "الكاروتين بيتا "B- carotene" في الخضراوات الورقية القاتمة والفاكهة الملونة، ولا يتوفر في الغذاء الذي يعتمد على الحبوب

(1/348)

والجذريات، ولذلك فإن نقص الفيتامين A ينتشر بين الأطفال الذين يغلب على غذائهم الحبوب والنشويات واللبن والحليب الخالي من الدسم.

وقد عرف الزيتنول "فيتامين A" منذ بداية اكتشافه أنه الفيتامين المضاد للعدوى anti-infection حيث أن نقص هذا الفيتامين يؤدي إلى ضعف المناعة وزيادة التعرض للمرض، ولذلك فإن أكثر الفئات تعرضا للإصابة بمرض نقص الفيتامين هم الأطفال لزيادة احتياجاتهم وكذلك لكثرة تعرضهم للعدوى. فالإصابة بالعدوى وخاصة الحصبة وأمراض الجهاز التنفسي تؤدي إلى زيادة شدة نقص الفيتامين. ومن ناحية أخرى فإن نقص الفيتامين يجعل الطفل أكثر تعرضا للإصابة بهذه الأمراض.

المصادر الغذائية والمدخول الغذائي اليومي من الفيتامين A:

يختلف المدخول الغذائي اليومي من الفيتامين في الدول الغنية عنها في الدول النامية. ففي الدول الغنية يتراوح بين 1000- 3000 وحدة دولية يوميا، مستخلصة من الأطعمة الحيوانية والنباتية على التساوي، أما في الدول النامية فيصل المدخول اليومي إلى أقل من 500 وحدة يوميا، ويعتبر هذا المستوى ضعيفا جدًّا بالنسبة للأطفال في هذه المناطق، حيث يحتاج الطفل في مراحل عمره الأولى إلى حوالي 250 ميكروغرام يوميا "الوحدة الدولية تعادل 0.3 ميكروغرام فيتامين A , و 0.6 ميكروغرام بيتا كاروتين".

ويوصي بأن يتناول الأطفال 300 ميكروغرام من الرتينول يوميا، على أن تزاد هذه الكمية إلى 750 ميكروغرام بالنسبة للكبار. وقد بنيت هذه الأرقام على أساس الكميات اللازمة للمحافظة على مستويات الرتينول العادية في الدم أو استرجاعها عند الأشخاص الذين كانوا يتناولون غذاء تجريبا لا يحتوي على الكاروتين أو الرتينول. وتم التوصل إليها أيضا عن طريق ملاحظة مدى الإصابة بالعمى الليلي ومستويات الرتينول في دم سكان المناطق التي تتميز بمصادر غذائية متباينة لهذا الفيتامين.

وأهم المصادر الغذائية لهذا الفيتامين الألبان ومنتجاتها والخضراوات ذات الأوراق الخضراء القائمة والفواكه ذات اللون الأصفر أو البرتقالي [10] .

انتشار عوز الفيتامين A:

ينتشر عوز الفيتامين A في دول العالم النامية انتشارا واسعا، وفي بعض

(1/349)

البلدان يعتبر من أهم مشاكل الصحة العامة التي تستدعي إعداد البرامج المكثفة للقضاء عليها. وطبقا لتقارير منظمة الصحة العالمية [11] فإن هناك في العالم ما يزيد على 13 مليون مصاب بجفاف الملتحمة و 190 مليون معرض لخطر الإصابة ويبين الجدول التالي توزيعهم بين الأقاليم المختلفة.

المجموعات السكانية المعرضة لعوز فيتامين A والمصابة به "بالملايين" نقص الفيتامين A [11]

وأكثر الفئات عرضة للإصابة بعوز الفيتامين A هم الأطفال المعرضون للوفاة لأسباب أخرى بنسبة كبيرة منهم. ولقد وجد أن حوالي 25% من الناجين من الموت يصابون بالعمى التام، وأن 50 إلى 60% يصابون بالعمى الجزئي. وبالإضافة إلى تلك الإصابات فإن هناك المزيد من الأطفال الذين يصابون بعوز الفيتامين A بدرجة أقل من جفاف المقلة ويقدر هؤلاء بحوالي 8- 10 مليون طفل [12] .

الأسباب المؤدية لعوز فيتامين A:

يصيب عوز الفيتامين عادة الأطفال في سن قبل الدراسة، وخاصة في المناطق التي ينتشر فيها الفقر والجهل والتخلف الاجتماعي وانتشار الأمراض المعدية والطفيليات.

ويتميز عوز الفيتامين A بالموسمية، حيث يظهر في الصيف في أعقاب انتشار أمراض الإسهال الصيفي والجفاف وقلة الإنتاج الزراعي من الخضراوات.

(1/350)

ويظهر أيضا في موسم الشتاء البارد حيث تكثر أمرض الجهاز التنفسي وخاصة الالتهاب الرئوي. وعلى أقل تقدير فإن نقص الفيتامين A يصيب حوالي 700 ألف طفل سنويا، ومن أخطر نتائج عوز الفيتامين هو جفاف المقلة وما يترتب عليه من فقد البصر الذي يصيب نسبة كبيرة من الأطفال في الدول النامية. ويعتبر عوز فيتامين A السبب الأول لفقد الرؤية في هذه الدول بعد القضاء على مرض الجدري.

كذلك يؤدي عوز الفيتامين A إلى زيادة نسبة الوفيات بين الأطفال وخاصة عند الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي [13] ، كما يؤدي العوز إلى قصور في النمو البدني والعقلي.

ويلازم عوز فيتامين A حالات السغل والكواشركور حيث أن الأسباب الغذائية التي تؤدي إلى عوز البروتين والطاقة هي نفسها التي تؤدي إلى عوز فيتامين A.

الأعراض السريرية لنقص فيتامين A:

يطلق على مجموعة الأعراض التي تصيب العين بسبب عوز فيتامين A جفاف المقلة xerophthalmia، كما يسبب النقص مجموعة من التغيرات المرضية في أنسجة الجسم المختلفة والأنسجة الظهارية في الجهاز التنفسي والبولي والأمعاء، مما يؤدي إلى الإصابة بالالتهاب الرئوي والتهاب الكلى والمثانة والإسهال المتكرر، ويؤدي ذلك إلى تخلف النمو عند الأطفال وإلى اضطراب في تكوين العظام وكذلك فقر الدم الذي لا يستجيب لتعاطي الحديد إلا مع تعاطي الفيتامين A. وتؤدي إصابة الجهاز المناعي إلى كثرة تعرض الأفراد المصابين بعوز الفيتامين إلى العدوى، ومن بين علامات هذا المرض [14، 15] .

1- علامات أولية:

- جفاف الملتحمة Conjunctival.

- بقع بيتو مع جفاف الملتحمة Bitot's spots with conjunctival xerosis.

- تلين القرنية keratomalacia.

2- علامات ثانوية:

- العشى "العمى الليلي" night blindness.

(1/351)

بقع بيتو دون جفاف الملتحمة Bitot's spots alone

ندب فوق القرنية Corneal scars

يصيب جفاف الملتحمة الأجزاء المعرضة للضوء ويظهر على هيئة:

فقد بريق العين حيث تبدو كالطلاء الجاف.

فقد شفافية الملتحمة فلا تسمح بمرور الضوء خلالها وبذلك تظهر الأوعية الدموية بها وتبدو بيضاء مثل الحليب.

زيادة ثخانة الملتحمة وخشونتها وظهور التجاعيد والتنوءات بها.

تغيرات في لون المتحمة نتيجة لتجمع الخلايا الميتة فيها حيث يتغير اللون إلى الأصفر ثم إلى الرمادي ثم البني.

بقع بيتو:

تظهر على هيئة قشور فضية اللون تتجمع مثل الزبد فوق سطح الملتحمة وهي سهلة الإزالة، بحيث يمكن إزالتها بحركة الجفون أو مع الدموع عند بكاء الطفل وتترك مكانها الملتحمة الجافة. وتتجمع هذه البقع على شكل مثلث في الجانب الخارجي من الملتحمة. وقد تظهر على هيئة بقع دهنية أو مثل ذرات الطباشير.

(1/352)

تغيرات القرنية:

يحدث الجفاف وفقد الشفافية للقرنية نتيجة لوجود بعض الخلايا في طبقاتها وتعتبر هذه التغيرات قابلة للتراجع أما عند حدوث التقرحات ولين القرنية حيث تتحول إلى مادة جيلاتينية بيضاء أو صفراء اللون تبرز من خلالها العدسة وبعض الأجزاء الأخرى فهي دائمة تفقد فيها العين والبصر.

الوقاية والعلاج:

لمعالجة جفاف المقلة والوقاية من العمى [16] تعطى بالفم عبوات الفيتامين A التي تحتوي على 2000000 وحدة دولية "ما يعادل 110 مليغرامات". وفي حالة وجود الإسهال أو القيء تعطى أول جرعة بالحقن العضلي لمستحضر الفيتامين A القابل للذوبان في الماء، ثم يلي ذلك إعطاء العبوات بالفم، ولا يجب إعطاء الفيتامين A الذائب بالزيت بالحقن بالعضل حيث أنه بطيء الامتصاص.

وفي حالة جفاف القرنية يجب إعطاء المراهم التي تحتوي على المضادات الحيوية مثل التتراسيلكين والكلورامفينيكول، ويجب حماية العين بغطاء واقز ويتبع النظام التالي:

عند إعطاء الفيتامين A للأطفال من سنة إلى 6 سنوات وكذلك للمراهقين والكبار.

1 يبدأ فورا عند التشخيص إعطاء عبوات بالفم تحتوي على 200000 وحدة دولية

2 في اليوم التالي 200000 وحدة أخرى بالفم.

3 بعد 4 أسابيع 200000 وحدة بالفم أيضا.

أما الأطفال قبل السنة الأولى من العمر فتعطى لهم نصف هذه الجرعات وللسيدات الحوامل يعطى مستحضر الفيتامين A على شكل أقراض تحتوي على 100000 وحدة لمدة أسبوعين. ويراعى عدم زيادة الجرعات للحامل خوفا على الجنين.

وكما سبق أن ذكرنا، يعاني الأطفال بصفة خاصة من نقص فيتامين A، إذ يبدأ معظم الأطفال حياتهم وفي كبدهم مخزون جيد وكاف من الرتينول الذي حصلوا عليه من دم أمهاتهم قبل الولادة، ذلك أن الرتينول يمر بسهولة عبر

(1/353)

المشيمة. ويزاد هذا المخزون بفضل توفر كمية كافية من حليب الأم أو من أي حليب آخر يغذى الطفل عليه. وفي جميع الدول، وخاصة في تلك الدول التي ينخفض فيها مستوى الرتينول المتناول عن المستوى الموصى به، يجب الاهتمام بغذاء النساء الحوامل والمرضعات. فإذا وجد أن هذا الغذاء لا يوفر المستوى المطلوب من الرتينول عندئذ يجب توفير الكمية الإضافية اللازمة دون تردد في صورة أحد زيوت كبد السمك أو غير ذلك من المواد المركزة، كما ينبغي إعطاء إضافات مشابهة إلى الرضع وصغار الأطفال.

كما يجب دعم الغذاء بالفيتامين A وخاصة مستحضرات الحليب المجفف الخالي من الدسم والسكر وزيادة إنتاج الأطعمة الغنية بالفيتامين A ومولدات الفيتامين A مثل الخضراوات القاتمة. وتعطى جرعات كبيرة من الفيتامين A للفئات المعرضة للعوز، وخاصة الأطفال الذين يعانون من نقص البروتين والطاقة بدرجاته المختلفة، والأطفال الذي يعانون من الأمراض المعدية، وخاصة الإسهال والتهابات الجهاز التنفسي والحصبة. ويعطى أيضا بصفة دورية للأطفال تحت سن السادسة وللأمهات المرضعات خلال الشهور الأولى بعد الولادة، ويتبع النظام التالي بغرض الوقاية من عوز الفيتامين في المجتمعات المعرضة له:

الأطفال من سن 1- 6 سنوات 200000 وحدة دولية بالفم كل 3- 6 شهور.

الأطفال الرضع من سن 6- 12 شهر 100000 وحدة دولية بالفم كل 3- 6 شهور "ويمكن إعطاؤه أثناء التمنيع ضد الحصبة".

الأمهات المرضعات 200000 وحدة دولية بالفم عند الولادة لرفع مستوى الفيتامين A في لبن الأم لحماية الطفل الرضيع.

اضطرابات عوز اليود iodine deficiency disorder "IDD":

التعريف:

اليود من العناصر الزهيدة الضرورية لتكوين هرموني الثيروكسين thyroxine والثيروكسين ثلاثي اليود اللذين تفرزهما الغدة الدرقية thyroid ويتراوح الاحتياج اليومي منه بين 120 و 150 ميكروغراما. ويمكن الحصول على هذه الكميات الضئيلة عن طريق الغذاء والماء في المناطق التي يتوفر فيها اليود في التربة. ويرجع عوز

(1/354)

اليود عند الإنسان إلى نقصه في البيئة التي يعيش فيها، حيث يثل أو ينعدم وجوده في التربة في المناطق الجبلية نظرا لانجرافه بفعل الأمطار والثلوج ومن جراء الفيضانات.

وتشمل اضطرابات عوز اليود مجموعة كبيرة من الحالات المرضية التي تؤثر على صحة الإنسان في مراحل العمر المختلفة، وتتراوح بين تضخم الغدة الدرقية "الدراق" Goitre الواسع الانتشار إلى التقزم "الفدامة" cretinism الأقل انتشارا، وتختلف المظاهر الأساسية لنقص اليود طبقا لمرحلة العمر. ففي المرحلة الجنينية يؤدي عوز اليود إلى الإجهاض abortion وولادة جنين ميت "الإملاص stilbirth" وولادة طفل ذي عيوب خلقية congenital malformation. وفي مرحلة الطفولة المبكرة يؤدي عوز اليود إلى زيادة معدل الوفيات وقصور في النمو والتطور، وضعف في الوظائف العقلية والبكم والصمم mutism – deaf والحول strabismus وضعف العضلات والتقزم. وفي مرحلة الطفولة والمراهقة "أطفال المدارس" يؤدي عوز اليود إلى تضخم الغدة الدرقية بدرجاته المختلفة وتأخر النمو الجسدي وخلل في الوظائف العقلية. وقد عرف نقص اليود في صورتيه الدراقي والفدامي منذ قرون عديدة في أنحاء عديدة من العالم وهما من أكثر مظاهر نقص اليود وضوحا [17] .

عوز اليود:

عندما تقل كمية اليود عن المستوى المطلوب، تحاول الغدة الدرقية تعويض هذا النقص عن طريق امتدادها إلى المناطق المجاورة لها بحثا عن اليود، مما يؤدي إلى تزايد حجم الغدة، وتسمى هذه الحالة الدراق البسيط simple goiter أو المتوطن epidemic

ولا تحدث الإصابة بالدراق المتوطن عندما يتناول الإنسان البالغ أكثر من 0.075 ميلغرام من اليود في اليوم. ويمتص اليود في الأمعاء الدقيقة وينقل في الدم حيث تأخذ الغدة الدرقية حوالي 30% منه وتستخدمه لتركيب الهرمونات الدرقية، ويطرح الباقي مع البول.

والكمية المثلى من اليود التي ينبغي أن يتناولها الرجل البالغ والمرأة البالغة هي 0.14 ميلغرام و 0.10 ميلغرام على التوالي، في اليومن وقد يحتاج الأطفال في مرحلة النمو، والحوامل والمرضعات أكثر من ذلك. وتزداد الحاجة إلى اليود أثناء الحمل لأن الجنين يحصل من الأم على ما يحتاجه منه، فضلا عن الاحتياطي اللازم.

(1/355)

له وتفقد الأمهات اليود أثناء الرضاعة إذ يفرز مع اللبن، ولذلك حاجتهن إلى اليود بمقدار 50% [10] .

ومن بين الأغذية الطبيعية التي تعد من أفضل مصادر اليود الأغذية البحرية والخضراوات التي تنمو في تربة غنية باليود. وقد تكون منتجات الألبان والبيض من المصادر الجيدة إذا كانت الحيوانات المنتجة لها تتناول غذاء غنيا باليود. وتحتوي غالبية الحبوب والبقول والجذور على نسبة منخفضة من اليود. وبشكل عام يقل اليود في نباتات المناطق الجلبية المعرضة للانجراف ومناطق الفيضانات مما يؤدي إلى حدوث حالات نقص في سكان هذه المناطق ما لم يعوضوا ذلك بإضافات غذائية. وإلى جانب نقص اليود في التربة وبالتالي في الغذاء، فإنه توجد مواد كيمائية معينة يعرف عنها أنها تعرقل استفادة الغدة الدرقية من اليود. وتعرف هذه المواد بمحدثات الدراق Goitrogentic substances، وهناك أغذية معينة غنية بهذه المركبات الكيميائية مثل الكرنب والفجل والكسافا، ويؤدي تناولها بكميات كبيرة في ظروف استثنائية إلى نقص اليود، غير أن العلاقة بين هذه المواد وانتشار الدراق المتوطن لم تتحدد حتى الآن.

أخطار عوز اليود:

يترتب على نقص اليود في الغذاء نقصه في الدم، ويترتب على ذلك عدم قدرة الغدة الدرقية على إفراز هرمون الثيروكسين الذي يشكل اليود جزءا هاما من تكوينه، ويؤدي هرمون الثيروكسين وظائف هامة في الجسم، ويسيطر كيميائيا على أعضائه المختلفة وخاصة وظائف المخ والأعصاب والحفاظ على درجة حرارة الجسم وتوليد الطاقة. وفيما يلي نبذة موجزة عن أهم أمراض نقص اليود في الإنسان.

أ- الدراق goitre: الدراق هو تضخم الغدة الدرقية الذي يحدث حينما لا تحصل على احتياجاتها من اليود لإفراد هرمون الثيروكسين،2- ويتبع نقص الهرمون نشاط في الغدة النخامية في قاع المخ والتي تنشط وتسيطر على وظائف الغدد الأخرى،3- فتفرز كميات كبيرة من الهرمون المنبه للغدة الدرقية thyroid – stimulating hormone يصحب هذا النشاط زيادة في حجم الغدة الدرقية نتيجة لزيادة الخلايا النشطة في الغدة لكي تستحوذ على اليود القليل وتخرجه على هيئة هرمون الثيروكسين. وعند تناول كميات كافية من اليود يتوقف هذا النشاط الزائد في الغدة وتعود إلى حالتها الطبيعية،4- أما إذا استمر النقص فإن

(1/356)

التغيرات تتوالي وتؤدي إلى تضخم الغدة، وقد وضعت معايير لتقييم مستوى التضخم على النحو التالي [19] :

ب- الفدامة وأعراض أخرى: تتراوح أخطار نقص اليود من حدوث الدراق الأقل شدة والأكثر انتشارا إلى الفدامة cretinism الأشد درجة والأقل انتشارا،6- إلى جانب المخاطر الأخرى التي تؤدي بحياة الإنسان،7- منها حدوث الإجهاض وولادة الجنين ميتا حينما تصاب الأم الحامل بنقص اليود. وقد يولد الطفل وهو يعاني من نقص اليود،8- وإذا استمر النقص في مراحل عمره الأولى فقد يعاني من أضرار بالغة فيصاب بقصور في النمو البدني والعقلي وضعف الأطراف الذي قد ينتهي بالشلل التام،9- وكذلك بالحول strabismus والرأراة nystagmus والصمم والبكم Deaf – mutism والتوتر التشنجي،10- وتعرف هذه الصورة من عوز اليود بالفدامة العصبية neurological cretinism وهي من أشد درجات عوز اليود [20] .

(1/357)

الشكل17- الدراق، ضخامة درجة "1"

"Jelliffe 1966"

الشكل18- الدراق، ضخامة درجة "3"

"jelliffe 1966"

انتشار عوز اليود:

تدل التقارير المنشورة على أن 12 % من سكان العالم يعيشون في مناطق ينتشر بها عوز اليود. وقد أفادت بعض هذه التقارير أن حوالي 200 إلى 300 مليون

(1/358)

نسمة في العالم يعانون من تضخم الغدة الدرقية والمظاهر الأخرى لنقص اليود، كما أن 6 ملايين يعانون من الفدامة. ومن بين دول منطقة إقليم شرق المتوسط التي أكدت البحوث انتشار نقص اليود فيها إيران وباكستان وأفغانستان والعراق وسوريا والسودان ولبنان ومصر [18] . ويبين الجدول التالي المجموعات السكانية المعرضة لنقص اليود والمصابة به في العالم [111]

انتشار عوز اليود "بالمليون" حسب تقارير منظمة الصحة العالمية "1991" [11] بالملايين 1991".

تقييم انتشار عوز اليود:

يقدر انتشار نقص اليود وشدته في منطقة ما بعد طرق، وهي مدى انتشار تضخم الغدة الدرقية بين أطفال المدارس، كذلك مدى انتشار الفدامة، وقياس تركيز اليود في البول. ومن المعروف أن إفراز اليود في البول يدل على كمية اليود المتاحة في الغدد، ويدل نقص إفراز اليود في البول عن 20 ميكروغرام يوميا على وجود نقص شديد في المنطقة. ويبين الجدول التالي دلائل عوز اليود وشدته [11] .

(1/359)

دلائل عوز اليود وشدته

الوقاية والعلاج:

يمكن تلخيص طرق الوقاية من نقص اليود بالطرق التالية:

1 – يودنة ملح الطعام Iodation of salt، أي إضافة اليود إلى ملح الطعام بنسبة تسمح بأن تزود كل 10 غرامات من الملح وهي متوسط الكمية التي يستهلكها الجميع عادة بحوالي 120 – 150 ميكروغرام من اليود.

2 حقن اليود الذائب في زيت الخشخاش كل 3- 5 سنوات لتكوين مخزون بالجسم، رثيما ينتهي برنامج لإضافة اليود إلى ملح الطعام.

3 تعاطي اليود الذائب في زيت بذرة الخشخاش بالفم بدلا من إعطائه بالحقن.

4 إضافة اليود إلى مياه الشرب إما على مستوى المجتمع أو المنزل، ولهذا تأثير مزدوج يتمثل في تطهير الماء من الجراثيم التي تسبب الإسهال أو أنواع أخرى من التهاب المعدة والأمعاء، بالإضافة إلى إتاحة كمية كافية من اليود للجسم.

