Translate

السبت، 25 مارس 2023

ج2.الشامل في الصناعة الطبية المقالة السادسة عشر فىِ أَحْكَامِ الأَرْنَبِ

ج2.الشامل في الصناعة الطبية

المقالة السادسة عشر فىِ أَحْكَامِ الأَرْنَبِ

وكلامُنا فى ذلك، قد جمعناه فى فصلٍ واحد، فنقول:

(1/257)

إذا أُطلق لفظ الأرنب فإنما يُراد به الأرنب البرِّى وهو الحيوان المعروف. وهذا الحيوان يختصُّ بأن يكون قلبه كبيراً جداً، بالنسبة إلى ما يستحقه بدنه! فلذلك تكون حرارته مُنبثة (1) فى جِرْمٍ بأكثر (2) مما يستحقه مثلها، على قياس باقى الحيوانات.

فلذلك، يكون قلبه بارداً - وإن تكن الحرارةُ فيه قليلة - فلذلك، هذا الحيوان جبانٌ، مع أنه (3) حارُّ المزاج. وإنما خُلق كذلك، لأنه لولا جُبنه، لما كان يكون كثير الجزع والخوف؛ ولو لم يكن (4) كذلك، لما كان يبادر إلى الهرب فكانت الحيوانات الكاسرة تتمكَّن منه (5) كثيراً، وبسهولة، لأنه عادمٌ للسِّلاح وللآلات التى يدافع بها المؤذيات. فلذلك، احتيج أن يكون هذا الحيوان جباناً والجبن إنما يكون بالبرد. ولو كان هذا الحيوان بارد المزاج، لكان بطئ الحركة ضعيف العدْو؛ فكانت الحيوانات الكاسرة تدركه سريعاً. فلذلك، احتيج أن يكون هذا الحيوان حارَّ المزاج، جباناً. وإنما يمكن ذلك، بأن تكون (6) حرارته - حينئذٍ - ليست كثيرة، لا لنقصانها فى نفسها (7) . وإنما يمكن ذلك، بأن يكون

__________

(1) غير واضحة في ن.

(2) ن: أكثر.

(3) هنا تنتهى الورقة الساقطة في هـ.

(4) :. ولو كان.

(5) -:. .

(6) :. يكون.

(7) العبارة في المخطوطتين، كالتالي: بأن يكون حينئذٍ (ن: حسه) ليست حرارته لا لنقصانها في نفسها! .

(1/259)

قلب هذا الحيوان عظيماً جداً بالنسبة إلى ما يستحقُّه بدنه، ولابدَّ أن يكون دماغ هذا الحيوان حارّاً، لتكون حركته سريعة؛ فيكون سريع العدو. فلذلك، كان دماغ هذا الحيوان (1) شديد الموافقة للأعصاب، وذلك لأن الدماغ شديد الملائمة للأعصاب، لأنه يغذوها ويناسب مادتها (2) ، لكن أدمغة غير الأرنب باردةٌ والبرد ضارٌّ بالأعصاب، وذلك يُلزم أن يكون أقل موافقةٌ للأعصاب، فلذلك خُصَّ دماغ الأرنب، بأنه موافق للأعصاب جداً.

وقد قال (ابن سينا (3)) إن دماغ الأرنب إذا شُوِىَ وأُكِلَ، نفع من الارتعاش العارض من الأمراض. وإذا دُلِّكت به لَثَةُ الأطفال؛ نفع من الورم

__________

(1) هنا سطر مكرَّر في المخطوطتين، مما يثبت أن إحداهما منقولة عن الأخرى، أو أن كلتاهما منقولة من أصلٍ واحد.

(2) :. لمادتها.

(3) لم يرد اسم (ابن سينا) في المخطوطتين، وإنما ترُك مكان الاسم خالياً، وبياضه بمقدار كلمة واحدة. وأظنُّ أن العلاء، وهو الذي: يكتب إملاءً من خاطره، من غير مراجعة - كما يقول المؤرّخون - قد تذكَّر هذه الخاصية العلاجية للأرنب، ولم يتذكَّر قائلها، فترك الموضع خالياً ليعود لاحقاً فيكتبه.. غير أنه سها عن ذلك. وقد عرفنا أن القائل هو الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا بمراجعة كتابه القانون حيث ورد فيه النص التالي، المطابق - تقريباً - لما أورده العلاء: أرنب برى.. الأفعال والخواص، آلات المفاصل: دماغه مشوياً ينفع من الرعشة الحادثة عقيب المرض، أعضاء الرأس: إذا مرخ عمور الصبيان بدماغه، أسرع - بخاصيةٍ فيه - نبات الأسنان، وسهَّل بلا وجعٍ، وذلك بخاصيةٍ فيه، وكذلك إذا حُلَّ بسمنٍ أو زُبْدٍ أو عسل، وإذا شربت أنفحته بخلٍّ، نفعت من الصرع. أعضاء النفض: أنفحة البرى إذا شربت ثلاثة أيام بالخلِّ، بعد الطُهْرِ؛ منعت الحبل، ونقَّت الرطوبة السائلة من الرحم، ودم الأرنب البري - ملقوّاً - ينفع من السحج ووَرَم الأمعاء والإسهال المزمن. السموم: أنفحة الأرنب البرىِّ، بخلٍّ، ترياقٌ وبادزهر للسموم (القانون في الطب 259/1) .

(1/260)

العارض لهم من نبات الأسنان. وإذا أُحرق رأسه وخُلِطَ بشَحْمٍ أو خَلٍّ، أَبَرَّ داء الثعلب. ويقال إنه إذا شُربت أنفحته ثلاثة أيام، بعد طُهْرِ المرأة، منع الحبل وأمسك سيلان الرطوبة من الرحم والبطن، وإذا شُرِبتْ بخلٍّ، نفعت من الصرع وكانت بَادِزَهْر (1) للأشياء القتَّالة، وخاصةً اللبن المتجبِّن ونهش الأفاعى. وإذا تُلِطِّخَ بدمه، وهو حارٌّ، نقَّى الكَلَف (2) والبهق والبثور اللبنية.

هذا ما قاله (ابن سينا) (3) ونقول: إنَّ السبب فى (4) نفع دماغ الأرنب للرعشة، أن (5) الرعشة تضرُّها (6) الرطوبات الزائدة، وهذه الرطوبة يقلِّلها الشَّىُّ لأنه يجفِّف. والسببُ فى نفع دماغ الأرنب، فى إبطال وجع الأسنان إذا دُلِّكت به اللثة، هو أن هذا الدماغ، مع أنه ليِّنٌ دَسِمٌ، مسهِّلٌ لخروج الأسنان بتليينه اللثة فإنه بحرارته يسهِّل خروج السِّنِّ، لأن الحرارة جذابة للمادة إلى موضعها.

وإذا أُكل لحم الأرنب المشوى (7) ، نفع من الخدَر، وذلك لأجل تقويته للأعصاب بحرارته اليابسة، باعتدال. وإذا أُكل لحم المطجَّن أو المغمور (8) ؛ نفع من قروح الأمعاء، وذلك لأجل تنقيته لها بتجفيفه. وإذا أُحرق الأرنب كما هو كان (9) نافعاً لحصاة الكلية؛ وذلك لأجل ما يكتسبه بالإحراق من الحِدَّة وقوة الجلاء.

__________

(1) البادزهر: الترياق.

(2) عبارة ابن سينا في القانون: دمه ينقِّى الكلف (المرجع السابق، الصفحة نفسها) .

(3) بياضٌ في هذا الموضع بالمخطوطتين، ولم يرد اسم (ابن سينا) .. راجع ما قلناه سابقاً.

(4) :. في أن.

(5) :. فان.

(6) :. يضرها.

(7) ن: مطلب، وإذا أُكل لحم الأرنب المشوى.

(8) :. المغموم. والمقصود: لحم الأرنب المغمور في الأُرز أو غيره.

(9) :. فإنه.

(1/261)

وإذا أُحرق جوف الأرنب بأحشائه، كما هو، كان دواءً منبتاً للشَّعْر وذلك إذا لُطِّخ به الرأس، مخلوطاً بدهن الورد (1) . وإذا طُبخ الأرنب حيّاً، وجَلَس فى طبيخه صاحبُ النَّقْرَس - أو صاحب (2) وجع (3) المفاصل - انتفع بذلك كثيراً (4) . وهذا الطبخ قد يكون فى الماء، وقد يكون فى الزيت؛ وكذلك، ينتفع بذلك صاحبُ الإعياء.

ولحم الأرنب ينفع لمن يبول فى الفراش (5) ، نفعاً بيِّناً، وخاصةً إذا داوم عليه وذلك لأجل حرارة هذا اللحم ويبوسته. والدليل على أنّ لحم الأرنب يابسٌ، أنه يولِّد دماً سوداوياًّ غليظاً، إلا أنه أجود من الدم المتولِّد من الشراب والتيوس (6) بل أجود من لحوم الكباش والنِّعاج الهَرِمَيْنِ. وإذ (7) كان لحم الأرنب يولِّد دماً غليظاً يابساً سوداوياًّ عَكِراً، فمن اضطر إلى أكله، فينبغى له أن يُكثر معه من الدسومات والأدهان المرطبة، وأن يجعل طبيخ هذا اللحم بالماء والزيت العذب المغسول، وأن يُبالغ فى إنضاجه حتى يتهرّأ؛ فيلطف بذلك ويرطب، لكثرة ممازجته للماء.

ومع ذلك، فلابد من تعديل مزاجه بالتبريد والترطيب، وذلك بمثل الراحة

__________

(1) العبارة عند ابن سينا: وإذا أُخذ بطن الأرنب كما هو، بأحشائه، وأحرق قلياً، على مقلى كان دواءً نابتاً للشعر على الرأس، إذا سُحِقَ واستُعمل بدهن الورد (القانون في الطب 259/1) .

(2) :. وصاحب.

(3) - ن.

(4) العبارة بالقلم المغربي في هامش هـ، مسبوقة بكلمة: انظر. وفي هامش ن: مطلب.

(5) ن: مطلب.

(6) التيس، ذكرُ الماعز. والجمع: تيوس.

(7) :. وإذا.

(1/262)

والحمَّام والأغذية الباردة الرطبة. وأن يتعاهد (1) بدنه باستفراغ السواد، وبالعصر كل حين؛ وذلك إذا كان يداوم هذا اللحم. وكذلك أكل لحوم الوحوش والصيد، والقديد، ونحو ذلك.

وفرو الأرنب طيِّبُ الرائحة، شديدُ النعومة، معتدل الإسخان، مشابهٌ فى إسخانه للسَّمُّور (2) ؛ ومنه أبيض، ومنه أسود. وإذا شُرِبَ بَعَرُ الأرنب فى شراب، نفع من البول فى الفراش. وإذا قُلِىَ (3) دم الأرنب كان نافعاً من السهوم (4) الأرمنية، وهى المسمومة (5) .

__________

(1) يقصد، الذي يضطر إلى أكل الأرنب البرى كثيراً.

(2) السمور (الجمع: سمامير) حيوانٌ من الفصيلة السمورية من رتبة آكلات اللحوم، من الثدييات له رأس مخروطي الشكل وأُذنان كبيران، وقوائمه طويلة قويَّة، تنتهى بأقدام كبيرة نسبياً، لونه إلى السواد غالباً، ومقدمة أسود رمادى، وصُدغاه رماديان، ورقبته غبراء اللون من أعلى برتقالية إلى حمرةٍ من أسفل؛ يقطن شمال آسيا، يُصنع من جلده فراءٌ غالي الثمن (معجم المصطلحات العلمية والفنية، ص 328) .

(3) :. قيى.

(4) :. السموم.

(5) العبارة عند ابن سينا: ودم الأرنب مقلواًّ، نافع من سُم السهام الأرمنية (القانون في الطب 260/1) ولولا المطابقة مع هذه العبارة، ما كان من الممكن فَهْم عبارة العلاء، حيث وردت في النسختين كالتالي: وإذا قيىً دم الأرنب كان نافعاً من السموم الأرمنية وهي المسمومة!

(1/263)

المقالة السابعة عشر فىِ أَفْعَالِ الأَرْنَبِ البَحْرِىِّ

وكلامُنا فيه، هو فى فصلٍ واحد.

(1/265)

الأرنب (البحرى (1)) لم يتفق لنا مشاهدته، فلذلك رأينا أن نكتب فيه ما قاله الأوَّلون، ولا علينا صَحَّتْ (2) أقوالهم أو فسدت. وقد قالوا: إن هذا حيوانٌ صغيرٌ، صَدَفىٌّ إلى حُمرة ما (3) . وهو (4) يوجد فى البحر، وبين أجزائه أشياءٌ كأنها ورق الأشنان (5) . قالوا: والتضميد به يجلو (6) الشعر، وكذلك الماء الذى يُطبخ هو فيه، يستعمل فى حَلْق الشَّعْر. وهو من السموم القتَّالة. إذ يقتل (7) بتقريحه الرئة. ويعرض لشاربه أولاً، تغيُّرُ (8) طعمِ فمه إلى سهوكةٍ كسهوكة (9)

__________

(1) لم ترد الكلمة في المخطوطتين، وفي موضعها بياض.

(2) :. صحة.

(3) :. الحمرة،:. ما.

(4) :. هو.

(5) الأشنان، أو الغسول، أو الحُرض، أو الخِمام - في الشام - هو من الغسولات، يطلق على Arthrocne Mum glaucm من الفصيلة الرمرامية Chenopodiaceae وهو جَبةٌ ملحية تنبت بالأراضي الرملية وأوراقها أثرية متقابلة، استعمله العرب هو ورماده في غسل الثياب وغسل الأيدي بعد الطعام (معجم المصطلحات العلمية والفنية ص 27) .

(6) :. يجلواً.

(7) :. اذا قتل.

(8) :. لشاربه ولا تعبر.

(9) :. سهولة كسهولة. والسهوكة، من السَّهْكِ: وهو الريح الكريهة التي تجدها من الإنسان إذا عرق. والسُّهْكة: قبح رائحة اللحم إذا خَنِزَ (لسان العرب 228/2) .

(1/267)

السمك، ثم وجعٌ فى البطن، ثم حَصْرٌ فى البول؛ فإن بال، بال شبيهاً بالأُرجوان. ويتغيَّر ريحُ عَرَقِه إلى كراهةٍ، ويقيَّأ المِرَّةَ مِراراً، فى بعضها خلط دم. وتدبير من سُقِىَ، مما نذكره فى كلامنا الجزئى (1) .

قال: ورماد هذا الحيوان، من شأنه أن يَحِدَّ البصر (2) .

__________

(1) يقصد، ما ينوى الكتابة فيه - في الشامل - من جزئيات الصناعة الطبية.. فهو هنا يكتب في الأمور الكلية.. فتأمَّل.. وتعجَّب من هذا الطموح العلمي المستهين بقصر العمر!

(2) راجع ما قاله السابقون على العلاء والمعاصرون له، في الأرنب البحري.. في المصادر الآتية: * الرازي: الحاوي في الطب 98/20، 99. * ابن سينا: القانون في الطب 263/1. * ابن البيطار: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية 22/1.

(1/268)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الثامنة عشر فىِ أَحْكَامِ الأَزَادَرِخْتِ

وكلامُنا فى هذا، يشتمل على فصلين.

(1/269)

الفصل الأول في أحْكَامٍ الأَزادَرِخْتِ

الأزادرخت لفظٌ فارسىٌ، ومعناه: شجرٌ مجرَّد (1) .وهو من الأشجار التى

__________

(1) في هذا النبات اختلافٌ كبيرٌ بين الأطباء والصيادلة واللغويين، وفي اسمه اضطرابٌ وتداخل فنرى عند ابن سينا: أزادرخت شجرةٌ معروفة لها ثمرةٌ تشبه النبق، يسمونه بالرى شجرة الاهليلج وكنار وبطبرستان يسمَّى طاحك وهي شجرة كبيرة من كبار الشجر (القانون في الطب 255/1) . وعند الملك المظفر لم يرد ازادرخت وإنما ورد ما يلى: هَليلج وهو أربعة أصنافٍ؛ أصفرٌ وأسودٌ هندي، وكابُلى، وصينى (المعتمد في الأدوية المفردة، ص 536 وما بعدها) وقد أفاض الملك المظفر في الكلام عن الأصناف الأربعة، وليس فيها ما يطابق صفات وأفعال الأزادرخت. وعند الشيخ داود الأنطاكي: أزادرخت فارسي، ويسمَّى الطاحك وبمصر الزنزلخت وبالشام الجرود وهو شجرٌ يقارب الصفصاف (تذكرة أولى الألباب 42/1) وهكذا صارت لدينا ستة أسماء لهذا النبات! ثم أضاف السيد أدى شير المزيد من الأسماء، وأبان عن أصل التسمية في الفارسية، بقوله: الأزادرخت تعريف آزاد دِرخْت أى: شجرٌ حُرُّ. قال في البرهان القاطع في مادة آزاد: آزاد شجرٌ يٌقال له بالهندية بكاين وفُسِرَ بأزادرخت. وقال في مادة آزاذدرخت ما تعريبه: أزاذدرخت شجرٌ يُقال له في بلاد جرجان زهر مين - (سم الأرض) وفي فارس يسمَّى طاق وطغك ويقال له بالعربية علقماً ولشجرة الحرة ولثمره حنظلاً. واختُلف كثيراً في ماهَّية هذا الشجر، وقد قَرَّ الرأى على أنه ضَرْبٌ من الشبيح خاص ببلاد فارس، ورقه يسبه ورق الدفلى مسموم، قاتل للحيوانات. وقيل: إنه شجر طاق وهو المسمى بالتركية سكسك أغاجي ويُعدُّ شبوباً للنار، وناره تستقيم كثيراً، ويقال له بالعربية غضا (معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص 9) .

(1/271)

تعظم جداً، وثمره كالنبق (1) ، إلا أنه مجتمعٌ كالعناقيد الصغار المشبَّثة (2) . وجوهرُ هذا النبات أرضىٌّ، وفيه ناريةٌ وهوائيةٌ. ولذلك فإن جِرْمه غير ثقيل جداً. وهو من جملة الأشجار المائية، ويُعدُّ من جملة السموم، لأن فى ثمره سُمِّيَّةٌ؛ وإن كانت أطرافه (3) الغَضَّة - إذا اعتُصرت - نفعت من السموم، إذا شُربت.

__________

(1) ن: كالبندق.

(2) ن: والمشبثة.

(3) ن: الحرافة.

(1/272)

الفصل الثاني في بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الأَزادَرِخت

إن هذا الشجر شديدُ الحرارة، يابسٌ، قوىُّ التحليل والجلاء، وفيه قبضٌ لما فيه من الأرضية. وثمرته تقتل سريعاً، ويحدث لأكلها كربٌ شديدٌ معوى (1) وغشىٌّ (2) ، وقئٌ، وصِغَرٌ (3) فى النفس، وغشاوةُ البصر، ودوارٌ شديد. وذلك (4) لأجل قوة حِدَّةِ هذه الثمرة، وشِدَّةِ حرارتها (5) ، ومنافاتها لمزاج الحياة (6) . ولذلك، يُعالج أكلها (7) بعلاج من تناول الفربيون (8) أو البلاذر (9) .

وهذه الثمرةُ شديدةُ الضرر بأعضاء الصدر، وبالمعدة؛ وإذا اعتُصرت (10)

__________

(1) :. كرت شديد معرى.

(2) ن: ويمشى.

(3) هكذا وردت الكلمة في المخطوطتين، وهي مضبطوطة بالحركات في هـ.

(4) :. في ذلك.

(5) ن: مرارتها.

(6) :. الحيوة.

(7) ن: كلها.

(8) الفربيون (- الأُفربيون) دواءٌ حارٌّ، إذا لُمِس لم تُحس فيه حرارة ... بينما الأفيون باردٌ، وإذا لُمِس لم تحس فيه برودة! وقد تناول العلاءُ (ابن النفيس) مزاج الأفربيون مقارنةً بمزاج الأفيون في الفصل الأول من مقدمة المقالة الأولى من الكتاب الثالث من الجزء الأول من الفن الأول من موسوعة الشامل (مخطوطتيْ: دار الكتب المصرية رقم 6057/ل، الظاهرية رقم 7170) .

(9) بخصوص البلادر (- البلاذر) انظر المقالة السادسة والثلاثون من حرف الباء، بالجزء الرابع من هذه النشرة المحققة.

(10) :. اعتصر.

(1/273)

أطرافه الغَضَّة، وشُربت عصارتها بالعسل أو بالشراب، نفع ذلك من السموم القَّتَّالة ومن عِرْق النَّسَا (1) واسترخاء الإنثيين. ويُدِرُّ البول والطمث، ويحلِّل الدم الجامد فى المثانة؛ وذلك، لأجل قوة حرارة هذه العصارة.

وأوراق هذا الشجر إذا دُقَّت وحُشِىَ بها (2) شَعْرُ الرأسُ، طوَّله وقَوَّاه. وكذلك إذا طُبخ فى الزيت، ودُهِنَ به الرأسُ. وكذلك إذا اعتُصر هذا الورق وغُسل الرأسُ بعصارته. وكذلك - أيضاً - الأطراف الغَضَّة لهذا الشجر، تفعل (3) هذا الفعل. وهذا الورق وهذه الأطراف، إذا اعتُصرت وأُضيف (4) إلى عصارتها مَرْداسَنْج (5) وشئ من دهن الورد كان ذلك مطوِّلاً للشَّعْرِ، منقيّاً لرطوبات قروح الرأس، قاتلاً للقمل. وكذلك (6) ، إذا فُعل ذلك بعصارة أصول هذا النبات وأوراق (7) هذا الشجر، إذا (8) فُقدت، قام مقامها فى تطويل الشَّعْر، ورقُ الشَّهْدَانج.

وأما فُقَّاحُ هذا النبات، فإنه يفتِّح السُّدَد بقوة، وإذا شُمَّ فتَّح سُدَد الدماغ ونقَّاه. وهو حارٌّ جداً يابسٌ (9) بقوة.

__________

(1) العبارة في هامش هـ، مسبوقة بكلمة: انظر.

(2) :. دق وحشي به.

(3) :. هذا المتبخر يفعل!

(4) :. أو اضيف.

(5) غير واضحة في المخطوطتين.

(6) :. وذلك.

(7) العبارة التالية، في آخر المقالة، بالمخطوطتين! والظاهر أن الناسخ الأول نقلها من هامش نسخة المؤلِّف، ولم يستدل على موضعها، فختم بها المقالة. وجاء الناسخ التالي، فنقل ما وجده دون تدبُّر.

(8) :. فإنه إذا.

(9) :. يابساً.

(1/274)

وأما لحاءُ هذا الشجر، فإنه إذا طُبِخَ مع الشَّاهْتَرج (1) والإهليلج ورُوِّق (2) ، نفع من الحميات البلغمية.

__________

(1) :. الشاه ترج.

(2) :. وزوق.

(1/275)

المقالة التاسعة عشر فيِ أحكَامِ الأَسَارُون

وكلامُنا في هذا الدواء، يشتمل على سبعة فصول

(2/277)

الفصل الأول في مَاهِيَّةِ الأَسَارون

إن هذا نباتٌ يسمِّيه بعض الناس ناردين البرى (1) له أصولٌ، وقضبانٌ وورقٌ، وزهرٌ، وبزرٌ. وأما أصوله، فهى مُعَوَّجَةٌ ذات عُقَدٍ كثيرة تشبه أصول البقل (2) ، لكنها أَدَقُّ وأميلُ إلى التربيع، طيبة الرائحة، تحذو (3) االلسان وتلذعه جداً. وأما (4) قُضبانه، فهى صِغَارٌ إلى الإستدارة. وأما ورق (5) ، فهو شبيهٌ بورق اللبلاب وهو المسمى قيسوس (6) . وأما زهره فهو فيما بين ورقه، فِرْفيرىُّ (7) اللون، يشبه زهر البَنْج (8) . وأما بزره، فهو شبيهٌ ببزر القرطم.

__________

(1) يبدو أنه اسمٌ استُعمل منذ قديم، ففي كتاب الحشائش لديسقوريدس: ومن الناس مَنْ يسميه ناردين برى (تفسير كتاب دياسقوريدس ص 114) .

(2) غير واضحة في المخطوطتين.

(3) :. تحدوا

(4) :. فأما

(5) بياضٌ المخطوطتين

(6) الكلمة غير واضحة في المخطوطتين، وقد تُقرأ (قيبوس) أو (قيوس) وقد ضبطناها بالرجوع إلى الملك المظفر الذي يورد في حرم اللام: لبلاب، هو نباتٌ له ورق شبيه بورق قيسوس (المعتمد ص 441) وهو يُورد في أواخر حرف القاف: قيسوس، أصنافه كثيرة، منها شيء يسمى اللاذن (المعتمد ص 403) وبخصوص اللادن ما سيقوله العلاء - ابن النفيس - عنه في أول حرف اللام من الأدوية والأغذية المفردتين.

(7) :. فرفرى. والفِرفيرى: الأُرجوانى.

(8) المعروف أن للبنج أنواعاً، لكل نوعٍ منه لونه وصفاته، غير أن زهرها - جميعاً - أرجوانى اللون، أو فرفيرى.. انظر مادة بنج في: الجامع لابن البيطار، المعتمد للملك المظفر، المنهاج لابن جزلة.. إلخ. ولفظة بنج فارسية، أصلها بنك.. يقول السيد أدى شير: البَنجُ نبتٌ مُسبتٌ مُذهبٌ للحس، تعريب بنك وتركيته باك (معجم الألفاظ الفارسية ص27) وفى تذكرة داود: البنج بالعربية السيكران وباليونانية أفيقوامس والسريانية أرمانيوس والبربرية أقنقيط ويقال أسقيراسن.. وهو نباتٌ ينبسط على الأرض دائرة، ويرتفع وسطه دون ذراع شديد الخضرة.. له زهرٌ فرفيرى (تذكرة أولى الألباب 84/1) .

(2/279)

وجميع هذه الأجزاء، فإنها يقلُّ استعمالُها فى الطِّبِّ جداً؛ سوى الأصول فإنها هى التى تُستعمل كثيراً من هذا النبات. وهذه الأصول - لامحالة - مركَّبةٌ من أجزاءٍ أرضيةٍ مُرَّةٍ قابضة، وأجزاءٍ ناريةٍ مُرَّة، بها تكون هذه الأصول لذَّاعةً للِّسان حادةَ الطعم. فلذلك، تكون هذه الأصول لطيفة الجوهر، لأن ما فيها من الأرضية، لابد وأن يتلطَّف بالحرارة المفترة لها ((1) 1) .

وأفضل هذه الأصول، ما هى أزكى رائحةً، وأملأُ جِرْماً، وأَرْزَنُ وزناً لأن ما يكون كذلك، فمادته أغزر، وقوته أقوى، وملائمته للأرواح أكثر.

__________

(1) :. لها مرة!

(2/280)

الفصل الثاني في طَبِيعَتِه وفِعلِهِ على الإطلاَقِ

إن هذه الأصول، لما كانت عطرةً، حادَّةَ الطعم إلى مرارة؛ فهى لا محالة حارَّةٌ يابسة، ويبوستها كالمكافئة لحرارتها، لأجل تعادل قوة يبوسة الأرضية المحترقة - مع قلة حرارتها - لقوة حرارة النارية، مع قلة يبوستها. وقال بعضهم إن اليبوسة أَشَدُّ، لأن حرارة النارية تُزيد فى يبوسة الأرضية. والأول أَصَحُّ.

ولأن (1) هذا الدواء من أرضيةٍ محترقة، وناريةٍ؛ فهو لامحالة محلِّلٌ، جال (2) مجفِّفٌ، قابضٌ، مفتِّحٌ، يسخِّن الأعضاء كلها، ويسكِّن أوجاعها بتحليله للمادة الموجعة. ولابد (3) وأن يكون ملطِّفاً، وذلك لأجل ما فيه من الحدَّة النارية، ولأنه لو لم يكن ملطِّفاً، لما كان محِّللاً، فإن التحليل إنما يكون بتلطيف المواد، حتى يسهل تبخُّرها (4) .

ولابد وأن يكون مقوِّياً للروح، لما فيه من العطرية. فلذلك، لابد وأن تكون (5) فيه ترياقيةٌ ما. ولابد وأن يكون منقيّاً، ضرورةً. وأنه لابد وأن يكون مجفِّفاً، لأجل أرضيته الحارَّة. وذلك، مع التحليل، يلزمه قوة التجفيف. وهذا التجفيف، مع الجلاء، يلزمه التنقية. فلذلك، لابد وأن يكون هذا الدواء مجفِّفاً بقوة، منقيّاً.

__________

(1) :. وأن.

(2) :. جالى.

(3) :. فلا بد.

(4) الكلمة غير واضحة - وغير منقوطة - في المخطوطتين.

(5) :. يكون.

(2/281)

الفصل الثالث في فِعلِهِ فى أعضَاءِ الرَّأسِ

لما كان هذا الدواء منقيِّاً، مجفِّفاً، جلاَّءً، محلِّلاً، قابضاً، مقوِّياً؛ فهو لا محالة يشدُّ اللَّثَةَ، ويجفِّفُ رطوباتها المرخية، ويطيِّب النكهة بذلك، وبما فيه من العطرية.

ولما كان ملطِّفاً، مع عطريةٍ تقوِّية (1) ، وقَبْضٍ يسير، وجلاءٍ؛ فهو لامحالة ملطِّفٌ لغِلَظِ القَرَنية، وللروح التى فى العين؛ فلذلك هو يُحدُّ البصر، ولامحالة أنه نافعٌ من الصداع البارد، لتعديله للدماغ (2) . وهو يسخِّن الدماغ، وينفع من الجبن؛ وسببُ ذلك حرارتُه ويبوستُه وتجفيفهُ للرطوبات الفضلية المضعفة للدماغ.

__________

(1) ن: مع تقوية

(2) العبارة في هامش هـ، مسبوقة بكلمة: انظر.

(2/282)

الفصل الرابع في فِعلِهِ فى أَعضَاءِ الغِذَاءِ

إنَّ هذا الدواء يسخِّن المعدة والكبد، ويُخرج رطوباتهما الفضلية فى البول. وهو يفتح سُدَد الكبد والطُّحال، وذلك لما فيه من التلطيف والجلاء والنفوذ. وينفع من صلابتهما، بما فيه من التليين والتحليل، مع التقوية (1) . وينفع جداً من أورامهما، لما فيه من التحليل، مع القَبْض والتقوية والتليين.

ولما كان هذا الدواء شديدُ النفع لأمراض الكبد والطُّحَال، فهو لامحالة نافعٌ من الاستسقاء ومن اليرقان خاصةً الشراب المتخذ منه، وصفته (2) : أن يؤخذ من الأسارون اثنى عشر مثقالاً، تُجعل (3) فى ستة وثلاثين قوطولى من العصير وبعد شهرين يروَّق، ويستعمل (4) . وهذا الشراب شديدُ النفع لجميع علل الكبد ويقوِّى هضم المعدة، ويقوِّى الكلى والمثانة ويسخِّنهما، ويُخرج الرطوبات الفضلية من الكبد.

__________

(1) ن: التقو به.

(2) ن: منه صفته، هـ: مطلب، صفته.

(3) :. يجعل.

(4) هـ: انظر، ن: مطلب.

(2/283)

الفصل الخامس فى فِعلِهِ فى أَعضَاءِ النَّفضِ

إن الأسارون لأجل قوة تفتيحه، مع لطافة جوهره وتلطيفه؛ هو لامحالة مُدِرٌّ للبول، وللحيض خاصةً، فهو (1) لأجل زيادة تسخينه، يحدُّ مزاج الدم ويهيِّجه للخروج بالحيض ونحوه.

وإذا شُرب منه سبعة مثاقيل، أسهل مثل إسهال الخرْبق الأبيض وهو ينفع المستسقين بإدراره للرطوبات، وخاصةً الاستسقاء (2) اللحمى (3) ، وذلك بما فيه من التقوية للهضم. ويقوِّى الكلى والمثانة ويسخِّنهما، وينقِّى مجارى البول من الأخلاط اللزجة، فلذلك يمنع من تولُّد الحصاة. ومع ذلك، فإنه يفتِّت الحصاة بما

__________

(1) :. وهو.

(2) :. الاستسقى.

(3) هو أحد الأنواع الثلاثة التي عرفها الأطباءُ العرب من الاستسقاء: الزِّقى، والطَّبلى واللحمى. فالاستسقاء الزقى انتفاخٌ في البطن ونتوءُ فى السُّرَّة، ويسمع له صوت إذا حُرِّك كأنه قِربةٌ أو زق. والاستسقاء الطبلى يكون الوجه معه منتفخاً متمداً، يسمع منه إذا ضُرِبَ مثل صوت الطبل. والاستسقاء اللحمى أن يكون فى الأجفان والأطراف، ورمٌ رخوٌ يترهَّل معه صوت الطبل. والاستسقاء اللحمى أن يكون فى الأجفان والأطراف، ورمٌ رخوٌ يترهَّل معه الوجه والبدن كله. وسُمِّى هذَا الداء بالاستسقاء، لدوام عطش صاحبه (الخوارزمى: مفاتيح العلوم ص 188) وقد أفرد الشيخ الرئيس فصلاً مطولاً للاستسقاء وأنواعه الثلاثة وعلاجاتها (ابن سينا: القانون 384/2 وما بعدها) كما أشار إلى نفع الأسارون في علاج الاستسقاء (القانون 248/1) . وهناك أنواع أخرى للاستسقاء، تُعرف اليوم؛ كاستسقاء الرحم واستسقاء الدم واستسقاء المفصل..الخ.

(2/284)

فيه من الحِدَّة والتلطيف وقوة النفوذ - لأجل لطافته - وإذا شُرب بالعسل، زاد فى المنىِّ. وإذا دُقَّ وعُجِنَ بلبنٍ حليب (1) ، وضُمِّدَ به بين الوركين، هيَّج الباه وأنعظ إنعاظاً شديداً.

__________

(1) العبارة فى هامش ن، مسبوقة بكلمة: مطلب.

(2/285)

الفصل السادس فى فِعلِهِ فى الأَمرَاضِ التى لا اختِصَاصَ لها بعُضوٍ عُضو

إنَّ هذا الدواء، لأجل إدراره وإخراجه الرطوبات الردئية بالبول، هو نافعٌ فى الحميات؛ وذلك إذا كانت عتيقة، ولم تكن مادتها شديدة الحرارة.

وهو يجلو الجلد إذا استُعمل من خارج، ويسكِّن وجع الوِرْك، ووجع النَّسَا - وإن تقادم - خاصةً شرابه المذكور (1) . ويسكِّن الأوجاع الباطنة، ويدخل فى التطييب (2) .

__________

(1) راجع صفة هذا الشراب، فى الفصل الرابع من هذه المقالة.

(2) :. التطيب

(2/286)

الفصل السابع فى بَقِيَّةِ أَحكَامِه

إذا بُخِّرَ البيت بالأسارون، هربت منه العقارب الخضر. وإذا فُقد الأسارون قام مقامه مثل وزنه قَرْدَمانا (1) مع ثلث وزنه د ح (2) وثلث وزنه حماماً، أو يُبدل بمثله ونصف د ح ومثل سدسه حماماً.

__________

(1) القردمانا: نباتٌ جبلى يسمَّى بالكراوية الهندية والكراوية الجبلية، لشبهه بالكراويا (المعتمد ص 380) .

(2) هكذا فى المخطوطتين، ولم نقع لها على معنى.

(2/287)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة العشرون فىِ أَحْكَامِ الأُسْطُوخودُس

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على ستة فصول.

(2/289)

الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ الأُسطُوخودُس

قد فسَّر بعضهم (1) لفظ أُسْطُوخودُس بموقف (2) الروح، ويُشبه أن يكون كذلك (3) ، لأنه يوقف (4) الروح عن التغيَّر الردئ، أى أنه حافظٌ لصحتها. وقد يسمَّى هذا الدواء ستخادس (5) لأن هذا الدواء يكثر نباته فى جزائر ستخادس (6) فلذلك سُمِّى هذا الدواء باسم ما يكثر نباتُه فيه (7)

__________

(1) المقصود هنا هو ابن الجزار فقد نقل عنه ابن البيطار هذا القول فى بدء الكلام عن هذا النبات (انظر: الجامع24/1) .

(2) ن: بموفق.

(3) :. ذلك.

(4) ن: يوفق.

(5) :. استحادس.

(6) :. ستحادس.

(7) فى اسم هذا النبات تعدُّدٌ واختلاف، عرض لهما ابن البيطار تفصيلاً فى كتابيه: تفسير كتاب دياسقوريدوس، الإبانة والإعلام بما وقع فى المنهاج من الأوهام. فقال فى الكتاب الأول: سُتخَادِس قال اصطفن (ابن بسيل) إنه الأسطوخودوس وليست حليته (صفته) بموافقة لحلية دياسقوريدوس لستخادس، فتأمله، وبينهما مباينة فى الماهية والقوة. وذلك أن ستخادس موجود ببلاد الأندلس وبالمغرب أيضا، وهو غير النبات المسمَّى عند أهل العصر بالأسطوخودوس، ويسمى باللطينى (يقصد: اللاتينية) يربه فشوشكه) (فى هامش التحقيق: لم نعثر على أصل هذا المصطلح الأعجمى، أما جزؤه الأول يربه فلاتينى إسبانى، أصله yerba ومعناه عُشبة) وأما النبات المعروف بالأسطوخودوس، فهو كثيرٌ ببلاد الأندلس وبغيرها ويسميه عامتنا بالحلحَال وبالسُّمَيرَة وبالثُّمَيلة وبالحائِن، وباللطينى: أَرسميسة وتأويله: مَوقف الأرواح (تفسير كتاب دياسقوريدوس، ص 219) . وقد أورد إبراهيم بن مراد فى هامش تحقيقه، نصّ الإبانة وفيه: الأسطوخودس.. المحققون من أطباء المغرب يسمونه الشيح الجبلى، ولم يذكره دياسقوريدوس ولا جالينوس البتة، وإن كانت هذه اللفظة - الأسطوخدوس - موجودة فى كتابى الرجلين الفاضلين.

(2/291)

وهو رقيق السَّفَا، أحمره؛ له جُمَّةٌ كجمة الصَّعْتر وهو أطول ورقاً من الصعتر، وقضبانه غُبْرٌ كما فى الأفتيمون (1) . وطعمُه حريفٌ، مع مرارةٍ ويسير قبض.

وجميع أجزائه تستعمل (2) فى الطبِّ، وقد يُستعمل على حاله، وقد يُتَّخذ منه شراب، وربما اتُّخذ منه معجون بالعسل. وذلك بأن يُربَّى (3) فى العسل كما يُربَّى الورد ونحوه، ويُفعل ذلك فى الربيع. وغير المربَّى يندر (4) جداً أن يستعمل بانفراده، وذلك لأجل قوة حرارته ويبوسته؛ بل يُستعمل غالباً مع أدويةٍ أُخر تصلحه وتعدِّله.

وجوهره مركَّبٌ من أرضيةٍ ونارية، وأرضيته بعضها باردةٌ، بها يكون قابضاً؛ وبعضها حارَّةٌ محرقة، بها يكون مُرّاً. وأما الناريةُ، فإنه بها يكون حريفاً.

وجوهره إلى لُطْفٍ، لأن ناريته أزيد من أرضيته الباردة، ومائيته يسيرة. ولذلك لايظهر فيه تفاهة، ولا يتأخَّر ظهور حرافته ومرارته، بل يظهر ذلك عند أول ملاقاته اللسان. وفيه هوائيةٌ كثيرة، ولذلك هو خفيف (5) جداً.

__________

(1) :. وقضبانه غير ما فى الافتيمون. وقد أصلحنا العبار بالرجوع إلى القانون فى الطب حيث وردت بنصِّها هنا (القانون 252/1) .

(2) :. يستعمل.

(3) :. يرمى.

(4) غير واضحة فى المخطوطتين، وقد تقرأ: يبرر!

(5) ن: ضعيف.

(2/292)

الفصل الثانى فى طَبِيعَةِ الأُسطُوخُودُس

إن هذا الدواء،لما كان من أرضيةٍ باردة وأرضيةٍ حارَّةٍ محترقةٍ مُرَّة، ومن ناريةٍ، ومائيةٍ يسيرة، وهوائية متوسِّطة؛ وما سوى المائية والهوائية من هذه الأجزاء، فإنه يابسٌ. فلذلك، يجب أن يكون هذا الدواء شديد اليبوسة، ويجب أن يكون حارّاً لأجل غلبة ناريته مع قِلَّة مائيته، وأرضيته الباردة وهوائيته لا مدخل لها فى ترطيب البدن، ومائيته المرطَّبة يسيرة، وباقى أجزائه يابسةٌ؛ فلذلك يجب أن تكون يبوسة هذا الدواء شديدةٌ جداً.

وأما حرارته، فإنها مع قوتها، يجب أن تكون أقل من يبوسته. وذلك لأن حرارته النارية تتعدَّل ببرد المائية والأرضية الباردة، وتسخين الهوائية والأرضية الحارّة ليس بكثير جداً.

ولما كان هذا الدواء كذلك، فهو - لامحالة - موافقٌ للمشايخ والمبرودين والمرطوبين، ضارٌّ بالشُّبان والمحرورين. وقد بَّيَّنا أن هذا الدواء لطيف الجوهر ولابد - أيضاً - أن (1) يكون ملطِّفاً، وذلك لأجل ناريته. ويجب أن يكون (2) جَلاَّءً محلَّلاً، مفتِّحاً، نفَّاذاً، مقطِّعاً، مجفِّفاً، منقِّياً. وذلك لأنه لمرارته، يجب أن يكون جَلاَّءً مفتِّحاً. ولناريته، يجب أن يكون مقطِّعاً. ولشدة يبوسته مع التحليل، يجب أن يكون مجفَّفاً؛ ولتجفيفه مع الجلاء، يجب أن يكون منقياً؛ فلابد وأن يكون مُنضجاً للمواد الغليظة والباردة، وذلك لأجل تلطيفه مع تسخينه. وهو، لقوة حرارته، يسخِّن

__________

(1) :. وأن.

(2) ن: تكون.

(2/293)

الأعضاء جميعها. ولقوة تجفيفه، يزيل الرطوبات المعِدَّة للعفونة فلذلك، هو من الأدوية المانعة للعفونة، المضعفة لها.

