Translate

السبت، 25 مارس 2023

ج1.الشامل في الصناعة الطبية

ج1.الشامل في الصناعة الطبية

شُرُوعٌ

مثل العنقاء حين تنفضُ عنها غبارَ القرون ناهضةً من سُباتٍ طويل؛ يطلع إلينا اليوم علاءُ الدين القَرَشى (ابن النفيس) بموسوعته الشامل فى الصناعة الطبية بعد وفاته بسبعة قرون.

ومثلما تشرع العنقاءُ أجنحتها الأسطورية الرائعة مُحلِّقةً فى الذرى، بعدما بُعثت من رمادها؛ يفرد العلاءُ أجزاءَ موسوعته الأربعين فيطير مرةً ثانية فى سماوات العلوم وتاريخها، بعد قرونٍ من انطمار الكتاب فى النُّسخ الخطية، وبعد تيهٍ طويل وشتاتٍ بين مكتبات الشرق والغرب.

وكأننى الآن بالعلاء القرشى، يبتسمُ فى عليائه ابتسامةً لا تخلو من اعتدادٍ وابتهاجٍ وسخرية! محدِّثاً نفسه: أَلَمْ أَقُلْ للزَّمَانِ: " لَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ تَصَانِيفى تَبْقَى بَعْدِى عَشْرَةَ آلاَفِ سَنَةٍ، مَا وَضَعْتُهَا ". فَلمْ يُصَدِّقْنى أَهْلُ زَمَانِى.. فَأَيْنَ هُمُ الآنَ؟

(/)

وكأننى به.. وقد غلبه الوجدُ الذى، حسب قول الصوفية؛ يكون: عِنْدَ ذِكْرُ مُزْعِجٍ أو خَوْفِ مُقْلِقٍ.. أو أَسَفٍ على فَائِتٍ! فإذا بعينيه وقد اكتستا بسحابةِ أسىً، وبحزنٍ شفيف، لما ضَيَّعه الزمانُ من أجزاء موسوعته الأربعين.. ولا يخلو أساهُ وحزنُهُ، من أملٍ ورجاء فى ظهورها يوماً منزويةً بين جنبات خزانةٍ خطِّيةٍ عتيقة، غفل عنها الأحفاد.

أربعون جزءاً من الشامل ضاعت، وأربعون تخرج اليوم محقَّقةً على يد واحدٍ من أحفادك أيها العلاء.. ليس واحداً، بل هُم نفرٌ من أحفادك وجدوك قطعةً من ذاتٍ مندثرة، حُقَّ لها أن تُبعث ووجودوك ورقةً من كتاب الوعى الغائب، حُقَّ لها أن تُنشر وتُذاع. فها نحن ننشر الأربعين من الشامل ونصبو لخروج الأربعين الأخرى فلا يبقى الشاملُ ناقصاً.

يرد العلاءُ: الشَّامِلُ لَنْ يَكُونَ نَاقِصاً أَبداً! فقد تحسبتُ لأفعال الزمان، فجعلتُ كُلَّ جزءٍ من الشامل منفصلاً عن بقية الأجزاء، قائماً بموضوعه ومُتَّصلاً - فى آنٍ - ببقية الأجزاء، مكمِّلاً لها حتى إذا ظهر جزءٌ واحد، دَلَّ ظهوُره على بقية

(/)

الأجزاء، وحدا بكم - من بعدى - إلى التنقيب عنها، والسعى وراء الاكتمال.

ويضيف العلاءُ من عليائه:

لنمض، إذن، قُدُماً فى نشر ما تحت أيدينا من الأجزاء الموجودة، ولْنأمل فى العثور على المفقودة ولْنجعل غايتنا فى ذلك: " نُصْرَةَ الحقِّ وإِعْلاءَ مَنَارِه، وخِذْلاَنَ البَاطِلِ وطَمْسَ آثَارِه " كما قلتُ فى ديباجة شرحى على فصول أبقراط ثم أردفتُ: " وَهْوَ أمرٌ التَزَمْنَاهُ فى كُلِّ فَنٍّ ".. فليكن التزام الأحفاد، كالتزام الأجداد من قبلهم ولا يروعكم تعاقبُ الأجيال، ولا يقعد بكم أنكم فى زمنٍ عربىٍّ ردئ، فهذه أمةٌ لن تخلو - أبداً - من قائمٍ بالحجة، وحاملٍ للمشعل.. وقد دَلَّ النظر العقلى، واستقراءُ أحوال الأزمنة، على أنه: إِذَا تَسَاوَتْ العُقُولُ والهِمَمُ، فَمُتَأَخِّرُ كُلِّ صِنَاعِةٍ، خَيْرٌ مِنْ مُتَقَدِّمِها.

.. وتُثير كلماتُ العلاء كوامن النفس، وتهزُّ القلب والعقل.. بل الكيان كله، فيأخذنى الدَّهَشُ لحظةً، فلا أفيقُ إلا والعلاءُ يغيب عن تلك الحضرة البرزخية، وهو يقول بنبرةٍ هادئةٍ، تفيض رجاءً وتحناناً:

(/)

أوصيك، أوصيكم جميعاً، بأن تقرأوا كتابيا.. لترون كيف كان عقلكم العربى يفكر.. ولاتحذونى حَذْوَ التكرار، فهذا مستحيلٌ لن يكون.. وإنما انظروا كيف كانت كتابة الأوَّلين.. ثم اكتبوا من بعدها كتابةً أبهى.. ولتعرِّفوا الدنيا بما كتبناه.. ولتضعوا الشامل أمام أعين العالمين.. من الدارسين لتاريخ العلوم.. والمهْتَمِّين بالتراث العربى / الإسلامى.. والنَّاعين على العقل العربى والثقافة الإسلامية، أولئك الذين صاروا فى يومكم هذا: ناعقين بكل وادٍ.

(/)

الشَّامِلُ فى الصِّنَاعَةِ الطِّبِّيَّةِ

دِرَاسَةٌ مُمَهِّدِة

(1/1)

تأتى هذه الدراسة الممهِّدة لتحقيق موسوعة الشامل فى الصناعة الطبية بعد شهرين من صدور كتابنا: علاء الدين (ابن النفيس) القرشى، إعادة اكتشاف. وهو الكتاب الذى اعتبرناه فاتحةً واختتاماً، فهو ختامٌ لسنوات طوال قضيتها فى دَرْس العلاء، ساعياً لاستكشاف صورة هذا الرجل / العلاَّمة، والتجوال فى مفاوز إبداعاته العلمية، دون النزوع الإختزالى الذى يلخِّصه - ويبتسره - فى عبارة: مكتشف الدورة الدموية الصغرى.. واعتبرتُ الكتاب فاتحةً لتحقيق موسوعة الشامل التى تعد، بعد اكتمال صدورها خلال عامين: أضخم كتاب فى التراث العلمى العربى، تخرجه مطابعنا منذ بدء عصر الطباعة.

ومع ذلك، فلابد لنا هنا، قبل الخوض فى بحار الشامل.. من إلقاء بعض الضوء على هذه الموسوعة، ومؤلِّفها، ومخطوطاتها، وما يتعلَّق بها من التباسٍ فى أذهان الدراسين، وما اتَّبعناه من منهجٍ للتحقيق؛ وغير ذلك من التمهيدات الضرورية.. فنقول، وعلى الله قصد السبيل:

الكِتَابُ ومُؤَلِّفُهُ

الشامل بلا منازع، هو أكبر موسوعة علمية فى التاريخ الإنسانى، يكتبها شخصٌ واحد. فالكتابةُ العلمية اتَّجهت منذ بداياتها الأولى، إلى شكل الرسائل القصار، والفوائد الموجزة؛ وهو ما ظهر مع فجر التاريخ العلمى فى نصوصٍ أوَّلية كما هو الحال فى البرديات المصرية القديمة، التى بقيت منها إلى يومنا هذا بضعة برديات، تُعرف بأسماء مكتشفيها أو أماكن حفظها، مثل: بردية هيرست

(1/2)

بردية كاهون بردية برلين.. إلخ، وكلها عبارة عن معلومات طبية مجتزأة ووصْفاتٍ علاجية متتالية، ومعارف من علم التشريح.

وفى الأزمنة الغابرة، كتبت الفرسُ والهندُ والصينُ كتابةً علمية، موجزة عرفناها لما قام بنقلها من أصولها إلى اللغة العربية جماعةٌ من المترجمين، فنقل من الهندية إلى العربية: منكه الهندى، ابن دهن الهندى. ونَقَلَ من الفارسية: ابنُ المقفع، آل نوبخت، البلاذرى. ونَقَلَ من النبطية إلى العربية: ابنُ وحشية النبطى (1) .. فعرف العالم العربىُّ الإسلامى، ومن بعده بقيةُ الدنيا، من كتب الحضارات القديمة، أعمالاً مثل كتاب السموم لشاناق الهندى، وكتاب الفلاحة النبطية لابن وحشية، والأزياج الفلكية الهندية والفارسية.. وغير ذلك كثيرٌ من النصوص العلمية.

ولما تسلَّمت اليونان مشعل الحضارة الإنسانية من مصر القديمة وبلاد الشرق كتب علماءُ اليونان وأطباؤهم نصوصاً على شكل الرسائل، تم جمعها فى عصورٍ لاحقة، فى كتبٍ مثل أصول الهندسة لأُقليدس، الذى كان فى الأصل مجموعة مقالات كتبها أُبولونيوس ثم حرَّرها أُقليدس وأضاف إليها مقالات أخرى، فجُمعت كلها بالإسكندرية القديمة، وتُرجمت فى بغداد، وصارت كتاباً واحداً.. ومثل كتاب المجسطى لبطليموس، الذى كان فى أصله ثلاث عشر مقالة جُمعت معاً ونُقلت إلى العربية بعناية يحيى بن خالد البرمكى. وكذلك الأمر فى كتب أرسطو قبل أُقليدس وبطليموس، فقد وضع هذا المعلم

__________

(1) راجع تفاصيل هذه الحركة العلمية، وجهود المترجمين، في: النديم: الفهرست تحقيق رضا المانذراتي (دار المسيرة، بيروت 1988) ص 304 وما بعدها. يوسف زيدان: المتواليات بحوث ف يالمتصل التراثي المعاصر (الدار المصرية اللبنانية، القاهرة 1998) الفصل الخامس.

(1/3)

الأول علومه على شكل رسائل وكُتبٍ صغار، جُمعت بعد ذلك على صعيدٍ واحد، فصار لدينا - مثلاً - كتاب المنطق الذى هو مجموعةٌ من الرسائل والكتب القصار: قاطيغورياس بارى أرمنياس، أنالوطيقا.. إلخ، ثم وضع لها فرفوريوس الصورى مدخلاً اشتهر بعنوان: إيساغوجى أو المدخل إلى المنطق.

وفى التراث الطبى، اشتهر من أهل اليونان اثنان من الأطباء المؤلِّفين: أبقراط، جالينوس. وكلاهما كتب بإيجازٍ فى مجالات الطب على اختلافها، ثم جُمع المختلف، فأتلف فى المجموعة الأبقراطية (الاثنى عشر كتاباً) .. وفى (الستة عشر كتاباً) لجالينوس، التى جمعها الإسكندرانيون من رسائله، فصارت تُعرف بعنوان: منتخبات الإسكندرانيين لجالينوس. وكلاهما، أعنى أبقراط وجالينوس سوف يُعرف فى حضارتنا من خلال تلك المؤلَّفات، ويُشهد له بالفضل، فلا يُذكر اسمه إلا مسبوقاً بلقب: الفاضل.

وفى حضارتنا، نحن، سوف تكون أول كتابات علمية موسَّعة، وأول موسوعات علمية فى التاريخ الإنسانى.. ربما لأنها حضارة حفظٍ وتدوين، وربما لأن المعارف كانت قد اتسعت، وربما لأن المسلمين تَشكَّل وعْيُهم من خلال الكتاب أعنى القرآن الكريم.. ومن خلال الحديث الشريف الذى دعا إلى التدوين كما فى قوله r: دوِّنوا العلم بالكتاب.

ودوَّن العربُ المسلمون - أول الأمر - الرسائل الطبية والكنانيش (1) ، ثم عكفوا على كتابة المطوَّلات، فزها تراثنا، وازدان، بموسوعاتٍ طبية مثل: الحاوى.. القانون.. الشامل. ولنتكلم عليها تفصيلاً، لنتعرَّف إلى مكانة الشامل وموضعه من تاريخ الطب العربى / الإسلامى، بل الطبِّ الإنسانى بعامة.

__________

(1) الكُنَّاش: كتابٌ يجمع فيه صاحبه جملةً من المعلومات العامة، والمعالجات، والوصايا الطبية والحالات المرضية، ومثل ذلك.

(1/4)

أما الحاوى فهو كتابٌ، كما جاء فى ديباجته: ألَّفه أبو بكر محمد بن زكريا الرازى المتطبِّب، فى طِبِّ جميع الأمراض الكائنة فى بدن الإنسان ومعالجتها، وسمَّاه الحاوى لأنه يحتوى على جميع الكتب وأقاويل القدماء الفضلاء من أهل هذه الصناعة، وقد بدأ بذكر ذلك من رأس الإنسان، وما ينزله من الأمراض (1) .

ولم يكن الحاوى هو الكتاب الوحيد الذى ألَّفه أبو بكر الرازى (المتوفى 313 هجرية) فقد وضع الرجل من الكتب كثيراً، مثل: المنصورى، منافع الأغذية، كتاب الجدرى والحصبة.. وغيرها من المؤلَّفات التى بلغت 141 كتاباً ورسالة بحسب إحصاء الفهرست (2) وزادت فى عيون الأنباء (3) لتصل إلى 232 مؤلَّفاً.

غير أن الحاوى ظلَّ دائماً: أهم أعمال الرازى الطبية.. وقد نُشر الكتابُ فى أربعة وعشرين مجلداً، بتحقيق لابأس به، قام به جماعةٌ من فضلاء الهند المعاصرين، بإشراف الدكتور عبد المعيد خان. ولاشك فى أن تحقيق الحاوى ونشره،لم يكن بالعمل الهيِّن، فالكتابُ عبارة عن قصاصات من الورق، توفى الرازى ولم يفسح له الأجل أن يحرِّرها (4) . فجمعها تلاميذه بعد موته جمعاً غير

__________

(1) الرازي: الحجاوي (دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند 1955) المجلد الأول الصفحة الثانية من النص المحقق.

(2) النديم: الفهرست، ص 357 وما بعدها. والقائمة التي أوردها النديم، نقلها من فهرست الرازي - نفسه - لأعماله، ولا شك أن هذه الأعمال زادت بعد فهرسة مؤلِّلها، فوصلت إِلى العدد الذي ذكره ابن أبي أصيبعة.

(3) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق د. نزار رضا (دار مكتبة الحياة بيروت) ص 414 وما بعدها.

(4) المرجع السابق، 421.

(1/5)

محكم، وغير منطقى (1) .

وأما القانون فى الطب للشيخ الرئيس أبى على ابن سينا المتوفى 428 هجرية، فهو أول موسوعة طبية كاملة، بالمعنى العلمى الدقيق للكلمة. بدأها مؤلِّفها بقوله، بعد الحمدلة: التمس منى بعضُ خُلَّص إخوانى، ومَنْ يلزمنى إسعافه بما يسمح به وَسَعى، أن أصنِّف فى الطب كتاباً مشتملاً على قوانينه الكلية والجزئية، اشتمالاً يجمع إلى الشرح الاختصارَ، وإلى إيفاء الأكثر حقه من البيان الإيجازَ، فأسعفته بذلك، ورأيتُ أن أتكلَّم أولاً فى الأمور العامة الكلية فى كلا قسمى الطب، أعنى القسم النظرى والقسم العملى، ثم أتكلَّمُ فى كليات أحكام قوى الأدوية.. فإنى أجمع هذا الكتاب، وأقسِّمه إلى كتبٍ خمسة؛ الكتاب الأول: فى الأمور الكلية فى علم الطِّبِّ. الكتاب الثانى: فى الأدوية المفردة. الكتاب الثالث: فى الأمراض الجزئية الواقعة بأعضاء الإنسان عضوٍ عضو، من الفَرْقِ إلى القَدَم، ظاهرها وباطنها. الكتاب الرابع: فى الأمراض التى إذا وقعت، لم تختص بعضو، وفى الزينة. الكتاب الخامس: فى تركيب الأدوية، وهو الأقراباذين (2) .

وطُبع القانون فى مصر بدون تحقيق، وتوالى تصوير، وتزوير، هذه الطبعة غير المحقَّقة - وإن كانت جيدة - ولم يفكر محقِّقٌ واحد فى إخراجه ونشره محقَّقاً حتى الآن! والمحقِّقون معذورون فى إحجامهم عن تحقيق كتاب مثل القانون فهو علاوة على ضخامته، جامعٌ لشتات المعارف الطبية فى عصره، مما يجعل ملاحقة نصوصه بالضبط والتحرير، عملاً شاقاً فى الجهد، قليلاً فى المجد.. خاصةً فى

__________

(1) د. محمد عبد الرحمن مرحبا: الجامع في تاريخ العلوم عند العرب (منشورات عويدات، بيروت 1988) ص 255.

(2) ابن سينا: القانون في الطب 1 / 2، 3.

(1/6)

wm Hovزمننا هذا الذى يشهد تراجعاً عن إنجاز المشروعات الكبرى؛ وتلك قصةٌ أخرى،لها تفصيلٌ يطول، وليس هذا موضعه.ضعه.

وأما الشامل فى الصناعة الطبية فهو ثالث الموسوعات الكبرى فى تاريخ الطب العربى / الإسلامى، بل الطِّبِّ الإنسانى بعامة. تحدَّى بها العلاء القرشى (ابن النفيس) قِصَر الزمان الإنسانى، ومحدودية القدرة الإنسانية! وقد كان العلاءُ امتداداً للتقاليد الطبية التى أرساها مِن قبله أعلامٌ من نوع الرازى وابن سينا وكانت صلته بالأخير أقوى، وشروحه على مؤلَّفاته أكثر (1) . غير أنَّ إقدامه على تأليف موسوعةٍ بحجم الشامل لا يفسِّره - فقط - كونه امتداداً لهؤلاء الأطباء العظام، وإنما لابد من النظر فى السياق التاريخى الذى انتمى إليه العلاء ولابد من تفحُّص اللحظة التاريخية التى عاشها. وفى هذا الإطار نقول:

لما اهتزَّ كرسى الخلافة العباسية تحت وطأة الشيخوخة العباسية، ومؤامرات القصور، وتهديدات المغول.. بدأت المجالسُ العلمية تنسرب من بغداد إلى الشام ومصر. كان ذلك منذ مطلع القرن السابع الهجرى، الذى وُلد العلاءُ فى السنة السابعة منه - بقرية القَرَشِ القريبة من دمشق - ولما كان العام المشئوم فى منتصف هذا القرن، أعنى سنة 656 هجرية.. دخل هولاكو بغداد، فطمس وجهها على نحوٍ،لم يسمح لها باستعادة دورها من بعد ذلك: أبداً.

وازدهر العلمُ فى الشام ومصر، غير أن الشام ابتُليت آنذاك بالوقوع بين شِقَّى الرحى: المغول.. والصليبيين. ولم يكن الحالُ فى مغرب العالم الإسلامى

__________

(1) يقول ابن فضل الله العمري، إن العلاء (ابن النفيس) شرح القانون في عشرين مجلداً، وكان يحفظ كليات القانون، وأنه: هو الذي جسَّر الناس على هذا الكتاب.. (ابن فضل العمري: مسالك الأبصار مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 99/ م تاريخ - مخطوطة أحمد الثالث رقم 2797/ج) وقد نشرنا هذا النَّصّ - محقَّقاً - في كتابنا: علاء الدين.. ص 38 وما بعدها.

(1/7)

بأفضل منه فى الشام، فقد آذنت شمسُ الأندلس بالمغيب، وتهدَّدت بلاد المغرب ووَهَنَ منها عَظْمُ المجد والسلطان، فصارت نهباً لأطماع - وحملات - الإسبان وأحقادهم التاريخية، مما دفع ببلاد المغرب إلى ناحية الانزواء الحضارى.

وفى العقود الأخيرة من القرن السابع الهجرى، وجدت القاهرة نفسها وحيدةً، وسط عالمٍ يرتجُّ؛ فالمشرقُ الإسلامى - بلاد فارس وما بعدها - لايزال يترنَّح من عنف الضربات المغولية، التى توالت طيلة خمسين سنة، ابتدأت بخروج جنكيز خان للثأر من محمد خوارزمشاه، وانتهت بتأسيس الدولة الإسلامية المغولية على يد بركة خان حفيد جنكيز خان، زعيم القبيلة الذهبية، بعد انكسار ابن عمه هولاكو على يديه.. والمغربُ الإسلامى كان قد انزوى، وصار منطقة طردٍ حضارىٍّ واجتماعى، وفزع منه الناسُ إلى مصر والشام، مثلما التجأ العلماءُ والصوفية؛ أمثال: ابن عربى، التلمسانى، الششترى، الشاذلى، المرسى. ومِن قبلهم: موسى بن ميمون الطبيب الفيلسوف، ابن البيطار العَشَّاب المعروف وغيرهما. جاء هؤلاء من المغرب إلى مصر، من الشام جاءها - فى حدود سنة ثلاثين وستمائة - علاءُ الدين القرشى.

وكان على مصر وهى الحاضرة الإسلامية الوحيدة التى ظلت مزدهرة، أن تقوم بدور كبير لإنقاذ الكيان الحضارى العربى / الإسلامى، فتعيَّن عليها عسكرياً صَدَّ فلول المغول وجحافل الصليبيين. كما تعيَّن عليها سياسياً إحياء الخلافة الإسلامية، ولو كان إحياءً رمزياً. كما تعيَّن عليها اجتماعياً واقتصادياً أن تستوعب الهجرات الوافدة عليها من المغرب، ومن العراق والشام.

وأدَّت مصرُ ما عليها فى ذلك كله، حتى دخل القرن الثامن الهجرى، وقد استتبَّ الحال فى مصر، وصارت القاهرة - آنذاك - أهم مركز حضارى فى العالم الإسلامى، وأكثر العواصم العربية أمناً وازدهاراً.. حتى أن ابن خلدون، كتب

(1/8)

- فى أواخر القرن الثامن الهجرى - قائلاً إن مَنْ أراد أن يرى عِزَّ الإسلام فلْيذهب إلى القاهرة.

وكانت ذاكرةُ الأمة قد هدَّدها الاندثار، فقد ضاعت ألوف المخطوطات التى هى كتاب الحضارة ودُمِّرت المكتباتُ فى المشرق والمغرب. وكان المغولُ والصليبيون يحرصون على طمس التراث العربى / الإسلامى، بالتخريب وإفناء المخطوطات.. وقد اشتهرت فى التاريخ، واقعةُ إفراغ هولاكو لمخطوطات بغداد فى نهر دجلة، لغسل مادوَّنته الأمة، ومحو ما خلَّفته القرون.

من هنا، كان على مصر أن تقوم بدورٍ هائل لحفظ ذاكرة الأمة، وإنقاذ هويتها من الانطماس. فبدأ علماءُ مصر، من بعد سقوط بغداد، فى تدوين المطوَّلات والكتب الضخمة والموسوعات - فى شتى مجالات العلم - مع أنَّ الملاحظ فى كتابات المصريين طيلة القرون السابقة على القرن السابع الهجرى أنها كانت تأتى دوماً، على هيئة كتب صغار، ورسائل، ومساجلات علمية. لكن الحال تغيَّر مع جهود علماء من أمثال علاء الدين القرشى (ابن النفيس) الذى وضع ما يقرب من عشرة شروح على موسوعة ابن سينا (القانون فى الطب) بغية إعادة بعثها مرةً أخرى إلى أذهان المشتغلين بالطب، ومن هنا قال ابن فضل الله العمرى، إن العلاء: هو الذى جَسَّر الناس على قانون ابن سينا.

ومن بعد بعثه للقانون، يعكف العلاء (ابن النفيس) على تدوين موسوعة الشامل فى الصناعة الطبية فيضع المسودات بحيث تأتى فى ثلاثمائة مجلد، بيَّض منها ثمانين ثم وافته المنية - عن ثمانين سنة - سنة 687 هجرية بالقاهرة، وأهدى المجلدات الثمانين، بل كل مكتبته وداره وأمواله، إلى البيمارستان المنصورى بالقاهرة - مستشفى قلاوون حالياً - الذى كان مشرفاً عليه، باعتباره أكبر

(1/9)

مستشفيات القاهرة آنذاك، ومحل عمل رئيس أطباء مصر وهو المنصب الذى شغله العلاء (ابن النفيس) حتى وفاته فى السنة المذكورة.

وقريبٌ من هذا (النمط) من الكتابة الموسوعية الحافظة للذاكرة، وفى مجالٍ آخر غير الطب؛ سوف يضع ابن فضل الله العمرى - المتوفى 749 هجرية - موسوعته التاريخية (مسالك الأبصار) فيؤرِّخ لكل شئ: الملوك، العلماء، الوقائع ويتحدَّث عن كل شئ: الأقاليم، النبات، الحيوان.. إلخ. وقد كان ابن فضل الله - مثل العلاء القرشى - من أصلٍ شامىٍّ، ثم توطَّن فى مصر وارتبط بها بقية عمره، حتى أن الناصر محمد بن قلاوون لما أراد أن يعاقبه، نفاه إلى الشام.. ولما رضى عنه، بعد حين؛ أعاده إلى القاهرة!

وفى القرن الثامن الهجرى، فى القاهرة؛ سوف يكتب شهاب الدين النويرى المتوفى 732 هجرية، موسوعته الأدبية الهائلة: نهاية الأَرَب فى فنون الأدب. فيقع كتابه فى ثلاثين مجلداً تشتمل على خمسة فنون، الأول: فى السماء والآثار العلوية والأرض والمعالم السفلية. الثانى: فى الإنسان وما يتعلَّق به. الثالث: فى الحيوان الصامت. الرابع: فى النبات. الخامس: فى التاريخ.. وقد لخص النويرى فى كتابه، كتباً متوناً من التراث السابق عليه، منها: إحياء علوم الدين، اللمعة النورانية، الملل والنِّحَل، فقه اللغة، نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق، القصيدة العبدونية (قصيدة ابن عبدون فى التاريخ) وشَرْحها لابن بدرون، مباهج العبر.. بالإضافة إلى ديوان الحماسة لأبى تمام ودواوين الشعراء: المتنبى، البحترى، البستى؛ وغيرهم.. وكأنه بذلك، يبعث هذه المتون للحياة مرةً أخرى، مثلما بعث العلاءُ قانون ابن سينا، وجسَّر الناس عليه.

وفى القرن الثامن نفسه، عَاشَ فى القاهرة، وكَتَبَ، واحدٌ من أغزر

(1/10)

المؤلِّفين فى تاريخ الإسلام: ابن حجر العسقلانى. وكلنا نعرف ضخامة وأهمية، مؤلَّفاته فى التاريخ وعلوم الدين، وقد كانت لأعماله أصداءً واسعة فى أرجاء الأرض. وقد حكى لنا المقريزى أنه حين انتهى ابن حجر من (فتح البارى بشرح صحيح البخارى) عُمل حفلٌ خارج سور القاهرة، أُنفقت فيه على الذبائح وحدها: خمسمائة دينار! ويوم الحفل وصلت وفودٌ من ملوك الأرض تطلب نسخاً من الكتاب.. وهكذا صارت القاهرة هى المركز الثقافى الأول فى المنطقة الإسلامية الممتدَّة الأرجاء، تلبيةً لحاجة حضارية مُلحَّة، شارك بالاستجابة لها علماءٌ من كل فن.. كان منهم العلاء القرشى، الذى اشتهر بين معاصرينا بلقب: ابن النفيس (1) .

وأخيراً.. فلابد من إشارةٍ إلى عدم توقف هذا الدور المصرى، التدوينى الحافظ للذاكرة؛ عند حدود القرن الثامن الهجرى، فقد تعدَّاه إلى القرن التاسع الهجرى، الذى عاش فيه بمصر مؤلِّفٌ من أغزر المؤلفين مادةً - فى التاريخ الإنسانىكله - أعنى به: جلال الدين السيوطى المتوفى 911 هجرية. ذلك الرجل كتب فى علوم اللغة المزهر وفى علوم الدين جمع الجوامع وفى التاريخ حُسن المحاضرة.. وكلها مجلدات كبار، وله بجانب ذلك مؤلَّفاتٌ صغار الحجم جاءت على شكل رسائل حافظة للملامح الثقافية فى تفصيلاتها، وفى طرافتها فكتب: منهل اللطائف فى الكنافة والقطائف، در الغمامة فى الطيلسان والعمامة، الدوران الفلكى على ابن الكركى.. ولم يتحرَّج، وهو العالم الجليل عن كتابة أعمالٍ عنوانها: الوشاح فى فوائد النكاح، الجواهر الثمينة فى فضائل السمينة، نواضر الأيك فى نوادر ال (..) !

__________

(1) راجع شكوكنا على صحة هذا اللقب، في الفصل الأول من كتابنا: علاء الدين.. إعادة اكتشاف (المجمع الثقافي - أبوظبي 1999) .

(1/11)

وهكذا كان السيوطى حلقةً من حلقات المشروع المصرى لحفظ ذاكرة الأمة وتدوين ثقافتها - فى أَجَلِّ الصفات وأدق التفصيلات - وهو ما نجح علماءُ مصر فى تحقيقه، بجهودٍ تأليفية جبارة.. لولاها، لكان تراثنا قد انطمس.

جاء الشاملُ إذن، كحلقة كبرى من حلقات مشروع حضارىٍّ كبير تبنَّته مصر منذ أواسط القرن السابع الهجرى، سعياً لحفظ ذاكرة الأمة وتدوين علومها.. ومن هنا، كان على العلاء - رئيس الأطباء - أن يصوغ المعرفة الطبية فى عصره، صياغتها الأخيرة، المكتملة، بعد خمسة قرون من تطور الطب العربى / الإسلامى، وعلى نحوٍ لم يتم تجاوزه، ولو بعد قرونٍ من حياة العلاء.

مَخْطُوَطاتُ الشَّامِلِ

بدأتُ قبل عشر سنوات، فى جمع مخطوطات الشامل من مكتبات العالم وكان ظَنِّى المتفاءل، يرجِّح أن تكون أغلب النسخ الخطية من الكتاب محفوظةً بمصر، خاصةً مع ما ذكره ابن فضل الله العمرى من أنه: شاهد المجلدات الثمانين فى البيمارستان المنصورى بالقاهرة. غير أنها لم تكن سوى أُمنية والأمانى كما يقولون: خوادع! إذ لم يكن بمصر غير جزئين فقط من الكتاب كلاهما محفوظ بدار الكتب المصرية، التى ذكر فهرسها البدائى المعمول به حالياً خمس مخطوطات من الشامل ثم اتضح لى أن ثلاثة منها، مصورات. فكان رصيد دار الكتب المصرية من مخطوطات موسوعتنا، هو الآتى:

1 - مخطوطة رقم 6057/ل، ناقصة من أولها وآخرها، ومنسوبة فى الفهرس لغياث الغيث - وسوف نعود للكلام عنه بعد قليل - وتضم مقدمة الشامل، والكتب الثلاثة الأولى من الفن الأول.

(1/12)

2 - مخطوطة رقم 681/طب، بدون تاريخ. وهى تحتوى على الكتاب الثالث والعشرين من الجزء الثانى من الفن الثالث من الشامل وهو كتاب اللام من كتاب الأغذية والأدوية. والمخطوطة أوراقها 138 ورقة، الورقة صفحتان.

3 - مخطوطة رقم 3/4، طب

4 - مخطوطة رقم 423/طب تيمور.

5 - مخطوطة رقم 620/طب طلعت.

والنسخ الثلاث الأخيرة، ليست سوى مصورات من كتاب اللام الذى احتوت عليه المخطوطة المحفوظة بالدار تحت رقم 681/ طب.

ومع أننى قمت بفهرسة عدد كبير من المكتبات الخطية فى مصر، حتى بلغ عدد ما فهرسته حوالى 18.000 مخطوطة، موزَّعة على تسع مكتبات؛ غير أننى لم أجد مخطوطةً واحدة من الشامل، بين هذه الألوف من المخطوطات! وفى غير مصر، وجدتُ من مخطوطات الشامل ما يلى:

1 - نسخة مخطوطة بمتحف الآثار العامة (بغداد) برقم 1271، تقع فى 1045 ورقة (الورقة صفحتان) وتضم هذه المجموعة ما يلى:

* الكتاب السابع من الجزء الثانى من الفن الثالث فى الأدوية والأغذية المفردتين التى تبدأ بحرف الخاء وهو يقع فى 10 مقالات وخاتمة.

* الكتاب الثامن فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الدال يقع فى 6 مقالات وخاتمة.

* الكتاب التاسع فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الذال يقع فى 3 مقالات.

(1/13)

* الكتاب العاشر فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الراء يقع فى 10 مقالات وخاتمة.

* الكتاب الحادى عشر فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الزاى يقع فى 19 مقالة وخاتمة.

* الكتاب الثانى عشر فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف السين يقع فى 13 مقالة وخاتمة (ناقص من أوله) .

* الكتاب الحادى والعشرون فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف القاف يقع فى 25 مقالة.

* الكتاب الثانى والعشرون فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الكاف يقع فى 30 مقالة.

وفى نهاية الكتاب الأخير، كتب ناسخ المخطوطة عمر بن أبى بكر البدراوى الشافعى ما نصُّه: وكان الفراغ منه يوم الإثنين السابع من شهر رجب سنة ثمان وستين وتسعمائة.. ثم تتوالى بعد ذلك بقية الكتبُ التالية:

* الكتاب الثالث والعشرون: حرف اللام يقع فى 11 مقالة.

* الكتاب الرابع والعشرون: حرف الميم يقع فى 22 مقالة.

* الكتاب الخامس والعشرون: حرف النون يقع فى 11 مقالة.

* الكتاب السادس والعشرون: حرف الهاء يقع فى 3 مقالات.

* الكتاب السابع والعشرون: حرف الواو يقع فى 5 مقالات.

* الكتاب الثامن والعشرون: حرف الياء يقع فى مقالتين وخاتمة

(1/14)

وبانتهاء كتاب الياء ينتهى: الجزءُ الثانى من الفن الثالث من كتاب الشامل فى الصناعة الطبية

2 - نسخة مخطوطة بمكتبة ليدن (هولندا) برقم Mcccxv III God 81 Col وتضم كتب الأدوية المفردة من الضاد إلى العين على المنوال الذى ذكرناه فى مخطوطة بغداد السابقة.

3 - نسخة مخطوطة بمكتبة الظاهرية بدمشق، حالياً: مكتبة الأسد محفوظة تحت رقم 8547. تقع فى 319 من القطع الكبير، وهى مشكولة بالكامل، وتضم الكتب: من الهمزة إلى الزاى على المنوال السابق ذكره. أى أنها جزءٌ من الجزء الثانى من الفن الثالث من كتاب الشامل.

ومع أن هذه المخطوطة ناقصة من أولها بمقدار عدة أوراق، إلا أنها عالية الأهمية نظراً لدقتها.. وسوف نَصِفُها بعد قليل، عند الكلام عن النسخ التى استخرجنا منها هذا الجزء (الأول) من الشامل.

4 - مجموعة مخطوطة بمكتبة بودليان بأكسفورد تحت أرقام Pococke 290 - 291 - 292 مجموع أوراقها 1659 ورقة، مؤرَّخة بسنة 983 هجرية. وتضم المجموعة: من الكتاب الأول إلى الكتاب الثامن والعشرين من الجزء الثانى من الفن الثالث من الشامل.. وقد اعتمدنا عليها فى التحقيق، وسوف نصفها بعد قليل.

5 - مجموعة أخرى بالمكتبة نفسها، محفوظة تحت أرقام Pococke 248 - 356 - 539 وتشتمل على ثلاثة كتب من الجزء الرابع من الفن الأول وهى على الترتيب: كتاب أسباب الوجع كتاب النبض كتاب البول. والمجموعة مؤرَّخة بسنة 687 هجرية، وهى سنة وفاة علاء الدين (ابن النفيس) .

(1/15)

6 - مجموعة مخطوطة بمكتبة لاين Lean الطبية، بجامعة ستانفورد، تحت رقم Z،276 مؤرَّخة بسنة 641 هجرية، جاء فيها أنها كُتبت على المؤلِّف.. بعد فحص المجموعة، تبين أنها تحتوى على ثلاثة مجلدات، كالتالى:

* المجلد الأول يحمل العنوان مقالة فى النبات، المجلد الثانى بعد الأربعين من كتاب الشامل وهذه المخطوطة تبدأ بالمقالة الثانية والعشرين فى أحكام البقلة الحمقاء تليها مقالة فى البلسان مما يعنى أنه الجزء الخاص بالأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الباء وبذلك يكون هذا الجزء هو: الكتاب الثانى من الجزء الثانى من الفن الثالث من كتاب الشامل.. وهو كما بدا من العنوان الذى يحمله، يمثل المجلد 42 من الشامل بحسب هذه النسخة التى كُتبت فى حياة مؤلفها.

* المجلد الثانى يحتوى على الكتاب الثالث من الجزء الثانى من الفن الثالث فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف التاء؛ يليه كتاب الثاء ثم كتاب الحاء.

* المجلد الثالث يبدأ بالنمط الأول من الجزء الثانى من الفن الثانى من كتاب الشامل.. ويتناول هذا النمط: الأصول الكلية فى صناعة الطب.

ونظراً لسوء حالة المجموعة، فهناك العديد من آثار الترميم والإصلاح بها ويُلاحظ أن أحدهم أعاد كتابة الكلمات الباهتة، والتى كادت تختفى بفعل الزمن.

7 - نسخة مخطوطة بجامعة كامبردج (إنجلترا) برقم 1546 Or؟ 10؟ ، تبدأ بالباب التاسع فى علامات البول وهى بدون تاريخ، ويرجِّح فهرس المكتبة أن تكون قد كُتبت فى القرن الثامن الهجرى.. ونرجِّح، نحن، أنها بخط المؤلِّف.

(1/16)

وكانت رحلة جمع هذه المخطوطات رحلةً شاقة، وشائقة! وقد حكيتُ طرفاً منها فى مقالةٍ نشرتها بمناسبة مرور 727 سنة على وفاة العلاء (ابن النفيس) منها قولى:

لم أجد فى كافة مكتبات مصر العريقة إلا قطعة من الكتاب تقع فى 194 ورقة مخطوطة بدار الكتب المصرية. أما مكتبة بودليان بأُكسفورد (إنجلترا) فهى تحتوى على مجموعتين من الكتاب المجموعة الأولى مخطوطة تضم 1659 ورقة من الشامل والمجموعة الأخرى تضم عدداً أقل من الأوراق. ولقد أرسلت للمكتبة خطاباً فى منتهى التلطُّف والتزلُّف، أطلب فيه تصوير المجموعتين وإبلاغى بالمصروفات المطلوبة. فطلبوا مبلغاً عظيماً بالجنيهات الإسترلينية، فعاودت الكتابة لمديرة المكتبة (آن نيكلسون) وقلت لها فى خطابى أن الجنيهات الإسترلينية التى طلبتها تساوى رقما كبيراً بالجنيهات المصرية، وأن احتياجى لهذه المخطوطات هو لعملٍ علمى وليس لعمل تجارى، وأن هذا التراث فى الحقيقة ملك لنا فى الأصل! ولقد كانت السيدة غاية فى الظرف، فردَّت على خطابى، قائلةً ما ترجمته: بخصوص الفاتورة الأولى، فيمكنك أن تدمرها! ولقد وجدت لك حلاً فنحن نصنع كل بضعة أعوام نسخة ميكروفيلمية احتياطية لجميع المخطوطات التى نحتفظ بها ولسوف أرسل لك هذه النسخة القديمة، ونقوم بعمل غيرها وفى هذه الحالة سيكون المطلوب دفعه، مبلغاً قليلاً.. وبالفعل دفعتُ هذا المبلغ القليل (حوالى ثلاثة آلاف جنيه) وحصلت على هذه الأجزاء المهمة من الشامل.

(1/17)

وفى مكتبة لاين الطبية بجامعة ستانفورد الأمريكية، ثلاثة مجلدات من الكتاب مؤرَّخة بسنة 641 هجرية، فأرسلت فى طلبها وإعلامى بالمصروفات، فجاء خطابٌ لطيف يشكرنى على اهتمامى بهذا التراث! ويدلنى على بعض البحوث فى هذا الموضوع، ومع الخطاب صورة من مقال نشرته الصحافة الأمريكية فى الثلاثينيات عن هذه المخطوطات الثلاث بالذات عنوانه: كنوز المخطوطات الطبية هنا. وطلبت المكتبة مبلغاً معقولاً بالدولارات، ولم تكن السوق المصرفية المصرية قد افتتحت بعد، ورفضت البنوك تحويل المبلغ (حفاظاً على اقتصاد الوطن) فرحت أتسكع فى ميدان المنشية بالإسكندرية، حتى صادفنى تاجرُ عملة، حصلت منه على المبلغ المطلوب، وأرسلته نقداً فى خطابٍ مسجل، وأنا أرتجف، فوصل المبلغ ووصلنى طردٌ صغير به صورة ميكروفيلمية من المخطوطات، فى نفس الوقت الذى وصلتنى فيه ميكروفيلمات البودليان.. فكانت الواقعة.

أرسلت لى هيئة البريد خطاباً مستعجلا فذهبت أدور على المكاتب وأُواجه تحقيقا إدارياً غبياً من الموظفين: ما هذه الأشرطة؟ وما هى صلتك بانجلترا وأمريكا؟ وهل حصلت على تصريح خاص من المخابرات؟ وإلى ماذا تهدف من الحصول على هذه الميكروفيلمات؟ .. وظللت أشرح وأشرح، حتى بدأ لى أنهم اقتنعوا. لكنهم طلبوا تصريحاً من جهاز المراقبة على المصنفات الفنية، كى يسلِّموها لى! ثم كان الزمان كريماً، فوقعت على

(1/18)

موظَّفٍ متفهِّم، اقتنع بأن الأشرطة (الميكروفيلمات) تحتوى على صور كتاب، ولا علاقة لها بالفن ولا الرقابة! لكنه عاد وأفهمنى أن هناك مشكلة فى تحديد الرسوم المطلوبة جمركياً على تلك البضائع المستوردة. وبعدما أظلمت الدنيا فى وجهى، استطاع الموظَّفُ العبقرىُّ أن يجد حلا للمشكلة، إذ أفرج عن الميكروفيلمات، وسلَّمها لى، باعتبارها (عينات) وبالتالى فلا رسوم جمركية عليها!

وفى مكتبة المتحف العراقى ببغداد توجد مجموعة خطية من الشامل تقع فى 1034 ورقة فسعيتُ للحصول على صورة منها كان الأوان أوان حرب الخليج (الأولى) بين العراق وإيران فأردت السفر إلى بغداد - ولم أكن قد خرجت قبل ذلك من مصر - فحذَّرنى بعض الإخوان من رداءة أحوال بغداد، ومن صواريخ إيران بعيدة المدى، ومن احتمال أن يكون المتحف العراقى قد أغلق أبوابه وانتقلت مخطوطاته خشية القصف.. وأسقط فى يدى ثم هدأت الأحوال، وأوصيت صديقاً يعمل فى العراق، بأن يحصل لى على صورة من المخطوطة، ولقد حصل عليها بالفعل وأرسل لى ليبلغنى بذلك، ففرحت ثم حزنت حين صودرت منه فى مطار بغداد!

وفى أحد المؤتمرات تعرَّفت إلى أستاذٍ جامعى من العراق كانت زوجته تعمل فى المتحف العراقى، فوعد بتصوير المخطوطة وإرسالها فى أقرب فرصة، ورجع من مصر إلى العراق. وبعد

(1/19)

رجوعه إلى هناك بأيام سبعة اجتاح صدَّامُ الكويت.. وقامت حربُ الخليج الثانية.