5 إضافة كميات من مركبات اليود إلى الخبز بدرجة تسمح بأن توفر كمية الخبز التي يستهلكها الفرد يوميا في المتوسط الاحتياج المطلوب من اليود.

عوز الفيتامين D الكساح "الرخد" وتلين العظام:

تعريف:

يصيب الكساح rickets الأطفال، ويصيب تلين العظام osteomalacia الكبار ويعرف الكساح أو الرخد بأنه مرض مجموعي systemic يصيب العظام في مرحلة

(1/360)

النمو، ويتميز باضطراب في تكلس نسيج العظام والمشاشة الغضروفية epiphyseal cartilag، مما يؤدي إلى تلين العظام وتشوهها. أما تلين العظام فيصيب العظام التي أتمت نموها. وفي الحالتين يسبب نقص الفيتامين D اضطرابات في امتصاص الكالسيوم والفسفور من الأمعاء وإعادة امتصاص الكالسيوم من الكلى مما يسبب نقص مستوى الكالسيوم في الدم وعدم ترسبه في العظام [21] والمصادر الغذائية للفيتامين D قليلة "مثل زيت كبد القد وسمك الرنكة والسردين والتونة والبيض والزبد والكبد والجبن والحليب" ولكن المصدر الأساسي للفيتامين D هو بناء الفيتامين تحت الجلد حيث تتحول إحدى مشتقات الكولستيرول – 7" degydrocholesterol"" بتأثير الأشعة فوق البنفسجية إلى الفيتامين D3 "cholecalciferol"وبائيات ومسببات عوز الفيتامين

D:يحدث الكساح أثناء مراحل النمو السريع، أي في الطفولة المبكرة وذلك لزيادة الاحتياجات من الفيتامين

D والكالسيوم لبناء العظام، ويحدث أيضا بين الأطفال الرضع الذين يولدون ناقصي الوزن، وذلك لنقص الفيتامين عند الأم أثناء الحمل واستمرار النقص أثناء الرضاعة.ويظهر تلين العظام

Ostemalacia لدى الكبار نتيجة لنقص الكالسيوم، وكان يظهر في الماضي عند النساء في المدن الكبرى حيث يحملن بصورة متكررة مع تغذية غير جيدة. ورغم أن هذا النوع أصبح نادرا الآن، إلا أن لين العظام لا زال يحدث لدى المسنين ولكنه أقل حدوثا من مرض تخلخل العظام osteoporosis ويجب التمييز بين هذين المرضين. ومن الضروري أن نؤمن للمسنين الذين تقعدهم الأمراض في المنزل أن يحصلوا على احتياجاتهم من مادة الكوليكالسيفيرول بتناولها إما في بالغذاء أو على شكل جرعة إضافية من الفيتامين.وإلى جانب النقص الغذائي وعدم كفاية التصنيع الداخلي للفيتامين

D تحت الجلد هناك عدة عوامل تؤدي على عوز الفيتامين، منها أمراض سوء الامتصاص الدهني وأمراض الكلى والكبد وأمراض الاستقلاب الوراثية، وتعاطي الأدوية المضادة للفيتامين [22] .أعراض عوز الفيتامين

D:يحدث عوز الفيتامين

D في عدة مراحل تبدأ بنقص الكالسيوم في الدم مما

(1/361)

يؤدي إلى حدوث نوبات من التشنج والتكزز tetany ويحدث ذلك نتيجة لتأزز synergism عوز الفيتامين D مع الخلل الوظيفي لنشاط الغدة الدريقية، parathyroid gland، ثم يؤدي نقص مستوى الكالسيوم في الدم إلى زيادة نشاط الغدة الدريقية لتصحيح مستوى الكالسيوم في الدم، وفي هذه المرحلة ترتفع نسبة إنزيم الفسفاتاز القلوية alkaline phosphatase في الدم مع ظهور الأعراض السريرية للرخد ولين العظام. وتشمل هذه الأعراض بروز عظام الجمجمة، وتضخم أطراف العظام، وتضخم غضاريف الضلوع، وعدم التحام اليافوخ الأمامي، وتقوس العظام. ويصاحب هذه الأعراض نقص في توتر العضلات hypotonia ونوبات من التشنج العضلي والتكزز نتيجة لنقص مستوى الكالسيوم في الدم [22] .الشكل19- عو الفيتامين

D- الرخد: تقوس الساقين bowlegs"

Clay Adams U.S.A"

(1/362)

الشكل 20- عوز الفيتامين D- الرخد: تضخم غضاريف الضلوع"

Institute of Child Health London WCIN IEH"الشكل21- عوز الفيتامين

D: تشوه القفص الصدري وعظام الحوض"

Institute of Child Health London WCIN IEH"

(1/363)

الوقاية والعلاج:قد لا يفي الغذاء العادي بالاحتياجات اليومية من الفيتامين

D، مما يجعل التعرض لأشعة الشمس المصدر الأساسي للفيتامين D. ومن الصعب تحديد ما يحصل عليه الفرد من الفيتامين من هذا المصدر، ولذلك وعلى سبيل الاحتياط يوصى بالنسبة للرضع والأطفال حتى العام السابع بتناول 10 ميكروغرامات في اليوم من الكوليكالسيفيرول، وتكفي هذه الكمية دون شك للوقاية من الكساح، ولضمان امتصاص كميات كافية من الكالسيوم الموجود في الغذاء "0.025" ميكروغرام من فيتامين D3 تعادل وحدة دولية".ويصعب إعطاء الطفل غذاء طبيعيا يحتوي على هذه الكمية، ولكن يمكن زيادة الكمية المتناولة بطريقين. فيمكن أولا تقوية بعض الأغذية مثل الحليب المجفف والحليب السائل وبعض أغذية الأطفال والمرغرين بإضافة الكوليكالسيفرول إليها. واعتادت بعض الدول تقوية الأغذية بهذه الطريقة، ولكن ذلك لا يتسنى إلا حيث تتوفر تكنولوجيا غذائية متطورة، فقد ثبت فعلا أن الكوليكالسيفيرول قد يكون ساما [10] .وثانيا، يمكن إعطاء كل رضيع أو طفل يوميا كمية إضافية من هذا الفيتامين، وتعطى جرعة قدرها 5 مليلترات من زيت سمك القد المعياري الكمية الموصى بتناولها وهي 10 ميكروغرامات، ويمكن إعطاء هذه الكمية بشكل مركز في كبسولة. وتضمن هذه الجرعة اليومية الإضافية الوقاية من الكساح بطريقة مأمونة، ولكن الأمر يحتاج إلى تعاون الأمهات. فقد أثبتت التجربة أنه يصعب إقناع غالبية الأمهات بإعطاء مثل هذه الجرعات الإضافية على أطفالهن بانتظام، ولذلك من المهم تثقيف الأمهات في المناطق التي تحدث فيها إصابات الكساح بشأن كيفية إعطاء الجرعات الإضافية. وبعد سن السابعة، يوصى بأن يتناول الطفل 2.5 ميكروغرام يوميا من هذا الفيتامين، ولكن مع شيء من التحفظ. فحتى إذا كان الشخص يعيش في بلد حيث لا يقوى الزبد والمرغرين بإضافة الكوليكالسيفيرول إليها، أو إذا كان الشخص حساسا للبيض أو لا يستسيغ زيت السمك، يمكنه الاستغناء بأمان عن زيت كبد القد بمجرد التنزه لمدة نصف ساعة كل يوم في الهواء الطلق للتعرض لضوء الشمس.

(1/364)

المراجع:1 -

Mclaren D.S. (1975) Nutrition in the community John Wiley.2 -

Mclaren. D.S. (1966) : A Fresh look at protein caloric malnutrition lancet 2: 485 -8.3 -

Gomez F. et al (1975) Ann. N.Y. Acad. Sci. 69:966.4 -

Mclaren D.S. (1976) Protein energy malnutrition, classification pathogenesis

prevalence and prevention. Text book of pediatric nutrition pp. 105 -145. Chirclill livings tone.5-

Micheal C. Latham (1990) . Protein energy malnutrition. Present knowledge in

nutrition (1990) . International life sciences Institute foundation, Washington.6 -

Mclaren D.S. Nutrition and its Disorders (1972) Churchill livingstone.7 -

Treatment and Management of severe protein energy malnutrition WHO Geneva(1981) .8-

De Maeyer E.M. & P. Dallman, J.M. Gurney. L. Hallberg, S.K. Sood and S.G.

Srikantia. (1990) Preventing and controling Iron deficiency anemia through primary health care. WHO Alexandria.9-

M. Layrisse, M. Roche and SJ. Baker. (1976) Nutritional anemias. Nutrition in

preventive medicine pp. 55 - 79. WHO Manograph series No. 62 (1976) .10-

WHO (1992) National strategies for overcoming micronutrient malnutrition.

Forty-fifth world health assembly provisional Agenda item 21. WHO, Geneva.11-

Ten years UN programme Against vitamin A deficiency. SCN News No. I. 30

March (1988) .12 -

Vitamin A. ARI News Issue No. 17 August (1990) .13 -

Jelliffe. D.B. (1966) The assessment of Nutritional status of the community WHO

monogrph series No. 53. Geneva.14-

Omen. H.A. P.C. (1976) Xerophthalmia. Nutrition in preventive medicine pp. 94 -109

WHO monogarph series No. 62.15-

Vitamin A. Supplement. A Guide to their use in the treatment and prevention of

vitamin A deficiency, and Xerophthalmia WHO. Geneva (1988) .16-

Clements F.W. (1976) Endemic Goitre Nutrtion in preventive medicine pp. 83 - 92

WHO monograph series No. 62.17-

Guidlines for national programme for control of iodine Defeciency Disoders in the

Eastern Mediterranean Region WHO. EMRO Technical Report No. 12 Alexandria (1988) .18-

International Council for Control of Iodine Deficiency Disorders (1976) A

practical Guide to the correcting of iodine deficiency. Technical manual No. 3 Series No. 62, Geneva.19-

Iodine Deficiency Disorders in south East Asia. WHO searo Regional Health

paper No. 10 (1985) .20-

Davidson and Passmore. (1986) Human Nutrition and Dietetics pp. 303 - 309.Churchill Livingstone.21-

Paunier L. (1976) Rickets and Osteomalacia. Nutrition in preventive medicene.

pp. Ill - 118. WHO. Monogroph series No. 62.

(1/365)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الغذاء والتغذية

تغذية الحامل والمرضع

أهمية تغذية وصحة الحامل والمرضع وعلاقتهما بصحة الطفل

...

تغذية الحامل والمرضع:

الدكتورة فياز زمراوي:

أهمية تغذية وصحة الحامل والمرضع وعلاقتهما بصحة الطفل:

يستحسن أن تبدأ الرعاية الصحية والغذائية في فترة مبكرة قبل الحمل، وأن يتم إعداد الفتيات للحياة الأسرية المقبلة بالاستفادة من برامج الرعاية الصحية والغذائية للمراهقين. وبعد حدوث الحمل تكون الرعاية السابقة للولادة ذات أهمية بالنسبة لصحة الأم وللتطور السوي للجنين.

والاهتمام برعاية الأمهات- الحوامل والمرضعات- صحيا وغذائيا يؤدي إلى تنشئة أطفال أصحاء- ويحافظ على صحة الأمهات وقدرتهن في التغلب على المشكلات الصحية المحتمل حدوثها، خاصة في فترة الحمل، مع العلم بأن فترة الحمل هي من أحرج الفترات التي تمر بها المرأة، في حين تعتبر فترة الرضاعة أقل حرجا، وذلك بسبب متطلبات نمو الجنين. وبسبب التغيرات التي تحدث لجسم الأم، وكلاهما يتطلب زيادة المواد الغذائية في هذه الفترة

يعاني كثير من الحوامل والمرضعات من سوء التغذية نتيجة اتباعهن نظاما غير صحيح في التغذية، ونتيجة للحمل المتقارب وقصر الفترات الفاصلة بين حمل وآخر، مملا لا يتيح لهن الفرصة لإدرار اللبن "الحليب" الكافي لإرضاع أطفالهن. ولقد أثبتت التجارب العلمية أن التغذية الجيدة للأم قبل وأثناء فترة الحمل تقلل من حدوث الإجهاضات والولادات المبكرة، ومشكلات وأمراض الحمل، وأمراض الأطفال المولودين حديثا، وأن سوء التغذية الشديد قد ينتج عنه نقص في وزن الطفل المولود عن متوسط الوزن لأمثاله، وقد يولد الطفل بمخزون أقل من المعادن كالحديد مثلا والفيتامينات، مما يعرض حياته للخطر.

(1/367)

لقد لاحظ هونورا عام 1949 بوجود علاقة وطيدة بين غذاء الأم الحامل ووزن الوليد، وجاء بعده العالم الإنكليزي إدوارد فتمكن من كشف الدور الذي تلعبه التغذية المتوازنة في حماية الأم من مضاعفات الحمل. وفي جنوب الولايات المتحدة الأميركية جاءت المشاهدات التي أكدت العلاقة بين سوء تغذية الأمل الحامل وبين زيادة معدلات مراضة morbidity ووفيات mortality كل من الأجنة والأمهات. وفي بوسطن أوضحت البحوث فائدة أثر الغذاء الغني بالبروتين- protein rich diet والفيتامين في معدلات حدوث الارتعاج eclampsia وفي عام 1930 تمكن العلماء في النروج من إنقاص معدلات انخفاض وزن الوليد عن طريق العناية التغذوية، ولقد لخص العلماء نتائج أبحاثهم بقولهم إن الطفل يبلغ عند الولادة تسعة أشهر من العمر من الناحية الغذائية.

وفي بوسطن أجرى بيرك وزملاؤه دراسة حول الغذاء الذي تتناوله الحوامل، وتصنيفه وموازنته بالغذاء المعياري الذي يوصي بتناوله، ثم قورنت هذه الأصناف الغذائية بحصيلة الحمل لكل منها، وكانت النتيجة أن معظم الأطفال الأسوياء ولدوا لنساء كن يتناولن غذاء متوازنا، بينما كانت حالات الإملاص stillibirth أو الخداج "الولادات المبتسرة" Premature أو حالات نقص النضج الوظيفي أو المصابين بتشوهات ولادية سائدة بين أطفال النساء اللواتي تناولن غذاء غير متوازن أثناء الحمل.

كما أن الأبحاث التي نشرها بروور Brewer منذ أوائل الستينات حتى الآن تعطي الدليل على ضرورة اتباع برنامج فعال في توفير غذاء جيد يحتوي على مقادير ملائمة من البروتين ذي القيمة البيولوجية العالية لأغراض بناء الأنسجة، وعلى مقادير كافية من الطاقة بحيث لا يحصل تقويض في البروتين. فقد جاءت هذه الأبحاث لتؤكد أن مثل هذا البرنامج سوف يقلل بشكل جذري وملحوظ من معدلات مراضة الأطفال والأمهات، ويقلص معدلات نقص الوزن عند الولدان فإذا أعطيت الأمهات غذاء مناسبا يكفي لكي تكتسب الأم زيادة معقولة في وزنها أثناء الحمل، فإن عدد الأطفال الذين يولدون بوزن ناقص سوف يتناقص إلى درجة كبيرة وقد توصل بروور في دراسته على 1500 حالة من المناطق الفقيرة إلى إنقاص عدد الأطفال ناقصي الوزن عند الولادة "2050 غراما" إلى 2.2 % من مجموع الولادات، وذلك بإعطاء الحوامل إضافات غذائية ملائمة أثناء الحمل. ولقد انخفض معدل الولادة المبتسرة "الخداج" إلى 15% بين الأمهات الحوامل في سن 14 – 16

(1/368)

سنة، وهذا المعدل منخفض بالقياس إلى المعدلات الشائعة على صعيد الولايات المتحدة الأميركية، حيث تبلغ معدلات ولادات الأطفال ناقصي الوزن 8.2% ومعدلات الولادات المبتسرة 15% إن التغذية لا تعني كثرة الطعام بل نوعيته. وأهم ما يجب مراعاته هو الكمية الكافية من المكونات الغذائية الرئيسية مثل البروتينات والفيتامينات والكربوهيدرات والدهن....إلخ. ومن الملاحظ انخفاض معدلات سوء التغذية في كثير من البلدان النامية وذلك مع تقدم المستويات المعيشية عامة، ولكن ما زلنا نرى آثار سوء التغذية النوعية، بسبب الجهل بأنواع الطعام اللازمة للحامل، أو بسبب اتباع نظام غذائي قاس في بعض المجتمعات وذلك حفاظا على الوزن الشمالي للجسم.

وقد أجرى بعض العلماء مثل Mussen و kagon تجربة على مجموعتين من النساء الحوامل، القسم الأول يتناولن غذاء غير متوازن من ناحية احتوائه على عناصر الغذاء الضرورية، والقسم الثاني يتناولن الغذاء المتوازن من حيث احتوائه على بروتينات وفيتامينات وأملاح معدنية وكمية كافية من الكالوري. وكانت النتائج:

لقد كان وزن مواليد الفئة الثانية أكثر، وكانت مؤشرات الصحة العامة لديهم وخاصة خلال الشهر الأول من العمر أفضلن كما كانت نسبة الإصابة بالأمراض المعدية والإسهالات والتهابات الرئة في الأشهر الستة الأولى أقل بكثير من مواليد الفئة الأولى. كما أنه تبين أن النقص في الغذاء عند الفئة الأولى قد يسبب بعض التأخر العقلي لدى أطفالهن في المستقبل.

وبالنسبة للأم المرضع فقد وضع لها أيضا توصيات غذائية قد تفوق التوصيات بالنسبة للأم الحامل في بعض العناصر، مع التركيز على أطعمة الوقاية، وزيادة السوائل، حيث تطرح كمية من الماء في اللبن المفرز يوميا إضافة إلى 1- 2 لتر من الإفرازات الطبيعية من الجسم. وفي تجربة عن تقدير قيمة التغذية بأطعمة الوقاية على الرضاعة الطبيعية للأم في كندا، وجد أنه عند إضافة اللبن والبيض والجبن والبرتقال والطماطم وفيتامين D والقمح إلى غذاء الأم المرضع خلال الأسابيع الستة الأولى من الرضاعة فقطن ظل تأثير التغذية واضحا على صحة الطفل حتى الشهر السادس من العمر، كما تابع 39% من الأمهات اللواتي تناولن هذه الإضافات الرضاعة الطبيعية بالموازنة مع 24% فقط ممن لم يتناولن أي إضافات. كما أن الأطفال كانوا أكثر صحة وأثقل في الوزن من أطفال المجموعة الثانية. ولما كان.

(1/369)

نمو المخ عند الرضيع يكتمل في هذه الفترة من العمر، فإن تغذية الأم أثناء فترة الرضاعة ذات أهمية لا تقل عن أهمية فترة الحمل.

وهناك دلائل علمية تشير على أن تحسين تغذية الأم أثناء فترة الحمل لها أثر فعال على صحة الأم والطفل والرضع بعد الولادة، وبالتالي على المجتمع ككل. لقد وجد أن التغذية الجيدة بأطعمة الوقاية تقلل من معدل وفيات الأمهات والرضع في الشهور الأولى من العمر، وهذه النتائج صحيحة دائما سواء كانت الدراسة تتم في بيئات فقيرة اقتصاديا أو على مستوى اقتصادي فوق المتوسط.

من الواضح أن غذاء الحامل والمرضع يكتسب أهمية كبرى بالنسبة لكل من الطفل وأمه، ومن هنا كان لا بد أن تعطى عناية كبرى للتغذية أثناء فترتي الحمل والإرضاع، حتى لا تكون الوجبة الغذائية عاملا سلبيا على صحة الأم. وهنالك توصيات بزيادة المكونات الغذائية للمرأة الحامل والمرضع خلال فترتي الحمل والإرضاع، وذلك بتناول غذاء متوازن يحوي جميع المكونات الغذائية اللازمة للاحتفاظ بالصحة، وولادة طل موفور الصحة، وتكوين اللبن الكافي لرعايته، علما بأن الطفل الرضيع يعتمد بشكل مباشر على الغذاء الذي تتناوله أمه. والجدول 1 يشير على احتياجات المكونات الغذائية للمرأة الحامل وغير الحامل.

الجدول 1- احتياجات المكونات الغذائية للمرأة

(1/370)

*في الفترة الثانية والثالثة من الحمل.

From food and nutrition Board national council, national Acadeny of sciences, Recommended dietary Allowance, ed, 10, Washington DC. 1989. National Academy press,"

يلاحظ أن الزيادة في كمية الكالوري "الطاقة" أقل من الزيادة في المكونات الغذائية الأخرى. مثال لذلك الحديد الذي توصى الحامل بتناول كميات كبيرة منه، ما يسمح لطفل الرضيع بأن يكون مخزونا من هذا العنصر يكفيه حتى المراحل الأولى من الطفولة. أما بالنسبة للفيتامين C, D والكالسيوم فليس هناك مخزون فعلى في جسم الرضيع قبل الولادة لذا يجب حث الأم على تناول كميات تكفي لنمو الجنين.

وتفيد جميع هذه الزيادات في تلبية الاحتياجات الغذائية أثناء فترة الحمل، وهي تعتمد على عوامل كثيرة مثل التأقلم مع زيادة الاحتياجات وآلية التكيف، وطبيعة تغيرات الاستقلاب في الحمل والمخزون الغذائي للأم.

ونلاحظ أن الاحتياجات الغذائية اليومية تختلف اختلافا كبيرا فيما بينها، فعلى حين تبلغ في زيادة الطاقة 11% فوق المعدل الطبيعي فإنها تصل إلى 222 % بالنسبة لحمض الفوليك.

(1/371)

والجدول 2 الذي أعده كل من قسم الصحة والخدمات الاجتماعية بانكلترا والأكاديمية القومية للعلوم بأميركا يوضح الاحتياجات الغذائية للحوامل ابتداء من الشهر الرابع للحمل وفقا لآراء الانكليزن بينما يعتبر الأميركيون أن الحديد والبروتين لهما أهمية عظيمة منذ بداية الحمل. وقد لوحظ أن الإنكليز يؤكدون أكثر على حمض الأسكوربيك والكوليكالسيفيرول والكالسيوم التي تتساوى كميتها مع التوصيات الأميركية، حيث يقبل الإنكليز احتياجات أقل منها بالنسبة للسيدات غير الحوامل كما موضح هو في الجدول 2.