ولما فيه من القبض، يقوِّى الأعضاء؛ وخاصةً الأحشاء (1) ، لأنه - مع القَبْضِ القوى لها - يزيل بَلَّتها المرخية، بتجفيفه. ولأجل لطافة جوهره، مع الجلاء والتلطيف، هو (2) مفتِّحٌ بقوة. فلابد وأن يكون شديد التلطيف، وإلا لم يكن قوىَّ التحليل؛ ولابد وأن يكون مفشِّيّاً (3) للنَّفْخ والرياح، وذلك لأنه - مع حرارته - ملطِّفٌ محلِّلٌ بقوة.

__________

(1) ن: للأحشاء.

(2) ن: وهو.

(3) :. مغشا

(2/294)

الفصل الثالث فى فِعلِه فى أعضَاءِ الرَّأسِ

إنّ هذا الدواء، شديدُ النفع فى الماليخوليا (1) والصَّرَع والرعشة وجميع أمراض العصب الباردة. وأما قوة نفعه من الماليخوليا فلأنه مع تلطيفه الروح بحرراته، فإنه يلطِّفها ويصفِّيها، باستفراغه الأخلاط الغليظة منها، وهى السوداوية والبلغمية.

فلذلك، هذا الدواء يُصلح الفِكْر جداً، ويقوِّى الذهن؛ لأنه يلطِّفُ (2) الروح (3) النفسانى والحيوانى معاً، تلطيفاً كثيراً. ولذلك، هو يفرِّح، ويسرُّ النفس. ولكنه، لزيادة تسخينه للروح الحيوانى، يحدُّ مزاجه فى المحرورين فلذلك يكون فيهم، مُحدثاً لسرعة الغضب، لأنه يجعل أرواح هؤلاء، بحدَّتها ومرضها شديدة الاستعداد للحركة إلى خارجٍ دفعةٌ، وذلك ما يُعِدُّ لكثرة الغضب. كما بيَّنَّاه فى كتابنا السالف (4) .

__________

(1) الماليخوليا - المالينخوليا - أحد الأمراض النفسية التى عرفها، وعالجها، الأطباءُ المسلمون القدامى. والماليخوليا بحسب تعريف العلاء: تشوُّش فى الفكر والظنون إلى الفساد والخوف ويبتدىء بسرعة غضبٍ وحُبِّ الخلوة وخوف ما لا يُخاف منه عادةً، فإذا استحكم، قويت هذه الأعراض.. وعروضه للرجال أكثر، وللنساء أفحش (الموجز فى الطب ص139)

(2) :. ملطف.

(3) ن: للروح.

(4) الإشارة هنا إلى الكتاب الأخير من الجزء الأول من الفن الثالث من الشامل. وهو جزءٌ لم يزل مفقوداً.

(2/295)

وأما قوة نَفْع هذا الدواء من الصَّرَع فلأنه يزيل المادة التى منها تتولَّد (1) الرياح المصرعة، ويحلِّل (2) تلك الرياح. وإمالته (3) لمادة هذه الدُّخَّانية، بما فيه من الاستفراغ، وبم (4) هو مجفِّفٌ، فيجفِّفُ الرطوبات الفضلية التى فى الدماغ، فلا يبقى منها ما تتولَّ (5) منه الرياح.

وخاصَّة (6) هذا الدواء، تنقيةٌ الدماغ. وقد يُسعط (7) بوزن درهم منه معجوناً بسعلٍ، فينقِّى الدماغ تنقيةً بالغة. وشرابه نافعٌ من تَزَعْزُعِ الدماغ

لأجل سقطةٍ أو ضربةٍ أو نحوهما، وذلك إذا استعمل هذا الدواء بالعسل.

وأما قوة نفعه من أمراض العصب، فلأنه يسخِّن الأعصاب بحرارته، ويزيل بَلَّتها المرخية لها بتجفيفه، ويقوِّى جِرْمها بما فيه من القبض. وشرابُه يفعل هذه الأفعال كلها، وهو أنفع فى أمراض العصب من جِرْم هذا الدواء، لأن جِرْمه يقلُّ نفوذه إلى الأعصاب، بخلاف شرابه، فإنه - لسيلانه - يسهل نفوذه إلى جميع العصب.

وأما أمراض الدماغ نفسه، فجِرْمُ هذا الدواء أوفق فيها، لأنه يبقى فى المعدة كثيراً، فيكثر ما يتَبخَّر منه إلى (الرأس بجلاء، وشرابه - بسيلانه (8) - ينحدر من

__________

(1) :. يتولد.

(2) :. وتحلل.

(3) :. وانالته.

(4) :. وربما.

(5) :. يتولد.

(6) هـ: خاصية. والمقصود بقوله خاصة الإشارة إلى أهم أفعال هذا الدواء.

(7) السعوط والنشوق والنشوغ، تناول الدواء بالأنف. والصعود، اسم الدواء الذى يُصَبُّ فى الأنف (لسان العرب 149/2) .

(8) هـ: فإنه بسيلانه.

(2/296)

المعدة سريعاً، فيِقلُّ ما ينفذ منه إلى (1) الدماغ. وهو مع ذلك، فإنه يسخِّن الأعضاء الأُخر كثيراً، لأنه ينفذ إليها؛ ولا كذلك جِرْم هذا الدواء، فإنه يكثر فعله فى الدماغ، ويقل فى غيره من الأعضاء؛ خلا المعدة، فإنه - أيضاً - يفعل فيها بقوة، وذلك لأجل كثرة بقائه (2) فيها. فلذلك، إذا احتيج إلى الأُسْطُوخودُس لأجل أمراض الدماغ نفسه، فينبغى أن يستعمل شرابه.

ولستُ أستبعدُ أن يكون الأُسْطُوخودُس مقوياً للبصر، ولغيره من الحواس وذلك لأجل تصفيته للروح، وتلطيفه لها.

__________

(1) ما بين القوسين ساقط من ن.

(2) :. بقاه.

(2/297)

الفصل الرابع فى فِعلِهِ فى أعضَاءِ الصَّدرِ

إن طبيخ هذا الدواء، نافعٌ لأعضاء الصدر جداً، وذلك لأجل تلطيفه وتفتيحه. وهو فى ذلك، يفعل فعل الزوفا (1) وطبيخه فى هذا، أوفق من جِرْمه لأن نفوذ جرمه إلى هذه الأعضاء عسرٌ.. (2) من مسام الحجاب الفاصل بين المرئ وقصبة الرئة.

وهو يقوى القلب جداً بقبضه، وبإصلاحه لأرواحه (3) بما ينقِّيها من السوداء؛ ويفرِّح كثيراً بذلك، لأن الروح إذا صفت ولطفت، سهل تحرُّكها إلى خارج.

__________

(1) الزوفا اليابسة: حشيشةٌ فى طول الذراع، لها ورقٌ من أغصان تنفرش على وجه الأرض.. تنفع من أورام الرئة الحارة ومن الربو والسعال المزمن وعُسر النَّفس (المعتمد 211) .

(2) هنا بياضٌ فى المخطوطتين، ولعله موضع كلمة: فلا ينفذ.

(3) :. بأرواحه.

(2/298)

الفصل الخامس فى فِعلِهِ فى أعضَاءِ الغِذِاءِ

لما كان هذا الدواء محلِّلاً، مفتِّحاً، منضجاً - بما فيه من الحرارة - كل ذلك فيه، مع قَبْضٍ وتقويةٍ؛ فهو لامحالة موافقٌ للأحشاء، مقوٍّ لها، مجفِّفٌ لفضولها ويُكثر (1) تكرُّب المحرورين والصفراويين، وذلك لأجل زيادته فى سوء مزاجهم ولذلك يشتد تعطيشه لهم، ويقيَّئهم.

ولا أمنعُ أن يكون هذا الدواء نافعاً للكبد، وذلك بما فيه من التفتيح والجلاء والإنضاج، مع القبض المقوِّى. وأما نفعه للطحال، فهو مما أميلُ إليه (2) ، وذلك لأنه - مع هذه الأفعال - حادٌّ، مقطِّعٌ، مستفرغٌ للمادة الغليظة والسوداوية. لكنه يضرُّ المعدة كثيراً، لتوليده المرار فيها، وذلك للمحرورين خاصة.

__________

(1) هـ: لكثرة، ن: لكثرت.

(2) تدل عبارة المؤلف هنا، على أنه لم يجرِّب فعل هذا الدواء على الكبد والطحال. فهو يستخدم تعبيرات مثل: ولا أمنع.. مما أميل إليه. وهى دالة على الظِّنِّ، لا العلم المحقَّق.

(2/299)

الفصل السادس فى فِعلِهِ فى أَعضَاءِ النَّفضِ

إن الأُسْطُوخودُس لأجل تسخينه وتجفيفه وتقويته للأعصاب، هو شديدُ النفع للأعضاء العصبية (1) كلها؛ فلذلك، هو نافع للرَّحم والمثانة، وكذلك (2) هو نافعٌ لآلات البول. ولأن فيه قَبْضٌ وتقوية، فهو - لامحالة - يقوِّى آلات البول ويجفِّف الرطوبات المرخية لها؛ فلذلك هو نافعٌ من ضعف المثانة واسترخائها ويحبس البول ويمنع سلس (3) . ومع ذلك، فإنه يُسهل البلغم والسوداء، والإكثار من الإسهال به، يبرئ الصَّرَع والماليخوليا (4) ويفرِّح جداً، وينقِّى الدماغ.

والشربة منه، من وزن درهمين إلى ثلاثة دراهم - وقيل إلى خمسة دراهم - وتصلحه الكثيراء ولا يحتاج إلى كثير إصلاحٍ. وشربه بالسكنجبين موافقٌ، وقد يُشرب شرابه مع السكنجبين وملحٍ، فيكون أقوى فعلاً.

وإذا أُخذ معجونه فى أيام الربيع، فرَّح النفس جداً، وأخرج مواداً سوداوية وإذا نُطِّلت بطبيخه المفاصلُ، سكَّن وجعها. وينفع جداً من ارتعاش الرأس.

وإذا أُخذ منه جزءٌ، ومن قشر أصل الكبر نصف جزءٍ، وعُجنا بالعسل كان نافعاً للمعدة الباردة، ومن كل خِلْطٍ باردٍ فيها، ومن الأخلاط اللذَّاعة لها. وإذا طُبخ

__________

(1) ن: للأعضا والعصبيه.

(2) :. فلذلك.

(3) سَلَسُ البول، نزوله اللا إرادى.

(4) العبارة فى هامش ن، مسبوقة بكلمة: مطلب.

(2/300)

مع الصعتر وبزر الكرفس وشُرب مع الدواء المسهل (1) ، منع إحداثه المغص. وقد يُسقى المصروع من هذا الدواء، مع السكنجبين والعاقرقرحا فينتفع به جداً.

__________

(1) :. المسهلة.

(2/301)

المقالة الحادية والعشرون فىِ أَحْكَامِ الأَسْفَانَاخِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على خمسة فصول.

(2/303)

الفصل الأول فى مَاهِيَّتِه

إن الأَسْفَانَاخَ (1) من جملة البقول التى تؤكل كثيراً، وإنما تؤكل بعد الطبخ. وورقه محيرٌ لايزيد فى طوله على نصف ذراع، وطعمه تفهٌ إلى يسير ملوحةٍ ومنه برىٌّ، ومنه بستانىٌّ. والبرىُّ أقصر، وتحاريرُ ورقه أغوص.

وجوهر الأَسْفَانَاخِ مركبٌ من مائيةٍ كثيرة، ومن أرضيةٍ محرقةٍ مُرَّةٍ قليلةٍ ضعيفةِ الإحراق والمرارة، ومن هوائية. والمائيةُ بها هو تفهٌ، والأرضية بها هو إلى ملوحةٍ؛ ولو لم تكن هذه الأرضية (2) - كما قلناه - لكانت تحدث ملوحة قوية ظاهرة، بل مرارة. ولو لم تكن فيه هوائية، لما كان خفيفاً. وليست قِلَّة هذه الأرضية مفرطة، وإلا لم يكن هذا النبات منتصباً؛ فلذلك، لابد وأن تكون هذه الأرضية قليلة الاحتراق قليلة المرارة، حتى يكون القدر المعتد به منها، لا يُحدث ملوحة ظاهرة.

وإنما يُحتاج إلى طبخه، إذا أُريد أكله؛ لتليين أرضيته، فيطيب أكله، ولا كذلك الهندباء والخسِّ ونحوهما من البقول التى تؤكل نَيَّةٌ. لكن هذه الأرضية ضعيفةُ المرارة، فلذلك لا تُحدث ملوحةٌ ظاهرة، فضلاً عن مرارةٍ. ولا كذلك أرضية الهندباء فإنها، مع قِلَّتها، قليلة المرارة؛ فلذلك (3) تظهر مرارتها فى الهندباء

__________

(1) يقال لها اليوم: سبانخ.

(2) هكذا فى المخطوطتين، وأظن صوابها: المائية. لأن المائية هى التى تخفف الملوحة.

(3) :. فكذلك.

(2/305)

ولا كذلك هاهنا. (1)

وما يدلُّ على أن (2) أرضية الأَسْفَانَاخِ أكثر مقداراً من (3) أرضية الهندباء أنه إذا دُقَّ واعتُصر، كان الخارج (منه من المائية، أقل مما (4) فى الهندباء؛ وكان الثفل أزيد. فلذلك لابد وأن تكون (5) أرضية الأَسْفَانَاخِ) (6) أزيد من أرضية الهندباء وأقل احتراقاً منها، ولابد وأن يكون أغلظ، وإلا لم يُحتج إلى طبخه.

وأفضل طبخ الأَسْفَاناخِ أن يكون مع دسم، فإنه يُطيِّب أكله ويُسرع انحداره، ويكون تليينه ونفعه لأعضاء الصدر أكثر.

__________

(1) :. ما هنا.

(2) :.

(3) :. فى.

(4) هـ: ما.

(5) هـ: يكون.

(6) ما بين القوسين ساقط من ن.

(2/306)

الفصل الثانى فى طَبعِ الأَسفَانَاخِ وأَفعَالِهِ مُطلَقاً

قد علمتَ أن الأَسْفَاناخَ مركَّبٌ من مائيةٍ وأرضية، ومائيته كثيرة - ولولا ذلك لما كان الغالبُ عليه التفاهة (1) - لكنها أقلُّ من مائية الهندباء والخسِّ كما قلناه. وأرضيته قليلةُ الاحتراق والمرارة، فلذلك هى ضعيفةُ اليبوسة والهوائية، تفيد تسخيناً لطيفاً، ولا تفيد ترطيباً، كما قلناه. فلذلك، يجب أن يكون الأسْفاناخُ قريباً من الاعتدال؛ لأن حرارة أرضيته، تعاضدها (2) حرارةُ الهوائية، فتقوى قليلاً حتى تصير قريبةٌ من برد المائية.

ومع ذلك، فإنه يميل إلى بردٍ ورطوبة، ميلاً يسيراً. وذلك لأن مائيته - لكثرتها - تكون (3) برده أزيد من الحرارة، خاصةً وأرضيته لم تخرج عن طبيعتها بالاحتراق كثيراً. وكذلك، كثرةُ هذه المائية، مع ضعف يبوسة الأرضية، يلزمها أن يكون هذا النبات مائلاً إلى الرطوبة؛ فلذلك: الأَسْفاناخ باردٌ، رطبٌ باعتدال.

ولأجل غِلَظِ أرضيته، يميل إلى الغِلَظِ قليلاً. ولأجل قِلَّةِ احتراق أرضيته، هو يتأخَّر نفوذه عن المعدة، ويتأخَّر هضمُه أيضاً. فلأجل ذلك، وبما (4) فيه من الملوحة، هو يعطِّش.

__________

(1) ن: النقاهه.

(2) :. يعاضدها.

(3) لعل صوابها: تجعل.

(4) :. ربما.

(2/307)

وفى هذا النبات غسْلٌ، وذلك بما فيه من الرطوبة. وجلاءٌ يسيرٌ، وذلك بما فيه من الملوحة. وتفتيحٌ يسيرٌ، وذلك بما فيه من الغسل؛ وهذا التفتيح ضعيفٌ لا يبلغ إلى حدٍّ يُحدث الإدرار، وذلك لأجل ضعف حرارة أرضيته ومرارتها.

ولما كان الأَسْفَانَاخُ مع قربه من الاعتدال، هو مركَّبٌ من مائيةٍ وأرضيةٍ تركيباً مستحكماً؛ لاجَرَمَ صار من الأجسام (1) الغاذية، فلذلك كان الأَسْفَانَاخُ دواءً غذائياً. وجميع الأغذية، فإنها تستحيل إلى الأخلاط (2) ؛ ولما كانت المائية فى هذه النبات كثيرة، لاجَرَمَ أن يكون خِلْطُه مائياً.

__________

(1) الاجساد!

(2) يقصد الأخلاط المكوِّنة لجسم الإنسان.

(2/308)

الفصل الثالث فى فِعلِهِ فى أعضَاءِ الصَّدرِِ (1)

إن هذا النبات شديدُ النفع لأعضاء الصدر وأمراضه، كالسُّعال، والنزلة والخشونة، والبحوحة، والأورام العارضة فى أعراض الحلْقِ والصدر (2) ، ولآفات النفس؛ ونحو ذلك. وسبب ذلك، ما فيه من الغَسْل بمائيته، ومن الجلاء اليسير بما فيه من الأرضية (3) ، وما (4) فيه من التليين لأجل الحرارة اللطيفة التى فى هوائيته وفى أرضيته القليلة الاحتراق، فإن هذه الحرارة - لضعفها - تقوى على التسييل المليِّن، وتقوى (5) على التحليل. فلذلك، كان الأَسْفَانَاخُ يستعمل كثيراً فى أمراض الصدر.

ونفعُه للنزلات، لأجل كَسره لحِدَّة موادِّها، ودَفْعه حِدَّتها (6) ، وذلك بما فيه من المائية والتليين؛ فهو عظيم النفع فى الربو الدموى، وذلك لأنه يدبِّره ويسكِّن فوران الدم (7) . وإذا كان معه دَسَمٌ، كان أنفع لأمراض هذه الأعضاء وغيرها خاصةً والدَّسَمُ يُطَيِّبه، فيكون انهضامه أجود وأسرع.

__________

(1) :. الغذاء!

(2) العبارة فى هامش هـ مسبوقة بكلمة: انظر.

(3) :. الأرضية المرارة.

(4) :. وبما.

(5) :. ولما تقوى.

(6) :. إذا حدتها.

(7) العبارة فى هامش هـ مسبوقة بكلمة: انظر.

(2/309)

وأفضل ما يدسم به فى علِلِ أعضاء (1) الصدر، دِهْنُ اللوز، إذ هذا الدهن شديدُ الموافقة لهذه الأعضاء.

وقد يُطبخ معه الباقلاء فيكون أنفع لهذه الأعضاء، لأن الباقلاء موافق جداً لهذه الأعضاء وأمراضها. وإن عُمل معه مُحُّ البيض النيمرشت (2) ، كان أكثر نفعاً لهذه الأعضاء ولأمراضها (3) ؛ إلا ما كان منها تابعاً لزيادة الدم، كالربو الدموى فإنه حينئذٍ، يكون الخالى من البيض أفضل.

__________

(1) :. أمراض.

(2) النيمرشت (النيمبرشت) هو البيضُ المنضج إنضاجاً خفيفاً، بحيث يحتفظ قلب البيضة (المح) بشيء من سيولته.

(3) العبارة فى هامش ن، مسبوقة بكلمة: مطلب.

(2/310)

الفصل الرابع فى فِعلِهِ فى أعضَاءِ الغِذَاءِ

أنَّا قد بيَّنَّا أن الأَسْفَاناخَ من الأجسام الغاذية، وأن (1) غذاءه أزيد من غذاء الهندباء لأن امتزاج أجزائه أحكم من امتزاج أجزاء الهندباء، وخِلْطه إلى مائيةٍ؟ وليس له غِلَظٌ كثيرٌ كما فى الكرنب والقنبيط ولا بردٌ شديدٌ كما فى الخس فلذلك، يقل تولُّد البلغم عنه، فضلاً عن السواد، لأن جوهره أبعد عن جوهر السوداء، لأجل مائيته.

والبرىُّ منه ألطف من البستانى، لأن أرضيَّة البرىِّ ألطف. وامتزاج أرضية الأَسْفَانَاخِ بمائيته متسحكمٌ، ولذلك (2) فإن غذاءه يكثر لأجل هذا الاستحكام فإن مائيته لاتتبخَّر كثيراً، فلذلك يكثر (3) تولُّد الأبخرة عن الأَسْفَانَاخِ فلذلك هو موافقٌ فى النزلات والصداع والرمد، ونحو ذلك من الأمراض التى يُتضرَّر فيها بكثرة الأبخرة (4) .

وأرضية الأَسْفَاناخِ مع ملازمتها لمائيته، فإنها غير شديدة الاستعداد للتصعُّد وذلك لأجل قلة احتراقها، وتلطُّفها المحترقة، فلذلك تكون هذه الأرضية مانعة للمائية من كثرة التصعُّد، ولذلك (5) - أيضاً - يقلُّ تبخُّر الأَسْفَانَاخِ ويقلُّ أيضاً تدخُّنه، لأجل

__________

(1) :. فإنه.

(2) :. وكذلك.

(3) :. تكثر.

(4) يُلاحظ هنا، أن المؤلِّف يتحدث عن فعل الأسفاناخ فى أعضاء الرأس لا فى أعضاء الغذاء!

(5) :. فلذلك.

(2/311)

عُسْرِ قبول (1) أرضيته للتصعُّد. فلذلك، يقل حدوث الدُّخَّانية عنه فلذلك، هو غير ضارٍّ لأصحاب الوسواس والماليخوليا.

فلأجل قِلَّة تدخُّنه، يقلُّ تولُّد الرياح منه، لأن حدوث الرياح إنما هو من الدُّخَّانية، فلذلك يقلُّ تولُّد الرياح والنفخ عن الأسْفَانَاخِ ولا كذلك أكثر البقول.

وهو غذاءٌ جيد للناقهين، وللمحرورين، والمبرودين أيضاً! وذلك لأجل قربه من الاعتدال، ولأجل ميله إلى البرد، والرطوبةُ هى للمحرورين أوفق وينفع من الصفراء وأعراضها، وذلك لأجل مضادَّة طبيعته لطبيعتها.

__________

(1) غير واضحة فى هـ، ن: تبولد!

(2/312)

الفصل الخامس فى بَقِيَّةِ أحكَامِ الأَسفَانَاخِ

إنَّ الأسْفَاناخَ لأجل مائيته، مع الجلاء الذى فيه؛ هو مليِّنٌ للبطن، مطلق له. ولأجل قِلَّة ملوحته - جداً - مع كثرة مائيته، وتفاهة طعمه، وبرده ورطوبته هو نافعٌ جداً من حُرقة البول.

وهو غذاءٌ جيِّدٌ للمحمومين، خاصةً الذين بهم (1) مع الحمّى، سعالٌ خاصةً إذا طُبخ بدهن اللوز الحلو (2) .

والله أعلم!

__________

(1) ن: لهم.

(2) جمع العلاء (ابن النفيس) هنا فعلين من أفعال الأسفاناخ، الأول: فى أعضا النفض، وهو حرقة البول. والآخر: فى الأمراض التى لا اختصاص لها بعضو عضو، وهى الحميات.. ويبدو أنه لم يشأ أن يفرد لذلك فصلين، لقِلَّة ما يقال فيهما، فجعلهما معاً فى فصلٍ عام يجمعهما تحت عنوان: بقية الأحكام.

(2/313)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الثانية والعشرون فىِ أَحْكَامِ الأَسَلِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على ثلاثة فصول.

(2/315)

الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ الأَسَلِ

هذا النبات يُسمَّى أيضاً السَّمَار ويسمى أيضاً سخُومُس (1) وهو النبات الذى تُتَّخذ (2) منه الحصْرُ، وقد يعالج بالنحت ونحوه، حتى تُتَّخذ منه حبالٌ وقد تُتَّخذ منه غرابيل (3) . ويسمَّى أيضاً الإذْخِر الأجامى وقد تكلَّمنا فى ذلك وفى سبب هذه التسمية؛ وذلك عند كلامنا فى الإذْخر.

وهو نوعان، نوعٌ دقيقٌ جداً لا ثمر له، تُتَّخذ منه الحصُرْ الرفاع؛ وهذا فى الأكثر يكون صلباً، قليل اللحم، حادَّ الطرف الأعلى. وقد يوجد منه ما هو ليِّنٌ جداً، تُتَّخذ منه الحصْرُ بالعراق، وهى حُصْرٌ لينةٌ لا تنكسر بالعطف والثَّنْى بخلاف الحصر المعمول فى البلاد الأخرى.

ونوعٌ آخر، غليظٌ، له ثمرٌ أسود غليظ. وهذا النوع ينقسم إلى نوعين أحدهما حادُّ الطرف، والآخر ليس كذلك. وكلا (4) هذين النوعين كثيرُ اللحم ليِّنٌ؛ وتُتَّخذ منهما الحصْرُ الغلاظ.

وجوهر الأَسَلِ مركَّبٌ من مائيةٍ كثيرةٍ وأرضيةٍ، فإنه لولا كثرة مائيته، لم

__________

(1) هكذا فى المخطوطتين. وعند ابن البيطار: سخُونس لَيَّا، هو السَّمَار بأنواعه، وعامة بلادنا تُسميه بالدِّيس، وهو الأَسَل (تفسير كتاب دياسقوريدوس، ص 289) .

(2) :. يتخذ.

(3) جمع غربال وهو إداة منزلية معروفة، يُقال له أيضاً: منخل.

(4) :. وكلى.

(2/317)

يكن شديد السبوطة خالياً من العقد الكثيرة. ولو (1) لم يكن فيه أرضيةٌ يعتدُّ بها لم يكن منتصباً، خاصةً مع دِقَّةِ جِرْمه.فلذلك، لابد وأن يكون فى هذا النبات مائيةٌ كثيرة وأرضيةٌ وهوائيةٌ.

وأرضيته (2) ليست بحارَّةٍ محرقة، وإلا كانت تكون مُرَّةً، ولم يكن طعمه تفهاً. وأما مائيته (3) ، فليست - أيضاً - باردةً برداً شديداً، وإلا كانت تكون جامدةً، فلم يكن فى هذا النبات لينٌ. ولابد وأنَّ فى جوهر هذا النبات هوائيةً وإلا لم يكن خفيفاً.

فلذلك، هذا النبات جوهرُه من مائيةٍ كثيرةٍ سائلة، وأرضيةٍ غير حارَّة محترقة، وهوائية.

__________

(1) ن: لو.

(2) :. وارضية.

(3) :. مائيه.

(2/318)

الفصل الثانى فى طَبيعَةِ الأَسَلِ وفِعلِهِ على الإطلاَقِ

إن هذا النبات، لما كان حدوثه وتركيبه من مائيةٍ سائلة، وأرضيةٍ غير حارَّة، وهوائية؛ فطبعه - لامحالة - قريبٌ من الاعتدال، مع بردٍ يسير؛ فإن حرارة الهوائية، لا تقاوم برد المائية والأرضية. وإنما كان هذا البرد ليس بكثير، لأن مائية (1) هذا النبات متسخِّنة، وكذلك هى سائلة.

وأما رطوبة هذا النبات ويبوسته، فإنهما كالمتكافئين، لأن مائيته - وإن كانت أكثر من أرضيته - فإن الأرضية بيبوستها أشد من رطوبة المائية، لأن يبوسة الأرض بالغة، ولا كذلك رطوبة الماء.

ولما فى هذا النبات من الهوائية، فإنها وإن كانت فى نفسها بالغة الرطوبة إلا أن هذه الرطوبة لا مدخل لها (2) فى التأثير فى بدن الإنسان. وكلامنا هاهنا (3) فى أمزجة الأدوية، إنما هو باعتبار فعلها فى بدن الإنسان. فلذلك، هذا النبات لابد وأن يكون معتدلاً فى الرطوبة واليبوسة، مائلاً إلى البرودة. ولابد وأن يكون هذا النبات قابضاً، لما فيه من الأرضية التى ليست بمحرقة. ولابد وأن يكون مبخِّراً، وذلك لما فيه من المائية.

__________

(1) :. مايه.

(2) :. لها.

(3) :. ههنا.

(2/319)

الفصل الثالث فى بَقِيَّةِ أَحكَامِه وأَحكَامِ ثَمَرَتِهِ

إن هذا النبات، لما كان كثير المائية، مبخِّراً؛ فهو - لامحالة - مُصَدِّعٌ مُثقلٌ للرأس. وتصديعه هو لأجل كثرة بخاره وتمديده، لا لأجل كيفيته؛ وذلك لأن برد هذا النبات ليس بشديد. فلذلك، بخارُه إنما يصدِّع بكميته، لا بكيفيته.

ولما كان هذا النبات

ذا أرضيةٍ قابضة، وليس فيه كيفية تجلو وتلذع (1) ونحو ذلك، أو تفتِّح بقوة، حتى يكون ذلك مطلقاً للبطن أو مدرّاً للبول. فهو لذلك، عاقلٌ للبطن.

وأما (2) ثمر (3) هذا النبات، فيجب أن يكون إلى حرارةٍ ما - ولذلك هو أسود اللون - فلذلك هو مفتِّح، مُدِرٌّ للبول. إلا أن هذا التفتيح والإدرار، غير قويين؛ والحرارة ليست بقويةٍ حتى تكون (4) محدَّةً للدم. فلذلك، هذا الثمر لايدرُّ الحيض؛ ومع ذلك، فإنه يحبسه، وذلك بما فيه من الأرضية القابضة. وبهذه الأرضية، هو أيضاً يحبس البطن (5) .

وإذا شُرب مع (6) هذا الثمر شرابٌ، قوى إدراره للبول، لأن الشراب من

__________

(1) :. تجلوا وتلدع.

(2) هـ: ولما

(3) :. ثمرة.

(4) :. يكون.

(5) العبارة فى هامش هـ مسبوقة بكلمة: انظر.

(6) -:. .

(2/320)

شأنه إدرار البول، على ما بيَّنَّاه من كلامنا السالف فى الأسباب. وإذا قُليت (1) هذه الثمرة، كان حبسها للبطن وللدم أكثر (2) - لامحالة (3) - وذلك لأجل ذهاب كثير من مائيتها، فتبقى الأرضيةُ كثيرةً، فيكون استيلاء فعلها أشدُّ.

وجميع هذه الثمرة إذا أُكل، صدَّع الرأس وأثقله. وذلك بما ينفصل من هذه الثمرة من الأبخرة،كما قلناه فى فعل (4) هذا النبات. وثمرةُ الصنف الذى طرفه غير حادٍّ، أميلُ إلى البرد؛ فلذلك يكون بخارُها بارداً، فلذلك ينوِّم ويُسبت إذا أُكثر من هذه الثمرة. وإنما لا يفعل ذلك، بخارُ هذا النبات نفسه، لأن رطوبته لا تبلغ إلى ذلك، فإن رطوبات الثمرة لابد وأن تكون أزيد من رطوبات الأصل لأن الثمرة لابد وأن يكون فيها رطوبة فضلية، لتكون معدَّة لأن يتكوَّن منها شخصٌ آخر، فلذلك تبلغ هذه الثمرة فى كثرة بخارها، إلى حَدِّ تُحدث (معه) السُّبَات.

وأما ورق هذا النبات، وهو يكون عند أصله؛ فإنه إذا تُضمِّد به، وافَقَ نَهْشَ الهوام والرتيلاء (5) .

__________

(1) ن: قلبت.

(2) العبارة فى هامش هـ، مسبوقة بكلمة: انظر.

(3) مطموسة فى هـ.

(4) :. نفس. وهى غير ذات معنى، والإشارة فى كلام العلاء هنا، إلى الفصل السابق حيث تكلَّم على طبيعة وفعل الأسل.

(5) العبارة فى هامش هـ، مسبوقة بكلمة: انظر.

(2/321)

المقالة الثالثة والعشرون فى أَحْكَامِ الآسِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على ثمانية فصول.

(2/323)

الفصل الاول فى مَاهِيَّةِ الآسِ

الآسُ يقال له: المرْسين. منه بستانىٌّ، ومنه برِّىٌّ. أما البستانى، فهو المعروف المشهور باسم الآس والمرسين وهو نباتٌ له أصولٌ، وساقٌ، وأغصانٌ وأوراقٌ وزهرٌ، وثمر، وله شئٌ يظهر على ساقه، على لون ساقه وعلى هيئة (1) كَفِّ الإنسان، يسمَّى البُنْكُ (2) .

وهذا الآس ينبت فى البساتين، وفى السهل والجبل، ويعظم جداً حتى يصير من الأشجار الكبار، ويشبه أشجار الرُّمَّان، وله زهرٌ أبيضٌ طيب الرائحة وثمرته (3) مستديرة، تكون أولاً خضراء، فإذا كمل نضجها اسودت. وتكون حينئذٍ حلوة الطعم إلى مرارةٍ وعفوصة. وأما طعم الآس نفسه، فهو مركَّبٌ من العفوصة والمرارة، ويسيرٍ جداً من حلاوة. وهذا الطعم، يوجد فى جميع أجزائه (4) ؛ فلذلك، جميع أجزائه متشابهة - أيضاً - فى القوة.

__________

(1) هـ: ما هيئة، ن: ماهبته!

(2) عند الكلام عن مَرسينُس إيمارُس يقول ابن البيطار: وتفسيره الآس البستانى.. وهو الريحان بلغة أهل الأندلس.. وهو بُنكُه المتكوِّن على ساقه، مُضَرَّس وقيل: كأنه كفٌّ، ولم أره بعد (تفسير كتاب دياسقوريدوس، ص 147) . وفى هامش التحقيق، كتب د. إبراهيم بن مراد: البُنكُ، وهو ترجمة المرطيدانون؛ زائدةٌ تبرز من لحاء الآس والمؤلف - ابن البيطار - ينقل فى تعريفه له، عن ديوسقريدس. (هكذا كُتب الاسم!) .

(3) :. وثمره.

(4) :. اجزاه.

(2/325)

وأما الآسُ البرىُّ فينقسم إلى نوعين، أحدهما يسمَّى بدمشق ونواحيها قِفْ وانْظرْ وورقه أعرض كثيراً من ورق الآسِ البستانى وليس له ساق، بل تتَّصل (1) أغصانه كلها بأصوله، وزهرُه فى وسط ورقه، وله ثمرٌ مستديرٌ، إذا نضج (2) صار لونه أحمر، وفى داخله حَبٌّ صَلْبٌ وقضبانٌ عسرة الأرضاض، مملؤةٌ بالورق وطعمه مركَّبٌ من عفوصةٍ ومرارةٍ.

أما النوع الآخر من الآس البرىِّ فهو أصغر ورقاً من الآس البستانى ولا ساق له - أيضاً - وأطراف ورقه حادَّةٌ، ناخسةٌ لما يلقاها، لونه أخضر إلى سوادٍ وغبرة. وكلا (3) هذين النوعين، فإنه لا يزيد طوله على ذراع (4) ، وزهره فى وسط ورقه.

وجميع أنواع الآس فإن خضرتها لا تفارق، وإن جَفَّتْ. ولا يسقط ورقها فى الشتاء، وهذا يدل على أن رطوبة الآس مُبينة، ليست مائية رقيقة، وإلا كانت تتحلَّل بدوام حَرِّ الهواء فى الصيف، وكانت الأوراق تتهيَّأ للسقوط فى الخريف والشتاء.

وجوهرُ الآس مركَّبٌ من أرضيةٍ حارَّةٍ (5) محترقة، بها يكون عَفِصاً. ولابد وأن تكون (6) فيه مائيةٌ، وإلا لم يكن سَبْطاً. ولابد وأن تكون فيه هوائيةٌ، وإلا

__________

(1) ن: يتصل.

(2) الورقة التالية ساقطة من هـ.

(3) ن: وجلا.

(4) ن: رراع.

(5) ن: حادة.

(6) ن: يكون.

(2/326)

لم يكن خفيفاً. وامتزاج الآسِ من هذه الأجزاء، ليس بمستحكم، وإلا لم تكن (1) له أفعالٌ شافية، فلم يكن مقبضٌ ومفتِّحٌ معاً، ويكثِّف ويلطِّف معاً.

وهذه الأجزاء فيه مختلفة المقادير، فمائيته ليست بكثيرةٍ (2) جداً، ولذلك إذا اعتُصر كان أكثره ثفلاً. فلذلك الآسُ فيه أجزاءٌ حارَّةٌ وأجزاءٌ باردةٌ، وبردُه أغلب. ولذلك، فإن رائحته ليست بحارَّةٍ، بل إلى نداوةٍ ويبوسة كثيرة، لأجل كثرة الأرضية فيه، خاصةً وبعضها محرَّق، وهو الأرضية المرة. فلذلك الآسُ قريبٌ من الاعتدال فى الحرارة والبرودة، وأميل إلى البرد. وأما فى الرطوبة واليبوسة، فهو مفرطٌ اليبوسة.

وأفضلُ الآسِ ما كان أذكى رائحةً، وكانت خضرته إلى سواد. خاصة الخسروانى المستدير الورق، أى الذى ورقه أقل طولاً، لا سيما الجبلىُّ من أنواعه. وإنما كان ذلك، لأن ذكاء الرائحة يدل على القوة (3) ، ومَيْلُ الورق إلى الاستدارة، فى كل نوع، يدلُّ على قلة المائية؛ ويلزم ذلك أن تكون قوة الآس الجبلىِّ (4) أقوى، والجبلىُّ من كل نوعٍ، أقل مائيةً.

وأفضل الآسِ (5) ما كان أنقى بياضاً، لأن هذا يكون أخلص من الفضول المدرَّة للَّوْن، وما كان من الآس أميل إلى السواد، فثمرته (6) أضعف من ثمرة الذى ليس كذلك.

__________

(1) ن: تكن.

(2) ن: بكثرة.

(3) - ن.

(4) ن: لعله الجيلى.

(5) ن: بحاله أفضل وأفضل.

(6) ن: بثمرته.

(2/327)

الفصل الثاني فى طَبِيعَتِه وأَفعَالِهِ على الإِطلاَقِ

أما (1) يبوسة الآسِ فأمرٌ لايُشكُّ فيه، وذلك لأن أرضيته أكثر كثيراً من مائيته، ولذلك إذا اعتُصر، كان ثفله أكثر من مائيته بكثير. وأيضاً، فإن الآسَ فيه جزآن يابسان؛ وكذلك - أيضاً - فيه جزآن رطبان، وهما: المائية والهوائية وإذا كان كذلك، لم يلزم أن تكون (2) يبوسته أَزْيد.

قلنا: إن الأمر - وإن كان كذلك - فإنه يلزم أن تكون يبوسة الآسِ كثيرةً وزائدة، وذلك لوجهين. أحدهما: أن يبوسة الأرضية شديدة جداً، إذا كانت على طبيعتها؛ ويبوسة الأرضية المحترقة أزيد من ذلك، فيكون مجموع يبوسة الآسِ الأرضية (3) كثيراً جداً، ولا كذلك رطوبة الجزئين الرطبين. وذلك لأن رطوبة المائية ليست بشديدة، وإذا كانت كذلك، لم تكن (4) رطوبة جزئىْ الآس الرطبين، معادلةً ليبوسة جزئيه اليابسين.

وثانيهما: أن كلامنا ها هنا فى أمزجة الأدوية، إنما هو فى أمزجتها المعتبرة بحسب فعلها فى بدن الإنسان، لا التى هى لها فى أنفسها (5) . والهوائية التى فى

__________

(1) بياضٌ فى ن.

(2) ن: يكون.

(3) ن: الأرضين.

(4) ن: يكن.

(5) أكَّدَ العلاءُ (ابن النفيس) مراراً، على هذه القاعدة.. راجع ما ذكرناه فى الدراسة الممهِّدة للتحقيق.

(2/328)

الآسِ وإن كانت تفيد الآسَ نفسه رطوبةً، فإنها ليست بعللٍ تثبته لبدن الإنسان بأجزائه اليابسة، وذلك لأن رطوبة الهوائى، كونه غير ممتنع عن قبول التشكُّلات والاتصال والانفصال ونحو ذلك، وهذه الرطوبة التى بهذا المعنى، لا تأثير لها فى ترطيب بدن الإنسان.

وإذا كان كذلك، كان المفيد للآسِ ترطيباً، إنما هو الماء فقط؛ فيكون ما يجعل الآسَ مرطَّباً، هو المائية فقط. وما يجعله ميبَّساً، هو الأرضية العفصة والأرضية المرة جميعاً. ويلزم ذلك أن يكون يُبْسُ الآسِ أكثر وأقوى، خاصةً والترطيب بالمائية ليس كاليُبْسِ بالأرضية، إذ يبوسة الأرضية مفرطة، ورطوبة المائية ليست (1) كذلك. فيجب أن يكون الآسُ ظاهر اليبوسة، وتكون هذه اليبوسة فيه، خارجةً عن الاعتدال كثيراً.

وأما الحرارة والبرودة، فإنه يجب أن يكون الآسُ قريباً من الاعتدال فيهما وذلك لأن فيه جزآن حارَّان باردان، وهما المائية والأرضية العفصة؛ وجزآن (2) حارَّان، وهما الهوائية والأرضية المرة. وكُلُّ واحدٍ من هذه الأجزاء، فإنه يؤثِّر فى بدن الإنسان تقويةً، فبذلك تكون حرارة الآسِ كالكافية لبرودته. ولكن برودة الآسِ يجب أن تكون أزيد من حرارته، وذلك لأن أحد المبرِّدين اللذين (3) فيه - وهو (4) المائية - برده شديدٌ جداً، مفرطٌ؛ وليس فى الجزئين الحارَّين

__________

(1) ن: ليس.

(2) تنتهى هنا الورقةُ الساقطة من هـ وأول الورقة التالية عليها، كُتب أولها بقلم مخالف، وكأنه يملأ فراغاً كان الناسخ الأصلى قد تركه بياضاً. وآخر الصفحة، والصفحات التالية، كتبها الناسخ الأصلى بقلم سميك، وبالتالى: بحروف أكبر! ومن دون ضبطٍ بالحركات، كما كان يفعل سابقاً.

(3) :. المبرودين الذين.

(4) ن: فهو.