وكان معهد المخطوطات العربية بالقاهرة يمتلك صورة مخطوطة بغداد، لكنه كان مغلقاً. فلما انفتحت أبوابه، فتح الله علينا بتصوير المخطوطة، ثم سمح الزمان أيضاً بالحصول على مخطوطة كامبردج (انجلترا) التى تضم أجزاءاً أُخرى من الكتاب وعلى المخطوطة إشارات تدل على أنها بخط مؤلِّفها.. وهكذا اكتملت العدة، واجتمعت صور المخطوطات الباقية من هذه الموسوعة الهائلة.

وفى اللحظة التى وضعت فيها هذا الكم من المخطوطات معا (حوالى عشرة آلاف صفحة من كتابٍ واحدٍ مخطوط) شعرت بعظمة (ابن النفيس) وشعرت أيضاً بأن: العمر قصير والعلم طويل!

وها أنا أشرع اليوم فى تحقيق هذا الكتاب، أو بالأحرى تحقيق الأربعين مجلداً التى بقيت منه، ولأننى لا أضمن امتداد العمر حتى الانتهاء من التحقيق، فقد جمعت الميكروفيلمات كلها - بعد تصويرها على الورق - فاحتفظت بالصورة الورقية وأهديت النسخ الميكروفيلمية إلى معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، وأوصيتهم أن يصوروها لمن يأتى من بعدى، فى حالة موتى أو عدم إنجازى لتحقيق الكتاب، حتى يتمكَّن باحثٌ آخر

(1/20)

من إتمام المهمة، دون المرور بهذه الرحلة الشاقة التى قطعتها بحثاً عن: كتاب واحد مخطوط (1) .

الشامل للشيرازي

أثناء الرحلة الطويلة التى قطعتها باحثاً عن مخطوطات الشامل هنا وهناك ظل يخايلنى كتابٌ آخر بالعنوان نفسه، لمؤلفٍ آخر غير العلاء. وبلغت المخايلة غايتها فى دار الكتب المصرية، حيث تحتفظ الدار بمخطوطةٍ من الشامل الذى أبحثُ عنه، منسوبةً فى فهرس الدار - وهو فهرسٌ بدائىٌّ أقرب إلى القائمة الحصرية منه إلى الفهرس بمعناه العلمى - إلى مؤلِّفٍ اسمه: أبو سعيد بن أبى مسلم بن أبى الخير، الملقَّب بغيات الغيث.

وقبل الدخول فى تفاصيل هذا الإشكال الذى ألمحتُ إليه فى كتابى السابق دون الوصول إلى رأىٍّ حاسمٍ حوله (2) . أقول، قبل الدخول إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المفهرس التراثى العظيم: حاجى خليفة (مصطفى بن عبد الله القسطنطينى، المعروف بملا كاتب جلبى، المتوفى 1067 هجرية) كان قد ذكر فى كتابه الرائد: كشف الظنون (3) .. أربعةَ عشر كتاباً بعنوان الشامل منها كتابان فى الطب! والكتب الأربعة عشر، هى:

* شَامِلُ التفاسير (4) .

__________

(1) يوسف زيدان: البحث عن كتاب مخطوط (جريدة الأهرام، يوم 25/3/1994) .

(2) يوسف زيدان: علاء الدين (ابن النفيس) القرشي، إعادة اكتشاف ص 77،.

(3) حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (دار الفكر ببيروت - طبعة مصورة) ص 1023 وما بعدها.

(4) لم يذكر حاجي خليفة مؤلِّف هذا الكتاب.

(1/21)

* الشَّامِلُ فى الأصول (1) .

* الشَّامِلُ فى أصول الدين، للجوينى.

* الشَّامِلُ من البحر الكامل (2) ، للطبسى.

* الشَّامِلُ فى تهذيب الذوات الإنسانية (فى التصوف) لعبد الخالق ابن أبى قاسم المصرى.

* الشَّامِلُ فى الجبر والمقابلة، لابن أسلم

* الشَّامِلُ فى علم الحرف، للسكَّاكى.

* الشَّامِلُ فى فروع الحنفية، للبيهقى.

* الشَّامِلُ فى فروع الشافعية، لابن الصباغ.

* الشَّامِلُ فى فروع المالكية، لبهرام الدميرى.

* الشَّامِلُ فى القراءات، للنيسابورى.

* الشَّامِلُ، لأبى الفضل محمد بن أبى جعفر المنذرى (3) .

* الشَّامِلُ فى الطِّبِّ، لأبى سعيد بن أبى مسلم بن أبى الخير الملقب بغيات الطبيب.

__________

(1) وهو - كسابقه - لمؤلف مجهول، جمع فيه كتابين من متون أصول الدين هما: منتخب المنار، المغنى.. ثم شرحهما بطريقة: (قال، أقول) .

(2) وهو كتاب في التنجيم، عنوانه كاملاً: الشامل من البحر الكامل في دور التأمل في أصول التعزيم وقواعد التنجيم.

(3) لم يذكر حاجي خليفة موضوع هذا الكتاب، ولا عنوانه الكامل.. ويبدو أنه عرف به، لكنه لم يطالعه.

(1/22)

* الشَّامِلُ فى الطِّبِّ، للشيخ علاء الدين (على بن أبى الحزم القرشى ابن النفيس، الطبيب، المصرى، صاحب الموجز)

وفى تذييله على كشف الظنون أورد إسماعيل باشا البغدادى مزيداً من الكتب التى حملت عنوان الشامل.. بحيث صار لدينا عشرون كتاباً بهذا العنوان. وما أورده البغدادى، هو العناوين التالية:

* الشَّامِلُ فى علم القرآن، لأبى بكر الصولى.

* الشَّامِلُ فى فضائل الكامل، لابن خلف المصرى.

* الشَّامِلُ فى فقه الزيدية، ليحيى بن حمزة.

* الشَّامِلُ فى اللغة، لأبى منصور الأصبهانى.

* شَامِلُ اللغة، لعماد الدين القرَّه حصارى.

* الشَّامِلُ للعوامل، لمحمد البرزنجى (1) .

ومع وجود هذا العدد الكبير من الكتب التى تحمل عنوان الشامل ومع هذا (التداخل) الذى أحدثه مفهرس دار الكتب المصرية، حينما نسب المخطوطة إلى أبى سعيد مسلم بن أبى الخير.. وهو لم يكن يتوهَّم - فى واقع الأمر - وَهْماً كبيراً، فقد أورد المفهرسُ الكبير حاجى خليفة ما يدعم مفهرس الدار.. المهم أن الأمر اقتضى مزيداً من البحث، والحسم، لهذا الموضوع المتعلِّق تعلُّقا مباشراً بالموسوعة التى نحن بصدد نشرها محققةً. وقد انتهى بحثنا، إلى الآتى:

__________

(1) البغدادي: إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون (دار الفكر ببيروت) 39/2. وقد أورد البغدادي كتاباً لم يحدِّده بدقه، هو: شرح الشامل في بحر الكامل في الجبر والمقابلة للسوبيني المتوفي 858 هجرية.. وقد مَرَّ علينا أن الشامل من بحر الكامل هو كتابٌ في التعزيم والتنجيم، للطبسي؛ وليس في الجبر والمقابلة. فتنبَّه.

(1/23)

أولاً: بصدد مخطوطة دار الكتب المنسوبة إلى أبى سعيد مسلم بن أبى الخير وهى المحفوظة بالدار تحت رقم 6057/ ل؛ ظهر أنها تضم الثلاثة أجزاء الأولى من موسوعة العلاء (ابن النفيس) وأنها تطابق طريقة الشامل فى الصناعة الطبية من حيث الأسلوب ونظام التقسيم الداخلى.. إلخ.

كما وجدنا مخطوطة أخرى منها، محفوظة بالظاهرية تحت رقم 7170/طب، ومنسوبةً هناك صراحةً للعلاء (ابن النفيس) .. وقد قدَّمتُ نماذج متطابقة من المخطوطتين، فى ملحق كتابى الأخير، حيث أوردتُ مجموعةً من المخطوطات النادرة التى ألَّفها العلاءُ، أو ارتبطت به (1) .

ثانياً: بالتنقيب وراء الكتاب (الآخر) الذى بعنوان الشامل تبيَّن أن هناك مخطوطتين منه. الأولى محفوظة بدار الكتب المصرية، ذاتها، تحت رقم 602/طب طلعت. والأخرى محفوظة بمكتبة أحمد الثالث باسطنبول، تحت رقم 2108 وقد جاء بأولها أنها: كتاب الشامل لابن الصورى! وجاء على بطاقة فهرستها: الشامل فى الطب، لأبى سعيد بن أبى الإمام أبى مسلم الشيرازى.

ثالثاً: بخصوص اسم المؤلِّف، ليس هناك طبيبٌ يكنَّى غياث الغيث وإنما وجدنا: غياث الدين أبا المعالى، العز بن أبى الفضل بن أبى العباس الأبرقوهى الشيرازى. ووجدنا: ابن الصورى رشيد الدين أبا المنصور بن أبى الفضل بن على الصورى. والأخير منهما، طبيبٌ عَشَّابٌ من أهل الشام، ولد سنة 573 بمدينة صور، ونشأ بها، ثم انتقل عنها، واشتغل بصناعة الطب ووضع من الكتب: الأدوية المفردة، الرد على كتاب التاج فى الأدوية المفردة. وكانت وفاته، وفق ما ذكره مواطنه ومعاصره ابن أبى أصيبعة: يوم الأحد، أول شهر

__________

(1) يوسف زيدان: علاء الدين.. ص 203، 204.

(1/24)

رجب، سنة 639 هجرية، بدمشق (1) .

رابعاً: بعد الحصول على مخطوطتىْ الكتاب المشار إليهما سابقاً، وجدنا هذا الشامل فى النسختين، يبدأ بما يلى: الحمد لله الفاطر، البديع، العلام المؤمن، المهيمن، السلام، المنزه ذاته عن مطارح الأبصار ومعارج الأوهام المقدَّس صفاته عن هواجس الأفكار ووساوس الأوهام.

ثم يرد اسم المؤلِّف على النحو التالى: قال (الشيخ) الإمام الأعظم الأفضل (الأعلم) مالك مملكة الفضائل والحكم، جامع الفروع والأصول، حاوى أصناف المنقول والمعقول: غياث الملة والدين، جلال الإسلام والمسلمين، أبو سعيد بن الإمام أبى مسلم بن أبى الخير الطبيب (الشيرازى) أدام الله تعالى مبانى الفضل عليه، وكثَّر فى الإسلام أمثاله.. إلخ.

وبعد هذه الديباجة، التى من الواضح أنها من وضع الناسخ الأصلى للكتاب، وهو الناسخ الذى كان معاصراً للمؤلِّف (2) ؛ تبدأ ديباجةُ المؤلِّف التى يقول فيها: لما ظهر نورُ الحقِّ من أفق العدم، فاستضاءت (3) بشعاعه بوادى الظُلَمِ، واقتضت (4) عنايته إيجاد آدم من القِدَمِ، ثم (5) اصطفاه واجتباه وشرَّفه بخطاب {وفضلناهم على العالمين} (6) وجعلناه خليفةً فى الأرضين.. فإذن

__________

(1) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص 700. وقد أورد ابن أبي أصيبعة ترجمةً مطوَّلةً عنه، وللمزيد من أخباره يمكن الرجوع إلى: معجم المؤلِّفين 161/4، هدية العارفين 368/1، إيضاح المكنون 554/1.

(2) بدليل قوله: أدام الله مباني الفضل عليه.

(3) في مخطوطة أحمد الثالث: فاستقا، وفي مخطوطة دار الكتب المصرية: فاستضا.

(4) في النسختين: اقتصى.

(5) ساقطة من نسخة أحمد الثالث.

(6) في النسختين: فضلناه على العالمين! والآية من سورة الجاثية / آية 16.

(1/25)

كان أولى ما تتولَّى (1) عليه الهممُ العوالى.. تعلُّم حفظ صحة صاحب هذه المناقب والمعالى (2) .. وهو علم الأبدان الذى هدانا إليه الخالق الدَّيَّان. ثم يصرِّح المؤلِّف بعنوان كتابه، وبالسبب الذى دعاه لاختيار هذا العنوان؛ فيقول: ورتَّبته ترتيب الإيجاز والإقلال، محترزاً من السآمة والإملال، وسميته: الشامل لاشتماله على المطلوب واحتوائه على المقصود، معتصماً بالله الودود.

ويذكر المؤلِّف أنه جعل كتابه على قسمين: الأول: فى حفظ الصحة وبنيانه على أربع مقالات. الأولى: فى الوصايا.. الثانية: فى إصلاح الأمور الطبيعية.. الثالثة: فى حفظ الصحة فى الفصول الأربعة.. الرابعة: فى حفظ صحة الأعضاء الرئيسية والمرؤسة.. القسم الثانى، فيه مقدمة وست مقالات (3) . وفى كل مقالة عددٌ من الفصول، ذكر المؤلِّف عناونيها فى المقدمة ثم شرع فى الكتاب الذى جاء فى 273 ورقة مقاس (20× 13سم) فى مخطوطة أحمد الثالث، التى تنتهى بقوله: يُعالج بعلاج القروح الأُخرى، والله أعلم، تمت المقالة الأولى بتوفيق الله جل وعلا.

أما مخطوطة القاهرة، التى تقع فى 265 ورقة من القطع الكبير (مقاس 22×15سم) فهى تنتهى بقول المؤلِّف: الباب الرابع عشر، فى طرد الهوام.. وما يطرد الهوام والحيَّات خاصةً، التبخير بأظلاف الماعز وقرون الأبل (4) .

ويظهر مما سبق، أن الكتاب ليس لابن الصورى، وليس لغياث الغيث! فكلاهما انتحالٌ من عمل المتأخِّرين، أما المؤلِّف الحقيقى - على الأرجح - فهو

__________

(1) .. يتولى.

(2) يقصد: ابن آدم (الإنسان) .

(3) الشامل، للشيرازي (الورقة الثانية) .

(4) وضعنا ضمن نماذج المخطوطات بآخر هذه الدراسة، صوراً من هاتين المخطوطتين.

(1/26)

المذكور فى ديباجة الكتاب، أعنى: غياث الدين الشيرازى.. وبالبحث عنه وجدنا له ترجمةً عند السخاوى فى ضوئه اللامع، نصُّها:

محمد بن إسحق بن أحمد بن إسحق بن أبى بكر، غياث الدين أبو المعالى، العز بن أبى الفضل بن أبى العباس الأبرقوهى الشيرازى، وكان أبوه قاضيها المكى، ويعرف بالكتبى. ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة بأبرقوه، ودخل دمشق فسمع بها على ست العرب حفيدة الفخر (1) الشمائل النبوية (2) للترمذى. وقدم مكة فقطنها نحو ثلاثين سنة، على طريقةٍ حسنة من كَفِّ الأذى والإقبال على الخير والعبادة. وجرت على يديه، من قبل (شاه شجاع، صاحب فارس) لكونه كان من جماعته، صدقاتٌ لأهلها ومآثرٌ بها. وكان بارعاً فى الطبِّ، انتفع به أهل مكة فيه كثيراً سيما وهو يحسن إليهم بما يحتاجونه من أدوية وغيرها. وصنَّف فيه كتاباً حسناً. مات بعد انقطاعه فى بيته لضعفه وعجزه عن الحركة فى جمادى الأولى سنة خمس (3) ، ودفن بالمعلاة ذكره الفاسى فى (أخبار) مكة، ثم التقى بن فهد فى معجمه، وشيخنا فى إنبائه (4) والمقريزى فى عقوده، وآخرون (5) .

__________

(1) إذا أُطلقت كنية (الفخر) فالمراد بها: فخر الدين الرازي، المتوفي سنة 606 هجرية.. وهو أحد أهم المفكرين والمتكلمين في تاريخ الإسلام.

(2) هو كتاب: الشمائل النبوية والخصائث (الخصال) المصطفوية، للإمام الترمذي المحدِّث.. وهو احدٌ من أهم كتب الحديث والسيرة.

(3) يقصد: سنة خمس وثمانمائة (805 هجرية) .

(4) يقصد: شيخه ابن حجر في كتابه إنباء الغمر بأبناء العمر.

(5) السخاوي: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (منشورات مطبعة الحياة، بيروت - طبعة مصورة) 132/4.

(1/27)

والفقرة السابقة نقلها د. أحمد عيسى بتمامها، فى معجمه الذى استكمل به عيون الأنباء فى طبقات الأطباء وختمها بإشارة إلى ترجمة الشيرازى فى الطبقات لابن قاضى شهبة، حوادث سنة 805 هجرية (1) (وهى سنة وفاة الشيرازى)

وتبقى، مع ذلك؛ جملةُ إشكالات. الأول: أن مولد غياث الدين الشيرازى وفقاً لما ذكره السخاوى، كان سنة 725 هجرية. وقد ذكر حاجى خليفة، أن (غياث الطبيب) انتهى من الكتاب سنة 736 هجرية (2) .. فكيف يتفق أنه كتب كتابه فى الحادية عشر من عمره؟! والإشكال الآخر: أن أول الكتاب فى المخطوطتين، يطابق أوله عند حاجى خليفة، وكذلك وَصْف الكتاب وأقسامه بيد أن المؤلِّف فى المخطوطة: غياث الملة والدين.. أبو سعيد بن أبى مسلم بن أبى الخير الشيرازى. وهو فى كشف الظنون: أبو سعيد بن أبى مسلم بن أبى الخير الملقب بغيَّاث. وهو فى كليهما، عبارة عن كُنى لا أسماء، بل لايوجد فيه اسمٌ واحد! بينما الاسم عند السخاوى: محمد بن إسحاق بن أحمد غياث الدين الشيرازى فذكر اسم أبيه وجده، من غير كنى.. وقد أشار السخاوى إلى كتابه، من غير ذِكْر العنوان بقوله: وكان بارعاً فى الطب.. وصنَّف فيه كتاباً حسناً. فهل كان السخاوى يقصد كتابه: الشامل؟!

والإشكال الأخير هنا: أن الشيرازى إذ يختار عنواناً لكتابه؛ هل ضاقت عليه العناوين، فاختار عنواناً مطابقاً لعنوان موسوعة العلاء - الذى سبقه بأكثر من مائة عام - أم تراه لم يسمع أصلاً بموسوعة الشامل فى الصناعة الطبية؟!

__________

(1) د. أحمد عيسى: معجم الأطباء، ذيل عيون الأنباء في طبقات الاطباء (دار الرائد العربي بيروت 1982) ص 370.

(2) حاجي خليفة: كشف الطنون عن أسامي الكتب والفنون، ص 1024.

(1/28)

وعلى أية حال، وعلى الرغم من هذه الإشكالات؛ فقد عرفنا أن هناك كتابين فى تراثنا الطبى، بعنوانٍ واحد.. وإن اختلفا فى المؤلِّف، وفى طريقة التأليف، وفى حجم الكتاب! فالشامل للشيرازى، لايزيد فى حجمه عن بعض أجزاء الشامل للعلاء القَرَشى (ابن النفيس) .

منهجُ التَّحْقِيقِ

كان أول ما صنعناه عند البدء فى تحقيق الشامل فى الصناعة الطبية هو رسم شجرة لأقسام الكتاب، بحسب المخطوطات التى بين أيدينا، وبحسب ما أشار إليه العلاءُ فى ثنايا الأجزاء الموجودة.. فظهر أمامنا ما يلى:

الفن الأول من الشامل.

وهو يشتمل على: قواعد الجزء النظرى من الطب. ويقع فى أربعة أجزاء على النحو التالى:

1 - الجزء الأول: فى علم الأمور الطبيعية. ويشتمل على مقدمةٍ وسبعة كتب وهى: كتاب الأركان، كتاب الأمزجة، كتاب الرطوبات، كتاب الأعضاء، كتاب الأرواح، كتاب القوى، كتاب الأفعال.

2 - الجزء الثانى: فى علم الأمراض.

3 - الجزء الثالث: فى علم الأسباب.

4 - الجزء الرابع: فى علم الدلائل. ويشتمل على ثلاثة كتب: الكتاب الأول فى الوجع. الكتاب الثانى فى النبض؛ ويضم ثلاثة تعاليم: التعليم الأول فى ماهية النبض، التعليم الثانى فى أجناس النبض، التعليم الثالث فى أسباب النبض. الكتاب الثالث فى البول.

(1/29)

الفن الثاني من الشامل

وهو يشتمل على أربعة أجزاء، الجزء الثانى منها يشتمل على نمطين، النمط الأول منها يضم ثلاثة كتب، الكتاب الثالث منها موضوعه (الجراحة) أو: عمل اليد، ويقع فى ثلاثة تعاليم:

1 - التعليم الأول، فى الأصول الكلية.

2 - التعليم الثانى، فى الآلات.

3 - التعليم الثالث، فى أجناس العمل باليد.

وأغلب أجزاء هذا الفن (الثانى) مفقودة، وإن كانت هناك إشارات فى ثنايا كلام العلاء، تفيد أنه كتبها بالفعل.

الفن الثالث من الشامل

وهو يشتمل على جزئين، الأول منها مفقودٌ بالكامل، والجزء الثانى موجودٌ كاملاً! وهو الجزء الذى يقع فى ثمانية وعشرين كتاباً، فى الأدوية المفردة.

* * *

وهكذا تعَّين علينا البدء بالكتب الثمانية والعشرين، الكاملة، التى تمثل الجزء الثانى من الفن الثالث.. وتأجيل الأجزاء الأخرى من الشامل على أمل ظهور المزيد من مخطوطاتها أثناء الفترة التى سيستغرقها نشرُ الكتب الثمانية والعشرين، ومن بعدها الكتب المتفرِّقة من الفن الأول والثانى؛ وهى الفترة التى قد تمتد لعامين كاملين.

(1/30)

وعلى هذا، فإن الكتاب الذى بين أيدينا، هو الجزء الأول من أول كتب الأغذية والأدوية المفردة؛ كتاب الهمزة. وقد استخرجنا نصَّه بعد المقابلة بين مخطوطتين لابأس بهما، هما: مخطوطة الظاهرية ومخطوطة بودليان.

(أ) وَصْفُ النُّسَخِ الخِّطَّيةِ

مخطوطة المكتبة الظاهرية كما سبق أن أشرنا، هى نسخةٌ جيدة، كُتبت بقلم نسخى دقيق، فى القرن التاسع الهجرى تقديراً، وهى تشتمل على الأحد عشر كتاباً الأولى من كتب الأدوية والأغذية.. وهى محفوظة تحت رقم 8547 بالظاهرية، التى توجد حالياً بمكتبة الأسد بدمشق. أوراقها 319 ورقة من القطع الكبير، ومسطرتها 33 سطراً، يحتوى السطر الواحد على قرابة 15 كلمة.. وهى على هذا النحو، تعدُّ من المخطوطات المزدحمة بالكلمات!

والمخطوطة كتبها ناسخٌ محترف، وإن كان غير متخصِّص فى الطِّبِّ. وهو يضبط الكلمات فى أغلب الأحيان، وإن كان ضبطه لايُعتمد عليه - فى أغلب الأحيان - لأنه ينقل من مخطوطة غير مضبوطة، لعلها نسخة المؤلف؛ ولأنه يضبط وفق ما يبدو له، من غير معرفة بالمفردات والمصطلحات الطبية.

ومع أهمية هذه المخطوطة، التى رمزنا لها فى هوامش التحقيق بحرف هـ.. فإن بها ثلاثة عيوب خطيرة: الأول أنها ناقصة من أولها بمقدار ورقتين. والثانى أن عديداً من أوراقها، سقطت أثناء التجليد. والثالث أن الناسخ حين يعجز عن فهم كلمة من الأصل الذى نقل عنه، فإنه يسقطها من الكلام، ويمر عليها مرور الكرام! دون تنبيه إلى ما تركه من كلمات.. ولولا مخطوطة بودليان لما كان من الممكن استخراج النص المحقَّق بالاعتماد على مخطوطة الظاهرية وحدها، نظراً لهذه العيوب الخطيرة.

(1/31)

ومخطوطة بودليان أو المكتبة البودلية بأكسفورد، المحفوظة تحت رقم 290/ بوكوك. نسخةٌ خطية جيدة، كُتبت سنة 983 هجرية، نقلاً من مخطوطة الظاهرية، أو نقلاً من المخطوطة التى نقل عنها ناسخ مخطوطة الظاهرية. وهى نسخة كاملة، ضخمة من حيث عدد الأوراق (1659 ورقة) ومن حيث مقاس الورقة الواحدة (30×18سم) ومسطرتها 23 سطراً فى الصفحة، يشتمل على كل سطر على قرابة 14 كلمة. وخطُّها معتادٌ، وقلمُ النسخ سميكٌ وناسخُها لم يذكر اسمه فى آخرها، أو بين ثناياها.

وعيبُ هذه النسخة، أن ناسخها يرسم الكلمات دون تدبُّر لمعناها. ويبدو أنه كان مكلَّفا بنسخها فى وقت محدَّد، فكان يُسرع بالنسخ دونما تدقيق فى معانى النص. وقد ظهرت فى هذه النسخة، كل الهنات والأخطاء الموجودة فى مخطوطة الظاهرية، حتى أن هناك سطرٌ (مكرر) فى المخطوطتين! بيد أن الأوراق الساقطة من مخطوطة الظاهرية هـ موجودة فى مخطوطة بودليان..، فكان لا غنى لنا عن هذه المخطوطة، التى رمزنا إليها فى هوامش التحقيق بحرف ن.

ويعلم الله كم لاقيتُ الأمرين، عند مقابلة المخطوطتين، لاستخراج النصِّ المحقق من هاتين المخطوطتين، اللتين سأستخرج منهما عديداً من الأجزاء التالية من الشامل. ومع ذلك، فهما المخطوطتان الوحيدتان فى العالم - فيما نعرف - اللتان يضمان الأجزاء الأولى من كتب الأغذية والأدوية. ولولا الصبر أمام الكلمات ولولا مراجعة مالا حصر له من مصادر ضابطة تعرضت للموضوعات نفسها، ولولا الاستعانة بمعرفتى السابقة بأسلوب العلاء (ابن النفيس) ومفرداته.. لولا ذلك كله، لعسر استخراج هذا النص المحقق.

(1/32)

(ب) الَهَوَامِشُ

اشتملت هوامش التحقيق على نتاج المقابلة بين المخطوطتين، حيث تم استبعاد الكلمات غير الصائبة إلى هامش الصفحات. كما وضعنا بالهوامش بعض التعليقات التى وجدناها ضرورية، وشروحاً للمفردات والاصطلاحات الواردة فى النص المحقَّق.

وقد رجعنا فى شرح المفردات والمصطلحات، إلى كثير من المصادر والمراجع بعضها فى اللغة، وبعضها الآخر فى الطب والصيدلة. وقد ذكرنا هذه المصادر والمراجع فى مواضعها، ونكتفى هنا بالإشارة إلى أهمها، مما كثر رجوعنا إليه:

* لسان العرب، لابن منظور.

* الحاوى فى الطب، للرازى.

* القانون فى الطب، لابن سينا.

* الجامع لمفردات الأغذية والأدوية، لابن البيطار.

* تفسير كتاب دياسقوريدس، لابن البيطار.

* المعتمد فى الأدوية المفردة، للملك المظفر.

* تذكرة أولى الألباب، لداود الأنطاكى.

* معجم الألفاظ الفارسية المعربة، للسيد أدى شير.

(1/33)

ملاَحَظَاتُ التَّحْقِيقِ

ظهرت لنا أثناء تحقيق النص، بعض الملاحظات التى تجدر الإشارة إليها قبل الخوض فى بحار الشامل.. وهو ما يمكن إجماله فى الآتى:

أولاً: تمثل الكتب الثمانية والعشرين المخصَّصة للأغذية والأدوية المفردة أضخم عمل صيدلانى فى تاريخ الإسلام والحضارات القديمة. فهى تفوق من حيث استيفائها الكلام على كل غذاءٍ ودواء، كافة الكتابات السابقة على العلاء فى هذا الموضوع؛ بما فى ذلك الأعمال المشهورة، مثل: كتاب الحشائش لديسقوريدس، كتاب الجامع لابن البيطار، وهما أهم مرجعين فى الصيدلة قبل العلاء.. كما تفوق: المعتمد للملك المظفر التذكرة لداود الأنطاكى، وهما أهم مرجعين كُتبا بعد العلاء. ناهيك عن التفوق الكمى والنوعى للكتب الثمانية والعشرين، على الفصول التى خصَّصها الرازى وابن سينا للأغذية والأدوية، فى كتابيهما: الحاوى، القانون.

ثانياً: انطلق العلاءُ (ابن النفيس) فى تناوله التفصيلى للأغذية والأدوية، من النظريات التى انطلقت منها بحوثه وكتاباته الطبية الأخرى، كنظرية الطبائع والأُستقصات، والعلاج بالضد، والقوة الشافية الكامنة فى الجسم، وحركة الدم بالطاقة - أو: الأرواح - داخل الشرايين والأوردة.

كما انطلق العلاءُ من قاعدةٍ منهجية مفادها أن الطبيب يهتم من النباتات بأفعالها فى بدن الإنسان، لا بخواصها من حيث هى نباتات - فهذا عملُ الطبيعيين - وهو ما كان أبو بكر الرازى قد حدَّده بوضوح فى الحاوى حين قال تحت عنوان (كتاب صيدلة الطب) ما نصُّه:

(1/34)

المعرفةُ بالأدوية، وتمييزُ جيدها ورديئها (1) ، وخالصها ومغشوشها؛ وإن كان ليس بلازمٍ للطبيب ضرورة - كما يحسبه جُهَّالُ الناس - فهو أحرى وأزين به (2) .. ولايجوز أن يسمَّى أعرف الناس بأنواع الأدوية وأشكالها وألوانها وخالصها: طبيباً، بل إنما يسمى الطبيب، مَنْ عرف أفاعيل هذه فى أبدان الناس.. لأن للأدوية أفاعيل باطنة، وهى التى تسمَّى الخواص، لا يبلغ الطبيب استخراجها (3) .

وعلى هذا النهج سار العلاءُ، وأشار إليه غير مرة بعباراتٍ مثل قوله فى الفصل الثانى من المقالة الثانية والعشرين من كتاب الهمزة عند تناوله لطبيعة الأسل:

ولما فى هذا النبات من الهوائية، فإنها وإن كانت فى نفسها بالغة الرطوبة، إلا أن هذه الرطوبة لا مدخل لها فى التأثير فى بدن الإنسان. وكلامنا ها هنا فى أمزجة الأدوية، إنما هو باعتبار فعلها فى بدن الإنسان.

وهو ما أكّده في الفصل الثاني من المقالة التالية - الثالثة والعشرين - بقوله أثناء في طبيعة الآس:

إن كلامنا ها هنا في أمزجة الأدوية، إنما هو في أمزجتها المعتبرة، بحسب فعلها في بدن الإنسان، لا التي هي في

__________

(1) في النَّصَّ المنشور: تمييزها جيدها ورديها.

(2) في الَّنصِّ المنشور: بها.

(3) الرازي: الحاوي في الطب (دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن، الهند 1971) 2/22.

(1/35)

أنفسها والهوائية التى فى الآس، وإن كانت تفيد الآس نفسه رطوبةً فإنها ليست بعللٍ تثبته لبدن الإنسان.

ويستفاد مما سبق، أن العلاءَ (ابن النفيس) مع أنه وضع أوسع موسوعة صيدلانية بكتبه الثمانية والعشرين، إلا أنه لم يقصد الصيدلة بذاتها، وإنما كان يستكمل كافة التخصُّصات الداخلة فى الصناعة الطبية.. ليكون كتابه شاملاً.

ثالثاً: مع ضخامة الموسوعة التى نحن بصدد الدخول إلى نصها المحقَّق وبلوغ صفحاتها المئات،بل الألوف؛ إلا أن مؤلِّفها ظل دوماً حيوىَّ الأسلوب.. دافقه.. ولم يغب عن باله القارئ! ولذا، فهو لايفتأ يتوجَّه لقارئه بالخطاب بعبارات مثل: إنك قد علمت.. وستعرف كيفية ذلك كله، فيما بعد.. على ما تعرفه فى موضعه.. إلخ.

ومع تدفُّق قلم العلاء، إلا أنه كان حريصاً كل الحرص على الوضوح والإبانة، واستعمال الألفاظ السهلة، والعبارات المنسابة، والخروج من المزالق التى لاطائل تحتها، متخلِّصاً منها بعبارات مثل: ولستُ بالذى يخوض فى ذلك.. ولا مشاحة فى الألفاظ.. ومن أراد تحقيق هذا الأمر فعليه بالمراجعة.. ولانريد التطويل.. إلخ.

غير أن اندفاق عبارات العلاء، وكون كتابته غير منقوطة فى أغلب المواضع - وقد كان يكتب بيده - جعل النُّسَّاخ من بعده يخطئون فى رسم الكلمات وفى كتابه الضمائر والمفردات. وقد اجتهدنا فى تصويب تلك الأخطاء، عند التحقيق.

رابعاً: كان الشامل مرجعاً لكثير من الأطباء الذين جاءوا بعد العلاء، وقد أشار إليه واقتبس منه كثيرون، مثل الملك المظفر فى كتابه: المعتمد والقوصونى

(1/36)

فى قاموس الأطباء. وداود فى التذكرة. والعبدلى فى رسالته: فيما ورد فى الثلج والجمد والبرد.

ومع ذلك، فالشامل لم يلق ما يستحقه من عنايةٍ فى العصور اللاحقة على عصر مؤلِّفه. فلم يتوسَّع فى مباحثه الأطباءُ والصيادلة، ولم يعكف عليه واحدٌ منهم بالشرح والتحشية، ولم يحظ بجهود النُّسَّاخ. ومن هنا، خفت صوت الشامل فى القرون السبعة الماضية، وقلَّت نسخُهُ الخطية وندرت. ولاشك فى أن ضخامة الشامل كانت السببُ وراء ذلك الإحجام عن التوسع والشرح والنَّسْخ.

خامساً: لاتزال بعض الطرق العلاجية التى وصفها العلاءُ فى موسوعته مستعملةً فى نواحٍ من بلادنا.. فمن ذلك - على سبيل المثال - الطريقة (الصعبة) لعلاج البهق، بآطريلال! كما سنرى فى المقالة الأولى من هذا الجزء الذى بين أيدينا. وقد رأيتهم يستعملون هذه الطريقة، بأطراف صعيد مصر.

أخيراً: التزم العلاءُ التزاماً صارماً، بالمنهج الذى حدَّده فى مقدمة الجزء الثانى من الفن الثالث، وسار فى الكتب الثمانية والعشرين - التى نحن بصدد الدخول إليها - على النهج الذى رسمه، بدقةٍ متناهية.

.. تلك هى بعضُ النقاط التى لاحظناها أو لفتت أنظارنا، فى بعضِ المواضع من الجزء (الأول) الذى بين أيدينا، وهو بعضُ كتاب الشامل فى الصناعة الطبية. وما من شكٍ فى أن أجزاء الكتاب، كاملةً، بحاجةٍ إلى عكوفٍ طويل يتجاوز تلك الملاحظات السريعة، إلى التفحُّص الهادئ.. والدرس المنهجى.. والمقارنة.. والمقاربة.. والمصاحبة.. والعكوف، من قبل الدارسين والمشتغلين بالطب وتاريخه.

(1/37)

الَّنمَاذِجُ والرُّمُوُز

على الصفحات التالية، نماذج من مخطوطات الشامل التى اعتمدنا عليها فى التحقيق، والتى بحثنا من خلالها إشكال (الشامل للشيرازى) تليها قائمة بالرموز والاختصارات المستعملة فى هوامش التحقيق.

وبعد.. فإن كان من أهل الزمان، مَنْ يتوجَّب علىَّ إهداء جهدى المتواضع فى تحقيق ونشر هذه الموسوعة؛ فإننى أهديه إلى هؤلاء الأحبة:

* صاحبة الرفقة الطويلة، عبر السنوات الماضية / الحافلة؛

زوجتى: هناء عامر.

* صاحب ذِكْراى الآتية، بعد سنوات أرجو أن تتم لى خير فى

هذه الدنيا؛ ابنى: علاء.

* صاحبى على درب الانشغال بالثقافة والمعرفة الذى أتاح

للشامل أن يرى النور، صديقى الشاعر: محمد السويدى.

يوسف زيدان

الإسكندرية فى صفر 1420هـ.

الموافق شهر مايو 1999

(1/38)

الشامل في الصناعة الطبية

نسخة الظاهرية هـ (أول المخطوطة)

(1/39)

الشامل في الصناعة الطلبية

نسخة الظاهرية هـ (آخر المقالة الخامسة والعشرين)

(1/40)

الشامل في الصناعة الطبية

نسخة بودليان ن (أول المخطوطة)

(1/41)

الشامل في الصناعة الطبية

نسخة بودليان ن (أول المقالة الأولى)

(1/42)

الشامل في الصناعة الطبية

نسخة بودليان ن (آخر المقالة الخامسمة والعشرين)

(1/43)

الشامل للشيرازي

مخطوطة دار الكتب المصرية (الغلاف)

(1/44)

الشامل للشيرازي

مخطوطة دار الكتب المصرية (الورقة الأولى)

(1/45)

الشامل للشيرازي

مخطوطة دار الكتب المصرية (الورقة الأخيرة)

(1/46)

الشامل للشيرازي

مخطوطة أحمد الثالث (الورقة الأولى)

(1/47)

الشامل للشيرازي

مخطوطة أحمد الثالث (الورقة الأخيرة)

(1/48)

رموز التحقيق

هـ مخطوطة الظاهرية رقم 8547.

ن مخطوطة بودليان رقم 290 / بوكوك.

:. اتفاق النسختين على خطأ.

هامش المخطوطة.

(1/49)

الشَّامِلُ في الصِّنَاعةِ الطِّبِّيَّةِ

النَّنصُّ المحقَّقُ

(1/50)

الشَّامِلُ فى الصِّنَاعَةِ الطِّبِّيَّةِ

النَّصُّ المحقَّقُ

(1/1)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المُقَدِّمَةُ (1)

الجزءُ الثانى من الفَنِّ الثالث من الكتاب الشَّامل فى الصناعة الطبية. وقصدُنا فيه أن نتكلم فى أحكام الأدوية المفردة كلاماً مفصَّلاً بحسب دواءٍ دواء سواءٌ كان ذلك الدواء دواءً مطلقاً أو دواءً غذائياً أو دواء سُمِّياً أو سُمّاً على الإطلاق. حتى يكون كلامنا ها هنا، شاملاً لجميع الأجسام التى يصدق عليها أنها أدوية.

وقد جرت عادةُ مَنْ سبقنا بالكلام فى هذا الفن، ببسط (2) الكتب بأمرين. أحدهما: كثرة أعداد الأدوية، حتى يستقصوا جميع ما وصل إلى معرفتهم من هذه الأدوية، ولو باسمه فقط. وربما ترادفت أسماءٌ، وكان الدواء (3) فى ذاته واحداً فكثَّروه لأجل تكُّثر أسمائه (4) ، ظانِّين أن مسمَّيات تلك الأسماء متغايرة! وربما حكم بعضهم على ذلك بأحكامٍ مختلفة، وكان المحكوم عليه فى نفس الأمر واحداً. وثانيهما: تكثُّر أسماء القائلين فى كل دواء، إن كانت تلك الأقوال متوافقة وكثيراً ممن يُظنُّ فيه - منهم - زيادةُ العلم، يزيد على ذلك، الكتبَ المشتملة على تلك الأقوال، وكذلك أسماء المقالات فى تلك الكتب، ظانِّين أن العلم الكامل ليس إلا هذا! ومع ذلك، فإنهم يحتجُّون على جميع مطالبهم، بأن هذا: قاله فلان. فإن أكَّدوا هذه قالوا: فى كتاب كذا فى المقالة الفلانية. ونحن نرجو

__________

(1) لم ترد الكلمة فى المخطوطة، ولم ترد المقدمة بكاملها فى مخطوطة الظاهرية (هـ) ونحن نعتمد هنا على مخطوطة بودليان (ن) وحدها.لم ترد الكلمة فى المخطوطة، ولم ترد المقدمة بكاملها فى مخطوطة الظاهرية (هـ) ونحن نعتمد هنا على مخطوطة بودليان (ن) وحدها.

(2) ن: بسط.

(3) ن: كان!

(4) ن: اسماه.

(1/2)

من الله تعالى، أن تكون طريقتنا مخالفة لهذه الطريقةً، وأن يكون كلامنا فى هذا الفن، شبيهاً بكلامنا السالف (1) ، وعلى الوجه العملى المحقَّق.

وقد رأينا أن نقتصر على الأدوية المشهورة فقط، فلا نطوِّل كتابنا هذا بذكر ما لا يوجد، وما لا (2) يعرفه الجمهورُ والأطباءُ من الأدوية، فإن العمر يقصر عن ذلك. وما كان من الأدوية المشهورة، وقد تحقَّقنا معرفته، تكلَّمنا فيه على الوجه الذى نرى أنه لائقٌ بالكلام العملىِّ فنحقِّق الكلام فى ماهيَّته وأفعاله على الإطلاق، وفى كُلِّ عضوٍ عضو. كل ذلك ببِّيناتٍ مهذَّبة وحُجَجٍ محقَّقة. وما كان من آراء الذين يُعتدُّ بأرائهم فى هذا الفن، نرى أنه مخالفٌ للحق، بيَّنا وجه غلطه، وبرهنَّا على بطلانه. متوكِّلين فى ذلك كله، على التوفيق من الله تعالى.

وما كان من الأدوية المشهورة لم تتحقَّق عندنا معرفته، رأينا أن لانوليه الإهمال؛ فيكون كتابنا هذا ناقصاً عن الكمال، وقاصراً على المشهور. فلذلك رأينا أن نتكلَّم فى ذلك، على نمط كلام الأولين، فنذكر ما قيل فى أحكامه شرحاً، فمن شاء تحقيق شئ من ذلك، فعليه بالفحص عنه. ونسأل الله العصمة والتوفيق.

وقد رأينا أن نجعل لكل دواءٍ تحقَّقناه، مقالةً على حدة. وأن نرتِّب كل مقالةٍ على فصول، مشتملة على فنون أحكام ذلك الدواء. فيكون كلامنا فى: ماهيته وجوهره والمختار منه كل ذلك فى فصلٍ واحد. والكلام فى أفعاله فى أعضاء الصدر فى فصلٍ واحد. والكلام فى أفعاله فى أعضاء الغذاء فى فصلٍ

__________

(1) الإشارة هنا إلى الأجزاء السابقة من موسوعة الشامل.

(2) ن: ولا.

(1/3)

واحد. والكلام فى أفعاله فى أعضاء التعفُّن (1) فى فصلٍ واحد. والكلام فى الأحوال التى لا اختصاص لها بعضوٍ عضو (2) فى فصلٍ واحد. والكلام فى أحوال ذلك الدواء فى الترياقية والسُّمِّيَّة ونحو ذلك، وفى بدله وشئٍ من خواصه (3) فى فصلٍ واحد.

فلذلك، قد تشتمل بعض المقالات على ثمانية فصول، وربما اشتمل بعضها على سبعة أو أقل من ذلك؛ وذلك بحسب ما تحقَّقناه من أحكام كل دواء. وربما جمعنا كثيراً من فنون هذه الأحكام، فى فصلٍ واحد، لقِصَرِ الكلام فى تلك الفنون، فلذلك قد يُجعل بعض (4) المقالات فى فصلين فقط، وربما جمعنا أحكام بعض الأدوية، كلها فى فصلٍ واحد.

وقد جمعنا جميع المقالات التى مُبتدأ أسماءُ أدويتها بحرفٍ معيَّن، كالهمزة (5) مثلاً والباء، فى كتابٍ على حدة. فلذلك تعدَّدت هذه الكتب، بعدد الحروف التى تبتدئ بها أسماء الأدوية. وكانت هذه الكتب ثمانية وعشرين كتاباً بعدد الحروف.

بذلك يكون الكتاب الأول فى الأدوية التى أول أسمائها حرف الهمزة. والكتاب الثانى فى الأدوية التى أول أسمائها حرف التاء (6) . والكتاب الثالث فى

__________

(1) سوف يجعلها العلاءُ بعد ذلك: أعضاء النفض (انظر تعليقنا عليها في بداية الفصل الرابع من المقالة الأولى) .

(2) - ن.

(3) الخواص، هي الطبائع الأصلية للمركَّبات (راجع ما ذكره الرازي من ذلك، في الدراسة الممهدة للتحقيق) .