الجدول 2 الاحتياجات الغذائية اليومية خلال فترة الحمل وفي غياب الحمل

*" بالنسبة للحديد إذا كانت الوجبات المقدمة لا تفي بالاحتياجات منه فيجب أن يقدم في صورة أقراص طوال فترة الحمل.

يجب أن تكون الطاقة الكلية للأم الحامل كافية، حتى تستطيع أن تزيد في الوزن الزيادة الطبيعية المفروضة بالنسبة لمرحلة الحمل. كما يجب أن يزداد الكالسيوم والكوليكالسيفيرول المأخوذ بعد الشهر الرابع لبناء العظام، حيث تبدأ هذه العملية في ذلك الوقت. في الشهور الثلاثة الأخيرة من الحمل يتم تعويض الحديد المفقودة من جسم الأم عن طريق زيادة المأخوذة من الحديد يوميا.

يوضح الجدول 3 العناصرالمكونة لزيادة الوزن عند الأم الحامل، ويدل على

(1/372)

أن الحمل الطبيعي يحتاج إلى زيادة في الوزن تفوق في مجموعها الزيادة المطلوبة للجنين والمشيمة، وهي تقريبا حوالي 5.5 كيلو غرامات. وعليه من الضروري زيادة وزن الأم الحامل، وإن لم يزد وزن الأم بحوالي خمسة ونصف كيلو غرام فهذا يدل على أن نمو الجنين قد استهلك مخزون الأم الغذائي الموجود في الأنسجة، كما أن عدم نمو وكبر الصدر والمخازن الدهنية خلال فترة الحمل قد يقف حاجزا أما رضاعة طبيعية للمولود.

الجدول 3- زيادة وزن الأم خلال شهور الحمل

(1/373)

بعض العوامل الاجتماعية والصحية المؤثرة في تغذية الحامل والمرضع:

تعد فترة الحمل من أشد الحالات الفيزيولوجية تأثيرا على الجسم، لذا تحتاج الأم الحامل إلى مقادير إضافية من العناصر الغذائية للمحافظة على صحة الجنين، وبناء أنسجة المشيمة، وما يصحب ذلك من زيادة وزن الجسم "الجدول3" وتسبب التغذية السيئة قبل وأثناء الحمل ضعفا في نمو الجنين داخل الرحمن بالإضافة إلى ضعف قدرة الأم على تخزين الدهون الكافية لإنتاج اللبن الكافي لتغذية المولود. وبالعكس في حالة الأم الحامل حسنة التغذية حيث تكون كمية الدهن المخزون في جسمها حوالي 4 كيلو غرامات وهذا يعادل مخزون 35000 كيلو كالوري، وهو يكفي للرضاعة لمدة اربعة أشهر بمعدل 300 كيلو كالوري يوميا تقريبا.

وهناك بعض العوامل الاجتماعية والصحية لها أثر فعال في تغذية الأم الحامل والمرضع منها:

1- العمر وإنجابية الأم:

إن المرأة في العقد الثاني تؤمن متطلبات الحمل من احتياجاتها الاحتياطية لأغرضا النمو، ومن الجهة الأخرى فإن أخطار الحمل تتعاظم مع التقدم في العمر، ومع ازدياد عدد الولادات، ومع الفترات بين الولادات. كل هذه العوامل تؤثر على احتياجات الأم الحامل وبالتالي على حصيلة الحمل.

وقد أجريت العديد من الدراسات في الدول العربية التي بينت أن نسبة كبيرة من النساء يتزوجن في سن مبكرة، وقد تراوحت هذه النسبة ما بين 14- 50% من النساء اللواتي يتزوجن قبل السادسة عشر من العمر، وترجع خطورة الزواج المبكر إلى احتمال ولادة أطفال ناقصي الوزن، يكونون عرضة للإصابة بأمراض سوء التغذية والأمراض المعدية. ففي البحرين أوضحت إحدى الدراسات أن الأم صغيرة السن تكون أكثر استعدادا لولادة أطفال ناقصي الوزن، حيث تبين أن 11% من الأمهات اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 15- 19 سنة قد أنجبن أطفالا ناقصي الوزن "أقل من 2.5 كيلو غرام" بالموازنة مع 7% من الأمهات اللواتي كانت أعمارهن تتراوح ما بين 20- 39 سنة وفي الكويت وجدت ليلى الدوسري وزملاؤها أن 31.5% من الأطفال المصابين بالالتهابات الهضمية gastroenteritis كانوا ناقصي الوزن عند الولادة مقارنة بـ 11% و 17% عن بقية الأطفال. ومن العوامل الأخرى أن الأم التي تتزوج في سن مبكرة تكون في وضع يصعب معه تحمل الحمل والولادة إذ تكون في مرحلة النمو، وغير مكتملة النضج الفيزيولوجي، وتحتاج إلى كميات أكبر من العناصر الغذائية، مما يؤثر على صحة الجنين.

2- تعدد الأحمال وتقاربها:

هذا العامل له أثر كبير في تغذية الأم الحامل والمرضع، ويؤدي إلى خفض نسبة الهيموغلوبين في الدم، ونفاد عنصر الحديد المخزون في الجسم، خاصة عندما لا تتناول الأم أغذية غنية بالحديد، أو لا تأخذ أقراص الحديد والفيتامينات، كما يؤدي أيضا إلى ولادة مولود ناقص الوزن "أقل من 2.5 كيلو غرام". وفي البحرين وجد مصيقر أن استعداد الأم لولادة الأطفال ناقصي الوزن يقل بزيادة الفترة.

(1/374)

بين الولادات. فقد وجد أن نسبة الأطفال ناقصي الوزن 8% عندما تكون الفترة بين الولادتين 9- 12 شهرا، وتنخفض إلى 6% للفترة الأكثر من ذلك، والأحمال "تكرار الحمل" المتقاربة تؤثر على الأم الصحية والغذائية. وهناك طرق عديدة تتمكن الأمهات بواسطتها من مباعدة الحمول.

3- الأمية ونقص الوعي:

أوضحت الدراسة التي قام بها مصيقر حول العادات الغذائية في البحرين أنه كلما ارتفع مستوى تعليم الأم ازداد تناولها للفواكه أثناء فترة الحمل. كما وجد أن الأم المتعلمة أكثر ميلا لتغيير نمط غذائها في فترة الحمل مقارنة مع الأم ذات المستوى التعليمي المتوسط. بالرغم من أن الأمية لا تعنى بالضرورة نقص الوعي الصحي والتغذوي، إلا أن هذين العاملين مرتبطان مع بعضهما في كثير من الحالات.

وتشير الدراسة التي قامت بها زمراوي حول الحوامل والمرضعات اللواتي يترددن على مراكز صحة الأمومة والطفولة في مديرية الخرطوم / السودان، أنه توجد مشاكل صحية مثل الإصابة بالملاريا malaria. وفقر الدم anemia والطفيليات parasites عند 20% من أفراد العينة "120 امرأة حامل"، وأن حوالي 47% من العدد الكلي كن أميات ولا يعرفن المبادئ الأساسية للتغذية الصحية. وكان الوزن المكتسب أثناء فترة الحمل يتراوح ما بين 3.55- 4.50 كيلو غرامات "بينما في الدول المتقدمة يتراوح ما بين 9- 20 كيلو غراما. وفي الدول النامية ما بين 2.5 – 6 كيلو غرامات" وكان وزن الطفل عند الولادة يتراوح ما بين 1.75- 30.0 كيلو غراما، وأن الأمهات لا يتناولن الخضراوات واللبن والبيض، بكمية كافية. وقد أوضحت الدراسة أنه توجد عوامل متشابكة تؤثر على حالة الأمهات الغذائية مثل المستوى التعليمي والاقتصادي وأسعار الأطعمة. وقد ذكر 65% من العدد الكلي من الأمهات عدم مشاركتهن في اختيار الطعام وأن الأزواج يقومون بهذه المهمة وتعتقد الأمهات أن التغذية الجيدة وتناول ثلاث وجبات يوميا أو أكثر يساعد على زيادة حجم الجنين مما يجعل الولادة عسيرة.

4- الحالة الصحية للأم قبل الحمل:

يستحسن أن تبدأ الرعاية الصحية والغذائية أثناء الفترة السابقة للحمل، وأن يتم إعداد الفتيات للحياة الأسرية في سياق الرعاية الصحية والغذائية للشباب، وبعد

(1/375)

حدوث الحمل تصبح الرعاية السابقة للولادة على قد كبير من الأهمية لصحة الأم وللتطور السوي للجنين.

يرافق المرأة خلال فترة الحمل جميع تجارب حياتها السابقة وتاريخها العائلي بما في ذلك عاداتها الغذائية، ويؤثر ذلك على تقبلها للطعام عند حدوث الحمل. وتختلف الاحتياجات الفردية للنساء حسب الظروف ومن وقت لآخر، فعلى الرغم من أن وظيفة الاستتباب homeostasis تكون فعالة أثناء الحمل، إلا أن ظروف الإرهاق والتوتر تستوجب متطلبات تزيد عن الاحتياجات الاعتيادية.

5- نقص الوزن underweight:

إن أسباب النحافة قد تكون مرضية ناتجة عن عدم قدرة الجسم على استقلاب كميات كافية من الدهن، وقد تكون ناشئة عن الجوع وقلة الطعام، كما قد تكون ناشئة عن سوء اختيار الأطعمة وعدم توازن الوجبات. ويجب العناية بتغذية الأمهات الحوامل والمرضعات النحاف في الحالات غير المرضية ليتوفر للجسم احتياطي من النسيج الدهني يحميه من الصدمات ويمده بالطاقة الحرارية اللازمة خاصة في فترتي الحمل والإرضاع. لذلك يجب أن تتناول الحامل والمرضع ناقصتي الوزن كميات من الطعام تزيد على القدر الذي اعتادتا تناوله، مع التركيز على احتياجات العناصر الغذائية اللازم تناولها في فترة الحمل وتتجاوز في ذلك حدوث الشهية والشعور بالامتلاء والشبع. ومما يشجع على تناول الأطعمة ممارسة الرياضة البدنية، والتعرض للشمس، والاسترخاء قبل تناول الطعام وتجنب الإجهاد في العمل والانفعالات النفسية. وتنصح الأمهات النحاف بالإكثار من تناول الأطعمة الدهنية كالزبد والزيوت واللحوم الدسمة والبيض واللبن، وفي حالة اقتران النحافة بفقر الدم يجب علاج فقر الدم وتزويد الجسم بالحديد أو الأطعمة الغنية به، كالكبد والطحال واللحوم والسمسم والفواكه المجففة، ويمكن تنبيه وتقوية الشهية بتناول أقراص فيتامين B1 أو تناول الأطعمة الغنية بهذا الفيتامين. ويجب أن يكون غذاء المصابات بنقص الوزن غنيا بالبروتينات والكربوهيدرات والسكريات. والنمو يكون سريعا في فترات تكوين الجنين والرضاعة والطفولة المبكرة، لذا يجب على الأم الحامل والمرضع ناقصتي الوزن أن تتناولا وجبات متوازنة وبقدر أكثر من المعتاد مع التركيز على العناصر الغذائية اللازم تناولها بالمقادير الموصى بها في فترتي الحمل والإرضاع.

إن اتباع نظام غذائي قاس حتى ولو فترة قصيرة يعتبر مضرا وخطيرا، إذ يؤدي

(1/376)

الامتناع عن الطعام مدة طويلة إلى حدوث حالة تعرف بتخلون الدم ketosis، وهي حالة تؤدي إلى حرمان المخ من الغلوكوز الذي يتغذى عليه. ويمكن لهذه الحالة أن تسبب تشوها خلقيا أو عيبا دائما في هضم السكريات، أو حدوث خلل دائم في مخ المولود. أما الحرمان من البروتينات فقد يؤدي إلى مواليد ناقصي الوزن والطول وصغيري الرأس، وغير مؤهلين للتحسن أو النمو، وبالنسبة لنقص الحديد خلال الحمل، فإنه يؤدي إلى نفاد الحديد من خلايا المخ عند الوليد، إذ لا يمكن للوليد أن يختزن الحديد الذي يحتاجه الجسم. وقد تم إثبات هذا على الحيوانات.

6- تعاطي الخمور:

ومن العادات الضارة في فترة الحمل وخارجها تعاطي الخمور التي تؤدي إلى حرمان أنسجة المخ لدى الجنين في طور النمو من حاجتها من الغلوكوز وفيتامين B المركب، وهذا يؤدي إلى تلف دائم وتخلف عقلي وجسمي في الجنين. وهذه الحالة تعرف بالمتلازمة الكحولية الجنينيةfetal alcohol syndrome وتبلغ آثارها الضارة أوجها في أشهر الحمل الأولى قبل التأكد من الحمل. ومعدل حدوث هذه المتلازمة عالية في الولايات المتحدة، إذ تبلغ واحدا لكل 750 مولود، ومن الصعب جدًّا علاج هذه الحالة أو منع حدوثها ما لم تمتنع الأم عن تناول الكحول.

7- التدخين:

يعتبر التدخين عادة ضارة تمارسها بعض الأمهات الحوامل، وهو يقلل الدم الواصل للجنين، ويحد من وصول العناصر الغذائية له، ويعيق إخراج الفضلات، ويقود إلى إيقاف النمو، مما يحتمل معه حدوث تخلف في النمو والتطور ويؤدي إلى مضاعفات عند الولادة.

8- ارتفاع ضغط الدم:

قد يكون ارتفاع ضغط الدم أساسيا essential يتميز بزيادة ضغط الدم الانقباضي systolic والانبساطي diastolic والمتوسط median وينتج من تأثير زيادة مقاومة الشرايين وفروعها للدورة الدموية. وقد يكون ناشئا عن أمراض أخرى مثل التهابات الكلى، وازدياد نشاط الغدة الدرقية، وأورام المخ. ويجب على مريضات ارتفاع ضغط الدم، الحوامل والمرضعات، الامتناع عن تناول ملح الطعام والدهون والمشروبات الكحولية والشاي والقهوة، مع الإكثار من تناول الأطعمة الغنية

(1/377)

بالفيتامينات مثل الفواكه، ومراقبة ضغط الدم، والتقيد بإرشادات الطبيب.

9- مرض السكر:

يتميز الداء السكري diabetes بارتفاع نسبة الغلوكوز في الدم والبول نتيجة لاختلال عملية استقلابه وتحوله إلى دهن وغليكوجين، بسبب نقص إفراز هرمون الأنسولين، وما يؤدي إليه ذلك من اختلال استقلاب البروتينات والدهون أيضا، فتظهر في البول والدم النواتج الوسيطية مثل حمض الأسيتوأسيتك والهيدروكسي بيوتريك، وقد تصاب بعض الأوعية الدموية بالتنكس وتظهر تبدلات مرضية عصبية ويعالج مرض السكر بالحقن بالأنسولين وباتباع نظام غذائي خاص بكل مريض تحدد فيه كمية ونوع الطعام.

فالأمهات الحوامل والمرضعات اللواتي أصبن بهذا المرض عليهن اتباع التعليمات الطبية والغذائية والصحية، والإقلال من تناول المواد السكرية، مع الإكثار من تناول المواد الغنية بالمعادن والفيتامينات، كالخضراوات الورقية الخضراء واللحوم والطماطم والخيار والفلفل الأخضر والأحمر والبرتقال واليوسفي. الخ.

ومن الملاحظ أن إفراز الأنسولين يزداد في حالة البدانة بالموازنة مع الظروف الطبيعية، وبرغم ذلك يظهر مرض السكر بكثرة بين الأشخاص البدينيين نتيجة مقاومة النسج الدهنية للهرمون.

يكثر مرض السكر عند الحوامل البدينات، لذا يجب عليهن اتباع إرشادات الطبيب، مع المواظبة على مراقبة سكر الدم، وتقليل تناول الدهون في الوجبات، مع تقليل كمية الكالوري دون إخلال بتوازن الوجبة وحسن اختيار مكوناتها، علما بأنه من الضروري أن يقترن العلاج الدوائي مع اتباع نظام معين في التغذية يفي بالاحتياجات الغذائية كاملة للأم المصابة بهذا المرض في فترتي الحمل والإرضاع.

10- الاعتقادات الغذائية الخاطئة:

من مشاكل التغذية الرئيسية ارتباط الشعوب في مختلف البلدان بعادات خاصة. ومن الأهمية بمكان أن تراعى العادات الغذائية والتقاليد الدينية عند التوصية بنظم معينة لتغذية الأفراد وخاصة الحوامل والمرضعات. وتوجد بعض الاعتقادات الغذائية المنتشرة في بعض البلاد العربية، والتي بدورها تؤثر على صحة الأم المرضع خاصة خلال فترة النفاس.... ومن هذه الاعتقادات عدم تناول الماء خلال

(1/378)

الأيام الأولى بعد الولادة ظنا أن ذلك يساعد على توقف النزيف من الرحم، وهذا الاعتقاد ليس له أساس من الصحة.

وهناك العديد من العادات والاعتقادات الاجتماعية الخاطئة التي تؤثر على إصابة الأم وأطفالها بسوء التغذية بالرغم من ارتفاع مستوى تعليم الأم. ومن هذه الاعتقادات الاعتقاد السائد أن أقراص الفيتامينات والأملاح المعدنية التي تعطى للأم الحامل في المراكز الصحية وعيادات رعاية الأمومة تسبب في كبر حجم الجنين، وبالتالي في عسر الولادة، مما يجعل بعض الأمهات يمتنعن عن تناول هذه الأقراص. وهذا بدوره يؤثر على تغذية الأم الحامل والجنين معا، ولا سيما إذا كانت نسبة عالية من الأمهات الحوامل في المنطقة يعانين من نقص في بعض الفيتامينات والأملاح المعدنية مثل عنصر الحديد. ومن نفس المنطلق تقوم بعض الأمهات بتقليل كمية الطعام المتناول في فترة الحمل اعتقادا بأن زيادة تناول الطعام في هذه الفترة يزيد من حجم الجنين ويؤدي إلى عسر الولادة.

ويعلل البعض ميل الحامل إلى أنواع غير عادية من الأطعمة بالاختيار الفطري نتيجة نقص بعض العناصر من مكونات هذه الأطعمة في الجسم، والتي قد يؤدي نقصها إلى حدوث خلل أو عدم توازن في الاستقلاب. مثال لذلك الاشتياق إلى تناول المواد السكرية بكثرة في حالة انخفاض نسبة الغلوكوز في الدم. إلا أنه من الصعب تعليل دور العوامل الفطرية في عملية اختيار الطعام عند القبائل البدائية فبعض القبائل في كينيا تقتصر في غذائها على الخضراوات فقط، في حين تقتصر قبائل أخرى على اللبن واللحم والدم. ولو كان لهذا العامل الفطري دور فعال في اختيار الطعام لما كان هناك هذا العدد الهائل من أمراض نقص التغذية المنتشرة في كثير من دول العالم.

إن بعض العادات الغذائية قد يرجع إلى أحداث وقعت في الماضي البعيد، وكان لها تأثير نفسي قوي أدى إلى كره الشخص إلى نوع معين من الطعام أو تفضيل بعض الأنواع الأخرى. كما أن عملية الإعلان سواء في التلفزيون أو الصحف والمجلات تلعب دورا هاما وخطرا في تكييف وتعديل العادات الغذائية، وقد يكون ذلك مفيدا وقد يكون ضارا.

11- الوحام:

تتضاءل شهية بعض النساء الحوال في مستهل فترة الحمل، ويقل إقبالهن على الطعام، الأمر الذي يخشى منه إصابتهن بأعراض سوء التغذية، مما يؤثر على صحتهن

(1/379)

وصحة الجنين. ويصاحب ذلك الشعور بالغثيان في الصباح morning sickness والذي يقتصر على الفترة الأولى من الحمل، وقد يترافق بالقيء، ويمكن التخلص من غثيان الحمل بالآتي:

تناول كميت بسيطة ومتكررة من الطعام بمعنى أن يكون هناك وبشكل دائم بعض الطعام في المعدة فإذا استمر الغثيان يمكن أن تتناول الحامل بعض الطعام المالح الناشف قبل القيام من السرير بحوالي ربع ساعة في الصباح، مما يساعدها على تجنب الغثيان طوال اليوم، وخلال اليوم يمكنها تناول وجبات صغيرة منخفضة الدهن وفي فترات متباعدة "5-6 وجبات".

يستحسن عدم تناول السوائل مع الوجبات.

عليها أن تتناول السوائل "ماء، عصير، حليب" بين الوجبات لتغطية حاجة الجسم من الماء.

تجنب المشروبات التي تحتوي على الكافيين والإقلاع عن التدخين.

تجنب الروائح النفاذة والتي تؤدي إلى الشعور بالغثيان، مثل الطعام ذي الرائحة القوية، مع تهوية المطبخ.

إن المسؤولية المترتبة على الأم الحامل والمرضع في تغذية جسمها وجسم وليدها تجعل من الواجب إمدادها بالغذاء الكافي لها ولوليدها معا، وإلا فإن كل تغذية يتلقاها الوليد إنما تكون على حساب صحة والدته وسلامة جسمها.

(1/380)

التغيرات الفيزيولوجية أثناء الحمل وعلاقتها بالاحتياجات الغذائية:

أثناء فترة الحمل تحدث تغيرات فيزيولوجية وكيميائية وهرمونية في جسم الأم الحامل مما يؤثر على الاحتياجات الغذائية وعلى كفاءة الجسم في الاستفادة من هذه العناصر الغذائية وهذه التغيرات هي:

1- زيادة حجم الدم:

تزيد كمية بلازما الدم بنسبة 33% فوق المستويات الطبيعية في الشهر الثالث من الحمل. وبالنسبة للمرأة الحامل لأول مرة وتسمى الخروس primipara قد تصل هذه النسبة إلى زيادة 50% عن المدل الطبيعي، وأعلى من ذلك للأم التي تحمل للمرة الثانية أو أكثر وتسمى متكررة الولادة multipara وذلك من أجل توفير دم أكثر يحمل إلى المشيمية العناصر الغذائية للجنين ويحمل فضلات الهضم بعيدا عن الجنين، على الكبد والكليتين. وفي نفس الوقت إن الزيادة في الدرجة التي يحصل فيها تنقية الدم خلال الكليتين تزيد من مقدرة الأم على التخلص من فضلات المواد التي قد تؤثر على نمو وتطور الجنين. مع العلم بأن زيادة قدرة الكليتين على إعادة امتصاص العناصر الغذائية الضرورية في المرأة الحامل يقلل من فقد هذه العناصر، كما تزيد مقدرة وطاقة القلب بنسبة الثلث "من 45 إلى 60" لترا في الدقيقة. لضخ الدم، وذلك يساهم في تسريع جريان هذه الكمية الكبيرة من بلازما الدم. وبالإضافة على الزيادة في السوائل في جهاز الدوران، نجد أيضا أن الماء البراني الموجود بين الخلايا intercellular water يزيد بمقدار 5- 6 لترات وبذلك قد يبلغ مجموع الزيادة في ماء الجسم 20%.