(2/329)

الذين (1) فى الآسِ ما هو شديدُ الحرارة، فإن الهوائية حرارتُها ضعيفةٌ جداً والأرضية المرة - وإن كانت حارَّةً - فإن حرارتها ليست مفرطة. كيف وأنَّ حدوثها الأرضية، إنما هو على خلاف طبيعتها؟ وإذا كانت كذلك، لم يمكن أن تكون مفرطة. وتكون (2) طبيعة الآسِ باقيةً (3) على حالها. بل كان يلزم أن تعدُ الأرضية، وتستحيل ناريةً!

فلذلك، كل واحدٍ من الجزئين الحارين اللذين فى الآسِ فإن حرارته ليست مفرطة. وأحد الجزئين الباردين اللذين فيه، برودته (4) مفرطة؛ وذلك هو الجزء المائى. ويلزم ذلك، أن تكون (5) برودة الآسِ زائدةً على حرارته. فلذلك، يجب أن يكون الآسُ مع خروجه عن الاعتدال فى اليبوسة، هو غير (6) خارجٍ عن الاعتدال فى البرودة. ولكن خروجه فى اليبوسة أزيد، لما قلناه.

وإذ (7) الآسُ قوىُّ اليُبْسِ، ويُبْسُه (8) هو بالأجزاء الأرضية، فهو - لذلك - مجفِّفٌ، ويعين هذه اليبوسة على التجفيف، ما فيه من الحرارة؛ وذلك بأن يحلِّل فيعين (9) اليبوسة على إفناء الرطوبة؛ فلذلك الآسُ يجفِّفُ.

__________

(1) الذين.

(2) ن: ويكون.

(3) ن: تكون.

(4) ن: برودة.

(5) ن: تكون.

(6) غير واضحة فى هـ، ن: أنه.

(7) ن: إذا.

(8) غير واضحة فى المخطوطتين.

(9) ن: فتعين.

(2/330)

واليابسُ منه، أشدُّ تجفيفاً، وذلك لأجل ذهاب المائية منه، وملئ (1) مواضعها بالهوائية؛ فإذا لاقته رطوبةٌ، غاصت فى تلك المواضع، لتخرج الهوائية (2) ، كما يعرض للأجزاء إذا لاقت (3) الماء. فلذلك، يكون تجفيف الآسِ اليابس شديداً.

وهو لامحالة قابضٌ، وذلك بما فيه من الأجزاء الأرضية، خاصةً العفصة فلذلك كان قَبْضُ الآسِ كثيراً، وأكثر من تجفيفه؛ لأن تجفيفه يقلِّله (4) الجزءُ (5) الثانى المقابل رطوبته بيبوسة (6) الأرضية، وأما قَبْضُه فلا يوجد له ما يقابله، فإن الماء - وإن ترطَّب وبرد - فإن ذلك لاينافى القبض. فلذلك، كان قَبْضُ الآسِ أقَوى من تيْبيسه (7) وتجفيفه.

وكذلك - أيضاً - تحليله ضعيفٌ، لأن تحليله إنما هو بالأجزاء الحارَّة، وهى فى الآسِ كما قلناه، ضعيفةُ القوة. فلذلك، كان (8) تحليل الآس ضعيفاً وقبضه قوياً جداً.

ومائيته - لقِلَّتها - لاتُحدث للبطن لينا يعتدُّ به، ولا عقلاً شديداً، لأن ذلك

__________

(1) ن: على.

(2) - ن.

(3) :. لاقاه.

(4) ن: يقلل.

(5) :.:للجزء.

(6) :. يبوسة.

(7) غير واضحة فى المخطوطتين.

(8) - ن.

(2/331)

إنما يكون لمائيةٍ كثيرةٍ جداً؛ ومثل ذلك، لايوجد فى الآسِ (1) . وكذلك (2) ليس فى الآسِ إزلاقٌ، ولاقوةٌ مسهلة غير ذلك (3) ، ولذلك كان الآسُ قوىَّ العَقْل للبطن، إذ ما فى الآسِ من التجفيف، يعين على مافيه من القَبْضِ على حَبْسِ البطن.

والجزءُ المرُّ فى الآسِ أفعالُه - كما علمت - الجلاءُ والتحليلُ والتفتيح فلذلك لابد وأن تكون (4) هذه الأفعال جميعها ثابتةً للآس، فلابد وأن تكون (5) فى الآسِ قوةُ جلاءٍ، وقوَّةٌ محلِّلة، وقوَّةٌ مفتِّحة. والأرضية المرة فى الآسِ أقلُّ من العفصة، فلذلك (6) يكون جلاءُ الآسِ وتفتيحه وتحليله، كل ذلك، أضعفُ من قَبْضِه. خاصةً والأرضيةُ المرة، لابد وأن تعين العفصة على القبض، وذلك بما فيها من التجفيف. وكذلك، بردُ المائية التى فى الآسِ تُعين ما فيه من الأرضية العفصة على القَبْضِ، بما تحدثه من بردٍ فى (7) جميع الأجزاء.

وليس فى الآسِ ما يُعين على جلاء الأرضية المرة، ولا على (8) تفتيحها فلذلك يكون قَبْضُ الآسِ أقوى من جلائه ومن تفتيحه بكثير. وإذ (9) الآسُ شديدُ

__________

(1) فى هامش هـ: لعله، غير. وقد أدخلها ناسخ ن فى المتن، فصارت عبارته: لا يوجد فى الآس غيره لعله! (وهى غير ذات معنى) .

(2) - ن، هـ: ذلك.

(3) يقصد: لا يوجد به قوة مسهلة، مزلقة أو غير مزلقة. وعبارة العلاء قلقة الأسلوب فى هذا الموضع، فتنَّبه.

(4) ن: يكون.

(5) :. يكون.

(6) :. فكذلك.

(7) :. للبرد من.

(8) - ن.

(9) :. إذا.

(2/332)

القَبْضِ، والقبْضُ من شأنه جمع أجزاء العضو، ويلزم ذلك أن يكون جِرْمُ العضوِ أقوى؛ فلذلك كان الآسُ مقوِّياً، وتقويته كثيرة جداً، لأجل زيادة قوة قَبْضِه.

والآسُ البستانىُّ تقويته أشدُّ من تقويةَ الآسِ البرىِّ وذلك لأن الآسَ البستانى يقوى بقَبْضِه وبما فيه من العطرية المقوية للروح. والآسُ البرىُّ ليس فيه عطرية، فهو إنما يقوِّى بما فيه من القبض فقط، فلذلك (1) تكون تقويته دون تقوية البستانى.

وكلا (2) النوعين من الآس مكثِّفٌ، وذلك لما فيه من القَبْضِ الشديد، مع البرد الجامع للأجزاء. ودهنُ الآسِ يفعل هذه الأفعال جميعها، مع زيادة التليين الذى يستفيده من الدهنية.

وجوهرُ الآسِ ليس بشديد اللطافة، وذلك لما فيه من الأرضية العفصة. وزهرُه ألْطف منه - لما قلناه فى غيره - وذلك لأن (3) حدوث الزهر، هو من الأجزاء المتصعِّدة من مادة الثمرة، على سبيل البخارية والدخانية.

وثمرة الآسِ فيها حلاوةٌ ظاهرة، فلذلك هى فى القَبْضِ والتجفيف والتقوية أقلُّ من جِرْم الآسِ ولكن تحليلها أكثر، وفيها تليينٌ ظاهرٌ - وذلك بما فيها من الحلاوة - ولذلك هى شديدة (4) الموافقة لأعضاء الصدر. ولذلك، كانت عصارة ثمرة الآسِ أفضل من عصارة الآسِ نفسه، وذلك لما فى (5) عصارة الثمرة من التليين وزيادة التحليل والجلاء، ولأنها أنسب إلى الأعضاء - لأجل الحلاوة

__________

(1) :. فكذلك.

(2) :. كلى

(3) :. لا.

(4) :. من شديد!

(5) :. تمامى!

(2/333)

فلذلك، هذه الثمرة وعصارتها تغذو غذاءً يعتدُّ به، ولا كذلك جِرْم الآس فإنه قليل الغذاء جداً، وذلك لأجل زيادة يبوسته.

ويشبه (1) أن تكون (2) يبوسة حَبِّ الآسِ لا تخرج (3) عن الاعتدال كثيراً. وأما الحرارة والبرودة، فيجب أن تكون فى هذا (4) الحبِّ كالمتكافئين، لأن الحلاوة إنما تكون من جوهرٍ حارٍّ. وهذا الآسُ من قِلَّته (5) هو ردئ، وذلك لأجل يبوسته. وكذلك غذاءُ ثمرته، لكن غذاء ماء الثمرة (6) أقلُّ رداءةً، لِقلَّة يبوسة الحبِّ، ولما فيه من الحلاوة المناسبة للأعضاء.

وقد علمت فى كلامنا السالف، أن جميع العصارات من شأنها أن يحدث لها الغَلَيَان (7) والتكرُّج (8) ونحوهما (9) ، إذا لم يفعل فيها ما يبطل استعدادها. ولذلك، فإن (10) عصارة الآسِ وعصارة حَبِّه، هما بذاتهما (11) أقلُّ استعداداً لذلك (12) من أكثر العصارات، وذلك لأجل قِلَّة المائية فى الآسِ وحَبِّه، فلذلك

__________

(1) غير واضحة فى هـ، ن: يبسه.

(2) :. يكون.

(3) ن: يخرج.

(4) ن: هذا (ومصححة فى هـ) .

(5) يقصد: من قلة حلاوته.

(6) هـ: مالثمره، ن: غدا بالثمرة.

(7) هـ: الغلتان.

(8) :. التكرح! والتكرُّجُ؛ الفسادُ. يقال: تكرَّج الطعام، إذا فسد. وكَرَجَ الخبز، أى فسد وعلاه خُضرة (لسان العرب 239/3)

(9) :. ومحرهما!

(10) :. كذلك يكن.

(11) :. بدايتهما.

(12) :. كذلك.

(2/334)

يمكن بقاء هذه العصارة مدةً ما. ولكن (ليس) (1) مدة كثيرة، فإن طول بقاء ملاقاة الفاعل للمنفعل، يقوم مقام هذا (2) الاستعداد أولاً. فكذلك عصارة الآسِ إذا طال زمان بقائها على حالها، من غير أن يُمنع استعدادها للفساد مما يفسدها وكذلك عصارة ثمره.

ولذلك، يجب - إذا أُريد بقاء هذه العصارة مدةً طويلة - أن تجفَّف بقوة لتقلَّ (3) رطوبتها جداً، لاستعداد مائها للغليان والتكرُّج؛ فإن المعدَّ لذلك (4) فى جميع العصارات، إنما هو كثرة مائها ورطوبتها، كما (5) بيَّنَّاه فى كلامنا السالف. وهذا التجفيف القوى، يتمُّ بأن تعرَّض هذه العصارة (للهواء) (6) فإنها إذ عُرضت (7) ، دق جلدها وجِرْمها، فكان أميل لتجفيف الهواء لها (8) ، وأسرع وأكثر؛ وذلك لأن (9) المنفعل إذا قلَّ أو صغر، كان فعلُ الفاعل فيه أشد.

وأما (بزر) (10) الآس، فقد رأينا أن يكون كلامنا فيه، فى مقالةٍ على حدة؛ وذلك حيث نتكلم فى كتاب الباء.

__________

(1) -:.

(2) :. هذه.

(3) :. ليقل.

(4) :. كذلك.

(5) -:.

(6) -:.

(7) :. قرضت.

(8) العبارة مضطربة فى هذا الموضع، وغير واضحة، فى المخطوطتين.

(9) :. أن.

(10) ها هنا إشكالٌ؛ فالكلمة الواردة بين القوسين، غير واضحة - تماماً - فى المخطوطتين، وقد تُرأ: بند (وهى غير ذات معنى) . وقد راجعنا حرف الباء، فلم نقع هناك على مقالة فى بزر الآس وإنما مقالتان فى: بزر الكتان، بزر قطونا.. فتدبَّر.

(2/335)

الفصل الثالث فى فعلِهِ فى أعضَاء الرَّاس

أنَّا قد بيَّنَّا أن الآسَ يقوِّى الأعضاء كلها، فلذلك هو يقوِّى الرأس. وله خصوصيةٌ بالرأس، لاتوجد لغير الرأس؛ وذلك لأن الرأس - لأجل كثرة الرطوبات فيه - تكثر (1) فيه الفضول الرطبة، ويكون أكثر ضعفه من ذلك والآسُ لقوة تجفيفه، يُفنى (2) تلك الرطوبات. فلذلك، تكون (3) تقويته للرأس أكثر من باقى الأعضاء.

وإذا طُبخ بالشراب، كانت تقويته للرأس أكثر؛ وذلك لأمرين. أحدهما: ما يحدث فيه حينئذٍ من زيادة العطرية بالشراب. وثانيهما: (4) أن الشراب يُعين على نفوذه، ويقود (5) قواه إلى داخلٍ؛ فيكون فعله أقوى، فلذلك تكون (6) تقويته أشد.

وهذا الآسُ المطبوخ فى الشراب، إذا ضُمِّدَ به الرأس؛ نفع جداً من الصداع الحادث عن الأبخرة المتراقية إليه، وذلك لأجل زيادة تقوية هذا الرأس، وإذا قوى

__________

(1) يكثر.

(2) هـ: يعنى، ن: يقنى.

(3) :. فكذلك يكون.

(4) -:. (وفى موضعها بياضٌ) !

(5) :. نفوده ومقود.

(6) :. فكذلك يكون.

(2/336)

امتنع عن (1) قبول تلك الأبخرة (2) .

وإذا سُحِقَ الآسُ اليابس، وذُرَّ على قروح الرأس، نفعها جداً؛ وذلك لأجل قوة تجفيفه. وكذلك إذا طُبخ بالشراب، واستعمل فى هذه القروح.

وعصارته إذا غُسِلَ بها الرأسُ، أزالت النُّخَالة؛ وذلك بما فيها من الجلاء لأجل حرارة الآسِ وكذلك إذا دُقَّ الآسُ وعُصِرَ بماء عصارة السَّلْق وغُسِلَ به الرأسُ. وكذلك، عصارةُ الآسِ بالخلِّ. وكذلك، إذا عُجِنَ السِّدْر ونحوه بعصارة الآسِ (3) وغُسِلَ به الرأس.

ودِهْنُ الآس يفعل ذلك أيضاً، وينفع بثور الرأس؛ وكذلك (4) عصارة الآس (5) وعصارة ثمرته. وكذلك الآسُ اليابسُ المسحوقُ إذا جُعل على سواد (6) الرأس بدهن الورد، أو دهن زيت الأنفاق. وكذلك، إذا عُمِلَ مع الحِنَّاء فى الرأس، وضُمِّدت الجبهةُ بدقيق الآسِ اليابس، معجوناً بماء الورد - أو بعصارة الآسِ معجونةً بالسويق - منع ذلك من نزول المواد إلى العين.

وإذا ضُمِّدت العين بالسويق المعجون بماء عصارة الآسِ نفع ذلك من الرمد الحارِّ، ومن سائر أورامها الحارَّة (7) ، وكذلك الجحوظ ونحوه. وكذلك، قد

__________

(1) :. من.

(2) العبارة فى هامش هـ، مسبوقة بكلمة: انظر.

(3) :. الرأس.

(4) :. وذلك.

(5) :. الرأس!

(6) :. سود.

(7) :. الحارة السوات الحادثة لهما!

(2/337)

ينفع تضميد العين بذلك، من الغَرْبِ (1) . وإذا تنفَّل شاربُ الخمرة (2) ، فى حال شربه أو قبله، بحبِّ الآسِ أبطأ السُّكْر، ولم يحدث له خُمار (3) . وكذلك إذا شَرَبَ من شراب الآسِ قبل شربه الخمر، وذلك إذا تحسَّى عصارة الآسِ بالسُّكَّر. وكذلك (4) إذا تناول الأنبج (5) المتخذ من حَبِّ الآس.

وكيفية اتخاذ هذا الأنبج: أن يُعصر حَبُّ الآسِ وتطبخ (6) عصارته حتى ينعقد (7) قليلاً، إما بنفسها أو بالتسكُّر، وذلك بأن يصير لها (8) قوامٌ كقوام الأشربة ونحوها. وهذا الأنبج إذا لُعِقَ منه قبل شُرْب الخمر، أبطأ بالسُّكر، ومنع الخمار (9) . والسبب فى هذا كله، هو ما فى الآسِ وحَبِّه وعصارته (10) وشرابه ونحو ذلك، من القَبْضِ المانع من كثرة تصعُّد بخار الخمر.

وإذا سعط المرعوف (11) من عصارة الآسِ قطع ذلك رعافه، وذلك لأجل

__________

(1) الغَربُ: عِرقٌ فى مجرى الدمع، يسقى ولا ينقطع سقيه، يقال: بعينه غرب إذا كانت تسيل ولاتنقطع دموعها، والغَربُ مسيلُ الدمع وانهماله من العين (لسان العرب968/2)

(2) غير واضحة فى المخطوطتين. وقد تُقرأ: وإذ انتقل مناوب الحمره!

(3) :. حمار.

(4) :. وذلك.

(5) الكلمة غير واضحة فى المخطوطتين - وكذلك فى المرات التالية التى سترد فيها الكلمة. والأنبجات (جمع: أنبج) نوع من المربى.. راجع الفصل الذى كتبه الشيخ الرئيس فى المربيات والأنبجات (القانون فىالطب378/3)

(6) :. ويطبخ.

(7) هـ: ينعقد، ن: ينفقد.

(8) :. بها.

(9) :. الجماد.

(10) ن: وحبه عصاريه

(11) يقصد: المصاب بنزيف الانف (الرُّعاف)

(2/338)

قوة قبض الآسِ. وقد يُغمس بيت العنكبوت فى عصارة الآسِ وتُحشى بها (1) الأنف، فيكون ذلك قوىُّ القطع للرُّعاف؛ وكذلك إذا دُقَّ وذُرَّ الآسُ الطرى وعُجِنَ بالحنَّاء، وضُمِّدَ به رأس (الأنف) (2) .

وشراب الآسِ يشدُّ اللثة ويقوِّيها، لما فيه من التجفيف والتقوية، وكذلك رُبُّه؛ وهذا الرُّبُّ أقوى فى ذلك. وكذلك إذا تُمِضْمِضَ بعصارة الآسِ فَعَلَ ذلك. وإذا طُبخ الآسُ فى الشراب، وتُمضمض به؛ قوَّى الأسنان ومتَّنها (3) وقوى الغمور وشَدَّ اللَّثَة ونفع من استرخائها، وينفع كذلك من البَخَر (4) .

وكذلك حَبُّ الآسِ إذا مُضِغَ، كان دابغاً للفم واللثة، وينفع أورام اللهاة والنغانغ (5) . وكذلك هذا الآسُ المطبوخ فى الخمر، إذا ضُمِّدت به العين؛ نفع جميع أورامها، خاصةً الباردة.

وإذا أُحرق الآسُ وكُبست بحراقته (6) اللَّثَةَ؛ شَدَّها وقوَّاها وأذهب الرطوبة المرخية لها (7) وقلع اللحم الفاسد منها، وذلك لما يفيده الاحتراق من الحِدَّة وزيادة التجفيف. وهذا الآسُ المحرق، يدخل فى أدوية الظَّفْرَة (8) لما فيه من قوة (9)

__________

(1) ن: بقاء.

(2) -:.

(3) :. وبنتها.

(4) البَخَرُ لغةً واصطلاحاً: الرائحة المتغيرة فى الفم، وهو النتن الذى يكون فى الفم أو في غيره (لسان العرب168/1) سببه رطوبة عفنى فى السِّنِّ، أو فى لحم اللثة، أو عن خِلطٍ عفنٍ فى فم المعدة (قاموس الأطباء وناموس الألباء152/1) .

(5) ن: الفايغ.

(6) :. وكبس بحرافته.

(7) :. المرمية بها.

(8) الظَّفرَةُ - والظُّفرُ - داءٌ يكون فى العين، من جليدة تغشى العين، تنبت تلقاء المآقى، وإن تُركت غشيت بصر العين (لسان العرب 645/2)

(9) :. القوة.

(2/339)

الجلاء؛ وهو شديد النفع من النُّخَالة (1) فى الرأس.

وماءُ الآسِ ودهنه، وجِرْمه اليابس، والمطبوخ منه فى الشراب، والأنبج (2) (المذكور، ونحو ذلك إذا عُمل فى الآسِ منع تساقط الشعر. وذلك لما فى الآسِ من القوة القابضة) (3) ومع ذلك، فإنه يُسوِّد الشعر، ويُطوِّله؛ وذلك إذا كان سَبْطاً، لأن مثل هذا يكون كثير المائية.

وإذا قُطِّرَ فى الأذن عصارةُ الآس أو الشراب الذى طُبخ فيه الآسُ؛ نفع ذلك من قروحها وقيِحها، ومن أورامها، وقوَّاها.

وإشمامُ الآسِ يقوِّى الدماغ. وكذلك إذا أُكثر (4) من إشمام عصارته، مع يسيرٍ من الخَلِّ ودِهْنِ الورد؛ وهذا شديدُ التسكين للصداع الكائن فى الحميات لأن أكثر حدوث الصداع، إنما هو من أبخرةٍ تتراقى (5) إلى الرأس بحرارة الحمى وإشمام ذلك إنما يقوِّى الرأس، فيقِلُّ (6) معه قبول الرأس لهذه الأبخرة.

وكثرة إشمام الآسِ يمنع كثرة النوم، ويُسْهد (7) ؛ وذلك بما فى الآسِ من التجفيف. وهو من أوفق الأشياء للسُّبَات (8) الحادث عن الأبخرة الرطبة، كالحادثة فى الحميات، إذا كانت المادة لطيفة بلغمية.

__________

(1) النخالة هنا: القشر الذى يكون فى شعر الرأس.

(2) هـ: الانترنح! وراجع معنى الأنبج فيما سبق.

(3) ما بين القوسين ساقط من ن.

(4) ن: كثر.

(5) :. الجرة تتراقا.

(6) :. يقل.

(7) ن: ويشهد.

(8) ن: للتشاق!

(2/340)

والآسُ البرى يفعل أفعال البستانى فى تقوية الرأس ونحو ذلك، ويسكِّن الصداع. واستعماله بالشراب يفعل ذلك. وطبخ ثمرة الآس يصبغ الشَّعْر وكذلك عصارة الورق.

(2/341)

الفصل الرابع فى فِعلِهِ فى أَعضَاءِ الصَّدرِ

إن الآسَ لِعطريَّته، هو ملائمٌ للروح، وللقلب، ونحوه من الأعضاء. ومع ذلك، فإنه يشدُّ الأعضاء كلها، ويقوِّيها؛ وذلك بما فيه من القَبْضِ. والأرضية الحارَّةِ التى فيه، وهى (1) المرَّة؛ لاتخلو (2) من تلطيفٍ خفيف. ولذلك (3) الآسُ يقوِّى القلب، وينفع من الخفقان، ويلطِّف الروح تلطيفاً معتدلاً، ويقوِّيها بعطرِيَّته، ويزيل ما فيها من الحِدَّة وقوَّةِ الحركة إلى خارج - التى يكون بها الغضب (4) - وذلك لعفوصته وبرده. فلذلك، هو من المفرِّحات الجيدة القوية. ومما يزيد فى تفريحه، أنه يمنع الأبخرة الدُّخَّانية عن التصعُّد إلى ناحية القلب، وذلك من المعدة ونواحيها؛ فلذلك، يكون تفريحه (5) شديداً.

وثمرة الآسِ تفعل التفريح أكثر، لأنها لحلاوتها، تناسب الروح والدم أكثر. ولأن ما ينفذ منها (6) ، من الحجاب الحاجز بين المرئ وقصبة الرئة، إلى نواحى القلب؛ أكثر، لأجل حلاوتها. وعصارتها أكثر نفوذاً منها، وكذلك شراب الآسِ أكثر نفوذاً منها، لما فيه من السُّكَّر والعَسَل، خاصةً المعمول من

__________

(1) - ن.

(2) :. تخلوا

(3) :. فكذلك.

(4) :. العصب.

(5) هـ: بقرعه!

(6) :. ما يتقدمها.

(2/342)

حَبِّ الآس.

والآسُ وحَبُّه وجميع أجزاء ذلك، شديدُ النفع للصدر والرئة، وذلك لما فيه من (1) التقوية والعطرية، مع الحلاوة. وحَبُّ الآسِ فى ذلك أنفع، لأن حلاوته (2) أكثر؛ ولذلك هو شديدُ النفع من السُّعَال.

والآسُ شديدُ المنع للنزلات المنحدرة إلى الصدر والرئة، وذلك لأجل تضييقه منافذ المادة النازلة إلى هذه الأعضاء. وإذا طُبخ الآسُ وحَبُّه، مع الخشخاش بقشره، وعُمِلَ من ذلك لعوقٌ أو شراب، كان شديد النفع من النزلات. لأن هذا الشراب يغلِّظ المادة المستعدة للنزول (3) ، وذلك لأجل تغليظه بما فيه من الشراب ومن (4) قوة الخشخاش؛ ويسدّ (5) منافذ تلك المواد، بما فيه من قَبْضِ الآس.

وكذلك، هذا الشراب لاغبار (6) عليه فى منع النزلات، خاصةً وما فيه من قوة الآسِ ينفع أعضاء الصدر والرئة، ويقوِّيهما.

والآسُ شديدُ الحبْس لنفث الدم، وذلك إذا شرب شرابه أو رُبَّه، خاصةً المتَّخذ من حَبِّه. وكذلك، إذا أكثر صاحب نفث الدم من أكل حَبِّ الآسِ قَطَعَ نفثه بسرعة، مع تقويته للصدر والرئة.

__________

(1) :. مع.

(2) :. لا حلاوته.

(3) غير واضحة فى هـ، ن: للنزول بربها.

(4) :. من.

(5) :. يسد.

(6) :. يتار.

(2/343)

والآسُ وشرابُه ورُبُّه وحَبُّه، كل ذلك شديدُ النفع من السُّلِّ، لأنه بتجفيفه ينفع القرحة، ويجفِّف رطوباتها (1) ، وينقِّيها. وبما فيه من الحلاوة، يوافق أعضاء الصدر والرِّئة وينفع السُّعَال. وبما فيه من القَبْض، يقوِّى الرئة وسائر أعضاء الصدر. فلذلك هو شديدُ الموافقة للسُّلِّ. وإذا اجتمع مع شئٍ من أمراض (2) الصدر والسُّعَال ونحو ذلك، إسهالٌ (3) ؛ فلا إيثار (4) على شراب الآسِ ورُبُّه، لأنه مع نفعه لهذه الأعضاء، هو شديدُ الحبس للإسهال.

__________

(1) :. برطوبتها.

(2) هـ: من شىء

(3) ن، مطموسة فى هـ.

(4) ن: فليبادر.

(2/344)

الفصل الخامس فى فِعلِهِ فى أَعضَاءِ الغِذَاءِ

الآسُ وحَبُّه ورُبُّه وشرابُه، جميع ذلك يقطع القئ، ويسكِّن العطش، ويمنع الغثيان؛ لأن الآسَ من الأدوية الجيدة جداً للمعدة، لأنه يقويها (1) ويجمع أجزائها، فيجوِّد اشتمالها (2) على الطعام ويحد ما يتبخَّر منها (3) ، ويُعين على إحدار الطعام - وذلك إذا أُكل بعده - وهو حينئذٍ، شديدُ النفع من طفو الطعام.

وهو يقوِّى المعدة (بقَبْضه، وبما فيه من العطرية؛ فلذلك هو شديدُ الموافقة لفَمِّ المعدة. وشرابُه يسكِّن حُرقة المعدة) (4) وكذلك حَبُّه، لما فيه من الحلاوة (وكذلك هو يقوِّى جميع الأحشاء - مع حلاوة حَبِّه - فإنه يسكِّن الغثيان وذلك لما فيه من قوة القَبْضِ) (5) وكذلك شرابُه ورُبُّه.

وإذا أُكل ورق الآسِ مع الزبيب كان شديدُ الموافقة للمعدة، شديدُ النفع للبخر (6) المعدى عن عفونة بلغمية (7) . وإذا ضُمِّدَ البطنُ بالآسِ المطبوخ فى

__________

(1) :. مقويها.

(2) غير واضحة فى هـ، ن: اسهالها.

(3) العبارة غير مقروءة تماماً فى المخطوطتين.

(4) ما بين القوسين فى هامش ن.

(5) ما بين القوسين فى هامش ن.

(6) :. للبحر.

(7) يقصد البخر الحادث من تلك العفونة

(2/345)

الشراب، وافق الأحشاء جميعها، وقوَّاها، وقوَّى هضومها. وكذلك إذا وُضع على البطن خَرَقَةٌ (1) مغموسة فى ماء عصارة الآسِ مبخرةً بالعود.

وهو شديدُ النفع لقروح المعدة والأعضاء معاً، ويسكّن المغص (2) الحادث من الدماغ! وينفع الفواقَ اللَّذَّاعىَّ جداً. وهو شديدُ النفع من الإسهال القوى والسَّجْحِ، وينفع القُلاَّع أيضاً، ويمنع سيلانَ المواد إلى المعدة والأمعاء.

ويُقال: إنه إذا تختَّم صاحبُ ورمٍ (3) ، بحَلَقٍ من قضيب الآسِ سَكَنَ وَجَعُهُ!

__________

(1) :. حرقه.

(2) هـ.

(3) :. ورم الادئه!

(2/346)

الفصل السادس فى فِعْلِهِ فى أَعْضَاءِ النَّفْضِ

إنَّا قد بيَّنَّا أن الآسَ مع قوة قَبْضِه، ليس فيه قوةً شديدةَ الجلاء (1) ، ولا قوةً غَسَّالة، ولا قوةً مليِّنة للبطن؛ لأن هذه الأفعال، إنما تكون لكثرة المائية، وذلك ما لايكون فى الآسِ.

وظاهرٌ أنه ليس فيه قوةً مسهلة بوجهٍ آخر، فلذلك هو عاقلٌ للبطن، وذلك بما فيه من قوة القبض. فلذلك (2) الآسُ شديدُ العَقْلِ للبطن، مع أنه يسكِّن حِدَّة المادة التى تخرج بالإسهال. ويقوِّى (3) الأمعاء، ويمنع (4) من انصباب الفضول إليها - وإلى المعدة - ويمنع (5) النوازل إليهما؛ وذلك من أوفق الأشياء لحبس (6) الإسهال. وهو خالٍ عن الحموضة الحاردة (7) والمقطِّعة، ونحو ذلك مما قد يُعين على الإسهال.

وهو شديدُ النفع من الإسهال الكائن مع مرض الصدر، كالسُّعَال ونحوه

__________

(1) غير واضحة فى هـ، مشطوبة فى ن.

(2) :. فكذلك.

(3) :. تقوى.

(4) :. تمنع.

(5) هـ: تمنع.

(6) هـ: تحبس، ن: بحبس.

(7) ن: الحادرة.

(2/347)

لأنه يفيد (1) أعضاء الصدر، فهو شديدُ النفع لها. ومع أنه شديدُ الحبس للبطن فهو شديدُ التسكين لحرْقة البول، مُدِرٌّ له إدراراً صالحاً مقوِّياً للمثانة؛ والسببُ فى إدراره، ما هو فيه من الحلاوة. وكذلك (2) ثمرةُ الآسِ - رطبه ويابسه (3) - تسكِّن (4) حُرْقة البول. وعصارة هذه الثمرة، تفعل (5) ذلك أيضاً، وتدرُّ (6) البول بقوَّةٍ أشدُّ من إدرار (7) الآسِ نفسه، وذلك لأجل ما فى هذه الثمرة وعصارتها من زيادة الحلاوة؛ والأنبج (8) الذى ذكرناه قبل، يفعل ذلك أيضاً، فيحبس البطن بقوة ويدرُّ البول جداً ويُسكِّن حِدَّته.

وإذا طُبخ الآسُ رطباً أو يابساً، وجُلس فيه؛ حَبَسَ البطن، ورَدَّ نتوء (9) المقعدة والرَّحم الباردة، وسدَّد كُلِّ واحدٍ من هذين، ونفع من الرطوبات التى تسيل من الرحم، وحَبَسَ نزف الرَّحم، ومنع الإسقاط؛ وذلك لأجل تقويته (10) للرحم وللجنين أيضاً.

وله نفعٌ ظاهرٌ من البواسير، بما فيه من التقوية. وإذا دُخِّنَ (11) به الرحم

__________

(1) غير واضحة فى هـ، ن، يصير.

(2) :. فلذلك.

(3) ن: يابس.

(4) :. لأجل تسكن.

(5) :. يفعل.

(6) :. ويدر.

(7) ن: إدراه.

(8) غير واضحة فى هـ، ن: الاقرنح.

(9) غير واضحة فى المخطوطتين.

(10) ن: تقوية.

(11) هـ: دمر، ن: ذخر.

(2/348)

قطع نزف الدم منها؛ وكذلك إذا قوبلت الرحم بالبخار المنعقد من طبيخه.

وورق الآسِ البرىِّ إذا شُرِبَ بالشراب، فتَّت الحصاة، وأَدَرَّ الطمث (فى المثانة) (1) ويشفى من تقطير البول، ومن اليرقان؛ كُلُّ ذلك لقوَّة تفتيحه وجلائه (2) . وإذا وضع على الطمث خَرَقَةٌ (3) مغموسة فى ماء عصارة الآس حَبَسَ ذلك الإسهالَ، وقوَّى (4) الأمعاء، ونفع من المغص وأوجاع السَّحْج. وكذلك إذا ضُمِّدَ به البطن، إما مطبوخاً فى شرابٍ قابض، أو فى عصارة لسان الحمل (5) . وكذلك إذا ضُمِّدَ البطن (6) بدقيق يابسه (7) ، معجوناً بماء الورد ونحوه - وكذلك السويق المعجون بماء عصارة الآس - حَبَسَ ذلك الإسهالَ. وكذلك (8) إذا دُقَّ ورقه اليابس، وعُجن بماء الإنفاق (9) أو دِهْن الورد، وضُمِّدَ به البطن؛ فإنه ينفع من الإسهال المزمن (10) .

ونفعُ الآسِ للإسهال (11) الصفراوى، إذا خُلطت عصارة الآسِ بما فيه تليين

__________

(1) هكذا فى المخطوطتين. وهو عجيب!

(2) هـ: جلاؤه، ن: جلاه.

(3) :. حرقه.

(4) :. ويقوى

(5) هـ: الجمل.

(6) :. به البطن.

(7) هـ: يباسه، ن: بياسه.

(8) وكذى.

(9) يقصد: الماء الذى يُنقع فيه الزيتون.

(10) ن: المزمنة.

(11) الإسهال.

(2/349)

كثير؛ فقد يُسهل بذلك، خاصةً إذا كان المليِّن أكثر حجة (!) بفعله، متقدِّماً (1) ثم يتلوه فعل الآسِ بالعصر. وكذلك، إذا خُلطتكثير؛ فقد يُسهل بذلك، خاصةً إذا كان المليِّن أكثر حجة (!) بفعله، متقدِّماً (1) ثم يتلوه فعل الآسِ بالعصر. وكذلك، إذا خُلطت (2) عصارة الآسِ بدقيق الخلِّ أَسْهلت بالعصر - حتى للبلغم - وإذا (3) كان هذا للدِّهْن، أُزيد (4) مقدار (5) من العصارة. (2) عصارة الآسِ بدقيق الخلِّ أَسْهلت بالعصر - حتى للبلغم - وإذا (3) كان هذا للدِّهْن، أُزيد (4) مقدارٌ (5) من العصارة.

__________

(1) هـ: متفد ما.

(3) :. وذلك إذا

(4) :. للذهن أريد! والمراد من العبارة: إذا أريد عصر الدهن (أى: التخسيس) .

(5) هـ: مقداراً.

(2) :. خلط.

(2/350)

الفصل السابع فى فِعلِهِ فى الأمرِاض التى لا اختِصَاصَ لها بعُضوٍ عُضو

قد علمتَ أن الآسَ فى نفسه قوىُّ (1) القَبْضِ جداً، ولذلك يحبس الإسهالَ ونَزْف دم الحيض، والرُّعَاف؛ وبالجملة: كُلَّ نَزْفٍ. ويحبس - أيضاً - العَرَقَ وذلك لأنه لشدة قَبْضه، يجمع أجزاء الجلد، فيسدُّ مَسَامَّه، حتى لا (2) يتَّسع لخروج العَرَقِ.

وإذا (3) تُدلِّك به فى الحمَّام، نشَّف الرطوبات القريبة من الجلد. وقد يُدلَّك به عند إرادة الخروج من الحمَّام، ليحبس العَرَقَ. وإنما يُختار هذا الوقت لذلك لأن (تفتيح) (4) الجلد بعد الحمَّام يكثر جداً، فيكون تجمُّعه (5) بقَبْضِ الآسِ سهلاً.

وقد علمتَ أن الآسَ فيه مع القَبْضِ حرارةٌ، وتفتيحٌ، وجلاءٌ، وتجفيف ونحو ذلك فى الأفعال التى تقدَّمنا بذكرها أولاً. وتفتيحه يتقدَّمُ على قَبْضِه، لأن تفتيحه هو بالجزء الحارِّ الذى فيه، والحارُّ أسرع فعلاً من الجزء البارد - وإن كان الجزءُ البارد أقوى وأشد - ولذلك كان الآسُ إذا وُضع على الرأس ونحوه من

__________

(1) :. يقوى.

(2) ن: إذا.

(3) هـ: إذ.

(4) -:.

(5) :. بجمعه.

(2/351)

المواضع التى يُراد (1) نبات الشَّعْر فيها، فإنه أولاً يفتِّح المسام بما فيه من الجزء الحارِّ، ويجذب (2) مادة الشَّعْر إليه - إذ الحرارة من شأنها الجذب - وكذلك، لأن هذه المسام إذا تفتَّحت (3) ، سهل جداً نفوذ مادة الشَّعْر فيها، فتنفذ هى فى تلك المسام بذاتها، لأنها بذاتها متحرِّكةٌ إلى الخروج من مسام البدن، وإنما يمنعها من ذلك ضيق تلك المسام (فإذا تفتَّحت) (4) تمكنَّت هذه المادة من النفوذ فيها، وإذا نفذت هذه المادة فى تلك المسام، صادفت (5) نهوض القوَّةِ القابضة التى فى الآس والكيفية (6) ، ففعلت حينئذٍ فى هذه المسام، تضييقاً وسَدّاً، يمنع تلك المادة من التحلُّل، ويُلزم ذلك أن تبقى (7) هناك، إلى أن تنعقد (8) شعراً.

فلذلك، كان الآسُ ينبت الشعر، وكذلك دهنه، وعصارة ثمرته. وهذه (10) الأشياء - كلها تنبت الشَّعْر، وكذلك تمنع تساقطه (10) ؛ وذلك بما فيها من القوة القابضة الجامعة لأجزاء الجلد. وكذلك، من أفعال (11) الآسِ تسويد الشَّعْر وكذلك دهنه، وجميعُ أجزائه.

__________

(1) :. تراد.

(2) ن: ويحدث.

(3) هـ: تفنى، ن: نقى.

(4) ما بين القوسين فى المخطوطتين، كلمةٌ غير مقروءة.. وقد تُقرأ: والنقت

(5) :. صادفت ح! وأظنها إشارة إلى موضعٍ ما مِن كُتب جالينوس.

(6) هكذا فى المخطوطتين!

(7) :. يبقى.

(8) :. ينعقد.

(10) غير واضحة فى هـ، ن: اسقاطه.

(10) غير واضحة فى هـ، ن: اسقاطه.

(11) :. أسباب.

(2/352)

ولأجل ما فى الآسِ من القَبْضِ والتقوية، فإنه إذا طُبخ وصُبَّتْ مرقته على العظام المكسورة (نفعها) (1) وذلك ما ينفعل من ضم الأجزاء بعضها إلى بعض.

ولأجل ما فى الآسِ من الجلاء، فإنه ينفع البهق إذا طُلى به، وذلك بحراقته وحراقته أقوى من ذلك. وإذا طُلى به مع الباقلاء نفع من (2) الكَلَف والنَّمَش وذلك يجلو (3) النُّخَالة من الرأس، وينقِّى القروح، ويدبغ الأعضاء، خاصةً اللثة والفم، لأن هذه الأعضاء، لأجل لينها، سهلة الإجابة لفعل الآسِ.

والآسُ اليابسُ، شديدُ النفع فى الوثى (4) والخلْع والكسر، لأنه يجمع أجزاء العضو بقوة قَبْضِه، ويمنع - مع ذلك - ما ينصبُّ إلى ذلك العضو (من الفضل (5) ، وكذلك قد يمنع تورُّمه. والحبُّ النضيج فى الوثى (6) ، أشدُّ

__________

(1) الكلمة غير مقروءة فى المخطوطتين، والعبارة كاملة: وحبَّت مرقته على الطعام المكسورة.. والراجح أنَّ ناسخ هـ لم يتمكن من قراءة الكلمات فى نسخة الأصل، فرسمها كما ظهرت له.. ثم فعل ناسخ ن الأمر نفسه، ورسم الكلمات كما ظهرت له فى المخطوطة هـ.

وقد رجعتُ إلى كافة المصادر القديمة، للنظر فى فعلٍ من أفعال الآس فى الطعام، يمكن من خلاله إدراك مراد المؤلِّف هنا، فلم نجد شيئاً من ذلك. فلم يبق أمامنا إلا ترجيح أن تكون صحة العبارة على النحو التالى: إذا طبخ وصُبَّت مرقته على الطعام (الطازج، حفظه) .. الخ غير أنه عند تصويب البروفات، لاحظنا أن ابن البيطار يذكر ضمن أفعال الآس ما يلي: ويوافق المفاصل المسترخية، وإذا صُبَّ على كسر العظام التى لم تلتحم بعد، نفعها (الجامع 28/1) فرجَّحنا أن يكون المراد، هو ما أثبتناه هنا.

(2) هـ: الكلف والنمش نفع منها، ن: نفع منها الكلف والنمش.

(3) هـ: تحلوا، ن: يحلوا.

(4) هـ: الوبى، ن: الوتى! والوثى لغةً واصطلاحاَ: هو تفسُّخ الأربطة العصبية، خاصةً فى المفاصل، ويكون فى اللحم كالكسر فى العظم. وإذا تضرَّر العظمُ من غير أن ينكسر، فهو وَثٌ ووثى. والوثىء: المكسور اليد (لسان العرب875/3 - القانون فى الطب 186/3

(5) ن: العضو الزائد لأجل جلاوته من الفضول، وما بين القوسين فى هامش هـ.