(4) ن: في بعض.

(5) ن: والهمزة.

(6) لم يرد هنا حرف الباء مع أن هناك كتاباً مخصصاً لذلك في الشامل.. وربما كان ذلك من سهو القلم.

(1/4)

الأدوية التى أول أسمائها حرف الثاء.. وعلى هذا الترتيب، إلى آخر الحروف.

ثم جعلنا لكل كتابٍ خاتمةً، نذكر فيها أحكام الأدوية المشهورة، التى لم نتحقَّق معرفتها على الوجه العلمى، من الأدوية التى أول أسمائها، الحرفُ الذى لذلك الكتاب.

(1/5)

الكتاب الأول: فى الأدوية المفردة التى أول اسمائها الهَمْزَة

وهذا الكتاب يشتمل على خمسين مقالةٍ وخاتمة

(1/65)

المقالة الأولى فىِ أَحْكَامِ الدَّوَاءِ المُسَمَّى آطِريلال

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على خمسة فصول.

(1/67)

الفصل الأول في مَاهِيَّةِ آطِرِيلالِ

قد قيل إن آطِرِيلال اسمٌ بربرى، وتأويله: رِجْلُ الطير ويُعرف بمصر برجل الغراب. وليس هو ذلك الدواء المسمَّى برجل الغراب، المضمون عنه أنه يفعل فعل السُّورنْجَان

(1) فى الإسهال والنفع من أوجاع المفاصل، مع السلامة عن مضرَّة السورنجان بالمعدة (2) . وأظن - والله أعلم - أن هذا النبات إنما سُمِّىَ بذلك لأن ورقه يُشبه أرجل الطير. وقد يُسَمَّى بجَزَرِ الشيطان، وكان ذلك لمشابهة ورقه لورق الجزر.

وهو نباتٌ شديدُ الشَّبَهِ بالشَّبَتِ (3) ، فى أصوله وساقه وجُمَّته (4) . ويفترقان ظاهراً، بأن زَهْرَ جُمَّة الشبت أصفرٌ، وزَهْرَ جُمَّة هذا أبيضٌ. وبِزره كبِزر

__________

(1) السورنجان نباتٌ يَرِّىٌّ يشبه البصل، يسمَّى فرج الأرض وقلب الأرض وعُرف في مصر باسم العُكْنَة (ابن البيطار: تفسير كتاب دياسقوريدس، تحقيق إبراهيم بن مراد، دار الغرب الإسلامي، ص 300) وفي الجامع: سورنجان هي العكبة بالديار المصرية، واللعبة البربرية عند أطباء العراق (ابن البيطار: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، بولاق 1291، 40/3) .

(2) يشير داود إلى أن السورنجان: ردىءٌ للمعدة والكبد، يُمغص، وتصلحه الكُثيراء (داود الأنطاكي: تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب، بدون تاريخ 204/1) .

(3) الكلمة غير واضحة في ن.

(4) الجَمُّ والجَمَمُ: الكثير من كل شىء، والجميمُ هو النبات الذي طال بعض الطول، ولم يتم بعد. (ابن منظور: لسان العرب، تصنيف يوسف خياط /دار لسان العرب بيروت 505/1) وقول العلاء ابن النفيس هنا: جمته. إنما يقصد به أوراقه وأغصانه وزهره.

(1/69)

الأَخِلَّة (1) لكن أطول منه قليلاً، وأصغر من بزر المقدونس وهو المستعمل من هذا النبات، وفى طعمه حرارةٌ وحِدَّةٌ ولذع (2) وحرافة (3) .

وقد علمت أن جميع البزور، فإنها لا تخلو (4) من رطوبةٍ فضلية (5) ؛ فلذلك لابد وأن يكون فى هذه البزور (6) رطوبةٌ فضلية. لكن هذه الرطوبة قليلةٌ جداً فى هذا البزر، وإلا كان سميناً منفِّخاً، ولكان يفسد سريعاً.

وأجوده، ما كان إلى زرانةٍ وامتلاءٍ وسمن، وقد أُخذ بعد كمال، وبعد تحلُّل المائية منه، لأن رزانته وامتلاءه (7) ، إنما يكونان لكثرة مادته. وما تمَّ نضجُهُ قلَّت فضولُهُ، وكانت أفعاله تامةٌ.

__________

(1) الأخلة جمع خلة وهي كل نبات حلو.. وهي - أيضاً - جفن السيف! وقد تعجَّب ابن سيده ممن يجعلون أخلة جمع خلة ّ فصواب جمعها: خلال (انظر لسان العرب 896/1) .

(2) ن: لدع.

(3) ن: وحرافة وحرارة.

(4) ن: تخلوا.

(5) يشير العلاءُ - ابن النفيس - هنا، إلى أجزاءٍ سابقة من موسوعة الشامل، تحدث فيها عن الأصول الكلية للتداوي وسوف تتوالي إشاراته إلى هذه المقالات في الأجزاء التالية.

(6) يقصد: بزور آطِرِيلال.

(7) ن: امتلا.

(1/70)

الفصل الثاني في طَبْعِ أطِرِيلالِ وأَفْعَالِهِ مُطْلَقاً

إن هذا البزر، لما كان جوهره مركَّباً من أرضيةٍ حارَّة ونارية، وكلاهما حارٌّ يابسٌ؛ فطبع هذا البزر - لاشك - أنه حارٌّ يابس. ولابد وأن يكون لطيفاً لأن أرضيته لطيفةٌ (1) بسبب الحرارة، ولأنه لو لم يكن لطيفاً، لما كان يحذُّ (2) اللسان، ولما كان حادّاً. فلذلك، لابد وأن يكون هذا البزر لطيفاً.

فلذلك، يسهل انقسامه فى أبداننا إلى أجزاءٍ صغار؛ وما كان من الأشياء الحارة كذلك (3) ، فهو لامحالة سريع النفوذ. فلذلك، لابد وأن يكون هذا الدواء نَفَّاذاً؛ ولو لم يكن كذلك، لما كان طعمه حادّاً (4) ، يحذُّ اللسان إذا لاقاه.

وقد علمت (5) أن الحرافة يلزمها التحليلُ والتقطيعُ والتعفين، وأن المرارة يلزمها الجلاء والتجفيف. فلذلك، لابد وأن يكون هذا الدواء محلِّلا، مقطِّعاً جلاَّءً، مجفِّفاً. وما كان كذلك، فهو لامحالة مفتِّحٌ، ولابدَّ أن يكون تفتيحه شديداً، لأجل اجتماع الحرافة فيه مع المرارة والحرارة.

__________

(1) ن: اللطيفة.

(2) ن: يحذوا.

(3) ن: فكذلك!

(4) ن: حاد.

(5) يشير العلاءُ (ابن النفيس) هنا، إلى ما سبق أن عرض له في الأجزاء السابقة من موسوعة الشامل، حيث تعرَّض تفصيلاً إلى: طبائع وخواص المحسوسات.

(1/71)

الفصل الثالث في فِعْلِ آطِلاِيلالِ في أَعْضَاءِ الغِذَاءِ

إن هذا الدواء، لما كان حارّاً، يابساً، حادّاً، حريفاً، مُرّاً. وجب أن لايكون فيه غذائيةٌ يعتدُّ بها (1) . وكيف لا، والمرارةُ مع الحدة، منافيةٌ لطبيعة الحيوان، فكيف الاستحالة إلى جواهر أعضائه (2) . فلذلك، لابد وأن يكون هذا الدواء قريباً من (3) أن يكون دواءً صِرْفاً.

ولايبعد أن يكون هذا الدواء نافعاً للطحال لأجل قوة تفتيحه وجلائه (4) وتحليله. ولذلك ينبغى أن يكون ضارّاً بالمعدة، لأجل حدته؛ وإذا خُلط بما فيه قَبْضٌ وتقوية، فلا يبعد أن يصير حينئذٍ نافعاً للأحشاء، كالمعدة والكبد. ويجب أن يكون مفشِّياً للرياح، وذلك لما فيه من الحرارة والتحليل والتلطيف؛ فلذلك هو مسكِّنٌ للمغص، لأجل تحليله الرياح الممغِّصة.

__________

(1) ن: لتعديلها!

(2) يقصد: تحوُّل الغذاء إلى مادة الجسم الذي اغتذى به.

(3) من هنا تبدأ مخطوطة الظاهرية المشار إليها في الهوامش التالية بحرف هـ.

(4) ن: جلاه، ومطموسة في هـ.

(1/72)

الفصل الرابع فيِ فِعْلِ آطِرِيلالِ في أَعْضَاءِ النَّفْضِ

(1)

إن هذا الدواء، لما كان مُرّاً لطيفاً حريفاً حادّاً، وما كان كذلك فهو لامحالة: جلاَّءٌ، ملطِّفٌ، مقطِّعٌ. ومع ذلك، فهو لطيفُ الجوهر - لما قلناه أولاً - وهو إذن (2) : ملطِّفٌ. فلذلك، يجب أن يكون هذا الدواء قوىُّ التفتيح وكذلك (3) - لامحالة - يكون مدرِّاً للبول. ولأنه يحدُّ مزاج الدم، ويُطلقه ويحرِّكه فهو لامحالة، مدرٌّ للحيض أيضاً.

وإذ (4) هو مُرٌّ جداً (5) ، فهو منافٍ لطبيعة الحيوان، خاصةً المتكوِّن من مادةٍ ومِدَّةٍ بلغمية - كالدود - فلذلك، هذا الدواء من شأنه أن يقتل الدود. ولذلك هو إذن: يقتل الجنين، فإذا كان - كذلك - مدرٌّ (6) للحيض، فهو لا محالة من

__________

(1) استخدم الأطباءُ العرب، قبل العلاء (ابن النفيس) وبعده، تعبير أعضاء النفض للإشارة إلى أعضاء الإخراج: البول، البراز، الطمث. وهو استخدامُ فصيحُ. فالَّنفْضُ في اللغة، هو ما يسقط من الشىء. ويقال: استنفاض الذكر وإنفاضه. أى؛ استبراوؤه مما فيه من البول. وفي الحديث الشريف: ابغني أحجاراً استنفض بها أى؛ استنجى بها. وهو من نفض الثوب لأن المستنجى ينفض عن نفسه الأذى بالحجر، أى يزيله ويدفعه. واستنفض ما عنده: استخرجه (لسان العرب 692/3) .

(2) :. اذا.

(3) هـ: فكذلك.

(4) ن: اذا.

(5) :. مرحد!

(6) :. فهو.

(1/73)

الأدوية المسقطة للأجِنَّة.

أما الإسهالُ، فالظاهرُ أن هذا الدواء ليس بمسهلٍ، لأنه مع إدراره، يحرِّك المواد إلى ظاهر البدن - على ما تعلمه بعدُ - وذلك مما ينافى الإسهال. فلذلك ينبغى أن يكون هذا الدواء: غير مسهل.

وينبغى أن يكون مفتِّتاً للحصاة، لأنه مع مرارته، وحرافته (1) ، وحِدَّته: لطيفٌ، مقطِّعٌ، نَفَّاذٌ. فلذلك، ينبغى أن يكون من الأدوية الحصويَّة.

__________

(1) وحرافاته.

(1/74)

الفصل الخامس في أَفْعَالِ آطِرِيلالِ في الأَمْرَاضِ الَّتي لا اختِصَاصَ لها بعُضْوٍ عُضْو

إنَّ هذا الدواء، لأجل تفتيحه وجلائه (1) ، ينبغى أن يكون من أدوية اليرقان (2) . ولم نجد للأوَّلين كلاماً (3) فى هذا الدواء، وإنما تكلَّم فيه المتأخِّرون ولم يُعرف بالبلاد المشرقية إلا فى زماننا، وهو إلى الآن لم يُعرف - بعدُ (4) - فى البلاد البعيدة عن بلاد مصر بُعداً كثيراً. وأوَّل تعرُّفه، إنما كان لأجل نفعه من البَرَصِ (5) وذلك لأن طائفة من البربر كانوا يشفون به البَرَصَ ويخفونه عن الناس ولا يعرفه غيرهم. ثم عُرف بعد ذلك، واشتهر؛ وذلك لأن فعله فى البَرَصِ عجيبٌ، لأنه إذا تناوله المبروص، وكشف مواضع البَرَصِ للشمس، نفطت (6)

__________

(1) :. جلاه.

(2) اليرقانُ هو اصفرارُ الجلد. والأصلُ في التسمية من عالم النبات، حيث تُصاب أوراق الشجر باليرقان، إذا اصفرَّت وآلت للسقوط. يقول الشيخ الرئيس: اليرقان تغيُّرُ فاحش من لون البدن إلى صفرة أو سواد، لجريان الخلط الأصفر أو الأسود إلى الجلد وما يليه، بلا عفونة (ابن سينا: القانون في الطب 400/2) .

(3) :. كلام.

(4) ن: لبعده.

(5) البرص داءٌ معروف، وهو بياضُ يقع في الجلد يقال للمصاب به: أبرص. والأنثى: برصاء،. والجمع: برصان (ابن منظور: لسان العرب 195/1) .

(6) يقصد: احتقن ماءٌ تحت الجلد. والنفاطات في كلام قدامى الأطباء، تطلق على الانتفاخات التي تكون تحت الجلد، وسواءٌ كانت منتفخة بالماء أو بالدم (راجع، القانون في الطب 119/3) وانظر ما سنقوله عنها فيما بعد.

(1/75)

تلك وتقرَّحت، من دون سائر جسده. ثم بعد ذلك، ينبت بدل تلك المواضع لحمٌ صحيحٌ، وجلدُ حَسَنٌ (1) .

فإن كان ذلك البَرَصُ حديثاً غير مستحكم، فربما كفى صاحبه أن يفعل ذلك مرةً واحدة. وربما لم يكفه (2) ، بل بعد نبات ذلك اللحم، يعاوده البَرَصُ ثانياً، ويكون أضعف من الأول؛ ثم إذا عاود تناول هذا الدواء، وتقرَّح مرةً أخرى؛ استمر لحمُهُ على الصحة، وذلك هو النابت بعد التقرُّح الثانى. وربما لم يكف ذلك، وأُحوج إلى مرةٍ ثالثةٍ، ورابعة، وذلك إذا كان البرص قوياً.

وربما لم ينجح هذا الدواء البتة، بل كلما سقط موضع البَرَصَ ثم عاد لحمٌ صحيح، عاد (3) البَرَصُ بعد مُدة؛ وذلك إذا كان البَرَصُ قد استحكم وقوى. وربما كان هذا التدبير (4) - حينئذٍ - مُزيداً فى البَرَصِ وذلك لأجل زيادة ضعف مواضعه وما يقرب منها، بتكرير التقرُّح.

فهذا ما جُرِّبَ فى أمر هذا الدواء فى البرص. ونقول: إن فعل آطِرِيلال هذا، سببه أن هذا الدواء مع حِدَّته وحرارته وتعفُّنه، هو شديدُ اللطافة، قوىُّ النفوذ - وقد بيَّنا ذلك فيما (5) سلف - وإذا تناوله الإنسانُ، نفذ بسرعةٍ وقوةٍ إلى ظاهر بدنه، فما كان من ظاهر بدنه سليماً، تحلَّل منه وخرج سريعاً، فلم يكن له هنا أثرٌ من تقرُّحٍ ونحوه؛ ولو بقى فى موضعٍ ما من المواضع السليمة مدةً

__________

(1) :. جسد!

(2) :. يكفيه.

(3) :. عود.

(4) يقصد: العلاج بآطريلال.

(5) - ن.

(1/76)

لأجل غلظ الجلد هناك - ونحو ذلك - لم يلزم، أيضاً، أن يحدث فيه تقرُّحاً ونحوه، لأنه لا يجد هناك رطوبةً يفسدها (1) حتى تصير مقرَّحةً. وما كان من ظاهر البدن مبروصاً، فإن مسام ذلك الموضع تكون مفسدةٌ، بما فيها من البلغم فلذلك لا يتمكَّن هذا الدواء من النفوذ فى تلك المسام إلى خارج، سريعاً؛ بل يبقى هناك مُدة، ويصادف (2) الرطوبات البلغمية هناك، كثيرةً، ويعفِّنها ويحدِّها فتصير مقرَّحةً، فيحدث لذلك تقرُّح تلك المواضع فقط، لا (3) أن نفوذه (4) إنما كان إلى تلك المواضع فقط، بل لأنه إنما احتبس ووجد رطوبةً تستعدُّ (5) للحرارة والفساد هناك فقط.

فلذلك، صار تأثيره هذا التأثير، إنما هو فى المواضع المبروصة (6) فقط. وإذا تقرَّحت تلك المواضع، وزال ما فيها من الجلد الفاسد، ومن البلغم، ونبت بعد ذلك جلدٌ جديدٌ، كان ذلك الجلد خالياً من (7) البلغم، ولذلك يكون صحيحاً.

وإنما يعرض له بعد ذلك البَرَصُ - إن عرض - لأجل حصول بلغمٍ آخر فيه يفعل البَرَصُ. وذلك إذا كان البلغم فى ذلك البدن، قد صار من شأنه الاندفاع إلى ذلك الموضع؛ وذلك إذا كان البَرَصُ قد استحكم، لأنه إنما يستحكم إذا كان البلغم يندفع إليه كثيراً، وذلك بأن يصير للطبيعة عادة، تدفع فضول البلغم إلى هناك.

__________

(1) ن: يفسد.

(2) ن: ويصادف.

(3) -:.

(4) :. نفوده.

(5) ن: يستعد.

(6) :. المبرصة.

(7) ن: عن، ومطموسة في هـ.

(1/77)

فهذا، بيانُ كيفية فعل هذا الدواء فى البَرَصِ. ونقول (1) : وإذا كان الأمر كما قلناه، فينبغى إذا أُريد العلاج بهذا الدواء، قصد أمرين. أحدهما: أن يكون البدنُ شديدَ النقاء جداً من البلغم، وذلك بأن يُبالغ فى استفراغ البدن منه لأنه إذا لم يكن كذلك، فقد يكون تناول هذا الدواء سبباً للزيادة فى البرص. وذلك إما لتكرار معاودته - كما قلناه - لأجل وجود البلغم الفضلى فى البدن واندفاعه (2) إلى الجلد الحادث، قبل استحكام قوته - كما ذكرناه - أو لأجل انجذاب قسط من البلغم إلى موضع البَرَصِ لأجل تسخُّنه بحرارة هذا الدواء.

وثانيهما (3) : أن يُعان (4) هذا الدواء على إحراق البلغم الذى يكون فى موضع البرص، وإفساده، حتى يكون مُقرِّحاً مُسقطاً للجلد المبروص. وهذه الإعانة إنما تكون بتقوية حرارته على ذلك، وذلك يكون بأمرين. أحدهما: أن يخلط معه ما يزيد فى حرارته، وذلك كما يخلط معه العاقِرُقَرْحا (5) ونحوه. وثانيهما: أن يسخِّن موضع البرص، فتصير فيه سخونةٌ تُعين حرارة هذا الدواء على إفسادها فى ذلك الموضع من البلغم. وهذا التسخين، يتم بكشف الموضع للشمس الحارَّة، ونحو ذلك.

__________

(1) :. فنقول.

(2) الكلمة مكررة مرتين في هـ.

(3) يقصد الأمر الآخر الذي تجب مراعاته عند التداوي بآطريلال.

(4) :. يقال!

(5) العاقِرُ قَرْحا دواءٌ مشهورٌ في التراث الطبي، وهو: نباتٌ يشبه البابونج الأبيض، المعروف في مصر بالكَرْكاش.. يسكِّن وجع الأسنان الحادث من البرودة، وينفع من النافض.. إلخ (الملك المظفر: المعتمد في الأدوية المفردة، دار القلم - بيروت ص 315) .

(1/78)

وإذا فُعل الأمران (1) ، كلاهما (2) ، فلا شك أن فعل هذا الدواء يكون (3) أتم. فلذلك، يؤمر متناول هذا الدواء بكشف (4) مواضع البَرَصِ للشمس الحارة لتصيبه فتسخَّنه، ولا أقل من أن يكون ذلك بقدر ساعة أو أكثر قليلاً، وذلك بحسب قوة الشمس وضعفها؛ وأن يخلط مع هذا الدواء ما يقوى حرارته.

ثم إن المعالجين بهذا الدواء، وقع بينهم الاختلاف فى الدواء الذى يخلطونه به (5) ؛ فبعضهم كان يخلط مع هذا الدواء مثل ربعه عاقِرقَرْحا وبعضهم كان يخلط مثل ثلثه سَلْخ الحية (6) ومثل ثلثه ورق السِّذَاب (7) فيكوِّن من هذين جزءٌ، ومن آطِرِيلالِ جزءٌ ونصف، يسحق كلٌّ على حدة، ويخلط الجميع. يستفُّ منه كل يوم، وزن ثلاثة دراهم، ويُردف قليلَ شرابٍ عتيق. يُفعل ذلك خمسة أيام. وبعضهم يسحق هذا الدواء، ويعجنه بالعسل، ويشرب منه كل يوم وزن مثالين بماءٍ حارٍّ. يُفعل ذلك خمسة عشر يوماً.

والأجودُ عندى أن يكون ما يُسقى من هذا الدواء فى أول الأمر، بقدرٍ يسير؛ وذلك بقدر نصف درهم، ثم يزاد قليلاً قليلاً. لأن استعمال الكثير، بغتةً

__________

(1) ن: الأمرين.

(2) :. كليهما.

(3) ن: ليكون.

(4) غير واضحة في المخطوطتين، وتُقرأ في كليهما: بحر!

(5) - ن.

(6) سلخُ الحية هو الجلدُ الذي يسقط عن جسم الثعابين عند نزول شمس الحمل، لأنه يكون قد جَفَّ من البرد والمكثف تحت الأرض، وأجوده جلد الذكور (تذكرة أولى الألباب 197/1) وقد استخدمه الأطباء للعلاج، خاصةً في أدوية العين (المعتمد المفردة، ص 237) .

(7) السِّذَاب هو شجرٌ يقارب شجر الرمان، أوراقه تقارب الصعتر - الزعتر - البستاني، إلا أنها سبطة، وله زهرٌ أصفر، يخلف بزراً مُرَّ الطعم، وصمغه شديد الحِدَّة، مَن شّمه؛ مات بالرعاف والبرِّىُّ منه أحدُّ وأقوى (تذكرة أولى الألباب 186/1) .

(1/79)

مما يملأُ البدن، أو يستفرِغُ، أو يسخِّنُ، أو يبرِّدُ، أو يحرِّك بنوعٍ آخر (1) من الحركة، أىَّ نوعٍ كان خطر. وكل ما (2) كان كثيراً، فهو مقاومٌ (3) للطبيعة مفسدٌ لها. وأما ما يكون قليلاً قليلاً، فمأمونٌ متى أردت انتقالاً من شئ إلى غيره، ومتى أردت غير ذلك.

وينبغى أن يكون استعماله، بالعسل أو بالشراب؛ لأن كل واحدٍ من هذين، فإنه يسرع نفوذه إلى ظاهر البدن. أما العسل فلأجل (4) محبة الأعضاء له - لحلاوته - فتجذبه بسرعة، وينجذب معه ما يكون مخالطاً (5) له من الدواء. وأما الشراب فلأجل شدة نفوذه؛ ولذلك، كان شارب الخمر يحمرُّ بسرعة، لأجل سرعة نفوذ الخمر إلى ظاهر البدن.

ونقول: إن من الناس مَنْ يحدث له تقرُّح موضع البَرَصِ عند تناول هذا الدواء مرةً واحدة. وبعضهم إنما يحدث له ذلك، إذا تكرَّر تناوله له مرات كثيرة وبعضهم يحدث له ذلك بتناوله مرتين؛ وذلك بحسب لين الجلد وكثافته، ونحو ذلك.

وإذا كان البَرَصُ فى مواضع لحميَّة، كان حدوث التقرُّح عن هذا الدواء أسرع مما إذا كان الموضع قليل اللحم. وذلك لأن الموضع اللحمىِّ، يحتبس فيه هذا الدواء مُدَّة أكثر، فيكون فعله فيه أشدُّ وأوفر، ولا كذلك الموضع المعرَّى (6) من اللحم.

__________

(1) - ن.

(2) :. كلما.

(3) :. مقوم.

(4) :. لأجل.

(5) :. مخلطاً.

(6) ن: المقوى.

(1/80)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الثانية فىِ أَحْكَامِ الإِبْريسَم

وهو الحريرُ. وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على خمسة فصول.

(1/81)

الفصل الأول في مِاهيِيَّةِ الإِبْرِيسَمِ، وَهُوَ الحرِيرُ (1)

إنَّ جوهر الحرير شديدُ اللين، شديدُ القبول للانثناء والانعطاف؛ وهو مع كل حالٍ، عسرُ الانقطاع. فلذلك، جوهره جوهرٌ لدنٌ شديد اللدونة. كان كذلك، فهو لا محالة مركَّبٌ من جوهرٍ مائىٍّ، ومن جوهرٍ أرضىٍّ؛ والامتزاج بينهما شديد الاستحكام، كما بيَّنَّاه فيما سَلَفَ.

ولابد فى الإبرسيم من جوهرٍ هوائى، وإلا لم يكن خفيفاً؛ ولابد من جوهرٍ نارىٍّ، وإلا لم يكن فيه إشراقٌ وبريقٌ. فلذلك، لابد أن يكون جوهر الإبريسم مركباً من مائيةٍ، وأرضيةٍ، وهوائيةٍ، ونارية (2) . وأرضيته (3) قليلة جداً ولذلك هو شديد اللين، فإن زيادة الأرضية يلزمها الصلابة أو الهشاشة، ونحوها؛ وذلك مما لا تجده (4) فى جوهر الإبريسم.

وأفضله، ما كان أنقى جوهراً؛ لأن طبيعة هذا الصنف - لامحالة - أخلص فيكون الفضل (5) لها. فأفضل ذلك: ما كان مع ذلك شديد النعومة، لأن ما يكون كذلك فإن مادته تكون متشابهةً، فلا يكون فيها أجزاءٌ أرطب فتكون

__________

(1) هـ: الحرير الأحمر.

(2) راجع ما ذكرناه عن الطبائع الأربعة في مقدمة التحقيق.

(3) هـ: ارضياته.

(4) :. يجد.

(5) :. الفعل لها فقط!

(1/83)

شديدة (1) اللين، وأجزاءٌ أصلب، فتكون عسرة الامتداد، فتبقى (2) جتمعة فى مواضع، فيصير الحريرُ (3) لذلك، حسناً.

__________

(1) :. الشديدة.

(2) مطموسة في ن.

(3) يُلاحظ أن المؤلِّلف يستخدم الإبريسم والحرير، كمترادفين ينوب أحدهما عن الآخر. والحريرُ هي الكلمة العربية الفصيحة، أما الإبريسم فهي تعريب للكلمة الفارسية ابريشم (ادى شير: معجم الألفاظ الفارسية المعربة، مكتبة لبنان، 1980، ص 6) .

(1/84)

الفصل الثاني في طَبِيعَتِهِ وأَفْعَاِله علَى الإِطْلاَقِ

لما كان الحريرُ مركَّباً من أجزاءٍ مائية، وأجزاءٍ أرضية، وأجزاءٍ هوائية وأجزاءٍ نارية؛ وجب أن يكون مزاجه قريباً جداً من الاعتدال، لأن أجزاءه هذه تتقاوم، فلا تستولى طبيعةٌ منها استيلاءً تاماً (1) قوياً.

ولولا ذلك، لكان يظهر فيه الطعمُ اللازم لغلبة واحدٍ من هذه الأجزاء كالعفوصة والمرارة اللازمتين للأرضية، والحرافة والحدة اللازمتين لغلبة النارية. ومع ذلك، فيجب أن يكون الإبريسم مع قربه من الاعتدال، مائلاً إلى الحرارة واليبوسة. أما الميل إلى الحرارة، فلأمرين. أحدهما: أن (2) ما يلزم الحرارة من الكيفيات، فإنه فيه أظهر، وذلك كالإشراق والبريق (3) ؛ فإن البرودة تنافى ذلك ويلزمها الكمودة ونحوها. وثانيهما: أن خِلْقة الحرير، إنما هى لتكون تدفيئاً لدود القزِّ، وما يُخلق للإدفاء (4) ، فلابد وأن يكون مائلاً إلى الحرارة.

وأما الميلُ إلى اليبوسة. ونعنى (5) بذلك، أنه كذلك باعتبار تأثيره فى بدن

__________

(1) :. تام.

(2) :. انما.

(3) هـ: علك الزتون (!) إذا اكتحل به، نفع من غشوات العين، ونقَّى وسخ القروح المتولدِّة في الحجاب.

(4) ن: للأدواء.

(5) ن: يعني.

(1/85)

الإنسان؛ فيدل على يبوسته، أن ما فيه (1) من الهوائية، ليست تفيد فى ترطيب البدن. فأما الرطوبة الهوائية - وهى بمعنى سهولة الانفعال - وذلك مما يلزمه أن يكون مرطِّباً للبدن، فلذلك إنما يكون ترطيبه بالمائية فقط، وذلك مما يزيد على يُبْس الأرضية والنارية.

فلذلك، لابد وأن يكون الإبريسم، يؤثِّر فى بدن الإنسان بيبوسته فيكون لامحالة يابساً. وجوهره - لامحالة - لطيفٌ، وذلك لأجل قلَّة أرضيته، لما قلناه. وما كان كذلك، فإن نفوذه يكون أسرع وأسهل. وما كان كذلك، فإن تأثيره فى المواضع البعيدة يكون (2) أكثر. فلذلك، تسخينُ الحرير ويُبْسه - وإن كانا (3) ى نفسهما قليلين - فإنهما لأجل لطافة جوهر الحرير، قد يكون تأثيرهما شديداً.

وقد علمت أن من شأن الحرارة التحليل، ومن شأنه اليبوسة التجفيف. وإذا كان المجفِّف محلِّلا، كان تجفيفه شديداً؛ فكذلك يكون تجفيف الإبريسم له قوةٌ ظاهرة (4) ، فلذلك هو مُنَقٍّ، وفيه تقطيع لأجل لطافته ونفوذه؛ فلذلك يسهل نفوذه بين أجزاء المادة فيفرِّقها إلى أجزاء، فلذلك هو مقطِّع.

وقد يُستعمل الحريرُ كما هو، وقد يستعمل مُحْرَقاً. فإذا كان محرقاً، فإنه لا محالة أشد تجفيفاً، ويكون له حِدَّةٌ ولذع، وذلك مما تحدثه (5) فيه النارية المحرقة. فلذلك، يكون لذَّاعاً إذا لم يُغسل، وإذا غُسل فارقته الحرارة المستفادة

__________

(1) :. انما.

(2) :. تكون.

(3) :. كان.

(4) ن: طاهرة.

(5) :. يحدثه.

(1/86)

بالإحراق، ويلزم ذلك أن تفارقه الحِدَّةُ واللذع (1) . وأما تجفيفه، فلا يلزم أن يقل كثيراً؛ فكذلك الحريرُ إذا أُحرق وغُسل بعد ذلك، كان تجفيفه - مع أنه زائد - فهو خالٍ من اللذع والحدة. وأجودُ إحراقه: أن يجعل فى كوز، ويُسَدُّ رأسه ثم يودع الفرن أو يجعل فى رمادٍ حارٍّ.

وإذا كان الحريرُ غير محترق، فقد يستعمل جِرْمه، وقد تُستعمل سلاقته أو نقوعه. وإذا استُعمل جرمه، فلابد من تصغير أجزائه، وذلك قد يكون بالقرض البالغ - وهو الأفضل والأكثر - وقد يكون بالسَّحْق. وإنما يتأتَّى ذلك، إذا كان معه ما يعده لذلك، وذلك هو الأجسام الشديدة القبول للإسحاق، وهى الأجسام اليابسة، كالبُسَّذِ (2) واللؤلؤ والكهرباء (3) ونحو ذلك، بما يليق خلطه بالحرير.

وإذا استُعمل نقوعه أو سلاقته، فيجب أن يكون ذلك بعد إطالة مدة النقع وأن يكون النقع فى ماءٍ حارٍّ، أو فى رطوبة أخرى مسخِّنة. وكذلك، يجب أن تكثر (4) مدة طبخه، ويكثر غليانه. والسبب فى ذلك، أن أجزاء الحرير متلازمةٌ فإنما يسهل أن تنفصل منه أجزاءٌ تُمازج المائية، إذا فُعل به ما قلناه.

__________

(1) ،: الدع، هـ: اللدع.

(2) :. يسد.

(3) البُسَّدُ (المرجانُ) نباتٌ بحري ينبت في جوف البحر. واللؤلؤ معروف. والكهربا: صمغ السندروس، وهو حجر أصفر مائل إلى الحمرة، شفَّاف، يجذب التبن والهشيم من النبات ولذلك يسمى كاه ربا أي سالب التبن بالفارسية (المعتمد في الأدوية المفردة ص 24، 438) .

(4) :. يكثر.

(1/87)

الفصل الثالث في أَفْعَاِله في أَعْضَاءِ الرَّأْسِ

إن الإبريسمَ على ما يقوله بعضٌ، من شأنه تقوية الروح الحيوانى (1) ، وهذا الروح قد بيَّنَّا أنه يصعد قسطٌ منه إلى الدماغ (2) ، فيعدَّل فيه ويصير روحاً نفسانياًّ. وأول صعوده إلى الدماغ، يكون به (3) الحفظ والفكر والذكر، فلذلك

__________

(1) يشير العلاءُ إلى أن: المشهور في العرف العام، أن النَّفْس هي الروح (ابن النفيس: شرح تقدمه المعرفة، مخطوطة بلدية الإسكندرية، ورقة 27أ) لكنه يعود فيؤكد المعنى الاصطلاحي للكلمة، بقوله في موضعٍ آخر: الروح، لا نعني بها النَّفْس، كما يراد بها في الكتب الإلهية بل نعني بها جسماً لطيفاً بخارياً، يتكوَّن من لطافة الأخلاط، كتكوُّون الأعضاء من كثافتها. والأوراح هي الحاملة للقوى، فلذلك أصنافها، كأصنافها (ابن النفيس: الموجز في الطب ص 35) والروح هنا تقترب في دلالتها من معنى الطاقة الحيوانية. غير أن العلاء يعود فيستخدم الكلمة كما لو كانت ترادف السائل الزجاجي حين يقول: الروح المؤدى، هو - في العين - جوهرٌ أغلظ من الهواء وألطف من الماء، نافذٌ إلى المقلة. وهو الذي يقع عليه شبحُ المرئيات، ويؤديها إلى القوة الباصرة، وإلى داخل الدماغ (ابن النفيس: المهذب في الكحل المجرب، ص 93) وهو يشير في الفقرة السابقة، إلى الطبيعة العصبية للروح. أما هنا فهو حين يستخدم تعبير الحيواني فهو يقصد به الطاقة الحيوية في الجسم.

(2) قوله إن الروح يصعد إلى الدماغ، مرتبطٌ بتصوُّر العلاء (ابن النفيس) لحركة الدورة الدموية التي تنقل الدم من القلب إلى الرئة - حيث تتلطَّف الروح - ثم من القلب، ثانيةً، إلى سائر الأعضاء ومنها الدماغ.. وفي الدماغ، تصير الطاقة الحيوية المعبَّر عنها بالروح، طاقةَ نفسية، عَبَّرَ هو عنها بقوله: يصير روحاً نفسانياً.

(3) - ن.

(1/88)

كان الإبريسم مقوِّياً للحفظ (1) ، لأن الروح التى بها الحفظ، شئٌ من الروح الحيوانى الذى لم يكمل بعد استحالته، حتى يصلح أن يكون حاسّاً (2) . فلذلك (3) ، كان تناول الإبريسمِ مقوياً للحفظ.

والاكتحال به يقوِّى البصر، وذلك لأمرين. أحدهما: تقوية الروح وثانيهما: إصلاحه لمزاج العين وتقويتها وتنقيتها من الفضول وحفظ صحتها. وذلك لأن الإبريسم مع أنه خالٍ (4) عن جميع الكيفيات الضارَّةِ بالعين - كالحدة واللَّذْع والقبض ونحو ذلك - فهو مجفِّفٌ باعتدالٍ، وليس بشديد التسخين. وما كان كذلك، فهو شديد النفع للعين (5) ، محلِّل لفضولها، مجفِّف لما تكوَّن فيها من الرطوبات الفضلية، لأن هذه الفضول تكثر فى العين لأجل رطوبة مزاجها.

وإذا أُحرق الحرير ثم غُسل، كان شديدُ الموافقة لقروح العين، يملأ ما يحدث (6) فيها من الحفر ونحوه؛ وذلك لأجل تجفيفه الخالى عن اللَّذْع، لما قلناه قبل.

__________

(1) المقصود هنا: الذاكرة.

(2) ن: حاشا.

(3) هـ: فكذلك.

(4) :. خالي.

(5) ن: المعين.

(6) الكلمة في هامش المخطوطتين، وبجانبها علامة المقابلة.. مما يعني أن كلتا المخطوطتين، تمت مقابلتها مع مخطوطة بعينها، أقدم منهما معاً.

(1/89)

الفصل الرابع في أَفْعَالِه في أَعضَاءِ الصَّدْرِ

جميع ما له لونٌ بَهِجٌ، وإذا ورد إلى داخل بدن الإنسان، لا يتغيّر لونُهُ تغيُّراً كثيراً قبل نفوذه إلى القلب؛ فإنه من المفرِّحات. وذلك لأن هذا إذا حصل فى القلب وهو بذلك اللون، كان ما يخالط (1) منه الروح. بذلك اللون، فيفيدها نورانيةً وإشراقاً. وذلك - لامحالة - مما يسرُّ النفس، فإن النفس يسرُّها النظر إلى الأشياء المشرقة النيِّرة، وإن كانت فى الخارج؛ فكيف إذا كانت فى الخفاء التى هى الروح؟

ولذلك، فإن الروح إذا تكدَّرت وأظلمت، بمخالطة أجزاءٍ أرضية مظلمة كما يحدث عن البخارِ السوداوىِّ أو (2) الهواءِ الكَدِرِ، ونحو ذلك. فإن النفس تنقبض لذلك، وتحصل حالةٌ تُسمَّى ضيق الصدر ونحو ذلك من (3) جملة هذه. فلذلك، كانت الأشياء التى لها ألوانٌ مشرقة بهجة مفرِّحةً للنفس؛ وهذه الأشياء كالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت والزعفران ونحو ذلك. ومن جملة هذه الأشياء: الإبريسم. ولذلك، كان الإبريسم من المفرِّحات. وهو يفرِّح - أيضاً - بالنظر إليه، كما قلناه فى الأشياء البهجة.

ومع أن الإبريسم يفرِّح، فهو أيضاً يقوِّى القلب؛ وذلك لأجل مناسبته لمزاجه المائل إلى الحرارة واليبوسة. وأعنى بذلك، أنه يقوِّى القلب الذى مزاجه

__________

(1) ن: يخالطه.

(2) :. أو.

(3) :. ومن.

(1/90)

إلى بردٍ، لأنه يعدِّل مزاجه. وأما إذا كان مزاج القلب حارّاً يابساً - أى أزيد حرارةً ويبوسةً مما ينبغى أن يكون له - فإن الإبريسم حينئذٍ لا يقوِّيه، بل ربما أضعفه، بما يزيده فى سوء المزاج الحار اليابس.

وإذ الإبريسم يفرِّح (1) ويقوِّى القلب، فهو لا محالة مقوٍّ (2) للطبيعة. فلذلك يقوى الأفعال الصادرة عن الطبيعة، كدفع الفضول ونحو ذلك. ولذلك، اُختير لبسه فى الحروب، لأنه يشجِّع القلب، بتقويته (3) وتفريحه.

__________

(1) ن: يقرح.

(2) :. مقوى.

(3) الكلمة في هامش هـ.

(1/91)

الفصل الخامس في أَفْعَالِه في الأَحْوَالِ الَّتِي لا خُصُوصِيَّةَ لهَا بعُضْوٍ عُضْو

إن الإبريسم له فى هذه الأحوال أفعالٌ (1) ، بلبسه، وله فيها أفعالٌ إذا تُنُوِّل (2) . وذلك لأن الحرير لما كان شديد النعومة، فإن لبسه لا محالة مُسمِّن فإن من المهزولات، لما تعرفه بعد: لبسُ الخشن! وذلك لأن الملبوس الخشن بزيادة حَكَّه للجلد، محلِّلٌ - كثيراً - ما يكون عنده من الرطوبات، وذلك من أسباب اليبوسة والهزال. وإذا كان كذلك، فلبس الناعم من أسباب رطوبة الجلد، وسمنه، ولينه.

وأيضاً، فإن الحرير محلِّل، ومع تحليله، فإنه غير جاذبٍ، لأن حرارته ليست بكثيرة جداً، كما فى القطن. فلذلك، كان لبس الحرير يمنع تولُّد القمل وذلك لأجل تحليله مادة الرطوبات (3) الفضلية، ولا كذلك لبس الكِتَّان والقطن. أما الكِتَّان فإنه يحبس مادة القمل عن التحلُّل، وذلك لأجل برده ويبوسته المضيِّقين لمسام البدن. وأما القطن فلأنه لقوة حرارته، يجذب الرطوبات كثيراً إلى ناحية الجلد؛ فلذلك، كان لبس القطن يولِّد القمل كثيراً.

أما فعل الحرير بالتناول، فإنه يحسِّن اللون. وذلك لأجل تفريحه الذى

__________

(1) - ن، هـ: الافعال حوال!

(2) يقصد: عند تناوله.. والكلمة غير منقوطة، وغير واضحة في المخطوطتين!

(3) :. وهي الرطوبات.

(1/92)

(هو) (1) يلزمه زيادة حركة الدم إلى ظاهر البدن؛ ولذلك، هو يسمِّن أيضاً. وذلك لأجل تحريك الفرح الحادث عنه للدم، إلى ظاهر البدن. ولذلك، كان الفرح والسرور من المسمِّنات؛ وذلك لأن المفرِّحات تُلَيِّنُ الجلد وترطِّب (2) وذلك لأجل كثرة تحرُّك الرطوبات إليه.

وأيضاً، فإن تَنَاول الحريرِ بتقويته للطبيعة، يجود معه فعلُ الطبيعة فى مادة الغذاء، ويُلزم ذلك، أن يكون مسمِّناً. والسمنَّيةُ هنا (3) ، بما هو دواءٌ؛ لا لأنه يزيد فى الغذاء باستحالته إليه، ونحو ذلك، فإن جوهر الحرير تغلب (4) فيه الهوائية وما كان كذلك، فإنه لا يصلح للتغذية. ولذلك (5) ، فإن الحرير من الأدوية الصِّرْفة (6) ، لا من الأدوية الغذائية.

__________

(1) هكذا في المخطوطتين.

(2) :. يلين جلده ويرطب!

(3) :. هو.

(4) ن: يغلب.

(5) :. وكذلك.

(6) - ن.

(1/93)

المقالة الثالثة فىِ أَحْكَامِ الأَبنُوسِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على خمسة فصول.

(1/95)

الفصل الأول في مِاهِيَّةِ الأَبَنُوسِ

الأبنوسُ خشبٌ كثيفٌ صلبٌ رزينٌ، ذو رائحةٍ تفوح منه إذا تبخَّر بالنار داخله أسود، وظاهره بيِّنُ البياض والحمرة. وربما كان فى داخله عروقٌ هى كذلك أيضاً، وسواده ذو إشراق. ويوجد فى طعمه قبضٌ، وربما كان منه ما يلذع اللسان ويقبضه بقوة. ومائيته قليلةٌ، ولذلك لايسوِّس سريعاً. ومادام حديثاً، يكون فيه رسومه؛ فإذا عتق كثيراً، فارقته، لأجل انحلال شئ (1) من مائيته وهوائيته (2) . ومنه هندىٌ، ومنه حبشىٌّ؛ وهو أفضل أنواعه. وأفضل هذا النوع، ما كان أملسٌ خالصُ السواد.

وإذا حُكَّ الأبنوس على جسمٍ صلبٍ، كالمسمن، مع بعض الرطوبات. انحلَّت منه حكاكةٌ يستعملها الحكَّاكون. وإنما كان الأملس أفضل، لأن الملامسة إنما تكون لتشابه أجزاء المادة. وإنما كان الخالص السواد أفضل، لأنه إنما يكون كذلك، إذا كانت أجزاؤه متشابهةً، وكانت القوة الفاعلة لسواده، قويةً (3) تامة.