عندما تزيد كمية بلازما الدم وتقل وبشكل نسبي كمية الخضاب "الهيموغلوبين" والألبومين وتحدث حالة تخفيف الدم hemodilution ينتج عن ذلك نقص في تركيز الهيموغلوبين وبروتين البلازما وخلايا الدم الحمراء.

2- ضعف حركة المعدة والأمعاء:

من المعروف أن ضعف حركة المعدة والأمعاء ظاهرة طبيعية في الأم الحامل وهذا الضعف يفيد في إبطاء مرور الطعام خلال الجهاز الهضمي مما يزيد من امتصاص العناصر الغذائية، إلا أنه قد يسبب حدوث غثيان وإمساك، خاصة في الفترة الأخيرة من الحمل. ومن المعروف أن وجبات تحتوي على نسبة عالية من الألياف والسوائل تساعد على منع حدوث الإمساك والتخلص من الفضلات بصورة طبيعية ومريحة.

3- نقص إفراز الحمض المعدي:

خلال فترة الحمل ينخفض إفراز حمض الهيدروكلوريك hydrochloric acid وهذا يؤدي إلى نقص الحموضة، وقد ينخفض امتصاص الكالسيوم والحديد في الفترة الأخيرة من الحمل.

4- زيادة إفراز الهرمونات:

يزيد من إفراز الهرمونات أثناء فترة الحمل من أجل تهيئة جسم الحامل لنمو الجنين وتطوره، وهي كالآتي:

هرمون الألدوسترون aldosterond، وهو هرمون يحفظ الملح في الجسم ويفرز بواسطة الغدة الكظرية adrenal gland

(1/380)

هرمون النمو growth homone يساعد على النمو ويفرز من الغدة النخامية pituitary gland.

هرمون الثيروكسين thyroxin وهو يقوم بتنظيم الاستقلاب ويفرز من الغدة الدرقية thyroid gland.

هرمون الدريقية parathyroid hormone "PTH" وهذا الهرمون يفرز من الغدة الدريقية وينظم عملية امتصاص الكالسيوم والفوسفات والمغنيزيوم.

هذا بالإضافة إلى زيادة أخذ عنصر اليود iodine بواسطة الغدة الدرقية. كما أن زيادة كل من هرمون بروجسترون progesterone واستروجين estrogen من المشيمة يضمن فترة حمل طبيعية.

يمكن تقسيم فترة الحمل إلى ثلاث مراحل أساسية، ولكل مرحلة اعتبارات غذائية مختلفة. وهذه المراحل هي: الانغراس "التثبيت" وتكون الأعضاء والنمو.

أ- الانغراس implantation:

تسمى فترة الأسبوعين الأولين من الحمل فترة الغرس، ويحدث فيها تثبيت البويضة الملقحة في جدار الرحم. وفي هذه الفترة يتغدى الجنين empryo من الطبقات الخارجية له، وكذلك من إفرازات الغدد الرحمية.

ب- تكون الأعضاء organogenesis:

تعرف الأسابيع الستة الأولى باسم فترة تكون الأعضاء، أو باسم تكون الجنين embryogenesis. يبدأ تكون أنسجة الجنين خلال هذه الفترة ويتمايز إلى أعضاء وظيفية مثل القلب والكبد، مما جعل الجنين على شكل مغزل من الدم ومن الخلايا التنكسية degenerating في المسافة بين الجنين وجدار الرحم. وبهذا تكون بداية أعضاء الفرد والأجزاء المختلفة لتكون الهيكل قد بدأت، لذلك فإن وجود عناصر غذائية خاصة يعتبر غذائية خاصة يعتبر غاية في الأهمية من أجل استمرار نمو الجنين بصورة سليمة.

أثبتت الدراسات التي أجريت على الحيوانات أنه توجد علاقة بين نقص عناصر غذائية معينة هامة في مرحلة تكون الأعضاء، وبين حدوث عيوب وتشوهات خلقية في المولد الجديد. مثال لذلك هناك علاقة بين نقص الريبوفلافين riboflavin فيتامين b2 وضعف تكون الهيكل العظمى للطفل. كما أن هناك علاقة

(1/382)

بين نقص اليريدوكسين "فيتامين B6" وبعض الاضطرابات العصبية، وعلاقة بين نقص فيتامين B12 وموه الرأس hydrocephalus، ونقص كل من النياسين niacin والفولاسين folacin والحنك المشقوق cleft palate ونقص المنغنيز والاضطرابات العصبية. وكل هذه النتائج لدراسات أجريت على الحيوانات، من المحتمل حدوثها وظهورها في الإنسان إذا استمر النقص في العناصر الغذائية لمدة طويلة.

ويعتمد نوع النقص وشكله على المرحلة التي يكون فيها الحمل. فمثلا إذا حدث النقص في المرحلة الأولى من الحمل قد تكون النتيجة فشل الحمل وحدوث الإجهاض، وهذا يسمى الإجهاض التلقائي spontaneous abortion وإذا حصل النقص في مرحلة انقسام الخلايا إلى أعضاء وظيفية فإنه يؤدي إلى صور مختلفة من التشوهات الخلقية.

ويحتمل حدوث النقص التلقائي مع آثاره الضارة على الجنين خلال مرحلة تكون الأعضاء، لأن هذه الفترة الحرجة تحدث في المرحلة الأولى من الحمل وذلك قبل أن تبدأ بتلقي الاستشارات الطبية والغذائية. وتعاني بعض الأمهات في المرحلة الأولى من الحمل من الغثيان، ونقص الشهية والامتناع عن تناول الطعام الكافي، وهذا يؤدي إلى نقص العناصر الغذائية الموجودة للامتصاص إلى مستوى شديدة الخطورة وبنهاية الأسبوع الثامن من الحمل يكون للجنين العديد من صفات المولود. فالطبقات الخارجية للجنين تكون قد بدأت بالفعل نموا وتطورا، ويظهر الجهاز العصبي والجلد والطبقات الوسطى، والعضلات والأعضاء الداخلية وضربات القلب وغشاء الجهاز الهضمي والتنفسي، وتتضح الصفات الوظيفية لكل عضو على حدة.

ج- النمو growth:

تشمل فترة النمو الأشهر السبعة الباقية من فترة الحمل. وخلال هذه الفترة تتغذى الأنسجة المختلفة من المشيمة، وتستمر في النمو والكبر، حتى تصل إلى الحجم الوظيفي الذي يمكنها من الحياة خارج الرحم.

ويتكامل ظهور السائل السلوي amniotic fluid في المرحلة الأخيرة من الحمل، ويعتبر تناول الغذاء المتوازن في هذه المرحلة مهما جدا، ويؤدي النقص في المواد الغذائية إلى ولادة الأطفال صغار الحجم، أو غير مكتملي النمو "تقل أعمارهم عن 37 أسبوعا" وكثيرا ما يتسبب في تشوهات خلقية خطيرة، وعادة تكون

(1/383)

هذه التشوهات في بداية الحمل بسبب نقص في الغذاء خلال مرحلة تكون الأعضاء. ويحدث نمو الجنين في ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى. وتعرف بفرف التنسج hyperplasia، وهي عبارة عن زيادة في الحجم نتيجة للزيادة السريعة في عدد الخلايا. وهذا التنسخ في الخلايا Cell replication يتطلب فولاسين وفيتامين B12، اللذين يلعبان دورا هاما في تكوين الحموض النووية، ويجب إنتاج هذه الحموض في كل مرة يتم فيها انقسام الخلية.

المرحلة الثانية. في هذه المرحلة يستمر تكاثر أو تعداد الخلايا وانقسامها مع نمو وكبر الخلية، وهو ما يسمى ضخامة النمو hypertrophy وهذا يتطلب وجود الحموض الأمينية وفيتامين B6، وهما ضروريان لتكوين البروتين.

المرحلة الأخيرة: تنقسم الخلايا ببطء في هذه المرحلة ويكون النمو أساسا لنتيجة الزيادة في حجم الخلية "التضخم hypertrophy" ويختلف العمر الذي تصل فيه أنسجة معينة إلى المرحلة الأخيرة من النضج من نسيج لآخر. فمثلا أنسجة المخ تصل إلى المرحلة الأخيرة من النضج في السنة الأولى من عمر الطفل، بينما لا تصل أنسجة الكبد إلى هذه المرحلة إلا بعد عدة سنوات. ويعد النمو عملية مستمرة ومتكاملة.

يعتمد النمو على كل من الصفات الوراثية، والتغذية، والتوازن الهرموني في الجسم، وعلى العديد من العوامل البيئية والاجتماعية.

(1/384)

المتطلبات الغذائية للحامل والمرضع:

يكون الجنين في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل صغيرا، وتكون الأنسجة المختلفة في حالة تطور مستمر، لذا فإن متطلبات الأمم للمواد الغذائية تزداد بمعدل بطيء خلال هذه الفترة عما كانت عليه الاحتياجات الطبيعية للبالغين قبل الحمل، علما بأن هذه الاحتياجات في غاية من الأهمية. وتستمر الحاجة إلى غذاء متوازن "يتكون من مقادير ملائمة من عناصر الغذاء الضرورية" خلال الثلث الثاني من الحمل "3- 6 أشهر" أما الثلث الأخير من الحمل فيشهد طلبا متزايدا لمقادير أكبر من المواد الغذائية الرئيسية، والتي يقوم الجنين بتجميعها لأغراض النمو، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المقادير التي يوصي بتناولها تزيد قليلا عن متطلبات الحد الأدنى، وذلك من أجل الاحتياط والأمان.

(1/384)

1- الطاقة الحرارية:

اتخذت المرأة التي تبلغ من العمر 17- 35 سنة والتي تزن 55 كيلو غرام وطولها 160 سنتيمترا، وتعيش في منطقة قارية المناخ، وتتمتع بحيوية وصحة جيدة، كمقياس لتحديد المتطلبات الغذائية. ومن المعلوم طبيعيا أن الكثير من النساء تختلف أوزانهن وأطوالهن وأحوال معيشتهن عن هذا المقياس، مما يترتب عليه تباينا في الاحتياجات الغذائية والطاقة. ومن الضروري أن تكون كميات الطاقة المتناولة كافية لتلبية المتطلبات وللحفاظ على البروتين لاستعماله في بناء الأنسجة، ويوصى عادة بزيادة الطاقة بمقدار 285 كيلو كالوري يوميا خلال 280 يوما من الحمل عما كانت تتناوله المرأة الاعتيادية، أو 150 كيلو كالوري في اليوم في الفترة الأولى من الحمل و 350 كيلو كالوري في الفصل الثاني والثالث من الحمل.

وهذه الزيادة قد لا تكون كافية بالنسبة لبعض الحوامل النشطات، أو من يعانين من سوء التغذية. وقد تصل كمية الطاقة اللازمة إلى 3000 كيلو كالوري في اليوم.

ويوضح الجدولان 1 و 2 احتياجات العناصر الغذائية بالنسبة للأم الحامل وغير الحامل، كما يوضح الجدول 3 وزن الأم خلال شهور الحمل. وهذا الجدول ديل على أن الحمل الطبيعي يحتاج إلى زيادة في الوزن تفوق في مجموعها الزيادة المطلوبة للجنين.

2- البروتين:

إن زيادة 15 غراما في كمية البروتين المتناول يوميا تكفي لسد حاجة الحامل من البروتين، وقد يتطلب الأمر في الحالات الخطرة تناول الأم الحامل ما مجموعه 100 غرام من البروتين يوميا. إن البروتين وما يحتويه من النيتروجين هو العنصر الغذائي الأساسي في النمو، ودراسة الموازنة النيتروجينية توضح أهمية النيتروجين والمقادير التي تستهلكها الأم والجنين أثناء الحمل.

وخلاصة القول أن هنالك حاجة ماسة لمزيد من البروتين لمجابهة متطلبات النمو الجنيني السريع، والزيادة في كبر وحجم الرحم والغدد الثديية والمشيمة، وازدياد حجم الدم، وارتفاع نسبة بروتين البلازما من أجل إدامة الضغط التناضحي الغرواني collodial osmotic pressure وتكوين السائل الجنيني، وأخيرا لخزن رصيد

(1/385)

كاف لأوقات المخاص والوضع والرضاعة. إن الحليب واللحم والبيض والجبن أطعمة بروتينية ذات قيمة بيولوجية عالية، علما بأن الأطعمة البروتينية توفر في الوقت نفسه مواد غذائية أخرى مثل الكالسيوم والحديد وفيتامينات B، كما يمكن الحصول على كميات إضافية من البروتين بتناول الخضراوات والحبوب الكاملة والبقوليات.

3- الفيتامينات:

تنصح الأم الحامل بتناول مقادير متزايدة من فيتامينات D, C, B, A إن فيتامين A ضروري لتطوير الخلية ولإدامة النسيج الظاهري epithelial وفي تكوين الأسنان والنمو الطبيعي للعظام وللنظر. ويعتبر الكبد وصفار البيض والخضراوات الورقية الخضراء والصفراء والفواكه من المصادر الجيدة لهذا الفيتامين. أما فيتامينات B فهي هامة بالنسبة للأم الحامل ويجب تناولها لأنها ضرورية كعوامل في تركيب بعض تمائم الإنزيمات co- enzymes والتي هي ضرورية لعدد من نشاطات الاستقلاب الغذائي وإنتاج الطاقة وقيام الأنسجة العضلية والعصبية بوظائفها. ويزداد دور الفيتامينات B أثناء الحمل ويمكن توفيرها في الغذاء المتوازن والملائم.

إن زيادة الاحتياج للفولاسين folacin بهذه الصورة الكبيرة عند الأم الحامل يرجع سببه إلى زيادة كمية الدم لديها بمقدار الضعف. ففقر الدم الناتج عن نقص الفولاسين ظاهرة ملحوظة في الأمهات الحوامل. وهو أكثر انتشارا من فقر الدم الناتج عن نقص الحديد، وينصح دائما أن يصف الأطباء للسيدات الحوامل حبوب الفولاسين. ويؤدي نقص هذه المادة الغذائية إلى ظهور أعراض فقر الدم ضخم الأرومات megaloblastic anaemia.

أما الفيتامين c فهو مهم لتغطية احتياجات الحامل وينصح بزيادة الجرعة اليومية إلى 70 ميلغرام أي بزيادة 10 ميلغرامات في النصف الأخير من فترة الحمل يلعب هذا الفيتامين دورا مهما للغاية في مرحلة النمو، فهو ضروري وأساسي في تكوين المادة الملاطية بين الخلايا وكذلك في تطوير الأنسجة الضامة connective tissue وفي تطوير أنسجة القنوات، وهو يساعد أيضا على امتصاص الحديد وتوصي الأم الحامل بأكل الفواكه الحمضية وأنواع التوت والبطيخ.

يتطلب تطوير هيكل الجنين مزيدا من فيتامين D لكي يسهل امتصاص واستغلال الكالسيوم والفوسفور، وينصح بتناول وحدة دولية من فيتامين D يوميا.

(1/386)

خلال النصف الأخير من الحمل، ويشكل اللبن والزبدة وصفار البيض مصادر غذائية لفيتامين D.

4- العناصر المعدنية:

الكالسيوم. هنالك حاجة شديدة إلى المعادن التي تقوم ببناء الهيكل العظمي وهي الكالسيوم والفوسفور والمغنيزيوم خلال فترة الحمل، إذ تصل الزيادة في احتياج الكالسيوم إلى 50% ويتضاعف امتصاص الكالسيوم في الأمعاء في بداية الحمل، وهذا المعدن مخزون في عظام الأم. من الضروري أن تتناول الأم الحامل كميات متزايدة من الكالسيوم خلال النصف الثاني من الحمل بحيث يصل مجموع ما تتناوله يوميا إلى 1.2 غرام. فهو العنصر الأساسي لتركيب العظام والأسنان وله دور هام في آلية تخثر الدم وفي النشاط العضلي وفي عمليات الاستقلاب. تشكل منتجات الألبان المصدر الرئيسي للكالسيوم.

الحديد. يحتفظ الجسم بالجديد خلال الحمل. فعادة تفقد المرأة الحديد عن طريق الدم في فترة الحيض. وحيث أنه يمتنع نزول الدم خلال فترة الحمل لهذا تحتفظ المرأة بالحديد ويزيد امتصاصه إلى ثلاثة أضعاف، بالإضافة إلى حدوث تعديل أو تكييف بواسطة هرمونات الحمل التي تعمل على زيادة تركيز الحديد من مخازنه في نخاع العظام والأعضاء الداخلية "الكبد والطحال" أو بالإثنين معا.

إن معظم السيدات لديهن مخزون بسيط من الحديد يقيهن من فقر الدم أثناء فترة الحمل ومن الإصابة بنزيف عند الولادة، ولهذا السبب ينصح الأطباء الحوامل بتناول أقراص الحديد، وذلك من أجل تدعيم مخزونهن من الحديد لاستخدامه عند الحاجة. ويفترض أن يكون لدى الطفل بعد الولادة مخزون من الحديد يكفيه لمدة تتراوح ما بين 3- 6 أشهر. يحصل المولود على هذا الحديد من مخزون الحديد عند أمه، لذا تنصخ الأم الحامل بأن تستمر في تناول أقراص الحديد طوال فترة الحمل. وذلك لمدة 2- 3 أشهر، بحيث تغطي التغيير في الاحتياجات الغذائية بالنسبة لفترة الحمل، وهكذا نجد أن العناصر التي تحتاج أن تزيدها بكميات كبيرة هي البروتين والكالسيوم والفوسفور والمغنيزيوم والفولاسين والحديد، وبناء على ذلك فالأطعمة التي يجب التركيز على تناولها هي الحليب ومشتقاته، واللحوم، والخضراوات الورقية الخضراء.

إن الزيادة المطلوبة من الكالوري أقل من الزيادة المطلوبة من العناصر.

(1/387)

الغذائية، لذا يجب على الأم الحامل أن تختار أطعمة ذات قيمة غذائية عالية مثل اللبن بدون دسم، والجبن، واللحم الخالي من الدهن، والبيض، والكبد، والخضراوات الورقية الخضراء، والخبز الأسمر، والحبوب، وبالنسبة لفيتامين c الفواكه الحمضية مثل البرتقال واليوسفي والطماطم.

وكما ذكر سابقا إن على الأم الحامل أن تزيد من وزنها، فالزيادة المناسبة في الوزن تشكل عنصرا مهما في مسيرة الحمل، وفي حصيلة وناتج الحمل. ويوضح الجدول 3 أن الزيادة الكبيرة في الوزن تشكل عاما خطر إذا صاحبها ارتفاع في ضغط الدم وقد يكون ذلك دليلا على الإنسمام الحملي toxemia of pregnancy والأم الحامل التي لا تزيد الزيادة المطلوبة يحتمل أن تلد طفلا ناقص الوزن، علما بأن الأمهات ذوات الحجم الصغير يلدان أطفالا صغيري الحجم، ولكنهم يعتبرون أطفالا أصحاء. وبالإضافة إلى التغذية السليمة للأم الحامل والمرضع، نرجو لفت نظر الأمهات بأخذ الاعتبار بأن تكون هناك فترة كافية بين الحمل والآخر، وذلك من أجل ضمان صحة الأطفال واستعادة صحة الأم، وأن تستعيد مخزونها من العناصر الغذائية، وفي فترة سنتين يمكن للأم استعادة وبناء مخازنها من العناصر الغذائية التي فقدتها خلال الحمل والولادة.

(1/388)

فيزيولوجيا الإرضاع وعلاقته بالتغذية:

تشريح الثدي:

إن الغدد الثديية أعضاء على درجة عالية من التخصص في الإفراز. فهي تتكون من أنسجة غدية ومن نسيج دهني وأنسجة ضامة. فالنسيج الغدي مكون من 15-20 فصا lobe، وكل فص منها يحوي بدوره عدة وحدات صغيرة تدعى الفصيصات lobules وفي كل فصيص يوجد أكياس أو حجرات تدعى الأسناخ aloveoli تقوم بإنتاج اللبن من المواد الغذائية التي يجهز بها بواسطة نظام الجهاز الشعيري capillary system في النسيج الضام. ويهيأ الثدي لإفراز الحليب في فترة الحمل، حيث تتوسع وتتكاثر الحجرات في الغدد العنقودية، وتبدأ هذه الحجرات بإفراز سائل أصفر خفيف يسمى اللبأ colostrum قبل الولادة. ويقوم الثدي بإفراز اللبأ لمدة 2-4 أيام بعد الولادة، إذ يبدأ إفراز اللبن في اليوم الثالث واللبأ ذو فائدة ملموسة للطفل الصغير، حيث يعمل على تزويده بالأجسام المضادة.

(1/388)

Antibodies وبعض الغذاء المبدئي "كمية البروتين والأملاح في اللبأ أكبر مما هي في اللبن ولكن الدهن والكربوهيدرات أقل".

ويتحول الإفراز تدريجيا من اللبأ إلى اللبن حيث يتخذ هيئة وتركيب لبن الثدي الناضج في حوالي الأسبوع الثالث أو الرابع. ويتم إفراز الحليب نتيجة للتأثير المحفز لهرمون البرولاكتين prolactin الذي تنتجه الغدة النخامية الأمامية anterior pituitary gland وبعد أن يتكون اللبن في الفصيص من قبل الأسناخ، يحمل بواسطة فروع وتشعبات القنوات الناقلة للبن إلى الخزانات الواقعة تحت الهالة المحيطة بحلمة الثدي. ويوجد حوالي 15- 20 قناة لبنية تنقل اللبن من هذه الأنابيل ampullas إلى خارج الثدي.