(6) هـ: الوبى، ن: الوتى.

(2/353)

تسكيناً (1) له (2) ، وذلك بما فيه من التحليل الزائد، لأجل حلاوته) وأفضل أجزائه لإمساك الشَّعْر، هو الحبُّ الفَجُّ، لأن هذا (3) يكون أشدُّ قبضاً من غيره.

ولأجل ما فى الآسِ من التجفيف الشديد، هو نافعٌ من القروح الرطبة خاصةً قروح الرأس وقروح (4) الكفَّين والقدمين. وذلك ينفع الجمرة والنملة (5) والأورام العارضة للإنثيين (6) ، والكسر، وينفع حَرْقَ النار (7) - محرقاً وغير محرق - خاصة (8) إذا استُعمل بمومٍ (9) وزيت.

وقد يتَّخذ من دهن الآسِ ومن عصارته وعصارة ثمره، مَرْهَمٌ ينتفع به فى علاج الكسر ونحوه؛ وينفع استرخاء الأعضاء. والآسُ شديدُ النفع من سَحْج (10) الخفِّ وانسحاج (11) الجلد فى كل موضع - كالأرنبة والإبط (12) وسائر المعاطف - وخاصةً الأطفال، لأن الأطفال شديدو اللين (13) .

__________

(1) هـ: نسكنا، ن: تسكناً.

(2) :. وه!

(3) :. لا هذا.

(4) :. القروح

(5) الجمرة والنملة: أورامٌ وبثور، لكل منها عدة أنواع.. راجع بخصوصها: القانون فى الطب 116/3 وما بعدها.

(6) الخصيتان.

(7) هـ: الناس.

(8) :. خاصية.

(9) الموم: الشمع.

(10) مطموسة فى هـ.

(11) :. والسحاج.

(12) :. الاباط.

(13) :. شديداً لين.

(2/354)

وإذا أُحرق الآسُ كانت حراقته تقوم مقام التوتيا فى قطع الصُّنَان وتطييب رائحة البدن - وإن كان لم يحرق - خاصةً ورقه اليابس، وهذا الورق يمنع صنان الإبط والمغابن (1) .

وإذا سُحِقَ الآسُ وضُمِّدَ (2) به الداحس، انتفع به، وإذا نطلت بطبيخه المفاصل المسترخية، شدَّها وقوَّاها؛ وذلك لما فيه من القَبْض والتقوية (3) .

وبُنْك (4) الآسِ أشدُّ قبضاً من الآس، وإذا أُريد تحضيره (5) فليُبالغ فى سحقه ثم يُعجن بالشراب، ويقرَّص، ويجفَّف فى الظِّلِّ؛ وينبغى أن يكون هذا الشراب عَفِصاً، ليكون بذلك أشدُّ قبضاً وتقوية. فإذا جفَّت هذه الأقراص، كانت أقوى فعلاً من ثمر الآسِ وورقه وقُضبانه. وتوضع (6) هذه الأقراص على القروحات (7) التى يُراد فيها (8) قوة القَبْض، وكذلك تستعمل فى القروحات التى يراد فيها (9) حَبْس دم الطَّمْث أو تجفيف رطوبات الرحم، ونحو ذلك. وكذلك، تستعمل هذه الأقراص فى الضمادات والنطولات، اللتين يراد منهما (10) القَبْضُ والتقويةُ ومعالجةُ القروح والأورام، ونحو ذلك.

__________

(1) هـ: المغاين.

(2) ن: حمذ.

(3) العبارة فى هامش هـ (انظر) وفى هامش ن (مطلب) .

(4) غير منقوطة فى المخطوطتين.

(5) غير واضحة فى المخطوطتين، وقد تُقرأ: ارتد احضاره.

(6) :. يوضع.

(7) غير واضحة فى المخطوطتين، وقد تقرأ: فى القيرونحيات!

(8) :. منها.

(9) -:.

(10) :. منهما.

(2/355)

الفصل الثامن فى حَالِه فى التِّريَاقِيَّةِ ومُقَابِلهَا

الآسُ لاشكَّ أنه عَطِرٌ، وقد علمتَ أن جميع الأشياء العطرة، فإنها لاتخلو (1) من تفريحٍ وتقويةٍ للروح. ويلزم ذلك، أن يكون تكوُّن الروح قويةً على دفع السموم؛ فلذلك (2) ، لابد وأن تكون (3) فى الآسِ ترياقيةٌ ما (4) .

وإذا اعتُصرت ثمرة الآسِ وخُلطت بشرابٍ، كانت موافقة لمن عَضَّته الرتيلاء، ولمن لسعه العقرب. وشمُّ الآسِ يقوِّى القلب والدماغ، ويمنع السُّبَات (5) .

__________

(1) :. تخلوا.

(2) :. فكذلك.

(3) :. يكون.

(4) ن: قويا فيه ماء

(5) ن: الشباب.

(2/356)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الرابعة والعشرون فى أَحْكَامِ آسْيُوس

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على فصلين.

(2/357)

الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ آسيُوس

إن هذا حَجَرٌ يعلوه شئٌ ملحىٌّ يسمُّوه (1) الأقدمون من الأطباء بالثلج الصينى وأما فى العرف (2) العامىِّ فإنه يسمَّى البارود (3) . ويستعمله (4) الطرقيون كثيراً ويستعمله الزرَّاقون مكان (5) النفط (6) والرايتنج. وهو عندهم ضربٌ من الملح يحدث على الصخور النديَّة، وفى جدران المغاير (7) وسقوفها (وجدرانها) وفى البيوت التى تلحقها النداوة.

وهو شئٌ أبيضُ، شبيه دقيق الحنطة؛ يظهر على هذه الأشياء المذكورة فإذا وُضع على الخمر أو على النار الخامدة، اشتعل بسرعة. فلذلك، إذا وُضع على السُّرُج (8) التى يُطفى (9) لهيبها وشُعلها (10) ، وتبقى النارية فى طرف الزبال فإن ذلك الطرف يشعل، ويعود لهيب السَّرج (11) بسرعة. وكذلك، إذا وُضع

__________

(1) هكذا وردت الكلمة فى المخطوطتين!

(2) :. العروف.

(3) عند ابن البيطار: آسيوس هو ثلجُ الصين عند القدماء من أطباء مصر، ويعرفه عامة المغرب وأطباؤها بالبارود (الجامع 30/1) .

(4) :. وتستعمله.

(5) :. فكان.

(6) غير منقوطة فى المخطوطتين.

(7) يقصد: المغارات.

(8) هـ: الزح، غير واضحة فى ن.

(9) :. تطفى.

(10) :. وسعلها.

(11) :. السرح.

(2/359)

على الشمع الذى طفئ لهبه، ونحو ذلك. وذلك (1) يدلُّ على أن جوهره ليس بملحٍ صرف، فإن الملح (ليس) (2) من شأنه الاشتعال.

فلذلك، لابد وأن يكون فى جوهره كثرة أرضية (3) بها يقبل الإشعال بسرعة. وكذلك، فإن طعمه يلذع اللسان، ليس (4) كما فى الملح فقط؛ ولو كان من جوهر الملح، لكان يذوب بالماء وبالنداوة، وليس كذلك.

والمعروف من كلام فضلاء الأطباء الأقدمون، أن هذا الحجر يسمَّى البارود وهو زهرة حجر يسمَّى آسيوس (5) وكان هذا الحجر ينفصل منه هذا الشئ، على الوجه الذى ذكرناه. والمشاهد، أن هذا غير مختصٍّ بنوعٍ مخصوصٍ من الحجارة بل الحجارة الرخوة ونحوها (6) ، كالطين الذى يكون فى الجدران إذا جَفَّ، وما أشبه ذلك - كالطوب ونحوه - فإن هذه الأشياء إذا لحقتها النداوة، نفذت إلى باطنها لتنفيسها (7) لها، وإذا طال زمان تلك النداوة فى داخل هذه الأجسام وشبهها، فتعفَّنت، فحدث لها بهذه العفونة سخونةٌ شديدة، وهذه السخونة تبخِّرها (8) ، وإذا تبخَّرت (9) تلك النداوة، تصعَّد معها أجزاءٌ لطيفة من تلك الأجسام الأرضية، فيحدث بذلك بخارٌ دُخَّانىٌّ.

__________

(1) -:.

(2) -:.

(3) غير واضحة فى المخطوطتين

(4) - ن.

(5) هـ: اسهوس.

(6) - ن.

(7) :. لتنسيفها.

(8) غير منقوطة فى المخطوطتين.

(9) غير منقوطة فى المخطوطتين.

(2/360)

ثم إن هذا البخار الدُّخَّانى إذا بلغ فى تصعُّده ظاهرَ تلك الأجسام، صادفه بردُ الهواء، وهو لطيفٌ جداً مستعدٌ للانفعال، فانفعل - لامحالة - عن ذلك البرد انفعالاً شديداً، فيجمد ما يجمد من البخار الدخانى فى الجو (1) ، إذا لاقته ريحٌ باردةٌ فجمَّدته، فيحدث (2) من ذلك الثلجُ.

وأظنُّ - والله أعلم - أنه (3) إنما سُمِّىَ بالثلج، لأن حدوثه يشبه حدوث الثلج. إلا أن حدوث الثلج هو عن بخارٍ تغلب (4) فيه المائية جداً، فلذلك يكون جوهرُ الثلج أكثره مائىٌّ. وكذلك، هو سريعُ القبول جداً للذوبان، ولا كذلك هذا البارود. فإن حدوثه من بخارٍ تغلب عليه الأرضيةُ غلبةً كثيرةً، فلذلك (5) هو لايقبل الذوبان (6) سريعاً؛ ولكنه يقبل الإشعال كثيراً، وذلك لأن ما فيه من الأرضية، هى لطيفةٌ جداً، لأنها متدخِّنةٌ. ومع ذلك، فإنها لولا حدث (7) البرد لها، لكانت تكون (8) متصعِّدة؛ فإذا لاقتها (9) الحرارة النارية، أزالت عنها تأثير البرد، فبقيت شديدةَ (10) القبول للتصعُّد - كما كانت أولاً - فلذلك تكون (11) هذه الأرضية شديدة القبول للاشتعال، كما بيَّنَّاه فيما سلف.

__________

(1) :. الدخانى (فى تصعده ظاهر تلك الأجسام) فى الجو.. وما بين القوسين تكرارٌ.

(2) :. فحدث.

(3) -:.

(4) :. تغلب.

(5) :. فكذلك.

(6) هـ: الذبوبان.

(7) :. حرف.

(8) :. لتكون.

(9) :. لاقته.

(10) :. شديد.

(11) :. فكذلك يكون.

(2/361)

وإذا حدثت (1) العفونةُ للنداوة المحتبسة فى هذه الأجسام، فلابد وأن تحدث (2) هوائيةٌ ما، وذلك لأجل شدة تسخُّن المائية. وهذه الهوائية تكون حارّةً وإذا اختلطت أجسامٌ أرضيةٌ لطيفةٌ حارّةٌ (3) ، وهوائيةٌ حارّةٌ، ومائيةٌ قليلة؛ حدث من ذلك جوهرٌ دُهنىٌّ (4) ، فكذلك هذا البارود لايخلو (5) من جوهرٍ دهنى. وبسبب ذلك، هو شديدُ القبول للإشعال - جداً - وبسبب هذه الهوائية، هو شديدُ الخِفَّة.

وقد يحدث مثل هذا، على الجدران القريبة العهد بالتطيين (6) ، إذا لم تلحقها شمسٌ قوية التجفيف؛ فيحدث على ظاهرها، هذا النوع المسمَّى بالبارود. وذلك لأن (7) هذه الجدران، ما لم يلحقها ما يحفِّفها، بقيت فيها أجزاءٌ مائيةٌ (مُرَّةٌ) فتعرض لها العفونةُ؛ ويعرض من ذلك ما قلناه. فلذلك، جوهر البارود من أرضيةٍ لطيفةٍ جداً، متدِّخنةٍ؛ ومن مائيةٍ متبخِّرةٍ، قد (8) عرض لها جمودٌ باردٌ وهذا ببردٍ (9) مجمِّدٍ مكثِّف (10) .

__________

(1) :. حدث.

(2) :. حدث ح.

(3) -:.

(4) :. دينى.

(5) :. يخلوا.

(6) يقصد: الجدران التى تُطلى بالطين، ليستوى سطحها ويصير أنعم ملمساً.. وهو ما يتم اليوم باستخدام الإسمنت، ويُعرف اليوم بعملية: المحارة (يُعرف بذلك فى مصر!)

(7) :. أن.

(8) :. وقد.

(9) :. برد.

(10) هـ: مكيف.

(2/362)

الفصل الثانى فى طَبِيعَتِه وَبَقِيَّةِ أَحكَامِه

لما كان جوهر البارود من أرضيةٍ لطيفةٍ حارَّةٍ متدخِّنة، و (1) مائيةٍ حارَّةٍ متبخِّرة وقد عرض لها جمودٌ بالبرد، وهذا الجمود يزول (إذا) (2) ورد هذا الجسم إلى البدن، لأن ما فى بدن الإنسان من الحرارة دَفَعَ ذلك الجمود، فلذلك تبقى أجزاء هذا الجسم كما كانت أولاً، فلذلك (3) يكون هذا الجسمُ شديدَ الحرارة مفرطَ اليبوسة، شديدَ التجفيف، شديد الجلاء والتحليل. ويلزم ذلك، أن يكون شديدَ التنقية. فلذلك، كان هذا الدواء نافعاً من القروح العسرة الإندمال والعتيقة، والعميقة، والوسخة، والرهلة (4) ؛ لأنه مع شدة تجفيفه وتنقيته وتحليله ليس فيه لَذْعٌ، لأجل ما فيه من الجوهر المائى الغائر.

وهو ينبتُ دماً لِلَّحم فى القروح العتيقة والوسخة، لأن تجفيفه القوى يكون فى مثل هذه القروح بقدرٍ معتدل، وذلك لأجل إفراط الرطوبة فى هذه (5) القروح.

ولما كان هذا الدواء شديدَ الحرارة، فهو - لامحالة - يُذيب الرطوبات واللحم

__________

(1) -:.

(2) -:.

(3) :. فكذلك.

(4) يقصد: المترهلة.

(5) ن: هذا.

(2/363)

الفاسد. وهو مع ذلك، قوىُّ (1) التجفيف جداً؛ فلذلك (2) ، هذا الدواء من شأنه أن يأكل اللحم الفاسد الذى فى القروح، وينقِّيها (3) . ولكنه - مع ذلك - يُنبت اللحم فى القروح الكثيرة الرطوبة، لما قلناه أولاً.

ولما كان هذا الدواء - بقوة حرارته - يسخِّن رطوبات العضو تسخيناً مفرطاً. وذلك التسخين، لامحالة، غير غريزى (4) ؛ فلذلك، هذا الدواء من شأنه تعفين الرطوبات واللحم الزائد ونحوهما.

ولأن هذا الدواء قوىُّ الحرارة، وهو قوىُّ الجلاء، وجوهره شديدُ اللطافة (5) ؛ فهو لا محالة شديدُ التفتيح جداً. وإذا خُلط هذا الدواء بالعسل، كان شديدُ التنقية للقروح، ويملأها لحماً. وذلك لأجل تعدُّل تجفيفه (6) ، فيكون تجفيفه حينئذٍ بقدرٍ يمنع الرمد والانتشار، ولا يُبقى ما فيهما (7) من اللحم بقوة التجفيف.

وإذا خُلط بالباقلاء، وضُمِّدَ به النَّقْرسَ، نفع؛ وذلك لأجل اجتماع التحليل - حينئذٍ - مع التقوية، بقبض الباقلاء. وإذا خُلط بالخلِّ والكلس وضُمِّدَ به الطُّحَال الصلب، نفعه (8) ؛ وذلك بما فيه من الإذابة وقوة التحليل.

__________

(1) الورقة التالية ساقطة من هـ.

(2) ن: فكذلك.

(3) ن: نيقيه.

(4) ن: عزيزى! وراجع ما قلناه عن الحرارة الغريزية فيما سبق.

(5) ن: الطافة.

(6) يقصد، أن العسل يعدِّل من تجفيفه. وبعد ذلك فى ن عبارة غير مفهومة نصُّها: ح بالقيروطى مع القروح!

(7) ن: ما فيها.

(8) غير مقروءة فى ن.

(2/364)

والكلس يعينه على ذلك، بقوة تجفيفه وإذابته؛ والخل يعينه على ذلك بتقطيعه (1) وتقيُّد ما يخالطه من هذا الدواء.

وإذا لُعِقَ من هذا الدواء قدرٌ يسيرٌ جداً، مع عسلٍ كثيرٍ؛ نَقَّى قروح الرئة بما فيه من الجلاء والتجفيف والتنقية، ولذلك يكون (2) نافعاً من السُّلِّ.

وإذا ورد البارودُ على الأبدان فى الحمَّام، أَضمرها وهرَّئها (3) ، وذلك بقوة تجفيفه. وإذا وُضع منه اليسير على السِّنِّ الدامية، أصلحها وقطع ذلك الدم منها وجفَّف اللثة وشدَّها، وأكل اللحم الفاسد منها، كما فعل فى القروح الرهلة (4) والوسخة.

وإذا اكتُحل به، جلى (5) العين بقوة، فأزال البياض (6) ، وقوَّى النظر بتلطيفه الروح التى فى داخل العين.

__________

(1) ن: ينقطيعه.

(2) ن: فكذلك يكون ح.

(3) ن: الأبدان انمته (!) فى الحمام وأضمرها (!) وهربها.

(4) غير مقروئة فى ن.

(5) ن: جلا.

(6) ن: والا برها!

(2/365)

المقالة الخامسة والعشرون فى أَحْكَامِ الإسْفَنْجِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على فصلين

(2/367)

الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ الإِسفَنجِ

إن هذا يسمَّى: رغوةُ البحر، وغيمٌ، وغمامةٌ، وسحابةٌ والنشافُ وصوفُ البحر (1) . والحق إنه حيوانٌ يتكوَّن على حجارةٍ فى البحر، ملتصق بها يكون هناك أسود اللون، لأجل ما يعلوه من الأوساخ، وإذا أُخرج وأُصلح (2) صار منه ما هو أحمرُ اللون إلى سوادٍ كمدى، ومنه ما يميل إلى الصفرة.

واغتذاؤه (3) على سبيل استحالة ما يلاقيه من أوساخ الماء إلى جوهره، لا بأن (4) يرد جسمٌ إلى باطنه، ويستحيل إلى حاله، ثم يتوزَّع على سائر أجزائه بل إنما يغتذى بأن يحيل ما يلقاه إلى جوهره، فيكون اغتذاؤه (5) من خارجٍ وبالقدر الذى يلاقيه، وفى الجهة التى يلقاه منها الجسم الذى يستحيل إلى جوهره. وكذلك ثمره، يكون على حسب ما يلقاه.

ولا (6) تهديه (7) قوة فيه لأجزائه (8) طولاً وعرضاً وعمقاً على نسبة مخصوصة كما فى سائر الحيوان (9) . وليس له شئٌ من الحواس، سوى حِسِّ اللمس. ولا

__________

(1) زاد داود الأنطاكى على هذه الأسماء: زَبَد البحر (تذكرة أولى الألباب 44/1) .

(2) ن: اصلخ.

(3) ن: اعتداوه.

(4) ن: لا باد.

(5) ن: اغتداه.

(6) ن: لا.

(7) :. تهديد.

(8) ن: لأجزاه متعده له!

(9) يقصد: أن الإسفنج ليس له شكل محدَّد ينمو وفقاً له.

(2/369)

حركة له انتقالية، بل انبساطية وانقباضية؛ وذلك لأنه ينقبض (1) عند ملاقاة ما يؤذيه ويؤلمه، وينبسط (2) فى غير تلك الحال.

ومنه نوعٌ ضيقُ الثقوب جداً، يقال له الذكر وأما الواسع الثقوب فإنه يقال له الأنثى. ومنه نوعٌ مُتَجَحِّرٌ، ويخرج من البحر متحجِّرٌ كما يتحجَّر السرطانُ البحرى والمرجان ونحوهما، وإذا انقلع من الحجارة التى هو ملتصقٌ بها، حُفر له حفرةً فى الرمل الذى فى ساحل البحر، ووُضع فيها، وغُطِّىَ بالرمل، وبعد يومٍ (3) أو يومين يخرج وقد صار على الهيئة المعروفة.وأما إذا لم يُفعل به ذلك، فإنه يحدث له رَهَل (4) شديدٌ من (5) الرطوبات التى تكون فيه، ويفسد، ويتمزَّق.

ويكثر تولُّد هذا فى (الحشرسينة) (6) ومن هناك يُجلب إلى أكثر البلاد

وبعض المتأخرين ينكر (7) أن يكون الإسفنج حيواناً، وليس لإنكاره وجه (8) .

__________

(1) غير واضحة فى ن.

(2) غير واضحة فى ن.

(3) ن: يوماً.

(4) ن: دهل.

(5) ن: ومن.

(6) هكذا وردت الكلمة فى ن ولم نقع لها على معنى. ولما كان الاسفنج يكثر فى البحر الأحمر عند شواطىء سيناء؛ فالراجح عندنا أن تكون الكلمة: بحر سينا.

(7) ن: ينكر.

(8) كان ابن سينا قد توقَّف فى هذه المسألة، فقال عن الإسفنج ما نصَّه: هو جسمٌ بحرىٌّ رخوٌ متخلخلٌ كاللبد، ويقال إنه حيوان (القانون 253/1) أما مَن يقصده العلاء - ابن النفيس - هنا بقوله بعض المتأخرين فهو معاصره ابن البيطار الذى أنكر أن يكون الإسفنج حيواناً وأورد فى الجامع عن أبى العباس النباتى، ما نصه: قد تحققنا فيه أنه ينبت على الحجارة، بخلاف زَعم مَن زَعَم أنه حيوان أو كالحيوان وفيه قوة حيوانية، وليس من ذلك كله فى شيء وإنما هو فى أصله شىء يشبه الليف الرقيق الذى يتكوَّن على الحجارة، أو كليف أكر البحر (ابن البيطار: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية 32/1)

(2/370)

وجوهرُ الإسْفَنْجِ لابد أنه قليل (1) المائية جداً؛ ولذلك (2) ، إذا قُطِّرَ فى القرع والإنبيق (3) ، لم يَقْطُرْ منه شئٌ. وهو - لامحالة - كثيرُ الهوائية جداً، ولذلك هو شديد الخِفَّة. ومحالٌ أن يكون من أرضيةٍ صرفة، وإلا كان يتفتَّت. فلذلك لابد وأن يكون جوهره من أرضيةٍ بغاية الصِّغَرِ واللطافة، ومن مائيةٍ يسيرة جداً مع هوائيةٍ كثيرة جداً. وأجزاؤه (4) المائية والأرضية، شديدةُ التلازم والتماسك ولذلك فإن مائيته لا تتبَّخر (5) ولا تتصعَّد بدون أرضيته (6) .

وأما أجزاؤه (7) الهوائية، فكأنها كالمتفضِّلة من أجزائه (8) الأخرى وكأنها ساكنة فى فُرَجٍ (9) فيه، صغارٍ جداً، لاتظهر للحاسة. وكأن جوهرَ الإسْفَنْجِ جميعه، ذا فُرَجٍ؛ لكن فُرْجَه (10) بعضها كثيرةٌ محسوسة - وهى الثقوب التى فيه وبعضها لا تظهر للحس، لأجل إفراط صغرها. وكلا الفَرْجتين (11) مملوءةٌ هواءً لكن الكبار منها يكثر ما فيها من الهواء (الذى ليس من) (12) جوهر الإسْفَنْجِ ولا كذلك الهواء الذى فى الفُرَجِ الصِّغَار التى لا تُحس، فإن ذلك الهواء يعدُّ من جملة

__________

(1) ن: فتيل.

(2) ن: وكذلك.

(3) هى أوانٍ كانت تستعمل للتقطير.

(4) ن: وأجزاء.

(5) ن: ماتية لا يتبخر.

(6) ن: أرضية.

(7) هنا تنتهى الورقة الساقطة من هـ.

(8) :. أجزا

(9) :. فرح.

(10) :. فرحه.

(11) :. الفرصين!

(12) :. ليس بعد ذلك.

(2/371)

جملة جوهر الإسْفَنْجِ، لأنه لا يُحَسُّ له مكان فيه (1) فلذلك لايعد منفصلاً من الإسْفَنْج.

وكأن الإسْفَنْجِ ماءٌ يجرى - غليظٌ أرضىٌّ - أزبد، ثم حدثت (2) له حرارةٌ حلَّلت منه كثيراً من المائية، وأبقت (3) الجوهر الأرضى، و (4) إنما يخالطه فى المائية، ما يحفظ اتصاله فقط. ثم ذلك الزبد - بقوة الحرارة - بقيت (5) الهوائيةُ التى فيه محفوظةً. وهذه الأرضية هى لامحالة من أرضية ماء البحر، فلذلك (6) هى أرضيةٌ متدخِّنةٌ، لطيفةٌ جداً، حارَّةٌ؛ وذلك لأن سبب اختلاط ماء البحر بالأرضية، هو تصعيد حرارة الشمس والكواكب، لما تحته من الأرضية إلى مخالطته. وتصعُّد الأرضية إنما يكون بالحرارة، وذلك إذا تلطَّفت (7) بتلك الحرارة وصارت أجزاءً (8) دخانية.

ولذلك، أرضية (9) الإسْفَنْجِ لابد وأن تكون (10) شديدةُ اللطافة، دخانيةٌ حارة. والمائية - كما قلناه - هى فيه قليلة جداً؛ فلذلك، جوهرُ الإسْفَنجِ لابد وأن يكون حارّاً، شديدَ اليبوسة.

__________

(1) غير واضحة فى هـ، ن: منه.

(2) هـ: حديث.

(3) :. وابقى.

(4) -:.

(5) :. وبقيت.

(6) :. فكذلك.

(7) ن: تلطف.

(8) :. أجزا.

(9) :. فكذلك أرضيته.

(10) :. يكون.

(2/372)

الفصل الثانى فى طَبِيعَتِه وسَائِراً أَحكَامِه

قد علمتَ أن جوهر الإسْفَنْجِ مركَّبٌ من أرضيةٍ شديدة اللطافة، حارَّةٍ متدخِّنة؛ ومن مائيةٍ يسيرة جداً، وهواءٍ كثير (1) . والهوائية لا تأثير (2) لها فى ترطيب بدن الإنسان. وأما الأرضيةُ فهى شديدةُ اليبوسة والتجفيف، لأجل زيادة تجفُّفها بالحرارة المدخِّنة (3) لها. وما فى جوهر الإسْفَنْجِ من المائية، لابد وأن يكسر يبوسة تلك الأرضية كسراً ما - لامحالة - فلذلك، يكون تجفيفُ الإسْفَنْجِ بقدرٍ ما، غير مفرط. ويجب أن يكون إلى حرارةٍ، وذلك لأجل مافيه من الهوائية، مع الأرضية الحارة؛ وهذه الحرارة (4) يسيرة جداً، لأجل المائية الباردة. فلذلك، يجب أن يكون الإسْفَنْجُ حارّا (5) يابساً، وتكون يبوسته أكثر من حرارته، وماؤه (6) جديداً قريبَ العهد بماء البحر؛ فإن تجفيفه ويبوسته يكونان أزيد، وكذلك حرارته (وأما إذا عُتِّق (7) واستعمل بالماء كثيراً فإنه يبطل تجفيفه ويقل يبوسته جداً وكذلك حرارته) (8) .

__________

(1) :. كثيرة.

(2) :. تاثر.

(3) :. المتدخنة.

(4) - هـ.

(5) هـ: حار.

(6) هـ: وما واحد يدا! ن: وما جديداً.

(7) هـ: عنق

(8) ما بين القوسين ساقط من ن.

(2/373)

وإذا أُحرق الإسْفَنْجُ ازداد لا محالة جفافاً، وتقلُّ حرارته، لأنه يتحلَّل بالاحتراق لأن جوهره لطيفٌ. فلذلك، يصير رماده شديدُ التجفيف، قليلُ الحرارة. فإن غُسل بعد ذلك رمادُه، صار أقلَّ جفافاً ونقصت حرارته جداً حتى يصير بارداً. وإذا كان المحرق من الإسْفَنْجِ الذى لم يُغسل، شديدَ التجفيف فهو لامحالة قابضٌ بقوة تجفيفه؛ فلذلك هو يقطع نزف الدم من المواضع التى (يسهل) (1) منها، عند القطع والبَطِّ ونحو ذلك. ويُستعمل حينئذ بأن يُغمس الإسْفَنْجُ بالقُفْر (2) المذاب، أو الزفت، ثم يوضع عنه وتُستعمل (3) فيه النار فينقطع الدم بمُكْنة (4) تجفيفه، ويبقى على الموضع ما (يحفظه) (5) عن ملاقاة الأهوية وغيرها. والغرض بوضع الإسْفَنْجِ حينئذ فى القُفْر أو فى الزفت، هو أن يصير سهل الاشتعال؛ ولذلك (6) ينبغى أن يكون وضعه حينئذ فى أحد هذين وهو شديدُ الجفاف مما (7) يكون فيه من المائية وإن قَلَّت جداً، ليعاون (8) لامحالة

__________

(1) هكذا فى المخطوطتين، ولعل مراده: ين

(2) غير واضحة فى المخطوطتين، ويبدو أن الناسخين لم يُدركا معناها فرسماها دون تدبُّر. والمراد: قُفر اليهود وهو كما يقول الملك المظفر: القفر اليهودى بعضه أجود من بعض. والجيد منه ما كان لونه شبيهاً بلون الفِرفير. برَّاقاً قوى الرائحة رزيناً. وأما الأسود الوسخ فردىء لأنه يُغشُّ بزفت. ومنه جنسٌ رطب، يتولَّد من ماء البحر، ومن غيره من المياه القائمة بمنزلة الزَّبَد، وما دام فوق الماء فهو رطبٌ سيَّال ثم إنه يجفُّ بعد ذلك، حى يصير أصلبُ من الزفت اليابس، وقوة القفر تجفِّف (المعتمد ص 393) .

(3) :. عن ويستعمل.

(4) :. يمكنه.

(5) :. يمكنه.

(6) :. وكذلك.

(7) :. أوما.

(8) :. تعاون.

(2/374)

فى سهولة الاشتعال. والغرض (1) أن يكون إحراق هذا الإسْفَنْجِ بعد وضعه على العضو، أن يكون حينئذ فيفعل فعل الكَىِّ، فيكون حبسه للدم قوياً. ومع ذلك فإنه يُحدث على العضو خشكريشةً مائية (2) ، وذلك لأجل يبوسة جوهر الإسْفَنْجِ.

وأما الإسْفَنْجُ الذى لم يحرق، فإنه لضعف تجفيفه، ليس يقوى فى أكثر الأمر على لحام (3) القروح، خاصةً الوسخة والعتيقة؛ بل إنما يقوى فى الأكثر على لحام (4) الجراحات الطرية، وذلك بأن يوضع عليها بعد أن يُبَلَّ بالخلِّ أو بالشراب، فإنه حينئذ يُدمل تلك الجراحات.

والغرض ببَلِّ الإسْفَنْجِ فى الخلِّ أو فى الشراب، للإستعانة (5) بكل منهما على الإندمال (6) . أما الخلُّ فلما فيه من القَبْضِ والتجفيف، وأما الشراب فلما فيه من القَبْض والتقوية. وقد يُمزج الخلُّ (7) الممزوج به الإسْفَنْجُ بالماء، لئلا يكون لذَّاعاً بقوة حمضَّيَّة (8) .

وقد يقوى الإسْفَنْجُ على لحام القروح، وإن كانت عتيقة؛ وذلك إذا قُوِّىَ بالعسل المطبوخ. لأن هذا العسل، بقوة جلائه (9) وتحليله، يُفنى الرطوبات

__________

(1) هـ: والعرض.

(2) غير واضحة فى هـ، ن: يابسة.

(3) هـ: الحمام.

(4) :. الحام.

(5) :. للاشتغال.

(6) هـ: الا بعد مال.

(7) هـ: بالخل، ن: يمزح بالخل الممروج.

(8) هـ: حمضته، ن: حمضيه.

(9) :. جلاه.

(2/375)

الفضلية، فيعين الإسْفَنْجَ على التجفيف الذى لابد منه فى الإدمال. وقد يُدمل الإسْفَنْجُ وحده القروح، بدون العسل؛ وذلك إذا كانت تلك القروح فى أعضاءٍ رطبة ونحو ذلك، لأن هذه القروح ليست تفتقر فى إدمالها إلى تجفيفٍ شديد جداً، كما بيَّنَّا فى علاجنا الكلى (1) .

وإذا فُتلت من الجديد منه فتيلةٌ، وأُدخلت فى المقعدة؛ قطعت سيلان الدم من أفواه عروقها، وذلك إذا كان ذلك السيلان قد أفرط، وفُتحت هذه العروق وسَيَّلت الدم منها؛ إن كانت تلك العروق قد حدث لها السداد، الزائد على ما ينبغى فى العادة. وذلك لأن بعض الناس يكون له تماد (2) بسيلان الدم من أفواه عروق مقعدته، فهذا إذا أفرط به السيلانُ، حبسته (3) هذه الفتيلة بفرط تجفيفها القابض (4) لأفواه تلك العروق. وإن أُحبس به هذا السيلانُ، بأزيد مما ينبغى حتى يتضرَّر (5) بذلك؛ فتحت هذه الفتيلةُ أفواه هذه العروق، فيسيل منها ذلك الدم، ويندفع ضررُه. وذلك لأن هذه الفتيلة بفرط (6) جلائها (7) ، وقوة حدتها لهذا الدم بسبب قوة تجفيفها، تفتحا هذه العروق.

وإذا أُحرق الإسْفَنْجُ ولَعَقَ منه صاحبُ نفث الدم، ببعض الأشربة الحابسة

__________

(1) الإشارة إلى الأجزاء الخاصة بالأصول الكلية للعلاج (وهى أجزاءٌ مفقودة من موسوعة الشامل، حتى الآن) .

(2) :. تماده.

(3) :. حبسه.

(4) هـ: القايصل، ن: القابض يصل.

(5) هـ: يصرد، ن: يضرر.

(6) غير واضحة فى هـ، ن: يفرط.

(7) :. جلاها.

(2/376)

للدم؛ انقطع عنه ذلك النفث؛ وذلك كشراب الإنجبار (1) وشراب لسان الحمل (2) ونحوهما. وكذلك، إذا لُعقت حراقة الإسْفَنْجِ بالعسل، فإن (3) العسل وإن كان فيه جلاءٌ وتفتيحٌ ينافى بهما حبس الدم، فإنه يفيد جرم (4) الإسْفَنْجِ (5) ويعين على هذا الاحتباس.

وأظن - والله أعلم - أن هذا الإسْفَنْجَ المحرق، إذا لعقه صاحب السُّلِّ انتفع به جداً؛ وذلك لأجل تنقيته لصاحب قرحة الرئة، بقوة جلائه وتجفيفه. فإن هذا المحرق كما يشتدُّ (6) تجفيفه فإنه يشتد جلاؤه جداً، وذلك لما يكسبه بالاحتراق من الحدة، وإن كان إحراقه بعد غمسه بالزيت أو القفر (7) كان نفعه لصاحب السُّلِّ، أزيد من (8) أن يكون هذا المحرق ضاراً.

وهذا الإسْفَنْجُ المحرق، شديدُ الجلاء لبياض العين، نافع للرمد اليابس

__________

(1) :. الاتحبار! والإنجبار كما يعرِّفنا به الملك المظفر: نباتٌ أكثر ما ينبت على شطوط الأنهار وله ورقٌ يشبه الرطبة، عليه زغب كالغبار، وله أصل خشبى غائر فى الأرض، وجميع أجزاء هذه الشجرة تقبض قبضاً شديداً، ولها لزوجة، وإذا قشرت أصولها ودق لحاؤها واعتصرت كانت عصارتها حمراء مثل ماء التوت، وأكثر ما يستعمل من هذا النبات هذه العصارة.. ولهذا الدواء نفع من نزف الدم من حيث كان من البدل، أعنى ما ينفث من قصبة الرئة وحجب الصدر وسحج الأمعاء والبواسير وانفتاح أفواه العروق (المعتمد ص8) .

(2) هـ: الجمل.

(3) ن: فإذاً.

(4) :. فإنه سفيده جرم، هـ: سفيده مجرم!

(5) -:.

(6) هـ: يشيد، ن: يشد.

(7) :. العقر.

(8) -:.

(2/377)

وذلك بقوة جلائه وتحليله (1) . وإذا غُسل بعد إحراقه، كان أنفع لقروح العين وسائر أمراضها، وذلك لأجل إزالة الغسل (2) ما يكون فيه من الحدة.

وإذا وضع الإسْفَنْجُ على الأورام الباردة المادة، نفع منها؛ وذلك لأجل تحليله، وقوة تجفيفه وجلائه. وإذا كانت هذه الأورام من بلغمٍ رقيق، نفع منها - وحده - وإذا كانت من مادة غليظة، فينبغى أن يكون هذا الإسْفَنْجُ مغموساً بالخل؛ لأن هذا الخل بتقطيعه وتلطيفه، يُعين (3) على تحليل (4) هذه المادة بالجلاء (5) والتجفيف والتحليل. وكذلك إذا كانت هذه المادة مع (6) غلظها غائصةً - كمادة أورام الطحال - فإن هذا الإسْفَنْجَ ينفع منها جداً، خاصةً إذا كان ذلك الخلُّ عُنْصُلياً (7) . وإذا أُدخل فى القروح العتيقة فتيلةٌ من إسْفَنْجٍ حديث (8) ، جَفَّفت تلك القروح.

__________

(1) :. وكليله.

(2) :. العسل.

(3) :. يعين الأوضع.

(4) هـ: الحليل.

(5) ن: بالجلاه.

(6) - ن.

(7) العُنصُلُ: هو بصلُ البَرِّ، وله ورق مثل الكرَّاتث يظهر منبسطاً وله فى الأرض بصلةٌ عريضة. ويذكر الملك المظفر طريقتين لعمل خَلِّ العنصل؛ الطريقة الأولى: إذا ركب على الخل أوقية من طبقات العنصل المنشف والمظلل وأغلى حتى يتهرأ، ويُشمَّس ويترك سبعة أيام فى الشمس ثم يصفى ويشرب من هذا الخل فى كل يوم على الريق وزن درهمين؛ نفع من نتن الفم الكائن عن جُشاء. والطريقة الثانية: يؤخذ من بصل العنصل، فينقَّى ويقطع بسكين خشب، ونشكُّ قطعه من خيط متفرقة، لا يماس بعضها بعضاً، ويُجفَّف فى الظل أربعين يوماً ثم يؤخذ مقدار منه ويلقى عليه اثنا عشر قسطاً من خل ثقيف، ويوضع على الشمس ستين يوماً وتكون الآنية مغطاة؛ ثم يؤخذ العفصل ويعتصر ويؤخذ الخل فيصفى ويرفع (المعتمد 133، 342) .

(8) هـ: حدثت.

(2/378)

وقد يوجد فى ذلك الإسْفَنْجِ حجارةٌ صِغَارٌ، وهذه الحجارة - لامحالة - من المادة التى تكوَّن منها الإسْفَنْجُ والتى يتكوَّن منها الإسْفَنْجُ والتى يغتذى (1) منها وذلك إذا كانت هذه المادة قليلةُ الهوائية جداً، حتى تكون مستعدة للتحجُّر. فكذلك هذه الحجارة، لابد وأن تكون فى تجفيفها وجلائها (2) كالإسْفَنْج (3) ولَدِنةٌ (4) قليلاً، لأجل زيادة يبوسة مادتها. ولابد وأن تكون (5) أقل حرارة - لأجل فقدانها - و (6) لابد وأن تكون متدخِّنة بحرارة الشمس والكواكب، لأنها من جملة الأرضية المخالطة لماء البحر.

وإذا كان كذلك، فإن هذه الحجارة لابد وأن تكون مفتِّتة للحصاة، لأجل ما فيها من الجلاء والتلطيف والتجفيف القوىِّ المعين على التفتُّت. ولكن هذه الحجارة، لأجل قلة حرارتها الظاهرة من أمرها، فإن قوة تفتيتها (7) (لايتعدى حصاة الكلية، إلى حصاة (8) المثانة، اللهم إلا إذا أُحرقت هذه الحجارة، فإنها قد يبلغ) (9) تفتيتها إلى حصاة المثانة. وذلك لما يفيده (10) الإحراق من زيادة الحِدَّة وقوة الجلاء والتجفيف.

__________

(1) :. يعتدى.

(2) :. وحلاها.

(3) كالاتتفتح.

(4) :. لديه (وهى غير ذات معنى)

(5) :. يكون.

(6) -:.

(7) هـ: تفتها.

(8) - هـ.

(9) ما بين القوسين ساقط من ن.

(10) غير واضحة فى هـ، ن: يتقبل.

(2/379)

وأما الإسْفَنْجُ المتحجِّرُ فالظاهر - والله أعلم - أن قوته، قوة هذه الحجارة التى توجد فى الإسْفَنْجِ وذلك لأن هذا إنما يتحجَّر، لزيادة يبوسة مادته وقِلَّة هوائيته، كما قلنا فى حجارة الإسْفَنْجِ.

(2/380)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة السادسة والعشرون فىِ أَحْكَامِ الإِسْفِيدَاجِ

وكلامُنا فى هذا، يشتمل على خمسة فصول.

(2/381)

الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ الإِسفِيدَاجِ

الإِسْفِيدَاجُ جوهرٌ يشبه الرصاص (1) ، وإلا قد يشبه الزِّنجارَ (2) مِنَ النحاسِ وذَلِكَ لأن الزنجارَ هو نحاس متصغر (3) الأجزاء وتصغيره بالخل ونحوه، وكَذَلِكَ (4) الإِسْفِيدَاجُ هو رصاص إذا صار (5) مُتَصَغِّرَ الأجزاءِ - وتصغيره هو بالخل ونحوه - وإن حالف (6) الزنجارَ بأنه غيرُ حارٍّ (7) ، ولا لذَّاعٍ، ولا محلَّلٍ تحليلاً قوياً. فلا هو حارّ (8) ، بل (9) هو مبرَّدٌ (10) بِخلاف الزنجارِ، على ما تعلمه (11) فى موضعه (12) .