__________

(1) - ن.

(2) :. وهوابته.

(3) هـ: قوته.

(1/97)

الفصل الثاني في طَبِيعِتِهِ وأَفْعَاِلهِ مُطْلَقاً

الصلابةُ قد تكون لقوة الانعقاد، وقد تكون لكثرة الأرضية، وقد تكون للأمرين جميعاً. وصلابةُ الأبنوس لكثرة أرضيته، ولذلك هو رزينٌ. وسوادُه (1) لفعل الحرارة المدخنة، إذ سواده مع إشراق؛ والسواد الكائن عن البرد، يكون إلى كمودةٍ.

فلذلك، لابد وأن يكون جوهر الأبنوسِ من أرضية وحرارة، وليس فيه هوائية يعتدُّ بها، (وإلا) (2) كان يجف، فلم يكن رزيناً.

فلذلك، لابد وأن يكون طبع الأبنوسِ حاراً يابساً، فلابد وأن يكون مجفِّفاً. ومحروقه - لامحالة - أشدُّ حرارةً ويبوسة، ودون ذلك نشارته ونحاتته، لأن هذين لابد وأن يُحدث لهما (3) بالنشر والنحت، حرارةٌ تقارب الحرارة المحرقة.

فلما كان طبع الأبنوسِ كذلك، فهو لامحالة ملطفٌ، محلِّلٌ، جالٍ بما فيه من الحرارة، ومجففٌ بما فيه من اليبوسة، مُنقٍّ لما فيه من التحليل والجلاء والتجفيف؛ فلذلك، من شأنه إفناء الرطوبات الفضلية. وحرارته ليست بقويةٍ جداً، وإلا كان يكون لذَّاعاً؛ وهو ليس كذلك.

__________

(1) الكلمة مطموسة في ن.

(2) ما بين القوسين لم يرد في المخطوطتين، وكلتاهما به بياضٌ في هذا الموضع.

(3) :. لهما.

(1/98)

الفصل الثالث في فِعْلِهِ في أَعْضاءِ الرَّأْسِ

قد علمتَ أن الأبنوسَ حارٌّ، يابسٌ، ملطفٌ، مجفِّفٌ بلا لذع، جالٍ منقٍّ. فلذلك (1) ، هو نافعٌ للقروح، خاصةً قروح العين، حتى الغميض منها ينقِّيها، ويجفِّفها، ويجلو (2) الآثار التى تكون فى القرنية، لما فيه من الجلاء خاصةً إذا أُحرق. ويجلو (3) البصر لتلطيفه (4) الروح، وتحليله فضولها، ولجلائه ما يكون أمام الحدقة من الأشياء المكدِّرة للبصر.

ويحلِّل فضول العين، ويجفِّفها. فلذلك، ينشِّفها من الرطوبات الفضلية وينشِّفها من الدموع، ويمنع تجلُّب الفضول إلى العين، وسيلان الرطوبات إليها وذلك لأجل سَدِّه طرق (5) هذه الرطوبات، بما فيه من التجفيف.

وينفع أيضاً (..) (6) وذلك لما فيه من التحليل والجلاء، ولذلك هو ضِدّ (7)

__________

(1) :. فكذلك.

(2) ن: يجلوا.

(3) ن: يجلوا.

(4) هـ: لتطيفة.

(5) ن: اطراف، هـ: اطرق.

(6) بياضٌ في المخطوطتين. ولعله مما تركه المؤلِّف، ولم يعد لاستكماله في مخطوطة الأصل.

(7) الضِّدُّ للضِّدِّ شفاءٌ مبدأٌ طبيٌّ قديم، طَّبقه الأطباء من أبقراط إلى داود الأنطاكي.. وقوله هنا ضِدُّ يقصد به أنه: علاج.

(1/99)

للنفاطات (1) فى العين. وهو يُنبت أهداب العين، بما فيه من الحرارة الجاذبة للمادة، والقبض المضيق للمسام، والتجفيف المزيل (2) للفضول.

ويُستعمل فى العين، تارةً، حكاكتُه على حجر المسن. وتارةً بأن تحك (3) عليه أدوية العين، فما يحكُّ على المسن؛ وذلك إذا كان المراد بتلك الأدوية التحليل والتجفيف والجلاء ونحو ذلك. وتارةً بأن يُحرق ثم يُغسل، فيكون حينئذٍ نافعاً للرمد اليابس، وللحكَّة فى العين، وللجرب فى الأجفان. وفائدة إحراقه حينئذٍ، أن يزداد جفافه ويبوسته؛ وفائدة غسله بعد الإحراق، إزالة ما يكسبه بالإحراق من الحدة واللذع.

وتارةً، يُستعمل الأبنوسُ للعين، بأن تُنقع نشارته ونحاتته فى شرابٍ يوماً وليلة، ثم ينعَّم جداً - سحقاً - ثم تتخذ (4) منه شيافات (5) . أو يُسحق أولاً، ثم ينقع فى الشراب، ثم يعمل شيافات. والغرض بالشراب، تارةً زيادة التحليل وتارةً تقوية العين.

__________

(1) النفاطات: الانتفاخات المائية تحت الجلد، وهي - لغةً - من النَّفْط وهو ما يصيب الجلد من التقرُّح من العمل. والنَّفْطَةُ: بثرةٌ تخرج في اليد من العمل، ملأى ماءً (لسان العرب 693/3) .

(2) ن: المزيد!

(3) :. يحك.

(4) :. يتخذ.

(5) الشيافات (الأشيافات) هي أدويةُ العين التي على هيئة مساحيق، ولها أنواع كثيرة.. راجع بخصوصها: منهاج الدكان ودستور الأعيان في أعمال وتراكيب الأدوية النافعة للأبدان لكوهين العطار (تحقيق د. حسن عاصى، دار المناهل) ص 43 وما بعدها.

(1/100)

الفصل الرابع في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الغِذَاءِ

إن الأبنوسَ لأجل أرضيته ويبوسته، ليس يصلح للتغذية؛ فلذلك (1) ، هو دواءٌ صِرْفٌ. وقد قيل إنه مع حراراته، يطفئ حرارة الدم ويُبْسه. يكون (2) ذلك لأجل أنجرة الدم الحارة.

وللأبنوس نفعٌ فى النفخة العارضة فى المعدة، وللبلَّة المتقادمة فيها، وذلك لما فيه من التحليل والتجفيف.

__________

(1) هـ: فكذلك.

(2) :. أن يكون.

(1/101)

الفصل الخامس في فِعْلِهِ في أَعْضَاءِ النفْضِ

لما كانت قوةُ الأبنوس قوةً حادة لطيفة، فله نفعٌ فى تفتيت الحصاة، خاصة إذا كان مُحْرَقاً وغير مغسول، وذلك لأجل زيادة حِدَّة هذا المُحْرَق.

ولبنُ الأبنوس حارٌّ، لطيفٌ جداً، فهو لامحالة مفتِّح للسُّدَد. وإذا أُحرق فلا يبعد أن يكون مدرّاً للبول (1) .

__________

(1) تشير العبارة هنا، إلى أن العلاء (ابن النفيس) لم يستخدم الأبنوس لإدرار البول! ولذا قال: لا يبعد أن.. ولم يقطع بإدراره. ولعل إحجام العلاء عن استخدام الأبنوس للإدرار، يرجع إلى توفُّر مدِّراتُ البول في مصر آنذاك، مما لم يحوجه لاستخدام دواءٍ غير مجرَّب.

(1/102)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الرابعة فىِ أَحْكَامِ الأَبْهَلِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على خمسة فصول.

(1/103)

الفصل الأول في مَاهِيَّةِ الأَبْهَلِ

قد اتفق الأطباءُ فى زماننا، وما قبله، على إطلاق لفظ الأبهل على ثمرٍ مستديرٍ، لونه إلى الحمرة، قدره دون الجوز المأكول وأكبر من العَفْص (1) ومن البندق ونحوهما. ظاهره حلو الطعم إلى مرارة وقَبْض، وفى باطنه شئ كالصوف. وهو ثمرٌ معروفٌ، مفهوم من لفظ الأبهل عند الأطباء.

ثم إنهم اختلفوا فى شجر هذا الثمر، هل هو العرعر (2) أو هو غير العرعر؟ (3) وهذا الخلاف لايجوز أن يكون فى أن هذا الشجر: هل يصحُّ أن يسمى بالعرعر أو ليس؟ فإن ذلك ما لا يُنازع فيه فى العلوم، ولكل أحدٍ أن يسمِّى ما شاء بما شاء. بل إن هذا الخلاف إنما هو فى أن هذا الشجر: هل هو الشجر الذى نسميه بالعرعر، أو ليس؟ وهذا الخلاف لسنا نتشدَّد فى تصحيح أحد الرأيين فيه فإنه (4) لاسبيل إلى ذلك بالبرهان.

__________

(1) العَفْصُ هو ثمرة شجر البلوط، فشجرة البلوط تحمل سنةً بلوطاً وسنةً عفصاً (لسان العرب 824/2 - المعتمد ص 330) .

(2) العرعر نباتٌ مستديرٌ طيبُ الرائحة، حلو، فيه شىء من مرارة (المعتمد ص 322) .

(3) عند شرحه لفظة الأبهل في قاموسه الطبي المشهور، نقل القوصوني الفقرة السابقة كاملةً وجعلها مسبوقةً بعبارة: قال في الشامل. انظر؛ القوصوني: قاموس الأطباء وناموس الألباء (مخطوطة الظاهرية، مصورات مجمع اللغة العربية بدمشق) 335/1.

(4) ن: فإن.

(1/105)

ونعنى بقولنا الآن: أبهل. هذا الثمر المعروف، ولا علينا من اسم شجره ولا ما الذى سماه به د (1) . وإذا بيَّنَّا أحكام الأبهل، فإنما نعنى بذلك هذا الثمر المعروف هنا، خلافاً للأطباء (2) فى: هذا هو ما وقع فى كلام د من الأمر الملْبس وذلك لأنه (3) ذكر أولاً العرعر وقسَّمه على قسمين، ووصف ثمره بأوصافٍ هى هى فى هذا الثمر. ثم أعقب ذلك بذكر الأبهل وقسَّمه أيضاً على قسمين ولم يذكر له ثمراً! فتحيَّر الأطباءُ فى كلامه؛ فبعضهم استبعد أن يكون شجر الأبهل هو العرعر. وقد ذكر الأبهل عقيب ذكر العرعر فإن هذا يدل على اختلافهما عنده. فلذلك، قال هؤلاء: إن شجر الأبهل غير العرعر وبعضهم لما رأى الثمر الذى وصفه د للعرعر، ليس إلا هذا الثمر الذى يُعرف الآن بالأبهل، فلذلك (ظنَّ أن هذا الثمر هو ثمر العرعر وأن العرعر هو شجر الأبهل وما ذكره حين ذكر الأبهل إنما أراد بذلك) (4) تبيين صفات ذلك الشجر.

ونحن لا نتعصَّب لأحد هذين الرأيين، ولا يظهر لنا - أيضاً - من كلام د أىُّ هذين الرأيين هو الحق. ونحن نكتب ها هنا كلام د بحاله، ليكون لمن يأتى بعدنا أن ينظر فى ترجيح أحد هذين الرأيين على الآخر. وهذا كلامه، قال:

* أرقوليس وهو العرعر منه ما يكون كبيراً ومنه ما يكون صغيراً. وكلاهما (5) يسخِّنان ويلطِّفان ويدرَّان (6) البول، وإذا دُخَّنَ

__________

(1) يقصد ديسقوريدس. وكتابه مشهورٌ في التراث الصيدلاني بعنوان: الحشائش. أو: هيولي النبات. انظر ما سنقوله عنه فيما بعد.

(2) هـ: للطبا.

(3) :. لأن.

(4) ما بين القوسين ساقط من ن.

(5) :. وكليهما!

(6) هكذا في المخطوطتين، والأصوب - لغوياً - أن يقال: كلاهما يسخن ويلطف ويدر البول.

(1/106)

بهما، طردا الهوام. ولهما ثمرٌ منه ما يؤخذ عظمه مثل عظم البندق ومنه ما يوجد (1) على عظم الباقلاء. غير أنه كله مستديرٌ، طيبُ الرائحة، حلو، فيه شئ من مرارة. ويقال له أرتوشيس.

وهو يسخِّن إسخاناً يسيراً فائقاً. وهو جيدٌ للمعدة، فإذا شُرب كان صالحاً لأوجاع الصدر والسعال والنفخ والمغص، ويدرُّ البول ويوافق شدخ العضل وأوجاع الأرحام.

(2) براننى ومن الناس مَنْ يسميه برانى وهو الأبهل. والأبهل صنفان، وذلك أن ما ورقه شبيهُ بورق السرو (3) وهو أكثر شوكاً من غيره من الأبهل كريه الرائحة؛ وهذه الشجرة مستديرةٌ، تذهب فى العرض أكثر منها فى الطول، ومن الناس من يستعمل ورقها بدلاً من البخور.. ومنه ما ورقه شبيه بورق الطرفاء (4) . وورق كُلاَّ من الصنفين، يمنع سعى القروح الخبيثة.

هذا كلامه، ولم يذكر بعد هذا، في الأبهل إلا ما عدَّده من المنافع. وإلى الآن، لم يظهر لي من كلامه، ما يدل دلالةً واضحةً على أن شجر هذا الثمر

__________

(1) ن: يوجد.

(2) وفي هامش هـ، كتب أحدهم بقلم مغربي: هكذا ينسختين، يسخنان ويلطفان ويدران البول.. الخ.

(3) السرو شجرٌ معروف. يُضرب به المثل في استقامة القَدِّ، فشجرتُهُ حسنةُ الهيئة قويمة الساق. وهو أخضر صيفاً وشتاءً (المعتمد ص 222) .

(4) :. الطرفا. والطرفاءُ شجرةٌ معروفةٌ، تنبت عند مياهٍ قائمة، ولها ثمرٌ شبيه بالزهر. يقول الملك المظفر: وقد يكون بمصر والشام طرفاء بستاني، شبيه بالبرى في كل شىء، ما خلا الثمر، فإن ثمره يشبه العفص (المعتمد ص 304) .

(1/107)

المعروف المشهور باسم الأبهل هل هو العرعر أو غيره؟ ولستُ ممن يبذل جهده فى تعرُّف ذلك! فقد انتصب لذلك قومٌ آخرون. فمن أحبَّ الحظوة برؤيته هذه المعرفة، فلْيراجع كلامه مُراجعة المتقِن، لتأمُّله. ولعل غيرى يقف على ذلك بسهولة. ولعل الله يفتح (1) علىَّ بذلك، فى غير هذا الوقت، فأكتبه فى غير هذا الموضع (2) .

ولما كان طعم هذا الثمر مركباً من حلاوةٍ ومرارةٍ وقبض، فبالضرورة - ولابد - أن (3) يكون جوهره مركباً، أعنى بذلك أنه (4) لابدَّ أن يكون مركَّباً تركيباً ثانياً، بمزاجٍ ثانٍ، كما بيَّنَّاه فى الجزء الأول من هذا الفن الثالث.

ولأن جوهر هذا الثمر، لابدَّ وأن يكون من جواهر مختلفة، وذلك لأن هذا الثمر لابدَّ وأن يكون فيه مائيةٌ وأرضيةٌ، أعنى أنه لابد وأن يكون فيه جوهران ممتزجان، أحدهما يغلب عليه الأُسطقس (5) المائى، والآخر يغلب عليه الأُسطقس الأرضى. وإنما كان كذلك، لأن هذا الثمر إذا كان رطباً، فإنه - لامحالة - يقبل

__________

(1) :. يفتح الله.

(2) تدل عبارة العلاء هنا، على طموحه في أن يكتب مؤلفَّلاتٍ أخرى بعد الشامل أو أن يعود إلى موضوعاته مستدركاً. وهذا طموحٌ عجيب.. فتأمَّل.

(3) :. وان.

(4) :. لأنه.

(5) :. الأستقس. ولفظة أُسطقس يونانيةُ الأصل، استُخدمت كمصطلح فلسفيٍّ وطبي دالٍ على طبيعة الأشياء المكوِّنة للعالم. وفي الدلالة الاصطلاحية لهذه اللفظة، خلافٌ وتفاوت ما بين العلماء والفلاسفة والأطباء، وقد استقصى جالينوس في الكلام عن هذه الاختلافات، في كتابه: الاسطقسات على رأى أبقراط (حقَّقه دز محمد سليم سالم - نشرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1987) .

(1/108)

الاعتصار، حتى يكون له عصارةٌ يغلب فيها الماء، وهى المائية، وثفل تغلب (1) فيه الأرضية - وهى الأرضية (2) - وإذا جفَّ هذا الثمر، فإنه حينئذٍ وإن كان لايقبل الاعتصار (3) ، لأنه لابد وأن يكون بعد، فيه شئٌ من تلك المائية. إذ لو كانت طبيعة هذا الثمر، أن (4) يقوم بدون تلك المائية، فوجدتها أولاً - وليس كذلك - فلذلك،كان لابد وأن يكون هذا الثمر بعد جفافه، فيه شئ من تلك المائية، لكن ذلك الباقى يكون يسيراً جداً.

فإذن، لابدّ (5) وأن يكون فى جوهر هذا الثمر أرضيةٌ ومائيةٌ معاً. والمائيةُ لاطعم لها، لأنها لا تكون إلا تَفِهَةٌ (6) . فلذلك، حدوث الطعم فى هذا الثمر إنما يكون للجزء الأرضى الذى فيه. فلابدَّ وأن يكون هذا الجزءُ الأرضىُّ مختلفاً لأجل اختلاف طعوم هذا الثمر.

فلذلك، لابد وأن تكون أرضية هذا الثمر، بعضها باردة، وهذه هى الأرضية التى لابد منها فى حدوث الطعم القابض، ولابد وأن يكون بعضها - أيضاً - شديد الحرارة، محترقة؛ وهذه هى الأرضية التى لابد منها فى حدوث الطعم المُرِّ. ولابد وأن يكون بعضها حارّاً حرارةً متوسطة، وهذه هى الأرضيةُ التى لابد منها فى حدوث الطعم الحلو.

فلذلك، لابد وأن تكون (7) أرضية هذا الثمر، ثلاثةَ أقسامٍ: باردة، وحارة

__________

(1) :. يغلب.

(2) يقصد: الجوهر الأرضي.

(3) هـ: الانعصار.

(4) -:.

(5) -:.

(6) يقصد: لا طعم لها.

(7) :. يكون.

(1/109)

محرقة، وحارة باعتدال. وأرضية هذا الثمر، لابد وأن تكون أزيد من مائيته ويظهر ذلك إذا اعتصر، وذلك إذا كان رطباً، وأما إذا يبس، فإن مائيته تقلُّ جداً، وتبقى أرضيته بحالها، فلذلك تكون (1) بالنسبة إلى المائية، كثيرةٌ جداً.

وكثرةُ الأرضية، يلزمها رزانةُ الجرم، وذلك لأجل زيادة ثقل الأرض، فلو لم يكن فى جوهر هذا الثمر، ما يوجب خِفَّته، لكان يكون ثقيلاً جداً. فلذلك لابد وأن يكون فى جوهره هوائيةٌ، تُحدث له الخِفَّةُ.

وهذه الهوائية، تكون أولاً يسيرةٌ، وبالقدر الذى لابد منه فى تحقُّق هذا الثمر؛ ثم بعد ذلك يزداد، إذا أُنقصت (2) المائية. وذلك، لأن نقصان هذه المائية لابد وأن يلزمه خلو مواضع من تلك المائية. وليست هذه المواضع جميعها تمتلئ بجرم هذا الثمر، وذلك بأن تتجمَّع أجزاؤه، حتى لايبقى فيه فروج (3) - وذلك لأن جرم هذا الثمر صلبٌ لايسهل فيه هذا التجمُّع - فلابد وأن يبقى فيه فُرَجٌ وتلك (4) الفُرَجُ لو لم يملأها جوهرٌ هوائى، لزم أن تبقى خالية. والخلاءُ محال (5) . فلذلك، لابد وأن تتحرَّك (6) إلى هذه الفروج هوائيةٌ تملأها، ويلزم ذلك، زيادة

__________

(1) :. يكون.

(2) ن: انقضت.

(3) ن: قروح! وغير واضحة في هـ.

(4) :. وذلك.

(5) يستخدم العلاء - ابن النفيس - هنا، قضايا الفلسفة العامة التي استقرت من قبله بقرون، ومنها قضية استحالة الخلاء في العالم، بمعنى أن العالم كله: ملاءٌ. وهي قضيةٌ كان فلاسفة اليونان قد أفاضوا في الكلام عليها، منذ عصر الطبيعيين الأوائل. ثم استكمل بحثها، خلفاؤهم من فلاسفة اليونان والفلاسفة العرب المسلمين، من أمثال الفارابي وابن سينا.

(6) :. يتحرك.

(1/110)

الهوائية فى هذا الثمر إذا جفَّ. فلذلك، لابد وأن يكون فى جوهره: مائيةٌ وهوائيةٌ وأرضيةٌ.

وهذا الثمر رائحته حادةٌ، وحدَّةُ الرائحة إنما تكون لجوهرٍ نارىٍّ. فلذلك هذا الثمر لابدَّ وأن يكون فيه جوهرٌ مائىٌّ وجوهرٌ أرضىٌّ على ثلاثة أصناف وجوهرٌ هوائىٌّ نارىٌّ. وهذا الجوهرُ النارىُّ فى هذا الثمر، قليلٌ جداً، وإلا كان يظهر له طعمٌ، وهو الحرافة.

فلذلك، الجوهر (1) الغالب فى هذا الثمر هو الأرضية، واليابس منه يغلب فيه - بعد هذه الأرضية - الجوهرُ الهوائىُّ، ثم المائىُّ، ثم النارىُّ. وأما الرطب من هذا الثمر، فإنه يغلب فيه بعدُ الأرضية، المائيةُ، ثم الهوائية، ثم النارية.

ولما كان جوهرُ هذا الثمر كذلك، فهو - لامحالة - بعيدٌ عن التغذية خاصةً اليابس منه. فلذلك، هذا الدواء يكاد يكون صِرْفاً، لاغذائية فيه البتة ولابد وأن يكون جوهره لطيفاً، لأن أرضيته الباردة قليلة جداً، وباقى أرضيته لابدَّ وأن يكون مائلاً (2) إلى لطيف، لأجل الحرارة الملطِّفة لها.

__________

(1) :. والجوهر.

(2) -:. .

(1/111)

الفصل الثاني في طَبِيعَتِهِ وأَفْعَالِه علَى الإِطْلاَقِ

لما كان هذا الثمر فيه ناريةٌ، وهوائيةٌ كثيرة، وأرضيةٌ كثيرةٌ حارَّةٌ. وكان ما فيه من الأجزاء الباردة، وهى الأرضية والمائية، القابضة، كل منهما قليلاً - وذلك إذا كان هذا الثمر جافاً - وجب (1) بالضرورة، أن يكون هذا الثمر حارّاً ولما كانت الأرضيةُ فيه غالبةٌ، والهوائيةُ؛ لايدخل (2) فى ترطيب البدن.

والمائيةُ فى هذا الثمر - إذا جفَّ - قليلةٌ، فوجب (3) أن يكون هذا الدواء ميبِّساً للبدن. فلذلك، يكون دواءً يابساً خاصةً، وما فيه من النارية يابسٌ أيضاً.

وإذ (4) هذا الدواء يابسٌ، والأرضيةُ فيه غالبةٌ؛ فهو لامحالةَ مجفِّفٌ (5) خاصةً وهو لأجل حرارته محلِّلٌ. فلأجل ذلك، لابد وأن يكون تجفيفه شديداً. ولما كان مُرّاً، فهو لامحالة جلاَّءٌ مفتِّحٌ. وإذ (6) هو جلاَّءٌ ومجفِّف، فهو لامحالة مُنَقِّ (7) . وفعله ذلك، بغير لذعٍ (8) ظاهرٍ، لأن النارية في الثمر يسيرةٌ جداً

__________

(1) :. رطب.

(2) :. يدخل لها.

(3) :. رجب.

(4) :. وإذا (ويلاحظ هنا، كثرة الاتفاق بين المخطوطتين في تلك الهنات، مما يرجِّح أنها ليست من أخصطاء النُّسَّاخ، وإنما هي من سهو قلم المؤلِّف) .

(5) :. مجففا.

(6) :. وإذا.

(7) :. منقى.

(8) :. لدع.

(1/112)

فلذلك هو يفعل هذه الأفعال بغير لذع. فلذلك، هو دواءٌ نافع جداً للقروح.

ولأن جوهره إلى لطفٍ، وهو مع ذلك جلاَّءٌ محلَّلٌ. فلذلك، لابد وأن يكون مدرّاً (1) للبول. ولما كان مع ذلك، حارّاً محرِّكاً للدم ملطِّفاً (2) لقوامه بما فيه من الحرارة، فهو لا محالةَ مدرٌّ للحَيْض (3) . وإذ فى طعم هذا الثمر قبض، هو - لذلك - قابضٌ مقوٍّ للأعضاء.

__________

(1) :. مدر.

(2) هـ: ملطقاً، هـ: لعله ملطِّفا، ن: ملطفاً!

(3) ن: الخيض.

(1/113)

الفصل الثالث في فِعْلِه أَعْضَاءِ الَّرأْسِ

لما كان هذا الأبهلُ مجفِّفاً محلِّلاً منقِّياً، فهو لامحالة يُفنى الرطوبات الفضلية خاصةً من عضوٍ شديد القبول للانفعال، لأجل إفراط لينه. فلذلك، صار الأبهلُ ينشِّف رطوبات اللَّثة ويجفِّفها، فهو - لذلك - يُزيل الرطوبة المرخية لها. فلذلك، هو يشدُّ اللثة ويقوِّيها، لأنه يجمع أجزائها، ويُذهب بَلَّها.

وإذ (1) كان كذلك، فهو لامحالة يطيِّب النكهة (2) ، لأنه يُذهب الرطوبات الفضلية المعِدَّة للعفونة الموجبة لفساد الرائحة ونَتْنها.

وإذا أُحرق الأبهلُ فلا محالة أن تجفيفه لرطوبات اللَّثة يكون أكثر، فيكون تشديده لها أكثر. وكذلك إذ خُلط بالعسل، بعد المبالغة فى سحقه؛ كان شديد النفع لِلَّثةِ العفنة (3) المرتخية، وذلك لأجل إعانة العسل له بالجلاء والتحليل.

وإذا طُبخ ثمر الأبهل فى آنيةٍ من الحديد (4) وكان طبخه فى الخلِّ فإن ذلك الخلَّ إذا قُطِّر فى الأذن الصَّمَّاء، نَفَعَ جداً. وذلك، لما فى هذا الخلِّ من تلطيفِ المادة الصَّامَّةِ للأذن وتقطيعها، وذلك بما هو خَلٌّ ولما فيه من التحليل القوى والتسخينُ، لأجل ما فيه من سحيق الأبهل ولما فيه من زيادة القَبْض والتقويةُ،

__________

(1) :. إذا.

(2) يقصد: رائحة الفم.

(3) هـ.

(4) :. الجديد!

(1/114)

بما فيه من قوة الحديد (1) . هذا، مع التجفيف الشديد جدّاً، المزيل للرطوبة المرخية لعصب السمع (وهذا التجفيف يحدث من الخلِّ نفسه، ومن القوة المستفادة من الحديد ولما فى هذا الخل) (2) من سحيق الأبهل (3) .

__________

(1) ن: الحديد.

(2) ما بين القوسين ساقط من ن.

(3) هـ بالقلم المغربي: انظر، إذا طبخ ثمر الأبهل في آنية من حديد وكان طبخه في الخل فإن ذلك الخل إذا قُطِّر في الأذن الصماء نفع جداً.. (وهي عبارة المؤلف نفسها، نقلها الكاتب المغربي من دون تعديل، اللهم في حين أصلح كلمة الجديد الموجودة في النص، وكتبها: حديد) .

(1/115)

الفصل الرابع في فِعْلِهِ في أَعْضَاءِ النَّفْضِ (1)

إنَّ هذا الدواء، لما كان حارّاً مُرّاً؛ فهو لامحالة بعيدٌ عن طبيعة الحياة (2) . فلذلك، هو قاتلٌ للدود، وللجنين أيضاً! وقد بَيَّنَّا أنه، لقوة حرارته، مع قوة جَلْيه (3) ولطافته؛ لابد وأن يكون تفتيحه شديداً.

فلذلك، لابد وأن يكون دواءً مدرّاً (4) للحَيْض. ولأنه يقتل الجنين، ويدرُّ الحيض؛ فهو لذلك يُخرج الجنين، سواءً كان ذلك الجنين - قبل استعماله - حيّاً أو ميتاً.

وقد يبلغ من قوة إدراره، أن يَبُوِّل الدم؛ لأن المدِرَّ لابد وأن يكون من شأنه تحريك الرطوبات من محدَّب الكبد، إلى جهة الكلى والمثانة. وإذا كان فعله هذا قوياً، فقد يحرِّك الرطوبات المخالطة للدم إلى هناك، ويُلزم ذلك أن يَبُوِّل الدم.

ويبلغ من قوة قتله للجنين وإخراجه له، أنه يفعل ذلك إذا تحمَّلته المرأة، بل وإذا تدخَّنت به. وكذلك، يبلغ من قتله الديدان، أن يقتل حَبَّ القَرْعِ (5) .

__________

(1) باهتة في ن.

(2) :. الحيوة.

(3) :. جلده (وهي غير ذات معنى!)

(4) :. مدر.

(5) يقول ابن سينا: أصناف الديدان أربعةٌ؛ طوالٌ عظام، ومستديرةٌ، ومعترضةٌ وهي حب القرع وصغار. وإنما اختلف تولُّدها بحسب اختلاف ما منه تتولَّد.. وحب القرع في الأكثر يتولَّد فيمن فارق سِنَّ الصبا (القانون في الطب، طبعة بولاق 476/2) .

(1/116)

ويجب أن يجتنبه المحزونون، حتى من النساء (1) . وكذلك مَن كانت مِن النساء ضعيفة الأسافل، وذلك لأجل شدة تحريكه الفضول إلى جهة الأسافل.

وإذا أُخذ من ثمرة هذا الدواء، زنة عشرة دراهم، فطُبخ مع قدر ما يغمره من السَّمن، إلى أن يذهب السمن، واستُعمل منه كل يومٍ وَزْنُ درهمين؛ نفع ما يحدث فى أسفل البطن، من الوجع العارض عن البواسير. وذلك لأجل تحليله المادة الموجعة. وينبغى أن يكون تناول ذلك، على الريق (2) .

__________

(1) تشير عبارة العلاء (ابن النفيس) هنا، إلى اعتقاده في أن المرأة تكون في الغالب أقل قابلية للحزن من الرجل! ولذا قال: المحزنون حتى من النساء. كما لو كانت النساء، بالطبيعة والطبع، أقل انفعالاً. وقد صرَّح العلاءُ برأيه في المرأة، حين قال بعبارة واضحة: والنساءُ أرقُّ وأبكى، وأحسدُ وأغضبُ، وأذكرُ لمحقرات الأمور، وأقوم بالتعهد، وأكسل، وأقلُّ حمايةً، وألح، وأجزعُ، وأوقحُ، وأكذبُ، وأمكرُ، وأرخى (ابن النفيس: رسالة الأعضاء، بتحقيقنا الدار المصرية اللبنانية ص 166) .

(2) الفقرة بكاملها مكتوبة بالقلم المغربي في هامش هـ، مسبوقة بكلمة: انظر.

(1/117)

الفصل الخامس في فِعْلِهِ في الأمْرَاضِ الَّتِي لا اختِصَاصَ لهَا بعُضْوٍ

لما كان هذا الدواء يابساً مجفِّفاً منفِّساً، وجب أن يكون نافعاً فى القروح والجراحات - الطرية منها وغير الطرية - لكنه لأجل حِدَّته وقوة حرارته وإلهابه صار يضرُّ الجراحات لأنه يَلْحَفُهَا (1) .

وأما القروح، فما (2) كان منها كثيرَ الرطوبة جداً، فإنه ينفع منها، لأجل قوة تجفيفه - لأجل شدة يبوسته مع إفراط حرارته - مع أن هذه القروح، لأجل كثرة وَضَرِها (3) ورطوبتها، لا تتأثرَّ بلذعه (4) وحِدَّتِه كثيراً. فلذلك، كان هذا الدواء، مع إضراره بالجراحات وبالقروح النقية، وهو شديد النفع من (5) القروح العفنة والرديئة والعتيقة والوسخة، وكذلك القروح المسودَّة، وكذلك القروح

__________

(1) :. يلحقها. والمقصود بقوله: يلحفها.. هو أنه يزيد سخونتها، فاللفح هو الحر والوهج. وفي اللغة يقال: لفحته النار تلفحه لفحاً، أى أصابت وجهه (لسان العرب 380/3) وقد أشار المؤلِّف قبلها إلى حرارة هذا الدواء وإلهابه.

(2) ن: لما.

(3) ن: مضرها. والوضر في اللغة: الدرن والدسم. وهو أيضاً: الوسخ. يُقال وَضَرَ الإناءُ إذا أتّسَخَ (لسان العرب 941/3) .

(4) :. بلدعه.

(5) ن: عن.

(1/118)

التى مضى عليها زمانٌ طويلٌ جداً. لأن جميع هذه القروح، لابد وأن تكون كثيرة الوسخ والرطوبة، فيكون فيها ما يكسر حِدَّة هذا الدواء (1) ، فلا تنفعل عن لذعه، ويكون هو شديد التنقية لها، خاصةً إذا كان مخلوطاً بالعسل، لأن العسل يعينه على ذلك، بجلائه (2) ، وبأن يسيل فيستصحب معه هذا الدواء ويوصله إلى جميع أجزاء هذه القروح.

وكذلك، هو نافعٌ جداً فى تنقية سواد الجلد وأوساخه التى تكثر لأجل كثرة فضول البدن، وذلك لأجل حِدَّة - شدة - جلاء هذا الدواء. وكذلك، يبلغ من جلائه، أن يقشِّر خشكريشة الحمرة (3) ونحوها (4) .

والمسحوق من هذا الدواء، مع الخلِّ إذا طُلى به دَاءُ الثعلب (5) أبرأه وذلك، لم فيه من الجلاء والتجفيف. والخلُّ يعينه على ذلك بتقطيعه وتلطيفه.

ونقول: إن هذا الدواء حارٌّ لطيفٌ، ولذلك صار يوضع فى الأدهان الحارَّة

__________

(1) هـ.

(2) :. بجلاه.

(3) الحمرة: ورمٌ في ظاهر الجلد، يجلب الحمى، ويحرق البشرة فيصير ما يسمَّى حمرة (القانون في الطب 116/3) وقوله هنا خشكريشة الحمرة يقصد به الطبقة اليابسة التي تعلو هذا الورم. وكثيراً ما يستخدم العلاءُ لفظة خشكريشة وهي كلمة عامية، لا توجد في (لسان العرب!) وإنما اشتُقَّت - عامياً - من كلمة خشكار التي شرحها القوصوني بقوله: هو الدقيق الذي لم يُنزع لُبُّه ولا نُخَالته ثم يضيف: ولم أر مَنْ ذكر هذا اللفظ من أئمة اللغة، وإنما ذكره الأطباء (قاموس الأطباء وناموس الألباء 163/1) . وعلى ذلك، تكون كلمة خشكريشة دالة تَيُّبسِ البشرة، فيصير لها ملمس الخبز الخشكار، وذلك عند جفاف القروح أو تجلُّط الدم، ونحو ذلك.

(4) العبارة عند الرازي (الحاوي 21/20) بلفظ: يقشِّر خشكريشة الجمرة.

(5) داءُ الثلق عِلَّةٌ يتناثر منها الشَّعْرُ. وإنما سُمِّيت بذلك، لعروضها للثعلب (قاموس الأطباء وناموس الألباء 21/1) .

(1/119)

كدهن عقيد العنب وكذلك يوضع فى المعاجين الحارة ونحوها. وإذا سُحقت أُوقيةٌ من ثمرة هذا الدواء، مع أُوقيةٍ من السَّمْن، ولُعق ذلك، نفع جداً من الربو لأجل تلطيفه المادة السَّادَّة لمجارى النَّفَس، مع تفتيحه المهيئ لهذه المادة للخروج بالنَّفَثِ.

(1/120)

المقالة الخامسة فىِ أَحْكَامِ الأبَارِ

وكلامُنا فيه، يشتمل على خمسة فصول.

(1/121)

الفصل الأول في مَاهِيَّةِ الأَبَارِ

الأَبَارُ هو الرصاص الروى الأسود، وبعضهم إنما يسمِّى هذا الرصاص أباراً إذا أُحرق. وشياف (1) الأَبَار هو المنسوب إلى هذا الرصاص المحرَّق، وهذا الرصاص يذوب بالنار، فإذا برد انعقد. وإنما يكون كذلك (2) إذا كان انعقاده على سبيل الجمود بالبرد، وإنما يكون كذلك، إذا كانت مادته مائية.

وإذا ذاب الرصاص، فإن ذوبه (3) يكون - لامحالة - ذا قوامٍ ليس كقوام الماء وإنما يكون ذلك إذا كانت مائيته مخالطة للأرضية، حتى تكون تلك الأرضيةُ تحدث له إذا ذاب غلظاً فى القوام.

فلذلك، جوهرُ الرصاص لابد وأن تكون (4) فيه مائية وأرضية، ولأنه قابلٌ للانطراق (5) كثيراً، ففيه - لامحالة - جوهرٌ دهنىٌّ. ولولا هذه الدهنية، لكان الرصاص ينكسر عند الطرق، كما فى الأحجار. ولذلك، لابد وأن يكون فى جوهر الرصاص، مع المائية والأرضية: دهنية.

وجوهرُ الدهن، كما بينَّاه فيما سلف (6) ، إنما يتحقَّق من جوهرٍ أرضىٍّ

__________

(1) الشياف (الجمع: شيافات) دواءُ العين.

(2) هـ، ن.

(3) هكذا في المخطوطتين، والمشهور: ذوبانه.

(4) :. يكون.

(5) يقصد: الطرق!

(6) يشير المؤلِّلف هنا، إلى أحد الأجزاء المفقودة - حالياً - من الشامل.

(1/123)

لطيف، وجوهرٍ مائىٍّ قليل، وجوهرٍ هوائى. فإذن (1) ، لابد وأن يكون فى جوهر الرصاص: هوائيةٌ.

ولأن جرم الرصاص كثيفٌ، فأجزاؤه - لامحالة - ملزَّزة (2) . وهو أيضاً رزينٌ، فهذه الهوائيةُ فيه يسيرةٌ جداً، إذ لو كانت هذه الهوائية فى الرصاص كثيرةٌ لكان يكون خفيفاً، وليس كذلك.

ومائيته لابد وأن تكون ملازمة الأرضية، وإلا سخن (3) ، خاصةً عند ملاقاة (4) النار له. فكذلك، لابد وأن تكون (5) أجزاؤه المائية والأرضية متلازمةً. ولابد أن يكون تلازُمها أقل جداً من تلازم أجزاء الحديد (6) والنحاس فضلاً عن الذهب والفضة. وذلك لأن الرصاص ينقص (7) إذا كُرِّر ذوبه بالنار نقصاناً كثيراً، ولا كذلك النحاس. وأما الذهب، فلا ينقص البتة (8) .

ونقول أيضاً: إن جوهر الرصاص، إنما تركَّب من هذه الأجزاء، بأن تصير هذه الأجزاء أولاً زئبقاً وكبريتاً. ثم منها يتركَّب جوهرُ الرصاص. وهذا قد بيَّنَّاه فيما سلف، فى كلامنا الكلى فى الأدوية (9) .

__________

(1) :. اذا.

(2) اللزز في اللغة: الشدة والالتصاق. يُقال: ولزَّ به الشىء؛ أي لصق به (لسان العرب 362/1) والمراد باللزز هنا: تماسك القوام.

(3) :. سخر!

(4) :. ملاقات.

(5) :. يكون.

(6) ، الجديد.

(7) ن:: فينقص.

(8) العبارة مكررة بالقلم المغربي في هامش هـ، مسبوقة بكلمة انظر.

(9) يظهر من إشارة العلاء (ابن النفيس) هنا، أن الجزء الأول من الفن الثالث من كتاب الشامل كان موضوعه: الكلام الكُلِّلى في الأدوية والأغذية.

(1/124)

والدليل على أن الرصاص من الزئبق والكبريت، أنه إذا ذاب، كان كأنه زئبق، ولأن الزئبق يتعلَّق به إذا لاقاه. وهو لامحالة منعقدٌ، وانعقاد الزئبق إنما يكون بالكبريت - على ما بيَّنَّاه أولاً - فلذلك، لابد وأن يكون تركيب الرصاص من الأرضية والمائية والدهنية، إنما هو بأن تصير هذه الأجزاء أولاً زئبقاً وكبريتاً ويكون الزئبق - على ما بيَّنَّاه فى موضعه - هو من مائيةٍ، هى المحدثة لبياضه ومن أرضيةٍ لطيفة جداً، متصغِّرة فى الغاية، مُغشية لظاهر تلك المائية، حتى كل جزءٍ ينفصل من تلك المائية، يكون مُتغشياً بشئ من تلك الأرضية. ولذلك (1) فإنه (2) لايبلّ (3) ما فيه، ولا يتصل به.

ومع ذلك، فلابد فى الزئبق من هوائية يسيرة جداً، لأنه لايخلو من دهنية ودسومة. وأما الكبريت، فإن تحقُّقه (4) من دهنيةٍ جامدةٍ، ووجُودُه هو بالبرد. فلذلك، جوهر الرصاص لابد فيه من هذه الأجزاء جميعها، ومن هذا يُعلم أنَّ جوهر الرصاص لايصلح للتغذية؛ فلذلك: هو دواءٌ صِرْفٌ.

__________

(1) :. وذلك.

(2) يقصد: الزئبق.

(3) ن: ينل، هـ: يتل!

(4) هـ: تجففه.

(1/125)

الفصل الثاني في طَبِيعَتِه وأَفْعَالِهِ مُطْلَقاً

قد علمْت أن جوهر الرصاص مركَّبٌ من مائيةٍ، وأرضيةٍ، وهوائيةٍ قليلة جداً؛ وإلا كان يكون خفيفاً. وكذلك، أرضيته (1) قليلةٌ بالنسبة إلى مائيته، وإلا كان يعسر ذوبه، كما فى غيره من المنطرقات (2) . فلذلك، المائيةُ هى الغالبة على جوهره. وهذه المائية جامدة، فلذلك هو شديدُ البرد.

وهو مع ذلك رطبٌ، ويجب أن يكون برده أكثر من رطوبته، لأن جوهر الماء كذلك، ولأن الرصاص فيه أرضية أكثر من الهوائية بكثير. والأرض لامحالة: شديدة اليبوسة.

وأما هوائيته، فإنها (3) لا (4) تفيد فى رطوبته، لأن رطوبة الهواء هى بمعنى أنه سهل القبول للانفعال، وذلك مالا تأثير له فى بدن الإنسان. فلذلك، يبوسة الأرضية، تُنقِّص رطوبة المائية تنقيصاً كثيراً. وأما حرارة الهوائية، فلا تُنقص برودة المائية والأرضية، كثيراً. أما أولاً فلأن هذه الهوائية قليلةٌ جداً. وأما ثانياً فلأن حرارة الهواء ليست بقويةٍ. وأما ثالثاً (5) فإن الهوائية، وإن أفادت (6) سخونةً ما

__________

(1) ن: أرضية.

(2) يقصد: المعادن القابلة للطَّرْق.

(3) هـ.

(4) :. فلا.

(5) :. ثالث.

(6) :. أفادة.

(1/126)

فإنَّ الجمود العارض بمائية الرصاص يُتدارك (1) جداً. فلذلك، يجب أن يكون برد الأبار، أشدُّ من رطوبة هذا - إذا لم يحرق - وأما إذا أُحرق، فإنه يصير مجفِّفاً. وسنبيِّنُ ذلك، عند كلامنا فى الإسفيداج (2) .