تفرز الغدة النخامية الأمامية هرمونات أخرى مثل الأكسيتوسين oxytocin , والفازوبرسين vasopressin، وتعمل هذه الهرمونات كمحفزات لدفع اللبن من الأسناخ إلى القنوات لكي تكون في متناول الطفل. ويبدأ التحفيز بنوع من الوخز أو التهيج الخفيف في الثدي يصحبه جريان اللبن نحو الخارج. وعملية المص الأولية التي يقوم بها الطفل هي التي تحفز هذا الانعكاس اللاإرادي.

وتؤثر العوامل النفسية والعصبية على إفراز اللبن. لذلك كانت النصيحة المفيدة تأمين الراحة النفسية والذهنية للأم لكي تقوم بالرضاعة الجيدة لطفلها على أكل وجه.

تشريح حلمة الثدي:

تتألف حلمة الثدي من أنسجة خاصة تمكنها من الانتصاب عندما يرضعها الطفل، بحيث يمكنه الحصول منها على اللبن "الحليب" بسهولة. والمنطقة الداكنة حول الحلمة تسمى الهالة. ويضع الطفل فكيه حول هذه الهالة عند الرضاعة. وتتألف أنسجة الثدي من نحو عشرين فصا تتجه كلها نحو الحلمة ويفرز اللبن من خلايا هذه الفصوص، ثم يمر في ممرات أو قنوات تتفتح عند سطح الحلمة، ويمكن ملاحظة اللبن خارجا من هذه الفتحات الصغيرة في أجزاء مختلفة من الحلمة.

يلاحظ كثير من الأمهات كبر أثدائهن في وقت الحيض، وأن هذه الزيادة في الحجم تستمر ثلاثة أو أربعة أيام ثم تزول. وعند الحمل يكبر حجم الثديين في موعد الحيض الأول الذي انقطع نزوله، ولكنه لا يزول بعد ذلك، بل يستمر طول

(1/389)

مدة الحمل، والسبب هو تأثير بعض المواد الكيميائية أو الهرمونات. وفي الأسابيع الاثني عشر الأخيرة للحمل، يفرز الثديان إفرازا رائقًا لا لون له يسمى اللبأ ثم يتحول هذا الإفراز فيصبح أصفر اللون ثم بلون اللبن بعد ولادة الطفل بيومين أو ثلاثة ثم يزول خلال أربعة أو خمسة أيام بعد الولادة. وحوالي اليوم الثالث في العادة بعد ولادة الطفل الأول، يمتلئ الثديان بسرعة كبيرة في الغالب، ويسمى ذلك "تدفق اللبن"، ومن المألوف أن تشعر الأم في هذا الوقت بأن الثديين متورمان ومؤلمان قليلا.

نمو الثدي أثناء الحمل:

عندما يحدث الحمل يبدأ الثدي في التحضير لتغذية المولود الجديد تحت تأثير هرموني الأستروجين والبروجسترون اللذين يفرزان من المبيض، وهرمونات قشرة الغدة الكظرية cortiosteroids والبرولاكتين prolactin من الغدة النخامية pituitary gland واللاكتوجين lactogen الذي يفرز من المشيمة، مما يؤدي إلى زيادة في حجم الثدي كنتيجة لنمو وزيادة تفرعات القنوات اللبنية، وزيادة الخلايا للحبن. ويتم ذلك على حساب النسيج الدهني، ويزداد ورود الدم للثدي منذ الشهر الخامس إلى نهاية الحمل. وقد يتسرب من الحلمة إفراز خاص من اللبن يسمى اللبأ colostrum وهو غني بالبروتينات وقليل من الدهن، أو قد لا يحدث تسرب من الحلمة، وكلا الحالتين تعتبر طبيعية، وتسرب اللبأ ناتج من تأثير البرولاكتين واللاكتوجين. في نهاية الحمل يصل وزن الثدي على ما بين 400- 600 غرام وبعد الولادة مباشرة يكون الثدي أكبر حجما ويزيد وزنه عن 600- 800 غرام.

الاستعداد للرضاعة الطبيعية "العناية بالثديين":

يجب على الأم الحامل التي قررت إرضاع وليدها من ثديها أن تبدأ بالاستعداد والتحضير لذلك ابتداء من الفترة الثانية من الحمل، فإن كانت تعرف القراءة يمكن تزويدها في المراكز الصحية والمستشفيات بكتيبات عن الأمهات المرضعات والرضاعة الطبيعية، كما أن تبادل الحديث عن الأمهات اللواتي أرضعن أطفالهن رضاعة طبيعية يساعد الأم الجديدة على تفهم ما سيحدث خلال فترة الرضاعة، كما يمكنها اكتساب الخبرة من قريبة لها في العائلة، كالأم أو الأخت أو

(1/390)

الجارة، فذلك يساعدها على فهم كيفية الإرضاع. فتبادل الآراء حول الرضاعة الطبيعية في الفترة الثانية من الحمل يعطي الفرصة للوالدين اللذين لم يقررا بعد الطريقة التي سيتبعونها في تغذية الطفل المرتقب أو اللذين يفكران في احتمال اتباع الرضاعة الطبيعية كوسائل مؤقتة، لمناقشة هذا القرار وإيجاد الإجابة عن أي أسئلة تدور في أذهانهما.

ومن المفيد جدًّا مناقشة مزايا وفوائد الرضاعة الطبيعية بالنسبة للطفل والأم مع كل من الحامل التي لم تقرر بعد طريقة تغذية طفلها، ومع الأمهات اللواتي أظهرن رغبة في الرضاعة الطبيعية، كما يجب إعطاء المعلومات عن جميع طرق تغدية الطفل لآباء وأمهات المستقبل، وبعد أن يتخذ الأبوان قرارهما لا بد من إمدادهما بالتشجيع الكامل. وعند المناقشة يجب التركيز على المزايا والفوائد التي لها أهمية حقيقية أو مغزى أكبر بالنسبة للحامل مع لفت النظر إلى أن الرضاعة الطبيعية ممكن أن تكون تجربة جميلة ومؤثرة عاطفيا، بمعنى أنها جزء بدني وعاطفي ممتع من الأمومة تجعل الطفل يحس بحب الأم وحنانها عند الرضاعة.

يجب أن يوضح للأمهات أن لبن "حليب" الأم يعتبر الغذاء المثالي المتوازن للطفل، وهو يمنع احتمال حدوث حساسية من الطعام. وتعتبر هذه الميزة بالذات مهمة جدًّا عندما تعاني عائلة الطفل أو لديها تاريخ في أمراض الحساسية. وتلعب الرضاعة الطبيعية دورا كبيرا من الناحية الصحية حيث تزود الرضيع بمقاومة طبيعية ضد الأمراض المعدية كما تضمن النظافة التامة.

تعتبر العناية بالحلمات وتقويتها قبل أن يولد الطفل من الاستعدادات الهامة للرضاعة الطبيعية، لأن هذا سوف يساعد الأم على منع حدوث تشققات والتهابات في الحلمات أثناء الرضاعة، ويجب مساعدة الأمهات اللواتي يعانين من أي تشوهات في الحلمة في حل هذه المشكلة للتمكن من إرضاع أطفالهن بصورة مريحة من دون ألم أو تعب. وقد يحتاج بعض النساء إلى تدليك الحلمتين إذا كانتا منبسطتين أو منقلبتين للداخل، حيث يصعب في هذه الحالة على الرضيع إمساكهما بفمه. ولمعرفة نوعية حلمات الثدي يمكن إجراء تجربة القرص بالأصابع بالسبابة والإبهام، فإذا تراجعت الحلمة إلى الخلف فمعنى هذا أنها منقلبة إلى الداخل. ويمكن إجراء بعض التمرينات التالية أثناء الحمل وقبل مجيء المولود بشهر أو شهرين عندما تكون الحلمتان منقلبتين.

(1/391)

يوضع إبهام اليد اليسري وسبابة اليد اليمنى بشكل متقابل على جانبي الحلمة ثم تسحب الأصابع بلطف في الاتجاه المعاكس للحلمة.

كذلك يوضع إبهاما اليدين مع تكرار الحركة نفسها. ولا بد من القيام بهذا التمرين مرتين في اليوم لمدة بضع دقائق في كل مرة.

كما يستلزم سحب الحلمة سحبا حازما وبلطف إلى الأمام ثم تحريكها بحركة دائرية بين السبابة والإبهام معا، ويمكن استشارة الطبيب أو الممرضة بالمركز الصحي.

إن إشراك الزوج في مناقشة دروس الإعداد للرضاعة الطبيعية قبل الولادة أمر هام، ويعتمد نجاح الرضاعة الطبيعية على إفراز وإنتاج فعال للبن. فهناك أماكن استقبال الإحساس في الحلمة، وعند تنبيه هذه الأماكن بواسطة مصر الطفل للحملة ترسل إشارات عبر الجهاز العصبي إلى غدد الثدي حيث يتم تكوين وإفراز اللبن وآلية الامتصاص تماثل معظم الآليات العصبية الهرمونية neuroendocrine mechanisms حيث يتاثر بدرجة كبيرة بالانفعالات والعوامل النفسية الأخرى فالرضعة تكون فعالة وناجحة وممتعة عندما تكون الأم هادئة الأعصاب ومرتاحة نفسيا وبدنيا، فيما يؤدي القلق إلى إقلال كمية الحليب وفشل الرضاعة.

وعادة يكون سبب فشل الرضعة عضويا ذا علاقة بالجسم، مثل تشقق والتهاب الحلمات أو التهاب الثدي أو عدم بروز الحلمة، مما يمنع الطفل من مسكها وامتصاصها، ففي هذه الحالات قد تضطر الأم إلى وقف الرضاعة. ويفضل الاستمرار في الرضاعة الطبيعية رغم إصابة الأم بأي مرض غير مزمن أو معد كالسل، حيث تضطر الأم في هذه الحالة إلى وقف الرضاعة الطبيعية.

(1/392)

المصاعب المصاحبة لعملية الإرضاع وكيفية التغلب عليها:

توجد بعض المصاعب التي يمكن للأم علاجها دون اللجوء إلى الطبيب، مثال ذلك آلام الحلمة، وامتلاء الثدي باللبن "الاحتقان الذي يؤدي إلى القساوة"، ونزول اللبن من الثدي بصورة مستمرة. ولعلاج هذه المشكلات تتبع الحلول التالية:

الإرضاع بصورة مستمرة أو متكررة.

محاولة تغيير وضع الطفل عند الرضاعة.

إن الإرضاع بصورة متكررة والإرضاع من الثديين في كل مرة ترضع فيها الأم طفلها يعتبر من أهم الأمور التي يجب على الأم مراعاتها. وينبغي أن تستمر الرضاعة لمدة تتراوح ما بين 5- 10 دقائق لكل ثدي، طالما أن الحلمة سليمة ولا تؤلم الأم. أما إذا كان هناك ألم في الحلمة فعلى الأم أن تقلل مدة الرضاعة إلى أن تشعر بالراحة.

أما التغيير في وضع الطفل أو وضع الأم عند الرضاعة من الجلوس إلى الاستلقاء، فهو يساعد على منع الألم بالنسبة للحلمة، لأن الضغط عليها يكون مختلفا باختلاف الوضع. كما يجب على الأم أثناء فترة الحمل أن تعتني بنظافة ثديها، وأن تولي الحلمة بالذات عناية خاصة، ويمكن استشارة الطبيب في نوعية المستحضر الدوائي الموضعي الذي تستخدمه، وطريقة تدليك الحلمة للاستعداد لعملية الإرضاع. ويجب على الأم أن تلبس الملابس الواسعة والمريحة، وأن تكون هادئة النفس والبال عند عملية الإرضاع، كما يجب أن تأخذ كفايتها من النوم والراحة، فهذا يساعد على إدرار اللبن للطفل الرضيع. وهناك مصاعب لها علاقة بالأم والطفل هي:

صعوبات لها علاقات بالأم:

تضخم الثدي. إن بعض التضخم والاحتقان البسيط غالبا ما يرافق الأم خلال الأيام الأولى للولادة، وهذا ينتهي حالما يبدأ الطفل بمص ثدي أمه. ولكن عندما يكون التضخم كبيرا والثدي محتقنا لدرجة ملحوظة، ينصح بتأجيل الرضعة لأن الطفل سيقوم بمص الحلمة ويؤدي ذلك إلى تقرحها.

تقرح الحلمة. وهو شائع الحدوث لأن الطفل يعض الحلمة باستمرار، وقد تكون ملابس الأم نفسها عاملا رئيسيا في حدوث تقرحات حلمة الثدي، ومخاطر ذلك كثيرة أهمها أنه يسبب ألما كثيرا للأم مما يؤثر على كمية اللبن التي يفرزها الثدي، كما أنه يسبب قلق الأم ويؤثر في حالتها النفسية، وقد يؤدي إلى حدوث خراج الثدي mammary abscess، إضافة إلى أنه يسهل عملية دخول الجراثيم الممرضة للأم.

كبر حجم الثدي. يؤدي كبر حجم الثدي إلى إعاقة الطفل عن أخذ حاجته من اللبن، لذلك يجب تفريغ الثدي بصورة مستمرة.

وجود دم في لبن الأم نتيجة تقرح الحلمة وتخدشها.

فشل الرضاعة لعدم رغبة الأم في إعطاء ثديها للطفل، وذلك لجهلها بفوائد الرضاعة الطبيعية. وللتغلب على فقدان رغبة الأم يجب تزويدها بملعومات.

(1/393)

حول فوائد الرضاعة الطبيعية من الثدي وأخطار التغذية من الزجاجات.

تشعر بعض الأمهات بألم بطني بعد الولادة خلال الفترة الأولى من أيام الرضاعة عندما يرضع طفلها، ويدعى ذلك بالخوالف. ويختلف الألم في شدته من أم لأخرى، فعلى الممرضة أو الداية شرح ذلك للأم حتى تعرف أنها أمور طبيعية، وهي تدل على أن الرحم يتقلص ليعود إلى حجمه الطبيعي، وأن عملية الإرضاع تسير سيرًا طيبا.

تعاني بعض الأمهات من نزول اللبن من الثدي وتلويثه للثياب وذلك عند النوم أو خارج المنزل. يمكن وضع قطعة قماش نظيفة من القطن لتمتص اللبن، ولا تؤدي إلى اتساخ ملابس الأم، كما أن هناك قطعا من القماش أو الورق مجهزة تباع لهذا الغرض.

فقدان اللبن: من الملاحظ أن بعض الأمهات يعتقدن أنهن قد فقدن اللبن من الثدي وذلك لملاحظتهن أن الثدي أصبح أقل امتلاء وأقل تحجرا من ذي قبل، وذلك نتيجة تكيفه مع عملية الإرضاع. فعلى الأم أن تكون ملمة بهذه الظاهرة حتى لا تعتقد أنها فقدت اللبن، مما يدفعها إلى إيقاف عملية الإرضاع.

شعور الأم بالألم أو الحرقان في الحلمة وذلك لعدم وضع الحلمة في فم الطفل بصروة صحيحة. يجب أن تكون الحلمة مع جزء من الثدي في فم الطفل الرضيع وليس فقط جزء من الحلمة. ولتجنب هذا يمكن تقريب الطفل من الحلمة ثم إبعادة عنها مما يدفعه على فتح فمه بقدر كبير فيسهل إدخال الحلمة كاملة في فم الطفل الرضيع.

وكما ذكر سابقا فهناك صعوبات أيضا تواجه الرضاعة الطبيعية، لها علاقة بالطفل وهي كما يلي:

صعوبات لها علاقات بالطفل:

عدم الاستقرار.

قلة النوم.

وجود المغص والغازات بصورة مستمرة.

هذه الصعوبات تحتاج إلى مراجعة الطبيب أو الممرضة المتخصصة بالمركز الصحي، وهي غالبا تتعلق بعدم التغذية الكافية للطفل ونقص تلبية احتياجاته.

(1/394)

الجسمية. لذا يجب توعية الأم المرضع بعدد مرت الرضاعة بالنسبة للطفل الذي يرضع طبيعيا، فهي تكون كثيرة العدد وغير محددة بوقت كما أن مدة الرضاعة تطول بالنسبة للطفل. إن لبن الأم سريع الهضم، ومن الطبيعي أن يشعر الطفل بالجوع بعد ساعتين من الرضاعة بينما تصل الفترة الفاصلة بين الوجبات للطفل الذي يرضع من الزجاجة إلى 3- 4 ساعات، وهي تختلف مع عمر الرضيع.

والجدير بالذكر أن الأطفال يختلفون في طريقتهم للرضاعة، فبعضهم يرضع بطريقة سريعة معبرة عن الجوع، وبعضهم يرضع ببطء شديد، حيث يرضع لمدة ثم يترك الثدي قبل أن يعاود الرضاعة من جديد. وبعضهم لا يعبر عن رغبته ي الطعام، وفي هذه الحالة إن لم يكن يرضع الطفل من 8- 10 مرات خلال الـ 24 ساعة، يجب على الأم إرضاعه بدون أن تنتظر طلبه أو بكاءه. ويتبع بعض الأطفال أكثر من طريقة في الرضاعة، ومن المألوف أن الأطفال الذين يرضعون اصطناعيا يعانون من الإمساك، لذا نلفت نظر الأم المرضع بأن نوعية براز الطفل يختلف عن قوام براز الطفل الذي يرضع رضاعة اصطناعية حتى لا تشغل نفسها بشيء طبيعي. والدلائل التي تساعد الأم المرضع علىمعرفة أن طفلها قد شبع أو لم يشبع هي: عدد المرات التي يبول الطفل فيها يوميا، وتركيز البول، وعدد مرات التبرز يوميا، وزيادة وزن الطفل. وعلى الرغم من الفوائد العظيمة التي يتميز فيها لبن الام من غيره فهناك بعض الأسباب التي تمنع الرضاعة من ثدي الأم وهي أسباب خاصة بالطفل:

1- وجود تشوهات خلقية "شفة الأرنب" أو وجود شق في سقف الفم.

2- انسداد الأنف.

ج- الإصابة بالإفرنجي "السفلس" الولادي.

د- ضعف أو عدم قدرة الطفل على المص وخاصة الطفل الخديد premature baby.

هـ- الطفل دائم النوم نتيجة للأدوية التي أخذتها الأم أثناء الولادة.

و الطفل غير مكتمل النمو.

ومن الأسباب التي تتعلق بالأم والتي لا يمكن يها إرضاع الطفل من ثديها- وقد ذكر سابقا بعض منها- إصابة الأم بسرطان الثدي، وخراج الثدي، ومرض القلب، أو مرض الكبد، أو التهاب الكلية المزمن. وهناك أسباب خاصة بالثدي.

كعيوب مؤقتة مثل انسداد قنوات اللبن الذي من الممكن معالجته. كل هذه الأمراض تقف حائلا دون قدرة الأم على إرضاع طفلها، بالإضافة إلى أنه إذا كانت الأم مصابة بأمراض نفسية أو عقلية فإن هذا يعوق قدرتها على الإرضاع، وكذلك إذا لم تكن حلمتها مناسبة أو غير موجودة.

(1/395)

المراجع:

1- فايزة يوسف زمراوي: السكان والغذاء والتغذية- وزارة التربية/ الخرطوم- ص "26- 27". الباب السابع/ 1989م.

2- فاروق فاضل النووي ولامعة جمال الطالباني: تغذية الإنسان- وزارة التعاليم العالي والبحث العلمي/ الجمهورية العراقية- مطابع دار الكتب للطباعة والنشر- ص "370- 371". جامعة الموصل / 1981م.

3- على الحسن: أطفالنا- نموهم- تغذيتهم- مشكلاتهم. دار العلم للملايين – ص "22- 23". بيروت / 1982م.

4- ر. ف موترام: التغذية الصحيحة للإنسان- الدار العربية للنشر والتوزيع/ القاهرة ص "156/ 1985" م.

5- رجاء محمد جميل الخوجة: التغذية واقتصاديات الأسرة/ الدار التقني للطباعة والنشر- ص "56 – 58" / بغداد / 1989.

Food and Nutrition Board, National councilM national Academy of Sciences, RDA, ed 10, Washington, D. C, National Academy Press, 1989.

7 خالد على المدني ورفيدة حسين خاشقجي: الرضاعة الطبيعية/ دار المدني بجدة

ص "72/ 1991"م.

8 إيزيس عازر نوار: الغذاء والتغذية- جامعة الإسكندرية / كلية الزراعة/ ص 398"، دار المطبوعات الجديدة/ الإسكندرية / 1981م.

9 – عبد الرحمن عبيد مصيقر: تغذية الطفل في الخليج العربي "مضامينها الاجتماعية والتربوية"- الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، ص "9" مايو 1990م

10- مريم محمد الهدى: إعداد برنامج تربية غذائية للأمهات المترددات على مراكز صحة الأمومة والطفولة بمديرية الخرطوم، رسالة دكتوراه- جامعة الخرطوم- 1989م. ص "406- 407".

11- وزارة الصحة- سلطنة عمان/ اليونسيف: الخطة الوطنية لرعاية المرأة والطفل- رعاية الحامل كتيب ومرجع للمعلومات. ص "25".

(1/396)

رونالد الينجورث وسينثيا الينجورث: الرضع والأطفال الصغار- شيفلد/ 1958م.

د. حامد التكروري ود. خضر المصري: علم التغذية العامة/ أساسيات في التغذية المقارنة/ الدار العربية للنشر والتوزيع- الطبعة الأولى- 1989م ص "396".

د. محمد ممتاز الجندي: الغذاء والتغذية – الجرء الثاني، ص "384" مبادئ التغذية الصحيحة/ دار الفكر العربي / القاهرة / 1976م.

(1/397)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الغذاء والتغذية

تغذية الرضع وصغار الأطفال

نمو وتطور الطفل منذ الولادة وحتى السنة الخامسة

...