__________

(1) :. إلى الرصاص.

(2) :. الزنجار إلى.

(3) هـ: معتضر، ن: مفتقر.

(4) هـ: ولذلك.

(5) هـ: إذا بك، ن: أدابك!

(6) :. وإذا.

(7) :. مار، وقد تقرأ: حار.

(8) :. حار

(9) ن: يل.

(10) :. ميرمض.

(11) :. تعمله.

(12) يبدو أن العلاء (ابن النفيس) كان ينوى إفراد فصل فى الزنجار، أو النحاس. ويبدو أنه سها عن ذَلِك، فقد راجعنا حرفى الزاى والنون، فلم نجد الزنجار ولا النحاس. فتدبَّر.

(2/383)

وسبب خلافهما (1) فى ذلك، هو اختلافهما (2) بالمادة. وهذا (3) لأن مادة الزنجار هى (4) النحاس، ومادة الإِسْفِيدَاجَ هى (5) الرصاص أولاً. وهو بارد (6) - وكان رطباً - وذلك يمنع من أن يكون الإسفيداج (7) حارَّاً، أو حاراً لذَّاعا (8) ونحو ذلك.

ولما كان الإِسْفِيدَاجُ رصاصاً متصغِّرَ الأجزاء، فجوهرهُ - لامحالة - من جوهر الرصاص. وقد علمت أنَّ جوهر الرصاص، مركَّبٌ من كبريتٍ وزئبق على الوجه الذى قلناه عند كلامنا فى الآبار (9) . فالإسفيداج يجب أن يكون جوهره (10) كذلك، وإن كان لابد وأن يستفيد (11) مما يحدثه كالخل ونحوه من (12) قوةٍ زائدةٍ. ولذلك (13) ، فإن الإِسْفِيدَاجَ مجفِّفٌ يابسٌ، والرصاص رطبً، على

__________

(1) هـ: احلامها، ن: العامها!

(2) هـ: احلامما، ن: الحامهما.

(3) هـ: ولذا، ن: وكذا

(4) ن: وهى.

(5) :. وهو.

(6) العبارة غير واضحة فى المخطوطتين، ويبدو أن ناسخ هـ لم يستطع فهمها فى النسخة التى نقل منها، فرسم ما وجده بخط خفيف، وجاء ناسخ ثانٍ بدوره، فرسم ما وجده فى المخطوطة هـ دون تدبُّر للمعنى.. فتأمل.

(7) ن: اسفيداج.

(8) :. حار أو حاد لذاع!

(9) الإشارة هنا إلى الفصل الأول من مقالة الآبار حيث يقول العلاء: والدليل على أن الرصاص من الزئبق يتعلّق به إذا لاقاه. وهو - لا محالة - منعقدٌ، وانعقاد الزئبق إنما يكون بالكبريت.

(10) :. جوهر.

(11) هـ: ينفيد، ن: ينفد.

(12) -:.

(13) :. وكذلك.

(2/384)

ما نقوله (1) بعد.

واتُّخذ الإِسْفِيدَاجُ ليس لأجل الطِّبِّ فقط، بل يُتَّخذ لأغراضٍ (2) كثيرةٍ فلذلك تختلف وجوهُ اتِّخاذه باختلاف الأغراض. وليس (3) مما (4) يليق بهذا الكتاب، تبيين الوجوه التى (5) يُتَّخذ عليها (6) لغير الطبِّ. وتعديدُ الوجوه (7) التى يُتَّخذ عليها لأجل الطب، وتبيينُ كيفية كُلِّ واحدٍ منهما، مما (8) يطول؛ فلذلك رأينا أن نقتصر على بيان (9) أفضل الوجوه التى يُتَّخَذُ عليها للأغراض الطبية (10) فنقول:

إنَّ وجود وجوه اتخاذه لأعمال الطِّبِّ، أن يوضع فى إناءٍ من فُخَّارٍ واسع الرأس - كالإجانه (11) ونحوها - خَلٌّ نظيفٌ (12) ، دون القدر الذى يملأها ويُغطى رأس هذه الآنية (13) ، بقطعةٍ من بارية (14) ، ليكون لهذا الغطاء مسام

__________

(1) :. نقله.

(2) :. لأغراض.

(3) هـ: فليس.

(4) - هـ، ن: ما.

(5) هـ: الذى.

(6) ن: علينا.

(7) هـ: تعديل الوجود، ن: الوجوه.

(8) :. ما.

(9) ن: بتان، هـ: يان.

(10) :. الأغراض للطبية.

(11) :. كالامانه.

(12) غير مقروءة فى المخطوطتين.

(13) ن: الآغة.

(14) غير واضحة فى هـ.

(2/385)

يسهل (1) نفوذ (2) بخار الخلِّ فيها إلى فوق الغطاء، ويُجعل تحت هذه البارية قُضبانٌ قوية، لئلاَّ تنحنى البارية، فيقلُّ ما يوضع عليها من الرصاص (ثم يجعل الرصاص) (3) فوق هذه البارية.

والأفضل أن يكون هذا الرصاص مُرَضّاً (4) ، ليكون انفعاله (5) عن بخار الخلَّ (6) ، أسرع وأكثر؛ فإنَّ المنْفعل (7) إذا قلَّ، اشتَّد (8) فعل الفاعل فيه ثم يُغطَّى فوق هذا الرصاص - بغطاءٍ مستحصف، يمنع (9) نفوذ (10) بخار الخلَّ إلى خارج.

وينبغى أن يكون هذا الغطاء من الخشب أو الخزف ونحو ذلك، فلا يكون مما يَفْضُل (11) منه - ببخار (12) الخل - أجزاءٌ تخالط ما يفضله (13) هذا الخلّ (14) من

__________

(1) - ن.

(2) هـ: بعوده، ن: نفوذه.

(3) ما بين القوسين ساقِطة من ن.

(4) يقصد: مرضوضاً. من رَضّ الشيء يرضُّه، رَضَّا، فهو مرضوضٌ، ورضيض، إذا دمَه ولم يُنعم دقة. والرض: الدق الجريش (لسان العرب 1175/1) .

(5) انتقاله!

(6) الخل له!

(7) :. المغفل!

(8) :. أشد.

(9) :. منع.

(10) هـ: نفوده.

(11) :. يفعل.

(12) :. بخار.

(13) :. يفعله.

(14) :. الرصاص. ولا يستقيم المعنى بغير كلمة (الخل) .. فتنبَّه.

(2/386)

جِرمْ الرصاص، فيكون ذلك الإِسْفِيدَاجُ مخلوطاً بجوهرٍ غريبٍ. وكذلك اُخْتِير (1) أن تكون (2) هذه الآنية من الفخار ونحوه، فلا تكون (3) من النحاس أو الحديد فيفضل (4) الخلُّ منها أجزاءً تخالط الإِسْفِيدَاجُ وتُفسده.

وكذلك ينبغى أن تُطيَّن حافة (5) هذا الغطاء مع السَّطح (6) الذى يلقاه من هذه الآنية حتى لا يبقى موضعٌ، يخرج منه ما يتبخَّر (7) من هذا الخلِّ.

ثم بعد ذلك، توضع هذه الآنية فى شمسٍ حارة، وذلك إذا عُمل ذلك (8) فى الصيف، والغرض (9) بذلك: أن يُسَخَّنَ الخلِّ بحرارة الشمس، فيصعد إلى ذلك ويفعل به، وكذلك (10) ينبغى أن تكون (11) هذه الشمس حارّةً، ليكون ما يتصعَّد من بخار الخل كثيراً.

فإن لم يكن ذلك، وذلك كما لو عُمل ذلك فى الشتاء، فإنه حينئذٍ (12) يحتاج أن تجعل هذه الآنية فى موضعٍ له حرارةً، تشابه حرارة شمس الصيف

__________

(1) غير واضحة فى المخطوطتين.

(2) :. يكون.

(3) :. يكون.

(4) :. فيفصل.

(5) غير مقروءة فى هـ، ن: صفات.

(6) :. البطح.

(7) ن: ينحر، هـ: يحز.

(8) ن: وذلك أن يعمل ذلك.

(9) هـ: والغرض.

(10) :. فكذلك.

(11) هـ: يكون.

(12) :. ج.

(2/387)

فلذلك قد توضع هذه الآنية حينئذٍ على سطح حَمَّام أو اَتُونُ. ومع ذلك فإن المعمول فى الصيف أفضل، لأن حرارة الشمس فى الصيف، تُسَخِّن هذا الخلَّ من جميع جهاته، وتُسخِّن جِرْمَ الرصاص، فيسهل انفعاله عن بخار هذا الخل وتُحفظ على هذا البخار حرارته عند ملاقاته (1) الرصاص. ويلزم ذلك أن يكون فعل هذا البخار أشد وأقوى، ولا كذلك حرارة سطح الحمام ونحوه؛ فإنها إنما (2) تُسَخِّن هذا الخلَّ من تحته فقط، ولا تُسخِّنه (3) من جوانبه إلا بقدر تَسخُّن (4) الهواء الذى يكون فى تلك الجوانب عن حرارة هذا السطح، ومع ذلك فإنها لا تسخِّن الرصاص فلذلك (5) يكون انفعال الرصاص حينئذٍ أعسر، وفعل بخار الخل أضعف.

ثم إذا تركت هذه الآنية على الوجه الذى قلناه أياماً، وكشفت (6) بعد ذلك هذه الآنية، فإن وُجد الرصاص قد ذاب (7) وانتشر فى الخل، وإلا أُعيد الغطاء وصبرُ بعد ذلك مدة، إلى أن يتم ذوبان (8) ذلك الرصاص وانتشاره فى الخل فلترفع البارية (9) ويزُال من الخل (10) ، ما يكون خافياً (11) واقِعاً (12) على قوامه

(2/388)

فيُجعْل فى آنيةٍ أخرى، لأَن يُعمل فيه ما قلناه، مرةً أخرى، ونحو ذلك.

وما يكون من الخلِّ قد صار نَدِياًّ (1) بمخالطة الرصاص له، جُفِّفَ فى الشمس - إما فى ذلك الإناء أو فى غيره - ثم إذا كَمُل جفافه، بولغ (2) فى تصغير أجزائه إما بالطحن أو بالسَّحْق ونحو ذلك. وينبغى أن يكون بآلةٍ لا ينتشع (3) فيها ما يخالط الإسفيداج، كالهواوين (4) النحاس ونحو ذلك.

ثم إذا تم سَحْقهُ، يُنْخَلُ؛ إما بمنخل فى غاية الصفاقة، أو بخرقةٍ، ونحو ذلك. وما يتخلَّف فوق المنخل، يُعاد سحقه كرة أخرى، وكذلك يفعل ذلك مراراً. وإن أراد أحدٌ أن يتَّخذ من هذا المنخول أقراصاً، فليعجنه بخلٍّ ثقيف (5) ويقرِّصه (6) ، ويجففه فى الشمس، فهذه صفة أفضل وجوه عمل الإِسْفِيدَاجِ الذى يُعمل للمقاصد الطِّبية.

وأفضله، ما عُمل فى الصيف. فإن هذا يكون أقوى قوةً، وأجودُ فعلاً وأشدُّ بياضاً، وأسهلُ فعلاً. وأفضله، ما قلناه أولاً. وأفضل النخول (7) ما نزل من النخل (8) فى أول مرة، وبعده (9) ما نزل فى المرة الثانية، وكذلك ما نزل فى

__________

(1) :. هـ نفوده.

(2) :. يفعل

(3) هـ: لا ينفع، ن: لا ينتقع.

(4) ن: كالهداوين.

(5) هـ: غير منقوطة.

(6) هـ: ويقرضه.

(7) هـ: النحول.

(8) :. النحل.

(9) ن: ويفسده!

(2/389)

كل مرة، فهو أفضل مما (1) نزل فى التى بعدها.

وينبغى أن يكون مقدار الخلِّ دون القدر الذى تمامته البارية، وإلا كان الرصاص مُبَلاَّ (2) فى الخل بنفسه، فلا يكون فعله فيه برفق، بخلاف فعل بخار الخلِّ فإنه ألطف فعلاً. ومن الناس من يجعل هذا الخلَّ بقدرٍ لا يقارب رأس الآنية، ويجعل البارية لا فى رأس الإناء، بل دونه بقليل؛ وذاك أن يتخذ لها دون رأس الإناء دعائم (3) ، وقضبان قويه تحفظ وضعها، ثم إذا جُعل الرصاص عليها يمكن بعد ذلك من أن تغَّطى الآنية بغطاءٍ، يمنع تخلُّل (4) بخار الخلِّ ويعينه غلياً (5) بسهولة.

وقد يتخذ الإِسْفِيدَاجُ أو ما يقوم مقام الإِسْفِيدَاجِ فى منفعته، وذلك أن يؤخذ صلايةٌ وفهر (6) كل منهما من الرصاص، ويجعل على الصلاية قطرة من الخلِّ العتيق، ولا يزال (7) يجوِّل الفهر على الصلاية بقوة، حتى يسخن ذلك الخلُّ ويصير له قوامٌ غليظٌ يعسر معه تجويل (8) الفهر، ثم يقطَّر قطرةً أخرى من ذلك

__________

(1) :. ما.

(2) :. ميلا.

(3) ن: عائم.

(4) :. تحلل.

(5) هـ: نفوده.

(6) الفهر: الحجر الذي يدق به (لسان العرب 1140/2) وقوله: فهر وصلاية. يقصد به: آلة السحق وهى ما يشبه الهون كما نسميه اليوم.

(7) هـ: ولا يزال.

(8) :. تحويل (والمقصود: حركة الفهر فى الصلاية وجولانه فيها) .

(2/390)

الخلِّ ويُفعل الفعل المذكور، ولا يزال كذلك حتى يعمل من ذلك ما يشاء. ثم يؤخذ ذلك المنفعل (1) مع الخلِّ فيُجَفَّفُ فى الشمس، بعد أن يقرَّص، ويُستعمل فى الحال.

__________

(1) ن.

(2/391)

الفصل الثانى فى طَبِيعَتِهِ وأَفعَالِهِ على الإِطلاَقِ

لما كان الإِسْفِيدَاجُ رصاصاً متصغِّر الأجزاءِ، بما وصل إليه من الخلِّ أو من بخاره، فلا محالة أن ينبغى أن يكون فى برده - فى (1) نفسه - كالرصاص. وأما تبريده، فكان ينبغى أن يكون أقوى من تبريد الرصاص؛ وذلك لأجل تلطُّفه وسهولة نفوذه إلى حيث يبرد بقوة؛ وذلك لأجل تصغر أجزائه (2) مع استعادة قوة نفوذه (3) من الخلِّ. فكذلك كان يجب أن يكون الإِسْفِيدَاجُ أبردَ من الرصاص يعنى أنه أشد تبريداً منه، وكان ينبغى أيضاً أن يكون مثل الرصاص فى الترطيب (4) (بل أزيد ترطيباً) (5) لأجل نفوذه بسبب (6) تصغُّر أجزائه كما قلناه. لكن حدث للإسفيداجِ ما أوجب خلاف ذلك، وذلك أن جوهر الرصاص - كما علمت - أن أكثر مائيته جامدة، وهذه المائية - لا محالة - قويَّة البرد والرطوبة (7) ؛ فلذلك كان للرصاص (8) تبرُّدٌ (9) وترطُّبٌ وقوةٌ، وإن كان ذلك

__________

(1) مكررة ن.

(2) :. أجزاه.

(3) :. نفوذ.

(4) ن.

(5) ما بين القوسين ساقط من ن.

(6) :.سبب.

(7) هـ: البرد الرطوبة.

(8) :. الرصاصز

(9) هـ: ترد.

(2/392)

دون برده ورطوبته فى نفسه بكثير.

وإذا أُخذ هذا الإِسْفِيدَاجُ من الرصاص فإن تلك المائية يتحلَّل (1) أكثرها وذلك بسبب التسخن (2) والتشميس. وإذا (3) تحلَّل أكثر هذه المائية، بقيت (4) الأرضيةُ التى فى الإِسْفِيدَاجِ غالبةً جداً، ومع ذلك إنما تكون (5) متصغِّرة الأجزاء فلذلك يكون بردها (6) وتبريدها ضعيفين (7) ؛ ولذلك يجب أن تكون (8) فى نفسها جافة وأن تكون مجفِّفة.

ومع ذلك، فإن (9) تبريد الإِسْفِيدَاجِ يجب أن يتبعَّض (10) عن تبريد الرصاص بأكثر بل يكون كالمساوى له فى التبريد؛ وذلك لأن المائية وإن نقصت منه، إلا أن الأرضية لتصغُّر أجزائها، يتمكَّن (11) فيها (12) الفعل وهى مبرَّدَة (13) ، خاصة وما يبقى فيها من المائية يزيدها (14) برداً، فلذلك يكون تصغُّر أجزاء الإِسْفِيدَاجُ

__________

(1) :. تحلل.

(2) هـ: السخن.

(3) هـ: وإذ.

(4) :. بقية.

(5) ن: يكون.

(6) هـ: برها.

(7) :. ضعفين.

(8) :. يكون.

(9) :. إنَّ.

(10) ن: ينبعض.

(11) ن: يتمكن.

(12) :. فيه.

(13) :. مبرد.

(14) هـ: يريدها، ن: يبردها.

(2/393)

متداركاً لما يُحدثه (1) نقصان المائية مِن قلة البرد.

وإنما اليبوسة والجفاف، يجب أن يكونا فى الإِسْفِيدَاجِ قويَّين (2) أيضاً ولكن لا إلى حَدِّ الإفراط؛ وذلك لأن هذه الأرضية - وإن تصغَّرت وتمكنت (3) من قوة الفعل - فإنها لابد وأن تبقى (4) فيها مائية ولو يسيرة. وتلك المائية لأجل رطوبتها تتدارك (5) ما توجبه (6) الأرضية المتصغرة من أجل إفراط اليبوسة والجفاف فكذلك يكون تجفيف الإِسْفِيدَاج إلى حدوثه أن يكون بقدرٍ يساوى تبريده.

ولما كان تجفيف الإسفيداج إنما هو لأجل تحلُّل المائية من جوهره، فكلما كان هذا التحلُّل أقل، كان تجفيف ذلك الإِسْفِيدَاجُ أضعف. وأكثر تحلُّل هذه المائية، إنما هو بفعل حرارة الشمس، وذلك عند تشميس الإِسْفِيدَاجِ حتى يجف فيجب أن يكون الإِسْفِيدَاجُ المعمول على الوجه الذى قلناه - من السَّحق بالفهر والصلاية - قليل التجفيف جداً، وقبل أن يُشمَّس، فينبغى أن يكون كالنافذ لهذا التجفيف، بل يجب أن يكون حينئذ (7) غير مخالف لطبيعة الرصاص مخالفةً كثيرة فى الرطوبة واليبوسة، ولكنه يكون أكثر تبريداً من الرصاص بكثير؛ وذلك لأجل تصغُّرِ أجزائهِ وتلطُّفها وتمكُّنها (8) من سرعة النفوذ وقوته، وأن يكون الإِسْفِيدَاجُ المعمول على الوجه الذى ذكرناه أولاً، قبل أن يشمَّس، أقل تجفيفاً مما يكون بعد

__________

(1) هـ: يريدها، ن: يبردها.

(2) ن: قوتين.

(3) هـ: ونمكت.

(4) :. يبقى.

(5) ن: بتدارك.

(6) :. يوجبه.

(7) :. ح.

(8) :. ويمكنها.

(2/394)

تشميسه.

ولما كان الإِسْفِيدَاجُ بارداً، يابساً مجفِّفاً؛ كان (1) - لامحالة - رادعٌ مكثفٌ (2) نافعٌ للأورام فى ابتدائها، مسدِّدٌ (3) مسام الأعضاء. ونفوذ الإِسْفِيدَاجُ وإن كان أكثر كثيراً من نفوذ الرصاص، ولكنه قليل جداً بالنسبة إلى غيره من الأدوية؛ وسبب ذلك أمور:

أحدها: أن جوهره أرضىٌّ خالٍ (4) من الحرارة القوية المنعقدة (5) ، وما كان كذلك؛ فهو قليل النفوذ لامحالة.

وثانيها: أن جوهره مفردٌ، وما كان (6) كذلك، فإنه يعسر نفوذه؛ لأجل اتصال أجزائه كما فى الأشياء اللزجة.

وثالثها: أن الإِسْفِيدَاجَ لأجل برده ويبوسته، يبلِّد (7) أولاً، فيقبض المسام ويسدَّها، وذلك مانعٌ من نفوذه بعد ذلك منها.

ورابعها: أن جوهر الإِسْفِيدَاجُ هو من جوهر الرصاص،

وهو جوهرٌ منافٍ للروح (8) ولطبيعة (9) البدن، فلذلك (10) (يجب) (11) أن يكون سُمِّياًّ. وإذا كان

__________

(1) :. فهو (ولا تستقيم معها بقية العبارة) .

(2) هـ: مكنفاً.

(3) :. مسددا لها.

(4) هـ: حال.

(5) غير واضحة في المخطوطتين.

(6) هـ: مفرد ما كان.

(7) غير واضحة فى المخطوطتين.

(8) هـ: للأرواح.

(9) ن.

(10) ن: فلذلك.

(11) -:.

(2/395)

كذلك، فالطبيعة من شأنها مدافعته (1) ومُمانعته من النفوذ.

فلذلك (2) ، يكون نفوذه (3) قليلاً جداً، وإن كان أزيد من نفوذ الرصاص بكثير. ولأجل قلة نفوذه، صار ما ينفذ منه من خارج، لا يقوى على شَلّ (4) البدن. ولا كذلك إذا ورد الإِسْفِيدَاج إلى داخل البدن، كما إذا شرب فإنه حينئذِ يقتل، لأنه ينفذ (5) إلى الأعضاء الكريه وقد حقَّقنا هذا فيما سلف.

وقد يُقلى (6) الإسفيداج فيصير تجفيفه (7) زائداً، ويقل برده (8) جداً؛ وذلك لأجل استعادته الحرارة والحدة، بالحرارة التى يقلى (9) بها (وكيفية قليه (10) ، أن يوضع وهو مسحوق ناعم (11) فى قِدْر من فخَّار جديد، ويوضع ذلك القِدر) (12) على الجمر، ولا يزال الإسفيداج يحوَّل، حتى يصير لونه لون الرماد، ويرفع ويبرَّد، ثم يستعمل.

والله أعلم!

__________

(1) هـ: مدافعه.

(2) :. فكذلك.

(3) :. نفود.

(4) ن: مثل.

(5) هـ: يتقد.

(6) :. يغلى.

(7) غير واضحة فى المخطوطتين.

(8) :. بره.

(9) :. تغلى.

(10) :. قلته.

(11) :. ناعماً.

(12) ما بين القوسين فى هامش هـ.

(2/396)

الفصل الثالث فى فِعلهِ فىِ أعَضَاءِ الرَّأسِ

إذا طُليت الجبهة بالإسفيداج - وخَلٍّ - نفع ذلك جداً من الصداع، خاصةً وإذا كان مع ذلك شئ من دهن الورد. وأجود ذلك الإِسْفِيدَاجُ المعمول على الوجه الثانى الذى ذكرناه، وهو المتَّخذُ بالفهر والصلاية. خاصةً إذا استُعمل الإِسْفِيدَاجُ قبل تجفيفه بالشمس، لأنه يكون حينئذٍ (1) أقل يبوسةٍ مِن شُرب الإِسْفِيدَاجِ فإنه يحدث له بردٌ شديد فى رأسه، ودوارٌ، وسباتٌ، وضَعْفٌ فى عَضُده، واسترخاء. حتى أنه إذا أكثر منه، حدث (2) له حالة كالفالج، وهى بطلان الحركة. وأما حِسُّ اللمس، فلا يلزمه أن يبطل ج.

والإِسْفِيدَاجُ من الأدوية الفاصلة (3) لأمراض العين، تنفع جداً للقروح التى تكون فيها، وتلحم ما يكون من الجراحات، ويأكل اللحم المغيَّر (4) ويَنبته لحماً (5) صحيحاً، ويملأ الحفر الذى تكون (6) فى العين. وقد قال العالم الفاضل

__________

(1) :. ح.

(2) ن: حدن.

(3) ن: الفاضلة.

(4) الكلمة غير واضحة فى هـ، وغير منقوطة فى ن (ويبدو أن الناسخ عجز عن فهمها، فرسمها) .

(5) ن.

(6) :. يكون.

(2/397)

أرسطوطاليس (1) أنه يصلح لبياض عيون (2) الحيوانات الحادث عن الأوجاع.

وأفضل الإِسْفِيدَاجِ لأمراض العين ما كان متَّخذاً على الوجه الأول الذى ذكرناه. وأفضل ذلك ما يكون من المنْخَل الأول؛ لأن هذا يكون شديد النعومة فيكون أوفق للعين، إذ العين تتضرَّر بكل شئ له خشونة، لأنّ (3) ذلك سبُبُ لتحجِّرها (4) .

وإذا (5) غُسل الإِسْفِيدَاجُ بماءٍ عذبٍ، مراراً، ثم سُقى بماء الورد، مراراً وفُعل ذلك أياماً متوالية (6) فى شمسٍ حارة؛ كان ذلك الإِسْفِيدَاجُ شديدَ النفع من الرمد الحار، سواءً استُعمل وحده، أو قُطِّر فيها مع لبن النساء، أو رقيق بياض البيض، وكذلك إذا حُلَّ فى ماء عنب الثعلب. وإذا طُليت العين بالإسفيداج من خارج؛ نفع ذلك من الرمد الحار أيضاً. وإذا حُلَّ الإِسْفِيدَاج (7) فى دهن الورد ولُطِخَتْ به قروح الأنف، نفعها.

__________

(1) هو الفيلسوف اليونانى المشهور. عُرف فى التراث العربى بلقب المعلِّم الأول. والعلاءُ يصفه هنا بالعالم الفاضل. ولد أرسطو فى اسطاغيرا سنة 384 قبل الميلاد، وكان أبوه نيقوماخوس طبيباً فى بلاط ملك مقدونيا، ودرس أرسطو الفلسفة فى الأكاديمية على يد سلفه العظيم أفلاطون ثم استدعاه فيليب المقدونى للإشراف على ابنه، الأشهر: الإسكندر. وتوفى أرسطو سنة 322 قبل الميلاد، وقيل سنة 320 (انظر: معجم أعلام الفكر الإنسانى، ص 483 وما بعدها) .

(2) هو: العيون.

(3) :. كان.

(4) هـ: لتحجهار.

(5) :. إذا.

(6) ن: متوالياً.

(7) ن.

(2/398)

الفصل الرابع فى فِعلِه فى بَقِيَّة الأَعضَاءِ

إنَّ الإِسْفِيدَاجَ لأجل ما فيه من السُّمِّيَّة، ليس يستعمل من داخل البدن وإنما يُستعمل فى أكثر الأمر من خارجه، وأكثر استعماله فى القروح والبثور ونحو ذلك. وإذا شُرب، عَرَضَ لشاربه جفافٌ شديد فى اللسان، ويباضُ الحنك واللسان واللثة، وفى الوجه وجميع الجلد - إلا أن هذا البياض يكون فى أعضاء الحلْق أكثر؛ لأجل اتصال هذه الأعضاء بسطح المعدة (1) - ورخاوةٌ فى الأعضاء كلها، وعجزٌ عن الحركة، وعرقٌ يسيل (2) .

والإِسْفِيدَاجُ نافعٌ لأورام (3) المقعدة الحارة، ولاسترخاء المقعدة وبروزها ويسكِّن الضربان الحادث فيها من إفراط الحرارة، وشِدَّة حِدَّة المادة الخارجة. وإذا قُطِّر فى القضيب، أو زُرِّق فيه، نفع من حرق البول وقروح المثانة ونحو ذلك. وينبغى أن يكون ذلك بلبن النساء أو دهن البنفسج أو الكثيراء (4) ونحو ذلك. وكذلك قد يحقن به، مع الأدوية النافعة لقروح الأمعاء، فينتفع بذلك كثير المائية من التجفيف والتعرُّق (5) .

__________

(1) :. التى يتصيع ح البطن!

(2) هـ: وعرف ويسل.

(3) ن: لأدراه، هـ: لأوراه.

(4) غير واضحة فى المخطوطتين، وتُقرأ: الكثيراء.. أو: الكبر.

(5) غير واضحة فى هـ، ن: والتعرف!

(2/399)

الفصل الخامس (1) فى فِعلِ الإِسفِيدَاجِ فى الأَمرَاضِ التى لا اختِصَاصَ (2) لها بعُضوٍ (3)

إنَّ الإِسْفِيدَاجَ لأجل قوَّة تجفيفه الخالى عن اللذع، هو شديدُ النفع للقروح ويُلحم الجراحات، ويَأكل اللحم الفاسد، وينبت اللحم الصحيح، وينفع من البثور الحارة، ومن النَّملةِ والجرب. وينفع جداً من حرق النار، إذا طُلى به موضع الحرق، ببعض الأدهان كدهن الورد ونحوه، وإذا فُعل ذلك؛ قلَّ النفط (4) الذى يحدث عن الحرق. وإذا فُقِدَ الإِسْفِيدَاجُ قام مقامه حَبُّ الرصاص.

__________

(1) ما بين القوسين لم يرد فى المخطوطتين.

(2) هـ: لا حصاص، ن: لا خصاص.

(3) كانت طريقة العلاء - دوماً - أن يقول: لا اختصاص لها بعضوٍ عضو. غير أنه، هنا، يلجأ للاختصار!

(4) :. التنقط (والنفط امتلاء موضع الحرق بماء محتقن تحت الجلد) .

(2/400)

المقالة السابعة والعشرون فىِ أَحْكَامِ الإِسْرِنْجِ

وكلامُنا فيه، نجمعه فى فصلٍ واحد.

(2/401)

الإِسْرِنْج (1) هو السيلقون (2) بلغة (3) المشارقة، والزرقون (4) بلغة (5) المغاربة (6) ، ويُتَّخذ من الأُسْرُبِّ وهو الرصاص الردئ، وذلك بأن يُحرق ويُستعان على سرعة ذلك (7) ، بأن يخلط معه بعض الأملاح. ويُبالغ فى إحراقه حتى يصير لونه لون الزرنيخ (8) الأحمر وأشدُّ حمرةً، ويُزاد على ذلك حتى يَبِضَّ (9) .

__________

(1) :. الأسبرنج.. وكلمة إسرنج فارسية الأصل، ذكرها أدى شير فى معجمه، فقال: الإسرنج ما شُدِّد عليه الحريق من الآنكى، معرَّب سرنج، وهو صبغٌ أحمر مصنوع من حريق الآنك، وهو مركب من (سرخ) أى: أحمر، ومن: آنك (معجم الألفاظ الفارسية ص 10) .

(2) ن: السلقوت، هـ: السلقون.. وهو عند داود الأنطاكى بالصاد: صيلقون! (تذكرة أولى الألباب 44/1) .

(3) ن: يلقاه.

(4) هـ: المرزقون، ن: المرزمون.

(5) ن: يلقاه.

(6) ن: المعاربة.

(7) -:.

(8) هـ: الزرنيح.

(9) غير واضحة فى المخطوطتين، وكذلك في المرات التالية التى ستتكرر فيها الكلمة، أو ترد مشتقاتها والظاهر أن الناسخين لم يدركا المراد منها.. وهي بالفعل كلمةٌ بعيدة الدلالة عن الأذهان؟ وبالرجوع إلى ابن منظور، وجدنا: بضَّ الشىءُ، سَالَ. وبضَّ الحسى وهو يبضُّ بضيضاً، إذا جعل ماؤه يخرج قليلاً. وبضَّت العين: دمعت. وبضَّ الحجر ونحوه، يبضُّ: نشع منه الماء، شبه العرق (لسان العرب 222/1) والمعنى المراد فى النص المحقّق، هو الأخير.. إذ أن الأسرب أو الرصاصَ، إذا أُسخن؛ نَزَّ ماؤه.. وبضَّ

(2/403)

وإنما كان كذلك؛ لأن الأَسْرُبَّ جوهرُه يشمل رطوبة مائية كثيرة جامدة. وكل جسم ذى رطوبة، فإنه إذا فعلت فيه الحرارة النارية؛ فإنها أولاً تُحدث فيه سواداً، وذلك بما يحدث فيه من الدُّخَّانية، ثم إذا أفرط فيه تبضُّه (1) وذلك بأن تحيله (2) ماءً (3) . تأمَّل (4) هذا فى الحطب، كيف ينفحم أولاً، وذلك إذا كان عَمَل الحرارة فيه قاصداً (5) ، وحيئنذٍ يسوَّدُ، ثم يترمَّد أخيراً، وإذا (6) أُفرطت الحرارة فيها فحينئذٍ (7) ينبضُّ.

والحرارة المسوِّدة، إذا قصُرت عن إحداث السواد، أحدثت الحمرة؛ لأن الحمرة طريقٌ من البياض إلى السواد. فكذلك إذا أُحرق الأسربُ إحراقاً بقدرٍ صار منه السيلقون (8) ويتسمى باليونانية: سندوقيس. فلو أُزيد فى إحراقه قليلاً صار لونه إلى السواد، ولو بولغ فى إحراقه، ترمَّد وصار لوُنهُ أبيضَ.

وقد جرت العادة باتخاذ هذا السيلقون من الأَسْرُبِّ وإن كان يجوز أن يتخذ من الأتك. وإنما فعل ذلك، لأن بلوغَ الأسْرُبِّ إلى السيلقون أسهل من بلوغ الأتك وأسرع، وذلك لأن الأتك أزيد مائيةً، فإنما يبلغ به الاحتراق إلى هذا الحد إذا كان فعل الحرارة فيه، أزيد من فعلها فى الأسربِّ؛ لأن الأسربَّ أَزْيد أرضيةً

__________

(1) هـ: تعصته.

(2) ن: تخليه.

(3) هـ: وماذان ن: مادا.

(4) :. باسل؟

(5) ن: قاصر.

(6) :. وذلك إذا.

(7) :. وحينئذ.

(8) :.السلقون.

(2/404)

من الأتك لأنه لو لم يكن كذلك لكان يكون بياضه (1) قوياً كما فى الأتك لأن الموجب لزرقة الأسربِّ إنما هو الجزء (2) الأرضى الذى فيه، إذ لولا هذه الأرضية لكان يكون شديد البياض؛ لأجل ما فيه من المائية الجامدة؛ وذلك لأن الرصاص إنما يتم لونه، بالبرد المجمِّد للمائية، والبرد يفعل فى الرطوبة بياضاً، وفى اليبوسة سواداً. فكذلك البرد العارض ببعض مائيته، ولسواد أرضيته؛ فيكون فيه من السواد، بقدر الأرضية؛ ومن البياض، بقدر المائية.

ولما كان البياض فى الأتك أشدَّ منه فى الأسربِّ فلابد وأن تكون (3) المائية فى الأتك أزيد منها فى الأسربِّ. والأرضية فى الأسربِّ (4) أكثر منها فى الأتك. وكل جسم كثير المائية، فإن إحراقه إلى حدٍّ ما، يكون بحرارة أشد من الحرارة المحرقة للجسم الناقص المائية احتراقاً إلى ذلك الحد، فلذلك كان جعل الأتك سيلقونا (5) ، يُحتاج فيه إلى إحراقٍ أزيد، وإنما يكون ذلك بحرارة أشد وذلك - لامحالة - عَسِرٌ؛ فلذلك اقتُصِرَ على عمل السيلقون (6) من الأسربِّ وقد يُعمل من الأتك بل قد (7) يُعمل من الإِسْفِيدَاجِ. وذلك بأن يُحرق الإِسْفِيدَاجَ إلى حدٍّ تحدث (8) فيه الحمرة، وذلك بأن يُسحق الإِسْفِيدَاجَ ويُجعل فى قِدْرِ خزفٍ، ويوضع على الجمر، ولا يزال يُحرَّك إلى أن يصير لونه كلون الزرنيخ

__________

(1) ن: نبياضه.

(2) هـ: الحرة، ن: الحره.

(3) :. يكون.

(4) هـ.

(5) هـ: سلقوماً، ن: سلقونا ما.

(6) :. السلقون.

(7) :. حد.

(8) :. يحدث.

(2/405)

الأحمر كما ذكرنا (1) ، وذلك إنما يتم بحرارة أزيد من الحرارة التى يصير بها الإِسْفِيدَاج إسفيداجاً؛ وذلك لأن ذلك المقلو (2) لم تقرّ فيه الحرارة إلى حد التَّحمير بل (3) إلى حدٍّ غيرَّت بياضه الشديد (4) تغييراً (5) ما، حتى صار يكون كالرماد (6) وذلك - لامحالة - ميلٌ إلى السواد.

فكذلك الإِسْفِيدَاج المقلو، أقل إحراقا (7) من السيلقون فلذلك يكون أقل تجفيفاً منه. لكنه قد يكون ألطف منه؛ وذلك لما استفاده الإِسْفِيدَاج من قوة الخلِّ. فلذلك: السيلقون المتُّخذ من الإِسْفِيدَاجِ لابد وأن يكون ألطف من المتَّخذ من الرصاص نفسه؛ لأن المتَّخذ من الإِسْفِيدَاجِ يكون قد تلطَّف أولاً بقوة الخلِّ بخلاف المتخذِ من الرصاصِ.

وإذا كان السلقون مُحْرَقَاً من الرصاصِ فهو - لامحالة - شديدُ التجفيف قليل البرد جداً، بل قد يمكن (8) أن يقال إنه كالمعتدل (9) ، أو المائل إلى حرارة يسيرة. وأما لو غُسِلَ، لعاد برده و (فقد) (10) ما أفاده الاحتراق من الحِدَّة (11) .

__________

(1) ن: دكرناه.

(2) هـ: المعلو.

(3) هـ: التجربل، ن: التجريل؟

(4) :. الشديده.

(5) ن: تغيراً.

(6) غير واضحة فى المخطوطتين.

(7) ن: احراقاً.

(8) :. يكون.

(9) هـ: كالمعتد.

(10) :. وذلك.

(11) :. من اتحده.

(2/406)

فإذا كان كذلك، فأفعاله مشابهة لأفعال الإِسْفِيدَاج المقلو، فكذلك هو يجفِّف القروح وينقِّيها، ويأكل اللحم الفاسد وينبت لحماً صحيحاً، ونحو ذلك ما ذكرناه فى الإِسْفِيدَاجِ المقلو. وكذلك، هو نافعٌ من قروح الأمعاء، إذا حُقِنَ به فى ماء لسان الحمل (1) مع يسيرٍ من شحم الماعز. وذلك إذا طبخ بالزيت حتى يصير مرهماً، نفع جداً للقروح الوسخة، ونقَّاها من الوضر، وأنبت (2) اللحم فيها وفى الجراحات. وهو أيضاً من السموم إذا استعمل من داخل، ويفعل قريباً من فعل الإِسْفِيدَاجِ من برد البدن وثقله (3) ، وجفاف اللسان ونحو ذلك (4) .

__________

(1) هـ: الجمل.

(2) :. وانبتا.

(3) هـ: ونقله.

(4) لم يوضِّح العلاءُ، لماذا أفرد مقالةً للإسرنج.. وكان يمكن أن يضع كلامه فى ذلك، بآخر مقالته فى الإسيفداج باعتبار كلاهما - الإسرنج والإسفيداج - يتَّخذ من الرصاص؛ غير أنه سار على نهج بعض سابقيه ومعاصريه (ومنهم ابن البطار، الذى لم يُذكر عنده البتة؟) الذين أفردوا للإسفرنج كلاماً مستقلاً.. ولم يتابع الشيخ الرئيس، الذى أدخل الإسرنج ضمن كلامه عن الإسفيداج (انظر: القانون فى الطب 258/1)

(2/407)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الثامنة والعشرون فىِ أَحْكَامِ الأَسَدِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على فصلين.

(2/409)

الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ الأَسَدِ

إنَّ هذا حيوان يُسمَّى السَّبُعَ والغَضَنْفَرَ (1) وأبا (2) الحرث ونحو ذلك وله أسماءٌ كثيرة جداً، غريبة، لانطوِّل بذكرها (3) .

وهذا الحيوان يغتذى (4) بما يفرسه (5) من الحيوانات، وقد بيَّنَّا فيما سلف، أن جميع الحيوانات (6) والنبات وغيرها؛ فإن خِلْقه من ذلك، يجب أن يكون على الوجه الأوفق له (7) فى مزاجه ورطوباته وهيئة أعضائه ونحو ذلك، فكذلك يجب أن تكون خِلقة (8) الأسد على الوجه الأوفق له (9) ، إذ كان بحيث يسهل عليه

__________

(1) :. القطنفر.

(2) :. ابو.

(3) بخصوص أسماء الأسد، الكثيرة، يمكن الرجوع إلى: الصغانى: أسماء الأسد وكناه، تحقيق محمد عطية بكر (مكتبة المهدى - الزقازيق، مصر 1997) .

(4) ن: المغتدى، هـ: المعتدى.

(5) هكذا فى المخطوطتين، ومن الجائز - لغةً - أن يقال: فرسه، افترسه.. فالفَرسُ: كثرة القتل والفَرسَى: القتلى (لسان العرب 1072/2) .

(6) هـ: الا وقوله.

(7) هـ: الا وقوله.

(8) :. يكون خلقه.

(9) فى هـ عبارة زائدة نصها: وإن لزم ذلك شدة قصره؟ وغيره، وإنما يكون للأسد فى أعضائه أجد؟ ونحو ذلك.. انتهت الزيادة الواردة فى هـ والتى يظهر أن ناسخ أن ناسخ ن أسقطها - عمداً - لاضطراب معناها.

(2/411)

افتراس (1) الحيوانات الأخرى، ليكون متمكِّناً من سهولة تحصيل غذائه، وإنما يمكن فيه ذلك؛ إذا كان موصوفاً بأمور (2) .

أحدها: أن تكون أعضاؤه (3) قوية، تامة القوة، لتكون قويةً على البطش الشديد، لتمكِّن قوة أعضائه (4) من التَشّبُّث (5) بغيره من الحيوانات وغلبتها وقهرها وميلها، ليتمكن (6) بذلك من أصلها؛ وإنما يمكن ذلك إذا كانت أعضاؤه قوية جداً، خاصةً الأعضاء التى يعتمد عليها كثيراً فى افتراسه، كالعنق والفكَّين (7) . فلذلك (8) يجب أن يكون عنق هذا الحيوان شديد القوة، وإنما يكون كذلك إذا كانت مفاصله شديدة الاتفاق، فلذلك خُلق عُنق الأسد كأنه من عظم واحد حتى تكاد أن لا تبين (9) مفاصل عظام عنقه.