ولما كان الرصاص بارداً جداً، رطباً؛ فهو لامحالة: رادعٌ، مكثِّفٌ.

__________

(1) :. تتدارك.

(2) المقالة السادسة والعشرين بأول الجزء التالي من الشامل وهو الجزء الثاني من حرف الهمزة.

(1/127)

الفصل الثالث (1) في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الرَّأْسِ

إنَّ الأبار لما كان (2) غالبُ أجزائه (3) هو الزئبق ومن (4) شأنه التصعُّد بالحرارة، فلذلك كانت رائحة الأبار عند إحراقه، ضارةٌ جداً بالدماغ (5) ، تُحدث الرعشة والخدر، ونحو ذلك؛ على ما تعرفه عند كلامنا فى الزئبق (6) .

ولأن جوهر الأبار أكثر من الزئبق، والزئبق - لامحالة - يتعلَّق به إذا لاقاه لأنه من جوهره - كما يتعلَّق الزئبق بعضه ببعض - فلذلك، إذا أُخذ من الأبار مَيْلٌ رقيق، وأُدخل فى الأذن التى بها الزئبق، تعلَّق به. فيمكن بذلك، إخراج ذلك الزئبق.

وقد منع ذلك بعضُهم، وقال: إن الزئبق إذا كان فى الأذن، بحيث يصل إليه، سَهُلَ حينئذٍ إخراجه بمثل الحفر والتحريك، من غير حاجةٍ إلى هذا. وهذا لايصحُّ، وذلك لأن هذا الميل، لأجل لينه، يسهل انعطافه فى تعاريج باطن الأُذن، حتى يمكن وصوله إلى قريبٍ من آخر تجويفها؛ وذلك لأجل قبول الرصاص للانحناء والانثناء بسهولة.

__________

(1) هـ: الثاني.

(2) :. كانت.

(3) :. أجزاءه.

(4) :. من.

(5) ن: بالدغ.

(6) انظر المقالة التاسعة عشر من كتاب الزاى.

(1/128)

وكذلك، قد يُعمل من الرصاص مسلَّةً، ويُدخل فى ثقبها الحبل الذى يُتَّخذ من الشَّعْر (1) ، لأجل جرد اللحم الزائد من الخيشوم، ثم يُدخل تلك المسلة فى الأنف، ويدفعه حتى ينتهى إلى أعلى الحلق - وذلك وراء اللهاة (2) - فيؤخذ (3) طرفها من هناك، فيجذبه حتى ينجذب ذلك الحبل ويخرج طرفُهُ من الفم، ويكون باقيه خارج الأنف، وينبغى أن يكون طرف هذا الحبل الذى يدخل فى المسلَّة دقيقاً (4) - ليسهل نفوذه - منقطفاً، وأما باقيه فيكون غليظاً بالقدر الذى يُحتاج إليه فى جرد اللحم الزائد.

والمحرق من الرصاص شديدُ النفع فى قروح العين، لما نذكره فى الإسفيداج.

__________

(1) ،: المشعر.

(2) :. اللهات.

(3) سقطت بعد هذا الموضع، ورقتان من هـ.

(4) ن: دقيق.

(1/129)

الفصل الرابع في فِعْلِه في أَعْضاءِ النَّفْضِ

إنّ الرصاص مع أن برده غير مفرط، فإنَّ تبريده إذا وُضع على عضوٍ، كان مفرطاً. وذلك لأنه - مع أنه يبرد بقوة - فيه كتبريد باقى الأدوية، فهو أيضاً يبرِّد بما هو باردٌ بالفعل، فإن لُمِسَ؛ وُجِدَ (1) بارداً بالفعل، وذلك لأجل ما فيه من المائية الجامدة.

فلذلك، إذا اتُّخذت منه صفيحةٌ، ورُبطت على عضوٍ، برَّدته جداً. فلذلك إذا وُضع على القَطَنِ (2) ورُبط عليه مُدَّة، برَّده جداً، خاصةً والقَطَن مستعدٌ جداً للتبريد. لأنه مع كثرة عظامه، موضعٌ على بُعْدٍ من القلب - ومنه (3) أكثر التسخين - وإذا برد هذا الموضع، لزم ذلك تبريد أوعية المنِىِّ. لأنَّا بيَّنَّا أن هذه الأوعية، هى العروق النازلة له من الكُلى إلى الأُنثيين (4) إلى الرِّجلين (5) ؛ وهذه يستحيل فيها المنِىُّ بإحالة ما يصل إليه من الخميرة التى تنزل من الرضاع، لقِلَّة النخاع فى عظم الصُّلْب، وتنتهى إلى هذه العروق، فتُحيل ما فيها من الدم إلى طبيعتها - كما بيَّنَّاه فى كلامنا فى المنى - وإذا بردت تلك الأوعية؛ قلَّت حِدَّةُ

__________

(1) ن: وجدا.

(2) القطن في اللغة: ما عرض من الثبج، وهو الموضع العريض بين الثبج والعَجُز (لسان العرب 123/3) ويُقال الفقرات القطنية على أسفل سلسلة الظهر.

(3) يقصد: من القلب.

(4) الأُنثيان: الخصيتان.

(5) يشير العلاء (ابن النفيس) هنا لأجزاء التشريح من الشامل، وهي أجزاءٌ مفقودة.. حتى الآن!

(1/130)

المنى، وخَمُدَ، وقلَّل من استعداد إنزاله (1) ؛ وقِلَّة ذلك نقصٌ لشهوة (2) الباه. فلذلك، مَنْ أراد تقليل احتلامه وضعف شبقه، فلا أنفع له، من وضع صفيحة من الرصاص على قَطَنه، وربطها هناك مدة.

وإذا أُخذت برادة الرصاص، وغُسلت بالماء مراراً؛ نفعت جداً من حروق المقعدة، ومن البواسير، ومن قروح الذكر والمذاكير (3) .

__________

(1) ن: وحلل من اسار غير انزاله!

(2) ن: ونقصاً شهوة.

(3) ن.

(1/131)

الفصل الخامس في فِعْلِه في الأَمْرَاضِ الَّتِي لا اخْتِصَاصَ لها بَعُضوٍ عُضو (1)

سُحَاقةُ الأبار إذا غُسلت مراراً، كما قلنا، كانت شديدة النفع للجراحات الخبيثة والقروح الرديئة - حتى السرطانية - وكذلك قروح المفاصل. وإنما كان كذلك، لأن السُّحَاقة بقوة تبريدها، تمنع العفونة وتكسر حِدَّة المواد الفاسدة.

وقد دلَّت التجارب (2) على أنه إذا رُبط على الغدد والخنازير (3) فى داخل هذه الأورام، تذوب (4) ؛ بما يحدث عن ذلك، من الحرارة القوية، وذلك لأجل مَنْع هذه الصفيحة من خروج تلك الأبخرة من المسام.

وكذلك، إذا اتُّخذ من الأبار فهرٌ وصلاية (5) ، ووُضع على هذه الصلاية بعض الرطوبات أو الأدهان الباردتين، وحُرِّكت بالفهر المذكور كثيراً، حتى

__________

(1) -:. .

(2) تشير عبارة المؤلِّلف هنا، إلى منهجه التجريبي الذي تميَّز به ومهر فيه (راجع بخصوص ذلك، الفصل الخامس من كتابنا: علاء الدين ابن النفيس القرشي، إعادة اكتشاف ص 111 وما بعدها) .

(3) هي نوعٌ من البثور: سُمِّيت بذلك لأنها تعترى الخنازير كثيراً، ومنها ما ينفجر ظاهره، وما ينبسط ويقرح (ذيل: تذكرة أولى الألباب، ص 182) .

(4) ن: فيذوب.

(5) الفهر: الحجر الذي يملأ الكف (لسان العرب 1140/2) . والصلابة - الصلاءة - الإناءُ الذي يوضع على النار، أو يُدَقُّ فيه الطيب، وغالباً ما تكون من الخشب (انظر: لسان العرب 471/2) .

(1/132)

ثخنت (1) تلك الرطوبة بما ينحل من أجزاء الأبار صارت تلك الرطوبة شديدة التبريد، وإذا وضُعت على الأورام الحارة - فى الابتداء - نفعت جداً، وذلك لأجل قوة النفع.

وقد قيل: إن من تختَّم بالأبار؛ نقص بدنه.

وقيل: إذا وُضع فى القدر قطعة من الرصاص لم ينضج اللحم بسرعة.

وقيل: إذا طُرقت الشجرة بمطرق من الرصاص لم يسقط ثمرها قبل وقته.

وقيل: إذا دُهن الرصاص وتُرك حتى يصدأ (2) ، وأُخذ ذلك ولطخ به حديد، لم يصبه الصدأ (3) .

وجميع هذه الأشياء، وشَبهها، لاجَزْم بصحته (4) .

__________

(1) يقصد؛ غلظ قوامها.

(2) ن: يصدى.

(3) ن: الصدى.

(4) يقصد: لم تجرَّب.

(1/133)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة السادسة فىِ أَحْكَامِ ابن عِرْسِ

وكلامُنا هذا، يشتمل على أربعة فصول.

(1/135)

الفصل الأول في مَاهِيَّةِ ابن عِرْسِ (1)

ابن عرس حيوانٌ أصغرُ من النِّمْس بكثير، وكأنه جَرو نمس (2) وهو سريع الحركة، يكثر فى بلاد مصر، ويسكن فى البيوت. شَبَه الفأر وهو نحيفٌ أحمر (3) اللون. ويسعى (4) فى الليل - كالهِرَّة (5) - ويقاتل الهوام، فلذلك هو من الحيوانات التى ينبغى أن تكون (6) فى المساكن، لتهرب منها الهوام (7) !

__________

(1) يقال لها اليوم في مصر عِرْسَة.

(2) يقصد؛ يشبه النمس الصغير في السن.

(3) يميل لون العرسة، التي نعرفها اليوم، إلى الرمادى!

(4) غير واضحة في المخطوطة.

(5) الهرة: القطة. ولعله يقصد القطط البرية تحديداً، لأنها هي التي تسعى في الليل.

(6) ن: يكون.

(7) ما يقوله العلاءُ هنا عجيب، فهذا الحيوان - في البيوت - شديد الأذى، فهو يخنق الطيور المنزلية، وقد يلتهم الأطفال الرُّضع إن تمكَّن.. فهو حيوان لاحم، اشرس من القطط والكلاب. وهو لقبحه وشراسته، غير مرغوب فيه بالمساكن. ولا يزال هذا الحيوان منتشراً بمصر وخصوصاً في القرى.

(1/137)

الفصل الثاني في طَبِيعَتِهِ

إنَّ هذا الحيوان، لما كان سريع الحركة جداً، يأكل اللحم، فهو لامحالة حارُّ المزاج. إذ جميع ما يأكل اللحم من الحيوان، فإنه محتاجٌ أن يكون جريئاً (1) مِقْداماً، لتكون (2) له قوة على الصيد. وإنما يكون كذلك، إذا كان حار المزاج.

ولأنه شديد النحافة، فهو لا محالة قليل الرطوبة. فلذلك، لابد وأن يكون هذا الحيوان حارّاً يابساً. ولذلك، ليس يتضرَّر بالبرد - كما يتضرَّر به الدُّبُّ والقُنفِذ. وإنما يكون كذلك، إذا كان حارُّ المزاج.

__________

(1) ن: جريا.

(2) :. ليكون.

(1/138)

الفصل الثالث في فِعْلِه (1) في الأَمْرَاضِ الَّتيِ لا اخًتِصَاصَ

إنَّ هذا الحيوان، لما كان حارُّ المزاج جداً، فلحمه لامحالة حارٌّ. وكذلك دمه. فلذلك، يكون كُلُّ واحدٍ من هذين - وغيرهما من أجزائه (2) - محِّللاً.

وتحليلُ لحمه، تحليلٌ (3) شديدٌ جداً؛ فلذلك هو نافعٌ من الأوجاع، إذا وُضع عليها. وذلك لأجل تحليله للمواد (4) ، خاصةً أوجاع الظهر، لأن الظهر - لبرده - إنما يحلِّل مواده، ما يكون قوىُّ التحليل.

وكذلك، هو محلِّلٌ للرياح حيث كانت. والأورام (5) التى تسمى الخنازير إذا لطخت بدم ابن عرس نفعتها؛ وذلك لأجل قوة تحليله لموادها. وكذلك، قد ينفع دمُه للمصروعين، وذلك لأجل تحليله المادة المصرعة.

وإذا أُحرق وأُخذ رماده فعُجن بخَلٍّ، ووُضع على النقرس وأوجاع المفاصل سَكَّن، لأجل قوّة تحليله.

__________

(1) - ن.

(2) ن: أجزا.

(3) ن: محلل.

(4) ن: لمواد.

(5) ن: للأورام.

(1/139)

فصل الرابع في خَوَاصِّهِ المشْهُورَةِ

ابن عرس قد اشتهرت له خواصٌّ، ونحن نعدُّها عدّاً؛ ومن أراد تحقيقها فعليه أن يمتحنها بالتجارب. قالوا: إن ابن عرس إذا شاهد طعاماً مسموماً اقشعرَّ لذلك، وانتصب دبره (1) . وإذا سُلخ وأُخرج ما فى بطنه، ومُلِّح، وجُفِّف فى الظِّلّ (2) ، وشُرب منه بالشراب مثقالان؛ نفع من ضرر الهوام كلها، وكان من أقوى علاجاتها (3) . وإذا حُشى جوفه بالكزبرة، وجُفِّف فى الظِلِّ، واستُعمل كان علاجاً لنهش الهوام والصرع (4) .

قالوا: وإذا أُخرج كعب ابن عرس، وهو (5) حىٌّ، وعُلِّق على امرأة؛ فإنها لاتحبل! وقالوا: إن معدته دواءٌ نافعٌ جداً من سُمِّ الهوام.

__________

(1) أشار ابن البيطار (الجامع 9/1) إلى أن الرازي هو الذي قال ذلك - في الحاوي - وقد راجعت الحاوي فلم أجد هذا القول!

(2) ن: الطل.

(3) عبارة العلاء هنا تطابق عبارة الرازي (الحاوي 100/20) وابن البيطار (الجامع 9/1) .

(4) الذي قال ذلك، هو الرازي (الحاوي 101/20) .

(5) ن: وهي.

(1/140)

المقالة السابعة فىِ أَحْكَامِ الأُتْرُجّ

وكلامُنا فيه، يشتمل على ثمانية فصول.

(1/141)

الفصل الأول في مَاهِيَّةِ الأُتْرُجِّ

الأُترجُّ نباته معروف (1) ، وهو يكثر فى البلاد الحارة، فلذلك يقلُّ فى البلاد الشمالية ويكثر فى الجنوبية. وذلك، لا لبرد مزاجه، بل لأن البرد الشديد ينفذ إلى جرمه، فيفسده. ولشجره شوكٌ طوال، وورقه أصغر من ورق الجوز قريب جداً من ورق النارنج. ويشارك النارنج فى أنه لايُلقى ورقه، وأن ثمره قد يبقى عليه مدةٌ طويلة، فلا يفسد.

وهو من الأشجار الذهبية، كما فى النارنج والرَّنْد وثمره كبارٌ مختلفُ الأجزاء. وذلك لأن لثمره قشراً ولحماً وحَبّاً، وجميع هذه مختلفة الطعوم والألوان والطبائع.

وأَيْيَسُ أجزاء ثمره هو القشر، لأن قشر كل ثمرةٍ ونبات يجب أن يكون أكثر أرضيةً ويبوسة، بما هو قشر (2) ، وذلك لأن الغرض بالقشر أن يكون وقاية، والوقاية تستحقُّ أن تكون أصلب مما له وقاية، وذلك يتمُّ بكثرة الأرضية. وفى هذا القشر - مع الأرضية - ناريةٌ، ولذلك هو أصفر اللون إلى حمرةٍ ما، شبيه بحمرة (3) الذهب الجيِّد.

__________

(1) اسمه بالعربية الفصيحة المتْكُ وباليونانية ميريقاميلا أو التفاح الميدى، نسبةً إلى ميديا.. ويقال له التفاح الماهي نسبةً إلى بلاد ماه التي تضم دِينَوَر وهمذان ونهاوند (ابن البيطار: تفسير كتاب دياسقوريدس، ص 149) .

(2) ن: له قشر.

(3) ن: يكون بحمرة.

(1/143)

ولأنه حريفٌ، وقد علمت أن جوهر الحريف نارىٌّ، ولحم ثمره مركَّبٌ من مائيةٍ وأرضية، ولذلك هو إلى تَفَاهة (1) ، لأجل المائية؛ وإلى (2) غِلَظٍ وكثافةٍ لأجل الأرضية. ولذلك، يعسر هضمه، ويولِّد الرياح والنفخ، وذلك لأجل غلظ جِرْمه، وذلك لأن هذا اللحم - مع فجاجته - هو كغذاء اللُّبِّ الذى فى الحبِّ، والغذاءُ يجب أن يكون شبيهاً بالمغتذى.

وهذا الحبُّ، يجب أن يكون كثير الأرضية، ليكون صالحاً لأن تتكوَّن (3) منه الشجرة. فلذلك، يجب أن يكون هذا اللحم كذلك. ومائيةُ هذا اللحم إلى جمودٍ، لأنها - بَعْدُ - لم تنضج وتتعدَّلُ، ولذلك يحدث عن هذا اللحم رياحٌ كثيرةٌ. ولذلك كان هذا اللحم لايُلاقى الحبَّ، لأنه لم يصلح بعد لتغذيته، وذلك لأجل فجاجته.

وأما الحمض الذى فى ثمرة الأترجِّ (4) فحموضته تحدث (5) من غليان المائية بعد انفصالها من اللحم. وذلك، لأن هذا الحمض يلاقى الحبَّ، فيجب أن يكون أنضج من اللحم. وذلك إنما يتمُّ بالحرارة، لأجل برد مائية اللحم - كما قلناه - والحرارةُ إذا حدثت، فهى لامحالة تسخِّنها، وإذا اشتدَّت سخونة الماء حدث لها - لامحالة - الغليان؛ وهو يُحدث للحموضة، كما بيَّنَّاه.

ولكن هذه الأرضية، لابد وأن تكون لطيفة؛ لأنها تَلْطُف بالحرارة المحدثة للغليان. ومع ذلك، فلابد وأن تكون يسيرةٌ بالنسبة إلى أرضية اللحم. وذلك لأن

__________

(1) يقصد؛ لا لذع فيه.

(2) هنا ينتهى الموضع الساقط من هـ.

(3) :. يتكون.

(4) العبارة في هامش ن مسبوقة بكلمة: مطلب.

(5) الكلمة مكررة في هـ.

(1/144)

اللحم إذا أخذ فى النضج، ليصلح (1) لغذاء الحبِّ، يسخن لامحالة قليلاً؛ وهذه السخونة تذيب مائيته وتسخنِّها، وتسخِّن أرضيته أيضاً، وتُسِيلها (2) إلى حيث يتكوَّن الحمض فى أكثر السائل. ج (3) . هو المائية، وذلك لأجل غِلظ الأرضية وعصيانها على (4) الانفعال، فلذلك تكون المائية فى هذا الحمض أزيد من الأرضية.

وأما الحبُّ الذى فى ثمرة الأُترجِّ فإن طعمه إلى مرارةٍ، وفيه دهنيةٌ. فلا محالة، لابد وأن تكون كثيرة الأرضية، ليمكن تكوُّن الشجر منه. ولابد وأن تكون فيه رطوبةٌ كثيرةٌ فضلية، لِتكوِّن مادةً يتكوَّن (5) عنها شخصٌ آخر. ولابد وأن تكون المائية الزائدة التى فى الحمض قد قلَّت، حين صارت غذاءً له، وذلك لما يتحلَّل منها بالنضج.

وأما ورق هذا النبات، فيجب أن تكون مائيته كثيرة (6) النارية، ولذلك هو حريفُ الطعم، حادٌّ مع التفاهة والمائية. وأما زهر هذا النبات، فيجب أن يكون - مع مائيته - كثيرُ النارية، ولذلك هو حريف الطعم، إلى هوائيةٍ، لأنه من الأجزاء التى تتبخَّر (7) من مادة الثمرة، وتبخرُّها إنما يكون بحرارةٍ تحدث لها فلذلك هو ألطف كثيراً من باقى أجزاء هذه الشجرة.

__________

(1) :. يصلح.

(2) ن: تسليها.

(3) هكذا في المخطوطتين، وتقرأ فيهما حاء وقد أصلحناها، لن المرجَّح أن تكون إشارة إلى جالينوس.. وقد استخدم الأطباء - قبل العلاء - بقرون، حرف ال ج للإشارة إل جالينوس وحرف ال د للإشارة إلى ديسقوريدس.

(4) :. عن.

(5) :. لان يتكون.

(6) :. كثير.

(7) غير واضحة في المخطوطتين.

(1/145)

الفصل الثاني في طَبِيعَتِه وأَفْعَاِلهِ علَى الإطْلاَقِ

أنَّا نتكلم أولاً فى ثمرة هذا النبات، ثم نتكلم فى أجزائها. وثمرة هذا النبات أجزاؤها (1) مختلفةُ الطبائع، وذلك لأجل اختلاف تلك الأجزاء فى جواهرها كما بيَّنَّاه أولاً. وأما قشر هذه الثمرة، فإنه حارُّ يابسٌ، وذلك لأجل ما فيه من النارية التى ذكرناها. ومع ذلك، فإنه بسيط الجرم، لأجل ما فيه من الأرضية ولهذه الأرضية، هو زائدُ اليبوسة.

وأما لحم هذه الثمرة، فإنه فى نفسه شديدُ البرد، لأجل ما فيه من المائية الجامدة، ولما فيه من الفجاجة. ومع ذلك، فهو - أيضاً - فى نفسه، رطبٌ لكن رطوبته قليلة لأجل ما فيه من يبوسة الأرضية.

وأما تبريده لبدن الإنسان، فقليلٌ؛ لأنه - لغلظه - لايسرع نفوذه إلى حيث يبرِّد (2) ، بل يتأخَّر ذلك إلى أن ينهضم وتضعف قوته.

وأما الحمض الذى فى داخل هذه الثمرة، فإنه باردٌ يابسٌ. وذلك لأن الحامض من شأنه أن يكون كذلك، لما بيَّنَّاه فى كلامنا الكُلِّى (3) . وبردُه فى نفسه ليس بشديد، وذلك لأن حدوثه إنما هو بالغليان اللازم للحرارة؛ وذلك مما لايكون معه البردُ قوياً. فلذلك، هو فى نفسه أقل برداً من اللحم بكثير. وأما

__________

(1) :. اجزاها.

(2) :. برد.

(3) يقصد؛ الكلام الكلى في الأدوية، وهو موضوع الجزء الأول من الفن الثالث من الشامل.

(1/146)

تبريده لبدن الإنسان، فهو أكثر وأشد من تبريد اللحم، وذلك لأجل لطافة الحمض، وقوة غَوْصه، فيسهل نفوذه إلى حيث يبرِّد. وهذا كالثمار التى تكون أولاً عفصة، ثم تصير حامضة؛ فإنها فى حال عفوصتها، يكون بردها فى نفسها أشد برداً - لامحالة - من بردها فى حال الحموضة، وأما تبريدها لبدن الإنسان فهو - لامحالة - أقل من تبريدها فى (1) الحموضة.

وكذلك نقولُ فى يبوسة هذا الحمض، فإنها وإن لم تكن فى نفسها شديدة جداً (2) ، فإنَّ فِعْلها فى بدن الإنسان قوىٌّ، وذلك لأجل لطافة الحمض وقوَّةِ نفوذه.

وأما ورقُ هذا النبات، فإنه حارٌّ يابسٌ، وذلك لأجل ما فيه من النارية. ولابد وأن يكون إلى غِلَظٍ، لأجل ما فيه من الأرضية.

وأما زهرُ هذا النبات، فلابد أيضاً أن يكون حارّاً، وإلا لم يكن حادَّ الرائحة. ولابد وأن يكون لطيفُ الجوهر، لأن مادته - كما بيَّنَّاه أولاً - هى الأجزاء المتصعِّدة عن مادة الثمرة. ولابد وأن يكون إلى يبوسة، لأن هذا المتصعِّد أكثره دُخَّانىٌّ؛ لأن تصعُّده من المادة التى يتكوَّن منها هذا النبات، وتلك أرضيةٌ لامحالة، وإن كان لابد فيها من مائيةٍ كثيرة. فلذلك، هذا الزهر لابد وأن يكون محلِّلاً، لأجل حرارته، ولكنه لغلظه ليس بمفتِّح.

وأما حَبُّ ثمرة هذا النبات، فإنه محلِّلٌ بدهنيته، مقوٍّ للأعضاء لأجل عِطريَّته.

أما حِمْضُ ثمرة هذا النبات، فإنه مبرِّدٌ، قامعٌ، ملطِّفٌ، شديدُ الجلاء والغوص ولأجل ذلك هو ملطفٌ. وأما تلطيفه مع (3) تقطيعه فلأنه (4) - على ما

__________

(1) :. من.

(2) مطموسة في ن.

(3) لم ترد الكلمة في المخطوطتي، وفي موضعها بياضٌ في كلتيهما.

(4) :. لها (وغير ذات معنى) .

(1/147)

ستعرفه بعد - قابضٌ شديد التقطيع. وأما قمعه، فلأجل برده. وأما شِدَّة جلائه (1) ، فإنه مع حموضته، لطيفٌ نفَّاذٌ، فيسهل نفوذه بين العضو وما التصق به بسرعة (2) ، ولذلك (3) هو يقلع الآثار والدبوغ التى تكون فى الثياب. وأما قبضه لأجل يبوسته. وأما تقطيعه، فلأجل شدة نفوذه بين أجزاء المادة، فيردُّ (4) بعضها من بعض، فتصغر لذلك أجزاؤها (5) .

وأما قشر ثمرة هذا النبات، فإنه هاضمٌ؛ لأنه مع حرارته عَطِرٌ، مقوٍّ للمعدة، وفيه تحليل وترياقية (6) . وكذلك فى جميع أجزاء هذه الشجرة، وذلك لأجل ما فيها من العطرية الدالة، المناسبة لطبيعة بدن الإنسان.

__________

(1) :. جلاه.

(2) غير واضحة في المخطوطتين.

(3) :. عنه ولك!

(4) غير واضحة في المخطوطتين.

(5) :. أجزاءها.

(6) الترياق: هو دواء السموم. والترياقية هنا تعنى: تطهير آلات الغذاء من المواد السَّامَّة والمضِرَّة.

(1/148)

الفصل الثالث في أَفْعَاِلهِ في أَعْضَاءِ الرَّأْسِ

أما ورق هذا النبات وزهره، فقد يُتَّخذ منها نطولٌ (1) يُسكَّن به الصداعُ البارد، ونحو ذلك، وسبب ذلك، ما فيها من الحرارة.

وأما حُماضه، فينفع (2) الصداع الحارَّ والكائنَ عن الأبخرة الصاعدة إلى الرأس من المعدة، أو من غيرها. وينفع من التوحُّش والخفقان الحار ومن السوداء خاصةً المحرقة عن الصفراء، وكذلك هو نافعٌ من الماليخوليا ومن الوسواس (3) الحادث عن احتراق الصفراء وتبخيرها، وذلك لأنه مع منعه الأبخرة يقوِّى القلب ويبدِّل الروح فيعدِّلها.

__________

(1) النطول (الجمع: نطولات) في اللغة والاصطلاح الطبي القديم: الماءُ المذاب فيه دواء. يُقال نطلت رأس العليل بالنطول، إذا جعلت الماء المطبوخ بالأدوية في إناءٍ، ثم طببته على رأسه قليلاً قليلاً (لسان العرب 664/3) .

(2) - ن.

(3) الأمراض المذكورة في هذه الفقرة، كلها أمراض نفسية، وقد تجمع كلها تحت مسمى ماليخوليا وهي كما يعرِّفها ابن سنيا: تعيُّر الظنون والذكر عن المجرى الطبيعي، إلى الفساد والخوف والرداءة. (القانون في الطب 65/2) ومنها أنواع كثيرة، مثل التوحُّش الذي يُعرف أيضاً بمرض قُطْرب - وقطرب: دودةٌ صغيرةٌ تسعى في الليل فقط - وقد وصفه بن سينا بقوله: هو نوع من المالنخوليا، يجعل الإنسان فرَّاراً من الناس الأحياء، محباً لمجاورة الموتى والمقابر ويكون بروز صاحبه ليلاً واختفاؤه وتواريه نهاراً، كل ذلك حُبّاً للخلوة وبُعداً عن الناس (القانون ف يالطب 71/2) والوسواسُ حالةُ اضطراب تُعرف اليوم بالاسم نفسه، وإن كان يُزاد فيها لدى المشتغلين بعلم النفس، وصف القهرى فيقال: الوسواس القهرى.

(1/149)

وقشرُ ثمرة هذا النبات إذا مُضِغَ أو تُرِكَ فى الفم مُدَّةً، شَدَّ اللثة وطيَّب النكهة. وذلك لأجل ما فيه من العطرية، مع تحليله الرطوبة الفضلية التى تكون فى اللثة فتعدُّها (1) للعفونة، وتجفيفه لها؛ فلا يبعد أن يكون ورق هذا النبات يفعل ذلك أيضاً. وكذلك حَبُّه وزهرُه، وكذلك طبيخُ حمض ثمرة هذا النبات يفعل ذلك، لأن هذا الحمض يجفِّف لرطوبة الفضلية المعفِّنة، ويلطِّفها، ويقطِّعها فيهيِّئها بذلك للخروج والانفعال.

ومع ذلك، فإن هذا الحمض - بقوة بَرْده - يُبطل فعل الحرارة العفونية المبخِّرة للأجزاء الغَضَّة الكريهة الرائحة، فيُعين بذلك على تطييب (2) النكهة. إلا أن هذا الحمض، يضرُّ الأسنان بغوصه فيها وقوَّةِ جلائه المزيل لما عليها من الرطوبات التى تدفع عنها أضرار الملاسات (3) . وذلك، فإن (4) هذا الحمض شديد الإحداث للضَرَس (5) .

ومع ذلك، فلأن هذا الحمض - لأجل إضراره بالعصب - يضرُّ الأسنان بإضراره بالأعصاب الآتية (6) إلى اللثة. ولذا (7) كان هذا الحمض ضاراً بالأعصاب، لأنه مع قوة برده وتقطيعه، فإنه شديدُ النفوذ، غوَّاصٌ.

__________

(1) :. فيعدها.

(2) تطيب.

(3) الملاسة - والملمس والملوسة - ضدُّ الخشونة (لسان العرب 524/3) والمراد بها هنا: اللزوجة المحيطة بالأسنان.

(4) :. ان.

(5) الضَرَس: وجع الأسنان والضروس.

(6) :. اللاتية!

(7) هـ: واذا.

(1/150)

وإذا اكتُحل بهذا الحمض، بَرَّدَ العين، وجلاَّها بقوة، وسكَّن حرارتها ونفع من حكَّتها جداً، ولطَّف ما يكون فيها من الفضول؛ فيسهل بذلك اندفاعها (1) . فلذلك، كان الاكتحالُ بماء (2) هذا الحمض، يحدُّ البصر، ويقوِّى العين الحارَّة (3) تقويةً ظاهرة. وإذا اكتحل به صاحب اليرقان أَذْهَبَ صُفرة عينيه وذلك لأجل قوَّة جلائه (4) ، وترقيقه لما هو محتبسٌ من العين من الصفراء، فيسهل بذلك تحلُّلها وخروجها من المسام (5) .

واشتمامُ زهر الأُتْرُجِّ ينفع من النزلات ومن اللقوة (6) ويسخِّن الدماغ ويقوِّيه، لأجل ما فيه من العِطرية، وقد يفتِّح برد المصفاة، لأجل تفتيحه، ويحلِّل فضول الدماغ. وكذلك ورق هذا النبات وقشرة ثمره. إلا أن اشتمام الزهر أقوى فى ذلك، لأجل لطافته.

ورائحة الأُتْرُجِّ تنفع من الوباء. توضع ثمرته فى مناقل النار، فيكون دُخَّانُها نافعاً (7) للوباء.

__________

(1) العبارة في هامش هـ، مسبوقة بكلمة: انظر.

(2) - هـ.

(3) ن: الحارة.

(4) :. جلاه.

(5) هـ.

(6) اللقوة كما يعرِّفها العلاء (ابن النفيس) : مرضٌ ينجذب له شِقٌ من الوجه إلى جهةٍ غير طبيعية فتخرج النفخة والبزقة من جانب واحدٍ، ولا يحسن التقاء الشفتين، ولاتنطبق إحدى العينين (الموجز في الطب، ص 152) .

(7) :. نافع.

(1/151)

الفصل الرابع في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الصَّدْرِ

لما كان هذا النبات - بجميع أجزائه - عَطِراً، والعطريةُ ملائمةٌ للروح والقلب؛ فلذلك كان تأثير أجزاء هذا النبات فى أعضاء الصدر عظيماً، لأنها تصل إلى القلب ونواحيه سريعاً، فلذلك يكون نَفْع كل واحدٍ منها - فيما ينفع - عظيماً. وكذلك، ضرر كل واحدٍ منها فيما يضرُّ به الحمض، لأجل تسكينه الحرارة، بسبب قوة برده.

وهو (1) شديدُ النفع من الخفقان الحارِّ، وكذلك التوحُّش والتلهُّب فى القلب. وسببُ ذلك، شدةُ تعديله للحرارة المحدثة لذلك. ومع ذلك، فهو شديدُ الإضرار بأعضاء الصدر، لأن أكثر هذه الأعضاء عصبيةٌ، لأنه مع برده ويبوسته، شديدُ الغوص والنفوذ فيها.

وكذلك (2) هذا الحمض شديدُ الإضرار بالصوت، لأنه لقوَّة جلائه (3) وتقطيعه، يزيل الرطوبات المملسة للحنجرة (4) وقصبة الرئة، فيخشُن (5) لذلك سطحها؛ ويلزم ذلك خشونة الصوت. وإذا استعمل هذا الحمض فى ذات

__________

(1) :. هو.

(2) ما بين القوسين في هامش النسختين، والأرجح أنه كان كذلك في نسخة المؤلِّف.

(3) :. جلاه.

(4) ن: للخصرة، غير واضحة في هـ.

(5) :. فيحسن.

(1/152)

الجنب (1) ونحوها، فإن ضرره شديدٌ (2) جداً.

وأما قشر ثمرة هذا النبات، فإن المربَّى منه نافعٌ للحلق والرئة، لأنه بعطريته يكون نفعه - ونفع ما يغالطه من العسل - فى هذه الأعضاء، شديداً جداً. ولا يبعد (3) أن يكون المربَّى من هذا القشر، نافعاً فى الخفقان الحادث عن برد القلب، وكذلك سائر الأمراض الباردة الحادثة للقلب. وكذلك دهن زهر هذا النبات، إذا دُهِنَ به الصدر. وإنما كان كذلك، لما فى ذلك من العطرية الملائمة للروح الحيوانى وآلاته.

وورقُ هذا النبات يوسِّع النَّفَس الذى ضِيْقه عن البلغم، وذلك لأن شأن هذا الورق مفتِّحٌ للسِّدَّة البلغمية. ولا يبعد أن يكون قشر ثمرة هذا النبات يفعل ذلك، وكذلك زهرُه وحَبُّه.

__________

(1) ذات الجنب، وتُسمى أيضاً الشوصة والبرسام؛ هي: ورمٌ حارٌّ يكون في العضلات الباطنة أو في الحداب المستبطن، أو في الحجاب الحاجز (ابن النفيس: الموجز ص 188) .

(2) :. شديداً.

(3) ن: بيعدا.

(1/153)

الفصل الخامس في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الغِذَاء

لما كان هذا النبات عَطِراً، والعطريةُ ملائمةٌ للروح والأحشاء، وذلك لأجل كثرة الأرواح فى الأحشاء. فلذلك، إذا طُبِخَ بِزْر هذا النبات، أو زهره أو قِشْر ثمرته (1) ؛ فى خَلٍّ أو فى شَرابٍ أو فى ماء العنب أو ماء الورد ونحو ذلك وشُرِبَ؛ كان ذلك موافقاً للأحشاء كلها، مقوِّياً لها (2) ، خاصةً للمعدة.

وكذلك، إذا نُقِعَ ذلك فى هذه الرطوبات ونحوها. وذلك إذا عُملت بالعسل أو بالسُّكَّر، مثل المعاجين؛ نفعت المعدة وقوَّتها. ولذلك، كان جوارش الأُتْرُجِّ (3) ، وهو المتخذ من قشر ثمرته الموضوع فى العسل، إذا أُكِلَ قوَّى المعدة، وأعان على الهضم وعلى الاستمراء (4) ، لما فيه من الحِدَّة المسرعة لخروج الغذاء.

__________

(1) ن: ثمره.

(2) العبارة مكررة في هامش هـ، بالقلم المغربي، ومسبوقة بكلمة: انظر.

(3) الجوارش (الجوارشن) هي أدوية المعدة والأمعاء. وقد وصف الشيخ الرئيس جوارشن الأُتْرُجِّ بقوله: يطرد الرياح، ويهضم الطعام، ويطيِّب النكهة. أخلاطه: يؤخذ قشور الأترج الأصفر اليابس، وزن ثلاثين درهماً، قرنفل وجوزبوا ودار فلفل وفلفل وخيربوا ودار صيني وخولنجان وزنجبيل، من كل واحد وزن درهم، ومن المسك زنة دانق ونصف. يعجن بعسل، ويستعمل (ابن سينا: القانون في الطب 358/3) .

(4) يقصد: الالتذاذ بالطعام.

(1/154)

وقِشر الأُتْرُجِّ يشهِّى (1) الطعام، ويعطِّش؛ ولكنه يسكِّن العطش البلغمى. وكذلك زهر هذا النبات، إذا عُمل منه دهنٌ بزيت الإنفاق (2) ونحوه، كان ذلك الدهن مقوِّياً للمعدة. وكذلك إذا وُضع قشر ثمر هذا النبات فى الأطعمة - كالأباريز (3) - كان موافقاً للمعدة.

ولما كان جوهر هذا القشر مركَّباً من أرضية ونارية، لا جَرَمَ كان مع تسخينه للمعدة، وإعانته لها على الهضم، ليس ينهضم سريعاً، بل هو عسر الهضم جداً، وإذا انهضم لم يكن غذاؤه (4) كثيراً، لأن جوهره يابسٌ أرضىٌّ نارىٌّ فهو لذلك: يهضم ولا ينهضم.

والمربَّى منه أسرعُ انهضاماً، لأجل لينه وامتزاجه بالعسل، وإذا أُخذ (فى) (5) مضغه جيدا (6) ، سهل بذلك انهضامه فى المعدة، لأجل زيادة تصغُّر أجزائه (7) ، فإن المنفعل كلما كانت أجزاؤه (8) أصغر، كان قبوله للانفعال أكثر.

وأما لحم هذه الثمرة، فهو شديد الغلظ، لأجل تركيبه من أرضية مائية

__________

(1) ن: شهى.

(2) هو زيت الزيتون يُسمَّى الإنفاق (الأنفاق) لأنه ينتفق من الزيتون الغض الذي لم ينضج (المعتمد ص 215) كما يسمىَّ الزيت الركابي لأنه يأتي محمولاً على الركائب والجمال. وكانوا يسمُّونه في مصر، قديماً، الزيت الفلسطيني. وقد خصَّص علاء الدين (ابن النفيس) مقالةً له في حرف الزاي، فليُنظر هناك.

(3) يقصد: بمقدار يسير، كما توضع التوابل في الأطعمة.

(4) :. غذاء.

(5) -:. .

(6) :. جداً.

(7) :. اجزاه.

(8) :. اجزاه.

(1/155)

جامدة، فلذلك كان هضمه عسراً أيضاً، ولكنه أقبل للانهضام من القشر، لأن جوهر القشر شديد اليبوسة، وهذا اللحم كثير المائية. وكذلك تغذيةُ هذا اللحم بعد انهضامه، أكثر من تغذية القشر، لأن جوهر هذا اللحم أنسب إلى الغذائية من جوهر القشر، لأجل نارية القشر ومائية هذا.

وإذا انهضم لحمُ الأُتْرُجِّ ولَّد خِلْطاً غليظاً، ولذلك هو من المسمِّنات. وهو ردئ الغذاء، عَسِرُ الخروج، مولِّدٌ للقولنج (1) . وإذا طُبخ هذا اللحم، أو أُجيد مضغه، أو رُبِّىَ بالعسل ونحوه؛ كان أسرع هضماً مما ليس كذلك، كما قلنا (2) فى القشر المربَّى (3) بالعسل (أنه) (4) أسلمٌ وأقلُّ ضرراً، لأجل تلطيفه بالعسل.

ويفارق هذا اللحمُ القشْرَ، بأن هذا إذا لم ينهضم سريعاً، وَلَّدَ الرياحَ والنَّفْخَ كثيراً، ولا كذلك القشر. وذلك لأن تولُّد الرياح النفخ، إنما يكون من الدخانية، وهى إنما تحدث كثيراً، إذا خالط الأرضية مائيةٌ تصعِّدها - كما قلناه مراراً - وأرضية القشر، ليس يخالطها مائيةٌ كثيرة، بل نارية. ولا كذلك، أرضية اللحم.

وإذا أُكل هذا اللحم بالأبزار (5) الحارة الكثيرة، كان أقبل للهضم، وقلَّت

__________

(1) القولنج مرضٌ معوىٌّ مؤلم، يتعسَّر معه خروج ما يخرج بالطبع. والقولنج كما يقول ابن سينا الذي عانى منه في حياته، وتوفي به: هو اسمٌ لما كان السبب فيه - في الأمعاء الغلاظ - قولون فما يليها، وهو وجعٌ يكثر فيها لبردها.. فإن كان في الأمعاء الدقاق فالاسم المخصوص به بحسب التعارف الصحيح، هو إيلاوس ولكن ربما سُمى إيلاوس في بعض المواضع قولنجاً لشدة مشابهته له (القانون في الطب 453/2) .

(2) ن: قلناه.

(3) :. والمربى.

(4) -:. .

(5) جمع بزر، وهو: كل حَبٍّ يبرز للنبات (لسان العرب 207/1) أما البذر فهو أول ما يخرج من الزرع والبقل والنبات (لسان العرب 180/1) .

(1/156)

نُفَخُهُ ورياحُهُ. وينبغى ألا يؤكل مع هذا اللحم طعامٌ آخر - وكذلك القشر - وذلك لأجل غلظ هذين، وعُسْر انهضامهما.فإذا كان معهما طعامٌ آخر، لم تُقبل الطبيعة على هضم هذين، لأجل عُسرهما (1) ، وأقبلت بكُلِّيتها على هضم الطعام الآخر، فكان ذلك سبباً لفساد هذين.

وأما حمض الأُتْرُجِّ فهو دابغٌ للمعدة، لأجل يبوسته، مع تقطيعه لما يكون فى المعدة من الرطوبات، فتتهيَّأ (2) للانزلاق والخروج. ومع ذلك، فإنه يقوِّى المعدى بما فيه من العطرية - وإن قلَّت جداً - ويشهِّى الطعام جداً، لأجل قوَّة حموضته. ولكنه يلذع (3) المعدة القليلة الرطوبات. ويضرُّ جداً أصحاب (4) الفواق اليبوسى، ويمنع القئ، خاصةً رُبُّه وشرابُه، خاصةً إذا كان معه شئ من الطباشير (5) أو أوراق النعنع. ومنعه للقئ الصفراوى أكثر (6) .

وهو يسكِّن العطش، ويزيل الغَمَّ الحادث عن حرارة المعدة وكثرة الصفراء فيها. وهو يقاوم حرارة المعدة. وإذا طُبخ رُبُّ الأُترُجِّ بالخلِّ، وسُقى نصف مقدار سكرجة، قتل العَلَق (7) المبلوعة وأخرجها، لأجل شدة تقطيع هذا المشروب، وإفراط جلائه (7) ولذعه (9) .

__________

(1) :. عسره.

(2) ن: لتتهيا.

(3) ن: يلدع.

(4) :. لأصحاب.

(5) الطباشير ما يكون في جوف القنا الهندي محترقاً، لاحتكاك أطرافها عند عصف الرياح بها وهذا يكون ببلاد الهند (القانون 326/1 - المعتمد ص 301) .