تغذية الرضع وصغار الأطفال:

الدكتورة رفيدة حسين خاشقجي:

نمو وتطور الطفل منذ الولادة وحتى السنة الخامسة:

ينمو الرضع بصورة سريعة خلال السنة الأولى من العمر أكثر من أي فترة لاحقة، وهذا يعكس مباشرة حالتهم ووضعهم الغذائي، ويعتبر من أهم المقاييس أو المعايير المستخدمة في تقييم حالتهم الغذائية، حيث نجد أن وزن المولود يتضاعف ببلوغه شهره الرابع أو الخامس، فهو يزيد من 3 إلى 6 كيلو غرامات، ثم ليبلغ ثلاثة أمثال وزنه عند الميلاد في تمام السنة الأولى من العمر فإذا فرضنا أن هناك طفلا عمره عشر سنوات وينمو بهذه السرعة، فإن وزن هذا الطفل سوف يزيد من 32 على 95 كيلو غرام خلال عام واحد. ولذلك نجد بنهاية السنة الأولى أن معدل النمو يسير ببطء فنجد أن وزن الطفل بين السنة الأولى والسنة الثانية يزيد بمعدل كيلو غرامين فقط. أما بالنسبة للطفل الذي يرضع رضاعة طبيعية من الثدي فيزيد وزنه من 120 إلى 180 غراما في الأسبوع خلال الشهر الأول، ومن 180 إلى 240 غراما في الأسبوع خلال الأشهر الثلاثة التالية، علما أن هذه الأرقام قد تتفاوت من طفل إلى آخر.

إن هذا النمو الهائل يمثل محصلة النمو المختلفة لجميع الأعضاء الداخلية، فمثلا نجد أن نمو المخ يستمر حتى الشهر العاشر بعد الولادة. ولهذا يحق القول إن هناك العديد من الفترات الحرجة أو الخطرة في الفترة الأولى من حياة الطفل.

إن السنة الأولى بعد الولادة واحدة من التغييرات الهامة في حياة الرضيع فالرضع يتطورون من مواليد لا يستطيعون التحكم في حركة رؤوسهم إلى رضع يستطيعون رفع الجذع والوقوف، ومن ثم يخطون خطوات ويمشون.

(1/399)

كما يتطور الرضع في تغذيتهم من الحصول على الغذاء عن طريق المص الإنعكاسي reflexive suck إلى حمل الطعام بأصابعهم. كما تنمو لديهم الحركات الإرادية واللاإرادية للسان والشفاه والفك ويبدوأن بالمضغ. وعند بلوغهم السنة الأولى يبداون بإطعام أنفسهم ويستطيعون الشرب من الكوب مع القليل من المساعدة. وبعد الطعام ضروريا لحصول التطورات المرحلية، وتساعد إضافة الأطعمة المختلفة الملمس والمتنوعة على تعلم الأطفال مهارات جديدة، كما تساعد تغذيتهم في جو من المحبة والرعاية على تكوين الثقة والأمان لديهم.

وتتسم الفترة ما بين مرحلة الرضاعة ومرحلة المراهقة وبدء البلوغ ببطء النمو، وهي بعكس السنة الأولى من عمر الرضيع والتي تتسم بالنمو السريع. وفي هذه الفترة يكتسب الطفل المهارات التي تمنحه الاعتماد على النفس والاستقلال في الأكلن وتطور ونشأة ما يفضله شخصيا من الطعام، ويتعلم الطفل في سن ما قبل المدرسة التحكم في وظائف الجسم والتفاعل مع الآخرين، والتصرف بسلوك اجتماعي مقبول. إلا أن الاختلافات الفردية بين الأطفال في هذه المرحلة تبدو واضحة وملحوظة أكثر، وذلك في معدل درجة النمو، ونماذج الأنشطة، والمتطلبات الغذائية، وتطور ونمو الشخصية وتناول الطعام.

إن كتلة العضلات تمثل النسبة الأكثر من وزن مكونات الجسم الأخرى في سن ما قبل المدرسة، فالأطفال يصبحون أضعف عندما يكبرون أما كمية الدهون فتصبح أقل، وبالرغم من ذلك تبقى للإناث طبقات داخلية من الدهون أكثر من الذكور.

ويكتمل نمو حوالي 75% من المخ في السنة الثانية، وفيما بين السنة السادسة والعاشرة يكتمل نمو المخ نهائيا. وينتج عن ذلك نقص في حجم الرأس بالنسبة لحجم الجسم. وتشبه نسب السوائل في جسم الطفل النسب الموجودة في جسم الفرد البالغ عندما يبلغ الطفل حوالي السنة الثانية أو السنة الثالثة من عمره، كما يصبح الانتقال السريع في السوائل ما بين الأحياز الداخلية والخارجية قليل الحدوث، وبذا يكون الطفل أقل عرضة للإصابة بالجفاف مقارنة بالرضيع. وتستمر السوائل الخارجية بالانخفاض، في حين تزيد السوائل الداخلية، وذلك بسبب نمو خلايا جديدة. وتبلغ نسبة السوائل في جسم الطفل 59% مقارنة بـ 64% في جسم الذكر البالغ.

إن نمو العظام ينتج عن استطالة الأرجل، ومن طبيعة خلايا العظام الديناميكية، مما يجعل الخلايا في حالة تجديد مستمر، وذلك عن طريق تفكك وتجدد الكولاجين، وإضافة وفقدان المعادن وتنشأ الزيادة في طول الجسم عن طريق ارتشاق العظام وإعادة تشكيلها، فيظهر الطفل في سن المدرسة بأرجله الطويلة أكثر رشاقة من الطفل في سن ما قبل المدرسة.

(1/400)

المهارات الأغذية "مهارات الإطعام"

...

المهارات الغذائية "مهارات الإطعام":

إن معدل النمو الجسدي للطفل سوف ينعكس أيضا على مهارات تعلم الأكل بمفرده، فالأطفال يتعلمون تناول الطعام بمفردهم خلال السنة الثانية من حياتهم، والطفل الذي يبلغ 15 شهرا من عمره قد يجد صعوبة في حمل الطعام بالملعقة ثم إيصال الملعقة إلى فمه دون تلويث ثيابه، وذلك بسبب نقص القدرة على التحكم في رسغه. ولكن عند بلوغه السنة الثانية من عمره نجد أنه نادرا ما يلوث ثيابه بالطعام، إذ تكتمل عند بلوغه الشهر السادس عشر إلى السابع عشر قدرته على التحكم في رسغه، فيستطيع إيصال الملعقة إلى فمه بثبات وسهولة. وعند بلوغه الشهر الثامن عشر نجد أن الطفل يستطيع رفع ذراعه عندما يستعمل الملعقة، ويستطيع تدوير رسغه لإيصال الطعام إلى فمه. وبذلك نجد أن تلويث الطفل لثيابه بالطعام يكون قليلا جدًّا مقارنة بالمراحل الأولى من تناول الطعام بنفسه.

إن القدرة على مسك الأشياء الدقيقة أو الصغيرة Refined pincer grasp يكتمل تطورها في السنة الأولى وبذلك تكون الأطعمة التي يمكنه مسكها بالأصابع finger food سهلة ومفضلة أكثر في هذه المرحلة، ولذا يجب تقديم الأطعمة بهذه الطريقة في معظم وجباته "أمثلة في الجدول1". ويجب تجنب الأطعمة التي تتسبب في إحداث غصة chocking لصغار الأطفال، وخصوصا من هم في سن ما قبل المدرسة، حيث يكونون أكثر عرضة للغصة بالطعام، وقد يتسبب ذلك في موت البعض نتيجة تناول قطعة صغيرة من الطعام، ويكون الأطفال دون سن الثانية أكثر تاثرا بذلك. ومن أمثله هذه الأطعمة النقانق والحلويات القاسية والمكسرات والعنب. ويستعمل الأطفال أصابعهم لوضع الطعام في الملعقة حتى وإن كان سهل الحمل بالملعقة.

(1/401)

الجدول 1- الأطعمة المناسبة لصغار الأطفال الذين يمتازون بالقدرة على مسك الأشياء الدقيقة

وفي الشهر الخامس عشر يستطيع الأطفال استخدام الكأس، إلا أنهم يجدون صعوبة في رفعه وإنزاله، كما نجد أنهم أصبحوا يتقنون حركة المضغ الدائرية والتي بدأت في السنة الأولى، كما نجد أن المقدرة على مضغ الأطعمة الصلبة والمحتوية على الألياف تزيد خلال السنوات الأولى حتى بلوغهم سن المدرسة، وأن مهاراتهم العضلية المرتبطة بالمخ قد نمت وتطورت. فالطفل قد تطور من استخدام أصابعه ويديه في تناول طعامه إلى استخدام أدوات الأكل كالملعقة وغيرها. فحركاته في البداية كانت غير متناسقة ومرتبكة وثقيلة، إلا أنها تطورت وأصبحت متناسقة ومنظمة، فهو يستطيع أن يضع الملعقة في فمه. وهكذا نجد بأن الوقت والتمرين مهمان وضروريان لتطوير وتحسين مهاراته هذه، ولكن عندما يكون متعبا أو هناك استعجال من طرف آخر فقد يعود إلى الأكل بيديه وأصابعه وبصورة غير منظمة، ولكن البعض الوقت فقط.

وخلال السنة الثانية من عمر الطفل يبدأ معدل النمو بالبطء، فيزيد وزن الطفل من حوالي 2.5 كيلو غرام إلى 5 كيلو غرامات، ويزيد طوله من 7.5 إلى 12 سنتيمترا في هذه السنة. وبناء على ذلك فالطفل يحتاج إلى كميات أقل من الطعام لكل كيلو غرام من وزنه بخلاف ما كان عليه خلال فترة الرضاعة.

(1/402)

كما أن عملية الإثغار dentition تمتد خلال مرحلة الطفولة في السنة الثانية والسنة الثالثة من عمره، وعندما تظهر الأرحاء الخلفية يصبح الطفل قادرا على المضغ بسهولة أكثر، ويمكن إضافة الأطعمة التي تحتاج إلى مضغ في هذه المرحلة، إذ تنمي هذه الأطعمة من قدرات الأرحاء وتقويها، مثل: قطع صغيرة من الدجاج، أو الخضراوات.

إن سنين ما قبل المدرسة هي المرحلة التي تسبق بداية الدراسة الرسمية للأطفال، وهي تمتد من عمر السنة إلى عمر الخمس سنوات، وخلال هذه السنوات يستمر الأطفال بالنمو واكتساب سلوك وعادات جديدة تتعلق بالغذاء. وإلقاء نظرة على نمو الأطفال جسميا وعقليا في هذه المرحلة يسهم في تفهم ومعرفة وتطور قدراتهم السلوكية في الغذاء، فنجد أن معدل النمو يستمر بطيئا وغير متساوٍ بعض الشيء خلال هذه السنوات.

فالطفل في سن ما قبل المدرسة يزيد وزنه بمعدل 1.8 كيلو غرام في السنة ويزيد طوله بمقدار 6.3 سنتيمترات في السنة، وتنمو عظامه وعضلاته أكثر وتصبح أقوى. ونجد أن شكل الطفل، الذي كان يبتسم بالسمنة والامتلاء، يتحول إلى شكل أقل امتلاء، وقد يبدو ضعيفا في معظم الحالات، وهذا يرجع إلى أن نسبة الطول إلى الوزن كبيرة، فهو يزيد في طوله أكثر مما يزيد في وزنه، ولهذا نجد أن معظم الأمهات يقلقن على أولادهن، ويتوهمن أنهم أصبحوا ضعافا وأنهم لا يأكلون. فإذا تفهمت الأم أن هذا التغيير طبيعي، وعرفت أسبابه فليس هناك من داع للقلق.

كما يستمر نمو الطفل وقدرته على التحكم في عضلاته ابتداء من تطور الحركات الكبيرة magor motor development، مثل تحريك الأطراف كوحدة واحدة، وتحريك الرأس في الشهور الأولى. ثم تتطور قدراته الحركية لتصل إلى التطور الحركي الدقيق fine motor development عندما يبلغ السنة الرابعة أو الخامسة من عمره مثل استخدام أدوات في الأكل.

ويلاحظ أيضا أن الطفل في هذا السن لديه الكثير من الطاقة، فهو دائما نشيط ويتحرك في كل أرجاء المنزل، ولذا نجد أنه يحتاج إلى مقدار من الكالوري يتساوى في كميته مع كمية الطاقة التي يبذلها في الحركة واللعب، ولهذا فإن إعطاءه وجبات صغيرة ومتعددة وذات قيمة غذائية عالية سوف تغطي احتياجاته من الكالوري، بالإضافة إلى إعطائه عناصر غذائية مفيدة.

(1/403)

الرضاعة الطبيعية "الإرضاع من الثدي":

الرضاعة الطبيعية هي الطريقة التقليدية والمثالية لتغذية الطفل الرضيع. وهذه الطريقة تكفي لسد جميع احتياجات الرضيع الغذائية خلال الأشهر الأربعة أو الستة الاولى من عمره. فالسكريات الموجودة به هي اللاكتوز lactose "سكر ثنائي"، والدهن وهو عبارة عن خليط لكميات كبيرة من الحموض الدهنية الأساسية، والبروتين ومعظمه من اللاكتوالبومين lactalbumin وهو بروتين يستطيع الطفل الوليد أن يهضمه بسهولة، وتبلغ نسبة الاستفادة منه 100% بينما لا تزيد هذه النسبة عن 72% في الألبان الحيوانية كما أن محتويات لبن الأم من الفيتامينات والأملاح المعدنية كافية ووفيرة ومن السهل امتصاصها، فمثلا تبلغ نسبة امتصاص الحديد من الأم 75% بينما لا تزيد هذه النسبة عن 20 % في أي غذاء آخر. حتى أن فيتامين c والذي لا يعتبر حليب البقر مصدرا غنيا به، موجود بكميات أكثر في لبن الأم.

فوائد الرضاعة الطبيعية للطفل والأم:

يمكن تلخيص فوائد الرضاعة الطبيعية للطفل والأم في النقاط التالية:

الرضاعة الطبيعية لا تجعل الطفل بدينا، أما التغذية بالزجاجة فقد تزيد من وزنه.

الراحة والسهولة، فليس هناك من حاجة لإعداد الوجبات وتعقيم الزجاجات وتجهيزها بالحليب المغلي أو المعقم.

الرضاعة الطبيعية تساعد الأم على استرجاع الحجم الطبيعي للرحم، وكذلك العودة إلى وزنها الطبيعي مثلما كان قبل الولادة.

الرضاعة الطبيعية تعمل أو تساعد على تكوين أسنان سليمة، وكذلك تكوين فك سليم دون اعوجاج.

تعمل الرضاعة الطبيعية على الحماية من الحساسية من الأطعمة، والتي تحدث خلال الأسابيع الأولى والمهمة في حياة الطفل.

تعمل الرضاعة الطبيعية على تكوين رابطة حنان ومحبة بين الأم وطفلها.

تعمل الرضاعة الطبيعية كوسيلة طبيعية لمنع الحمل، لكن يشترط هنا أن يعتمد الرضيع في تغذيته على إرضاعه من الثدي بشكل كامل، وأن يكون لديه قدرة مص قوية، وأن يرضع بصورة متكررة، مما يعطي الأم الوقت الكافي لاستعادة ما فقدته أثناء الحمل، وكذلك حتى تعود الأعضاء إلى حالتها الطبيعية، ثم يبدأ.

(1/404)

الجسم في الاستعداد للحمل الذي يليه.

8- وجد أن نسبة الإصابة بسرطان الثدي بين النساء المرضعات أقل من النساء غير المرضعات

بالإضافة إلى تلك الاعتبارات الغذائية والنفسية للرضعة الطبيعية، فإنها تزود الرضيع بالمناعة ضد الأمراض الخاصة بالإنسان في وقت يكون فيه أشد احتياجا للوقاية من الأمراض، وذلك عند خروج المولود من الوسط المعقم "الرحم" إلى الجو الخارجي غير المعقم، بالإضافة إلى عدم نضج أعضاء جسم المولود وعدم اكتمال نمو جهاز المناعة.

فعناصر الوقاية أو المناعة المتوفرة في لبن الأم تشمل:

1- الأضداد "الأجسام المضادة" antibodies

2- جملة المتممة complement system

3- البروتين المحلل للجدار الخلوي للجراثيم

4- اللاكتوفرين والترانسفرين.

5- الأنترفرون interferon

6- خلايا الدم البيضاء. "وتشمل البلاعم macrophages وخلايا المقاومة المكتسبة".

7- العامل المنشط للبكتيريا المفيدة.

ولذلك فإن لبن "حليب" الأم هو الأفضل من ناحية المناحة والوقاية من الأمراض، وذلك لأنه يتناسب مع تركيبه ومحتوياته مع احتياجات وطبيعة بني البشر، وكذلك فهو الأفضل لوقايتهم وحمايتهم من الأمراض المختلفة.

هذا بالإضافة لتعرض اللبن الحيواني المصدر للفساد أثناء التخزين، أو للتلوث في مرحلة من مراحل تحضيره، وذلك في الدول النامية. أما في الدول المتقدمة، ومع مراعاة النظافة الكاملة، ووفرة الأجهزة الحديثة، فإن نسبة تعرض الطفل للحساسية من الطعام تكون أكثر في الأطفال الذين يعتمدون في غذائهم على اللبن الحيواني المصدر.

وعليه فإنه لا بد من تشجيع الرضاعة الطبيعية في الدول النامية وغير النامية للاعتبارات الغذائية والنفسية والفيزيولوجية والاقتصادية وكذلك للفوائد الوقائية والمناعية.

(1/405)

موازنة لبن الأم مع لبن البقر من حيث العناصر الغذائية:

إن العناصر الغذائية في كل من لبن الأم ولبن البقر ليست متشابهة دائمان فيلاحظ أن لبن البقر يحتوي على نسبة عالية من البروتين أكثر مما في لبن الأم، ويحتوي على نسبة أقل بكثير من الكربوهيدرات، ونسبة من الدهن أقل مما في حليب الأم، ويحتوي لبن البقر على نسبة أعلى من الكالوري عما في لبن الأم. ويوضح الجدول 2 الفروق في العناصر الغذائية بين لبن الأم ولبن البقر.

لكل 100 مليلتر من اللبن "المصدر وزارة الزراعة الأميركية 1982".

(1/406)

بعض الصعوبات التي قد تتعرض لها الأم أثناء عملية الإرضاع:

1- تشعر بعض السيدات بألم بعد الولادة يسمى بألم ما بعد الولادة "طلق تلوي" afterpain خلال الفترة الأولى من أيام الرضاعة. ويختلف الألم في شدته من امرأة إلى أخرى، ويشبه الآم التقلصات التي تصيب بعض السيدات عند الدورة الشهرية، وهذا أمر طبيعي، وعلى القابلة شرح ذلك للأم حتى تعرف أنها أمور طبيعية، وهي دلالة على أن الرحم يتقلص ليعود لحجمه الطبيعي وأن عملية الإرضاع تسير سيرا طيبا.

2- تعاني بعض الأمهات من نزول اللبن من أثدائهن في غير أوقات الإرضاع، عندما تكون نائمة، أو خارج المنزل، ويمكن علاج ذلك بإرضاع الطفل عددا أكثر من المرات، وكذلك يمكن وضع قطعة قماش نظيفة من القطن لتمتص اللبن، ولا تؤدي إلى اتساخ ملابس الأم، كما أن هناك قطعة من القماش أو الورق جاهزة تباع لهذا الغرض.

3- فقدان اللبن: ربما اعتقدت الأم أنها فقدت اللبن الذي في ثديها، لاعتقادها أن ثديها الذي كان ممتلئا قد أصبح أقل امتلاء وأقل تحجرا، وذلك لأن الثدي تعود على عملية الأرضاع. فعلى الأم أن تكون ملمة بهذه الظاهرة، حتى لا تعتقد أنها قد فقدت اللبن فيؤدي ذلك إلى إيقافها لعملية الإرضاع.

4- بعض الأطفال يعبرون عن عدم الرغبة في الرضاعة فجأة، وكأنهم يضربون عن ثدي الأم، وهذا يحدث عادة ما بين الشهر الرابع والعاشر. ويمكن علاج هذه الحالة بإعطاء الطفل اللبن بالكأس، أو إذا كان يتناول طعاما آخر فيمكن زيادة الكمية منه، أو تغيير وضع الرضاعة. وقد يكون سبب هذه الحالة أن الطفل قد بدأ بالإثغار أو شعر بالألم أو الجوع لفترة طويلة، أو أحسن بطعم غريب في اللبن أو أنه مصاب بأعراض برد وزكام.

5- شعور الأم بألم أوحرقان بالحلمة، وقد يرجع هذا لعدم وضع الحلمة في فم الطفل بصورة صحيحة، غذ يجب أن تكون الحملة مع جزء من الثدي في فم الرضيع وليس فقط جزء من الحملة. ولتجنب ذلك يمكن تقريب الطفل من الحلمة ثم إبعاده عنها، مما يدفعه إلى فتح فمه بشكل كبير فيسهل إدخال الحلمة كاملة في فم الرضيع.

(1/407)

الحالات التي يتعذر فيها إرضاع الطفل من ثدي الأم:

إن الأسباب التي قد تمنع الأم من إرضاع طفلها تنقسم إلى قسمين: أسباب تتعلق بالطفل وأسباب تتعلق بالأم.

أما الأسباب التي تتعلق بالطفل فهي تشمل الآتي: قد يكون الطفل دائم النوم نتيجة للأدوية التي أخذتها الأم أثناء الولادة، وقد يكون الطفل غير مكتمل النمو أو مصابا ببعض التشوهات الخلقية. على سبيل المثال قد يكون هناك تشوه خلقي في الفم أو الشفاه مما يؤدي إلى صعوبة الرضاعة، وقد يكون هناك علاج لبعض من هذه الحالات، ولكن ليس هناك مجال للتطرق إليها الآن.

أما الأسباب التي تتعلق بالأم فتشمل التالي: قد تكون الأم مصابة ببعض الأمراض المعدية كالسل والإيدز والتهاب الكبد الخمجي B وغيره، ففي هذا الحالة يصعب أن يبقى الطفل على مقربة من الأم مما يؤدي إلى إصابته بنفس المرض، وكذلك إذا كانت الأم مصابة بسرطان الثدي أو مرض في القلب أو مرض في الكبد. كل هذه الأمراض تقف حائلا دون قدرة الأم على إرضاع طفلها، بالإضافة إلى إصابة الأم بأمراض نفسية أو عقلية تعوق قدرتها على الإرضاع وكذلك إذا لم تكن حلماتها مناسبة أو كانت منقلبة.

(1/408)

تغذية الرضيع:

يمكننا تقسيم الأطفال الرضع أو المواليد إلى فئتين:

1- المواليد الأسوياء المولودون بتمام الحمل full- term- babies ويكونون مكتملي النمو والوزن.