وثانيها: أن يكون حَرِسَاً، مِقْداماً، بَهِماً، شُجاعاً؛ لأنه لو لم يكن كذلك، لم يسهل إقدامه على مثال الحيوانات، ولم يسهل عليه قهرها (10)

__________

(1) :. إفراس.

(2) :. بالامور.

(3) :. يكون أعضاه.

(4) :. أعضاه.

(5) :. التسبب.

(6) :. لتمكن.

(7) :. التمكين.

(8) :. فكذلك.

(9) هـ: لا تسيف؟ وغير واضحة فى ن.

(10) :. وقهرها.

(2/412)

ولابدَّ وأن تكون ((1) شهوته للغذاء قوية (2) جداً، وإلا لم يحمله (3) ذلك على قتل غيره من الحيوانات ليأكله. فلذلك (4) يكون جوعه شديداً جداً، مؤلماً له. وكذلك (5) تسوء (6) عند الجوع أخلاقه؛ فلذلك يكون - حينئذٍ (7) - معتدياً ردياً (8) ، وكذلك عند الأكل؛ لأنه لقوة جوعه يشتدَّ تضرُّرُهُ بجميع ما يعاوقه (9) عن الأكل.

وكذلك (10) تسوء أخلاقه عند مشاهدة (11) غيره، ويجب أيضاً أن يكون أكله بغاية (12) النهم؛ وذلك لأجل شدة الجوع وقوة إيلامه. فلذلك يكون أكله قذراً قبيحاً، حتى ربما قَاءَ القطعة من اللحم، ثم ابتلعها، لشرهه.

وأما بعد الأكل، وعلى الشبع 13، فيجب أن يكون حليماً كريماً، هيناً ليناً؛ وذلك لأجل شدة النداوة (14) - حينئذٍ - لأجل اندفاع ألم الجوع عنه، الذى

__________

(1) :.يكون.

(2) هـ: فوقه.

(3) :. تحمله.

(4) :. فكذلك.

(5) :. فكذلك.

(6) هـ: نسو، ن: يسو.

(7) :. ح.

(8) :. معتاريا!

(9) هـ: يعاوفه.

(10) :. فكذلك.

(11) فى. هـ: يوجد بياضٌ بمقدار صفحتين، ولكن النصَّ قد كُمِّل بعد هذا البياض، ولم يَنقُصُ منه شيئاً.

(12) :. بقامه.

(14) ن: الندواة.

(2/413)

هو له غاية الألم.

وثالثها: أن يكون حارَّ المزاج، يابسه. لأن الحرارة والإقدام والشجاعة إنما تشتدَّ وتقوى (1) إذا كان معها هذا المزاج، فلابد وأن يكون كثير النفس متعاظماً، مستهيناً بالأهوال. فلذلك لا ينهزم عند المقاتلة عن أيسر الأسباب (2) . وإذا اشتد الأمر واحتاج الفزعة (3) ، لم يكن مشيه (4) عدواً، ولا متصلاً (5) على السرعة، بل مع دفعات يُشعر بها استحطاطه بمن يقصده.

وإذا قصده قومٌ (6) ليظفروا (7) به، نظر (8) فى الأصغر (9) منهم، فيقصده خاصةً، فإن كان لم يجرحه ويظفر (10) به، لم يزد فى أذاه على حدثه وتقريعه. وإنما يأكل الناسَ من السباعِ، ما كان ضعيفاً ومُسِناًّ؛ وأما الأقوياء بين السباع فلا يدنون من الناس، ولا يقاربون مساكنهم.

وتختلف الأسود (11) بالقوة والضعف، فمنها ما هو شديد القوة لا يقصد

__________

(1) :. يشتد ويقوى.

(2) ن: عن أثر الاثباب.

(3) ن: الهزيمة، وغير واضحة فى هـ.

(4) :. مسه.

(5) :. متصلا.

(6) :. قوماً.

(7) ن: ليطفروا، هـ: لنطفروا.

(8) ن: أمل، وغير واضحة فى هـ.

(9) :. الأسقر (وقد تقرأ: الأصغر، الأشقر) .

(10) :. ظفر.

(11) :. الأسوده.

(2/414)

أكل الناس ولا أذاهم، ومنها ما هو ضعيف (1) بلغ من ضعفه، أن يحمل عليه الخنزير، ومنها ما هو متوسط فى ذلك.

والأسد (2) تؤذيه النار، وتؤلم عينيه ودماغه، وكذلك ينفر عن موضع فيه نارٌ كثيرة فلا يقربه؛ وذلك لأجل حرارة مزاجه، ولا يقرب الأسد امرأةً حائضاً وإن (3) اشتد به الجوع. ومن طبعه الملاعبة، ويلاعب من أَلِفَهُ، ولعبه مؤذٍ (4) .

__________

(1) :. فيه ضعيف.

(2) :. الا شد!

(3) :. وإذا.

(4) :. مؤذى.

(2/415)

الفصل الثانى فى أفعَالِ أَجزَائِهِ (1) فى بَدَنِ الإِنسَانِ

شَحْمُ الأسد إذا أُذيب (2) ، ويُعمل (3) على الخاصرة، والقَطَن، والعجاز والشَّرَج، والقضيب، والألْيتين (4) - مروخاً (5) ومسوحاً - كان شديد التقوية للباه جداً (6) . وإذا طُلى دهنه (7) بدهن الأُنجرة ودُلِّك به القضيب؛ أعان على الباه إعانةً كثيرة جداً. وإذا طُلى بشحمه موضع الكلف، أذهبه. ومرارته (8) تحد البصر جداً إذا اكتُحل بها (9) .

وإذا سمعَتْ التماسيحُ صوتَ الأسد تضررَّت بذلك، وقد تموت منه وكذلك إذا سمعه المصروع حرك صرعه. وكذلك إذا سمع الأسدُ صوتَ الديك الأبيض؛ فزع وارتعد (10) !

__________

(1) :. افعاله واجزاه.

(2) هـ: إذا ذيب.

(3) :. مروحاً.

(4) ن: الانتيين، هـ: الانتلين.

(5) هـ: مروحاً.

(6) يقصد: كان مقويا للقدرة الجنسية.

(7) هـ: دهبه.

(8) ن.

(9) هـ: انظر، شحم الأسد ومرارته يحد البصر جداً.

(10) هكذا فى المخطوطتين، ولعل صوابها: إذا سمع صوتَ الأسدِ الديكُ الأبيض.. إلخ.

(2/416)

ومن لطَّخ بدنه بشحم الأسد، لم تقربه السباع. وكذلك إذا طُلى الإنسان بمرارة السبع، لم يقربه سبع. والجلوس على جلد السبع، ينفع من البواسير، ومن النقرس؛ نفعاً كثيراً.

(2/417)

المقالة التاسعة والعشرون فىِ أَحْكَامِ الأُشْتُرغَازِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على فصلين.

(2/419)

الفصل (1) الأول فى مَاهِيَّة الأُشتُرغَازِ (2)

الأُشْتُرْغَازُ (3) لفظٌ فارسى (4) ، وتأويله شوك (5) الجمال، سُمِّى هذا الدواء بذلك؛ لأنه نباتٌ شائكٌ (6) ، والجمال تأكله كثيراً، وتحبُّه. وأكثر المستعمل منه هو أصله - من الأصول الغليظة - وهو حريفُ الطعم، متخلخل الجرم، لا يؤكل على حاله، بل نُشَارُهُ يُطبخُ مع الطعام، فيفعل فعل الإبراد. وتارة يحلِّل، بأن يوضع فى الخلِّ فيطيِّب بذلك ويؤكل. وأكله (7) أوفق منه وأولى بأن يستعمل لأنه أقل حرارةً، وأقل حدةً، ويقارب فى أحواله خل العُنْصُلُ (8) . وأصله مثل (9)

__________

(1) تحمل المقالة فى المخطوطتين رقم 28 وإن كان ناسخ هـ قد طمس كلمة (ثمانية) .. ربما لإدراكه أنها المقالة التاسعة - وليس الثامنة - والعشرين!

(2) هـ: الاشترعاز، ن: الاسترعار.

(3) :. الاسترعاز.

(4) يقول أدى شير: اشترغاز، نبتٌ طويل الشوك ترعاه الإبل، مركب من (اشتر) أى: جمل ومن (غاز) أى: شوك - معجم الألفاظ الفارسية المعربة، ص10)

(5) :. سوك!

(6) :. سائل!

(7) :. وكله.

(8) ن: العنصر.

(9) :. ينبد جداً ما مثل!

(2/421)

الأنجُدان (1) فى هيئته وفعله، غير أن هذا أدق قليلاً من أصل الأنجدان (2) ، وأقل حدة، ولا صمغ له؛ بخلاف الأنجدان.

__________

(1) :. الانحدان.

(2) هـ: الانحدان.

(2/422)

الفصل الثانى (1) في طبيعته أو سائر أحكامه (2)

لما كان الأُشْتُرْغَازُ (3) حريفَ الطعم، فهو - لامحالة - مشتملٌ على جوهر نارى، ولابد فيه من هوائية (4) . وكذلك هو جوهرٌ سخيفٌ خفيفٌ، وفيه مائية تُعتَصَر منه، وأرضية تبقى بعد الاعتصار ثفلاً (5) . وأرضيته غليظة، ولذلك يعسر (6) انفعاله فى المعدة، فلا يُهضم سريعاً. ومائيته ليست بكثيرة، وإلا كان يكون سهل الانفعال فى المعدة.

وامتزاج مائيته بأرضيته ليس بكثير، وإلا لم يكن جوهرُهُ رخواً، فلذلك هذا النبات حارٌ (7) ؛ وذلك لأجل ما فيه من الجوهر النارى. وبهذه الحرارة هو يجلو، ويحلِّل (8) ، وينقِّى المعدة، ويقوِّى الهضم. ولكنه لايقبل الانهضام، وذلك لأجل ما فيه من الأرضية. ولأجل هذه الحرارة هو يُجشِّئ، لأنه يسخِّن ما يكون فى المعدة من الرطوبات فيتصعَّد، وما كان منها مائياً، صعد بخاراً. فلذلك لا

__________

(1) مطموسة فى ن.

(2) مطكوسة فى ن.

(3) ن: الاسترغار، هـ: الاسترغاز.

(4) :. هوائيته.

(5) ن: بعلاً.

(6) :. يعتسر.

(7) مطموسة فى ن.

(8) ن: ويجلل.

(2/423)

يَبْعد (1) أن يكون هذا النبات مصدِّعاً (2) للرأس. وما كان من تلك الرطوبات أرضياً فإنه يتصعَّد دخاناً؛ ولأجل قوة هذه الحرارة، يسرع تصعُّد هذه الدخانية جداً، فلا تبقى (3) إلى حدٍّ يتكون منها الرياح والنفخ، بل تصعد بسرعة، ويكون صعودها من جهة فم المعدة؛ لأنها لغلظها وسرعة خروجها، لايسهل نفوذها فى مسام المعدة فلذلك يكون خروجها من فم المعدة، ويحدث منها الجشاء.

ومع ذلك، فإنَّ هذا النبات يُغثِّى ويقيِّئ (4) ؛ وذلك لأجل تصعيده الرطوبات إلى جهة فم المعدة، فما يكون من هذه الرطوبات مائياً، بالاً لفم المعدة فإنه يحدث الغثيان. وما يكون منها دُخَّانياً، فإنه يحدث الجشاء. وما لايتلطف منها، بل يبقى على جرمِهِ، يخرج قيئاً.

ومع ذلك، فإنَّ هذا النبات يلذع (5) المعدة بما فيه من الحرافة والحدة فلذلك الأفضل أن يستعمل خلطه لاجِرْمُهُ. ولأجل تلذيعه للمعدة، يعين على القئ، لأجل تشوُّق المعدة - بسبب اللذع - إلى دفع ما فيها. وأسهل ذلك أن يكون إلى فوق؛ لأجل تحرُّك ما فى المعدة إلى فوق؛ لأجل حرارة هذا الدواء.

وإذ هذا الدواء حارٌّ، يابسٌ، لذَّاعٌ، حريفٌ. فهو - لامحالة - مجفِّفٌ ولذلك هو قليل الغذاء، رديئه. وحرارته ويبوسته كلٌّ منهما أزيد مما فى الأنجُدان وكذلك هو أبطأ فى المعدة، وأقل هضماً، وأكثر إعانةً للمعدة على

__________

(1) ن: لا ينفد.

(2) :. مصعداً

(3) :. يبقى.

(4) ن: ويقىء.

(5) :. يلدع.

(2/424)

الهضم؛ لأجل زيادة تنقيته (1) المعدة، وتجفيفه لفضولها؛ ولذلك هو يفتِّق الشهوة ويشهِّى الطعام جداً. وله خاصيةٌ فى دفع ضرر السموم، ويشبه أن يكون ذلك لأجل إحراقه للسم، وإفساده لجوهره (2) ؛ بسبب قوة حرارته ويبوسته.

وينفع من الحمى المعروفة بحمى الربع (3) ، وذلك إذا كانت السوداء التى (4) هى مادتها، سوداءَ بلغمية؛ أى حادثةً عن البلغم وسبب ذلك: ما فى هذا الدواء من التلطيف والتقطيع، المعينين على نضج هذه السوداء، وسهولة اندافعها. وهو شديد الإعانة على استمراء الطعام، لأجل شدة تنقيته للمعدة.

__________

(1) ن: تنقبه.

(2) :. لجوهر.

(3) هى الحمى الذى تأتى نوبتها فى اليوم الرابع.

(4) - ن.

(2/425)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الثلاثون فىِ أَحْكَامِ الأَشَّقِّ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على ستة فصول.

(2/427)

الفصل (1)) الأول فى مَاهِيَّةِ الأَشَّقِّ وطَبِيعَتِهِ وأفعَالِه على الإطلاَقِ

إنَّ (2) هذا الدواء يُسمَّى الأَشَّقَّ والأَشَّجَ والوُشَّقَ، ولِزَاقَ الذهب (3) لأنه يُلزق به الذهب على الكاغد ونحوه، وهو صمغُ شجرة تشبه القنا فى استقامتها تسمى ناغاسوليس (4) . طعمُهُ مُرٌّ حادٌّ، يشبه الكندر فى جوهره ولونه، وأما رائحته تشبه رائحة الجنْدَبيدَسْتر (5) . وأفضله ما كان نقياً من الأوساخ والحصى (6) وشظايا الخشب ونحو ذلك، وكان حسن اللون.

وإذ هذا الدواء من الصموغ، فإن جوهره (7) يشتمل على هوائية وأرضية وقليل مائية كما بيَّنَّاه أولاً. وأرضيةُ هذا الدواء حارَّةٌ جداً، لأنها محترقه ولذلك هو مُرُّ الطعم، فلذلك يجب أن يكون هذا الدواء شديدَ الحرارة يابساً

__________

(1) المقالة - فى المخطوطتين - هى التاسعة والعشرون! وكذا فى بقية المقالات التالية، كلها تنقص رقماً عن رقمها الفعلى.. وواضحٌ أنه من سهو العلاء (المؤلِّف) .

(2) مطموسة فى هـ.

(3) العبارة السابقة، كاملةً، وردت فى: تفسير كتاب دياسقوريدس (ص 241) وزاد عليها ابن البيطار: وباللطينية - يقصد: اللاتينية - الغُتَّة.

(4) ن.

(5) هو حيوانٌ يعيش فى البر والبحر، استعمل الاطباء خصاه للعلاج (انظر: القانون، لابن سينا 281/1 الجامع، لابن البيطار 171/1 - المعتمد فى الأدويةن للملك المظفر، ص 73) .

(6) :. الحصا،

(7) :. جوهرها.

(2/429)

ولذلك هو مُرُّ الطعم، فلذلك يجب أن يكون هذا الدواء شديدَ الحرارة يابساً ولذلك فإن رائحته حادة. ولأجل حرارته ودسومته - ولأنه (1) صمغ - هو شديد التليين (2) . ولأجل قوة حرارته، هو شديدُ التحليل. ولأجل قوة تحليله مع اليبوسة، هو قوىُّ التجفيف. ولأجل تجفيفه مع التحليل، هو شديد التنقية خاصة وهو لا يخلو من جلاء قوى، وذلك لأجل حرارته. وما كان كذلك فتنقيته شديدة جداً لامحالة.

وهو - لامحالة - لطيفُ الجوهر؛ لأن أرضيته تلطفت بالاحتراق الجاعل لها مُرَّةً، وكل لطيفٌ جال (3) محلِّلٌ؛ فهو مفتحٌ، وتفتيحه قوى. ولذلك قد يبلغ فيه إلى حدٍّ يُخرج الدم من أفواه العروق؛ وذلك لأجل قوة نفوذه بسبب قوة حرارته؛ فلذلك هو من المدرِّات القوية، حتى أنه يخرج الجنين حياً. ولأنه يلصق الذهب ونحوه، فهو - لامحالة - مُغَرٍّ، فهو مُصطلحٌ للأدوية المسهلة؛ لأنه بغروَّيته يمنع وصول نكايتها إلى الأعضاء، كما فى (4) الكثيراء أو نحوها ولأن حرارته قوية فهو لامحالة: جذَّابٌ (5) .

__________

(1) :. انه.

(2) ن: التلتين.

(3) :. جالى.

(4) المخطوطة هـ بها بياض بمقدار ورقة واحدة، وآخر النقص هو بداية الفصل الرابع.

(5) ن: جداب. والمراد: أن هذا الدواء، يجذب الفضول من الجسم.

(2/430)

الفصل الثانى فى أفعَالِ الأَشَّقِّ فى أَعضاءِ الرَّأسِ

إنَّ هذا الدواء من الأدوية الموافقة جداً للعين، فلذلك يستعمل فى أمراض العين - كثير (1) من أمراضها - وذلك لأنه يحلِّل، ويجفِّف، ويليِّن، ويجلو ويغرِّى، وكل ذلك بغير قوة (2) .

وسبب قلة لذعه، هو ما فيه من الغروية؛ فلذلك هو ملينٌ لخشونةِ الأجفان وجَرَبها، وذلك لأجل تحليله مادة ذلك، مع أنه مغيرٌ ملمس الأجفان. ويُذهب بياض العين، بما فيه من قوة الجلاء؛ لأجل مرارته - كما قلناه - وينفع من رطوبات العين؛ لأجل قوة تجفيف، ويحلِّل الشعرة والبردة والتحجُّر من الأجفان وذلك لأجل تحليله، مع التليين القوى الذى فيه. فبالتليين (3) يسيِّل مواد هذه الأمراض لتتهيأ (4) للتحلُّل، ويحلِّلها بما فيه من قوة التحليل.

وقد يدخل فى علاج قروح الرأس، وفى أدوية الصداع البارد خاصةً حيث يُراد لصق تلك الأدوية بالجبهة ونحوها. وإذا شُرب بالعسل؛ نفع من الصَّرَع، بتجفيفه المادة المصرعة.

__________

(1) ن: كثيرة.

(2) :. قوى.

(3) ن: فبالتلين.

(4) ن: للتتهياء.

(2/431)

الفصل الثالث فى فِعلِ الأَشَّقِّ فى أَعضَاءِ الصَّدرِ

إنَّ هذا الدواء لأجل تلطيفه وتفتيحه، وجلائه (1) ، وتليينه؛ هو شديد النفع من الأمراض الكائنة عن مواد غليظة فى هذه الأعضاء، لأنه - حينئذٍ - يلطِّفها بما فيه من التلطيف؛ ويبرئها عن المكان الذى هى ملتصقةٌ به، بما فيه من الجلاء ويهيِّئها للخروج بالنفث، بأن يفتِّح مجارى الرئة، فيهيئَها لنفوذ هذه المادة التى فيها إلى خارج.

فلذلك (2) ، هذا الدواء نافعٌ جداً فى الربو ونَفَسِ الانتصاب، وعُسْر النَّفَس وذلك إذا كان حدوث هذه الأمراض عن مادةٍ غليظةٍ سادَّةٍ لمجارى النَّفَس، وذلك إذا استُعمل مع شئ مما يسهل نفوذه إلى هذه الأعضاء بسرعة، وإنما يكون ذلك إذا كان نفوذه إليها، هو من مسام الحجاب الحاجز بين المرئ وقصبة الرئة.

والذى يفعل ذلك، هو ما فيه جلاءٌ وتفتيح؛ لأن هذا يلزمه توسيع مسام ذلك الحجاب، فيكون نفوذ ما ينفذ من هذا الدواء أزيد. وهذا الذى يفعل ذلك كالعسل وماء الشعير، ومع العسل أو السكر الكثير، حتى تكون (3) حلاوته شديدة، فيكون جلاؤه أزيد، فيكون تفتيحه المسام - لهذا (4) - أوفر.

__________

(1) ن: جلاه.

(2) ن: فكذلك.

(3) ن: يكون

(4) ن: هذا.

(2/432)

وينبغى - حينئذٍ - أن يكون استعماله مع الدواء الآخر لعقاً، أو بأن يُحبَّب ويوضع الحبُّ تحت اللسان؛ وذلك لأن ما يكون كذلك، فإن نفوذ ما ينفذ منه فى مسام هذا الحجاب، يكون - لامحالة - أكثر؛ وذلك لأجل دوام سيلانه على سطح ذلك الحجاب وبقائه بلا محالة (1) مدة طويلة، فيكون ما ينفذ إلى قصبة الرئة فى تلك المدة، أكثر لامحالة. ولا كذلك إذا استعمل ذلك مشروباً، فإن المشروب ينزل بسرعة إلى المعدة، وحينئذٍ يقل ما ينفذ منه فى مسام هذا الحجاب فلذلك يكون تأثيره فى أمراض الصدر ضعيفاً.

فلذلك، ينبغى أن يكون استعمال الأشَّقِّ فى أمراض الصدر مع العسل وحسو الشعير ونحو ذلك، لعقاً. أو بأن يحبَّب ويوضع تحت اللسان، وذلك إذا كان مُتَنَاوَلاً مع العسل.

ومن شأن الأَشَّقِّ إذا استعمل كما قلناه - مع العسل ونحوه - أن ينقِّى قروح الصدر والرئة؛ وذلك لما فيه من الجلاء، والتجفيف، والتحليل، والتنقية. فلذلك الأَشَّقُ ينفع المسلولين (2) بتنقيته لقروح الرئة، ولذلك هو أيضاً مما ينقِّى قروح الحجاب والأغشية، ونحو ذلك من أعضاء الصدر، لما قلناه. وهو نافعٌ من الخناق (3) الحادث عن مادة بلغمية أو سوداوية؛ وذلك لأجل ما فيه من التليين والجلاء والتلطيف والتحليل.

__________

(1) ن: مباله!

(2) مطموسة فى ن.

(3) ن: الحتاق!

(2/433)

الفصل الرابع فى فِعلِ الأشَّقِّ (1) فى أَعضَاءِ الغِذَاءِ

لما كان هذا الدواء شديد التليين (2) جداً، مُحَلِّلاً بقوةٍ، فهو - لامحالة - شديد النفع لغلظ الأحشاء وجساوتها وصلابتها. وإذا شُرب منه درخمان (3) نفع من صلابة الطحال وصلابة الكبد. وكذلك، إذا طُلى على صلابتهما بالخل (4) لأن الخلَّ بتقطيعه وتحليله يُعينه على ذلك. وهو نافعٌ من الاستسقاء لتجفيفه وبما يزيل صلابة الكبد، وبما يُخرج من الرطوبات بالبول.

وإذا شُرب منه درخمان (5) بالخل، حَلَّلَ صلابة الطحال، وينشِّف فضول الأحشاء بتجفيفه. وكذلك ينفع من الماء الأصفر (6) شرباً وضماداً. وتضمَّد به أورام الأحشاء فيليِّنها ويحلِّلها، ويقتل الديدان ويخرجها، وكذلك يفعل بحبِّ القرع (7) .

وخاصتُهُ، النفع من أوجاع الخاصرتين والوركين، الحادث من البلغم اللزج. والشربة من ذلك من نصف مثقال إلى مثقالٍ، بعد نقعه فى المطبوخ

__________

(1) ن: الحتاق!

(2) ن: التلين.

(3) ن: درخمى

(4) هنا تنتهى الورقة الساقطة من هـ.

(5) هـ: درخميين، ن درخمين.

(6) هـ: الأضفر.

(7) حب القرع: نوعٌ من الديدان، شبيه بحبِّ القرع، يوجد فى الأمعاء.

(2/434)

ويشرب مفرداً أو مع الأدوية الأخرى. ولأجل إضراره بالمعدة، ينبغى أن يقلَّل منه، وأن يكون استعماله. مع مقويات المعدة. وإضراره للمعدة، هو بحدِّته.

وشُرب الأشَّقِّ يطرد الرياح، وينفع من وجع الظهر، كل ذلك لأجل تليينه وتحليله، وكذلك ينفع من أمراض العصب، ويحلِّل فضوله ويُليِّنه؛ ولذلك ينفع من الخدَر، والفالج، والرعشة، ونحو ذلك. وإذا تغرغر به محلولاً بالماء الحارِّ حلَّل بلغماً كثيراً، ونقَّى الدماغ، وحلَّل ورم النغانغ (1) .

__________

(1) النغانغ، جمع نغنغة وهى: موضعٌ بين اللهاة وشوارب الحنجور. وهى أيضاً: لحمات تكون فى الحلق عند اللهاة (لسان العرب 681/3) .

(2/435)

الفصل الخامس فى فِعْلِ الأشَّقِّ فى أَعْضَاءِ النَّفْضِ

قد علمت أن الأشَّقَّ لقوة تفتيحه، هو مُدِرٌّ. وإدراره هو قوىٌّ جداً فلذلك هو يدرُّ البول والحيض، ولقوة إِدراره للبول قد يُبَوِّلُ الدم؛ وذلك لإفراط تحريكه الرطوبات من جهة محدَّب (1) الكبد، إلى جهة مجارى البول.

وهو مع إدراره، يسهِّل البلغم الغليظ واللزج، والماء الأصفر، ويخرج الجنين حياً وميتاً. ويلطخ بالخل على صلابة الأُنثيين (2) فيحلِّلها. ويُسيل الدمَ من أفواه العروق، وذلك بقوة (3) تفتيحه.

وينفع الشقاق، والجشاء العارض فى السُّفْل، وذلك إذا استُعمل مع السَّيَّالة الدافعة فى ذلك مشروباً، ومع المراهم لطخاً واحتمالاً بالقَطَنِ ونحوه (4) .

__________

(1) هـ: مجذب.

(2) مطموسة فى ن.

(3) :. قوة.

(4) أغلب فقرات هذا الفصل، مكررة فى هامش هـ ومسبوقة بكلمة: انظر.

(2/436)

الفصل السادس فى فِعلِ الأشَّقِّ فى الأَمرَاضِ التى لا اختِصَاصَ لها بعُضوٍ عُضوٍ (1)

قد علمت أنَّ هذا الدواء قوِىُّ التليين (2) والتحليل؛ فلذلك هو شديد التحليل للأورام - خاصة الصلبة - والثآليل (3) ، والخنازير، والسلع، والغدد. وينضج الخرَّاجات (4) جداً، ويُليِّنها (5) . وهو شديدُ التنقية للقروح، ويأكل اللحم الخبيث بفرط تجفيفه، وينبت اللحم الصحيح؛ بما فيه من الجذب للدم، مع التجفيف الخالى عن اللذع القوى؛ فإن لذع الأشَّقِّ ليس بكثير.

وإذا ضُمِّد به الصلابات والغلظ الذان (6) يكونان فى المفاصل، لَيَّنهَا وحلَّلها خاصةً إذا خُلط بالعسل والزفت. وإذا دُلِّك به أو ضُمِّدَ، نفع جداً من عرق النَّسَا، وذلك لما فيه من الجذب مع التحليل والتليين، وينفع الاستفراغ به من ذلك، ومن أوجاع الورك والخاصرتين والمفاصل.

وإذا خُلط بخلِّ وبَوْرق ودهن الحنَّاء ولطخ به البدن، نفع من الإعياء جداً ولعرق النَّسَا. وكذلك إذا لطخ به مع الخل والنطرون ودهن الحنَّاء وإذا

__________

(1) -:.

(2) ن: التلين.

(3) الثآليل، جمع ثؤلول وهو: الدِّمِّل.

(4) هـ: الجراحات.

(5) هـ: وينضجها ويلينها.

(6) :. اللذين.

(2/437)

أُذيب (1) فى الخلِّ وطليت به السلع والخنازير والصلابات ونحو ذلك، ليَّنها وحلَّلها، وحلل صلابات المفاصل. وإذا أُعوز فلم يوجد، قام مقامه وسخ خلية النحل (2) !

__________

(1) ن: أذيق، هـ: أذيف.

(2) ن: النخل!

(2/438)

المقالة الحادية والثلاثون فىِ أَحْكَامِ الأُشْنَةِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على سبعة فصول.

(2/439)

الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ الأُشنَةِ وأَحكَامِها على الإطلاَقِ

الأُشْنةُ هى شيبة (1) العجوز، وهى تلتف على شجر الشربين والبلُّوط والجوز والصنوبر، ولا أصل لها، ولا زهر، ولا بذر. ولها رائحةٌ طيِّبة، ومع ذلك فإنها تكتسب الرائحة من كل ذى رائحة يخالطها، ولذلك تخلط فى الطيوب والذرائر والغوالى، لتكون كالمادة للرائحة. وكذلك أيضاً تكتسب القوة من كل شجر تلتف عليه؛ فتختلف قواها وأفعالها، باختلاف ما تلتف عليه من الشجر.

وطعمها إلى تفاهةٍ، ومرارةٍ وقبضٍ خفيَّين، والمائلة إلى السواد منها رديئة (2) . وأفضلها البيضاء الطيبة الرائحة، خاصة الجبلية منها، والتى تلتف على شجرة الشربين أفضل، وبعدها ما يلتف على شجر الجوز.

وجوهرها مركَّبٌ من أرضية حارَّةٍ محترقة يسيرة أيضاً، بها تكون مُرَّةً. وفيها مائيةٌ يسيرة جداً؛ فلذلك لا يُعْتَصَرُ منها ما يعتد (3) به. وفيها هوائية كثيرة ولذلك هى خفيفة. ولذلك تكون تفهةً تفاهةً ليست عن مائية، بل مع نشوفه لأجل أنها هوائية. وتركيبها مع هذه الأجزاء ليس مستحكم، فلذلك يصدر عنها أفعال متناقضة، ولكنْ كلُّ واحدٍ من تلك الأفعال ضعيفٌ، إذ ليس فى أجزائها

__________

(1) ن: شبيهة.

(2) هـ: ردىء

(3) ن: يغتد.

(2/441)

ما هو قوِىُّ القوة. أما الأرضية الباردة والحارة، فلأنهما قليلتان جداً، فيكون فعلهما ضعيفاً. وكذلك المائية فإنها فى هذا الدواء يسيرة جداً. وأما الهوائية فإن فعلها إنما يكون بالتسخين، وتسخين الهواء ضعيف؛ فلذلك كانت أفعال الأُشْنَةِ كلهُّا ضعيفةً.

(2/442)

الفصل الثانى فى طَبِيعَةِ الأُشْنَةِ وأَفْعَالِهَا على الإِطْلاَقِ

لما كان جوهرُ الأُشْنَةِ من أرضيةٍ باردة، وأرضيةٍ حارَّة، ومائيةٍ يسيرة وهوائيةٍ كثيرة؛ فهى - لامحالة - قريبة من الاعتدال؛ فلذلك تسخِّن الأعضاء الباردة بما فيها من الأجزاء الحارة، وتبرِّد الأعضاء الحارة بما فيها من الأجزاء الباردة، ويجب أن تكون (1) مع اعتدالها، مائلةً إلى حرارةٍ لطيفة ويبوسة.

أما الحرارة، فلأن المائية التى فيها، وإن كانت شديدة البرد فإنها نَزِرَةٌ (2) جداً؛ فيكون ما تفعله من البرودة، قليلة جداً. والهوائية وإن كان حرّها قليلاً جداً فإنها لكثرة مقدارها تسخِّن تسخيناً ظاهراً. وأما الأرضية الباردة والحارة فيتعدَّلان (3) . فلذلك، يكون هذا الدواء مائلاً إلى الحرارة قليلاً. وأما اليبوسة فلأن الهوائية لا مدخل لها فى ترطيب الأعضاء، كما قلناه مراراً.

والمائيةُ فى هذا الدواء يسيرةٌ، لا تفى (4) بتعديل الأرضيتين (5) - أعنى الحارة والباردة - فلذلك يكون هذا الدواء مائلاً إلى اليبوسة، ويجب أن تكون هذه اليبوسة أزيد من الحرارة؛ وذلك لأن يبوسة الأرضيتين (6) شديدة، ورطوبة الماء

__________

(1) :. يكون.

(2) يقصد: قليلة.

(3) هـ: فينعدلان.

(4) :. لانفى.

(5) :. الأرضيين.

(6) :. الأرضيين.

(2/443)

مع قلَّته ضعيفة، ورطوبة الهواء لا تأثير لها تأثيراً دوائياً؛ فلذلك تكون يبوسة هذا الدواء كثيرة، ولا كذلك الحرارة التى فيه.

وهذا (1) الدواء فيه قَبْضٌ، وتحليلٌ، وجلاءٌ، وتفتيحٌ، وإنضاجٌ، وتليينٌ وترياقيةٌ. أما قبضُه، فلأجل الأرضية الباردة. وأما تفتيحه، فلأجل ما فيه من الحرارة، وكذلك من (2) الهوائية ومن الأرضية ومن الأرضية المحترقة. وأما جلاؤه (3) ، فلأجل ما فيه من حرارة الأرضية المحترقة التى فيه. وأما إنضاجه فلأن حرارته مع اعتدالها مقارنةً لقوةٍ قابضة تُعين على الإنضاج بتضييق مسام العضو الذى يوضع عليه، فيلزم ذلك زيادةُ تسخُّنِ العضوِ بقلَّةِ تحلُّل (4) الحارِّ الغريزى، وبما يلزم الأبخرة الحارة عند احتباسها اللازم لضيق المسام من السخونة.

وأما تليين هذا الدواء.. بحرارته الضعيفة.. ولا يقوى.. (5) فهو أكثر تلييناً لأن هذا الشجر فيه قوةٌ مليِّنة (6) . ومن شأن الأُشْنَةِ أن تستفيد (7) من الشجر الذى تلتفّ (8) عليه قوةً. وأما تقوية هذا الدواء، فلما فيه من القَبْضِ والعطرية. وأما ترياقيته، فلأجل ما فيه من العطرية؛ فإنَّ العطرية - كما قلناه - تقوِّى الروح على دفع السموم، وذلك هو الترياقية.

__________

(1) ن: ومن هذا.

(2) :. من.

(3) :. جلاه.

(4) ن: تخلل.

(5) فى موضع النقط، بياضٌ فى المخطوطتين.

(6) ن: مليناًز

(7) ن: تستعي

(8) :. يكثف.

(2/444)

وإذ هذا الدواء محلِّلٌ، فهو - لامحالة - مرقِّق المواد، إذ (1) التحليل - كما بيَّنَّاه - إنما يتم بترقيق أجزاء المادة، حتى تصير (2) بحيث يسهل خروجها من المسام بخاراً، ويلزم ذلك أن يكون هذا الدواء ملطِّفاً. ولابد وأن يكون جوهره لطيفاً ضرورة كثرة الهوائية فيه، ومع قلة الأرضية الباردة. وكل دواء لطيف فيه جلاء وتحليل، فهو لامحالة مفتِّحٌ؛ فلذلك هذا الدواء لابد وأن يكون مفتِّحاً. ولأن هذا الدواء يابسٌ، وهو مع ذلك محلِّلٌ، وذلك مما يلزمه نقصان الرطوبات. فلذلك هذا الدواء لابد وأن يكون مجفِّفاً، وإذ هو مجفِّفٌ، فهو (3) لامحالة جالٍ، فهو لامحالة مُنقٍّ.

__________

(1) ن: إذا.

(2) :. يصير.

(3) :. وهو.

(2/445)

الفصل الثالث فى فِعلِ هَذا الدَّواءِ فى أَعضَاءِ الرَّأسِ

لما كان (هذا الدواء (1) قابضاً باعتدال، مجفِّفاً تجفيفاً معتدلاً، وهو مع ذلك (2) ملطِّف، وليس فيه كيفية رديئة، ولا لذَّاعة، ولا مُباينة للاعتدال. فهو - لامحالة - من الأدوية الشديدة النفع للعين؛ وذلك لأن هذا الدواء بتجفيفه المعتدل، يحفظ (3) صحة العين ويزيل ما يكون بها من الرطوبات الفضلية وينشِّف الدمعة. وبما فيه من القبض اللطيف، يقوِّى جِرْمَ العينِ، من غير أن يبلغ إلى حد يكثِّف جِرْمَهَا تكثيفاً ضارّاً. ويعين على ذلك، ما فى هذا الدواء من العِطريَّة. وبما فى هذا الدواء من التلطيف، يلطِّف الروح التى فى العين، ويلزم ذلك أن يكون مُحِداًّ للإبصار.

وبخلوِّ هذا الدواء عن الطعوم، ونحوها من الكيفيات المفرطة والضارة؛ ليس يحدث منه (4) فى العين أمرٌ يؤذيها، فلذلك: هو من أوفق أدوية العين. وهو ينفع أورام العين الباردة، وكذلك الحارَّة - فى انتهائها وبعد ذلك - بما فيه من التحليل. ويسكِّن أوجاع العين إذا ضُمِّدت به، وذلك بما فيه من التحليل والتقوية.

__________

(1) -:. (والراحج أنها من سهو قلم المؤلِّف) .

(2) مكررة فى هـ.

(3) ن: بحفظ.

(4) :. فيه.

(2/446)

وقد قالوا: إنَّ الأُشْنَةَ تنفع من حرارة العين وحُمرتها. ويشبه أن يكون ذلك بما فيها من التقوية المانعة من توجه المواد المسخِّنة والمحمِّرة إليها، ومع ذلك فإن هذا الدواء ينفع العين مشروباً؛ وذلك بسبب تقويته للمعدة، فيقلُّ ما يتبخَّر إلى العينين من الأبخرة التابعة لضعف الهضم.

والشراب المنقوع فيه الأُشْنَةُ إذا شُرب، نَوَّمَ شاربه تنويماً معتدلاً، وكان تنويمه للصبيان أكثر. وإذا ضُمِّد بالأُشْنَةِ ما خلف الأذنين، قوىَ ذلك الموضع، بما فى الأُشْنَةِ من القَبْضِ

(2/447)

الفصل الرابع فى فِعل الأُشنَةِ فى أَعضَاءِ الصَّدرِ

إنَّ هذا الدواء لما كان فيه قبضٍ معتدل وعطريَّة، مع الخلو عن الكيفيات الردئية والمضرة؛ فهو - لامحالة - يقوِّى القلب، خاصةً إذا شُرب طبيخه. خاصةً، إذا كان ذلك بالشراب. ولأجل هذه التقوية، هو ينفع الخفقان؛ ومع ذلك، فإنه يلطِّف الروح بتلطيفه، ويَسْهُل نفوذه إليها بلطافته، ويقوِّيها ((1) بعطريته. فلذلك، هو من الأدوية الترياقية، والأدوية المفرِّحَة.

__________

(1) ن: وبقوتها.

(2/448)

الفصل الخامس فى فِعلِ الأُشنَةِ فى أَعضَاءِ الغِذَاءِ

إنَّ هذا الدواء بما فيه من القبض والعطريَّة والتجفيف، هو يقوِّى المعدة ويجفِّف بلَّتها، وينقِّيها بما فيه من التجفيف والجلاء. ويلزم ذلك، أن يقوِّى هضمها، ويقطع القئ والفواق، ويطيِّب المعدة، ويقوِّى الأحشاء الأخرى - خاصةً الكبد - ويفتِّح سُدَدَهَا. وشراب طبيخه، يسكِّن أوجاع الكبد.

وإذا طُبخت الأُشْنَةُ بالشراب، وشُرب ذلك الشراب، قوَّى المعدة جداً وحلَّل الرياح والنفح. وإذا سُحقت بالخلِّ وضُمِّد بها الطحال المتورِّم، انتفع بذلك، بما فيها من التلطيف والتحليل (1) .

وقد تُعمل الأُشْنَةُ فى الخبز، وذلك بأن تُسحق وتُعجن مع الدقيق ويتَّخذ (2) من ذلك الخبزَ، فيكون ذلك الخبزُ نافعاً لضعف المعدة.

__________

(1) العبارة فى هامش ن مسبوقة بكلمة: مطلب.

(2) ن: ويتحد.

(2/449)

الفصل السادس فى فِعلِ الأُشنَةِ فى أعضَاءِ النَّفضِ

إنَّ هذا الدواء من شأنه إدرار البول؛ وذلك لأجل قوة تفتيحه. وإذا جُلِسَ فى طبيخه؛ أدرَّ الطمث، وسكَّن أوجاع الرحم. وإذا شُرب، فتَّت الحصاة خاصةً مع شراب السكنجبين (1) وذلك لما فى هذا الدواء من التلطيف والجلاء والحدَّة، والظاهر أن هذا الفعل، لا يتجاوز حصاة الكلية. والأُشْنَة تفتِّح سُدَدَ الرَّحمِ.

__________

(1) ن: السكنجين.

(2/450)

الفصل السابع فى فِعلِ الاُشنَةِ فى الأَمراضِ التى لا اختِصَاصَ لها بعُضوٍ

إنَّ هذا الدواء، من شأنه تقوية الأعضاء والمفاصل، إذا نُطل بطبيخه أو جُلِسَ فيه. وهو يحلُّ الإعياء (إذا) (1) جُلِسَ فى طبيخه، أو نُطل به، أو طُبخ هذا الدواء فى الدهن ومُرِّخَ به. ويقع هذا الدواء كثيراً فى الأدهان المراد بها (2) تقويةُ الأعضاء، أو تحليلُ الإعياء، أو شَدُّ المفاصل.

وهذا الدواء يقوِّى (3) الأعضاءَ الضعيفةَ ويشدُّها، سواءً (4) كان ضعفها لمرضٍ، أو خِلْقةٍ - كما فى الأرنبتين، والإبطين، وخلف الأذنين. ومن شأنه (أن) (5) يسكن الأوجاع، لما فيه من التحليل مع التقوية. وكذلك أيضاً من شأنه النفع من الأورام لما فيه من القبض والتحليل سواء ضُمِّدت به الأورام، أو نُطلت بطبيخه.