(6) العبارة في هامش هـ، بالقلم المغربي، مسبوقة بكلمة: انظر.

(7) دودة تعلق بجدار المعدة.

(7) دودة تعلق بجدار المعدة.

(9) :. لدعه.

(1/157)

الفصل السادس في فِعْلِه في أَعْضَاءِ النَّفْضِ

أما حماض الأُتْرُجِّ فإنه - لأجل يبوسته - يقطع الإسهال، خاصةً الإسهال الكبدى والصفراوى. وفعله ذلك ليس بقوىِّ القوة، إذ (1) يخلو (2) هذا الحمض عن القبض القوى. ومع ذلك، فإنه لايجوز تناوله لذلك، إذا خيف من حدوث السَّحْج، لأنه لقوَّةِ لَذْعِه، يُعين على حدوث السَّحْج. ورُبُّهُ، أكثرُ قطعاً للإسهال.

وهو يسكِّن شهوة الجماع، لأجل منافاة (3) مزاجه لمزاج المنِىِّ - وهو البرد واليبوسة - ولذلك يسكِّن غُلْمة (4) النساء. وبزر الأُتْرُجِّ قد يطلق البطن بما فيه من الدهنية، ولا يبعد أن يكون (5) مقوِّياً للباه، لأنه مع حرارته ذو (6) رطوبة فضلية. كما قلناه أولاً.

وأما لحم الأُتْرُجِّ فلا فعل له فى عَقْدٍ أو إطلاق، ولكنه قد يُعين على الانتشار، فيعين على الجماع، وذلك بتوليده الرياح والنفخ. وإنما لايفعل ذلك

__________

(1) -:. .

(2) :. يخلوا.

(3) :. منافات.

(4) الغُلْمَةُ: هيجان شهوة النكاح (لسان العرب 1010/2) .

(5) يشير هذا التعبير الذي يتكرَّر كثيراً: لا يَبْعُدُ أنْ يَكُوًن. إلى ما يصحُّ نظرياً من الخواص، لكنه لم يجرَّب.

(6) - ن.

(1/158)

كثيراً، لأن أكثر ما يتولَّد منه من الرياح والنفخ، إنما يكون فى المعدة أو فى الأمعاء. ولأجل كثرة تولُّده لهذه فى الأمعاء، يحدث عنه كثيرا (1) : القولنج.

أما قِشْرُ ثمرة الأُتْرُجِّ فقد يحبس البطن، وعصارته تُستعمل فى الأدوية المسهلة لإصلاحها. وأما زهر الأتْرُجِّ وورقه، فإن طبيخهما قد تنطَّل (2) به المقعدة، فينفع من الزحير (3) الكائن من البرد. وإذا نُطِّل به البطن، حلَّل الرياح والنفخ. وكذلك الدِّهْن المتَّخذ من زهر الأترج أو قشره، وذلك لأجل ما فى ذلك من السخونة المحلِّلة، مع العطرية المقوِّية.

__________

(1) ن: كثير.

(2) ن: تبطل، هـ: ينطل.. وانظر نطول، نطولات فيما سبق.

(3) الزحير هو استطلاقُ البطن. وهو أيضاً: تقطيعٌ في البطن بحيث يُمَشِّى دماً (لسان العرب 14/2) .

(1/159)

الفصل السابع في فِعْلِه في الأَمْرَاضِ التي لا اخْتِصَاصَ لها بِعُضوٍ عُضو

أما حماضُ الأُتْرُجِّ فإنه لأجل قوة بَرْده مع حموضته، هو شديدُ القمع للصفراء، وينفع كثيراً من أمراضها مثل الغِبِّ والمحرقة (1) . ويسكِّن اللهيب والحرارة، ويجلو (2) الآثار التى تكون فى الجلد، كالنَّمَش والبَرَص والكَلَف ويُصلح اللون؛ وذلك لأجل قوة جلائه (3) .

وينفع جداً من القوباء (4) وذلك لأنه مع يبوسته المجفِّفة لما يكون فى القوباء من الرطوبة الحادة، هو - أيضاً - لشدة تقطيعه، يصغِّر أجزاء المادة الغليظة التى

__________

(1) هما نوعان من الحمَّى: حمى الغب التي تأتي نوباتها في يومٍ وتدع يوماً ثم تأتي في اليوم التالي، وهي تسميةٌ مشتقةٌ من عِبِّ الوِرْدِ لأنه تأخذ يوماً وترفِّه يوماً، ومن غِبِّ الإبل إذا شربت يوماً وعطشت يوماً. ومن هنا قيل: زُرْغباً تزدَدْ حباً. وكانت هذه الحمى قديماً تسمى طريطاوس وهي تُعرف اليوم بحمى الملاريا التي يسببها البلازموديوم فيفاكس (راجع: لسان العرب 951/2 - القانون 34/3 - معجم المصطلحات العلمية ص 184) والحمى المحرقة التي كانت تسمى قديماً فاريقوس هي على وجهين: محرقة صفراوية، ومحرقة بلغمية. وهي أشد من الغِبِّ وإذا عرضت للمشايخ، هلكوا (القانون في الطب 38/3) .

(2) ن: يجلوا.

(3) :. جلاه.

(4) قوباء (الجمع: قوابي) مرض جلدي يسقط معه الشعر، وهو يصيب الإنسان والخيل (معجم المصطلحات العلمية ص 559) .

(1/160)

لابد منها فى القوباء ويلطِّفها، فتتهيَّأ للتحلُّل. ومع ذلك، فإنه بقوة برده يسكِّن حرارة مادة القوباء فلذلك هو شديد النفع فيها.

وإذا شُرب شرابه أو رُبَّه، نفع جداً من الحميات الوبائية، وذلك لأجل تقويته للقلب وتعديله لمزاجه. وإذا جُعل قشر ثمرة الأُتْرُجِّ فى الثياب، منع من تسَوُّسِها لأجل ما فيه من الحدة والنارية المانعة من تولُّد الحيوانات (1) .

وإذا أُحرق هذا القشر، اكتسب - لامحالة - بالإحراق حِدَّةً ولُطفاً وتجفيفاً فلذلك ينفع - حينئذٍ - إذا طُلى به البهق والبرص وهو نافع جداً للبهق الأسود وكذلك حماض الأُتْرُجِّ ينفع من البهق، بقوة جلائه (2) .

ودِهْنُ الأُتْرُجِّ يسخِّن العصب، وينفع من استرخائه (3) ، ويحلِّل الإعياء. كل ذلك لأجل تسخينه وتحليله. وتُعينه العطريةُ، على تقوية العصب.

ويقال: إن طبيخ لحم الأُتْرُجِّ يسمِّن. ويشبه (4) أن يكون ذلك، لأجل تغليظه الدم. وإذا دُخِّن الأُتْرَجُّ أو ثمرته، وذلك بأن توضع (5) ثمرته فى النار كان ما يتبخَّر منها، مصلحاً لفساد الهواء والوباء، وذلك لما فيه من العطرية. وحَبُّ الأُتْرُجِّ يحلِّل الأورام، وكذلك جميع أجزائه (6) الحارة، كالورق والزهر وقشر ثمره.

__________

(1) العبارة في هامش ن مسبوقة بكلمة: مطلب. وفي هامش هـ مسبوقة بكلمة: انظر.

(2) :. جلاه.

(3) :. استرخاه.

(4) :. شبه.

(5) :. يوضع.

(6) :. اجزاه.

(1/161)

الفصل الثامن في حَالِهِ في التِّرْيَاقِيَّةِ

كل مقوٍّ للروح، فهو ترياقٌ (1) . لأن الروح إذا قويت، تمكَّنت من دفع السموم ونحوها. فلذلك، كُلُّ مقوٍّ للروح، فهو ممكِّنٌ لها من دفع السموم وذلك هو الترياق وكُلُّ عطرٍ، فإنه مقوٍّ للروح. فلذلك (2) ، كُلُّ عطرٍ فهو ترياق! ويختلف ذلك بقوة العطرية وضعفها، فكلما كانت العطرية أكثر وأقوى كانت الترياقية أكثر. وإذا كان للعطر (3) مزاجٌ يعدِّل الروح، أو يصلح مزاجها - ونحو ذلك - كانت تقويته للروح أكثر، فكانت ترياقيته أكثرُ وأشدُّ.

فلذلك، قشر الأُتْرُجِّ وورقه وزهره، وجميع ذلك، كثيرُ (4) الترياقية. لأن هذه الأشياء، مع قوة عطريتها، فإنها تقوِّى الروح، بمزاجها الذى هو حارٌّ باعتدالٍ. فإنَّ هذا المزاج ملائمٌ لجوهر الروح، لأنه ملائمٌ مناسبٌ، لكيفية الهواء المعدِّل للروح.

وأما حَبُّ الأُتْرُجِّ فعِطريَّته أقلُّ، فلذلك ترياقيته أضعفُ من ترياقية القشر والزهر والورق. وأما حمض الأُتْرُجِّ فهو أقل ترياقيةٍ - أيضاً - لأنه أقل عطرية

__________

(1) العبارة في هامش ن مسبوقة بكلمة: مطلب.. وهي قاعدة أساسية عند العلاء (ابن النفيس) يبنى عليها كثيراً من أحكامه في خواص المفردات.

(2) :. فكذلك.

(3) :. العطر.

(4) ن: كثيراً.

(1/162)

وإنما يكون مزاجه (1) مُعيناً لعطريته على الترياقية، إذا كان قد جُعل للروح أو القلب مزاجٌ شديدُ الحرارة، حتى يُحتاج فى تعديلهما إلى ما هو قوىُّ البرد كما هو هذا الحمض.

وأما لحم الأُتْرُجِّ فهو قليل الترياقية جداً، لأنه مع قِلَّة (2) عطريته، فهو باردٌ غليظٌ، لايناسب جوهر الروح. ومع هذا، فهو مولِّدٌ للأخلاط الغليظة؛ وذلك مما يقلُّ معه تولُّد الروح، ويُلزم ذلك ضعفها، لا قوتها. فلذلك كانت الترياقية فى لحم الأُتْرُجِّ قليلةً جداً.

وربما كان لبعض هذه الأشياء، خاصيةً فى النفع من سُمٍّ دون سُمٍّ. فبِزْر الأُتْرُجِّ وورقة - وزن درهمين من كل واحدٍ منهما - إذا شُرب بالشراب، قاوم السموم كلها، خاصةً سُمُّ العقرب (3) . وكذلك، إذا طُلى بذلك موضعُ (4) اللسعة (5) . قِشْرُ ثمرة الأتْرُجِّ قريبٌ من ذلك. وعصارة قِشْرِ هذه الثمرة، ينفع من نَهْشِ الأفاعى شُرباً؛ وأما القِشْرُ، فينفع من ذلك ضماداً.

__________

(1) :. مزاج.

(2) هـ.

(3) هـ: انظر، دواء للسموم.

(4) :. الموضع.

(5) هكذا ف يالمخطوطتين. والمشهور أن يُقال: لدغة العقرب. وإن كان من اللُّغويين من يقرِّر أن: اللدغ بالفم، واللسع بالذنب (لسان العرب 35/3) وعليه يكون تعبير العلاء ابن النفيس: أفصح.

(1/163)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الثامنة فىِ أَحْكَامِ الأَثْلِ

وكلامُنا فى هذا الدواء، يشتمل على ستة فصول.

(1/165)

الفصل الأول في مَاهِيَّتِه

إنَّ الأَثْلَ شجرٌ ذو خشبٍ وأغصانٍ، لونها أخضرٌ إلى حُمرةٍ ما، ولا زهر له. وله ورقٌ شبيه بورق الطَّرْفاء حتى أنّ قوماً جعلوه ضرباً من الطرفاء (1) . وثمرُهُ يخرج على أغصانه، قليلُ القدر مثل (2) الحمص، وأصغر منه قليلاً؛ لونه بين الغبرة والسواد - إلى صفرةٍ ما - فى داخله حَبَّاتٌ صغار، ملتصقٌ بعضها ببعض يسمى: حَبُّ الأَثْلِ.

وهذا الثمر يسمَّى العَذْبَة (3) ويسمى الكزمازج والكَزْمَازك (4) والجوزمازك (5) . ومعنى كوزمازك: عَفْصُ الطرفاء. وسُمِّى بذلك على سبيل التشبيه فى المضاف والمضاف إليه، لأن هذا الثمر فى نفسه، شبيهُ الطبع بالعَفْص وهو شجرٌ ثمرُهُ يشبه الطرفاء. فيكون معنى هذا الاسم: كعَفْصِ ما هو كالطرفاء.

وفى الأَثْلِ عفوصة مع مرارة، فلذلك هو مركَّبٌ من أرضيةٍ باردةٍ بها

__________

(1) :. الطرفاء.. والطرفاءُ شجرةٌ معروفة، تنبت عند مياهٍ قائمة؛ ويجعل الملكُ المظفر الأَثْلَ أحد الأنواع الأربعة لشجر الطرفاء (المعتمد ص 304) وهو ما يتشكَّك فيه العلاءُ هنا.

(2) :. من.

(3) في المعتمد (ص 319) : العذبة، وهو ثمرة الأثل عند أهل مصر.

(4) :. الكرمارج والكرمازك.

(5) :. الحوز مارك.

(1/167)

العفوصةُ، ومن أرضيةٍ حارَّةٍ بها المرارةُ. وفيه أيضاً، جزءٌ مائىٌّ (1) كثيرٌ؛ ولذلك هو شجرٌ سَبْطٌ، ليس بكثير التراكم - كما فى التين - ومع ذلك، فإن فيه هوائية. ولذلك، فإن هذا الشجر ليس برزينٍ جداً، ولا هو شديدُ التكاثف. فلذلك لابدَّ وأن يكون هذا النبات من أرضيةٍ باردةٍ عَفِصَةٍ، وأرضيةٍ حارّةٍ مُرَّةٍ، ومائيةٍ تَفِهَةٍ، وهوائيةٍ قليلة. وهو يكثر بأرض مصر، وفى بعض بلاد الشام.

__________

(1) ن: جزماى.

(1/168)

الفصل الثاني في طَبْعِهِ وأَفْعَالِه على الإِطْلاَقِ

لما كان الأَثْلُ من أرضيةٍ عَفِصَةٍ، وبعضها مُرَّةٍ، ومن مائيةٍ وقليلِ هوائية فهو - لامحالة - تغلب عليه البرودة، لأن العفوصة فيه أغلب من المرارة.

ولابدَّ وأن تكون فيه يبوسةٌ (1) كثيرةٌ، إذ المائية فيه ليست زائدة كثيراً فلذلك هو قابضٌ، مقوٍّ، مجفِّف. وفيه تفتيحٌ وجلاءٌ، بما فيه من المرارة. وفيه تحليلٌ يسيرٌ، فلذلك هو منقٍّ. لأن الجلاء والتحليل، يتقاومان على إزالة الفضول الرطبة، وخاصةً مع التجفيف واليبوسة.

وهو قريب الطبع من العَفْصِ (2) ولكن العَفْصَ أبردُ، وأشدُّ قبضاً.

__________

(1) :. يكون يبوسه!

(2) سوف يعود العلاء للكلام عن العَفَصِ تفصيلا في حرف العين. وانظر أيضاً: المعتمد في الأدوية، ص 329.

(1/169)

الفصل الثالث في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الرَّأْسِ

لما كانت ثمرةُ هذا النبات باردةً قليلاً، يابسةً، مجفِّفةً، منقِّيةً مع تحليلٍ وتقوية، لما فيها من القبض؛ فهى - لامحالة - نافعةٌ للعين، إذ العين (1) لأجل رطوبتها مع ميلها إلى الحرارة، يوافقها ما يكون بالصفة المذكورة.

ولأجل ما فى هذه الثمرة من الجلاء، والتحليل الذى يلزمه التلطيف صارت هذه الثمرة تحدُّ البصر، وتُعجن الشيافات بماء نقيعها، فتكون (2) أكثر نفعاً، وأشد تحديداً للبصر.

ولأجل ما فى هذه الثمرة من العفوصة القبَّاضة، والمرارة المجفِّفة المنقِّية الجلاَّءة؛ صارت هذه الثمرة شديدة التشديد للَّثةِ، والتقوية للأسنان، والتثبيت لها إذا كانت متقلقلة.

وبقوة تجفيفها، تأكل (3) اللحم الزائد فى اللثة - أو غيرها - وتنفع من تآكل الأسنان، وذلك لأجل تنقيتها لها بالتجفيف والتحليل. ولأجل تحليلها، هى تسكِّن وجع الأسنان.

وإذ هذه الثمرة تفعل فى اللثة هذه الأفعال، فهى - لامحالة - تطيِّب النكهة إذ كان حدوثُ البخر، عن ترهُّل (4) اللثة، أو فسادها وعفنها، وعفن الأسنان.

__________

(1) كلمات هذا الموضع مطموسة في هـ.

(2) يقصد: الشيافات (أدوية العين) .

(3) ن: باكل، وغير منقوطة في هـ.

(4) الورقة التالية ساقطة من هـ.

(1/170)

الفصل الرابع في فِعْلِهِ في أَعضَاءِ الغِذَاءِ

قد علمْتَ أنّ فى هذه الشجرة، قبضٌ لطيف، وتحليلٌ، وتفتيحٌ، وجلاء. وما كان كذلك، فهو شديدُ النفع من أوجاع الكبد وأورامها - على ما تعرفه فى موضعه - فلذلك، إذا طُبخت أصول هذه الشجرة، أو قلوب أطرافها، بالشراب أو بالخلِّ؛ كان ذلك شديدَ النفع من أوجاع الكبد.

والطَّبْخُ فى الشراب أفضل، إذا كانت الحاجةُ إلى تقوية الكبد، وذلك لما فى الشراب من العِطرية. وكذلك، إذا كانت الحاجةُ إلى التليين كثيراً، كما إذا كانت الكبد صلبة. وأما إذا كانت الحاجة إلى زيادة تقطيعٍ وتلطيف، وذلك إذا كانت الموادُ غليظةٌ، فإن الطبخ فى الخلِّ يكون أفضل.

وإذا نُقع الكزْمَازج (1) فى الماء الحارِّ يوماً وليلة، وشُرب بعد ذلك بالعسل أو بالسُّكَّر؛ نقَّى المعدة، وجفَّف رطوبتها الفضلية، وأزال ما فى المعدة من الفضول الغليظة المتعفِّنة، وحَبَسَ البطن. وقد يُنقع فى الشراب، فيكون ذلك أكثر تقويةً وتنقيةً للمعدة. وقد يكون هذا النقع (2) ، فى مثل ماء الحصرم أو ماء السفرجل فيكون شديد الحبس للبطن. وقد يكون هذا النقع فى الخلِّ، فيكون أشد تقطيعاً وجلاءً للمعدة، وأكثر نفعاً لورم (3) الطحال. وقد يُعمل من العذبة (4) شرابٌ

__________

(1) ن: الكرمازج.

(2) ن: النفع.

(3) غير واضحة في ن.

(4) العذبة: ثمرُ الأثل. وكان المؤلِّف قد جعل العذبة والكزمازج اسمان لهذا الثمر، لكنه هنا يفرِّق بين أفعالهما واستخدامهما الصيدلاني، وكأنهما شيئان مختلفان.

(1/171)

لأجل نفعها من أورام الطحال، وذلك لأجل ما فيها من التلطيف والتفتيح. والعذبةُ نافعةٌ من أوجاع الأمعاء، لأجل تحليلها وتقويتها وجلائها (1) .

__________

(1) ن: جلاها.

(1/172)

الفصل الخامس في فِعْلِه في أَعْضَاءِ النَّفْضِ

إذا شُرب نقيع العذبة، قطع نَزْفَ الدم (1) ، بما فيها من القَبْضِ. ولذلك هى تحبس نفث الدم، ودرور (2) الطمث، وتحبس الإسهَال - خاصةً العتيق المزمن العارض من الرطوبة المزلقة - وذلك لأجل تجفيفها، وتقويتها.

وقد يُستعمل (3) من العذبة (4) وزنُ ثلاثة دراهم، إما سفوفاً أو لعقاً بشراب السفرجل إذا أُريد حَبْسُ البطن بقوة. أو بالعسل، إذا أُريد زيادة تنقية المعدة. وإذا ضُمِّدَ بالعذبة، الأعضاء التى تنصبُّ إليها الفضول، منعت ذلك الانصباب. وشُربها بالعسل ونحوه يمنع البلَّة المتجلِّبة إلى الرحم، ويحبس دم الطمث، ويقطع سيلانه.

وإذا ضُمِّدت المقعدة برماد الأَثْل بَرَّد قوتها. وذلك إذا سُحق، وكُبست به مع بعض الأدهان، كدهن الورد أو دهن الناردين (5) أو دهن الآس.

__________

(1) العبارة في هامش ن مسبوقة بكلمة:مطلب.

(2) هكذا في المخطوطة، والمقصود: إدرار!

(3) ن: إذا استعمل.

(4) ن: مطلب،، وإذا استعمل من العذبة.

(5) النادرين، هو السنبل الهندي والرومي (المعتمد ص 515) .

(1/173)

الفصل السادس في فِعْلِه في الأَمْرَاضِ التي لا اخْتِصَاصَ لها بعُضوٍ عُضو

إذا شُرِبَ نقيعُ العذبة أو طبيخها بالسُّكَّر أو بالعسل؛ نفع ذلك من اليرقان وذلك بما فيها من التفتيح. وكذلك، ينفع ذلك من صُفرة اللون.

ورمادُ الأَثْلِ شديدُ الجلاء، فلذلك ينفع من الآثار التى تكون فى الجلد وينقِّى (1) الجلد من الوسخ ونحوه. وإذا طُبِخَ الأَثْلُ أو نُقِعَ فى ماءٍ حارٍّ، ثم شربه الصبيان؛ منع من حدوث الجرب الرطب المتعفن بهم، وذلك بسبب تنقية ذلك لمعدهم وأحشائهم (2) . وذلك يحسِّن ألوان الصبيان، وينقِّى (3) معدهم؛ وقد يصير سبباً لخصب أبدانهم، وذلك لأجل تنقية المعدة وتقويتها وتنقية الأحشاء، فيكون الهضم جيداً؛ وذلك من أسباب السِّمَنِ وجودة اللون.

وكذلك، فإن شراب طبيخ الأَثْلِ يُحدث نضارة (4) اللون، ويزيده رونقاً. وشراب طبيخ العذبة ينفع من لسع الرُّتَيْلاء (5) وقد تُبدَّل العذبة بالعفص وبشحم الرُّمان لأن هذه الأدوية متقاربة القوى.

__________

(1) ن: تنقى.

(2) ن: احشاءهم.

(3) ن: ويعثهم وبيقى معدهم!

(4) ن: نطاره.

(5) الرتيلاء عند ابن منظور: نوعٌ من الهوام (لسان العرب 1120/1) وفي معجم المصطلحات: الرُّتيْلا نوعٌ من العناكب الكبيرة السامة، لونها بين صفرة وسواد، توجد في شمال أفريقيا ومصر وفلسطين وسوريا والعراق وبلاد العرب (يوسف خياط: معجم المصطلحات العلمية والفنية ص 262) .

(1/174)

المقالة التاسعة فىِ أَحْكَامِ الإثْمِدِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على أربعة فصول.

(1/175)

الفصل الأول في مَاهِيَّتِه

إنَّ جوهر هذا الدواء، مركَّبٌ من جوهرٍ رصاصىٍّ وجوهرٍ حجرىٍّ، لأنه لو كان من رصاصٍ صِرْف، لما كان يبقى منه بعد السَّبْك أجزاءٌ أرضيةٌ حجرية ولو كان من حجرٍ صِرْف، لما كان يستخرج منه الرصاص، ولما كان وَضْعُه (1) مع الفضة حين سكبها، يوجب انكسارها، كما إذا خالطها رصاصٌ. فلذلك جوهر هذا الدواء مركَّبٌ من هذين الجوهرين، أعنى الرصاص والحجر.

وقد علمتَ أنَّ جوهر الرصاص مركَّبٌ من الزئبق والكبريت. أما جوهر الأحجار، فقد يكون من ماءٍ جامد - كما يكون فى الجمد - وقد يكون من طينٍ منعقد، وقد يكون من (2) ماءٍ منعقدٍ بالحرارة المجفِّفة، وإلا كان يذوب بالنداوة. فبقى أن يكون مركَّباً من طينٍ لزجٍ عملت فيه الحرارة، كما يتحجَّر الفخَّار وكيزان الفُقَّاع (3) .

فلذلك، يكون هذا الدواء أكثر تجفيفاً من الرصاص وذلك لما فيه من

__________

(1) هنا تنتهى الورقة الساقطة من هـ.

(2) -:. .

(3) الفقاع شرابٌ يُتَّخذ من الشعير، سُمِّى بذلك لما يعلوه من الزَّبد (لسان العرب 1119/2) وهو يعرف اليوم في مصر، باسم: البوظة.. وهو شرابٌ مسكرٌ ردىء، رخيص الثمن. وكيزان الفقاع المذكورة هنا، هي أوانٍ فخاريةٌ تُصنع من الصلصال، ثم تتحجَّر بعد تعرضها للهواء والشمس والنار.

(1/177)

النحاس المنعقد بالحرارة. ولذلك (1) ، كان هذا الدواء لايخلو (2) من عروقه وذلك لأجل انعقاد الطين اللزج المنعقد بالحرارة.

والكبريت الذى مع زئبق هذا الدواء، لابد وأن يكون كثيراً بالنسبة إلى غيره من أنواع الرصاص لأنه لولا ذلك، لما كان هذا الدواء أَحَدَّ من الرصاص وأقلَّ برودة، وأكثر جفافاً. ولذلك، فإن حكم هذا الدواء كحكم الرصاص المحرق.

واستعمال هذا الدواء، قد يكون وهو بحاله، وقد يكون بعد أن يحرق، وقد يكون بعد أن يُغسل، وقد يكون بعد أن يحرق ويغسل جميعاً. ولإحراقه صور أحدها: أن يُسخَّن ويُعجن بشحم، ويُترك على النار حتى يلتهب، ثم يُطفئ فى لبن امرأةٍ ولدت ذكراً، أو فى بول صبى، أو فى خمرٍ عتيق. فاللبن المطفئ فيه يزيده ليناً ورطوبة، وبول الصبى يفيده زيادة جلاءٍ وحِدَّة، والخمر يفيده زيادة تقوية لأجل العطرية. وثانيها: أن يوضع على الجمر إلى أن يلتهب، ثم يُخرج وينبغى أن لايؤخَّر إخراجه كثيراً، فإن ذلك يجعله فى قوة الرصاص المحرق سواء. وثالثها: أن يُلفّ بعجين ويخبز فى الفرن، وهذا النوع من الإحراق ليس يزيده قوة.

وأما غسله، فقد يكون كما يُغسل القليميا (3) وقد يكون كما يُغسل النحاس المحرَّق، وقد يكون كما يُغسل خَبَث الرصاص. وستعرف كيفية ذلك كله، فيما بعد.

__________

(1) :. كذلك.

(2) :. يخلوا.

(3) القليميا ثفلٌ يعلو الذهب أو الفضة أو النحاس عند سبكها، ومنه الصفائحي وهو ما يرسب (انظر: القانون في الطب 422/1) .

(1/178)

وأفضل الإثمد ما كان صفائحياً، سريع التفتُّت جداً، ولُفتاته (1) بريقٌ ظاهر (2) ، وكان خالصاً من الشوائب والأوساخ، أملس الباطن.

__________

(1) هـ: ولفاته، ن: ولغاته!

(2) ن: طاهر.

(1/179)

الفصل الثاني في طَبِيعَته وأَفْعَالِهِ على الإِطْلاَقِ

وإذ جوهرُ الإثْمِدِ جوهرٌ حجرىٌّ رصاصىٌّ، والجزء الرصاصىُّ منه كالمحترق لأجل كثرة كبريَّته - كما بيَّنَّاه - فلابد وأن يكون طبعه قريباً من طبع الرصاص المحرق. فلذلك، لابد وأن يكون أقل برداً من الرصاص وأن يكون مجفِّفاً يابساً خاصةً وما فيه من الأجزاء الحجرية تزيده يبوساً وتجفيفاً، لأن انعقاد هذه الأجزاء، إنما هو بالحرارة المجفِّفة. فلذلك، لابد وأن يكون الإثْمِدُ قليلَ البرد قوىَّ التجفيف. ويلزم ذلك، أن يكون قابضاً. وفيه مع ذلك، تغرية (1) .

وقِلَّةُ بردهِ، إنما هو لأجل الحرارة المحرقة، والعاقدة الحجرية. ولهذه (2) الحرارة، لابد وأن يكون فيه تحليلٌ وجلاء؛ ومع ذلك (3) التجفيف، يلزمه أن يكون فيه تنقية.

وظاهرٌ أنه لاغذائية فيه، فلذلك هو من الأدوية الصِّرفة. وإنما يستعمل من خارج، كما فى الرصاص المحرق وغير المحرق.

__________

(1) غير واضحة في المخطوطتين. والظاهر أن المقصود، أن الإثمد فيه غرائية ما، ولذا يلتصق بالأهداب عند الاكتحال به.

(2) :. هذه.

(3) :. وذلك مع.

(1/180)

الفصل الثالث في أَفْعَالِه في أَعْضَاءِ الرَّأْسِ

وإذ (1) الإثمد فيه جلاءٌ، وتحليلٌ، وتنقيةٌ، وتجفيفٌ قوى، وتغرية (2) . مع أنه غير شديد البرد، ولا له كيفيةً حادة أو لذَّاعة. فلذلك، هو شديدُ الموافقة للعين وأجزائها (3) . فلذلك، هو حافظٌ لصحتها، منقٍّ لفضولها. ويلزم ذلك أن يجلو (4) العين من الفضول المكدِّرة للروح الباصر.

فلذلك الإثمد يصفِّى أرواحَ العين. فلذلك يُحِدُّ البصر - لأجل تنقيته لفضول الأجفان - ويزيل (5) المانع عن نبات الأهداب (6) ، فلذلك هو يُنبت شعر الأجفان ولذلك يدخل فى الشيافات التى تُستعمل لعلاج العين.

وإذ هو مجففٌ منقٍّ، فلذلك هو - لامحالة - يزيل أوساخ قروح العين وينفعها. فلذلك، تتهيَّأ لنبات اللحم فيها، وتقوى (7) العين بتجفيف فضولها وتحليلها.

__________

(1) :. إذا.

(2) هـ: تغديه.

(3) :. وأجزاها.

(4) :. يجلوا.

(5) هـ: تزيد، ن: تزيل.

(6) :. الاهذاب.

(7) :. يقوي.

(1/181)

وكذلك (1) ، يقوِّى أعضاء العين، لأنه يزيل الرطوبات الفضلية المرخية لهذه الأعضاء، ولهذه (2) الأعصاب. وإذ هو مزيلٌ لفضول العين، فهو - لامحالة - مزيلٌ لما يحدث من الأوجاع والأوصاب فيها. فلذلك، هو يدفع الأوجاع والآفات عن العين.

ونفعُه لأعين المشايخ والعجائز أكثر، وذلك لأن أعين هؤلاء كثيرة الفضول جداً، لأجل كثرة الأبخرة والرطوبات الفضلية فيهم. ولذلك، هو يقوِّى الأعين التى ضعفت من الكبر، وينقِّيها، خاصةً إذا كان معه المسك يستدرك (3) برده بحرارة المسك. ومع ذلك، فإن المسك مقوٍّ لأرواح العين، ومَنْ اعتاد الاكتحال به، لم يجز له ترك ذلك (4) .

ونفعه لأعين النساء أكثر، لأجل كثرة فضول النساء. ومِن خاصَّته إذا كان معه دكساب (5) المسك، يستر برده (6) حرارة المسك؛ ومع ذلك، فإن المسك مقوٍّ لأرواح العين، مكثر الفضول فى عينيه (7) لفوات (8) ما كان يجفِّفها ويحلِّلها. ومَنْ لم (9) يعتد (10) الاكتحال به، فإنه إذا اكتحل به، فإنه يحدث له أولاً، أن

__________

(1) ولذلك.

(2) :. وهذه.

(3) هـ: يستدل رده.

(4) العبارة في هامش ن مسبوقة بكلمة: مطلب.

(5) هكذا وردت الكلمة في المخطوطتين، ولم نقع لها على معنى.

(6) :. يستدرده!

(7) الكلام هنا عن الذي اعتاد الاكتحال بالمسك.

(8) ن: لنوات.

(9) ن: من مسام!

(10) :. يقصد!

(1/182)

يكثر القِذَى (1) فى عينيه، وذلك لأجل انجذاب الفضول. ج (2) . لأجل مفاجأة (3) المجفِّف لما يكون فى العين من تلك الفضول، فيكون ما يخرج من العين، من الفضول، جذَّاباً لفضولٍ أخرى كثيرةٍ، لأجل استحالة الجلاء. ولذلك، كان (4) كثيراً ما يحدث (5) عند الاكتحال بالإثمد رَمَدٌ. وذلك لأجل انجذاب الفضول إليها.

ولأجل زيادة تجفيف الإثمدِ هو يُنبت اللحم فى قروح العين، ويملأ الحفْر الذى يكون فيها، ويُدمل قروحها، ويأكل اللحم الزائد فيها. وذلك لأنه إذا جفَّف الرطوبات الفضلية، صار الدم الواصل إلى موضع القرحة أو الحفر، سهل الانعقاد، فلذلك ينعقد (6) - بفعل الطبيعة - لحماً.

وأيضاً، فإن الإثمدَ لقوة تجفيفه، يزيل الدمعة، ويصفِّى العين من الألوان المكدِّرة للون الطبقة الملتحمة. وذلك لأجل تجفيفه الفضول المكدِّرة لها.

ولأجل ما فى الإثمدِ من التجفيف البالغ، والقَبْض؛ صار نافعاً جداً من الرُّعَاف الدماغى، يقطعه بقوة. وكذلك يقطع نزف الحيض، إذا تحمَّل به. وإذا استُعمل على ظاهر الرأس، قتل القمل ومنع تولُّده؛ وذلك لأجل تجفيفه المادة التى يتولَّد منها القمل.

__________

(1) هـ: القذا، ن: القدا.

(2) جالينوس.. ويبدو أن العلاء ينقل هنا من إحدى مقالات أو كتب جالينوس، أو هي يُحيل إليه أو يذكِّر نفسه بالعودة إليه ومراجعته بصدد هذه النقطة. والغريب أن تأتي الإشارة إلى جالينوس ح أو ديسقوريدس د في داخل العبارة، على غير الطريقة المعتادة في الإحالات أو ذكر المراجع أعنى أن تأتى الاشارة أولاً وبعدها نقطتان: ثم يرد النص أو العبارة المنقولة من المرجع.

(3) :. مفاجات.

(4) :. كان هذا.

(5) :. يحدث له.

(6) :. معقد.

(1/183)

الفصل الرابع في أَفْعَالِهِ في الأَمْرَاضِ التي لا اخْتِصَاصَ لها بعُضْوٍ عُضْو

إنَّك قد علمْتَ أنَّ الإثمد يجفِّف العين، ويجلوها من الأوساخ، وينقِّيها ويُنبت فيها اللحم؛ فهو كذلك يفعل فى جميع قروح الأعضاء. لكن قروح الأعضاء الأُخر، إذا كانت عتيقة، لم يكن للإثمد فيها فعلٌ ظاهر (1) . وذلك لأنَّا إذا قلنا إن الإثمد قليل التجفيف، فأنَّا نعنى بذلك: أنه كذلك بالنسبة إلى العين لأن العين عضوٌ رطبٌ، والقروح التى تحدث فيها، يكفى فى تدبيرها (2) ما يكون ضعيف التجفيف؛ ولا كذلك الأعضاء اليابسة، فإنها تحتاج فى علاج قروحها إلى ما يكون تجفيفه شديداً جداً، لتمكَّن بذلك من أن تقوى على رَدِّ (3) مزاج القُرحة إلى مزاج ذلك العضو، وهو المزاج اليابس.

فلذلك، كان الإثمد قوىَّ التجفيف بالنسبة إلى قروح العين، وهو ضعيف بالنسبة إلى قروح (4) باقى الأعضاء. فلذلك، إنما ينفع فى علاج قروح (5) باقى

__________

(1) ن: طاهر.

(2) يقصد، علاجها.

(3) :. برد.

(4) :. خرج.

(5) هـ.

(1/184)

الأعضاء، إذا كانت تلك القروح مبينة (1) ، أو كانت نقية. وكذلك (2) ، هو يلحم الجراحات (3) الطرية إذا حُشيت به، لكنه يُحدث بها لوناً كلونه.

ولقوة تجفيف الإثمد بالنسبة إلى قروح العين، هو يُذهب اللحم الزائد فيها ولايفعل ذلك فى غير هذه القروح، لأن ذلك إنما يكون بما تجفيفه قوى بالنسبة إلى تلك القروح.

وإذا (4) خُلط الإثمد ببعض الشحوم الطرية، ولُطخ به مواضع حرق النار، لم يعرض لها الخشكريشة وذلك لأجل ما فيه من التبريد والتجفيف الكافى فى ذلك، لأن هذا يكفى فيه ما تجفيفه ضعيف، لأن المواضع التى تلاقيها النارُ، لابد وأن يذهب كثيرٌ من رطوباتها؛ فلذلك يكفى فى تجفيفها، ما تجفيفه ضعيف.

وإذا خُلط الإثمد بالمُو (5) والإسفيداج (6) أدمل القروح العارضة عن حَرْق

__________

(1) هكذا في المخطوطتين، ولعل صوابها: هَيِّنة.

(2) هـ: ولذلك.

(3) مطموسة في ن.

(4) ن: مطلب، هـ: انظر.

(5) :. بالموأ.. والمو أصلُ نبات كان يكثر بمقدونيا، وعرف باليونانية باسم مينون وبهذا الاسم أورده ديسقوريدس في كتابه الحشائش (المقالة الأولى) وذكره جالينوس في المقالة السابعة وفسَّره ابن البيطار بأنه: المو، تامشاورت، البسبسة، كمون الجبل (تفسير كتاب دياسقوريدس ص 112) والاسم الأول هو الأشهر، يقول الشيخ الرئيس: هو قطاعٌ مختلفة الشكل، في لون غاريقون له غبارٌ يضرب إلى قبض ومرارة، وهو طيب الرائحة، يحذ اللسان (القانون في الطب 361/1) .

(6) هـ: الاسفيذاح، ن: الاسفيداج. وكلاهما مستعملٌ لتسمية هذه المادة، التي هي: رماد الرصاص والآنك، إذا شُدِّد عليه التحريق، واستفاد فضل لطافة.. وقد تتخذ من وجوه شتى (ابن سينا: القانون 258/1) ويقال: إسفيدباجة. لما مُلِّح من الطعام، فكان غذاءً صالحاً في أكثر الأصول والأوقات ولجميع الأعمار (الرازي: منافع الأغذية 164) وسوف يفرد العلاءُ ابن النفيس للإسفيداح، المقالة السادسة والعشرين من كتاب الالف (أول الجزء الثاني من تحقيقنا) .

(1/185)

النار، إذا كانت قد حدثت لها الخشكريشة. وقد ينفع الإثمد من قروح الذكر ونحوه من الأعضاء اليابسة، وذلك إذا كانت هذه القروح غير عتيقة، ولا كثيرة الوَضَرِ (1) .

__________

(1) الوضر: وسخ الدسم والدرن، يُقال وَضَرَ الإناءُ إذا اتَّسخ (لسان العرب 941/3) .

=======

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة العاشرة فىِ أَحْكَامِ الإجَّاص

وكلامُنا فيه، يشتمل على سبعة فصول.

(1/187)

الفصل الأول في مَاهِيَّتِه

المشهور بدمشق (1) من لفظ الإجَّاص هو الكمثرى، أما المسمى بالإجَّاص فهو يسمونه بالخوخ، ويسمون الخوخ دراقن. ولا نزاع فى الأسماء. وثمر الإجَّاص يختلف، فمنه أسودُ، ومنه أصفر، ومنه فِرْفيرى (2) ؛ والأبيض يُخصُّ باسم الشاهلوج والشاهلوك. وأيضاً، منه كِبارٌ، ومنه صِغارٌ جداً، ومنه متوسِّط.

والكِبارُ جداً يسمى الإجَّاص الشتوى والصغار جداً يسمى القراسيا ومن القراسيا صنفٌ مفرطح الشكل فِرفيرى اللون، يُسمَّى بدمشق القراسيا البعلبكى وإنما يتكوَّن بدمشق بالتطعيم (3) . وأما النوع الآخر، فهو مستديرٌ، أشدُّ حُمرةً من الأول، وأميل إلى السواد وأقوى حموضة، ويسمى بدمشق القراسيا المجهول لأنه يوجد بغير تطعيم (4) .

وأما الإجَّاص المتوسط القدر، فمنه مستدير (5) يُعرف فى دمشق وفى الأندلس بعيون البقر. ونوعٌ أصغر منه، يُعرف بدمشق بخوخ الدُّبِّ وبمصر

__________

(1) ن: لدمشق.

(2) الفِرْفيري: الأُرجواني. والفْرِفيرين: خضابٌ ينتج عن تحلُّل الهيموجلوبين المرضى (معجم المصطلحات العلمية والفنية، ص 499) .

(3) ن: بالتعطيم.

(4) ن تعطيم.

(5) :. منه مستديرة.

(1/189)

بالقراصيا. ومنه ما هو إلى طولٍ، ويسمَّى بدمشق الإجَّاص الصيفى وهذا منه أبيضٌ إلى صُفرةٍ، ومنه أسودٌ.

وثمر الإجَّاص كثير المائية جداً، فلذلك يحتاج أن تكون المائيةُ المنصرفة إليه كثيرةً جداً. وشجره لايمكن أن يكون مائياً، لأنه منتصبٌ؛ فلذلك، لابد وأن يكون متخلخلاً، ليسهل نفوذ المائية فى جرمه إلى الثمر.

فلذلك، هذا الشجر ليس بشديد الصلابة، فلذلك يعرض له الانكسار سريعاً. ولذلك، ورقُه وقُضبانه وخشبه وعروقه، كل ذلك أرضىٌّ، لأجل انصراف أكثر المائية النافذة إليه، إلى ثمره. ولأجل حاجته إلى كثرة المائية، إنما ينبت ويعظم فى الأراضى الندية، وعند مجارى المياه.

وفى (1) ثمره - مع المائية الكثيرة - يسيرٌ من الأرضية، وهى شديدةُ الممازجة إلى المائية. فلذلك، كان فى الثمر لزوجةٌ، ويعلو (2) الأسود منه شئٌ كالغبار وذلك مما يندفع من فضول الشجرة إلى ظاهرها عند النضج، من الأجزاء الأرضية. لأن هذه الثمرة، كان تكوُّنها واغتذاؤها (3) من الأجزاء التى الغالب عليها، لا جَرَم صارت (4) الأجزاءُ الأرضية اليابسة جداً، تندفع (5) عنها؛ وذلك بأن تتصعَّد بالحرارة المنضجة، فما يبقى منها فى ظاهر هذه الثمرة، يُحدث فيها كالغُبرة (6) .

__________

(1) :. في.

(2) :. يعلوا.

(3) هـ: اغتذاءها، ن: اغتذها.

(4) :. صارت إلى.

(5) :. يندفع.

(6) ن: العبرة! والغُبْرةُ لون الغبار، يقال أغبرَّ لونه، فهو أغبر (قاموس الألوان عند العرب، ص 179) .

(1/190)

والكبار جداً من الإجَّاص وهو المعروف بالشتوى، أكثر أرضيةً من الصيفى ولذلك فإن جِرْم الشتوى أصلب، وإذا جُفِّف، لم ينقص نقصاً مفرطاً. ولا كذلك الصيفى، فإنه كثير الجِرْم، وإن جُفِّف ذهب أكثر جرمه، حتى لايبقى على حَبِّه سوى جِرْم دقيق.

وأما الأصفر، فهو كثيرُ المائية جداً، حلوٌ. والكبار جداً - الشتوى - أفضل لأنه أكثرُ تغذيةً وأقلُّ إحداثاً للعفونة، وذلك لأجل اعتدال مائيته. وأفضلُه، ما كان رقيقَ القشر، ليِّناً.