2 المواليد الناقصو الوزن أو النمو، فقد يكملون فترة الحمل ولكنهم ناقصو وزن الولادة low birth weight "L.B.W" babies، أو لا يكملون فترة الحمل "الخدج" premature، وقد يتناسب وزنهم مع عمر الحمل، سوف نتحدث عن الفئتين بالتفصيل.

الاحتياجات الغذائية للرضع الأسوياء:

يلعب الغذاء والتغذية دورا كبيرا في حياة الطفل الرضيع فالطفل الرضيع يحتاج إلى كميات كافية من أطعمة مغذية تدعم نموه السريع، وهذا كما أسلفنا من

(1/408)

خلال الرضاعة الطبيعية ثم الأطعمة التكميلية بعد الشهر الرابع إلى السادس

إن الطريقة أو الأسلوب الذي تسلكه الأم، أو من تقوم برعاية الطفل في إطعام الطفل، أو تقديم الأطعمة له، يؤثر بدرجة كبيرة في العادات الغذائية التي ستتكون عند الطفل منذ بداية حياته، حيث أن تكوين العادات الغذائية السليمة يجب أن يبدأ منذ الطفولة.

إن النمو السريع والاستقلاب عند الرضع يتطلبان كميات كبيرة من عناصر النمو والطاقة الغذائية. وحيث أن هؤلاء الرضع صغار، فهم يحتاجون إلى كميات من العناصر الغذائية أقل مما يحتاجه الكبارن ولكن نسبة هذه الكميات إلى وزن الجسم تعتبر عالية، ولذلك نجد أن الرضع يحتاجون أكثر من ضعفي مما يحتاجه الكبار من معظم العناصر الغذائية.

وبعد الأشهر الثلاثة الأولى يكون الاحتياج للطاقة مستمرا في الزيادة بالرغم من أن معدل النمو يبدأ بالبطء. وعند اقتراب الرضيع من عامه الأول يبطؤ معدل النمو، ويترتب على ذلك تحويل نسبة كبيرة من كمية الكالوري المتناولة إلى زيادة في النشاط والحركة اليومية.

يعد الحديد من العناصر التي يصعب توفيرها للرضيع، إذ لا يوجد بكميات كافية في اللبن. والحديد من العناصر التي تحتاج إلى انتباه أكثر من غيرها لتوفيرها في غذاء الرضيع. ومن أن نسبة الحديد في لبن البقر أعلى مما هي عليه في لبن الأم إلا أن الرضيع يمتص حوالي 49 % من الحديد المتوفر في لبن الأم ويمتص فقط 19% من الحديد المتوفر في لبن البقر، في حين يمتص حوالي 3% من الحديد المضاف إلى أنواع اللبن الحيواني المصدر الجاف.

وهذا يؤكد فائدة لبن الأم مقارنة بالأنواع الأخرى. كما أن إصابة الطفل بفقر الدم نتيجة عوز الحديد تعتبر مشكلة شائعة في مرحلة الطفولة، ويجب على العاملين في المجال الصحي أن يتنبهوا ويعرفوا أن فقر الدم يسهم في اضطراب حالة الطفل وتغير سلوكه أو نموه وتعتبر الأطعمة الغنية بالحديد أو المضاف إليها الحديد جزءا مهما في علاج الطفل.

إن كبد الرضيع غير قادر على تنقية الدم من المواد الضارة بفعالية كما هو الحال لدى البالغين، ولذلك يلجأ جسم الطفل الرضيع إلى إخراج الماء أكثر من الفرد البالغ. وهذا يعني، في حالة المرض، احتمال إصابة الرضيع بالجفاف أكثر

(1/409)

منها عند الفرد البالغ، وقد يكون هذا الجفاف خطيرا على صحة الطفل، وحيث أن الأطفال يعبرون عن احتياجاتهم عن طريق البكاء، فمن المهم أن تتذكر الأم أن رضيعها بحاجة إلى سوائل.

الأطعمة الأولية:

إن أهم غذاء بالنسبة للطفل هو اللبن "الحليب"، سواء كان ذلك لبن الأم أو من مستحضرات اللبن الحيواني المصدر FORMULA، في بداية حياته، ثم لبن البقرة وغيره بعد ذلك ويوجب نقل الرضيع أو تحويله من نوع لبن إلى آخر مراعاة التوصيات المقترحة التالية:

الأطفال الذين يرضعون من ثدي الأم يضاف إليهم:

فيتامين D "يمكن الاكتفاء بتعريض الرضيع لأشعة الشمسط.

فلور وحديد "إذا أوصى طبيب الأطفال بذلك".

الأطفال الذين يتغذون على اللبن حيواني المصدر يجب أن يضاف لهم:

- فيتامين A, D في اللبن أو بصورة منفصلة.

- فيتامين C في اللبن أو بشكل منفصل.

- الفلور "حسب توصيات طبيب الأطفال".

- الحديد في اللبن أو بشكل منفصل.

فإذا اضطرت الأم أن توقف رضاعة طفلها من ثديرها قبل أن يكمل رضيعها ستة شهور، فعليها أن تفطمه وأن تقدم له الحليب الحيواني المصدر والذي تعتمد نوعيته على الحالة الصحية للرضيع. إن التوقيت الذي يمكن عنده التحول في أسلوب تغذية الطفل، مثل إضافة الأطعمة الصلبة إلى غذاء الطفل، يعتمد على عوامل، فإذا كان الطفل يرضع طبيعيا، أي من ثدي أمه، فيمكن الانتظار، دون إضافة أطعمة تكميلية، من الشهر الرابع إلى الشهر السادس، ولكن ليس بعد ذلك فالأطفال الذين لا يأكلون أطعمة تكميلية في النصف الثاني من عامهم الأول يعانون من تأخر في النمو. ويوضح الجدول 3 طريقة إضافة الأطعمة التكميلية نصف الصلبة والصلبة إلى غذاء الطفل ابتداء من الشهر الرابع. ويجب تجنب إضافة الأطعمة التكميلية في فترة مبكرة جدا، حيث أن الأطفال يكونون أكثر عرضة لإصابتهم بالحساسية في شهورهم الأولى. ويجب الملاحظة أن الأطفال يختلفون فيما بينهم، وأن البرنامج المتبع في إضافة الأطعمة إلى غذائهم يجب أن يبنى

(1/410)

ويعتمد على حالة كل طفل ووضعه الغذائي، وأن لا يتبع في ذلك برنامج ثابت ليس فيه اعتبارات لشخصية الطفل وحالاته وقدراته.

الجدول 3 كيفية البدء في تقديم الأطعمة التكميلية نصف الصلبة والصلبة إلى الطفل

(1/411)

· ملعقة شاي tea spoon: وقد تستعمل كوحدة قياس وفي هذه الحالة تساوي 5 مليلترات.

· ملعقة طعام table spoon وهي تساوي 15 مليلترا أو ثلاث ملاعق شاي.

وعند إضافة الأطعمة التكميلية الصلبة إلى غذاء الطفل يجب أن يؤخذ في الحسبان ثلاث اعتبارات:

1 الاحتياجات الغذائية للرضيع.

2 الاستعداد الجسمي لدى الرضيع لتقبل الأنواع المختلفة من الأطعمة

3 الحاجة إلى كشف ومراقبة ردود الفعل بالنسبة للحساسية.

يحتاج الطفل الرضيع في بداية حياته إلى الحديد وفيتامين c، ولذلك يكون العصير والفواكه التي تحتوي على الفيتامين c عادة من أولى الأطعمة التي يتم

(1/412)

تقديمها إلى الطفل. كما أن مستحضرات اللبن الحيواني المصدر الجاهز تحتوي على كميات كافية أو مناسبة من فيتامين c لتفي باحتياجات الرضيع.

إن مخزون الحديد لدى الطفل "والذي اكتسبه قبل الولادة" يستهلكه وينفد عندما يتضاعف وزن الطفل. ولذلك ينصح بإمداد الطفل بمصدر للحديد باستخدام اللبن المحتوي على الحديد، وكذلك المستحضرات الدوائية التي تحتوي على الحديد. وفي فترات متأخرة يحصل الطفل على الحديد من اللحوم التي تعتبر مصدرا للحديد.

ويفضل تجنب تقديم الأطعمة المحلاة للطفل في البداية حتى لا تقل رغبته في تناول الخضراوات التي تقدم له فيما بعد. وحتى نمنع حدوث ذلك يقتضي تغيير الترتيب الذي يقدم فيه الطعام، فنعطيه الخضراوات في البداية ثم نقدم له الفواكه وخلافها بعد ذلك، وكثير من الأمهات الآن يتبعن هذا النظام.

إن التركيب الفيزيولوجي للطفل في شهوره الأولى مهيأ للرضاعة، فوجود الوسادة الدهنية "الشكل 1" في الجزء الداخلي من الخدين "مما يضيف استدارة لخدود الأطفال" يساعد في عملية المص، وتختفي هذه الوسادة عندما تنتهي مرحلة الرضاعة.

أما المقدرة على بلع الأطعمة نصف الصلبة فإنها تنمو وتتطور ابتداء من الشهر الرابع إلى السادس، وبعد ذلك يكون لدى الطفل القدرة على الجلوس، ويستطيع أن يمسك بالأطعمة التي تمسك بالأصابع finger food، ومن ثم يبدأ في الإثغار "بزوغ الأسنان". وعندما يحدث هذا يمكن إعطاؤه المعجنات وبعض الأطعمة الصلبة، لأن ذلك يساعد على تطور مهارة اليد والتحكم في عضلات الفك.

المصدر: Guthrie A. Helen: Introductory Nutrition, Times Mirror/ MOSBY College Publishing, 1986, Page 546.

(1/413)

ومن المحتمل أن يصاب طفل واحد من كل 5- 10 أطفال بالحساسية "الأرجية allergy لنوع معين من الطعام، ويعود حوالي نصف مسببات هذه الحساسية إلى الطعام. وعادة تعتبر المكسرات، والبيض، وبعض الفواكه "الفراولة"، والشوكولاته، والأسماك، وغلوتين القمح، والحليب الحيواني المصدر، وفول الصويا من الأطعمة المسببة للأرجية أكثر من الأطعمة الأخرى التي يتناولها الطفل في بداية حياته. ولذلك يجب تقديم الطعام الجديد بصورة فردية، أي، يقدم في كل مرة صنف واحد فقط، وبذلك يسهل معرفة نوع الطعام الذي يحدث الأرجية. ويجب تقديم مهروس الرز- أولا- لعدة أيام إذ أنه نادرا ما يسبب الأرجية.

أما الحبوب المصنوعة من القمح wheat فيجب تقديمها في وقت متأخر، لأنها من أكثر العناصر المسببة للأرجية. فإذا تسببت الحبوب في إحداث حساسية، فإن الطفل يبدو سريع الانفعال والتعب، مما يوجب إيقافها نهائيا قبل البدء باعتماد طعام آخر.

وبالنسبة لاختيار نوعية الطعام للطفل الرضيعن يفضل إعداد ذلك في المنزل، ومراعاة النظافة التامة في جميع مراحل الإعداد والطهي. أما بالنسبة للأطعمة الجاهزة المتوفرة في الأسواق فتعتبر عموما آمنة ومتوازنة غذائيا، أما الأطعمة المخلوطة فهي تحتوي على القليل من اللحم، وبالنسبة للحلويات فهي تحتوي على نسبة كبيرة من السكر. فإذا ما اضطرت الأم أو رغبت في استخدام الأطعمة الجاهزة، فعليها أن تقرأ المعلومات الموجودة على العلبة أو القارورة حتى تعرف محتوياتها وقيمتها الغذائية دون أن يكون هناك زيادة في الكالوري دون فائدة وكثير من المنتجات الآن تصنع دون إضافة السكر.

ومن المهم جدًّا قبل فتح القارورة التأكد من تاريخ الانتهاء وصلاحية العبوة، كما يجب غسل غطاء العبوة جيدا حتى لا تتسرب القاذورات والأتربة إلى داخل الطعام، بواسطة الضغط عند فتح القارورة.

كما يجب ملء كمية الطعام التي تكفي الطفل من القارورة ليأكلها، وترك الباقي في القارورة دون لمسها بالملعقة المستعملة وحفظها مبردة وذلك لسببين.

إن الإنزيمات الموجودة في لعاب الطفل قد تنتقل بواسطة الملعقة إلى الطعام، وهنا سوف تبدأ الإنزيمات بتفكيك النشاء في الطعام. وهذا أمر غير مرغوب.

(1/414)

فيه إذا أرادت الأم خلط المتبقي من الوجبة.

إن الجراثيم التي توجد بكميات صغيرة صغيرة في فم الطفل، والتي تكون ير مؤذية، قد تصبح ممرضة عندما تنتقل إلى طعام دافئ، حيث تتمكن من التكاثر والنمو.

فالعلب أو القوارير المفتوحة من أطعمة الأطفال يمكن تغطيتها وحفظها في الثلاثة لمدة لا تزيد بأي حال من الأحوال عن يومين إلى ثلاثة أيام.

وبالنسبة للأمهات اللواتي يرغبن في إطعام أطفالهن نفس طعام العائلة عندما يبلغون السن المناسب، يمكن خلط الطعام في الخلاط Mixer ليكون مناسبا للطفل حسب عمره، ولكن في هذه الحالة يجب عدم إضافة الملح أو التوابل، والطهي بدون زيت أو دهن أو إضافة السكر، كما يجب تجنب استخدام الخضراوات المعلبة، لأنها تكون مملحة.

ويجب تجنب استخدام الخضراوات التي يحتمل أن تحتوي على النتريت nitrites مثل الجزر، والسبانخ، والبنجر، "الشمندر".

وتوصي منظمة الصحة العالمية WHO ومنظمة اليونيسيف UNICEF بعد الأخذ في الاعتبار جميع العوامل التي تتدخل في تقديم الأطعمة الصلبة للأطفال، بأن العمر المناسب لهذه الإضافة يبدأ من 4 إلى 6 أشهر الأولى من عمر الطفل، حيث أنه ليس هناك أي فوائد غذائية أو نفسية للطفل من تقديم هذه الأطعمة في مرحلة مبكرة من حياته.

وعندما تنمو قدرات الجهاز الهضمي لدى الطفل، يمكن تحويله من الأطعمة السائلة المصفاة إلى الأطعمة المقطعة قطعا صغيرة وناعمة، ومن ثم تحويله إلى طعام العائلةز وكما ذكرنا سابقا، فإن العمر الذي يتم فيه تحويل الطفل من مرحلة إلى أخرى يعتمد على قدرات الطفل ومهارات الفردية، فكل طفل له مميزاته الشخصية.

هناك أيضا مشكلة أخرى وهي المغص Colic، وهو يصيب الأطفال الرضع في الأشهر الثلاثة الأولى، ونادرا ما يصيب الأطفال الرضع الذين تزيد أعمارهم على ذلك. وفي هذه الحالة يبكي الطفل لفترات طويلة، وكأنه يعبر عن آلام شديدة في بطنه، والسبب غير معروفن ولكن مما يساعد الطفل في هذه الحالة رفع الطفل على كتف الأم في وضع مائل الرأس للأمام ثم التربيت على ظهره في موضع يبدأ

(1/415)

من خلف المعدة إلى أعلى المريء، وتكرار ذلك في حركة رتيبة حتى يخف الألم وتخرج الغازات.

ويندر كشف السبب الكامن وراء هذه الحالة، إلا أن هناك سببين لهما علاقة بالتغذية. وهما زيادة إطعام الطفل، بمعنى المبالغة في إطعامه overfeeding، ونقص تغذية الطفل underfeeding وفي معظم الحالات يكون السبب الزيادة في إطعام الطفل، مما يؤدي إلى قلق الطفل وسرعة انفعاله.

الاحتياجات الغذائية للرضع ناقصي الوزن.

يمكن تعريف الرضع ناقصي الوزن Low birth weight "L. B. W" babies الرضع الذين يولدون بوزن أقل من 2500 غرام. وهذا الوزن استخدام كمؤشر لسوء صحة المولود، وكدليل على سوء وضعف الحالة الغذائية للأم خلال أو قبل الحمل. فالأطفال الأصحاء عادة يكون وزنهم الطبيعي ما بين 3- 4 كيلو غرامات عند الولادة.

ويقسم الرضع ناقصو الوزن إلى قسمين:

القسم الأول: الخديج "المبتسر" premature وهو من ولد قبل تمام الحمل، لكن وزنه متناسب مع عمر الحمل gestational age

والقسم الثاني: هو الذي عانى من تأخر في النمو داخل الرحمintra – uterine growth retardation "IUGR:" وهذا المولود قد يولد قبل اكتمال فترة الحمل، وقد يتم الفترة كلها، ولكن وزن المولود من هذا النوع يكون قليلا وغير متفق مع عمره الحملي.

فالمواليد الذين يكملون فترة الحمل يولدون عادة ما بين 37 إلى 42 أسبوعا من الحمل، ولكن المواليد ناقصي الوزن يولدون قبل الأسبوع السابع والثلاثين من الحمل. وإذا أردنا معرفة ما هو دور التغذية بالنسبة للمواليد ناقصي الوزن نجد أن المهارات المتطلبة من أخصائي التغذية تختلف باختلاف الحالة الصحية للمولود.

وبصورة عامة يجب أن تمكن هذه المهارات أخصائي التغذية من دراسة وفحص مشاكل التغذية المختلفة، وأن يقوم بمراقبتها وتقييم تقدم الحالة الغذائية، ومن ثم وضع وتنفيذ خطة العلاج.

ومن المهم جدًّا أن تكون هذه الخدمات الغذائية منسقة بين الطبيب والصيدلي والممرضة الذين يشتركون جميعا في العناية الطبية بهؤلاء الاطفال، حيث أن تقديم

(1/416)

الغذاء المتكامل والكافي لهؤلاء الأطفال، الذين يبقون في العناية المركزة، يعتبر تحديا يتطلب جهودا كبيرا.

وهؤلاء الرضع يكونون في وضع صحي حرج Critical ويكونون أكثر عرضة للإصابة بسوء التغذية malnutrition والعدوى Infection فالطفل حديث الولادة يكتسب مناعة ضد الأمراض من الأجسام المضادة "الأضداد" التي وصلت إليه من دم أمه عن طريق المشيمة، وكلما طالت فترة الحمل زاد ما يصل إلى دمه منها وهكذا فإن الطفل ناقص الوزن لا يستطيع جسمه تكوين هذه الأجسام المضادة بالسرعة والكمية التي يكونها المولود مكتمل النمو.

ولذلك فإن هؤلاء الأطفال غالبا ما يحتاجون إلى عناية خاصة في الحاضنة Incubator، وهي عبارة عن غرفة زجاجية معقمة يوضع فيها الطفل عاريا تماما وتنظم فيها درجة الحرارة، وكمية الأكسجين، ونسبة الرطوبة.... ويعطى الغذاء عادة إما بواسطة أنبوبة صغيرة تصل إلى المعدة، أو عن طريق التغذية الوريدية بكميات ونوعيات معينة من الغذاء. ويجب أن تؤخذ في الاعتبار عدة عوامل عند التخطيط للعناية الغذائية وهي:

1 أن تكون العناصر الغذائية كافية لإنتاج الطاقة اللازمة لاحتياجات النمو السريع في حجم الأعضاء، والتغيرات الكبيرة في مكونات الجسم، وإعادة بناء الأنسجة التالفة.

2 نسبة مساحة الجسم إلى الوزن كبيرة جدا، ولهذا فإن الاحتياجات الغذائية تزيد.

3 القدرة على التقبل والامتصاص والاستقلاب للعناصر الغذائية محدودة من الناحية الوظيفية. فانخفاض قدرة المدة والخلل في الهضم والاستقلاب، وعدم النضج، جميعها عوامل تحد من تحقيق النمو.

فالطفل ناقص الوزن تزيد احتياجاته من الكالوري لكل وحدة من وزن الجسم، ويرجع هذا إلى معدل النمو السريع عند المولود. ويعتمد ذلك على درجة التخلف في النمو داخل الرحمن وعلى مدى النضوج عند الولادة، فيلاحظ أن احتياجات المولود من الكالوري أثناء فترة النمو السريع أو النشيط تتراوح ما بين 110 إلى 140 كالوري لكل كيلو غرام من وزن الجسم في اليوم الواحد.

إن رفع كمية الكالوري أكثر من ذلك يؤدي على زيادة عبء السوائل على

(1/417)

الكلى، ولذلك يعتقد أخصائيو التغذية أن 80 إلى 100 كالوري كافية لكل كيلو غرام، وإن كانوا يعتقدون أيضا بأنها عالية، وقد تتسبب في حدوث آثار جانبية، حتى وإن أدت في نفس الوقت إلى زيادة سريعة ي النمو.

أما بالنسبة للبروتين فيجب أن تكون كميته 30 % أعلى من الاحتياجات المحددة وبذلك يكون الاحتياج من البروتين 2.8 غرام لكل 100 كالوري بالنسبة للمواليد الذين يزنون ما بين 1500 إلى 2500 غرام، في حين تكون الكمية 2.1 غرام لكل 100 كالوري للذين يزنون بين 2500 إلى 3500 غرام.

وعادة يعطى المواليد ناقصو الوزن حوالي 50% من الكالوري التي يحصلون عليها في صورة دهن، وحوالي 40% من الكالوري في صورة سكريات، إلا إذا أصيب الطفل بعدم القدرة على تحمل السكريات الثنائية disaccharides فيجب عدم إعطائها، وتعطى السكريات الأحادية monosaccharides بدلا منها. وليس هناك تحديد لاحتياجات المولود الناقص الوزن من الفيتامينات، ولذلك يجب إعطاؤه نفس الكميات الموصى بها للمواليد مكتملي النمو.

ويعتبر فقر الدم نتيجة عوز الحديد من الصفات التي يتسم بها المواليد ناقصو الوزن بسرعة، ولذلك ينصح أن يعطى هؤلاء المواليد 2 مليغرام من الحديد في صورة سلفات الحديدوز ferrous sulfate لكل كيلو غرام من وزن الجسم في اليوم الواحد، على أن يبدأ به منذ بداية الشهر الثاني من عمر المولود.