وينفع من الصنان، ويطيِّب رائحة البدن، لأجل ما فى هذا الدواء من التجفيف للرطوبات الفضلية، المفسدة لرائحة البدن بعفوصتها، وبما فى هذا

__________

(1) -:.

(2) :. والمراد بهما.

(3) الورقة التالية ساقطة من هـ.

(4) :. سوى.

(5) -:.

(2/451)

الدواء من العطرية. وهو يدخل فى الطيوب، ليكون محدّاً (1) للرائحة.

وإذا طُبخ هذا الدواء فى شراب، وشُرب، كان نافعاً من نهش الهوام وذلك لما فيه من الترياقية، كما بينَّاه أولاً. وإذا أعوزت الشيبة، كان بدلها القردمانا كما قالوه.

__________

(1) ن: حدا.

(2/452)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الثانية والثلاثون (فىِ أَحْكَامِ) أَظْفَارِ الطيبِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على ستة فصول.

(2/453)

الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ أَظفَارِ الطِّيبِ (1)

هذه قِطعٌ عظيمةٌ، شبيهةٌ فى رِقَّتها - مع استطالتها - بُقلاَّمةِ أظفارِ الناسِ عطريةُ الرائحة، تستعمل فى الدخن (2) ، وهى غطاءُ (3) حيوانٍ صَدَفىِّ، والصدفية منه (4) تُجمع من المواضع التى تكون فيها مياهٌ قائمة مدَّة، ثم تجفُّ تلك المياه فتوجد هذه الأظفار فى مواضعها.

ولها رائحة الناردين لأن هذا الحيوان من شأنه أن يرعى (5) الناردين فلذلك إنما تكون (6) هذه الأظفار هناك، فى البلاد التى (7) ينبت فيها الناردين. ومن هذه ما يوجد على ساحل القلز، ومنه دسومة، ولونه إلى البياض. ومنها بابلى فى

__________

(1) :. أطفار الطيب.

(2) يقصد: كالبخور.

(3) ن: عضا. وقد صوَّبنَاهَا بالرجوع إلى ابن البيطار الذى أورد فى جامعه تحت اسم (أظفار الطيب) ما نصه: الخليل بن أحمد: هو شىء من الطيب، أسود شبيه بالظُفر، يجعل فى الدخن ولا يفرد منه الواحدة. ابن رضوان: وجدت فى كتاب الطيب، أن أنواع الأظفار كثيرة، منها ما يكون فى بحر اليمن.. ديسقوريدس فى الثانية: هو غطاء صنف من ذوات الصدف (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية 39/1) .

(4) ن: منه.

(5) ن: يراعى!

(6) :. يكون.

(7) :. الذى.

(2/455)

ناحية بابل، لونه أسود، وهو أصغر من الأول. وكلاهما (1) طيبُ الرائحة، إذا دُخِّنَ بهما، كان فى رائحتهما شئٌ يشبه رائحة الجندبيدستر (2) .

وقد قيل: إنَّ أجود أظفار الطيب هى القرشية (3) . وأظن - والله أعلم - أن هذه منسوبة إلى القِرْش وهو حيوانٌ عظيمٌ فى البحر فتكون هذه فلوسه، وصفة هذه أنها حمراء مقعَّره كفلوس السمك، إلا أنها قليلة العرض، مستطيلة غير ذاهبة (4) على الاستقامة، بل مع انحناءٍ ما.

ومن أَظْفَارِ الطِّيب ما يوجد على ساحل جَدَّة، وهى المكِّيَّة. ومنها ما يوجد فى بحر اليمن، وقد قيل إنها هى القرشية.

وجوهر أظفار الطيب هو جوهرُ العظام والأصداف، وجميع هذه فإن جواهرها (5) أرضية. فلذلك، أظفار الطيب جوهرها أرضىٌّ، وفيها - لامحالة - هوائية؛ ولذلك هى خفيفة الوزن، خاصة الدسمة منها، فإنَّ الدسومة، كما بيناه أولاً، إنما تتحقَّق بجسمٍ فيه هوائية كثيرة. وفى هذه الأرضية نارية قليلة، فلذلك هى حادة الرائحة، وأرضيتها لطيفة جداً، يابسة؛ ولذلك، هى قابلة للتصعُّد بالحرارة النارية بسهولة، فلذلك تتدخَّن سريعاً.

__________

(1) ن: وكليهما.

(2) ن.

(3) الذى قال ذلك، وفقاً لابن البيطار (الجامع 39/1) هو إسحق بن عمران. وعند الشيخ الرئيس: أظفار الطيب.. منه قَلزمى ومنه بابلى أسود صغير.. وأظن أن القَلزمى هو الذى يسمى الفرشية (القانون فى الطب 249/1) .

(4) :. داهبه.

(5) :. جوارها.

(2/456)

الفصل الثانى (1) فى طَبِيعَةِ أَظفَارِ الطِّيبِ وأَفعَالِها على الإِطلاَقِ

لما كان جوهر هذا الدواء مركَّبٌ من أرضيةٍ لطيفة، وناريةٍ يسيرة وهوائية. وكانت المائيةُ فيه قليلةً جداً؛ فمزاجه يجب أن يكون - لامحالة - حارّاً يابساً. أما الحرارة فلأجل النارية؛ فإنها تقوِّى الحرارة، وبرودة الأرضية والمائية لاتفى بتعديل تلك الحرارة، لأن برودة الأرضية ضعيفةٌ جداً. وأما المائية - وإن كانت شديدة البرد - فإنها لقلَّتها (2) ، ليست تبرِّد تبريداً شديداً يقاوم حرارة النارية، خاصةً والهوائية التى فى هذا الدواء، لابد وأن تسخِّن إسخاناً ما

- لامحالة - فلذلك تكون حرارة هذا الدواء شديدة. واما اليبوسة فإنها أيضاً يجب أن تكون شديدة جداً لأن يبوسة الأرضية لابد وأن تكون شديدة، والمائية لقلتها وضعف رطوبتها، لاتفى بتعديل (3) تلك اليبوسة، والناريةُ يابسةٌ لا محالة.

وأما الهوائية فإنها وإن كانت فى نفسها (4) مفرطة الرطوبة، فإنها لا مدخل لها فى ترطيب الأعضاء. فلذلك، هذا الدواءُ يجب أن تكون يبوسته أزيد من حرارته. وكلتاهما (5) قويتان، لكن اليبوسة أقوى، لما ذكرناه.

__________

(1) :. الفصل الثالث.

(2) ن: لغلتها.

(3) ن: لها نفى بتعديلها.

(4) ن: فإنها فى نفسها وإن كانت!

(5) ن: وكليهما.

(2/457)

ولذلك، هذا الدواء حارٌّ، شديدُ اليبوسة، أرضىٌّ. فهو - لامحالة - مجفِّفٌ. ويجب أيضاً أن يكون تجفيفه شديداً؛ لأجل قوة تحليله بسبب قوة حرارته. فلذلك، يجب أن يكون هذا الدواء قوىَّ الحرارة، قوىَّ اليبوسة، قوىَّ التحليل مفرطَ التجفيف. وذلك محلِّلٌ، فهو - لامحالة - ملطِّفٌ.

فلذلك، يجب أن يكون هذا الدواء ملطِّفاً، وأن يكون تلطيفه شديداً لأجل قوة تحليله؛ لأن أرضية هذا الدواء لطيفة، ومائيته قليلة، وفيه ناريةٌ وهوائية. فهو - لامحالة - لطيفٌ جداً. وجميع الأدوية اللطيفة فإنها - لامحالة - أسرع فعلاً وأبعد فعلاً؛ فيجب أن يكون هذا الدواء كذلك.

وإذ فى هذا الدواء أرضيةٌ كثيرة، فهو - لامحالة - قابضٌ، وكل قابضٍ فهو - لامحالة - مقوٍّ. والعطرية تقتضى التقوية، ولذلك هذا الدواء شديدُ التقوية. وأما قبضه فليس بقوىّ (1) ؛ لأن أرضيته ليست باردة. وكل دواء لطيف، فيه تحليل فهو - لامحالة - مفتِّح؛ ولذلك هذا الدواء لابد وأن يكون مفتِّحاً. وكل دواءٍ فيه قَبْضٌ، وتقويةٌ عطرية، وتفتيحٌ؛ فهو - لامحالة - نافعٌ جداً للأحشاء فلذلك هذا الدواء لابد وأن يكون شديد النفع للأحشاء. ولأنه محلِّلٌ، مقوٍّ؛ ففيه - لامحالة - عطرية، وتفتيحٌ؛ فهو - لامحالة - نافعٌ جداً للأحشاء؛ فلذلك هذا الدواء لابد وأن يكون شديد النفع للأحشاء. ولأنه محلِّلٌ، مقوٍّ؛ فهو - لامحالة - مسكِّنٌ للأوجاع.

__________

(1) ن: يقوى.

(2/458)

الفصل الثالث فى فِعلِ أَظفَارِ الطِّيبِ فى أَعضَاءِ الرَّأسِ

إنَّ هذا الدواء، لما كانت أرضيته لطيفةً، فهى (1) - لامحالة - قابلة للتدخين. فلذلك، إذا حصل هذا الدواء فى داخل البدن، تدخَّنت منه أجزاءٌ كثيرة. ولما كان هذا الدواء حارّاً، يابساً بقوة، كان ما يتدخَّن منه - لامحالة - كذلك. فلذلك، إذا بلغت دخانية هذ

االدواء إلى الدماغ، فلابد وأن تُحْدِث فيه أمرين:

أحدهما: ثقل الرأس. وذلك لأن هذه الدخانية هى - لامحالة - أجزاءٌ أرضية، والأجزاء الأرضية ثقيلةٌ لامحالة، وإذا حصل الثقيل فى جسمٍ، صار أثقل (2) لامحالة؛ فلذلك هذا الدواء إذا ورد إلى داخل البدن، أحدث ثقلاً فى الرأس لامحالة.

وثانيهما: صداعٌ. وذلك لأجل حرارة دخانية هذا الدواء ويبوستها، ويلزم ذلك أن يوجع هذا الدخان بكيفيته. ولأن الدخان إذا حصل فى مكان، فلابد وأن يتحرَّك، وتلزم حركته حركة ما يلقاه أمامه إلى جهة حركته؛ فلذلك هذا الدخان لابد وأن يحرِّك الأعضاء التى فى داخل الرأس إلى جهات حركته؛ ويلزم ذلك أن تُمَدَّد تلك الأعضاء، وهذا التمديد يلزمه تفريق اتصال تلك الأعضاء وذلك - لامحالة - مؤلمٌ مصدِّعٌ. فلذلك، ما يرتفع إلى الرأس من دخانية هذا الدواء، لابد وأن يوجع ويصدع بكيفيته وبتمديده جميعاً؛ فلذلك كان هذا

__________

(1) ن: فهو.

(2) ن: أثقله.

(2/459)

الدواء، المسمَّى بأظفار الطيب، إذا ورد إلى داخل البدن، فلابد وأن يحدث ثِقلاً فى الرأس، وصداعاً، ومع ذلك فإنه لايحدث صَرَعاً ولا سكتةً ونحو ذلك وذلك لأن هذا الدخان هو لطيفُ المادة؛ لأنه من أرضيةٍ لطيفة - كما قلناه أولاً - ومع ذلك فإنه شديدُ الحرارة واليبوسة، وما كان كذلك فهو لامحالة يتحلَّلُ بسرعة، فلا يحدث عنه ذلك.

وأما اشتمام هذا الدواء بالتدخين؛ لأن (1)) من مادة لطيفة، وقد ازدادت لطافةً بالحرارة النارية والمدخِّنة لها؛ فلذلك هذه الدخانيةُ تُحدث فى الدماغ أموراً:

أحدها: أنها فى أول الأمر تسكِّن الصداع البارد؛ وذلك لأجل تعديلها مزاج الدماغ حينئذٍ. فإن أُفرط فى استعمال هذا الدخان، فإنه - لامحالة - يملأ الدماغ؛ فلذلك قد يصدِّع بفرط التسخين والتليين (2) ، وبالتحديد.

وثانيها: أن هذه الدخانية تنفع (3) النزلات الباردة جداً؛ وذلك لأجل تعديلها (4) لمزاج الدماغ، وتجفيفها لرطوباته الفضلية المحدِثة للنزلات.

وثالثها: أن هذه الدخانية بقوة حرارتها ويبوستها وتجفيفها، لابد وأن تحلِّل ما تلقاه فى داخل الرأس من الرطوبات الفضلية، وأن تلطِّف تلك الرطوبات بما فيها من التلطيف، وتجفِّفها (5) بقوة تجفيفها؛ فلذلك تُبرئ من الصرع، والسكتة والسُّبات والنسيان، ونحو ذلك من الأمراض الرطبة الدماغية.

__________

(1) ن: لأنها.

(2) ن: البلين.

(3) ن: تبفع.

(4) ن: تعديله.

(5) ن: وتجفيفها.

(2/460)

وأظفار الطيب لأجل عطريتها، تدخل فى أقسام الطُّيوب كلها، وشَمُّها يقوِّى الدماغ البارد تقويةً كثيرة (1) ؛ وذلك لما فيها من التقوية مع التعديل للمزاج.

__________

(1) هنا تنتهى الورقة الساقطة من هـ.

(2/461)

الفصل الرابع في فعل أظفار الطيب في أعضاء الصدر (1)

إنَّ هذا الدواء قد ثبت أنه قابضٌ قبضاً متوسِّطاً، وأنه مقوٍّ، وهو (2) - لامحالة - عَطِرٌ. وجميع ما هو كذلك فهو - لامحالة - مقوٍّ (3) للقلب، خاصةً وهو لعطريته يقوِّى الروح. ويلزم ذلك، أن يكون شديد التقوية للقلب؛ فلذلك هذا الدواء ينفع جداً من الخفقان، خاصةً ما كان منه حادثاً عن مادة باردة جداً كالبلغم الفجِّ.

ولما كان هذا الدواء عطرياً، وكل دواء عَطِرٌ فقد بيَّنَّا أنه ينبغى أن يكون ترياقيّاً ومقرِّحاً. وقد بيَّنَّا أن هذا الدواء لابد وأن يكون شديد الحرارة واليبوسة وما كان كذلك من الأدوية التى تنفذ إلى (4) الروح، فهو - لامحالة - يحدُّ مزاج الروح، ويشعلها، ويلهبها. وما كان كذلك فإنه يجعل الروح شديدة الاستعداد للحركة إلى الخارج دفعةً، وسريعاً جداً. وما كان كذلك، فإنه يجعل الروح شديدة الاستعداد لما به يحدث الغضب؛ فلذلك كان هذا الدواء من الأدوية المغضبة، لا من الأدوية المفرحة. وهذه السخونة واليبوسة يحيلان (5) الروح

__________

(1) هـ.

(2) :. هو.

(3) :. مقوى.

(4) هـ: من

(5) هـ يجلان، ن: يحيلان.

(2/462)

وذلك لاينافى (1) الترياقية؛ فلذلك (2) يكون هذا الدواء - مع أنه مُقّوٍّ للقلب مغضبٌ - هو ترياقٌ.

__________

(1) :. كذلك لا ينافيان.

(2) ن: فكذلك.

(2/463)

الفصل الخامس فى فِعلِ أَظفَارِ الطِّيِب فى أَعضَاءِ الغِذَاءِ

إنَّ هذا الدواء، قد بيَّنَّا أن جوهره من أرضيةٍ لطيفة، وناريةٍ، وهوائيةٍ وأن مائيته قليلة. وما كان كذلك، فإنه بعيدٌ جداً عن التغذية، خاصةً وهو شديد اليبوسة، مفرطُ التجفيف؛ وذلك مما ينافى التغذية. فلذلك، هذا الدواء من الأدوية الصرفة.

وقد بيَّنَّا أن هذا الدواء مفتِّح، محلِّلٌ، مقوٍّ، قابضٌ. فهو لذلك، شديدُ النفع للأحشاء كلها، وبيَّنَّا أن هذا الدواء مسكِّنٌ لأوجاع المعدة والكبد وغيرهما من الأحشاء، وأنه (1) يقوِّى فم المعدة جداً؛ وذلك لما فيه من القَبْضِ والعطرية.

__________

(1) مكررة فى ن

(2/464)

الفصل السادس فى فِعلِ أَظفَارِ الطِّيبِ فى أَعضَاءِ النَّفض (1)

إنَّ هذا الدواء لأجل عطريته، وقَبْضه، وتقويته؛ هو شديد الملائمة لجميع الأعضاء. وما كان من الأعضاء بارداً عصبياًّ، فهو له أكثر ملائمة لامحالة، لأن هذا الدواء شديد الحرارة واليبوسة. فلذلك، كان هذا الدواء شديدُ الملائمة جداً للرَّحم، خاصةً وهو لشدة تجفيفه يناسب الرحم، إذا الرحم لابد وأن تكون الفضول فيه كثيرة؛ لأنها تتحرك إليه بالطبع؛ فلذلك كان الرحم شديد الانتفاع بهذا الدواء، شديد الميل إليه، وهو يطيِّب رائحته إذا بُخِّرَ به. فلذلك، إذا بُخِّرَ رحم صاحبه اختناق (2) الرحم بهذا (3) الدواء، نفعها ذلك جداً، ورَدَّ ميلان الرحم؛ وذلك لأجل شدة ميله إلى جهته، لأجل شدة ملائمته لجوهره.

وينبغى أن يكون هذا التبخُّر بقُمعٍ يُدخل فى الفرج، ويُترك الموضع المتسع من القُمْع، قبالة بخار هذا الدواء، لكى يصل ذلك البخار إلى الرحم، من غير أن يصل (4) إلى الأنف من خارج. وكذلك، إذا جلست المرأة على إجانةٍ مثقوبة بحذاء فم الرحم، وكان تدخينُ هذا الدواء تحت تلك الإجانة.

__________

(1) ن: الصدر - ومشطوبة ومصحَّحة فى الهامش) .

(2) هـ: احتناق.

(3) هـ: بهذ، ن: بعد.

(4) ن: تصل.

(2/465)

وأما اشتمامُ المختنقة (1) الرحم (2) لرائحة هذا الدواء، ووصول دُخَّانُه إلى أنفها، فإنه شديد الضرر بها جداً؛ وذلك لأن الرحم يعرض له - حينئذ - زيادة التقلُّص إلى فوق، طلباً إلى رائحة هذا الدواء. لأجل عطريته (مع تقويته، وشدة ملائمته للرحم، ونقائه من الفضول، وطيب رائحته فى ذلك، لأنه مع عطريته) (3) يجفِّف الرطوبات المحدثة للعفونة، المفسدة للرائحة. ولذلك، فإن هذا الدواء يطيِّب (4) رائحة البدن إذا تُدلِّك به، وكذلك إذا ذُرَّ على مواضع الصنان، ونحو ذلك.

وبعض أصناف هذا الدواء قوىُّ الجلاء؛ فلذلك إذا شُرب فى بعض الرطوبات كثَّر (5) البطن بإفراط جلائه (6) . وأما أكثره (7) ، فإنه يعقل البطن بما فيه من القبض مع التجفيف. وإذا شُرب من هذا الدواء قدر درخميين بماءٍ حارٍّ أخرج الدم الجامد المنعقد من الكلى والمثانة؛ وذلك لأجل إذابته لذلك الدم بقوة حرارته. وكذلك، هذا الدواء (8) يخرج الحيض المحتبس، لأجل انسداد مجاريه بالبلغم الغليظ اللزج؛ وإدامة تدخين الرحم به، يفعل ذلك أيضاً.

__________

(1) هـ: المخنتقة.

(2) :. للرحم.

(3) ما بين القوسين ساقط من ن.

(4) ن: بطبب.

(5) ن: كبير (والكلمة غير واضحة المعنى) .

(6) :. جلاه.

(7) يقصد: أكثر أصناف هذا الدواء.

(8) هـ

(2/466)

المقالة الثالثة والثلاثون فىِ أَحْكَامِ الأَفْتِيمُونِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على أربعة فصول.

(2/467)

الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ الأَفتِيموُنِ (1)

إنَّ هذا النبات شبيهٌ فى قوته بالحاشا (2) ، حتى ظُنَّ أنه نوع من الحاشا لكن الحاشا أضعف قوَّةً منه. وسنتكلم فى قوى الحاشا فى كتاب الحاء (3) . والمستعمل كثيراً من هذا النبات، الذى هو الأَفْتِيموُن إنما هو أطرافه، وهى بذورٌ وزهرٌ، وقضبانٌ دقاقٌ خفيفه متهشِّمة، حُمْرُ الألوان، حادة الرائحة، حريفة الطعم. وأجود ذلك ما كان أشدُّ حْمَرةً، وأحَدُّ رائحةً، وأطيبُ طعماً. وكان نباته فى اقريطس أو فى البيت المقدس.

وجوهرُ هذا النبات جوهرٌ نارىٌّ هوائى، وهوائيته أزيدُ من ناريته؛ ولذلك فإن حرافته ضعيفة، وليست تظهر عند أول ملاقاته للسان، بل بعد مضغه فلذلك لابد وأن يكون فيه مائيةٌ تخفى تأثير ناريته، إلى أن ينفذ إلى باطن اللسان وهذه المائية ليست بكثيرةٍ فيه، وليس فيه أرضية يعتدُّ بها. ويدل على كثرة هوائيته، زيادة خِفَّته.

__________

(1) يبدأ ابن البيطار كلامه فى هذا الدواء بقوله: أفتيمون، هذا الاسم اسمٌ يونانىٌّ، وقيل سريانى والأكثرون على أنه يونانى، فاعرف ذلك (الجامع 40/1) ولم يفسره ابن البيطار فى شرحه على كتاب ديسقوريدس.

(2) الحاشا: نبات يُعرف بصعتر الحمير، يسخِّن إسخاناً بيِّناً، ينبت كثيراً بأرض بيت المقدس وماوالاها (المعتمد ص97) .

(3) ن: الحاشا.

(2/469)

الفصل الثانى فى طَبِيعَةِ الأَفتِيموُنِ وأَفعَالِهِ على الإِطلاَقِ

لما كان جوهرُ هذا الدواء من هوائيةٍ كثيرة، وناريةٍ يسيرة، تقارنها مائية يسيرة أيضاً. وفيه أرضيةٌ قليلةٌ جداً، وأرضيته (1) حارّةٌ؛ إلا أنها (2) لم تبلغ إلى حَدِّ الاحتراق المحدث للمرارة. فلذلك، لابد وأن يكون هذا الدواء حاراّ (3) يابساً ويجب أن تكون حرارته أزيد من يبوسته؛ وذلك لأن حرارته تحدث من ناريته وهوائيته، وحرارة (4) النارية شديدة جداً؛ فلذلك يكون التكاثر بحرارة ما فى هذا الدواء من النارية والهوائية، إنما هو المائية فقط، وهى فى هذا الدواء يسيرة؛ فلذلك تكون حرارة هذا يبوسة النارية ضعيفة، ويبوسة الأرضية وإن كانت قوية جداً، إلا أن هذه الأرضية قليلة الدواء قوية.

وأما يبوسته، فليست بشديدةٍ جداً؛ لأن المقدار فى هذا الدواء فلذلك يجب أن تكون يبوسته ضعيفة.

وجوهرُ هذا الدواء شديدُ اللطافة جداً؛ وذلك لأجل قلَّة أرضيته وكثرة هوائيته؛ فلذلك قُواه تتحلَّل بسرعة جداً. وذلك (5) ينبغى أن لا يُبالغ (6) فى طبخه

__________

(1) ن: وأرضية.

(2) هـ: فانها، ن: فإنما.

(3) ن: حار.

(4) ن: وحرارته.

(5) :. كذلك.

(6) هـ: لا ينبغي أن لا يبالغ.

(2/470)

لأجل سرعة انحلال قوته. وإذا كان كذلك، فإن حرارته وإن كانت فى نفسها شديدة؛ فإنه ليس يسخن إسخاناً قوياً كثيراً جداً؛ وذلك لأجل انحلال قوته بسرعة، فلا يبقى فى البدن بقدر ما تشتد (1) قوته.

وقد يستعمل هذا الدواء مطبوخاً، وقد يستعمل جِرْمُهُ نَفْسُهٌ مسحوقاً، وقد يستعمل نقيعه. ويجب أن يكون دواءً محلِّلاً؛ وذلك لما فيه من الحرارة النارية وأن يكون مُدفئاً (2) وذلك لأجل تلك الحرارة؛ وأن يكون ملطِّفاً، وإلا لم يكن محلِّلاً؛ فإن التحليل إنما يتم بترقيق الأجزاء، وذلك هو التلطيف.

فلذلك، كان هذا الدواء يُخرج البلغم والسوداء، وإخراجه للسوداء أكثر وذلك لأجل إذابته لهذين الخلطين وترقيقه لقوامهما، فيهيِّأ للطبيعة - بذلك - دفعهما. ومع ذلك فإنه لا يخلو (3) عن قوة تحدث الخلطين (4) وتسهلهما.

ولابد وأن يكون هذا الدواء قوىَّ التفتيح؛ وذلك لأجل لطافته مع قوة تحليله، وبهذا التفتيح يعين - لامحالة - على إخراج السوداء والبلغم الغليظ؛ وذلك لأجل اتساع الطرق لهما.

ولما كان هذا الدواء خالياً (5) عن العِطريَّة، لا جَرَمَ لم يكن هذا الدواء من الأدوية التِّرياقية ولا المفرحة، إلا بما يخرجه من السوداء. ولما (6) لم يكن فيه قَبْضٌ ظاهر، لم يكن فيه تقويةٌ يُعتد بها. فلذلك، ليس يقوِّى القلب، إلا بما يدفع عنه السوداء.

__________

(1) :. يشتد.

(2) :. بدينا!

(3) :. يخلو

(4) يقصد: البلغم والسوداء.

(5) ن: غالباً.

(6) :. وذلك لما.

(2/471)

الفصل الثالث فى فِعلِ الاَفتِيموُنِ فى أَعضَاءِ الرَّأسِ والصَّدرِ

إنَّ هذا الدواء لما لم (1) يكن فيه قَبْضٌ ظاهر، لا جَرَمَ لم يكن فيه تفريحٌ ولا تقويةٌ للقلب ولا ترياقيةٌ، وإنما يفرِّح ويقوِّى القلب بما يدفع من السوداء ويلطِّف الأرواح والأخلاط الغليظة التى عند القلب، وبالقرب منه. ولكن (2) بحرارته قد يحدث همَّاً وكَرْباً، وإحداثه الكرب أزيد، وخاصة بالمحرورين والشُّبَّان. ولكنه لإخراجه السوداء وتنقيته الروح منها، يجعل أرواح الدماغ جيدةً، صافيةً؛ لأجل ما يصل إليه من الروح الحيوانى. ومع ذلك فإنه يقلِّل ما ينفذ إلى الدماغ من الدخانية؛ وذلك لأجل إخراجه السوداء؛ فذلك كان هذا الدواء نافعاً جداً من الماليخوليا والصَّرَع.

أما (نفعه) (3) من الماليخوليا فظاهرٌ؛ لأنه يزيل ما فى الدماغ من الأبخرة السوداوية، ومن الفضول السوداوية المكدِّرة لأرواحه، وذلك (4) يصلح الفكرة ويدفع الوسواس السوداوى، والوحشة التى تحدث لقوى الدماغ بظلمة السوداء وكدورتها.

وأما نفع هذا النبات من الصرع؛ فلأنه إذا منع الدخانية عن الدماغ، منع - لامحالة - حدوث الرياح فيه؛ فإن حدوث الرياح إنما يكون من الدخانية. وإذا

__________

(1) -:. (وبدونها لا يستقيم المعنى، ولا يصح) .

(2) ن، هـ: ولاكن.

(3) -:.

(4) :ز ذلك هو.

(2/472)

قلَّت الرياح فى الدماغ، قَلَّ حدوث الصرع أو فُقِدَ، وذلك لأنَّا سنبيِّن أن أكثر حدوث الصرع إنما هو عن الرياح التى تحصل فى الدماغ، ولا تجد منفذاً تخرج منه من الدماغ سوى مسام الأعصاب. وينفع هذا الدواء للصرع السوداوى أكثر؛ وذلك لأجل كثرة إخراجه للسوداء.

ولما كان الدماغ باردَ المزاجِ رَطِبَهُ، لاجَرَم لم يكن فى الأَفْتِيموُنِ إضرارٌ به إلا أن يكون شديد الحرارة، وحينئذٍ قد يحدث عن الأَفْتِيموُنِ صداعٌ حارٌّ أو سَهَرٌ ونحو ذلك. وأما الأعصابُ، فإنها تنتفع بالأفتيمون؛ وذلك لأجل تعديله لمزاجها؛ فلذلك كان الأَفْتِيموُنُ نافعاً من التشنُّج (1) الامتلائى (2) ، وذلك إذا لم يكن الامتلاء فى الأعصاب كثيراً جداً؛ فإنه - حينئذٍ - لأجل تسخينه قد يحرِّك تلك المادة الكثيرة الآتية (3) للعصب، فيكون بذلك مُزيداً فى التشنُّج.

وكثير (4) من الناس قد يعرض له (5) عند شرب الأَفْتِيموُنِ ما يُسمُّونه بالعقال وهو تشنُّج ريحى يذهب سريعاً (6) ؛ وذلك لأجل تحريكه ما يكون فى أعصاب هؤلاء من الرطوبات، وإحالته لها رياحاً، لأجل حرارته.

__________

(1) ن: الشنج.

(2) :. الامتلاء. والتشنُّج الامتلائى، هو الحادث عن امتلاء الجسم بالمواد الضارة.

(3) :. الآلية.

(4) :. وكثيراً.

(5) ن: لهم.

(6) راجع ما ذكرناه فى كتابنا: علاء الدين (ابن النفيس) إعادة اكتشاف، ص 55 وما بعدها. حيث ردَدنا قول المؤرِّخ (ابن فضل الله العمرى) إنَّ العلاء كان: قليل البصر بالعلاج لأنه لم يعالج عقالاً فى يد أبى الثناء الحلبى، وأن العلاء نفسه كان به عقالٌ ولم يداوه وقد رددنا الأمر بأن (العقال) هو تشنجٌ ينحل فى الغالب، سريعاً. وكان مرجعنا فى ذلك (القوصونى: قاموس الأطباء، مخطوطة الظاهرية ص 15) وها هو العلاء يؤكِّد هذا المعنى هنا، فيتأكد لنا أن عدم مسارعته إلى علاج (العقال) يشهد بوفور علمه بالعلاجات، ولا يدل على: قلة بصره بالعلاج كما ادَّعى ابن فضل الله العمرى.. ناهيك عما نراه هنا - فى أجزاء الشامل - من تبحُّرهِ فى الصفات العلاجية للمفردات. فتدَّبر.

(2/473)

الفصل الرابع فى فِعلِ الأَفتِيموُنِ فى أَعضَاءِ الغِذَاءِ وأَعضَاءِ النَّفضِ

إنَّ هذا الدواء لأجل كثرة هوائيته، مع النارية التى فيه، مع قلة الأرضية والمائية هو - لامحالة - منافٍ بجوهره لجوهر الغذاء، إذْ جوهرُ الغذاء يحتاج أن يكون كثير الأرضية والمائية، وأن يكون امتزاجهما مستحكماً ليكون بكثرة (1) الأرضية مناسباً لجوهر الأعضاء، وبكثرة مائيته (2) سهل (3) الانفعال، وبقوة امتزاج هذين الجوهرين فيه، يكون جوهره لَدِناً شبيهاً بجواهر الأعضاء.

والأَفْتِيموُنُ مع قِلَّة أرضيته ومائيته، فإن امتزاجهما (4) واهٍ؛ فلذلك يسهل انحلال قوته. فلذلك كان الأَفْتِيموُنُ بعيداً جداً عن التغذية، فلذلك هو من الأدوية الصِّرْفة.

ولأجل قوة حرارته، هو يحلِّلُ الرياح والنفخ. فلذلك، هو نافع من المغص الريحى، وربما نفع من القولنج (5) الذى هو كذلك. ولكنه لأجل (6) هذا التسخين

__________

(1) :. بكرة.

(2) مطموسة فى ن.

(3) ن: يسهل.

(4) :. امتزاجه.

(5) القولنج: مرض معوى مؤلم يعسر معه خروج الثفل والريح، وهو بالحقيقة: اسمٌ لما كان السبب فيه، فى الأمعاء الغلاظ. فإن كان فى الأمعاء الدقاق، فالاسم المخصوص به: إيلاوس وأسبابه كثيرة، وأكثرها مِن بلغمٍ أو ريح (قاموس الأطباء 97/1) والقولنج الريحى هو المشار إليه هنا، ولذا قال: المغص الريحى.. والقولنج الذى هو كذلك.

(6) مطموسة فى ن.

(2/474)

القوى هو يُكرب ويغثِّى ويقيِّئ، خاصة للمحرورين، والصفراويين، والشبان. ولذلك، فإن الأَفْتِيموُنَ أوفق للمبرودين، والكهول (1) ، والمشايخ؛ منه لغيرهم (2) .

وهو يُخرج السوداء بالإسهال، ويسكِّن عاديتها. وأكثر استعماله فى زماننا لذلك، هو فى المطبوخات. وله مطبوخٌ يخصُّه يُعرف بمطبوخ الأَفْتِيموُن يستعمل فى السوداويين. وقد يستعمل جِرْمه فى الحبوب، وقد يستعمل بانفراده مع ماء الجبن، أو باللبن الحليب. وقد يُنقع فى الشراب، ويُستعمل.

وإذا استُعمل فى المطبوخات، لم يُبالغ فى طبخه، بل يُوضع فى آخر الطبخ؛ وذلك لأجل ضعف قوة الأجزاء التى تفضل (3) منه فى طبيخه. ومن الناس مَنْ يضعه فى المطبوخات، مصروراً فى خرقةٍ من كِتَّان ونحوه؛ والغرض بذلك: مَنْعُ قوته من مبادرة التحلُّل إليها.

وأكثر ما يستعمل فى المطبوخات، أربعة دراهم، وأقل ذلك درهمان. وأما فى الحبوب فقد يُستعمل منه درهمان، وقد يقتصر على وزن درهمٍ واحد والوسط مثقال. وأما فى ماء الجبن ففى الأكثر يستعمل منه أربعة دراهم، وقد يقتصر على ثلاثة دراهم أو درهمين، وذلك إذا كان معه غيره، وقد يستعمل منه - حينئذٍ - خمسة دراهم، وذلك إذا كان بانفراده، ويكون شُربه حينئذٍ بالسكر أو بالسكنجبين (4) .

__________

(1) هـ: وللكهول.

(2) العبارة فى هامش هـ مسبوقة بكلمة: انظر.

(3) :. من الأجزاء التى تنفصل.

(4) ن: بالسكنجين. والسكنجبين كلمة فارسية معربة، مركبة من سك، انكبين أى خل عسل ويراد به كل حامض وحلو (معجم الألفاظ الفارسيةن ص92) .

(2/475)

وأما إذا استُعمل باللبن الحليب، ففى الأكثر يكون كذلك بقدر خمسة دراهم أو ستة دراهم، وقد يستعمل منه - حينئذٍ - وزن (1) عشرة دراهم، ويُشرب حينئذ بالسكر. وأما إذا استعمل بالخمر، ففى الأكثر يستعمل منه وزن خمسة دراهم؛ وذلك لأجل اجتماع حرارته مع حرارة الخمر، فلا يكثر، كما إذا استُعمل باللبن. وأجود استعماله - حينئذ - أن يُصَرَّ فى خرقة كِتَّان، ويوضع فى الخمر يوماً وليلة، ثم بعد ذلك قد يُستحلب فى ذلك الخمر، بأن (2) يكرَّر عصير تلك الخرقة فى الخمر، لتخرج منه الأجزاء اللطيفة، ثم يُستعمل ذلك الخمر، إما وحده أو بالسكر. والأجود حينئذ، أن يكون سحقه شديداً، ليكون ما يفعل منه فى الخمر أزيد.

وهذه المقادير كلها، إنما هى غاذيةٌ (3) ، ويجوز أن (4) تعين على ذلك ويكون تغيُّرها بحسب مزاج المستعمل له. ولابد وأن يكون معه مثل دهن اللوز ليكسر حدَّته ويبوسته. وكثيرٌ من الأولين كانوا يسقونه مع العسل والملح ومرادهم بذلك: زيادة إذابته للسوداء؛ فإنه أيضاً يخرج بلغماً كثيراً، ومع ذلك فإنه يُعَطِّش، خاصةً المحرورين. وإذا أعوز فقد يبدَّل بالحاشا، ولكن يكون هذا الحاشا أزيد منه وزناً، وذلك لأجل ضعف قوة الحاشا عن قوة الأَفْتِيموُن.

__________

(1) - هـ.

(2) :. بل.

(3) :. عادية. ومراد المؤلِّف: أن هذه التراكيب التى يدخل فيها الأفتيمون وهى اللبن والخمر وماء الجبن، كلها غذائية.

(4) - ن.

(2/476)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

الشامل في الصناعة الطبية

المقالة الرابعة والثلاثون فى أَحْكَامِ الأَفْسَنْتِينِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على ثمانية فصول.

(2/477)

الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ الأَفسَنتِينِ

إنَّ هذا الدواء نوعٌ من الشيح ولذلك يسمى: الشيح الرومى. وله أصولٌ وساقٌ، وأغصانٌ، وأوراقٌ، وزهرٌ، وبزرٌ (1) ، وعصارة. وهو نباتٌ شجرىٌّ يقوم على ساقٍ واحدةٍ، ذاتِ (2) أغصانٍ كثيرة، وفى كل غصنٍ أوراقٌ كثيرة صغارٌ، متراكمةٌ، غبْرٌ، تشبه الأُشْنَةِ فى غبرتها. وزهرُهُ أُقحوانىٌّ صغيرٌ، أبيضٌ فى وسطه شئٌ أصفر، وله بزرٌ دقيق، وفى طعمه قَبْضٌ يسيرٌ ومرارةٌ مع الحرافة ويتَّصف باعتبار مَنْبته. واختلف الأطباءُ فى أصنافه (3) ، فقيل: إنَّ أصنافه هى هذه: خراسانى (4) ، ورومى، ومشرقى، ومجلوب من جبل اللكام (5) ، وسوسى وطرسوسى، ونبطى. وفى النبطى عطريةٌ ظاهرة، وغيره ليس كذلك، بل هو كريه (6) الرائحة. وهذا النبطى أصفر ورقاً وزهراً من غيره. وأجود الأَفْسَنْتِينِ ما

__________

(1) هـ: بزز.

(2) :. ساق واحد ذى.

(3) راجع ما ذكره الأطباء والعَشَّابون فى الأفسنتين فى (الحاوى فى الطب 118/20 وما بعدها - القانون فى الطب 244/1 - الجامع 41/1) وقد ذكر الشيخ الرئيس خمسةً من أنواعه: السوسى، الطرسوسى، النبطى، الخراسانى، الرومى.. قارن ذلك، مع ما يذكره العلاء هنا.

(4) ن: خراشانى.

(5) اللكام: هو الجبل المشرف على أنطاكية وطرسوس، وهو امتدادٌ لجبل لبنان (ياقوت الحموى: معجم البلدان 5، 11، 22) .

(6) ن: كونه.

(2/479)

هو زَغَبىُّ (1) اللون، صَبْرِىُ (2) الرائحة عند الفَرْك، وأفضل ذلك (3) : السوسى والطرسوسى.

وجوهرُ هذا الدواء مركَّبٌ من أرضيةٍ باردة، بها يصير قابضاً. ومن أرضية محترقة، بها يصير مُرّاً. ومن جوهرٍ نارىٍّ، به (4) يصير حريفاً. ومن هوائيةٍ، بها يصير خفيفاً. والجزء المائى فيه كثيرٌ؛ ولذلك تُعتصر (5) منه عصارةٌ كثيرة. وجوهره لطيف؛ لأن الأرضية الباردة فيه قليلة. وأكثر أجزائه لطيفة (6) جداً ومزاجه من هذه الأجزاء غير مستحكم؛ ولذلك تصدر عنه أفعال متباينة.

وتارةً يستعمل جِرْمُهُ، وتارةً عصارتُهُ، وتارةً شرابُهُ، وتارة بزرُهُ وزهرُهُ. وعُصارتُهُ أقل أرضية - لامحالة - فلذلك هى أقل قَبْضاً. وإنما تكثر (7) فيها النارية والمائية، فلذلك هى أكثر تحليلاً، وأقل قبضاً.

وتختلف أصنافه فى أفعاله؛ لأجل اختلافها فى الأجزاء التى هى عناصرها فما كان من أصنافه كثيرَ الأرضيةِ الباردةِ، كان أكثرَ قبضاً، وذلك كالنوع المجلوب من نيطس (8) ولذلك فإن هذا الصنف يُختار لأجل تقوية المعدة والكبد ونحوهما من الأحشاء، خاصةً وهو مع قوة قبضه، عَطِرٌ، قليلُ الحرارة والحِدَّة.

__________

(1) :. رغبى.

(2) ن: صيرى.

(3) - ن.

(4) :. بها.

(5) :. يعتصر.

(6) هكذا فى المخطوطتين، والأصوب: لطيفٌ.. لأن الوصف للأكثر، وليس للأجزاء.

(7) مطموسة فى هـ.

(8) هكذا فى المخطوطتين، ولعلها: نبط.. ومنها النوع: النبطى.

(2/480)

وما كانت هذه الأرضية فيه قليلة، فهو أقل قبضاً، وأقل برداً؛ ولذلك كانت (1) عصارة هذا الدواء أشد حرارة، وجِرْمُهُ؛ لأجل قلة الأرضية فيها؛ ولذلك هى كالفاقدة (2) للقبض. وكذلك ما يكون فيه عطرية كالصنف النبطى منه؛ فإنه يكون أكثر تقويةً للأحشاء وللروح، مما ليس كذلك

__________

(1) :. كان.

(2) ن: كالعاقدة.