(1/191)

الفصل الثاني في طَبْعِه وفِعْلِه على الإِطْلاَقِ

أما ثمرةُ الإجَّاص فلأنها كثيرة المائية، فهى لامحالة باردةٌ رطبةٌ، ولذلك يخلو (1) طعمها عن الكيفيات التابعة للحرارة (2) . ويختلف هذا الثمر فى الرطوبة لأجل اختلافه فى كثرةِ المائية وقِلَّتها، ولأجل طعمه؛ فما كان منه حامضاً، فهو أقل رطوبة، لأن الحموضة تحدث بالغليان، وهو يحلِّل كثيراً من المائية، ولذلك كان الحامض من الإجَّاص أقل إطلاقاً للبطن من الحلو (لأن الحلو) (3) أكثر مائية. وما يوجد (4) فى طعمه قبضٌ، كالقراسيا المعروفة فى دمشق بالقراسيا (5) المجهولة فهو أقل رطوبةً وأقبض.

وكذلك، جميع أجزاء هذه الشجرة باردٌ، وإلى يبوسة. وذلك لأجل غلبة الأرضية عليه، مع قِلَّة النارية. فلذلك (6) ، ليس يوجد فى شئٍ من أجزاء هذه الشجرة، شئٌ حريفٌ.

وأما صمغُ هذا الشجر، فهو حادٌّ قطَّاعٌ. وذلك لأجل كثرة النارية فيه لأجل اندفاعها من الغذاء المجذوب إلى هذا النبات. وإنما كان كذلك، لأن

__________

(1) :. يخلوا.

(2) الكيفيات الحارة، كالسخونة والحدة واللذع والحرافة.. وما إلى ذلك.

(3) ما بين القوسين ساقط من ن.

(4) ن: توجد.

(5) ن: القراشيا.

(6) ن: ولذلك.

(1/192)

مائية (1) الغذاء المنجَذِب إلى هذا النبات، لابد وأن تكون كثيرة - لأجل الثمرة - ولابد وأن يكون نفوذها إلى الثمرة سريعاً. وإنما يمكن ذلك، بأن يخالطها جزءٌ نارىٌّ منفذٌ. وإذا أخذ الثمرُ ذلك الجزء المائى، بقيت (2) النارية تحتاج إلى الانفصال، لأنها لاتصلح أيضاً لغذاء هذا الشجر؛ فلذلك، تخرج مع فضولها. وذلك لأجل كثرة النارية فيها، فلذلك، كان صمغُ هذا الشجر: حادّاً قطَّاعاً.

__________

(1) هـ: وإنما كان لأن مائية، ن: وإنما كان لا مائية.

(2) :. بقية.

(1/193)

الفصل الثالث في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الرَّأْسِ

إن ثمر الإجَّاص وإن كان كثير المائية، فإنه يقلُّ بَخْره؛ وذلك لأن ما فيه من اللزوجة، يمنع تصعُّد الأبخرة. فلذلك، ليس يحدث من أكله صداعٌ، بل كثيراً ما يسكِّن الصداع الحارَّ والخمارى (1) ونحو ذلك (2) . وشَرَابُهُ شديدُ التسكين للصداع الكائن فى الحميات الصفراوية، لأن هذا الصداع إنما يحدث من (3) الأبخرة الحارَّة. وهذا الشراب فيه من اللزوجة (4) ، ما يمنع تصعُّد الأبخرة إلى الرأس؛ وبما فيه من التبريد والترطيب، يعدِّل المزاج. فلذلك، يسكِّن هذا الصداعَ كثيراً.

وما كان من الإجَّاص فى طعمه قبضٌ ما، فإن تسكينه لهذا (5) الصداع أكثر؛ وذلك لأنه بقَبْضِه (6) ، يشتد منعه لتصعُّد الأبخرة. ولذا، ثمرُ الإجَّاص يفعل ما قلناه، فهو موافق جداً إذا استُعمل فى أمراض العين الحارَّة - كالرمص (7)

__________

(1) هو الصداعُ الناشىء عن تناول الخمر.. راجع بخصوصه: القانون في الطب 37/2 وما بعدها.

(2) هـ: انظر: افجاص يسكن الصداع.

(3) :. في.

(4) ن: فيه واللزوجة.

(5) هـ: بهذا، غير واضحة في ن.

(6) :. يقبضه.

(7) هـ: الرمس. والرمسُ - لغةً - طمس الأثر والدفن وهيل التراب! أما الرمص وهو المقصود هنا فهو: القِذى الذي تلفظ به العين أو يسيل منها، وهو الوسخ يجتمع في الموق (لسان العرب 1223/1،1224) .

(1/194)

الصفراوى ونحوه - فإن الذى ليس كذلك، قد يضرُّ الرمد بما يتبخَّر منه. فلذلك التنفُّل بالقراسيا شديدُ النفع فى الرمد الصفراوى.

وعصارةُ هذا النبات، وطبيخُ قُضبانه وأصوله، كل ذلك نافعٌ لأورام الحلْق يمنع النوازل إلى اللهاة واللوزتين، ويشدُّ اللَّثَة. وذلك إذا تُمِضْمِضَ به، وذلك لما فى هذه الأجزاء من القبض، لأجل كثرة الأرضية فيها. وكذلك، جميع أوراق الأشجار التى فيها قبضٌ.

والاكتحال بصمغ الإجَّاص يحدُّ البصر، وذلك لما فيه من التلطيف الملطِّف للروح الذى فى العين. وكذلك، هذا الصمغ يُدمل قروح العين، وذلك لما فيه من (1) الغروية (2) والتجفيف، لكنه - لحِدَّته (3) - إنما يُستعمل إذا كان معه (4) ما يسكِّن حِدَّته كالإسفيذاج والكُثيراء (5) ، ونحو ذلك.

__________

(1) -:. .

(2) هـ: العروبة، ن: العزوبه.

(3) :. بحدته.

(4) -:. .

(5) الكثيراء شجرةٌ خشبية يظهر منها شىءٌ يخرج منه أغصانٌ تنتشر على وجه الأرض، لها وَرَقٌ صغار وشوك مستتر بالورق. والكثيراء، هي الرطوبة التي تظهر على أصل هذه الشجرة، إذا ما قُطع منها موضع (المعتمد ص 413) .

(1/195)

الفصل الرابع في فِعْلِه في أَعْضاءِ الصَّدْرِ

إنَّ ثمر الإجَّاص شديد التطئفة للهيب القلب (1) ، ولذلك هو شديدُ النفع لمن قلبه حارٌّ، ولذلك فإنَّ شرابه من أوفق الأشربة للمحمومين بالحمِّيات الحادة خاصةٌ الصفراوية. وشرابه لايكاد يضرُّ أصحاب السعال من المحمومين، إذا لم يكن سعالهم عن ذات الجنْبِ (2) وذلك لأجل قِلَّة حموضته، مع أن حموضته لا لذع (3) معها ولا قبض.

ولذلك، يُختار لأصحاب السعال من المحمومين، شراب الإجَّاص الكبار دون شراب القراسيا وذلك، لأجل القبض الذى فى شراب القراسيا. وأما

__________

(1) التهاب القلب هو غلبةُ الحرارة والخفقان عليه. يقول الشيخ الرئيس: قوة النبض تدل على حرارة القلب.. والعرض من الحرارة يدل على شدة الالتهاب وضجر النفس، وربما أدى إلى آفة في النفس.. والأحوال التي تُحَسُّ في القلب، مثل التهاب يعرض فيه، ومثل خفقان يُحَسُّ منه، فإن بعضها يدلُّ بانفراده على مزاجه - مثل الإلتهاب - وبعضها لا يدل إلا بقرينة مثل الخفان (القانون في الطب 263/2)

(2) ذات الجنب: داءٌ اشتُق اسمه من الجنبة وهي الغشاء المجِّلل للرئة. ويُعرف هذا الداء، أيضاً باسم البرسام وهو عبارة عن التهاب في هذا الغشاء المحيط بالرئة. ويُقال للمصاب به: مجنوب. وأهل اللغة يُسمُّون هذا الداء: الدُّبيلة (انظر: لسان العرب 509/1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية ص 132) .

(3) :. لاذع.

(1/196)

أصحاب ذات الجنب، فإن شُرْبهم (1) الإجَّاص يضرُّهم (2) بما فيه من اللزوجة فإن هذه اللزوجة تغلِّظ النفث، فلا يسهل خروجه.

وإذا احتيج فى أمراض الصدر وأوجاعه، إلى تناول حامض؛ فلا شئ كالإجَّاص وشرابه، لخلوهما عن الحِدَّة والقَبْض.

__________

(1) :. شرابهم.

(2) :. يمدهم.

(1/197)

الفصل الخامس في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الغِذَاءِ

إن الإجَّاص قليل الغذاء، وذلك لأن رطوبته مائيةٌ لايسهُل انعقادُها إلى جوهر الأعضاء. وما كان منه أكثر (1) أرضية، كالإجَّاص الكبار؛ فهو أكثر تغذيةٌ من الإجَّاص المائى المعروف بالصيفى، والأبيض المسمَّى بالشاهلوج. لأن هذا النوع كثيرُ المائية جداً.

ولايخلو (2) الإجَّاص من إرخاءِ المعدة، وما كان منه أكثر مائيةً - كالحلو والشاهلوج والصيفى - فهو أكثر إرخاءً للمعدة. وما كان منه أقبض طعماً كالقراسيا المعروفة بالمجهولة؛ ففيها تقويةٌ للمعدة، وتمنع (3) القئ الصفراوى (4) وذلك بما فيها من القبض، وكذلك شرابها. ولذلك يؤمر المحمومون بالتنفُّل (5) بها، مع السُّكَّر. والإكثار من القراسيا المعروفة بالبعلبكية، تُحدث الغثيان لأجل حلاوتها.

وأصحاب المعدة الحارَّة، لايتضرَّرون بالإجَّاص، بل ينتفعون به جداً لتعديله مزاج المعدة، وتسكينه المرة الصفراء المتولِّدة بسبب حرارة المعدة. اللهمَّ

__________

(1) :. واكثر.

(2) :. يخلوا.

(3) :. يمنع.

(4) هـ: انظر: القراسيا تمنع القىء الصفراوي.

(5) :. بالتنقل.

(1/198)

إلا أن تكون (1) معدهم - مع حرارتها - ضعيفةً كثيرةَ الرطوبة (2) . ولا يحتاجون كثيراً إلى تناول السِّكَنْجَين (3) بعد تناول الإجَّاص.

وأما الذين معدهم باردةٌ (4) ، فهم يتضرَّرون بكثرة تناول الإجَّاص وينبغى أن يردفوه بأكل العسل وشُرْب مائه (5) ، وشُرْب الشراب الصِّرْف، وأكل الجلَنْجَبين (6) السُّكَّرى أو العسلى، بحسب قوة برد المعدة وضعفه. وقد يحتاجون مع ذلك إلى مثل الكُنْدُر (7) أو المصطكى (8) ونحو ذلك، مما ينفع بلَّة المعدة.

والحامضُ من الإجَّاص أقل إرخاء (9) للمعدة، لأنه أقل مائيةً، لأجل تحلُّل

__________

(1) :. يكون.

(2) :. الرطوبة فيها.

(3) السكنجبين دواءٌ مشهور في العصور القديمة. والكلمة فارسية معربة، أصلها سركا - انكبين أى خل - عسل.. لأن هذا الدواء مزيج من الخل والعسل، يُضاف إليهما مواد طيبة ثم أُطلقت الكلمة على كل شراب مركب من حلوٍ وحامض (معجم الألفاظ الفارسية المعربة، للسيد أدى شير ص 92 - الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطِّيب، لابن العديم، ص 825) .

(4) هـ: بارة.

(5) :. مآه.

(6) الجلنجبين معجونٌ يُعمل من الورد والعسل. والكلمة في أصلها فارسية، مكونة من مقطعين كَل - انكّبين أى: ورد، عسل.

(7) الكندر اللبان أو العِلْكة. وهو شجرٌ ينمو قدر ذراعين، له ورق وثمر كورق الآس وثمره مرُّ الطعم. يعقر بالفأس، فيظهر في موضع العقر الكندر - اللبان - وأجوده الذكر، وهو الأبيض الصلب الذي لا ينكسر سريعاً، وإذا انكسر كان ما بداخله يلزق (المعتمد في الأدوية ص 434) .

(8) المصطكى، المصطكا، المستكا كلها بمعنى واحد، ويُقال له أيضاً: عِلْك الروم. وأصله شجرة، المصطكى صمغُها؛ وأجوده ما كان يبرق وكان لونه أحمر مشرقاً (المعتمد ص 500) .

(9) هـ: ارجاء.

(1/199)

كثير من مائيته بالغليان المحدث للحموضة. والإجَّاصُ الفَجُّ وهو الذى أخذ فى النضج، شديدُ القمع (1) للصفراء، موافقٌ للمعدة الحارة؛ وذلك لأجل برده، مع القَبْض الذى يكون فيه لأجل فَجَاجَة مائيته وجمودها (2) . وأما الذى لم يأخذ بعدُ فى النضج، فهو كثير التقوية للمعدة الحارة، ويمنع القئ الصفراوى جداً؛ وذلك لأن هذا يكون بعدُ إلى عفونةٍ، فيكون جَمَّاعاً لأجزاء المعدة، فيكون مقوِّياً لجرمها.

والطعام المتَّخذُ من اللحم والإجَّاص النضيج فهو مع نَفْعه للمحرورين لايخلو (3) من إرخاءٍ للمعدة. لكنه لا ينفخ، بخلاف المتَّخذ من الإجَّاص الفَجِّ.

وينبغى أن يكون أكل الإجَّاص قبل الطعام، فإن المأكول بعد الطعام يَفْسد ويُفْسد الطعام، وذلك لأجل مائيته. وإذا أكل الشيخُ الإجَّاصَ فلْيردفه بالعسل وذلك نافعٌ للمشايخ لأجل يُبْسه لبطونهم.

وانهضامُ الإجَّاص عَسِرٌ، لأجل لزوجته. وغذاؤه (4) قليلٌ، لأجل مائيته.

__________

(1) :. القمح!

(2) هـ: وخمودها.

(3) :. يخلوا.

(4) :. غذاه.

(1/200)

الفصل السادس في فِعْلِه في أَعْضَاءِ النَّفْضِ

ِ

لماَّ كان الإجَّاصُ النضيجُ الرطبُ كثيرَ المائية، وإلى لزوجةٍ؛ فهو لامحالة يليِّن البطن بمائيته (1) ، ويُزْلِقُ بلزوجته. خاصةً الحلو منه، فإنه أكثر مائية - كما قلناه - وبذلك يُسهل الصفراء، لأن البلغم للزوجته، لا ينزلق (2) بالإجَّاص بخلاف الصفراء. وأما السوداء، فقد تقبل الانزلاق بالإجَّاص ولكن أقل من الصفراء، لأجل عُسِرْ انفعالها، بسبب غِلَظِها.

والذى فى طعمه (3) قبضٌ، فإن إسهاله أقل. وأما إذا كان الإجَّاص فَجّاً فهو لامحالة قابضٌ، فلذلك لا يُسهْل (4) . بل ربما عَقَلَ البطن.

وأما الإجَّاصُ البرىُّ فعاقلٌ للبطن، لأجل قلة مائيته، وهو شديدُ الحموضة. وأما الإجَّاصُ اليابسُ فلا يُسهل (5) أيضاً، وذلك إذا أُكل بحاله؛ وأما إذا نُقع أو طُبخ، فإنه يُسهل. وكذلك مرقته.

وشراب الإجَّاص إنما يتَّخذُ من النضيج، فلذلك هو ملينُ البطن، مُزْلقٌ مُسَهِّلٌ للصفراء. وإذا أُكثر (6) من أكل الإجَّاص أرخى المعدة، وبلَّها، وكثَّر

__________

(1) :. مايته.

(2) :. يلزق.

(3) ن: طبعه.

(4) :. فلذلك يسهل!

(5) - ن.

(6) ن: كثر.

(1/201)

الرطوبات فيها، وكَثُرَ الإسهال عنه، وكثيراً ما يُحدث قيام الأغراس (1) - وذلك إذا كان حامضاً - ويولِّد الرياح والنفخ.

وليس يظهر فى الإجَّاص ولا فى شرابه تفتيحٌ كثيرٌ، ولا إدرارُه البول. وقد قال بعضهم إنه يُدِرُّ الطمث، وذلك إذا شُربت (2) سُلاقته - وإن استُبعد ذلك! - وصمغُه يفتِّت حصاة الكلى والمثانة، وذلك لما فيه من التقطيع والحدة. ومع ذلك، بدسومته، يغرِّى؛ فلا يحدث من الحصاة المفتتة، سَحْجٌ فى المجارى، ونحو ذلك. فلذلك، هو شديدُ الموافقة للحصاة التى تكون فى الكلى والمثانة.

__________

(1) :. الأعراس! والأغراس بحسب تعريفهم العلاء ابن النفيس، هي: اللزوجة التي على سطح الإمعاء الداخل (الموجز في الطب، ص 233) .

(2) :. شرب.

(1/202)

الفصل السابع في فِعْلِه في الأَمْرَاضِ التي لا اخْتِصَاص لها بعُضْوٍ عُضْوٍ

إن الإجَّاصَ لأجل برده، ورطوبته، وقمعه للصفراء، وإطلاقه للبطن وتسكينه للصداع الحارِّ والبخارىِّ (1) ؛ هو شديد النفع للحميات الحادة فى الحال لكنه بما فيه من المائية، قد يُعِدُّ الأخلاط للعفونة، فيولِّد الحميات.

وأما شرابُ الإجَّاص وطبيخهُ وماءُ نقيعه، فإنَّ نَفْعَ ذلك للحميات الحادة عظيمٌ. ومع ذلك، فإنه لا يُخشى منه ما يُخشى من الإجَّاصِ الرطب من التهيئة للحميات. ومع ذلك، فإنه يسكِّن اللهيب والكرب، وينفع كثيراً من الحكَّة والجرَبِ، وذلك لإخراجه المِرَّة، وكسره (2) لتأديتها، مع تبريده (3) وترطيبه.

وصمغُ الإجَّاص شديدُ النفع للقوباء، وذلك لأجل تحليله وتقطيعه الدسومة واللين اللذين (4) فيه، خاصةً إذا كان معه (5) سُكَّرٌ أو عَسَلٌ. والعسلُ أولى لزيادة جلائه وقوة تحليله.

__________

(1) الكلمة في هامش هـ كتعقيبة للورقة التالية، والورقة ساقطة.

(2) غير واضحة في ن.

(3) ن: تبريد.

(4) الإشارة هنا للتحليل والتقطيع، وليس للدسومة واللين.

(5) - ن.

(1/203)

المقالة الحادية عشر فىِ أَحْكَامِ الإذْخِرِ

وكلامُنا فيه، يشتمل على ثمانية فصول.

(1/205)

الفصل الأول في مَاهِيَّةِ الإِذْخِرِ

إنّ الدواء المسمَّى بالإذخر، من أسماء اليونانية: سحرليس (1) . والأَسَلُ اسمه باليونانية: سحرليس الآجامى (2) . فقد اشترك الإذْخِر والأَسَلُ فى لفظة سحرليس ثم إن المفسرين فسَّروا سحرليس بالإذْخر، فلذلك صار الأَسَلُ يُقال له الإذْخر الآجامى (3) ! فذلك، لفظ الإذْخر يقال على هذين النوعين، باشتراك الاسم بالاشتراك المعنوى، حتى يكون لفظ الإذْخر يُقال عليهما بالتوالى.

وجوهرُ الإذخر مركَّبٌ من جوهر أرضىٍّ باردٍ قابض (4) ، ومن جوهرٍ نارىٍّ

__________

(1) هكذا رُسمت الكلمة في ن، ولعل صوابها: سخرُليس. ومع ذلك، فإن الاسم اليوناني للإذخر، بحسب ماجاء في كتاب الحشائش لديسقوريدس: سخيُّنُوس Skoinos أو سخينوس وقد فسَّره ابن البيطار بأنه: الإذخر المعروف عند أهل المغرب باسم تبن مكة (تفسير كتاب دياسقوريدس، ص 115) .

(2) هكذا وردت الكلمة في ن.. والأَسَلُ في لفظه اليوناني الوارد عند ديسقوريدس: سخونس ليَّا أو: سخونس لسا.. وفسره ابن البيطار بقوله: هو السَّمارُ بأنواعه، وعامة بلادنا تُسِّميه بالدِّيس، وهو الأَسَلُ (تفسير كتاب دياسقوريديس، ص 289) ويقول داود: الأسل هو السمار وعندنا يسمى البوط، وبالشام البابير، وباليونانية: سجيلوس. معناه: المحلل (تذكرة أولى الألباب 43/1) .

(3) يقول ابن سينا: الإذخر، منه أعرابيٌّ طيبُ الرائحة، ومنه آجامي (القانون 247/1) وفي تذكرة داود: الإذخر.. يُقال إن منه آجامي، وأنكره البعض؛ وهو الظاهر (تذكرة أولى الألباب 39/1) .

(4) ن: هويته قابض.

(1/207)

قليلِ الهوائية لذَّاعٍ للَّسان (1) . وفيه هوائيةٌ كثيرة، ولذلك هو خفيفٌ. والمائية فيه قليلةٌ جداً، ولذلك ليس له عصارةٌ يُعتد بها؛ ولذلك فإن نباته أكثره إنما هو فى المواضع الحارة، كأرض الحجاز ونحوها (2) . تمتد كثيراً، وهى ذات فروع (3) لونها أبيض. وقضبانه رقاق وردى. وإذا أُيْبِسَ، ابيضَّ، لذهاب المائية منه فلذلك يزداد (4) يبوسة.

وهو قابضٌ، مبرِّدٌ بما فيه من الأرضية الباردة، محلِّلٌ مفتِّحٌ مليِّنٌ بما فيه من النارية اليسيرة. وهو شديدُ الشبه بالحلْفاء. وإذا حصل فى موضعٍ من الأرض كَثُرَ فيها جداً. وهو أقصر من الحلفاء وذلك لأجل زيادة يبوسته على يبوسة الحلفاء.

وأفضله العربىُّ، خاصةً الحجازىُّ ويسمَّى الحرَمى خاصةً الضاربُ منه إلى الحمرة، والزكُّى الرائحة، لأن ما يكون (..) (5) وأَنْسبُ لجوهر (6) الروح لأجل

__________

(1) ن: قليل هوائية لداع اللسان.

(2) لاحظ هنا ما ذكرناه في هامشٍ سابق، من أن الإذخر يسمَّى عند أهل المغرب تبن مكة. وقد ذكر داود الأنطاكي أن الإذخر يُعرف عند أهل مصر باسم حلفاء مكة. وسوف يشير العلاء ابن النفيس بعد قليل، إلى أن الإذْخر شديد الشبه بالحلفاء.

(3) ما بين الكلمات بياضٌ في ن والعبارة مضطربة - وورقة هـ ساقطة - وكلمة (فروع) كتبها ناسخ ن: عر! وقد ورد وصف نبات الإذْخر في تذكرة داود، كما يلي: نباتٌ غليظ الأصل، كثير الفروع، دقيق الورق إلى حمرةٍ وصُفرةٍ وحِدَّةٍ، ثقيل الرائحة عطري، يُدرك بتموز - أعنى أبيب - وأجودة الحديث الأصفر المأخوذ من الحجاز، ثم مصر، والعراقي ردىْ (تذكرة أولى الألباب 39/1) .

(4) ن: يزدار!

(5) بياضٌ في ن.

(6) ن: بجوهر.

(1/208)

زيادة العطرية. وإذا كان أكثر لذعاً للِّسان، فهو أفضل؛ لأن هذا تكون (1) ناريته - بعدُ - لم تتحلَّل.

__________

(1) ن: يكون.

(1/209)

الفصل الثاني في طَبْعِه وفِعْلِه على الإِطْلاَقِ

لماَّ كان جوهر هذا النبات، أكثره من أرضيةٍ وناريةٍ وهوائيةٍ، وكانت المائية فيه قليلة، فلابد وأن يكون حارّاً يابساً. أما حرارته، فلأن برد الأرضية ضعيفٌ لا يقاوم حرارة النارية والهوائية. وأما يبوسته، فلأن رطوبة الهوائية لا تأثير لها فى البدن، ومائيته قليلةٌ لا تتدارك تيبُّس الأرضية والنارية.

فلذلك، يجب أن يكون هذا الدواء، حارّاً يابساً. والأرضيةُ الناريةُ، من شأنها جمع أجزاء الأعضاء، وذلك لأن البرد واليبوسة - كليهما - جَمَّاعان (1) للأجزاء. فلذلك، هذا الجزءُ الأرضىُّ الذى (2) فى الإِذْخر قابضٌ، وما فيه من النارية، فإن من شأنه التحليل والجلاء والتفتيح والإنضاج والتيبُّس والتلطيف. فلذلك الإذْخر من شأنه ذلك كله.

وجوهره لطيفٌ، فلذلك يكون تأثيره سريعاً نافذاً، وامتزاجُ أجزائه (3) عويص (4) ، فلذلك يُتمكَّن بحرارةٍ ما (5) ، من التفريق بينها، حتى يفعل جزءٌ منها ما تفعل (6) الأجزاء ضده؛ فلذلك يصدر عنه: القبضُ والتفتيح (7) ، ولذلك يحبس النزف ويفتح أفواه العروق! وذلك لأنه يحبس

__________

(1) ن: جماعات.

(2) ن: التي.

(3) ن: اجزاه.

(4) غير واضحة في ن.

(5) ن: بحرارتها.

(6) ن: اتفعل!

(7) يقصد: يصدر عنه فعلان متضادان.

(1/210)

النزف الدموى، بما فيه من الأرضية القابضة. ويفتح أفواه العروق، بما فيه من الجزء النارى.

وإذا كان نزفُ الدم، من استرخاء العروق وضعفها، فإن حَبْسه لها شديد لأنه - مع (1) قبضه - مقوِّ للأعضاء بما فيه من القبض والعطرية. والقبضُ فى أصوله أكثر، لأن حدوث الزهر - كما بيَّنَّاه - إنما هو من الأجزاء المتبخِّرة، وهذه الأجزاء لابد وأن تكون الأرضية فيها قليلة، فلذلك تكون النارية والهوائية فيها أكثر فلذلك، يكون هذا الفُقَّاح (2) ألطف كثيراً من الأصول، وتكون الأصول أكثر تجفيفاً. وفى جميع أجزائه (3) إنضاجٌ، لكن إنضاجَ الأصول أقلُّ، لأجل كثرة أرضيتها.

__________

(1) تنتهى هنا الورقة الساقطة من هـ.

(2) الفُقَّاحُ لغةً: التفتُّحُ. وهو اصطلاحاً: عشبةٌ تشبه الأُقحوان في النبات والمنبت، الواحدة: فُقَّاحة.. والمراد هنا تحديداً، ما ذكره ابن منظور من أن: الفُقَّاح نورُ الإذخر، وهو من العطر وقد يُجعل في الدواء، يُقال له فُقَّاح الإذخر وهو من الحشيش، وقال الأزهري: هو نورُ الإذخر إذا تفتَّح برعومه. وكل نور تفتَّح، فقد تفقَّح (لسان العرب 1115/2) .

(3) :. أجزاه.

(1/211)

الفصل الثالث في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الرَّأْسِ

اشتمام فُقَّاح الإذخر ينقِّى الرأس للطافته (تنفذ رائحته إلى داخل الرأس كثيراً، فيجلو ما (1) يكون فيه من الفضول. وأما باقى أجزائه (2)) (3)) فإن اشتمامه يُثقل (4) الرأس، لا من رائحته، إنما لأنه (5) ينفذ منها إلى الدماغ قَدْرٌ يسير وحرارته قاصرةٌ فلا تقوى على تحليل الفضول، بل على تنكيلها، فتدمى (6) الأعصاب المقلَّة للرأس، فيُحَسُّ ثقيلاً.

ولذلك، كان اشتمام هذه الأجزاء - جميعاً - يُنوِّم، وذلك لأجل تسييلها لرطوبات الدماغ. ويجوز أن يكون اشتمام الفُقَّاح لايفعل ذلك، بل يُسهِّر! لأجل تحليله الرطوبات.

وقد قيل: إن اشتمام الإذخر يخدِّر، وسبب ذلك ما قلناه. وهو يسيِّل رطوبات الدماغ، ويلزم ذلك ارتخاء الأعصاب التى بها الحِسُّ، وكذلك (7) - إذا

__________

(1) :. فيجليها.

(2) :. اجزاه.

(3) ما بين القوسين في هامش ن.

(4) ن: فيثقل.

(5) -:. .

(6) :. تدمى.

(7) :. وذلك.

(1/212)

كان ضعيفاً - أحدث الخدَرَ. وجميع أجزاء الإذخر تشدُّ الضمور (1) ، وذلك لما فيه من التجفيف، وتحليل الرطوبات الفضلية، والقَبْضِ القوى؛ ولذلك، يُطيِّب النكهة.

وقد يُغسل الوجه بطبيخه، لأوجاع العين وضعفها وتحليل فضولها. وكذلك، يُتَمَضْمَضُ بطبيخه، لأوجاع الأسنان (2) .

__________

(1) :. يشد العمور.

(2) الفقرة بكاملها في هامش هـ، بالقلم المغربي، مسبوقة بكلمة: انظر.

(1/213)

الفصل الرابع في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الصَّدْرِ

جميع أجزاء الإذْخر نافعةٌ للرئة، مسكنِّةُ لأوجاعها، مقوِّيةٌ (1) لها، مفتِّحةٌ لسُدَدها. وذلك لأن هذا الدواء، مع أنه عَطِرٌ مفتحٌ قابضٌ مقوٍّ؛ فإن جوهره لطيفٌ، فيسهل نفوذه إلى الرئة. إما من جهة الحجاب الحاجب بين المرئ وقصبة الرئة، لأجل (2) لطافة هذا الدواء. وإما من جهة القلب؛ فإن هذا الدواء - لعطريته - يكثر ما ينفذ منه إلى القلب، ومن هناك ينفذ إلى الرئة. والفُقَّاحُ أولى بذلك، لأجل (3) زيادة لطافته وكثرة عطريته.

وكذلك، جميع أجزاء الإذْخر حابسةٌ لنفث الدم، بما فيها من القَبْض. وكان ينبغى أن يكون فعل الأصول لذلك أكثر، لأنها أكثر قبْضاً لأجل زيادة أرضيتها؛ وأن يكون فعل الفُقَّاح لذلك أقل، لأن هذا الفُقَّاح أكثر ناريةً (4) وتفتيحاً. لكن الواقع بخلاف ذلك، وذلك لأن هذا الفُقَّاح - لأجل شدة لطافته - يصل إلى داخل الرئة، فيكون فعله فى حَبْس نفث الدم أكثر وإن كان أضعف قبضاً. وأما الأصول، فإنها وإن كانت أقوى قبضاً، فإن وصولها إلى داخل الرئة

__________

(1) :. مقوه.

(2) :. فلأجل.

(3) :. لأن هذا الفقاح لأجل!

(4) ن: زيادة.

(1/214)

يقلُّ ويتأخَّر، إلى أن تضعف قوتها، فلذلك يكون تأثيرها فى هذا الحبس أضعف.

ويظهر لى، والله أعلم؛ أن الإذْخر من الأدوية المقوِّية للقلب، وإن كنتُ لم أمتحن ذلك بالتجربة.

(1/215)

الفصل الخامس في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الغِذَاءِ

لما كان جوهرُ الإذْخر من أرضيةٍ، وناريةٍ، وهوائية؛ وجميع هذه منافيةٌ للغذاء. فلذلك (1) الإذخرُ من الأدوية الصِّرْفة. ولما جمع بين القبض والتحليل والتقوية والتنقية، فهو لامحالة شديدُ النفع للأحشاء، وبخاصةٍ للمعدة والكبد كيف لا (2) وإنه - مع هذه الأفعال (3) - مفتِّحٌ. ومع ذلك، فإنه عَطِرٌ.

وتقويته لفمِّ المعدة كثيرةٌ، وذلك لأجل عِطريته. وفُقَّاحه أكثر تقويةً بالعطرية، وأصوله أكثر تقويةً بزيادة القبض، فلذلك تقويةُ فُقَّاحه لفم المعدة أكثر لأن فم المعدة لكثرة أرواحه، تشتد حاجته إلى العطرية. وأما قلب (4) المعدة فتقويةُ الأصول له أكثر، لأجل زيادة قَبْضها.

وهو ينفع جميع الأورام، لما فيه من القبض المانع من نفوذ الفضول إلى العضو مع التحليل المخرج لما حصل فيه من تلك الفضول. ونفعه لأورام الأحشاء لأجل عطريته المقوِّية للأحشاء؛ ونفعه لأورام الكبد أكثر، لأجل لطافة جِرْمه فيفعل فى هذه الأعضاء من حاجةٍ إلى عملٍ كثيرٍ، لأجل تصغير أجزائه (5) . ونفعه

__________

(1) :. ولذلك.

(2) -:. .

(3) يقصد: القبض والتحليل والتقوية والتنقية.

(4) هـ: ان قل! غير واضحة في ن.

(5) هـ: اجزاه، ن: اجزاءه.

(1/216)

من أورام الكبد أكثر، لأنه مع الأفعال التى ذكرنا، فيه تفتيحٌ وإنضاجٌ وتليينٌ وهذه كلها مما يُحتاج إليها كثيراً فى أورامه (1) .

وهو يسكِّن أوجاع الأحشاء والمغص والقولنج (2) ، ويحلِّل الرياح المحتبسة فى البطن وغيرها. وذلك لأجل حرارته، مع لطافة جوهره؛ فيتمكَّن لأجل لطافته من النفوذ إلى حيث يفعل، بسرعة.

وإذا كان بوزنه فلفل كان تسكينه لأوجاع المعدة شديداً. وذلك لأجل تقوية الفلفل - لحرارته - لتحليل الإذْخر.

وأصوله تسكِّن الغثيان، بما فيها من القبض القوى، وكذلك ما فى أجزائه (3) ؛ لكن الأصول فى ذلك أكثر، لأجل زيادة أرضيتها القابضة. وجميع أجزائه تشهِّى الطعام، وذلك لأجل تقويته لفم المعدة، مع القبض المكثِّف له والعطرية المقوِّية لأرواحه؛ ومن جملة تلك (4) الأرواح، الروحُ الحسَّاس.

ودهنه يُستعمل على فم المعدة، لتقويته له. وأفضل ذلك، أن يكون مع المصطكى والسُّنُبل وقد يستعمل على الأمعاء، لتسكين المغص، وتسكين وجع القولنج ونحوه.

__________

(1) :. من أورام! والمقصود: أورام الكبد.

(2) العبارة بالقلم المغربي في هامش هـ مسبوقة بكلمة انظر.

(3) :. اجزاه.

(4) :. وذلك.

(1/217)

الفصل السادس في فِعْلِه في أَعْضَاءِ النَّفْضِ

لما كان الإذخر قابضاً، مقوِّياً، محلِّلا، منضجاً؛ فهو لا محالة نافعٌ لأورام المقعدة وتسكين أوجاعها (1) ، نطولاً بماء طبيخه، وتضميداً بجرمه، وادِّهاناً بدهنه وفُقَّاحه؛ وذلك (2) أولى، لأجل لطافته التى بها يتمكَّن من النفوذ فى مسام المقعدة بسرعة، فيصل إلى حيث يؤثِّر.

والإذخرُ يعقل البطن، بما فيه من القبض، مع تقوية الهضم وتجويده وتقوية الأعضاء الهاضمة. وفُقَّاحه يسكِّن أوجاع الكلَى، وكذلك جميع أجزائه لكن الفُقَّاح أكثر، لأنه لأجل لطافته يتمكَّن من النفوذ فى جوهر الكلى مع كثافته. وهو يقطع نزف الدم الكائن من الكلَى، والكائن من الحيض؛ وذلك لأجل ما فيه من القبض والتقوية، وفيه تفتيتٌ للحصاة وذلك لما فيه من النارية النفَّاذة القَطَّاعة، خاصةً وما فيه من القبض والتقوية، يقوِّى العضو الذى فيه الحصاة، فلا يعرض له - بسبب الوجع - ضعفٌ يعدُّه (3) للتورُّم. ولذلك، قد يُستعمل مع الأدوية المفتِّتة (4) للحصاة، لا لأجل تفتيته. بل للتقوية المذكورة.

وهو يسكِّن أوجاع الأرحام، لإنزال (..) (5) من الأعضاء العصبية الباردة

__________

(1) هـ: انظر، هذا نافع لأورام المقعدة.

(2) :. بذلك.

(3) :. معدة.

(4) :. المفتة.

(5) بياضٌ في المخطوطتين، وأظن الكلمة الساقطة هي: الرطوبات.

(1/218)

وهو يفعل ذلك إذا نُطلت به الأرحام من خارج، وإذا ضُمِّدت به، وإذا بُخِّرت به، وإذا حُقنت بطبيخه، واحتملت منه فَرْزَجَة (1) .

وكذلك، ينفع من أورام الرحم، لما قلناه فى أورام الأحشاء. وإذا شرب طبيخه، أَدَرَّ البول والطمث، وذلك لقوة تفتيحه. وإذا طُبخ فى الخمر وشُرب، كان إدراره شديداً.

وهو يسخِّن المثانة الباردة، إذا كُمِّدت به، وكذلك التكميدُ به يُدِرُّ الطمث. وإذا أفرط الطمث (2) ، قطعه. ويحلِّل الأوجاع الحادثة للنساء عند قرب مجئ الحيض، لما فيه من التفتيح. وإذا أُخذ من أصله مثقالٌ، وخُلط بالفلفل؛ كان نافعاً للاستسقاء (3) ، وذلك لأجل إدراره وتفتيحه وتحليله، ولتقويته الكبد ونحوها من الأعضاء الهاضمة.

__________

(1) هكذا وردت الكلمة في المخطوطتين. وأظنُّ أنها تعنى: القطعة الكبيرة، وأنها مشتقةٌ من كلمة فَرْز الفارسية، وتعنى: الكبير (راجع: معجم الألفاظ الفارسية المعربة، ص 118) .

(2) هـ: انظر، ن: مطلب.

(3) ن: مطلب.

(1/219)

الفصل السابع في فِعْلِه في الأَمْرَاضِ (1) التي لا اخِتْصَاصَ لها بعُضوٍ عُضو

إنك قد علمْتَ أنَّ هذا الدواء فيه قبضٌ وتحليلٌ، فلذلك هو يقوِّى الأعضاء ويحلِّل الفضول. فلذلك، هو مسكِّنٌ للأوجاع، وذلك لأجل تحليله موادها. ولأجل قبضه، يقطع نزف الدم، حيث كان.

ومع ذلك، فإنه يفتح أفواه العروق، وذلك لأنه يفعل أفعالاً متنافية - لما قلناه - وفُقَّاحُه أقوى قطعاً للنزف. وإن كان تسخينه وتحليله وتفتيحه، كل ذلك أقوى من قبضه؛ وسبب ذلك أنه - لأجل لطافته - يتمكَّن من النفوذ إلى حيث يقطع النزف، نفوذاً بسهولة.

وهو ينفع الأورام جميعها، لما فيه من القبض والتحليل، كما قلناه أولاً فلذلك ينفع الأورام الحارة، مع أنه حارٌّ! . وكذلك، ينفع الأورام الصلبة، مع أنه يابسٌ. وذلك لما فيه من التليين.

ولا يختص نفعه بالأورام (2) الظاهرة (3) ، بل (4) يعمُّ نفعه الأورام الظاهرة

__________

(1) :. أعضاء الأمراض.

(2) :. الاورام.

(3) ن: الطاهرة.

(4) :. منها بل.

(1/220)

والباطنة معاً. ويحلِّل الرياح حيث كانت، ويسكِّن النفخوالباطنة معاً. ويحلِّل الرياح حيث كانت، ويسكِّن النفخ (1) . وكذلك، ينفع التنطيل بطبيخه، من الاختلاج، ويقوِّى الأعصاب، ويحلِّل فضولها؛ فلذلك هو شديد النفع للأعصاب، لأنه يفعل فيها ما ذكرناه، من غير تسخينٍ شديدٍ يُحدث فى العصب حِدَّةٌ ولذعاً، ومن (2) غير بردٍ يؤذى العصب - ونحو ذلك من الكيفيات الضارة بالأعصاب - فلذلك هو نافعٌ من التشنُّج والرعشة والفالج واللقوة، نطولاً بطبيخه وتضميداً بجرمه.

وإذا أُديم شرب (3) طبيخ أصوله، نفع جداً من أوجاع المفاصل الباردة، ومن الحمِّيات البلغمية فى آخرها، وذلك مع السكنجبين. ودهنُه نافعٌ لتحليل الإعياء لأنه مع قوة تحليله وتليينه، فإنه يقوىِّ الأعضاء (4) . وينفع شَدْخَ العضل، لأجل تقويته لما فى العضل من الأجزاء العصبية، ولما فيه من القوة المقوِّية. ودهنُه نافعٌ من الحكَّة، لما فيه من التحليل لموادها.

__________

(1) هـ: انظر، والكلمة غير واضحةفي ن، والمراد هنا: انتفاخ البطن.

(2) :. من.

(3) هـ، - ن.

(4) ن: مطلب.

(1/221)

الفصل الثامن في فِعْلِه في التِّرْيَاقِيَّةِ ومُقَابِلها (1)

لماَّ كان الإذخر من الأدوية العَطِرةِ، فلا محالة هو من الأدوية الترياقية، وهو - لامحالة - يقوِّى الروح، فيجعلها لامحالة (2) أقوى على دفع السموم. وله تعلُّق بسموم الهوام، فلذلك إذا تُضِمِّدَ بورقه الغَضِّ الذى فى (3) أصله؛ نفع من نهش الهوام. ويعينه على ذلك، ما فيه من التحليل للسُّمِّ، والتقوية للعضو المنهوش.

__________

(1) يُلاحظ هنا، أنها المرةالأولى التي يتحدَّث فيها العلاءُ (ابن النفيس) عن الخصائص الترياقية للدواء، وما يقابل الترياقية من خصائص. وما يقابل الترياقية - اصطلاحاً - هو: السُّميَّةُ. بيد أن العلاء فيما يبدو، لم يشأ استخدام هذه الكلمة.. وهو - كذلك - لم يفصح عن (مقابل الترياقية) في الإذخر، وإن كان قد أشار قبل ذلك، إلى أن هذا الدواء: أفعاله متنافية.

(2) يُلاحظ هنا تكرار كلمة لا محالة ثلاث مرات في سطر واحد، مما يدل على عجلة المؤلِّلف في التدوين، وعدم عنايته - في غمرة تدفُّقه التأليفي - بتنميق العبارات وضبط الأسلوب، على ما نرى في مؤلَّلفاته الأخرى. ويدلُّ هذا التكرار، أيضاً، على اعتقاد المؤلِّف في حتمية الخواص والأفعال، بالنسبة للأدوية والأغذية، وهو ما يعرف في نظرية العلم بمبدأ الضرورة والحتمية. وسوف يؤكد العلاء (ابن النفيس) هذا المبدأ، كثيراً، في عدة مواضع تالية من الشامل.

(3) -:. .

(1/222)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الثانية عشر فىِ أَحْكَامِ آذَانِ الفَأْرِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على فصلين.

(1/223)

الفصل الأول في مَاهِيَّتِه

إنَّ هذا الاسم يقع على أربعة أنواعٍ من النبات، وذلك بحسب ما وقع إلينا - ويجوز أن يُقال على أكثر من ذلك - وهذه الأربعة واحد (1) منها يسمَّى آذان الفأر (2) البستانى واثنان (3) يسمى واحدٌ منهما (4) آذان الفأر البرى وواحدٌ يسمى آذان الفأر ولا يقال فيه إنه بستانى أو برى.

أما النوع الأول، وهو البستانى فهو الذى يسمى باليونانية أَلْسينى (5) ومعناه: البستانى. ويسمى مُوُوس أَوْطا (6) ومعناه: آذان الفأر. وإنما سُمِّى هذا

__________

(1) :. واحداً.

(2) بقية العبارة في هامش هـ.

(3) :. ن: واثنتان.

(4) :. يسميان كل واحد منها.