إن المشاكل الغذائية بالنسبة للمواليد ناقصي الوزن ليست مفهومة أو واضحة بصورة كاملة، وهناك بحوث وتجارب مستمرة لاكتشاف ومعرفة المزيد عنها في السنوات الأخيرة. ويظهل هناك حاجة إلى معرفة التقديرات المناسبة لهؤلاء الأطفال، واحتياجاتهم من العناصر الغذائية. إلا أنه نتيجة للاختلافات الواضحة والكبيرة في حجم الأطفال ودرجة نضجهم عند الولادة، فإن هذا يستدعى تقييم الحالة بعناية وحذر لتحديد الغذاء المناسب والطريقة المناسبة لتغذيتهم لتوفير احتياجاتهم الغذائية الفردية.

(1/418)

تغذية الأطفال في سن ما قبل المدرسة "1- 5 سنوات":

تعد هذه الفترة من أحرج فترات عمر الطفل، وخاصة بالنسبة للتغذية، إذ أنه خلال هذه الفترة يبدا الطفل بالاستغناء عن لبن الأم، وتحل الأطعمة الاعتيادية محل لبن الأم بشكل كامل، لذا يجب أن تعطى للطفل الأطعمة التي تضمن تزويده بالعناصر الغذائية الرئيسية وبنسب مناسبة لعمره ولاحتياجاته اليومية منها.

هذا ويمكن تقسيم الأطفال في هذا السن إلى مرحلتين: مرحلة الطفولة المبكرة the toddlger stage من سن 1 – 3 سنوات، مرحلة ما قبل المدرسة the preschool stage من سن 2- 4 سنوات.

مرحلة الطفولة المبكرة:

هذه المرحلة تعتبر مرحلة انتقال من مرحلة الرضيع على مرحة الطفلن وهي تمتد من عمر سنة على ثلاث سنوات. وحتى نستطيع فهم احتياجات الطفل في هذه الفترة يجب أن نعرف ما هي صفات النمو والتطور عنده. فخلال السنة الثانية من عمر الطفل يبدأ معدل النمو بالبطء فالطفل يزيد وزينه في هذه السنة حوالي 2.5 كيلو غرام إلى 5 كيلو غرامات، ويزيد طوله 7.5 سم في هذه السنة. وبناء على ذلك، فالطفل يحتاج إلى كميات أقل من الطعام الذي كان عليه خلال فترة الرضاعة.

الاحتياجات الغذائية:

خلال مرحلة الطفولة المبكرة، تبدأ احتياجات الطاقة لكل وحدة من وزن الجسم في الانخفاض تدريجيا، في حين يظل الاحتياج لعناصر غذائية معينة عاليا، كما نجد أن شهية الطفل تقل وتصبح متغيرة. ففي فترات النمو السريع تزداد الشهية وفي فترات النمو البطيء تقل الشهية. ولذلك نجد أن اختيار أنواع الطعام بعناية يعتبر ضروريا لضمان حصول الطفل على احتياجاته الغذائية كاملة

ولكن بالرغم من هذه التغيرات، فإن التركيز على البروتين والكالسيوم والفوسفور والمنغنيزيوم والزنك يظل مستمرا، كما يظل اللبن عنصرا غذائيا مهما في غذاء الطفل.

والمرحلة التي تسبق مرحلة النضج هي المرحلة التي تظهر فيها عناية الوالدين بغذاء الطفل واختيارهم للأطعمة الجيدة، حيث أن الأطفال يخزنون هذه العناصر الغذائية الهامة لاستخدامها في فترات النمو السريع التي تحتاج إلى غذاء متكامل وكاف، ولهذا نجد أنه كلما كانت بنية الطفل سليمة وعظامه سليمة كان الطفل في حالة صحية جيدة وكان نموه طبيعيا ودون مشاكل، أما الطفل سيء التغذية فقد

(1/419)

يضطر على سحب مخزونه من العناصر الغذائية، وهذا يؤثر على صحته ونموه وقد ثبت من التجارب على الأطفال ونماذج تغذيتهم أن الحلوى والمأكولات الحلوة الأخرى، يجب أن تكون بكميات محدودة في غذاء الطفل حتى يتمكن من تناول العناصر الغذائية المهمة. وإذا ما سمح للطفل بتناول هذه السكريات بكميات كبيرة فالنتيجة سوف تكون أحد أمرين: إما أن يحدث نقص في العناصر الغذائية المهمة أو أن يؤدي ذلك إلى السمنة. ومن ناحية أخرى يمكن توفير السكريات للطفل، ولكن بصورة مغذية، فيمكنه مثلا تناول مشتقات اللبن والكعك المصنوع من الدقيق واللبن "الحليب" وهكذا نجعل الطفل يستمتع بما يتناوله، مع وجود مراقبة دائمة على ما يأكله الطفل وتوجيهه للعادات الغذائية السليمة.

الطاقة: إن التوصيات المسموح بها من الطاقة energy بالنسبة للطفل من سنة إلى ثلاث سنوات هي 102 كالوري لكل كيلو غرام من وزن الجسم، وبالنسبة للطفل من عمر 4- 6 سنوات نجد أن المسموح به انخفض إلى 90 كالوري لكل كيلو غرام من وزن الجسم. ولهذا فإنه من المهم جدًّا ملاحظة أنه من الممكن أن يكون ما يأخذه الطفل من الكالوري مناسبا له حتى وإن كان أقل أو أكثر مما هو موصى به.

البروتين: إن المخصص اليومي من البروتين protein للطفل الذي يتراوح عمره من سنة إلى ثلاثة سنوات هو 16 غراما ويزيد إلى 24 غراما في الفترة ما بين 4-6 سنوات ويعتبر معدل النمو ونوعية البروتين الذي يتناوله الطفل من العوامل التي تحدد وتؤثر على احتياجات أو متطلبات كل طفل. فمثلا لو أن غذاء الطفل كان غير متكامل وغير كاف من الناحية الكمية من الكربوهيدرات والدهون، فإن البروتين سوف يستخدم في توليد الطاقة بدلا من استخدامه في بناء الأنسجة ووظائف الجسم الأخرى والمهمة. وينتج عن ذلك نقص في الوزن ونقص في معدل النمو.

الدهون: يستمر الأطفال في حاجة إلى الدهون fats في غذائهم كمال كانت حاجتهم إليه وهم رضع. ويجب أن يكون 30 – 50 % من الكالوري في صورة دهون إلا أن زيادة تناول الدهن "مثل شرب كميات كبير من اللبن الكامل الدسم" قد يؤثر على شهية الطفل ويمنعه من تناول الأطعمة الأخرىن لذا يجب المحافظة على التوازن والتنوع في الوجبات.

الفيتامينات والعناصر المعدنية. إن الاحتياجات من الفيتامينات والعناصر المعدنية vitamins and minerals تظل عالية كلما استمر النمو وتطور الطفل من مرحلة إلى

(1/420)

أخرى ويعطي الغذاء المتنوع عادة معظم الفيتامينات والأملاح بالكميات التي يحتاجها الطفل.

وهناك عدد من الدراسات الغذائية التي أجريت وأثبتت أن نسبة كبيرة من الأطفال في هذه المرحلة مصابون بعوز الحديد. والمعروف أن نقص الحديد يؤدي إلى حدوث تغيرات سلوكية في الطفل، وقد يؤثر هذا النقص على وظائف الجهاز العصبي. كما وجد في بعض البحوث أن نقص الحديد يسبب قلقا وضعفا وإجهادا عند الطفل. والأطفال الذين يكونون عرضة للإصابة بعوز الحديد هم:

الأطفال الذين لم يخزنوا كميات كافية من الحديد خلال مرحلة الحمل وخلال مرحلة الطفولة.

الأطفال الذين لا يأكلون الأطعمة التي تحتوي على الحديد، كالحبوب المضاف إليها الحديد أو الكبد أو اللحوم أو الأسماك، أو الخضراوات ذات الأوراق الخضراء. وكما ذكرنا أن الإفراط في شرب اللبن يقف عائقا أمام تناول الطفل لهذه الأطعمة.

ولمنع حدوث هذا النقص وتجنب ما يسببه من أضرار يجب اتباع التالي:

مراعاة عدم الاقتصار على تناول اللبن طوال اليوم أو السوائل عالية الكالوري وذات القيمة الغذائية المنخفضة.

تناول الأطعمة الغنية بالحديد والتي تساعد على امتصاص الحديد في الجسم مثل اللحم والسمك والدجاج والأطعمة الغنية بفيتامين C الذي يساعد على زيادة امتصاص الحديد، والإقلال من الأطعمة والمشروبات التي تعوق امتصاص الحديد مثل الشاي.

ويوضح الجدول 4 مدى انتشار مرض فقر الدم الناتج عن نقص الحديد في دول الخليج العربي، ويظهر من الجدول أن النسبة عالية إذا ما قارنا المستوى الصحي والاجتماعي للأسرة في منطقة الخليج.

(1/421)

الجدول 4- مدى انتشار فقر الدم الناتج عن نقص الحديد بين الأطفال في سن ما قبل المدرسة في دول الخليج العربي

المصدر: Musaiger, A.O the state of food and nutrition in the arabian gulf countries wid. Rev nutr. Diet. 54. 105. 173.

3 إن نسب الإصابة بسوء التغذية بين الأطفال في سن ما قبل المدرسة تستدعي الاهتمام بأهمية توفير الغذاء المناسب والمتوازن للأطفال في هذه المرحلة ويجب أن تلعب دور الحضانة ورياض الأطفال دورها هاما في توفير الأغذية المناسبة أو حث الأسر على توفير أطعمة مغذية لأطفالها المتواجدين فيها.

ولتوفير الاحتياجات من العناصر الغذائية اليومية يجب أن تشمل الوجبات اليومية على أطعمة من المجموعات الغذائية الأربع والتي يجب أن يحصل عليها الطفل في غذائه "الجدولان" 5 و6".

الجدول5- عدد وحج الحصص اليومية لكل مجموعة غذائية للأطفال من عمر سنة إلى ثلاث سنوات

(1/422)

الجدول 6- عدد وحجم الحصص اليومية لكل مجموعة غذائية للأطفال من عمر إلى 5 سنوات

العوامل المؤثرة في اختيار الطعام:

إن كفاية الطعام المتناول من قبل الأطفال لا تعتمد فقط على وجود الطعام ووفرته بالنسبة لهم، وإنما على عدة عوامل منها العادات والتقاليد، عوامل البيئة، والعوامل الاجتماعية.

وكثير من الباحثين ركزوا في دراساتهم على اختيار الغذاء على مجموعة أطفال ما قبل المدرسة، وذلك بسبب وجود مجموعات منهم في المدارس ومراكز الحضانة إلى جانب أنه في هذه المرحلة من النمو نجد أن الوالدين قلقان على اختيار أبنائهم للطعام، وقلقان على أن أطفالهم لا يأكلون النوع والكمية المناسبين

(1/424)

من الطعام بالنسبة لسنهم، وأن قبول الطعام والعوامل التي تؤثر في ذلك تحتاج إلى مزيد من الدراسة والاهتمام.

1- قبول الطعام:

إن قبول الطعام food acceptance يتأثر بعدة عوامل، مثل الحالة التغذوية ودرجة الشبع، والطعم، والخبرات السابقة، والاعتقادات المتعلقة بأنواع معينة من الطعام. فنجد أن الرضع لديهم ميل أو يفضلون الماء المحلى بالسكر، وأن هذا الميل يمكن إلغاؤه بإعطاء الرضيع سوائل غير محلاة، وصغار الرضع يعرضون عن الطعم المر، ولا يرتكسون بالنسبة لطعم الملح. فتذوق الملح يبدأ في الشهر الرابع من العمر عندما يكون طعم الملح ممتزجا مع طعم آخر في الطعام. ويرفض الأطفال في سن ما قبل المدرسة المشروبات ذات الطعم المالح إلا أنهم يفضلون نسبة ملح أعلى في الشوربة "الحساء" أكثر من الكبار.

2- تأثير الوالدين:

المعلومات التغذوية. إن معلومات الوالدين عن التغذية تعد عاملا هاما في اختيار الأطفال للطعام، وتتجلى أهمية استخدام هذه المعلومات في تخطيط وجبات العائلة ودورها بالمواقف الإيجابية تجاه قبول الطعام، ومهارات حل المشاكل، وتنظيم الأسرة.

وقد اتضح بأن ترتيب الطفل في الأسرة له تأثير على اختيار أنواع معينة من الطعام بصرف النظر عن تساوي المعلومات التغذوية لدى مجموعة من الأمهات. فقد وجد بأنه عندما يكون طفل ما قبل المدرسة هو الأصغر في العائلة تكون الأم أقل تجاوبا مع طلبات الطفل لمنتجات جديدة، في حين تكون الأمهات أكثر استعدادا للاستجابة لما يفضله طفلها عندما يكون هو الأكبر في العائلة.

القدوة يمثل الوالدان والأشخاص الذين يعيشون قريبا من الأطفال أكثر الأثر وأقواه على نشأة السلوك الغذائي لدى الأطفال، فما يفعله الوالدان له تأثير أكيد على أطفالهم الصغار، كما أن العادات الغذائية للأخوة لها نفس التأثير على الصغار.

3- العلاقة والتفاهم بين الوالدين والأطفال:

إن التفاعل فيما بين الوالدين والأطفال يؤثر في قبول الطعام لديهمن كما يؤثر في سلوكهم الغذائي الذي يتبعونه. فإذا تقبل الوالدان التغيرات المزاجية في تناول

(1/425)

الطعام لدى الأطفال والاختلاف فيما يحبونه من الطعام، والذي ينمو بشكل طبيعي في الأطفال، فإن هذه التغيرات المزاجية الغذائية العابرة سوف تختفي قريبا.

لكن الآباء الذين يجدون صعوبة في تقبل هذه السلوكيات فيعطونها كثيرا من الانتباه، وذلك بمحاولة إغراء الاطفال أو تشجيعهم على تناول الطعام، ومناقشة ما يكرهه الأطفال أمامهم، أو إعطائهم ما يفضلونه من طعام عندما يرفضون ما قدم لهم، فإن هذا سوف يؤدي إلى تكوين هذا السلوك لدى الطفل بصورة دائمة ويصبح عادة غذائية مستديمة.

نصائح وتوجيهات للوالدين:

إن السنة الأولى من عمر الطفل هي الوقت الذي يجب فيه وضع الأساس السليم والصحيح لمستقبله الصحي والغذائي. ومن أهم المعايير التي يجب الإلمام بها والأخذ بها "خلال السنة الأولى من عمر الطفل" هو تشجيعه على تكوين عادات غذائية سليمة تدعم نموه، حتى تكون الزيادة في وزنه تسير بصورة طبيعية مع الزيادة في العمر. وهذا أساسا يعني تقديم أطعمة ذات قيمة غذائية ومرغوبة، فليس من الضروري أن يجبر الطفل على إكمال رضعته أو وجبته من الزجاجة، كما يجب تجنب الحلويات المركزة والأطعمة التي لا تحتوي على قيمة غذائية، بل على الكالوري فقط، وكذلك يجب تشجيع مزاولة الرياضة أو الأنشطة الجسدية حسب ما يسمح به سن الطفل.

ومن أجل اتقاء تطور السلوك والتصرفات التي تؤدي إلى تكوين شخص بدين، ينبغي على الوالدين تجنب استعمال الطعام كحافز على سلوك الطفل، أو أن يفكر في الطعام كوسيلة للتخلص من البكاء، أو أن يربطا العقاب بمنعهم من الطعام، بمعنى أن لا يتعلم الأطفال أن الطعام قد يكون وسيلة للتشجيع أو العقاب.

ويمكن تحقيق نمو الأسنان بصورة طبيعية باتباع نفس الخطط المذكورة سابقا، وذلك عن طريق تقديم أطعمة ذات قيمة غذائية عالية، وتجنب تناول الحلويات بكثرة وعدم تشجيع استخدام الطعام كأداة تشجيعية أو للشعور بالراحة، والتغلب على البكاء أو الحزن بالإضافة إلى هذا، فإن جميع أطباء الأسنان لا يشجعون ولا ينصحون استخدام زجاجة اللبن كمركنة PACIFIER للأطفال، ورأيهم ونصيحتهم هذه مبنية على أساس أن استمرار المص لفترة طويلة يعمل على دفع الخط الطبيعي للفك مما لا يجعل له شكلا منتظما. كما أنه إذا ظل الطفل يمص لفترة طويلة من زجاجة.

(1/426)

اللبن أو العصير، فهذا يؤدي إلى تعرض أسنانه العليا لسائل غني بالكربوهيدرات يساعد في نمو الجراثيم في هذه المنطقة، مما يحدث تسوسا في الأسنان العليا حتى تصل إلى خط اللثة.

وفي السنة الأولى، يعتبر الحليب من أهم الأطعمة التي تعمل على تزويد الطفل بمعظم العناصر الغذائية التي يحتاجها، وإعطاؤه 2 إلى 3.5 أكواب من اللبن في اليوم يعتبر كافيا في هذا العمر. أما إذا أخذ الطفل كمية أكبر من ذلك، فإن هذا يؤدي إلى أن يحل اللبن محل الأطعمة الأخرى التي يحتاجها الطفل مثل الأطعمة التي تمده بالحديد، التي قد ينتج عن نقصها فقر الدم الذي يعرف بفقر الدم اللبني المنشأ MILK ANAEMIA أما الأطعمة الأخرى كاللحم، والحبوب المقواة بالحديدن والخبز الأسمر، والخضراوات، والفواكه، فيجب إمداد الطفل بنوعيات منها وبكميات كافية، لأنها تمنحه ما يحتاجه من الكالوري وباقي العناصر الغذائية.

وتكون حركات الطفل في البداية غير متناسقة ومرتبكة وثقيلة، ولكنها تتطور وتصبح متناسقة ومنظمة، فهو يستطيع أن يضع الملعقة في فمه، وهكذا نجد بأن الوقت والتمرين مهمان وضروريان لتطور الطفل.

وفي هذه الفترة من عمر الطفل، يلاحظ احتياجاته للقيام بعمل كل شيء بنفسه ويرغب في تعلم كل شيء، وتكثر أسئلته حول كيف؟ ولماذا؟ كما يتعلم أيضا من والديه وإخوته، ويفعل مثلما يفعلون. وقد لا يقبل القيام بما يطلب منه إذا شاهد بأن والديه لا يفعلان الشيء ذاته.

وتأثير الأطفال الذين في مثل سنه يكون كبيرا عليه أيضا، فهو يريد حلوى كالتي يأكلها صديقه أو ابن الجيران، كما يتأثر أيضا بما يشاهده في التلفزيون. وكما ذكرنا سابقا، يجب عدم استخدام أنواع الطعام كوسيلة للتشجيع والمكافأة أو استعماله كوسيلة للعقاب، كأن يقال له مثلا: إذا أكلت خضارا سوف أعطيك حلوى أو مثلجات، وبذلك توحي الأم للطفل بأن الخضار طعام غير مقبول، وسوق يكافأ على أكله بإعطائه طعاما أفضل مثل المثلجات.

كما أن استخدام الطعام كوسيلة لمعايشة الحزن أو الفرح ينمي عند الفرد هذا الإحساس، فنجده في الكبر يلجأ إلى الأكل كلما مر بضغوط أو مؤثرات نفسية مختلفة.

كما يجب عدم إصرار الأمهات على أن يكمل أطفالهن منذ الصغر كل ما في

(1/427)

الطبق، والأفضل من ذلك هو وضع كميات مناسبة من الطعام في طبق الطفل بحيث يستطيع تناولها دون الإحساس بالضغط، وبذلك تتجنب الأم إلقاء الفائض من الطعام، كما يعتاد طفلها على أن يضع في طبقه ما يحتاج إليه فقط، مع منح الطفل الوقت الكافي لتناول الطعام في مواعد منتظمة من اليوم.

ونجد أن حجم الجسم ومكوناته، ونماذج الأنشطة، ومعدل النمو، تؤثر على الاحتياجات الأساسية للغذاء للأطفال في هذه المرحلة. وأن الطعام الموجود والمقبول من قبل الطفل لا يحدد فقط باختيار الوالدين للطعام، وإنما أيضا بالبيئة المحيطة بموعد الوجبة، وتأثير الأصدقاء، والإعلانات وخبرة الطفل بالطعام أيضا.

وإذا قدم الوالدان الدعم المناسب، فإن السلوك الغذائي السليم الذي يدعم النمو الطبيعي والوزن ونظافة الأسنان وسلامتها ويمنع نقص الحديد "فقر الدم" سوف ينشأ عند الطفل ويستمر معه حتى الكبر.

(1/428)

المراجع:

1 - Harris CS et al (1984) : Childhood asphyxiatoin by food: a national analysis and overlook. JAMA. 251: 2231 - 2236.

2 - Mcmillan, JA. (1977) Iron absorption from human milk, stimulated human milk, and proprietary formulas. Pediatrics. 60: 896 - 899.

3- عبد الرحمن مصيقر 1985 الوضع التغذوي للأطفال في البحرين، الباحث، العدد رقم 39، الصفحات 49- 61

4 - Ten State Nutrition Survey 1968 - 1970: Highlights, DHEW, Washington, U.S.

Government Printing Office, 1972.

5 - Dallma, P., Simmes M., Stekel A (1980) Iron Deficiency in infancy and childhood.

Am. J. Clin. Nutr. 33:85 - 90.

6 - Pollit, E., Leibel R (1976) Iron deficiency and behavior. J. Pediatr. 88: 372 - 376.

7 - Read, MS (1974) Anemia and behavior. Mod. Probl. Pediatr. 14: 189 - 192.

8 - Beauchamp, GK and Coward BJ (1985) Congenital and experimental factors in

the development of human flavor preferences. Appetite, 6: 357 - 360.

9 - Philips, DE., Bass, MA. and Yetley, E. (1980) Use of food and nutrition

knowledge by mothers of pre-school children. J. Nut. Edu. 10: 73 - 76.

مراجع إضافية:

خالد على المدني ورفيدة حسين خاشقجي: الرضاعة الطبيعية 1989م. دار المدني بجدة.

رفيدة حسين خاشقجي وخالد على المدني: التغذية خلال مراحل العمر 1993م دار المدني بجدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خلاصة القول في الختان لا يثبت فيه نص محكم

الختان {ب بدر م الطب الاسلامي} بسم الله الرحمن الرحيم   خلاصة القول في الختان 1 1. انه مفروض بالنسبة للذكور 2. مكروه بالنسبة للإ...