(2/481)

الفصل الثانى فى طَبِيعَة الأَفسَنتِينِ وأَفعَالِهِ على الإِطلاَقِ

إنَّ هذا الدواء، لما كان مركَّباً من أرضية بعضها باردٌ قابضٌ (1) ، وبعضها حارٌّ مُرّ (2) ، ومن ناريةٍ حريفة، ومن هوائيةٍ بها هو خفيف، ومن مائيةٍ ليست بيسيرة؛ فلابد وأن يكون هذا الدواء حاراًّ يابساً، ولابد وأن تكون حرارته يسيرة؛ لأجل كثرة المائية، ولابد وأن تكون يبوسته زائدة؛ لأن الأرضية كثيرة ويبوسة الأرضية شديدة. وأما المائية فمع ضعف رطوبتها، هى أقل من الأرضية ولذلك فإن هذا الدواء ليس فيه تفاهةٌ ظاهرة. وأما الهوائية التى فيه، فلا تأثير لها فى الرطوبة؛ فلذلك يجب أن تكون يبوسة هذا الدواء شديدةً، خاصةً والجزء النارى فيه جوهره يابسٌ.

وتحليل هذا الدواء يُعين على يبوسته؛ ولذلك هو مجفِّف، وعصارته أشدُّ حرارةً من جِرْمِهِ، وأقلُّ يبوسةً؛ وذلك لأن الأرضية فى العصارة، لابد وأن تكون أقل. وأما النارية فتكون فيها أزيد؛ لأنها لأجل لطافتها تصحب المائية المعتصرة، وتفارق.. (3) فلذلك تكون هذه العصارة لذاعة، قليلة.. (4) فلذلك تضر المعدة، مع أن الأَفْسَنْتِيَ نافعٌ لها جداً. ومنه ((5) أكثر برداً وتقويةً، وأقل

__________

(1) :. باردة قابضة.

(2) :. حارة مرة.

(3) بياض بالأصل، بمقدار كلمة واحدة، أظنها: الأرضية.

(4) بياض فى الأصل، بمقدار كلمة واحدة، أظنها: النفوذ.

(5) :. منه.

(2/482)

تحليلاً، لأن المائية الباردة القابضة فيه أكثر.

وقد علمت أن جوهر هذا الدواء لطيفٌ (1) . فأقول أيضاً: إنه ملطِّفٌ وذلك بما فيه من النارية. وهذا الدواء بما فيه من القَبْضِ يقوِّى، ويشدُّ، ويجمع أجزاء العضو. وبما فيه من المرارة يجلو ويحلِّل قليلاً. وبما فيه من الحرافة، يحلِّل كثيراً ويفتِّح، وكذلك يفعل ذلك بما فيه من المرارة. وبما فيه من المائية، يغسل. وبما فيه من اليبوسة مع التحليل، يجفف.

ولأجل تجفيفه مع التحليل والجلاء، هو منقّ (2) . وبما فى النبطى من العطرية يُفَرِّح، ويقوِّى القلبَ والروح، فَتَقْوَى على دفع السموم، فيكون بذلك تِرياقاً بوجهٍ ما. وفى الأَفْسَنْتِينِ مع التجفيف تليينٌ؛ لأن حرارته ليست شديدة جداً. فلذلك هو نافعٌ من الصلابات الباطنة؛ ولأنه قوىَّ التفتيح، فهو لذلك مُدِرٌّ.

ولما كان هذا الدواء مُرًّ، حريفاً، لطيفاً؛ فهو - لامحالة - مباينٌ لطبيعة الغذاء؛ فلذلك يكون دواءً صرفاً. ولأجل مرارته ينافى طبيعة الحيوان؛ فلذلك هو يقتل الديدان، ويمنع تسوُّس النبات، ويحفظ الكاغد من القرض بالأَرَضَة (3) ونحوها. وإذا جُعل هو وماؤه (4) مع المداد، وكُتب به، لم تقرض الفأرُ الكتابَ ويحفظ الكتاب من التغيُّر، بتجفيف الرطوبات المائية الفضلية، التى تعدُّه للفساد.

__________

(1) :. لطيفاً.

(2) :. منقى.

(3) ن: كالأرضة (والأرضة: نوعٌ من السوس يأكل الكتب والأوراق) .

(4) :. وما.

(2/483)

الفصل الثالث في طَبِيعَةِ الأَفسَنتِينِ فى أَعضَاءِ الرَّأسِ

إنَّ هذا الدواء - لأجل قبضه - إذا شُرب قبل الشراب، منع الخمار وسرعة السُّكْر، وذلك لتقويته فم المعدة، ومنعه من (1) تصعُّد أبخرة الشراب. وكذلك إذا تنقَّل ((2) بشرابه على الشراب، وَلعِقَ جِرْمُهُ بشرابٍ قابضٍ، كشراب الآس ونحوه. والنبطى بهذا أولى، لأنه أكثر قبضاً من غيره.

وبهذا الوجه، فإن الأَفْسَنْتِينَ إذا استُعمل، نفع من الصداع الكائن من بخار المعدة. وأما عصارة الأَفْسَنْتِينِ فإنها إذ استُعملت على هذه الصورة (3) أعنى مشروبةً أو ملعوقةً ونحو ذلك؛ فإنها تُصدِّع؛ وذلك لأنها - لقلة الأرضية القابضة فيها - ليست تقبض قوياً؛ فلذلك ليست تُقوِّى فم المعدة بقوة، فلا تمنع البخار عن التصعُّد؛ ولذلك فإنها لاتنفع فى الخمار. ومع أنها لا تمنع الخمار فإنها تبخِّر بقوة حرارتها، وتلذع المعدة بحدَّتها، وذلك من أسباب الصداع فلذلك كانت (4) عصارة الأَفْسَنْتِينِ مصدِّعةً (5)

وإذا ضُمِّد الرأس بالأفسنتين قوَّاه، وجفّف رطوباته الفضلية، وذلك بما فيه

__________

(1) :. ونفعه للمرة.

(2) ن: تنقل.

(3) هـ.

(4) :. كان.

(5) :. مصعدة.

(2/484)

من القَبْضِ والتجفيف والتحليل؛ فلذلك قد ينفع جداً من النزلات. وفعل العصارة فى ذلك أقل، لقلَّة تجفيفها، وخلوِّها من التقوية القوية.

وبخار الأَفْسَنْتِينِ المطبوخ إذا حوذى (1) به الأذن، قوَّاها لامحالة، وحلَّل فضولها. فلذلك، ينفع من أوجاع الأذن. والعصارة تنفع أيضاً فى ذلك، ولكنها لاتقوى كثيراً، بل تحلِّل مادة الوجع بقوة (2) . وكذلك الأَفْسَنْتِينُ نفسه، إذا ضمِّدت به الأذن الوَجِعَة، سكَّن وجعها، خاصةً معجوناً بالعسل، وإذا ضُمِّدت به أورام ما خلف الأذن، نفع منها، بتحليله مع قلَّة قبضه. ونَفْعُ العصارة فى هذه الأورام، أكثر. ولذلك (3) النبطى من الأَفْسَنْتِينِ أكثر من نفع غير النبطى لأن النبطى أقوى قبضاً، وأضعف تحليلاً.

وإذا أُدخل فى الأذن فتيلةُ من الأَفْسَنْتِينِ المعجون بالعسل ونحوه، نفع من رطوبات الأذن؛ وذلك لأجل تجفيفه. ونَفْعُ النبطى فى هذا أكثر؛ لأنه أكثر أرضية. وإذا طُبخ فى دهن اللوز، ثم أُضيف إليه مرارة الماعز، وقُطِّر فى الأذن حلَّل رياحها، ونقَّى قروحها، ونفع من الصمم (4) سريعاً جداً.

وإذا شُرب الأَفْسَنْتِين بالعسل (5) ، نفع من السكتة؛ وذلك لأجل منعه (6) الأبخرة من الدماغ مع تجفيفه له، وتقويته إياه. وكذلك أيضاً ينفع من الصرع

__________

(1) ن: تنقل.

(2) :. مصعدة.

(3) :. وكذلك غير.

(4) ن: الضمم.

(5) مطموسة فى ن.

(6) مطموسة فى ن.

(2/485)

والفالج. وإذا اكتُحل بالأفسنتين؛ نفع من الرمد العتيق؛ وذلك لأجل زيادة تجفيفه مع التقوية. والنبطىُّ فى هذا أَنفع، لأنه مع زيادة تجفيفه وتقويته - لأجل زيادة قبضه وأرضيته - فإنه عَطِرٌ، وأقلُّ لَذْعاً للعين؛ وذلك لأجل قِلَّةِ حرارته.

وعصارة الأَفْسَنْتِينِ أقل فعلاً فى ذلك؛ لأجل قوَّة حرارتها، وحِدَّتها، مع قلة تقويتها، وتجفيفها. وإذا ضُمدت العين بالأفسنتين يفعل ذلك. وإذا ضُمد به مع المِيبَخْتَجِ (1) سكَّن ضربات العين، أو فى موضع آخر (2) ؛ وذلك لأجل تحليله الدم الجامد، والعصارة فى هذا أولى.

وإذا اكتُحل بالأفسنتين؛ نفع من الغشاوة - خاصةً معجوناً بالعسل - وذلك لأجل تحليله مع تقوية جرْمِ العين. وهو يحدُّ البصر بما فيه من التلطيف الملطِّف للروح، مع تقويته للعين، وتحليل فضولها، لأجل جلائه (3) . وكذلك إذا اكتُحل به؛ نفع من الوَدَقة (4) بتحليله مادتها (5) . وكذلك إذا ضُمدت به العين؛ نفع من

__________

(1) الكلمة غير واضحة فى المخطوطتين، وضبطناها بالرجوع إلى الرازى وابن البيطار (الحاوى 120/20 - الجامع 42/1) والمِيبَختَجُ: العنبُ المطبوخ. والكلمة فارسية معربة، مركبة من مى، بخته أى خمر، مطبوخ. وهو عسل العنب، لكن الأطباء يغلونه مرةً ثانية بالسكر والعسل (معجم الألفاظ الفارسية ص 148) .

(2) يقصد: الضربان فى أى موضعٍ كان.

(3) :. ولأجل جلاه.

(4) جمع القوصونى ما جاء فى معنى هذه الكلمة، فقال: الودقة، بالفتح، وتحرَّك. قال فى القاموس: هى نقطة حمراء تخرج فى العين من دمٍ تشرق به أو لحمةٍ تعظم فيها. وقال فى لسان العرب: هى نقطة فى العين من دم يبقى فيها.. والجمع: ودق. وقال فى التجريد: هى بثرةٌ جاسية حادة.. وقال فى المهذَّب: هى ورمٌ صغير صلب عن دمٍ كثيف أو بلغم غليظ.. (قاموس الأطباء 319/1) .

(5) ن.

(2/486)

أورامها، خاصةً القليلة الحرارة والباردة، وهو شديد النفع لغلظ الأجفان. وإذا ضُمدِّت به العين المطروفة، مسحوقاً، مصروراً فى خرقةٍ كتانٍ مغموسة فى ماءٍ حارٍّ؛ نفع الطرفة جداً، وحلَّل ما يكون قد احتبس فيها من الدم؛ حتى قيل إن ذلك الدم يخرج إلى الأَفْسَنْتِينِ حتى إذا اعتُصِرَت تلك الصُّرَّة، خرج منها ذلك الدم.

(2/487)

الفصل الرابع فى فِعلِ الأَفسَنتِينِ فى أعضَاءِ الصَّدرِ

لما كان هذا الدواء مقوِّياً، فهو - لامحالة - يقوِّى القلب، خاصةً النبطى منه؛ فإنه وإن كان أقل قَبْضاً، فإنه عَطِرٌ؛ والعطريَّةُ أقوى تقويةً (1) للقلب (2) . وكذلك فإن هذا النبطى ينفع من الخفقان؛ ولأن ما (3) فيه مع العطرية يلطِّف فلذلك هو يلطِّف الروح مع تقويته لها بالعطرية، وليس فيه من الحرارة والحِدَّة ما يجعل الروح شديدة الاستعداد للحركة إلى خارج دفعةً، بل إنما يعدُّها لتلك الحركة برفق؛ فلذلك هو مفرِّح، وليس يغضب إلا فى الأبدان الحارَّةِ جداً.

والأَفْسَنْتِينُ ينفع من التمدُّد تحت الشراسيف، لتحليل المواد الفاعلة لذلك مع تقويته لهذه الأعضاء. وإذا ضمِّد به داخل الحنك مع النطرون نفع من الخنَّاق الباطن.

__________

(1) هـ: بتقوية، ن: بتقويته.

(2) :. القلب.

(3) -:.

(2/488)

الفصل الخامس فى فِعلِ الأَفسَنتِينِ فى أعضَاءِ الغِذَاءِ

إنك قد علمتَ أن الأَفْسَنْتِينَ ((1) بعيدٌ جداً عن جوهر الغذاء؛ فلذلك (2) ليس يغذو (3) شيئاً من الأعضاء. وعلمتَ أنه يقوِّى المعدة، وأن عصارته تضرُّ المعدة وفمها، لما فيها من اللذع - بزيادة الحرارة والنارية - مع قلَّة القَبْضِ المقوِّى، لأجل قلة الأرضية. وكذلك الحشيش (4) من غير النبطى يضرُّ فم المعدة، بخلاف النبطى فإن النبطى لزيادة أرضيته الباردة القابضة تشتد تقويته لفم المعدة من غير لذع يحدثه؛ لأجل قلة مرارته، ومع ذلك فإنه عَطِرٌ؛ فلذلك هو موافقٌ لفم المعدة وينفع من أورامها؛ لأنه ليس بلاذعٍ كما فى الحشيش.

وجميع أجزاءُ الأَفْسَنْتِينِ وشرابه وعصارته، كل ذلك يردُّ الشهوة جداً ويقوِّيها (5) ، وذلك إذا استُعمل من مائهِ أو طبيخه، كل يوم، ثلاثُ أوثولاسات (6) ولزم ذلك عشرة أيام. وهو دواءٌ عجيبٌ لذلك، لما فيه من التقوية مع الجلاء والتجفيف والتنقية من الفضول. وكذلك شرابه يفعل ذلك، إذا أُديم

__________

(1) ن: الافسبتين.

(2) ن: فكذلك.

(3) :. يغدوا.

(4) يقصد: الأفسنتين حشيشاً، غير مطبوخ أو معجون.

(5) سوف يعاود العلاء ذكر ذلك المقدار فيما بعد (انظر تعليقنا عليه هناك)

(6) ن: أوثلثات.

(2/489)

عليه. وكذلك إذا شُرب من شرابه كل يوم ثلاث أواقٍ (1) ؛ نفع جداً من اليرقان لأجل قوة تفتيحه مع تقويته للكبد (2) ، وكذلك إذا شرب طبيخ الأَفْسَنْتِينِ أو شُربت عصارته.

والتضميد به ينفع (3) من الإستسقاء (4) ؛ وذلك لأجل تجفيفه وتحليله، مع تفشيته للرياح، خاصةً إذا ضُمِّد به مع التين والنطرون ودقيق الشَيْلَمِ. فإن (5) الأَفْسَنْتِينَ كما علمت فيه جلاءٌ، فلذلك من شأنه إحدار ما يجده فى المعدة ونواحيها، وذلك إذا كان ما هناك سَهْل (6) الانحدار، سهل القبول للانفعال عن الجالى. فلذلك، كان الأَفْسَنْتِينُ يحدِّرُ الصفراء عن المعدة ونواحيها، بما فيه من الجلاء؛ لأن الصفراء شديدة القبول لذلك. وأما البلغم، خاصةً الغليظ اللزج فإن الأَفْسَنْتِينَ ليس يقوى على إحداره عن المعدة، فضلاً عن المحتبس فى الصدر أو فى الرئة؛ وذلك لأجل عسر قبول هذا البلغم للانفعال عن فعل الجالى. وأكثر إخراجه للصفراء من المعدة، إنما هو بالإدرار، وذلك لما فيه من القوة المدرَّة على ما تعلمه بعد.

وهو شديدُ النفع لأورام الأحشاء، خاصةً المعدة والكبد والطحال؛ وذلك لأجل تحليله مع القَبْضِ، وهو شديدُ التسكين لأوجاع (7) هذه الأعضاء إذا ضُمِّدت به؛ فلذلك تضمَّد به المعدة الوَجِعَة، مخلوطاً بدهن الورد والشمع.

__________

(1) هـ: أواقى.

(2) ن: لكبد.

(3) :. نفع.

(4) ن: الإسنسقاء.

(5) :. كان فان!

(6) مكررة فى ن.

(7) ن، هـ.

(2/490)

وكذلك، يضمَّد به الطحال مخلوطاً بالتين، والنطرون، ودقيق الشيلم. وكذلك تضن به الخاصرة معجوباً بالموم (1) المذاب فى دهن الحنَّاء، فيسكن (بذلك (2) أوجاع هذه الأعضاء. وشراب الأَفْسَنْتِينِ ينفع الأحشاء جداً ويقوِّيها، ويبرئ من الأمراض) (3) التى يبرئ منها جِرْمُهُ، وكذلك إذا لم تكن (4) حمى تمنع من شربه. وقد كان جماعةٌ من الأولين يشربونه لحفظ الصحة (5) .

ولأجل نفع الأَفْسَنْتِينِ وشرابه للأحشاء، هو نافعٌ جداً للاستسقاء، ولسوء القنية، وينفع الصلابات الباطنة شرباً وضماداً. وهو مع حرارته يقوِّى المعدة الحارة والصفراوية؛ وذلك لأجل إخراجه المادة الحارة الحادة منها؛ فلذلك هو شديدُ النفع لضعف العصب وبرده (6) ، إذا كانت معدته حارة صفراوية؛ لأنه بحرارته وقبضه يقوِّى العصب ويسخِّنه، وبتنقيته للمعدة من المرار يقوِّيها ويصلحها ويرد شهوتها الباطلة (7) . وإذا طُبخ بالخل وضمِّد به الطحالُ؛ نفع من وجعه. وقد يُطبخ مع الزبيب والزيت، ويضمَّد به الكبد الوارمة فى آخر ورمها فينفعها بتحليل بقايا ذلك الورم.

__________

(1) الموم: الشمع.

(2) هـ: لذلك

(3) ما بين القوسين - ن.

(4) :. يكن.

(5) عند ابن البيطار: وقد يُعمل منه شرابٌ يُسمَّى الأفسنتين، خاصةً فى البلاد التى يقال لها زيدقطس والبلاد التى يقال لها براقى، ويستعمله أهل هذه البلاد فى الأمراض المذكورة، إذا لم تكن حمى، ويشربوه (1) أيضاً على وجهٍ آخر، بأن يتقدَّموا فى شربه فى الصيف، لأنهم يظنون أنه يورثهم صحة (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية 42/1) .

(6) :. وبارده.

(7) الإشارة هنا إلى ما كان يُعرف بالشهوة الكلبية للطعام، التى تخرج فيها عملية اشتهاء الطعام عن الحدِّ الواجب. وقد ذكر العلاءُ هذا الأمر فيما سبق، وعاد إليه هنا ليؤكِّده.

(2/491)

الفصل السادس فى فِعلِ الأَفسَنتِينِ فى أَعضَاءِ النَّفضِ

قد بيَّنَّا أولاً أن هذا الدواء مُسهلٌ، وأنه يُسهل بما فيه من الجلاء. وبيَّنَّا أنَّ جلاءه ليس بشديدٍ جداً؛ فلذلك إنما يُسهِّل ما يَسْهُل إخراجه بالجلاء، وإنما يكون ذلك إذا كان المخرج رقيق القوام، سهل الانفعال، وذلك كالصفراء والفضول المائية؛ فلذلك كان هذا الدواء يسهل المائية والصفراء، وإسهاله للصفراء ليس بقوىٍّ (1) جداً؛ فلذلك إنما يسهلها إذا كانت فى المعدة ونواحيها ولا يسهلها إذا كانت بعيدة، خاصةً إذا كانت عند الجلد أو فى المفاصل.

وأما البلغم فإنه لغلظه ولزوجته، ليس يسهل إخراجه بالجلاء، ما لم يكن ذلك الجلاء قوياً جداً.وهذا الدواء ليس كذلك؛ لأن هذا الدواء فيه أرضيةٌ باردة وقَبْضٌ، وذلك ينافى الجلاء؛ فلذلك هذا الدواء ليس يَقْوَى على إسهال البلغم اللزج، وإن كان فى المعدة أو فى الأمعاء، فضلاً عن الكائن فى الرئة ونحوها من أعضاء الصدر.

وإذ (2) هذا الدواء ليس يقوى على إسهال البلغم، فأن (3) تعجز قوته عن إسهال السوداء، أولى؛ وذلك لأن إسهالها (4) أعْسَرٌ - لامحالة - من إخراج البلغم

__________

(1) ن: مقوى.

(2) :. إذ.

(3) :. فلان.

(4) :. إسهال، هـ: اخراج.

(2/492)

فلذلك، كان إسهال هذا الدواء خاصّاً بالصفراء، وذلك إذا كانت الصفراء فى المعدة وما يقرب منها. وإذ إسهال هذا الدواء ضعيفٌ، فإنما يقوى على الإسهال إذا كانت المادة سهلة الإجابة، وإنما يكون كذلك إذا كانت نضيجة؛ فلذلك هذا الدواء إذا استُعمل بعد النضج، أسهل برفق؛ وإن استعمل قبل النضج لم يقو (1) على الإسهال، وكان قابضاً بقبضه؛ فلذلك يكون - حينئذ - محرِّكاً للمادة تحريكاً ضاراً.

وقد بيَّنَّا أن هذا الدواء يجب أن يكون قوىَّ التفتيح؛ وذلك لأنه مع حرارته ومرارته، وحرافته؛ لطيفُ الجوهر. وجميع ما هو كذلك، فهو قوىُّ التفتيح. وإذا كان كذلك، فهو - لامحالة - مُدِرٌّ. وإذن، يجب أن يكون هذا الدواء مدرًّ والإدرار قد يكون للبول، وقد يكون للحيض. وهذا الدواء يُدِرُّهُمَا جميعاً وذلك لأجل حدَّته وتحريكه للدم.

وإخراج الصفراء بالإدرار، لاشك أنه أسهل كثيراً من إخراج البلغم بذلك فلذلك، أكثر إدرار هذا الدواء، إنما هو للصفراء، وذلك إنما يكون بتحريك الصفراء إلى محدَّب الكبد، إما من جهة الأمعاء، أو من جهة العروق. لكن ما كان من الصفراء فى الأمعاء أو فى المعدة، كان إخراجه بالإسهال أولى؛ لأن ذلك أقرب، وكذلك ما يكون منها فى مُقَعَّر الكبد. فلذلك إدرار هذا الدواء للصفراء، أكثره إنما يكون من الصفراء التى فى العروق. فلذلك هذا الدواء يشفى من الحميات العتيقة والبثور الصفراوية ونحو ذلك.

وكذلك هو دواءٌ يحفظ الصحة؛ لأنه بإخراجه ما فى العروق من المواد يخلِّص البدن من فضول الصفراء، وذلك مما يؤمن معه حدوث الأمراض الصفراوية

__________

(1) :. يقوى.

(2/493)

كالحميات ونحوها. وهذه الأمراض قد بيَّنَّا أنها أكثر الأمراض الواقعة؛ فلذلك كان هذا الدواء مخلِّصَ البدن من الأمراض الواقعة فى أكثر الأمر، وما كان كذلك فهو - لامحالة - حافظٌ للصحة.

فلذلك، هذا الدواء حافظٌ للصحة، ومع ذلك فإنه يحفظ الصحة بإسهال الصفراء، وبإدرار الحيض، وبتقويته الأعضاء الهاضمة كلها؛ فلذلك كان الأوَّلون يستعملون شراب هذا الدواء كثيراً، لأجل حفظ الصحة. ومع أنه يخلِّص البدن من الأمراض الصفراوية، فإنه أيضاً ينفع أصحاب المرَّة السوداء نفعاً كثيراً وذلك إذا كانت سوداؤهم صفراويةً؛ وسبب ذلك: إخراجه لمادة هذه السوداء التى هى الصفراء. والشربة من هذا الدواء إما (1) منِ جرْمِهِ فمن مثقالٍ إلى درهمين، وإما من طبيخه ونقيعه فمن خمسة دراهم إلى سبعة دراهم، هذا إذا أخذ هذا الدواء مع غيره.

وإن أخذ جِرْمُهُ مفرداً فقدر شربته من مثقالٍ إلى مثقال ونصف، وأزيد من ذلك قليلاً. وهو وشرابه، كُلٌّ منهما ينفع البواسير، وشقاق المقعدة شرباً وكذلك إذا ضمِّد بجِرْمِ هذا الدواء مع أدويةٍ تناسب هذا المرض، ومع المراهم المتَّخذة له، وكذلك إذا نُطلت المقعدة بطبيخه؛ وسبب ذلك. ما فى هذا الدواء من القبض والتقوية (2) .

وطبيخه بانفراده أو مع الأرز أو العدس، إذا شرب بالعسل، قتل الدود وأخرجه، وليَّن البطن قليلاً. وكذلك شرابه يفعل ذلك، مع أنه ينقِّى العروق من الخلط المرارى، وهو الفضل المائى؛ وذلك لأجل قوة إدراره وتحريكه الفضول إلى

__________

(1) - ن.

(2) ن.

(2/494)

جهة البول. وكذلك إذا تُحُمِّلَ به مع العسل. أَدَرَّ الحيض بقوة، وعصارته - فيما أظن - أقوى إدراراً للبول وللطمث؛ وذلك لأجل زيادة حِدَّتها، مع قِلَّة قَبْضِها.

(2/495)

الفصل السابع فى فِعلِ الأفسَنتِينِ فى الأَمرَاضِ التى لا اختِصَاصَ لها بعُضوٍ

قد بيَّنَّا أنَّ هذا الدواء قوىُّ الإدرار للمرار الأصفر، وللفضول المائية، وأنه (1) يسهل الصفراء، ويحرِّك دم الطمث، ويدرُّه بقوة؛ فلذلك هذا الدواء شديد النفع من الأمراض الصفراوية، بل من الأمراض الحادة كلها؛ لأن أكثر الأمراض الحادة صفراوية، والتى منها (2) ليست كذلك، فإن الصفراء لابد وأن تكون معها ما ينبغى أن ينقَّى البدن منه؛ فلذلك هذا الدواء نافعٌ من الأمراض الحادة كلها. ومن جملة هذه الأمراض الحميات، فلذلك ينبغى أن يكون هذا الدواء نافعاً فيها.

ولكن الحرارة الموجبة، لابد وأن تكون فى الحميات شديدة، وهذا الدواء كما علمت حارٌّ؛ لا بما هو منقٍّ؛ فلذلك إذا بطل إضراره بالحرارة لم يكن - حينئذ - ضارَّاً، وذلك إذا كانت تلك الحميات فى آخرها؛ فإنَّ أواخر الحميات تستعمل (3) فيها الأدوية القليلة الحرارة؛ وذلك لأجل شدة الحاجة - حينئذ - إلى التحليل.

وإذ هذا الدواء ينقِّى الدم من الفضول الصفراوية والمائية، بالإدرار والإسهال ويخرج الطمث؛ فهو - لامحالة - محسِّنٌ اللَّون؛ لأن الدم إنَّ نُقِّى من هذه الفضول

__________

(1) ن: وأن.

(2) :. منه.

(3) ن: يستعمل.

(2/496)

كان المتحرِّك منه إلى ناحية الجلد جيداً مشرقاً، ويلزم ذلك أن يكون اللون أحسن خاصةً وخروج الحيض ينقِّى الدم من الفضول جميعها، وذلك بما يوجب حُسن اللون؛ فيكون محسِّناً للون البدن، خاصةً وهذا الدواء بتلطيفه يرقّق قوام الدم وبحرارته يحرِّك الدم الصحيح إلى ناحية الجلد، ويلزم ذلك أن يحسِّن اللون. وأما الدم الردئ فإن هذا الدواء، وإن حرَّكه فإنما يحرِّكه إلى جهة الرحم، ليخرج طمثاً، وذلك مما يعين على تحسين اللون.

وكذلك هذا الدواء نافعٌ من الأورام والبثور، أما إذا شرب فظاهرٌ (1) وذلك لأجل تنقيته البدن من المادة المولِّدة لها. وأما إذا استعمله من خارج فلأجل ما فى هذا الدواء من التحليل، مع القبض والتقوية.

ونَفْعُ هذا الدواء - إذا شرب للشَّرَى (2) أَزْيد؛ وذلك لأجل إخراجه المادة المحدثة لغليان الدم المحدث للشَّرَى (3) وذلك لأن هذا الدواء يخرج الصفراء والفضول المائية، وذلك مما يبطل غليانه المحدث للشرى؛ لأن حدوث الشرى إنما يكون إذا حدث للدم غليانٌ، تروم الطبيعة به دفع الفضل الذى يعدُّه (4) لقبول العفونة، وهذا الفضل هو الفضل (5) المائى. وإذا كان فى الدم فضلٌ صفراوى

__________

(1) ن: فطاهر.

(2) فى المخطوطتين: الشرا. وقد تُقرأ: الشراء! وهى تُكتب أيضاً.. وهو كما يقول القوصونى فى قاموسه: بثورٌ صغار مسطحة. تحدث دفعةً، ويشتد غمُّها وكربها ليلاً وسببها بخارٌ حارٌّ يثور فى البدن دفعةً، إما عن دمٍ مرى، أى صفراوى غالباً، او عن بلغمٍ مالحٍ نادراً (قاموس الأطباء 252/2) ويلاحظ هنا أن العلاء يتحدث عن فعل الافسنتين فى إخراج الصفراء، التى تُحدث - غالباً - هذه البثور.

(3) :. الشراء (وهكذا فى المرات التالية التى تكررت فيها الكلمة) .

(4) ن: بعده.

(5) ن.

(2/497)

كان حدوث العفونة عند زيادة المائية أكثر؛ لأن الصفراء بحرارتها تفعل العفونة فى الدم المستعد لها. فلذلك إذا خلا الدم من الفضل المائى، والفضل الصفراوى كان بعيد جداً عن حدوث الغليان، وذلك مما لا يكون معه شرى.

ولما كان هذا الدواء ينقِّى البدن من الفضل المائى، فهو - لامحالة - شديدُ النفع من سوء القنية، ومن الاستسقاء، خاصة وهو مع فعله ذلك يقوِّى الأعضاء الهاضمة كلها، وذلك من أعظم أسباب بطلان الاستسقاء.

وكذلك، هذا الدواء ينفع من داء الثعلب، وداء الحية. أما إذا استُعمل من خارج؛ فلأجل ما فيه من الجلاء والتحليل، وأما إذا استعمل من داخل، فلأجل تنقية البدن. وهذا إنما يكون - حينئذ - إذا كان داء الثعلب وداء الحية حادثْينِ عن مادة حادة.

وكذلك، هذا الدواء ينفع جداً من أوجاع المفاصل، وذلك إذا كان حدوث ذلك الوجع من خلطٍ حاد، وإنما كان كذلك لأن هذا الدواء من شأنه استفراغ الفضل الصفراوى الحادِّ، وتنقية العروق منه (1) .

__________

(1) ن: منهم.

(2/498)

الفصل الثامن فى حَالِ هذا الدَّوَاءِ فى التِّرْيَاقِيَّةِ ومُقَابِلها

إِنَّا قد بيَّنَّا أن هذا الدواء ليس يخلو من ترياقية؛ فلذلك لابد وأن يكون نافعاً فى دفع السموم. وله سموم يختصُّ بدفعها ودفع أذاها، وهذه السموم هى الحادثة عن نهش التنين البحرى، والحادثة عن لذع العقرب، وعن نهشة موغالى، وعن تناول الشوكران، وذلك إذا شُرب هذا الدواء بالشراب.

وكذلك هو نافعٌ من حنق الفطر، وذلك إذا شرب بالخل. وإذا رُش طبيخه فى البيت، أمات البقَّ والبراغيث. وإذا بَلَّ طبيخه أو نقيعه المداد (1) ؛ لم تقرض الفأرُ الكتاب الذى يكتب به. وإذا أعوز أُبدل بالجعدة أو بالشيح الأرمنى ويقوم مقامه فى تقوية المعدة الأسارون مع نصفه إهليلج.

__________

(1) مطموسة فى هـ.

(2/499)

المقالة الخامسة والثلاثون فىِ أَحْكَامِ الأَفْيُونِ

وكلامُنا فى ذلك، يشتمل على أربعة فصول.

(2/501)

الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ الأَفيُونِ

إنَّ الأفيون (1) دواءٌ مصرى يتَّخذ بأرض مصر، خاصةً بالصعيد (2) منها خاصةً فى مدينة تعرف (3) بسيوط (4) . واتخاذه هو من الخشخاش الأسود وذلك على وجهين.

أحدهما: أن تجمع رؤوس ذلك الخشخاش وأوراقه، ويعتصران باللبوب المعمول (5) لعصر ما يحتاج إلى عصره بقوة، ثم تؤخذ تلك العصارات وتُسحق على صلاية، سحقاً محكماً ثم تقرَّص وتجفَّف (6) فى الشمس، وما يتَّخذ على هذا الوجه، فإنه يُخَصَّ باسم منفونيون (7) .

__________

(1) ذكر ابن البيطار ذلك، نقلاً عن التميمى، قال: أفيون هو لين الخشخاش الأسود، ليس يُعرف على الحقيقة في بلدان المشرق ولا فى بلدان المغرب أيضاً، إلا بديار مصر، وخاصة بالصعيد بموضع يُعرف بأسيوط (الجامع 45/1) وعارضه داود الأنطاكى، بقوله: أليون يونانى، معناه: المسبت. وهو عصارة الخشخاش. وبالبربرية: الترياق، والسريانيى: شقيقل، أى: المميت للأعضاء.. وأجوده الصعيدى، ثم الرومى. وله وجود بغالب المغرب والشمال، خلافاً لمن أنكره (التذكرة 52/1) .

(2) ن.

(3) - ن.

(4) يقصد: أسيوط. وكانت تُعرف أيضا باسم سيوط ومهنه جاء لقب: السيوطى.

(5) ن: المغمول.

(6) :. يقرص ويجفف.

(7) فى المخطوطتين: سفرنيون.. وضبطناها اعتماداً على ابن البيطار (الجامع 45/1) .

(2/503)

وثانيهما: أن يُشرط (1) رأس ذلك الخشخاش بسكين ونحوها، شرطاً لا يبلغ إلى حدِّ يخرق جِرْمَهَا. ثم يشرط من جانب هذا الرأس شرطاً آخر طولانياً مستقيماً، مبتدئاً من الشَّقِّ (2) الأول، وذاهباً على الاستقامة فى طول رأس الخشخاشة. ثم يؤخذ ما يخرج - حينئذ - من الصمغ، ويُجعل فى صدفه ويُعاود ذلك مراراً، كلما حصل فى ذلك الشَّقِّ شئٌ من ذلك الصمغ أُخذ، وقد يُستمر ذلك إلى اليوم الثانى. وإذا جمع هذا الصمغ جميعه، بولغ فى سحقه على صلاية، ثم يقرَّص ويرفع. والمعمول على هذا الوجه أقوى قوَّةً، وأجود، من المعمول على الوجه الأول.

والمشهور عند المتأخرِّين، أنَّ المعمول على الوجه الثانى هو لبن ذلك الخشخاش (3) ، أعنى الأسود، وليس ذلك بحق؛ فإن هذا الأفيون دهنىٌّ، ولذلك يشتعل إذا قُرِّب من النار (أو) (4) لهب السراج ونحوه، واللبن ليس كذلك. ومن تأمَّله عَلِمَ أن جوهره جوهر الصموغ لا جوهر الألبان، ولذلك كان هذا الدواء يُغَش بصموغ أُخر، ولولا مشابهته لما أمكن ذلك.

ولما كان هذا الدواء صمغاً، ففيه - لامحالة - دهنيةٌ، ودسومةٌ، وهوائيةٌ وحرارةٌ، وأرضيةٌ، ومائيةٌ. وذلك لأنَّا بيَّنَّا أن جواهر الأدهان جميعها، تُحقَّق بأرضيةٍ لطيفة، تخالطها هوائيةٌ، وحرارةٌ، ومائيةٌ يسيرة. وبيَّنَّا أن جواهر الصموغ كلها مركَّبة مما قلناه، ومن جملة ذلك: هذا الدواء، وهو الأفيون.

__________

(1) ن: يشرطه.

(2) مطموسة فى هـ.

(3) يشير العلاء هنا، بشكل غير مباشر، إلى ابن البيطار.. فلا يذكر اسمه، وإنما يجعله: بعض المتأخرين! ولا ندرى السبب فى إصرار العلاء على (تجهيل) معاصريه.

(4) -:.

(2/504)

ولكن أرضية هذا الأفيون بعضها لطيفةٌ جداً، حارَّةٌ، شديدةُ المرارة وهى التى بها تحدث الدُّهنية وبها يكون هذا الدواء مُراًّ. وبعضها - وهو أكثرها - شديدة (1) البرد جداً، جامدة بقوة البرد. وقد علمْتَ أن جميع الأجسام اليابسة فإن البرد الشديد يُحدث فيها سواداً (2) ؛ فلذلك هذه الأرضية لونها أسود بسبب قوة البرد. وأما الأرضية الأخرى المرة المحترقة؛ فإنها أرضية تخالطها مائية يسيرة لأنها هى الأرضية التى بها هذا الدواء يكون دهنياً؛ فلذلك يكون حال هذه الأرضية عند فعل الحرارة فيها، كحال الحطب الرطب؛ فلذلك تكون الحرارة المحرقة لها مُسَوِّدة لها، كما يحدث الفحمُ عن الحطب الرطب، إذا فعلت فيه النار فعلاً ليس بالشديد جداً، وكذلك الحرارة المحرقة لهذه الأرضية. ومن سواد هاتين الأرضيتين، يكون هذا الدواء أسود اللون؛ ولأجل ما فيه من الهوائية يكون هذا السواد ليس بمفرط؛ وذلك لأن الهوائية إذا دخلت الأجسام بيَّضتها؛ فلذلك فإن الصبر مع سواده إذا سحق ابيَضَّ، وذلك لأجل مخالطة الهوائية له. وبهذه الهوائية يكون جوهر الأفيونِ خفيفاً، مع أن الأرضية فيه كثيرة.

وإذا جُعل هذا الأفيونُ على النار، وذلك بأن يُقلى على صحيفة ونحوها قلَّ سواده، وصار لونه أحمر. وما ذاك إلا لأن سواد الأرضية الجامدة، يبطل (3) حينئذ ويبقى السواد، إذ إنما هو للأرضية الأخرى، وهى المرة.

وقد علمت أن البرد من شأنه إخماد الروائح، وضعف الآثار، وأن الحرارة من شأنها خلاف ذلك؛ فلذلك الأرضيةُ الحارّةُ التى فى هذا الدواء، تظهر

__________

(1) هكذا فى المخطوطتين، والأصوب: شديد.

(2) ن: سواد.

(3) :. تبطل.

(2/505)

للحاسة (1) فيظهر (2) طعمها، بخلاف الباردة الجامدة؛ فإنها وإن كانت أكثر مقداراً؛ فإنها تِفهة الطعم، ولا رائحة لها؛ وذلك لأجل البرد. فلذلك، يكون هذا الأفيون - مع برده الشديد - مُرُّ الطعم، حادُّ الرائحة.

وأما سواده، فلأجل سواد الأرضيتين اللتين سواد إحداهما لإفراط البرد وسواد الأخرى لقلة الحرِّ. وقلة سواده لأجل الهوائية، ولأجلها هو خفيفٌ. ولأجل ما فيه من المائية اليسيرة، هو متماسكٌ. ولأجل قلَّة (3) هذه المائية جداً هو يشتعل بدهنيته. ولأجل أن جمود أرضيته الباردة هو بإفراط البرد، صار الأفيونُ يذوب إذا جُعل فى الشمس الحارة. ولأجل أن أرضيته كثيرةٌ، هو ينداف (4) فى الماء؛ لأن أرضيته تتصغر أجزاؤها، وتخالط الماء.

وإنما يذوب الأفيونُ بالشمس، ولا يذوب عند القلى؛ لأن الحرارة النارية الغالبة، شديدةُ اليبوسة، فهى تعقد ما تغلب فيه الأرضية، لا تُذيبه. وأفضل الأفيونِ ما كان رزيناً، حادَّ الرائحة، هشَّاً، سهلَ الانحلال فى الماء، وفى الشمس يشتعل بسهولة، وشعلته غير مظلمة.

__________

(1) :. للحساسه.

(2) ن: فيطهر.

(3) مكررة فى هـ.

(4) هـ: يهنذاف، ن: بندا فى!

(2/506)

الفصل الثانى فى طَبِيعَةِ الأَفيُونِ وأَفعَالِهِ على الإِطلاَقِ

إنَّ هذا الدواء لما كان كثيرُ الأرضية، قليلُ المائية جداً، وَجَبَ - لامحالة - أن يكون شديدَ اليبوسة، خاصةً وما فيه من الهوائية؛ فإنها كما علمت لامدخل لها فى ترطيب (1) البدن. فلذلك، هو شديدُ اليبوسة، إذ (2) جوهر الأرض كذلك.

ويجب أيضاً أن يكون شديد البرد؛ لأن الأرضية الباردة فيه كثيرةٌ (3) جداً فإنه لولا هذه الأرضية الباردة جداً، لما كان الأفيونُ يذوب فى الشمس، مع أن المائية فيه قليلة، وإلا لما كان يشتعل بسهولة. ولولا كثرة هذه الأرضية (4) الباردة لما كان يخثر الماء تخثراً (5) كثيراً إذا أُديف (6) فيه، مع أن الأرضية الحارة قليلة جداً ولولا قلَّتها جداً، لما كان الأفيونُ يحْمَرُّ عند القلى؛ لأن تلك الأرضية الحارّة لو كانت كثيرة، لكانت تفى - حينئذٍ (7) - بسواده القوى؛ فلذلك لابد وأن تكون

__________

(1) :. طيب!

(2) ن: أو.

(3) :. كثير.

(4) هـ.

(5) ن: يخثر.

(6) :. أذيف. وصوابها ما أثبتناه، ففى اللغة: دَافَ الشىء دوفاً، وأدافه: خلطه. وأكثر ذلك فى الدواء والطيب (لسان العرب1034/1) . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خلاصة القول في الختان لا يثبت فيه نص محكم

الختان {ب بدر م الطب الاسلامي} بسم الله الرحمن الرحيم   خلاصة القول في الختان 1 1. انه مفروض بالنسبة للذكور 2. مكروه بالنسبة للإ...