(5) :. البيني. وصوَّبنا رسم الكلمة اليونانية، حسب ما جاء في كتاب الحشائش لديسقوريدس وقد فسَّرها ابن البيطار بقوله: ألسيني - البستنى - هو آذان الفأر على الحقيقة، وأكثر نباته في البساتين، ذكره جالينوس في المقالة السابعة، ومن الناس من سماه مروش أوطا. ومعنى موش أوطا في اليونانية: آذان الفأر (الجامع 17/1 - تفسير كتاب دياسقوريدس، ص 301) وبخصوص هذا النبات يمكن الرجع إلى (القانون في الطب 259/1) وإن كان ابن سينا لم يذكر اسمه اليوناني.

(6) :. مورس أوطا. وهي قريبةٌ من الصواب، وقد أوردها ابن البيطار بلفظ بنتوقس أوطا وصحَّحها إبراهيم بن مراد في تحقيقه للكتاب، بقوله: بنتوقس أوطا، كذا في الأصل، وصوابه (مؤوس) أو (ميوس) وهو المَّتبع في مخطوطة كتاب ديسقوريدس المحفوظة بالمكتبة الوطنية بباريس، لكنه أُبدل في الهامش ب (بنتوقش) كما هو هنا. أما عبارة ابن البيطار التي علق عليها إبراهيم بن مراد، فنصُّها: نبتوقس أوطا، قال حنين بن إسحاق: تفسير هذا، آذان الفأر الرومي. وهذا النبات تُسميِّة أهل أفريقية: عين الهدهد، وهو عندهم: باذورد، وهم يغلطون في ذلك (تفسير كتاب دياسقوريدس، ص 207) .

(1/225)

بالبستاني، لأنه ينبت في المواضع الظِّلِّية (1) ، وفي البستاني.

وقال ج (2) إنه نباتٌ يشبه القستينى إلا أنه أقصر من القستينى، وأصغر ورقاً، وليس عليه زغبٌ (3) ؛ وإذا دُلِّكَ، فاحت منه رائحة القِثَّاء. وأقول: إن هذا النبات لابد وأن يكون كثير المائية، وإلا لم يكن يكثر بعض نباته بالمواضع الكثيرة الرطوبة، ولابد وأن تكون (4) فيه أرضيةٌ كثيرة، وإلا لم يكن نباته منتصباً. وهذه الأرضيةُ، قليلةٌ جداً بالنسبة إلى ما فى هذا النبات من المائية، ويدل على ذلك أمورٌ:

أحدها: أن هذا النبات شديدُ اللِّين، وإنما يكون كذلك، إذا كانت الأرضية فيه قليلة بالنسبة إلى مائيته (5) ، فإن كثرة الأرضية يلزمها صلابة الجِرْم.

وثانيها: أن هذا النبات يتضرَّر جداً بقوة حَرِّ الشمس، ولذلك إنما ينبت فى المواضع الكثيرة الظِّلِّ. وإنما يكون كذلك، إذا كان كثيرُ المائية جداً، حتى تكون (6) صحته إنما تبقى بكثرة تلك المائية. فلذلك، يعرض له العطبُ، إذا جفَّفته الشمسُ بقوة حَرِّها (7) .

__________

(1) ن: الطلبة.

(2) يقصد: جالينوس.

(3) هـ: رغب، ن: زعب.

(4) :. يكون.

(5) ن: مائيه، هـ: مايته.

(6) :. يكون.

(7) هـ: جرمها، ن: جربها.

(1/226)

وثالثها: أن هذا النبات رائحته تشبه القِثَّاء وإنما يكون كذلك، إذا كانت رائحته - مع عطريتها - نديَّةً، وإنما يكون كذلك، إذا كان جِرْمه كثيرَ المائية.

ورابعها: أن هذا النبات إنما تفوح رائحتُه، إذا حُكَّ باليد، ونحوها؛ وإنما يكون كذلك، إذا كان كثير المائية، حتى تكون (1) رائحتُه خامدةً (2) بقوة البرد. فلذلك، إنما يفوح إذا سُحِقَ بالخلِّ ونحوه.

وأما النوع الثانى من آذان الفأر وهو أحد النوعين البرِّيين، فهو الذى يُعرف بأفريقية - وما يقرب منها - بعين الهدهد (3) . وهذا النوع له قضبان كثيرة من أصلٍ واحدٍ، ولون ما يلى أسفلها، إلى حُمرةٍ - وهى (4) مجوَّفة - وله ورقٌ دِقاقٌ طوال، أوساط ظهورها ناتئةٌ، ولونها إلى سوادٍ، وأطرافها حادة، وتنُبتُ أزواجاً بينها فُرَجٌ. ويتشعَّبُ فى أغصانه قضبانٌ دِقاقٌ صَغَارٌ، عليها زهرٌ لازوردى، مثل زهر أحد صِنفىْ أَنَاغَلس - على ما نقوله بعدُ - وله أصلٌ غليظٌ صَلْبٌ، وله شُعَبٌ كثيرة. وجملة هذا النبات، شِبْه النبات المسمَّى أسقولوقندريون وسنذكره بعدُ، إلا أنه أصغر منه، وأقل خشونة.

وأما النوع الثالث من آذان الفأر - وهو النوع الآخر من البرِّى - فهو (5) نباتٌ ينبتُ فى الرمل، ووَرَقُهُ كورق آذان الفأر البستانى ولا يقوى على الانتصاب، بل ينبسط إلى الأرض لضعف جِرْمه، لأجل قوة لدونته لا لكثرة مائيته، وذلك لأن الغذاء المجتذب من الرمل، لا يكون مثبِّتاً، لأن الأجزاء الرطبة

__________

(1) ن: يكون.

(2) :. خامره.

(3) راجع تفسير ابن البيطار لآذان الفأر الرومي في الصفحة السابقة.

(4) يقصد: القضبان.

(5) :. وهو.

(1/227)

لا يستحكم امتزاجها بالمائية، فلذلك (1) يكون هذا النبات ضعيفُ الجِرْم. ولذلك فإن جميع الأشجار التى تنبتُ فى الرمل، فإنها تكون قليلة اللُّدونة (2) ، سهلة الانكسار.

وأما النوع الرابع من آذان الفأر وهو الذى لا يوصف بأنه بستانىٌّ أو بَرِّىٌّ فهو أحد المتنوِّعات له، لَيِّنٌ، يُسهل ويقيئ (3) ، وورقه شبيهٌ بورق آذان الفأر البستانى.

__________

(1) :. فكذلك.

(2) :. الدونة.

(3) يذكر العلاء (ابن النفيس) هنا أفعال هذا النوع من آذان الفأر في معرض الكلام عن ماهيته! خلافاً لما التزم به في بقية الفصول.. فتنبَّه.

(1/228)

الفصل الثاني في بَقِيَّةِ أَحْكَامِ أَنْوَاعِ آذَانِ الفَأْرِ

أما النوع الأول من أنواع آذان الفأر - وهو البستانى (1) - فقد علمْتَ أنَّ جوهره تغلب عليه المائية، وأن فيه أرضيةٌ يسيرةٌ بالنسبة إلى مائيته (2) ، ولكنها فى نفسها كثيرةٌ. فلذلك، يجب أن يكون هذا النبات بارداً رطباً، لأجل غلبة المائية وأن يكون فيه قبضٌ يسيرٌ لأجل ما فيه من الأرضية.

وقد اعترف بقبضه دياس قيرُيدُوس (3) وأما جالينوس فقد قال: إنه مبرِّدٌ

__________

(1) :. البستى.

(2) هـ: مايته، ن: ما بنه!

(3) هكذا ورد الاسم في المخطوطتين. والمراد به: ديسقوريدس. وهو العَشَّاب اليوناني الشهير بدانيوس ديسقوريدس العين زربى نسبةً إلى عين زربة الموجودة الآن بجنوب تركيا. واسمه اليواني الذي عُرف به، هو Pedanios Dioskorides of Anazarba وينطق، ويكتب في المصادر العربية بطرقٍ شتَّى، فهو: ديسقوريدس، ديوسقوريديس، دياسقوريدس دياسقوريدوس. ومن أقدم المصادر العربية التي ذكرته: فهرست ابن النديم، الذي وضعه ضمن مَنْ ذكرهم في الفن الثالث من المقالة السابعة، تحت عنوان أسماء جماعة من الأطباء القدماء المقِّلين، ولا يُعرف أوقاتهم على الصحة فقال ما نصه: ديسقوريدس العين زربى، ويُقال له السائح في البلاد، ويحيى النحوي يمدحه في كتابه في التاريخ، ويقول: تفديه الأنفس، صاحب النفس الزكية، النافع للناس المنفعة الجليلة، المتعوب المنصوب، السائح في البلاد، المقتبس لعلوم الأدوية المفردة من البرارى والجزائر والبحار والمصوِّر لها، المعدِّد لمنافعها قبل المسألة عن أفاعيلها، وله من الكتب كتاب: الحشائش، خمس مقالات، وأضاف إليها مقالتين في الدواب والسموم، وقد قيل: إن المقالتين منحولتان إليه. نَقْل حنين، وقيل حبيش (ابن النديم: الفهرست، تحقيق رضا المازاندراني ص 351) . وقوله في آخر النص: نقل حنين.. إلخ يقصد به أن حنين بن إسحاق هو الذي ترجم كتاب الحشائش، من اليونانية إلى العربية، وقيل: إن الذي ترجمه، هو حبيش بن الأعسم ابن أخت حنين بن إسحاق، ومعاونه في أعماله الترجمة. ويرجِّح د. إبراهيم بن مراد، أن ديسقوريدس وضع كتابه خلال ثلاثين سنة (مابين 45، 75 ميلادية) أثناء خدمته العسكرية في صفوف الجيش الروماني، حيث ارتحل إلى أصقاع كثيرة، وعندما أنهى عمله العسكري واستقر به المطاف، جمع مختلف مشاهداته وملاحظاته العلمية في كتاب جليل في الأدوية المفردة سمَّاه: هيولي الطب Materia Medica ويُعرف في المصادر العربية بكتاب الحشائش وكتاب الخمس مقالات (مقدمة تحقيق: تفسير كتاب دياسقوريدوس 42) . وللمزيد من أخبار ديسقوريدس يمكن الرجوع إلى المصادر العربية التالية: طبقات الأطباء لابن جُْجل، منتخب صوان الحكمة للسجستاني، تاريخ الحكماء للقفطي، عيون الأنباء لابن أبى أصيبعة، تاريخ مختصر الدول لابن العبري.

(1/229)

من غير قبض. وينبغى أن يكون مراده بذلك: من غير قبضٍ كثيرٍ يُعتدُّ به (1) .

ولأجل تبريد هذا النوع، كان نافعاً للأورام الحارَّة (2) ، كالحمرة ونحوها. وإذا ضُمِّدَ به، مع السويق، نَفَعَ من الأورام الحادة، كالحمرة العارضة للعين (3) . وإذا قُطِّرت عصارته فى الأُذن المتألمة من الحرارة؛ نفعها وسكَّن وجعها. ولايبعد أن يكون هذا الدواء منعشاً للقوة برائحته، وذلك لأن رائحته تشبه رائحة القِثَّاء.

وأما النوع الثانى من آذان الفأر فالذى عُرف من أحواله، أنه يجفِّف تجفيفاً قوياً.

__________

(1) كان العلاءُ (ابن النفيس) في مؤلَّفاته الخرى شديدَ النقد لجالينوس، حاد العبارة في نقده بأكثر مما نراه هنا!

(2) ن: الحادة.

(3) العبارة بالقلم المغربي في هامش هـ، مسبوقة بكلمة: انظر.

(1/230)

وأما النوع الثانى من آذان الفأر فالذى عُرف من أحواله، أنه يجفِّف تجفيفاً قوياً.

وأما النوع الثالث، فخاصِّيته، أن عصارته ومَضْغَهُ (1) ، كل واحدٍ منها شديدُ التقوية للإنعاظ (2) . وذلك إذا مُرِّخَ (3) بأحد هذين، الذكرَ والفَرْجَ والعَانَةَ وما يلى ذلك. حتى أن مَنْ لاينعظ (4) ، لا يكلِّفه كثرةً إذا فعل ذلك، وأنعظ (5) كثيراً، وقوى على الباه. وإذا فعل ذلك الشيوخُ الهرِمين (6) ، قووا على الباه. وإذا بطل نزو الفرس، مُرِّخَ (7) بذلك ما يقرب من قضيبه إلى عَجِزِه، فيعود إلى النزو.

وأما النوع الرابع، فإنه يسهل ويقيئ ويقتل الدود، وذلك لأجل حِدَّته وحِدَّة لبنه. وما كان نباته فى المواضع القليلة الماء، وفى البرارى؛ فإن ذلك يكون قوياً جداً - ولا كذلك، ما يكون بقرب المياه والبساتين - ويكاد ما ينبت فى البرِّية (8) ، أن يكون فى قوته، كأنما هو ذاته.

وجوهره لطيفٌ نَفَّاذٌ، ولذلك يُحمر الجلد الناعم إذا وُضع عليه، لأنه بلطافته، يسهل نفوذه؛ وبقوة حرارته، يجذب إلى العضو من الدَّم، ما يحمِّره.

__________

(1) غير واضحة في ن.

(2) :. للإنعاض! والإنعاظ هو الشبق وانتصاب القضيب. ويقال للمرأة أيضاً: انعظت، بمعنى أنها شبقت واشتهت أن تُجامع (لسان العرب 671/3) .

(3) :. مزج! والمرْخُ هو الدهن بالزيت، يقال: مرخ بالزيت يمرخه مرخاً. وتمرَّخ به: ادَّهن. ورجل مَرَخٌ ومِرِّيخ: كثير الادِّهان (لسان العرب 463/3) .

(4) :. ينعض.

(5) انعض.

(6) :. هارمين! وليس من اللغة الفصيحة، أن يُجمع الهرِم على هذا النحو، فالرجال يقال لهم في فصيح اللغة: هَرِمُون.. ويقال للنساء: هرمات.

(7) ن: مزج.

(8) ن: البربة.

(1/231)

المقالة الثالثة عشر فىِ أَحْكَامِ الأُرْزِ

وذلك يشتمل على ستة فصول.

(1/233)

الفصل (1) الأول في مَاهِيَّةِ الأُرْزِ

إنَّ الأُرْزَ من جملة النبات الذى يُتَّخذ من حَبِّه خُبْزٌ، ويُطْبَخُ مع اللحم كثيراً. وكذلك مع اللبن. وإنما ينبت فى المواضع الكثيرة الشمس، الكثيرة الماء جداً وذلك لأن جرمه كثير التحلُّل،فإذا لم تكن المائية فيه كثيراً، جَفَّ بسرعة، لأجل سرعة تحلُّلها منه بسبب تخَلْخُل جِرْمه. وإنما يمكن ذلك، بأن يكون سقيه متواتراً.

وإنما يصل الماءُ إلى أعلاه، سريعاً؛ حتى يسدُّ بذلك بدل ما يتحلَّل منه من جوهر المائية، إذا كان انجذاب ذلك الماء إلى أعلاه بقوة. وإنما يكون ذلك، إذا كان فعل الشمس فيه قوياً. وإنما يمكن ذلك، إذا كان فى موضعٍ مكشوفٍ للشمس.

فلذلك، يقلُّ نباته بين الأشجار، وذلك لحاجته إلى قوة (2) تأثير الشمس. ولذلك، هذا النبات، يكون (3) فى البلاد الحارة الرطبة - كالهند - والأغوار الكثيرة المياه.

فلذلك، هذا النبات وإن كان يحتاج إلى كثرة السَّقْى، فهو يابسٌ، قليلُ المائية، كثيرُ الأرضية؛ وذلك لأجل انجذاب (4) مائيته، لأجل تخَلْخُل جِرْمه.

__________

(1) :. يشتمل على خمسة فصول (وهو سهوٌ، إذ المقالة تشتمل على ستة فصول) .

(2) هـ: تاتيرْ.

(3) :. يكن.

(4) :. انجلاب! وصوابها (انجذاب) إذ هو يقصد بذلك: تبخُّر مائيته.

(1/235)

ولأجل هذا التخَلْخُل، فإن (1) جوهره ليس برزين. ولما كانت يبوسة هذا النبات لأجل تخَلْخُل مائيته، بحيث كان ما يتحلَّل من مائيته أكثر، كانت يبوسته أشد. ولذلك الأرز الهندى أَيْبَسُ من غيره، وأكثر أرضيةً. وذلك لأجل كثرة تحلُّل مائيته، بسب قوة الحرِّ هناك.

وفى جوهر الأُرْز هوائيته، ولذلك هو خفيفُ الوزن، وإذا طُبخ فى الرطوبة أو نُقع فيها، ربا جرمه كثيراً. وذلك لأجل كثرة نفوذ الرطوبة فى جِرْمه، لأجل تخَلْخُله؛ ولأجل هذا التخَلْخُل، فإنه لا يتولَّد منه دَمٌ كثيرٌ. وذلك لأجل فقدانه اللدونة واللزوجة اللتين يكثر منهما الدم (2) ، لأن الدَّم يحتاج أن يكون من جوهرٍ لدِنٍ، ليتمكَّن أن يكون تكوُّن (3) الأعضاء منه سهلاً، لأنه إنما يمكن كذلك، إذا كان شبيهاً بجواهر الأعضاء، والأعضاءُ (4) أكثرها لَدِنةٌ. ولما كان الأُرْزُ فاقداً للِّدونة (5) ، لا جَرَم كان غذاؤه (6) أقلَّ من غذاء الحنطة بل من غذاء الحندروس بل من غذاء الشعير. بل أظنه - وإن كان كثيرٌ من الأطباء يأبى ذلك - قابضاً، فإذا المائية تقلُّ فى الأُرْز، والأرضية تكثر فيه؛ فلذلك، هو قابضٌ.

__________

(1) :. فلان.

(2) العبارة في المخطوطتين، كالتالي: اللدونة اللزوبة فإنه لا يتولَّد منه دم اللتين يكثر منهما الدم.

(3) -:. .

(4) :. للدنة.

(5) هـ: غذاءه.

(6) -:. .

(1/236)

الفصل الثاني في طَبِيعتِه وأَفْعَالِه على الإِطْلاَقِ

إنَّا قد بيَّنَّا أن الأرضية فى الأُرْزِ كثيرةٌ، وكذلك الهوائية، وأما المائية فهى قليلةٌ. وقدَّمنا أن الهوائية لا مدخل لها فى ترطيب البدن، وأن الترطيب إنما يكون بالجوهر المائى، فلذلك (1) يجب أن يكون الأرز يابساً، مجفِّفاً.

واختلف الأطباءُ فى أنه حارٌّ أو بارد. والحقُّ أنه قريبٌ من الاعتدال، ولكنه إلى حرارةٍ (2) ، وذلك لأن هوائيته كثيرة ومائيته يسيرة، وذلك ينافى أن يكون له بردٌ ظاهرٌ. وتخَلْخُل جِرْمه يدل على حرارته، لأن البرد من شأنه جمع الأجزاء وتلزيزها.

ولماَّ كان الأَرْزُ متخَلْخِلَ الجِرْم، فهو لامحالة حارٌّ. ولما كان يابساً كثيرَ الأرضية، فهو لا محالة قابضٌ عاقلٌ للبطن. وليس من كيفياته مفرطٌ؛ أما حرارته فظاهرٌ أنها قريبة (3) من الاعتدال. ولولا ذلك لما ظُنَّ أنه باردٌ. وأما يبوسته وعَقْله للبطن. فلأن ذلك كله يزول إذا طُبخ مع اللبن أو الدهن ونحوه من الدسومات - كاللحم السمين - وإنما يكون كذلك، إذا لم تكن هذه الكيفيات فيه، قويةً جداً.

وفى الأُرْز جَلاَءٌ، لأجل تخَلْخُل جِرْمه الأرضى؛ وإذ (4) الأُرْزُ جلاَّءٌ، فهو لامحالة مجفف. فلذلك، هو مُنَقٍّ.

__________

(1) :. فكذلك.

(2) :. لأجل.

(3) :. قريب.

(4) :. كما في استحالة والرمل واذا.

(1/237)

الفصل الثالث في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الرَّأْسِ

لما كانت أرضيةُ الأُرْزِ خفيفةً متخَلْخِلَةً، فهى - لامحالة - قابلة للتصعُّد بالحرارة. فلذلك، إذا سخن باطن البدن باجتماع الحارِّ الغريزى (1) فيه - وذلك عند النوم - وكان فى المعدة وما يقرب منها شئٌ من الأُرْزِ، فإنه تتصعَّد (2) منه أجزاءٌ كثيرةٌ، وهذه الأجزاء المتصعِّدة لابد وأن يكون لونها أبيض، لأن بياض الأُرْز إنما يفارقه إذا تم انهضامه (3) فى الكبد وما بعدها (4) ؛ فلذلك إذا أُكل الأُرْزُ

__________

(1) الحارَّ الغريزي عند العلاء (ابن النفيس) هو: الرطوبة الغريزية التي تقوم بها الحرارة الغريزية. وفي شرحه على الفصول يفنِّد العلاء ابن النفيس أقوال الأطباء في هذا الموضوع، بعدما يورد أقوالهم. وذلك حين يتوقَّف في شرحه للعبارة الأبقراطية وأما الشيوخ، فالحارُّ الغريزي فيهم قليل عند معنى الحار الغريزي فيقول ما نصه: اختلف الأولون في حرارتيْ الصبيِّ والشاب أيهما أشد؟ واختلقوا أيضاً في الحرارة الغريزية، فقيل: هي مزاج الروح، وقيل: هي مزاج البدن كله، وقيل: هي الحرارة النارية العنصرية، وقيل: إنها من نوع الحرارة الغريبة، وقيل: الحرارةُ واحدةٌ، ولكنها بالنسبة إلى فعلها في مادة الغذاء بالإنضاج والهضم وغير ذلك تسمَّى غريزية، وبالنسبة إلى فعلها في المادة عفناً وفساداً تسمَّى غريبة. وهذه الأقوال كلها فاسدة.. لأن.. إلخ (راجع تفصيل الأمر في: شرح فصول أبقراط، بتحقيقنا، ص 128) .

(2) :. يتصعد.

(3) ن: انهاضمه.

(4) كان الأطباء القدامى - كما يظهر من عبارة العلاء - يعتقدون أن الغذاء يمر في عملية الهضم بالكبد، ثم ينصرف منه إلى الأمعاء. وهذا عجيبٌ، والأعجب أن يقول به العلاء (ابن النفيس) الذي قام - كما بيَّنَّا في بحوث سابقة - بعمليات تشريح دقيق، عرف خلالها الكثير من وظائف وطبائع أ؟ ضاء الجسم.

(1/238)

فلابد أن تتدخَّن (1) منه عند النوم أجزاءٌ كثيرةٌ، ويكون ذلك الدخان أبيض اللون فكذلك يكون ما (2) يتخيَّل لذيداً مفرحاً؛ خلاف الخيالات الحادثة عن الأدخنة السوداوية، فإن تلك مفزعةٌ مُوحشةٌ محدثةٌ للغَمِّ والانقباض والخوف. فلذلك كان الأُرْزُ يُرى أحلاماً لذيذة (3) .

__________

(1) :. يتدخن.

(2) -:. .

(3) كرر العلاء (ابن النفيس) هذه المسألة في غير واحدٍ من كتبه، مؤكِّداً أن الأرز يسبِّب الأحلام اللذيذة.. ولكن تعليله هنا لهذا الأمر عجيبٌ، فكيف يصعد بياضُ الأرز إلى الدماع؟ إن كان مع الدم، فلا بد أن يصطبغ بلونه القاني، فيفقد الأرز بياضه! ونحن نعلم - اليوم - أن امتصاص الغذاء يكون في الأمعاء، لا المعدة. وكان الأقرب تعليلاً والأكثر منطقيةً وقبولاً، أن يوقل العلاء: إن الأرز إذا طُبَخ بما يليِّنه صار سهل الانهضام، فلا يجهد هضمُهُ البدنَ أثناء النوم، فيرى النائمُ أحلاماً لذيذة. . بخلاف ما إذا كان الغذاءُ عَسِرَ الانهضام، بحيث يكدِّر البدن أثناء النوم، فيسبِّب أحلاماً مزعجة. ومع ذلك، فإن ما يحسب هنا للعلاء (ابن النفيس) هو أنه نظر في الأسباب الطبيعية المحدثة للأحلام.. بعيداً عن أى تفسير ميتافيزيقى!.

(1/239)

الفصل الرابع في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الغِذاءِ

إنَّ جوهر الأُرْزِ لما كان مركباً من أرضيةٍ ومائيةٍ، وفيه هوائيةً؛ وهذه الهوائيةُ وإن كانت كثيرةٌ، فإنها ليست كثيرة بالنسبة إلى أرضيته. فلذلك، كان جوهر الأُرْزِ مناسباً لجواهر (1) الأعضاء، وليس له كيفية قوية تقهرها الأعضاء وتفعل فيها، ولا كيفية مخالفة للمزاج الحيوانى، فلذلك كان الأُرْزُ من الأغذية. وليس غذاؤه (2) بقليل جداً، لأنه أرضىٌّ مناسبٌ لجواهر الأعضاء.

ولأجل كثرة هذه الأرضية فيه، كان غذاؤه يابساً.فلذلك هو موافقٌ جداً لأصحاب الأمزجة الرطبة، فلذلك هو شديد الموافقة لسكان الهند، لأن هواء الهند كثيرُ الرطوبة جداً، فلأجل كثرة البخار عندهم - وذلك (3) لما أوضحناه (4) حين تكلمنا فى الأسباب (5) - ولذلك فإن أهل الهند يزعمون أنه أوفق الأغذية (6) ويقولون: إنه يطوِّل العمر! وذلك بالنسبة إليهم صحيحٌ، فإنه معدِّلٌ لسوء

__________

(1) ن: جوهر.

(2) :. غذاه.

(3) هـ، ن.

(4) :. اوضحنا عليه.

(5) يشير العلاءُ هنا إلى كتابٍ سابق من موسوعة الشامل. والأسباب والعلامات من المباحث الرئيسة في الطب القديم، وموضعها يأتي دوماً في البدايات، ومن هنا نرجِّح أن يكون الكلام المشار إليه - في الأسباب - هو من الأجزاء الأولى من الشامل.. الأجزاء التي لا تزال حتى الآن: مفقودة.

(6) :. للأغذية.

(1/240)

مزاجهم الرطب (1) ، المعد لأبدانهم للعفونة. فلذلك، أهل الهند، ومَنْ يقرب منهم، يقتصرون فى غذائهم (2) على الأرز.

وإذا طُبخ الأُرْزُ مع شئٍ رطبٍ يعدِّله، كاللبن والحليب ودهن اللوز (3) - أو دهن الإلية أو اللحم السمين - يعدُل بذلك يُبْسه، فيصير كثير التغذية، جيد الغذاء جداً، موافقاً للمعتدلين. وذلك، لأن الأُرْزَ فى نفسه صالحُ الغذاء، لأجل خُلُوِّه عن الكيفيات الضارَّة المفرطة؛ وإنما يخرج عن الاعتدال خروجاً يحطُّه عن الفضيلة (4) وعن كثرة التغذية، لأجل يبوسته. وإذا زالت يبوسته، صار صالح الغذاء جداً، كثير التغذية.

ولأن الأُرْزَ فيه جَلاءٌ وتجفيفٌ، فهو دابغٌ للمعدة. فلذلك قد يقوِّى على الهضم. خاصةً وهو بقبضه، يجمع أجزاء المعدة، وذلك مما يُعين على الهضم.

والأُرْزُ عَسِرُ الهضم، لأجزاء أرضيته. وهو أيضاً بطئُ الخروج، لفقدانه ما به يُزْلق. وإذا أُكل بالسُّكَّر أو بالعسل، أسرع انحدارُهُ عن المعدة، بما يحدثه هذان من زيادة الجلاء، ولما ينفذ إلى الكبد بسرعة، فيستصحباه (5) معهما.

وفى الأُرزِ تسديدٌ لمجارى الكبد، ضعيفٌ، يشتدُّ إذا خُلط بالسكر أو العسل، لأجل سرعة نفوذها (6) إلى الكبد. وأكله (7) مع الخلِّ ردئٌ، لزيادة الخلِّ

__________

(1) :. المعدل.

(2) هـ: غذاهم، ن: غذاتهم.

(3) - ن.

(4) يقصد، الأفضلية الغذائية.

(5) :. يستصحبان! ولعل مقصود المؤلِّلف هنا: أن السكر والعسل يجلبان معهما ما يخرج من عصارة الكبد المنصبة على الغذاء، فيسهِّلان اتجاه ذلك إلى الأمعاء، ومن ثَمَّ يخرج الغذاء من البدن بسرعة.

(6) :. نفوذه.

(7) غير واضحة في هـ.

(1/241)

فى يبوسته. وهو يولِّد الرياح والنفخ، وقد يتولَّد عنه القولنج مع ذلك، فإنه يسكِّن المغص الحادث عن السَّحْجِ، وعن لذع المواد الحادة. وذلك لأنه يعسرُ انهضامه، وتفتيحه وغلظه وعقله للبطن وتقليله (1) لخروج الريح، يولِّد القولنج. ولتغذيته، يسكِّن وجع المغص اللذعى، ووَجَع السحوج. ويُحدث على موضع السَّحْج بغَرَوِيَّتِه، مائيةً؛ فيقلُّ (2) ألم ما يمر به (3) من المواد. وهو يفعل ذلك، سواءَ احتُقن به، أو تنُووِل (4) من الفم؛ ولذلك يدخل فى حُقَنِ السحوج والإسهال.

وإذا طُبخ بالزيت أو باللبن الحامض، أطفئ الحرارة وشَهَّى الطعام وسكَّن (5) العطش، ولكن هضمه حينئذٍ يكون أعسر (6) .

وأكله كثيراً يُحدث السُّدَد، وذلك لما يحدثُ منه من الغَرَوِيَّةِ، مع الغلظ. ولقائلٍ أن يقول: إن حدوث الغَرَويَّةِ إنما يكون (7) مع اللزوجة، والأُرز قد صَحَّ (8) أنَّ جِرْمه لا لزوجة فيه، لأجل قلة مائيته؛ فكيف تحدث الغَرَويَّةُ عن الأُرز؟

وإنما (9) يكون ذلك (10) ، لأجل ما يختلط (11) به من الرطوبات فى داخل

__________

(1) :. قليله.

(2) :. يقل.

(3) يقصد، الموضع الذي فيه السَّحْج.

(4) :. تنول.

(5) :. ويسكن.

(6) :. أسهل أعسر!

(7) ن: تكون.

(8) :. يسم (وهي غير ذات معنى)

(9) :. انما.

(10) -:. .

(11) ن: تختلط.

(1/242)

البدن، ومن الرطوبات التى يُطبخ بها. وهذه الرطوبات إذا انطبخت مع فى المعدة، حدث منها - ومن جرمه الأرضى - مايئةٌ تُحدث الغَرَويَّة. وذلك لأن الأُرْزَ وإن كان أرضياً، فإن أرضيته يسهل انقسامها إلى أجزاءٍ صغار، لأنها غير متلازمة جداً - وذلك لفقدانه اللدونة - وإذا تصغَّرت أجزاء هذه الأرضية، واشتدَّ امتزاجها بالرطوبات لأجل إنضاجها معها فى المعدة، حدث عن ذلك الغَرَوِيَّةُ.

وكذلك، إذا طُبخ الأُرْزُ فى الماء حتى يتهرَّأ، ثم شُرِبَ؛ نفع من لذع المواد، وغَرَّى (1) على الأمعاء؛ وخاصةً إذا طُبخ معه دِهْنٌ يفعل ذلك، مثل شحم كِلى الماعز. وإذا طُبخ فى عصارة لسان الحمَلِ، وشُرِبَ أو أُكِلَ؛ كان شديدُ النفع للسَّحج، والمغَصِ الكائن من خِلْط حادٍ، وَحَبسَ البطن بقوة.

والأُرْزُ من الأغذية الصالحة للخِلْط المسمنة، لما نقوله بعد.

__________

(1) ن: عزى (ووضع الناسخ تحتها خطاً، كإشارةٍ إلى أنّ الكلمة غير مفهومة بالنسبة له) .

(1/243)

الفصل الخامس في فِعْلِه في أَعْضَاءِ النَّفْضِ

إن الأُرْزَ لأجل قبضه، إذا أُكل؛ قلَّل البول والبراز وخروج الرياح ولذلك قد يُحدث القولنج. والهندىُّ من الأُرْزِ أكثر عقلاً للبطن، وذلك لأجل زيادة تجفيف رطوباته بقوة الحرِّ هناك.

وإذا طُبِخَ بماءٍ كثير (1) ، كان (2) عقله للبطن أقل، لأجل ترطيبه. وإذا طُبخ باللبن أو باللحم السمين أو بالشَّيْرج (3) ونحو ذلك، قَلَّ عقله للبطن جداً، خاصةً إذا أُكل بالعسل أو بالسكر.

وإذا طُبخ باللبن الحامض - ونحو ذلك - قوى عَقْلُه للبطن قليلاً؛ وإذا طُبخ بالسُّمَّاق، اشتد عَقْلُه للبطن جداً. فلا يَبْعُدُ أن يكون الإكثار من أكله، يولِّد الحصاة؛ خاصةً إذا أُكل باللبن.

والأُرْزُ يكثر المنِىَّ، خاصةً إذا طُبخ باللبن. وإذا اتُّخذ من دقيقه حَسوٌ (4) رقيقٌ، وشُرب؛ نفع جداً من إفراط الدواء المسهل.

__________

(1) ن: كثر.

(2) -:. .

(3) الشيرج: هو دِهْنُ الحلِّ، ويُقال له أيضاً: دهن الجلجلان - جلاجلان بالسريانية تعني السمسم - وهو يستخرج بطحن السمس وعجنه بالماء الحار (المعتمد ص 279، تذكرة أول الألباب 220/1) وهو يُعرف عندنا اليوم باسم: الطحينة.

(4) ن: حشو، وغير واضحة في هـ. ومراد المؤلِّف: استخدام طحين الأُرز سفوفاً.

(1/244)

الفصل السادس في فِعْلِه (1) في الأَمْرَاضِ التي لا اخْتِصَاصَ لها بِعُضْوٍ عُضْو

إن الأُرْزَ من شأنه، إذا أُكل؛ أن يحسِّن اللون. وكذلك، إذا دُلِّكَ (2) البدنُ بدقيقه، فإنه يزيل ما عليه من الأوساخ، ويحسِّن اللون بقوة جلائه. وإذا ذُرَّ (3) دقيقُه على الجراحات الطرية، نفع منها؛ وذلك لأجل تجفيفه. وإذا ذُرَّ (4) فى القروح، نَقَّى وسخها؛ لما فيه من الجلاء والتجفيف. وهو جيدٌ لقروح الأمعاء إذا احْتُقِنَ به، واستُعمل من فوق.

وإذا نُقع الأُرْزُ فى ماء النخالة أو فى اللبن، يوماً بليلة، ثم طُبخ؛ لم يكن له عقلٌ للبطن البتة، وذلك لأجل ذهاب يبوسته وقبضه.

وأكل الأُرْزُ يُزيد فى المنِىِّ، وذلك لأجل غلظه مع يبوسته. فإن ما يكون (5) كذلك، يكثر تولُّد المنِىِّ عنه، كما يتولَّد المنِىُّ كثيراً فى السوداوِيَّين، وذلك لأجل أن جوهر المنى يجب أن يكون متشابهاً بجواهر (6) الأعضاء، والأعضاء

__________

(1) -:. .

(2) ن: ذلك.

(3) هـ: دُرَّ، ن: دد.

(4) ن: در.

(5) :. فإنما يكون.

(6) ن: بجوهر.

(1/245)

يغلب عليها الأرضية، فكذلك يجب أن يكون المنىُّ.

وإذا طُبخ الأُرْزُ باللبن، كان توليده للمنِىِّ كثيراً مع تعدُّل يبوسته. ولما كان تعديل توليد الأُرْز للمنى كثيراً، وهو مع ذلك مُنفخٌ مُنْعِظٌ، فيجب أن يكون من الأغذية الباهية المقوِّية على الباه، وذلك لأن ما يتولَّد منه من الرياح، إذا حصل شئٌ منها فى العروق التى فى القضيب، أعان بذلك على الانتشار (1) .

والأُرْزُ المطبوخ فى المرق (2) ، يزيد فى المنِىِّ، ويغذو كثيراً، ويُسَمِّن ويُحَسِّن اللون، ويُزيل صُفْرة الناقهين ونحوها.

__________

(1) يُخطىء العلاء بن النفيس هنا، حين يذكر أن انتصاب القضيب، قد يكون بالرياح المتولِّدة من الأُرز أو غيره.. هذا مع أنه كان فيما سبق، قد أبان بوضوح، عن أن الانتشار والانتصاب يكونان باندفاع الدم في القضيب.

(2) هـ: المرضى! ومصحَّحة في هامش ن.

(1/246)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الرابعة عشر فىِ أَحْكَامِ الأَراكِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على فصلين.

(1/247)

الفصل الأول في مَاهِيَّةِ الأَرَاكِ

إن هذا الشجر يكثر نباته فى بطون الأودية، وقد يَنبتُ فى الجبال - وذلك حين تكثر المياه - وهو قليلٌ (1) . ولهذا الشجر أصولٌ وقُضبان، وثمره كالعناقيد وعنقوده يملأ الكَفَّ، وحَبُّه بقدرالحمُّص. يكون أولاً أخضر، ثم يحمرُّ ويَحْلُو (2) مع حَرَافةٍ، ثم يَسْوَدُّ ويزداد حلاوةً مع الحرافة (3) . وحشيشتُه فيها (4) مرارةٌ يسيرة وقَبْضٌ، وقِشْرُ أصله ليِّنٌ، وإذا قُشِّرَ كان داخله لبناً.

وأصوله وقُضبانه يستعملان للسَّوْك (5) ، وهى أفضل ما استيك به، لما فيهما من المرارة والقَبْض، مع عطريةٍ يسيرة. فيكونان بالمرارة جاليين محلِّلين، وبالقَبْضِ مقوِّيين؛ فلذلك هما أفضل الخشب للسواك.

وجوهر هذا النبات مركبٌ من أرضيةٍ، بعضُها حارَّةٌ وبعضها باردةٌ قابضةٌ ومن هوائيةٍ، ومائيةٍ كثيرة، وناريةٍ بها تحدث الحرارة. وبالهوائية يكون هذا

__________

(1) يقصد أنَّ نباته في الجبال قليلٌ ونادر.

(2) هـ: يحلوا، ن: يجلوا.

(3) الورقة التالية ساقطة من هـ.

(4) ن: فيه.

(5) في المخطوطة: السيوك! ولا يقال في اللغة لفعل المسواك - وهو: السواك - أنه: سيوك! فالسَّوْكُ هو فعلكَ بالسِّواك والمسواك، وسَاكَ الشىء شَوْكاً: دلَّكه، يُقال: سَاكَ فمه بالعود يسوكه سَوْكاً (لسان العرب 244/2) .

(1/249)

النبات خفيفاً، وبالمائية يكون تَفِها (1) ؛ وبذلك تنكسر قوة الحرارة والحرافة فلذلك يكونان خفيفتين (2) .

ويدل على كثرة هذه المائية، أن نبات هذا الشجر، إنما (3) يكون حيث تكثر المياه. ولأن هذا الشجر سَبطٌ، والسبوطة تتبع كثرة الرطوبة؛ فلابد (4) وأن يكون جوهر هذا النبات لطيفاً، لأن الناريةَ شديدُ اللطافة، والأرضية المرَّةَ ليست بكثيرة الغِلَظِ؛ فلذلك، لابد وأن يكون جوهر هذا النبات لطيفاً (5) .

__________

(1) ن: فقها.

(2) ن: خفيفين (والكلام هنا عن الحرارة والحرافة) .

(3) ن: ان.

(4) ن: ولا بد.

(5) ن: لطيف.

(1/250)

الفصل الثاني في طَبِيعَتِه وأَفْعَالِه

أما طبع الأَرَاكِ فإنه يجب أن يكون قريباً من الاعتدال، وذلك لأن ما فيه من النارية والأرضية الحارَّةِ المرَّةِ، تُعدِّلهما المائيةُ الكثيرة. ولكنه يميل إلى اليبوسة قليلاً، خاصةً إذا جَفَّ.

وحَبُّه يقوِّى المعدة، خاصةً إذا كان إلى فجاجةٍ، ويُمسك الطبيعة بما فيه من القبض.

وهذا النبات، مع القبض، يفتِّح! وذلك لأجل حرارته، ولأنه حارٌّ لطيفٌ. وما كان كذلك، فلابدَّ وأن يكون مفتِّحاً. وتفتيحه قوىٌّ. فلذلك طبيخه يدرُّ البول، وينقِّى (1) المثانة. والسَّوكُ به - خاصةً بأُصوله - يزيل القِيح (2) ويقوِّى المعدة (3) ، ويطيِّب النكهة.

__________

(1) ن: ينفى.

(2) ن: الفج.

(3) غير واضحة في ن.

(1/251)

المقالة الخامسة عشر فىِ أَحْكَامِ الأَرْمَاكِ

وكلامُنا فى ذلك، يجتمع فى فصلٍ واحد.

(1/253)

هذا نباتٌ هندى (1) ، يُجلب إلينا من اليمن، عَطِرُ الرائحة، شبيهٌ بالقرفة خشبُهُ خفيفٌ، فيه قَبْضٌ وحرارة يسيرة، فلذلك هو مجفِّفٌ، يابسٌ، يميل إلى الحرارة، ويدل على ذلك حرافتُهُ ورائحتُهُ، وتجفيفهُ، وغير ذلك. ولذلك، هو نافعٌ للقروح.

ولابدَّ وأن يكون منقِّياً، لأنه مجفَّفٌ بما فيه من اليبوسة والتحليل؛ وهو مع ذلك جالٍ (2) ، فلذلك هو ينقِّى القروح الوسخة، ويدمِّل القروح النقية، ويمنع من انتشار القروح؛ كل ذلك لأجل تجفيفه الخالى من اللذع. ولأجل هذا التجفيف والتنقية والقبض، هو يشدُّ اللثة ويقوِّيها، ويُفنى الرطوبات المرخية (3) لها ولأجل ذلك - ولأنه عَطِرٌ - هو يطيِّب النكهة. وأما نفعه من قروح الفم وقُلاَّعه (4) ، ونحو ذلك؛ فالأمر (5) فيه ظاهرٌ.

فلذلك، هو من الأدوية الشديدة النفع من أورام الفم وأوجاعه؛ وهو ينفع الأورام، حتى الحارَّة منها. وذلك لما فيه من القَبْض المانع من نفوذ الفضول فى

__________

(1) جاء اسم هذا النبات في ن غير واضح، وقد يُقرأ: الاسال! وهو عند ابن سينا وابن البيطار: أرماك (القانون 260/1 - الجامع 19/1) وهو ما اعتمدناه هنا، وعند داود الأنطاكي: أرمالك 0 تذكرة أولى الألباب 40/1) .

(2) ن: جالي.

(3) ن: الموجبة.

(4) القلاع: قروحٌ تعرض في سطح الفم (ابن النفيس: شرح فصول أبقراط، ص 252) .

(5) ن: والأمر.

(1/255)

العضو المتورِّم، ومن التحليل المخرج لما فضل فى ذلك العضو.

ويقوِّى الأعضاء بقبْضِه وعطريته، ويمنع سريان العفونة والفساد فيها. ولايبعُد أن يكون من الأدوية المقوِّية للقلب، المفرِّحة؛ وذلك لأجل عِطريته.

وكذلك، يقوِّى الأحشاء كلها، ويعقل البطن بقَبْضِه. وبتقويته للقوة الممسكة، فإنه يقوِّى القوى كلها - وبما (1) فيه من العطرية، وهو لذلك يقوِّى الدماغ خاصةً.

وهو مع عطريته وقبضه، يميل إلى الحرارة واليبوسة، وبذلك يتعدَّل الدماغ ويقوَى. وينفع من الرمد، لأن الرمد من جملة الأورام

(1) ن: بما.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خلاصة القول في الختان لا يثبت فيه نص محكم

الختان {ب بدر م الطب الاسلامي} بسم الله الرحمن الرحيم   خلاصة القول في الختان 1 1. انه مفروض بالنسبة للذكور 2. مكروه بالنسبة للإ...